‏إظهار الرسائل ذات التسميات تاريخ. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات تاريخ. إظهار كافة الرسائل

فلسفة التاريخ (زينب محمود الخضيري، عبد الله ابراهيم الدسوقي)

▬ وكما جعل أوغسطين التأريخ يفيد العقيدة، جعلها هي أيضاً تفيده. فهي تقدم له تفسيراً كلياً، أي تفسير بدايته وتوضح صيرورته وتحدد نهايته أو غايته. وهي تفعل كل هذا بفضل مفاهيمها، ولولا هذه المفاهيم لظل التاريخ بلا دلالة وبلا رابط بين أجزائه، فالعقيدة وحدها هي التي تخبرنا بأن العالم بدأ بالخلق وبأنه سينتهي باليوم الآخر، وبأن أهم الأحداث في هذا التاريخ هو السقوط (سقوط آدم من الجنة)، بأن الله تجسد في يسوع، وبأن الكنسية لا بد وأن تنمو، وبأن المسيح سيعود، وبأن كل هذه الأحداث تدور في ظل العناية الإلهية، ويحركها الصراع بين الخير والشر الذين يرمز لهما بالمدينتين، مدينة الله ومدينة الأرض... نستطيع أن نقول بأن أوغسطين قدم لنا لاهوتاً للتاريخ وليس فلسفة له، لأن مباديء تفسير التاريخ في مذهبه لا تستمد من التاريخ البشري نفسه وهو الشرط الضروري لقيام فلسفة التاريخ، بل تستمده من مجال مغاير له هو العقيدة. صــ 23

▬ يؤكد ابن خلدون على أن حقيقة التاريخ مرتبطة بمعرفة جميع الأخبار عن المجتمع الإنساني ومعرفة أحوالها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والدينية والثقافية وهل هي مجتمعات بدوية أم زراعية...إلخ وكذا معرفة العصبيات للبشر، فمثلاً المجتمعات البدوية تتحكم فيها العصبيات أما المجتمعات المدنية فيتحكم فيها الاقتصاد وغير ذلك من العلوم والصنائع، ويحلل ابن خلدون نفسية الشعوب فالشعوب إذا كانت على حال الاعتدال فإنها تقوم بالتمييز بين الصدق والكذب من الأخبار، أما إذا كانت غير معتدلة فإنها تقع في التشيع والغلط والكذب في الأخبار التي تنقلها، ويرى ابن خلدون أن هناك أسباب تؤدي إلى الكذب في الروايات والأخبار ومنها أيضاً الثقة المطلقة بالناقلين وعدم نقدهم نقداً علانياً ومنهجياً ومن أسباب الكذب في الروايات التاريخية عدم معرفة مقاصد الناقلين فينقل الأخبار على نحوٍ غير موضوعي لأنه لا يعرف حقيقة وقصد الناقل ومن الأسباب الكذب أيضاً في الروايات التاريخية الجهل بتطبيق الأحوال على الوقائع، أي عدم معرفة الأحوال في العمران والمجتمع. ويرى ابن خلدون أنه لا بد من تحقيق المطابقة في الأخبار والوقائع بحيث تتطابق الأخبار مع الوقائع وبهذا يتحقق الصدق والصواب. صــ 66 ، 67

▬ يؤكد روسو احتياج الأغنياء لإقامة عقد اجتماعي للقضاء على الصراع مع الفقراء، في حين يحتاج الفقراء إلى العمل للحصول على ما يكفي احتياجاتهم وأولادهم وعائلاتهم. ويفسر روسو أن هذا العقد قد كبل الفقراء بقيود جديدة ومنح الغني قوة جديدة، مما أدي إلى القضاء على الحرية الطبيعية وأدت الملكية إلى اللامساواة إلى الأبد. وأغتصب الأغنياء حقوق الفقراء وسخروهم لخدمتهم، وواجه الفقراء بعضهم البعض. بعد أن اتخذ الأغنياء من الفقراء خدماً للدفاع عنهم، وهكذا خدع الأغنياء الفقراء واستعبدوهم وتم القضاء على الحرية والمساواة للأبد وظهرت المدنية والحكومات. صــ 164


▬ يرى أرنولد توينبي أن بدء الحضارة كان مع سقوط آدم والتحول من الين Yin (السكون) إلى اليانج Yang (الحركة). كما يرى أن الحاجة هي أم الاختراع، والاستجابة للتحديات هي التي تحدث التقدم في الحضارات. إن العامل الإيجابي في تحول البشرية في الستة آلاف سنة الماضية هو فكرة التحدي والاستجابة وليس نظريتي الجنس والبيئة. بل إن نشأة حضارة مصر والعراق كانت في أثناء جفاف إفريقيا وآسيا نتيجة قائمة بسبب التحدي والاستجابة. وكذلك نشأت الحضارة الصينية بسبب التحدي والاستجابة وليس لأسباب أخرى. وكذلك الحال بالنسبة للحضارة المينووية. إذن فالتفاعل بين التحديات والاستجابات هو العامل الذي يعتد به قبل كل شيء آخر في بدء الحضارات. صــ 220 ، 221

  • Digg
  • Del.icio.us
  • StumbleUpon
  • Reddit
  • RSS

معالم التاريخ الإنساني (أحمد الشربيني السيد)

• كما أن الإبدان تمرض بفقدان الذاكرة أو اضطرابها، فإن الشعوب تمرض لضياع تاريخها أو دخول التشويه والتشويش عليه.
• تكتمل النزعة الطبيعية في التاريخ بالاهتمام بالتعليل، ذلك أن تاريخاً بلا تعليل مجرد تقويم، فدراسة التاريخ هو دراسة أسباب، إذا كان جمع المادة التاريخية يشكل الخطوة الأولى، فإن التعليل يشكل الخطوة الأخيرة الحاسمة في كتابة التاريخ.
• لقد أدى الانقلاب الصناعي إلى تحول الصناعة من النظام المنزلي إلى نظام المصنع، وسيطرة الآلة على الصناعة، وزيادة كمية الإنتاج وسرعته، وظهور التسويق والتوزيع بالجملة...
==========================

▬ إزاء اعتماد التاريخ في استرداده لوقائعه بشكل غير مباشر على ما خلفه الإنسان عبر مسيرته من آثار، فإنه لا يمكن بأي حال من الأحوال الإلمام بكل الآثار التي تعكس أفكار، وأفعال الإنسان بأي مكان أو زمان. ومن ثم فالتاريخ لا يتناول الماضي الإنساني، بقدر ما يتناول الوقائع التي استرعت الانتباه صدفة أو عن عمد، وذلك إذا ما سلمت وثائقها من عوادي الزمن، لا سيما أن قدراً فقط مما لوحظ في الماضي قد تذكره أولئك الذين لاحظوه، وأن جزءاً فقط مما تذكر تم تسجيله، بل وأن جزءاً فقط مما قد سجل حفظه التاريخ، وأن جزءاً من ذلك وصلنا مما ترك يمكن تصديقه، وأن جزءاً من ذلك الذي يمكن تصديقه هو الذي حفظ، وأن جزءاً من ذلك الذي حفظ يوسعه المؤرخ أو يقصه، لا سيما أن التاريخ يصنع أربع مرات على الأقل ما بين حده الأول، الذي هو الحدث أو الواقعة التاريخية، وما بين شكله الأخيرة الذي هو التاريخ، وما من أحد بالطبع يستطيع أن يؤكد أن "ألحقيقة" التاريخية قد حافظت على صفائها وذاتها عبر هذه المراحل. ص7

▬ هناك إجماع ليس بين مؤرخي اليوم فحسب، بل بين كل أهل الفكر، على أن ترديد مقولة التاريخ يعيد نفسه، وهم كبير وخطأ محض، وسوء فهم للتاريخ، الذي يقوم على الزمن، المرتبط بالاستمرار والتغير، ومن ثم فالوقائع أو الحوادث التاريخية للأفراد والمجتمعات بل والحضارات لا يمكن بأي حال أن تتماثل أو تتطابق، أو تتكرر، وهذا ما انتهى إليه المؤرخ وعالم الاجتماع والفيلسوف العربي ابن خلدون منذ قرون، بفضل ما أوتي من عبقرية، ونفاذ ملاحظة، ودقة بصيرة، وقدرة نادرة على التأليف والتحليل حتى أنه أوضح ذلك إيضاحاً لا لبس فيه عندما كتب في هذا الصدد ما نصه" ومن اللغط الخفي في التاريخ الذهول عن تبدل الأحوال في الأمم والأجيال، بتبدل الأعصار ومرور الأيام، وهو داء دوي، شديد الخفاء، إذ لا يقع إلا بعد أحقاب متطاولة، فلا يكاد يتفطن له إلا الآحاد من أهل الخليقة، وذلك أن أحوال العالم والأمم، وعوائدهم ونحلهم، لا تدوم على وتيرة واحدة ومنهاج مستقر. إنما هو اختلاف على الأيام والأزمنة، وانتقال من حال إلى حال، وكما يكون ذلك في الأشخاص والأوقات والأمصار، فكذلك يقع في الأفاق والأقطار والأزمنة والدول، سنة الله التي قد خلت في عباده. ص15

▬ انفصال ذات المؤرخ عن الموضوع يعني إلغاء الموضوع، لأن التاريخ ليس مجرد نسخ حرفي لأقوال الآخرين، وليس مجرد سنوات ولادة ووفاة وحروب متفق عليها. وقد بلغ تأثير الذات في كتابة التاريخ حداً أن سلم جميع المؤرخين مؤخراً بأن المؤرخ مهما فعل فهو لا يرى الماضي إلا من وجهة نظره، ومن خلال عصره، أي أنه لا يستطيع التخلي عن مفاهيم مجتمعه، والآراء السائدة فيه، ورأوا أن في هذا خير للتاريخ والمؤرخين، لأن المؤرخ بصفته خادماً للجماعة الإنسانية ينبغي أن يكتب تاريخه في صورة ذات معنى وأهمية لأبناء عصره، وأن الحادث التاريخي ما لم يكن ذا أثر في الحاضر فلا قيمة حقيقية له، ومن ثم يصبح أشبه بإناء قديم في البيت، كانت له أهمية في حينه أيام كان نافعاً، ثم تقادم به العهد وتحطم، فلم يعد أكثر من مجرد ذكرى ماضية، ومن الصالح التخلص منه. ص26

▬ استفاد التاريخ كثيره من العلوم الإنسانية من التقدم الذي أحرزته العلوم الطبيعية منذ القرن السابع عشر، والذي كان من أسبابه انتهاج العلوم الطبيعية للمنهج التجريبي، وظهور فلاسفة شغلوا بالمنهج وعلى رأسهم فرانسيس بيكون، ولوك، وهيوم، وكذا علماء اهتموا بالموضوع وعلى رأسهم جاليليو وكبلر ونيوتن [...] وقد انعكس هذا التطور المنهجي على العلوم الإنسانية وبخاصة التاريخ الذي أصبحت دراسته من حيث المنهج تقوم على جمع أكبر عدد ممكن من الوقائع التاريخية بهدف الوصول إلى أحكام كلية على غرار ما هو حاصل في العلوم الطبيعية، كذلك أصبحت غاية التاريخ في ظل هذا التطور المنهجي تتمثل في تزويد الإنسان بأحكام تمكنه من أن يفهم معنى الأحداث الحاضرة في ضوء خبرته بالماضي، بل وإلقاء الضوء على المستقبل، وذلك على غرار الغاية البرجماتية "العملية أو النفعية" في العلوم الطبيعية التي تهدف إلى تسخير الطبيعة لصالح الإنسان، وأخيراً ساهم تأثر التاريخ بتطور مناهج العلوم الطبيعية في فصل العلم عن الدين، باستبعاد المؤرخون النظرة الأخروية التي تجعل غاية التاريخ خارج نطاق العالم دائماً إلى العالم الآخر، والبحث عن مساره في نطاق العالم الحاضر ممثلاً في أفعال الإنسان، وليس لأية قوة غيبية، وهذا على غرار العلوم الطبيعية التي لم تعد غايتها أغراض لاهوتية. ص28،29

▬ لعل الدليل القوي على الارتباط بين ظهور البرجوازية والنهضة الأوربية أن المدن الأوربية، ولا سيما الإيطالية وتحديداً المدن الشمالية - البندقية، جنوة، قسطانيا - ، التي سيطرت على أسواق التجارة، وحصدت فائض الحركة التجارية النشطة بين الشرق والغرب بعد الحروب الصليبية، هي المدن التي تحررت من سيطرة الإقطاع قبل غيرها من المدن الأوربية الأخرى، وهي المدن التي بزغ منها نور النهضة الأوربية. نظراً لاهتمام البورجوازية بالتعليم، لحاجتها إلى كوادر تقوم على أعمالها الحسابية والمالية وغيرها من المعاملات، كما اهتمت بتغيير ثقافة المجتمع الأوربي بما يتماشى مع مصالحها، مما أدى إلى انتشار التعليم العلماني إلى جانب التعليم الديني، واختراع آلة الطباعة. ص74

▬ مما لا شك فيه أن العمال كانوا من أكثر شرائح المجتمع معاناة من سرعة الانقلاب الصناعي في انجلترا على الأقل في مراحله الأولى، لأن كل اختراع، كان يترتب عليه مزيد من التطور الذي يطرأ على الآلة الصناعية، كان يقابله استغناء عن العمالة. ولهذا، كانت المخترعات وأصحابها في تلك المرحلة محل كره الجمهور، واضطهاده حتى أن بعض العمال طاردوا بعض رجال الاختراع أمثال هرجريف، الذي لحق به كثير من الإهانة، والضرب من الجمهور، حتى اضطر إلى ترك لانكشير بحثاً عن مكان آخر لتجربة آلته. ولم يتوقف الجمهور عند هذا الحد بل أن بعض العمال هاجم مصانع للنسيج وحطم آلاتها. بيد أن هذه المقاومة لحركة الاختراع لم تستطع إيقاف تحول الصناعة اليدوي إلى النظام الآلي، حتى اضطر الجمهور في النهاية إلى قبول الواقع الجديد، وتهيئة حياتهم وموارد رزقهم بطريقة تتفق مع الظروف المتغيرة. ص196،197

▬ على الرغم من أن الثورة الصناعية قللت أهمية العامل في الإنتاج وزادت في أهمية الآلات ونفوذ أصحاب الأعمال، فإنها استلزمت حشد كبيرة من العمال في المصانع ومهدت بذلك الطريق أمام العمال إلى تنظيم صفوفهم وزيادة اتحادهم وقوتهم. بمعنى أنها إذا كانت قد أنقصت أهمية العمال كأفراد فإنها عظمت أهميتهم كطبقة كبيرة في المجتمع، فأصبحوا أقدر على المساومة وعلى استخدام الضغط لتحسين حالهم عن ذي قبل. ص198


▬ أتاحت الثورة الصناعية للمرأة الإنجليزية فرصة كبيرة لتحسين وضعها بعد أن أتاحت لها فرصة العمل في المصانع والكسب المستقل عن الرجل، فأخذت سبل العمل تتسع أمامها تدريجياً حتى صارت منافساً خطيراً للرجل في جميع ميادين العمل. وكان ذلك سبباً في سعادة الرجل وشقائه في آن واحد، نظراً لزيادة دخل الأسرة وتقليل أعباء الرجل المالية من جهة. ومن جهة أخرى لانتشار البطالة بين الرجال وانخفاض أجورهم من استمرار تحملهم مسؤولية رعاية الأسرة وسداد حاجاتها. فعمل المرأة في المصانع زاد من استقلالها اقتصادياً، ووسع مداركها، وصارت تعتد بنفسها، وأصبح القانون يعترف لها بالمساواة الفعلية مع الرجل من الوجهة السياسية والاقتصادية والاجتماعية. ص199

  • Digg
  • Del.icio.us
  • StumbleUpon
  • Reddit
  • RSS

مهزلة العقل البشري (علي الوردي)


|| أُهدي هذا الكتاب إلى القراء الذين يفهمون ما يقرأون. أما أُولئك الذين يقرأون في الكتاب ما هو مسطور في أدمغتهم فالعياذ بالله منهم. إني أخشى أن يفعلوا بهذا الكتاب ما فعلوا بأخيه "وعَّاظ السلاطين" من قبل، إذ اقتطفوا منه فقرات معينة وفسروها حسب أهوائهم ثم ساروا بها في الأسواق صارخين.... لقد آن لهم أن يعلموا أن زمن الصراخ قد ولَّى، وحل محله زمان التروي والبحث الدقيق.||

• إننا لا ننكر ما للسفور من مساويء ولكن هذا لا يمنعنا من الاعتراف بمساويء الحجاب أيضا. فليس في هذه الدنيا ظاهرة اجتماعية تخلو محاسن أو مساويء. ولعل هذا القول لا يريد أن يفهمه أرباب المنطق القديم.
• إن الإتفاق يبعث التماسك في المجتمع، ولكنه يبعث فيه الجمود أيضاً.
• إن التجديد في الأفكار هو الذي يخشاه مشايخ الدين لا الأفكار ذاتها. فهم لا يخشون كروية الأرض بقدر ما يخشون الجدل الذي تثيره هذه الفكرة في عقول الناشئين.
• إن الذين يمارسون المنطق القديم في هذا العصر يشبهون أولئك الأبطال، من طراز عنترة العبسي، الذين يهجمون بالسيف على جندي حديث يحمل بيده رشاشاً سريع الطلقات. فهم مهما تفننوا في إبداء ضروب البسالة والشجاعة فإن الرشاش يحصدهم في أرجح الظن، حيث لا ينفعهم آنذاك بسالة ولا حماسة.
• المتدين المؤمن بعقيدة من العقائد لا يستطيع، مهما حاول، أن يتجرد من عاطفته المذهبية وقد يظن المؤمن أنه متجرد من العاطفة، ولكن ذلك من قبيل الأوهام التي لا أساس لها من الحقيقة.
• يذهب بعض المفكرين إلى القول بوجوب حجر المرأة في البيت وتشديد الحجاب عليها وذلك بحجة أنها ذات عقل ناقص لا تستطيع به أن تحمي نفسها من نزوات العاطفة، نسوا أن عقلها لم ينقص إلا من جراء الحجاب. فهم سببوا ضيق عقلها بالحجاب، ثم أرادوا حجابها بدعوى ضيق عقلها. خلقوا السبب بالأمس ويريدون اليوم أن يتخذوا نتيجة هذا السبب حجة له.
• لا يكفي في الفكرة أن تكون رائعة وجميلة بحد ذاتها. إنها يجب أن تكون عملية قبل كل شيء.
• يعتقد إبن رشد أن الفلاسفة إذا إختلفوا في شيء ردوه حالاً إلى دليل العقل وحجة المنطق فتفاهموا وخضعوا للرأي الذي يرونه معقولاً. على زعم إبن رشد، يستنيرون بنور العقل والمنطق. وليس هنا سخافة أبشع من هذه التي يقول بها إبن رشد وأمثاله من المفكرين الطوبائيين.
• عيب إخواننا الطوبائيين أنهم يصعدون بمثلهم العليا فوق السحاب، ولا ينزلون بها قريباً من الأرض التي يعيشون عليها. ولذا فمثلهم العليا لا تُجدي في تحفيز المجتمع نحو الحركة.
• لقد أخطأ أرسطوطاليس عندما قال: "الإنسان مدني بالطبع". والصحيح أن الإنسان وحشي بالطبع ومدني بالتطبع.
• من مهازل القدر أن نرى الحقيقة النسبية الآن مسيطرة على البحوث الطبيعية، هذا بينما أصحابنا لا يزالون يؤمنون بالحقيقة المطلقة حتى في بحوثهم الإجتماعية والفكرية الخالصة.
• لقد فطنت الشعوب في القرون الحديثة إلى خطأ هذه النظرية الأفلاطونية في مفهوم العدل، وأخذت تميل قليلاً أوكثيراً نحو النظرية السوفسطائية فيه. وبهذا صار مفهوم العدل هو ما ترتأيه أكثرية الناس. فالناس أعرف بحاجاتهم ومشكلاتهم من ذلك المتحذلق الأفلاطوني الذي يتأمل في أمر العدل وهو قابع في برجه العاجي.
• الواقع أن السفسطة كانت فلسفة ذات أهمية إجتماعية لا يُستهان بها. ومن سوء حظها وحظ البشرية، أنها غُلبت أو قُتلت في مهدها، فأصبحت محتقرة. والمغلوب محتقر دائماً. ولذا أخذ المفكرون ينسبون إليها كل نقيصة، ويجردونها من المحاسن.
• يبدو أن أفلاطون كان فيثاغورثياً أكثر مما كان سقراطياً. وهو إنما حرف مباديء سقراط لكي يجعلها ملائمة للمباديء التي كان المذهب الفيثاغورثي يدعو إليها.
• حاول الأفلاطونيون أن يقيسوا البشر بمقياس الأرقام. ونسوا أن المجتمع البشري بحر مواج تتلاطم فيه شتى النزعات والميول، وأن دراسته تستلزم منهجاً خاصاً به يختلف عن منهج الحساب والجمع والطرح إختلافاً أساسياً.
• من مهازل العقل البشري أن وجدنا العامة في بلاد الإغريق يكرهون منطق السفسطة كما كرهها أفلاطون. ومشلكة العامة في معظم الأحيان أنهم يندفعون مع المترفين فيما يناقض مصلحتهم. وهم كما وصفهم الإمام علي: "ينعقون مع كل ناعق ويميلون مع كل ريح".
• كان التنازع في عهد عثمان يدور حول مباديء العدالة والمساواة. ولكن معاوية قلبه بعد ذلك  فجعله يدور حول علي وعمر: أيهما أفضل؟ وبهذا نسي الناس كفاح علي ضد معاوية وانشغلوا بالفضائل الشخصية، وكل فريق يأتي لصاحبه من الفضائل ما يكسف بها فضيلة زميله.

===========================================
▬ يحاول بعض المتحذلقين من رجال الدين إدعاء التجديد فيما يكتبون ويخطبون. وتراهم لذلك يحفظون بعض الألفاظ والمصطلحات الحديثة يتلقفونها من المجلات والجرائد المحلية، ثم يكررونها في كلامهم اذ يحسبون أنهم بهذا قد صاروا "مجددين". ويحلو للبعض أن يقال عنه أنه جمع بين القديم والحديث، ثم يرفع أنفه مغروراً بهذا العلم العجيب الذي وعاه في صدره. ومثله في هذا كمثل ذلك القروي الساذج الذي أراد أن "يتمدن" في كلامه، فضيع المشيتين مع الأسف الشديد. ينبغي أن يفهم هؤلاء أن التجديد في الفكر لا يُعني التمشدق بالمصطلحات الحديثة. انه بالأحرى تغيير عام في المقاييس الذهنية التي يجري عليها المرء في تفكيره. صــ9

▬ عندما احتك المسلمون بالحضارة الغربية إنجرفوا بتيارها، وصاروا مجبرين على اقتباس ما جاءت به حسناً كان أم سيئاً. ومن غرائب ما ارتآه الواعظين في هذا الأمر أن قالوا: خذوا من الغرب محاسنه واتركوا مساوئه. كأن المسألة أصبحت انتقاءً طوع الارادة كمن يشتري البطيخ. إن الحضارة جهاز مترابط لا يمكن تجزئته أو فصل أعضائه بعضها عن بعض. فالحضارة حين ترد تأتي بحسناتها وسيئاتها. وليس في الإمكان وضع رقيب على الحدود يختار لنا منها الحسن ويطرد السيء. ومعنى هذا أنها تيار جارف لا يمكن الوقوف في وجهه. صــ16

▬ لقد جاءت المدنية للإنسان بخير عظيم ولكنها جاءت له أيضاً بشر أعظم منه، فهي قد أطلقت الفكر من حبسه فأخذ يجوب الفضاء ويستفهم عن كل شيء وهي مع ذلك قد سارت بالفكر في طريق القلق والإلتياث والعصيان. إنها قد أطمعت البشر من معرفة الخير والشر، على حد تعبير التوراة. وهي بذلك قد أذاقتهم من ويلات الخير والشر قسطاً كبيراً. لقد كان البشر قبل المدنية لا يفكرون وكانوا أيضاً لا يقلقون، وقد يصح أن نقول: أن التفكير والقلق صنوان لا يفترقان. صــ30

▬ كنت ذات يوم في مجلس ضم جماعة من رجال الدين. وقد أجمع هؤلاء الرجال أثناء الحديث على أن سكان الأرض كلهم ملزمون بأن يبحثوا عن الدين الصحيح، فإذا وجدوه اعتنقوه حالاً. فكل إنسان في نظر هؤلاء مجبور أن يترك أعماله ويذهب سائحاً في الأرض ليبحث عن دين الحق. قلت لهم: "لماذا لم تسيحوا أنتم في الأرض للسعي وراء الحق؟". قالوا وهم مندهشون لهذا السؤال السخيف: "إننا لا نحتاج إلى السعي وراء الحق لأن الحق عندنا!". صــ45

▬ كتب ابن طفيل، الفيلسوف الأندلسي المعروف، قصية فلسفية بعنوان "حي ابن يقظان". وكان يقصد من كتابة هذه القصة أن يشرح للقاري طبيعة العقل البشري كما يفهمها هو. وقد تخيل ابن طفيل فيها انساناً وُلد وترعرع في جزيرة منعزلة، حيث أرضعته ظبية، وظل ينمو في تلك الجزيرة وحيداً حتى بلغ مبلغ الرجال. يقول ابن طفيل: ان عقل هذا الإنسان أخذ ينمو بنمو بدنه حتى تم نضوجه في تلك الجزيرة. واستطاع أن يفكر ويستنتج حتى توصل بتفكيره المجرد إلى كثير من الحقائق الكونية التي توصل إليها الفلاسفة العظام من قبل. يريد ابن طفيل بهذا أن يبين للقاريء أن العقل البشري جهاز فطري وأنه ينمو من تلقاء ذاته، فلا حاجة به إلى التدريس والتلقين. ويبدو أن ابن طفيل يرى بأن العقل البشري حين ينمو بعيداً عن سخافات المجتمع وأباطيله يصبح أسلم تفكيراً وأصح إستنتاجاً. وهو بذلك يحبذ للمفكرين أن يبتعدوا في تأملاتهم عن الناس ويتسامون عن عنجهياتهم. إنه بعبارة أخرى، يدعو المفكرين إلى الصعود إلى البرج العاجي. ولا ريب أن هذا الرأي هو رأي الفلاسفة القدماء جميعاً، فابن طفل إذن لم يأت بشيء جديد. وليس له من الفضل في هذا إلا ابتداعه لقصه شيقة حيث عرض فيها ذلك الرأي القديم في قالب جديد. وقد لاقت قصة "حي ابن يقظان" هذه رواجاً عظيماً بين المفكرين وتُرجمت إلى كثير من اللغات، وحاول تقليدها والإقتباس منها فلاسفة وكتاب من مذاهب شتى. والغريب أن كثيراً من كتابنا ومفكرينا لا يزالون حتى يومنا هذا متأثرين بهذه القصة ويعتبرونها الكلمة الأخيرة في قضية العقل البشري. إنهم لا يزالون يؤمنون بأن العقل موهبة طبيعية تنمو من تلقاء ذاتها سواء أعاش الإنسان في مجتمع أم عاش منذ ولادته وحيداً منعزلاً. أما الأبحاث العلمية الحديثة فهي تكاد تجمع على خطأ هذا الرأي. حيث ثبت اليوم أن العقل البشري صنيعة من صنائع المجتمع، وهو لا ينمو أو ينضج إلا في زحمة الاتصال الاجتماعي. فإذا ولد الإنسان وترعرع بين الحيوانات فإنه يمسى حيواناً مثلهم. وما قصة "حي ابن يقظان" التي إبتدعها خيال فيلسوفنا الرائع إلا وهم أو خرافة لا وجود لها في عالمنا الذي نعيش فيه. صــ132 : 133


▬ كنت أتحدث مع أحد الأمريكيين حول هذا النزاع الرقيع. فسألني الأمريكي عن علي وعمر: "هل هما يتنافسان الآن على رئاسة الحكومة عندكم كما تنافس ترومن وديوي عندنا" فقلت له: "إن عليا وعمر كانا يعيشان في الحجاز قبل ألف وثلاث مئة سنة. وهذا النزاع الحالي يدور حول أيهما أحق بالخلافة!". فضحك الأمريكي من هذا الجواب حتى كاد يستلقي على قفاه. وضحكت معه ضحكاً فيه معنى البكاء. وشر البلية ما يضحك!. والغريب أني نقلت هذه القصة إلى أحد رجال الدين عندنا فقال لائماً: "ولماذا تفضحنا أمام الأجانب؟!". إنه يرتكب الفضيحة ولا يُبالي ثم يتألم حين يسمع بها الأجانب. والأغرب من هذا أن يُعلق الرجل على هذه القصة فيقول: "إن الأجانب عندهم من الفضائح أكثر مما عندنا". وعذره هذا أبشع من ذنبه. صــ247

  • Digg
  • Del.icio.us
  • StumbleUpon
  • Reddit
  • RSS

كبرياء التاريخ في مأزق (عبد الله القصيمي)


• إن البشر لا يرفضون أي شيء، ولكن الأشياء تتعاقب عليهم لأن الذين يفرضونها عليهم يتعاقبون. إن شيئاً ما لم يتغير لأن الناس رفضوه، بل لأن نقيضه فرض عليهم.
• أقسى العذاب أن توهب عقلاً محتجاً في مجتمع غير محتج، أوأن يسقط على حياتك وثن إنسان كريه لا تستطيع تحمل وثنيته ولا تستطيع التخلص من مواجهته.
• إن الطاغية هو أشهر مبصوق عليه في التاريخ: يبصق عليه الضعفاء والمتملقون عفوناتهم النفسية والأخلاقية بأسلوب الامتداح له!
• ما أبشع قوماً لا بد أن تكون لهم لعب ثم لا بد أن تكون هذه اللعب هي الشعوب والأرباب والمذاهب والعداوات والحروب والمؤامرات والآلام ــ ما أبشع إذن القادة والزعماء والثوار والمعلمين والكتاب لأنهم هم هؤلاء القوم؟
• ما أصعب موقفك حينما تكون محتاجاً إلى أن تكون غبياً جداً لكي تستطيع أن تفهم إلهك وتتناسق معه وتغفر له ما لا يمكن أن تعقل من تصرفاته، وحينما يكون مستواك الأخلاقي متفوقاً على مستوى إلهك الأخلاقي.
• إن المذهبية الشاملة القوية هي أحد الأجهزة التاريخية التي ظلت تحت كبرياء الإنسان وذكاءه، والتي ظلت حليفاً ممتازاً للطغاة والطامحين واللصوص والأغبياء ليتكبروا ويسرقوا ويخدعوا ويجهلوا بحماس وضجيج وتأله.
• ما أكثر الذين انتصروا بالحركات القوية الطائشة، ولكن هل انتصر أحد بالتفكير الصائب العميق ؟
• المغامرون لا يحتاجون إلى تلقي النصيحة من أحد لكي يتقدموا، إن النصيحة هي عملية تعويق وتخويف، وإنه لا يقبل النصيحة إلا الجاهل أو العاجز، ولا يسديها إلا الموظف والمتعب والعارض لذاته.
• القادة لا يحتاجون إلى الأفكار بل إلى الجنون والأكاذيب والأمراض والآلام والطموح العدواني. إن الجنون في القائد أبلغ وأفضل من كل تفكير وعقل ووقار، فالعقل يقتلان في القائد موهبة الإقدام والإنتصار.
• حماقات القادة تتحول إلى أفكار، ولكن أفكار المفكرين لا تتحول إلى قادة.
• عجباً! إن قائداً واحداً مصاب بالجنون أو بالتوتر أو بالحماقة يستطيع أن يحول عشرات الملايين بل مئات الملايين إلى مجانين أوحمقى أو متوترين، يموتون باستبسال في معارك الجنون والحماقات بلا إيمان ولا فضيلة، بل بخضوع للمجانين الحمقى المتوترين، بل بخضوع للمجنون الواحد الأحمق المتوتر!
• إن الحضارة تتحدى اليوم ضميرها، إنها بانتهازية وغواية دولية تتنافس كتلها المذهبية المتعادية على صناعة الصراصير، وتحولهم إلى زعماء مذلين لشعوبهم الناشئة.
• المنهزمون المتخلفون لا يكفيهم أن يكونوا مهزومين متخلفين، بل لا بد أن يحولوا هزيمتهم وتخلفهم إلى مزايا وانتصارات لهم، ثم لا يكفيهم بأن يثنوا على أنفسهم مرة واحدة بل لا بد أن يثنوا عليها مرة أخرى بأن يحولوا انتصارات الآخرين وتفوقهم إلى رذائل..
• لقد أصبح النفط العربي مجداً عربياً هائلاً وتعويضاً عظيماً عن تخلف الموهبة العربية.
• إن جميع مدرسي الأخلاق وجميع الوعاظ والمادحين في كل العصور في جميع ما قالوه وكتبوه وفي جميع مدائحهم وأوصافهم لم يكونوا يسجلون موضوعات أخلاقية، بل يعبرون عن ظواهر نفسية. فالظاهرة الأخلاقية هي تحويل الحالة النفسية الأنانية إلى سلوك.
• أغلب الناس يعيشون كل حياتهم في رضاعة عقلية ونفسية وأخلاقية لا يريدون الفطام منها ــ وإنهم ليفضلون الرضاعة من الأثداء الميتة!
• لقد خدعت الإنسان الكلمة ــ ولا تزال تفعل بأساليب أقوى وأشمل ــ وقاتلته وكذبت عليه وظلمته أكثر مما قاتلت دونه أو صدقته أو أرشدته أو انتصرت له.
• إن الإنسان قد يستطيع أن يعيش بلا حرية ولا تفكير ولا نقد، كما يستطيع أن يعيش بلا عدالة أو صحة أو ذكاء أو تعليم أوحضارة، ولكن كم في ذلك من القبح والبشاعة.
• إن الذي يفرض على الناس فضيلة جاهزة بلا شهوة أو رغبة فيها هو أقوى عميل للرذيلة، كما أن الذي يفرض على العقول الإيمان أو بمذهب نهائي مطلق يقيني هو أفضل معلم للخطأ والغباوة.

====================================
▬ أيتها النجوم تحولي إلى رجوم. أيتها الشموس تحولي إلى حرائق. أيتها الحقول تحولي إلى أشواك من الجحيم. أيتها الجبال تحولي إلى سياط. أيها الرجال تحلوا إلى نمال. أيتها النساء تحولن إلى صحارى لا تنبت. أيتها البراكين الخامدة تفجري. أيها الكون لتتساقط غضباً واشمئزازاً، أو رثاء وحزناً، لتتساقط أيها الكون على مجتمع قد غزاه ذباب بذيء كئيب متوحش فتحولت كل الجباه والهامات فيه، وكل الذكاء والكلمات، وكل الرجال والشموخ إلى هزائم وعار وصلوات وعبيد ونشيد لمجد الذباب، وإلى تفاسير لما في طنينه من عبقريات ومذاهب ثورية، ومن تحدٍ وهزائم لكل موسيقى رجعية! أيها الغضب أريد أن ارى غضباً، أريد أن أرى قبر الغضب، حتى قبره أخشى أنه قد مات! أيتها الآلهة مارسي كل غضبك أو كل حبك، مارسي كل صفاتك وإلا فهبيني كل قوتك! أيتها البحار. أيتها الأنهار تحولي إلى دموع تذرفها عيون السماء حزناً على كبرياء الأرض، وتذرفها عيون الأرض حزناً على شرف السماء. أيتها البحار. أيتها الأنهار تحولي إلى دموع. أيها الكون تساقط غضباً واشمئزازاً، أو رثاءً أوحزناً. أيتها الآلهة مارسي كل غضبك وكل حبك، مارسي كل صفاتك وإلا فهبيني كل قدرتك! ليتحول كل شيء إلى غضب ودموع وعقاب، فلقد انتصر ذباب على تاريخ الإنسان، ليتحول كل شيء إلى هجاء للبشر! صــ13 : 14

▬ أيتها الآلهة، أيتها النجوم، أيتها الكرامة الإنسانية، أيتها الشجاعة الإنسانية، أيتها المذاهب والحضارات ــ إنسان واحد يحول كل آلامه وهمومه ونقائصه وتفاهاته، وتاريخيه الكئيب ومشاعره المغيظة ــ إنسان واحد يحول كل ذلك إلى آلهة ومذاهب ونظم مخابرات ومباحث ودعايات ضاجة، وإلى جيوش وحروب وتهديد وتآمر، وإلى حكم لا مثيل له في القسوة والشمول والغباء، تخضع له عشرات الملايين أومئات الملايين من البشر، ويحول كل هذه العشرات أوالمئات من الملايين البشرية، وكل تلك الآلهة والمذاهب والنظم والمباحث والمخابرات والدعايات والجيوش والحروب والتهديد والتآمر والحكم ـــ يحول كل ذلك إلى قصائد هاتفة لجنونه وهمومه ونقائصه وتفاهاته وتاريخه الكئيب ومشاعره الجريحة المغيظة..صــ85

▬ أيها التاريخ، إنك تستحق كل ما في الكون من رثاء، فحكم تحتوي في جوفك من صعاليك، فيهم كل بذاءات السلوك والأفكار والمشاعر، سلبوك كل وقارك وشجاعتك وغاصوا بشرفك وذكائك إلى حضيض بذاءتهم وفسقوا بكل ما فيك من عفة ورصانة ونظافة وسمت ــ إنهم ألئك الصعاليك المنتصرون عليك، الذين وضعوا أنفسهم في سجل مواليدك باسم الثوار، أولئك الثوار الذين أرادوا أن يهربوا من آلامهم الطبقية أو الإجتماعية أو النفسية أو التاريخية أو الجسمية بالعدوان عليك ــ لقد أرادوا أن ينتقموا من عذابهم فانتقموا منك، وأن يصعدوا فوق أنفسهم وفوقك وفوق كل الذكاء الإنساني فاقترفوا الثورات والمذاهب والنظم التي تنادي بمحبة قوم، ولكن لم يكن قصدها إلا كراهة قوم آخرين، لم يكن قصدهم أن يحولوا الأرض إلى سماء بل أن يحولوا السماء إلى أرض، بل أن يكونوا هم سماء ويكون كل شيء أرضاً لهم! صــ89

▬ إن غير المفكرين مفتوحة حدودهم لكل الدعايات والأكاذيب الكبيرة، تغزوها بلا حراسة ولا أبراج مراقبة. نعم، وأحياناً كثيرة يصبح المفكرون أكثر إنفتاحاً أمام غزو الدعايات ــ إنهم قد يحولون أفكارهم إلى أجهزة استقبال وفرق ترحيب بالغزاة القادمين ــ بالأكاذيب والدعايات الزائفة، بل قد يكون المفكر خالق اكاذيب ودعايات سخيفة وليس مروجاً لها فقط. إن أنبياء الطغيان والظلام هم في كثير الأحيان مفكرون، وقد يكونون مفكرين كباراً. [..] المجتمع القوي يستطيع أن يتحمل الصدمات الفكرية المناقضة لأنه قادر على التكيف والأخذ والهضم والمقاومة، أو هو أقدر على ذلك. وليس كذلك المجتمع الضعيف. صــ109

▬ إن الحشرات هي أسعد الكائنات في المجتمعات المتخلفة، وأسعد هذه الكائنات السعيدة هو الذباب، إن الذباب في كثير من المجتمعات لأفضل حظاً من الإنسان وأعلى مستوى منه. إن الذباب هو سيد الإنسان في هذه المجتمعات، إنه  قيصر، حاكم مطلق، إنه أسعد وأقوى مواطن، له أضخم الحقوق والإمتيازات والحريات، له كل البيوت والحدائق والموائد والوجوه الجميلة والأنوف الشامخة، ينتقل بينها ويستقر فوقها بلا حظر أو خوف أو زجر . كم هو خليق بأن يُحسد الذباب ويحقد عليه ويتمنى أن يكون مكانه في المجتمعات المتخلفة كل الجائعين والمحرومين والمطاردين حينما يرونه متربعاً ومتنقلاً بين وفوق أشهى الأطعمة وأجمل الوجوه كدكتاتور ساحق متربع فوق كل العقول والكرامات بعد أن قتل في مجتمعه كل غضب واحتجاج، وبعد أن فقأ كل بصر فيه، حتى لا يستطيع أن يرى أو يكره أية دمامة أو بذاءة. صــ255

▬ إن وظيفة العلم غير وظيفة الفلسفة والتفكير، لهذا فقد يكون العالم الكبير جداً ضعيف جداً في تفكيره ومنطقه، وقد يؤمن بأتفه وأصغر الخرافات. وليس لنا أن ننتظر من العالم الكبير أن يكون مفكراً كبيراً أو أن يرتفع في عقائده ومنطقه وتفاهاته الذهنية فوق مستوى الجماهير كثيراً. وقد يكون التخصص العلمي عائقاً عن كل المستويات الفكرية، بل قد يكون المتخصص في أحد الفروع العلمية مغفلاً جداً لا يستطيع أن يتكون فكرياً أي تكوُّن. وقد يكون العالم مفكراً كما قد يكون غير مفكراً، وكون العالم مفكراً لا صلة له بأن يكون عالماً. صــ287

▬ إن جميع الناس يخطئون ويكذبون ويحتاجون إلى الأكاذيب والأخطاء ولكنهم يختلفون في أساليب التعبير، إنهم جميعاً يحتاجون إلى الخطأ لأنهم أحياء بل لأنهم موجودون، فكل حي، بل كل موجود يحتاج إلى أن يُخطيء كما يحتاج النهر والحجر والنبات إلى الخطأ والظلم والتصادم مع الأشياء والرغبات الأخرى. فإذا كنت في مجتمع يمنعك من أن تفكر وتحتج وتخطيء، وتعلن عن تفكيرك واحتاجحك وخطئك بأسلوب حر لا خوف فيه فهل هذا المجتمع يستطيع أن يمنعك من أن تحتج وتخطيء عن ذلك بأسلوب آخر من أساليب التعبير على نحو من الأنحاء؟ في مثل هذا المجتمع هل تعجز عن التفكير أم عن الخطأ في التفكير مع التفكير، أم تعجز عن التعبير؟ إن كان العجز عن التفكير فما أبشع هذا، وإن كان الخطأ في التفكير مع التفكير فما أعظم استحالة هذا، وإن كان العجز عن التعبير فما أسخف هذا، أي ما أسخف أن يكون الخطأ موجوداً في تفكيرك ثم تُمنع من التعبير عنه! صــ309

▬ عجباً! كيف لا تموت الآذان في عهد الثوار والطغاة؟ إن الأذن هي أشهر جهاز في التاريخ لاستقبال الفحش والتحقير والسباب والادعاء والأكاذيب، إنها أكبر وأشهر وعاء ومصب يلقى إليه كل ما في الحياة والكون والإنسان من تفاهات وضعف وكذب، متحولاً إلى كلمات، إنه ليست للأذن أية وظيفة أخلاقية أو دينية أو إنسانية. ماذا نجد لو أن جميع ما أُلقي في أذني إنسان واحد كل حياته من فُحش وسوء قد تجمع وتحول إلى وجود مرئي؟ إنه لتصور بشع مخيف. لعل أسوأ أعضاء الإنسان حظاً أذناه، إنهما أسوأ حظاً من عينه وقدميه ويديه وكل أعضائه، إن الأذنين هما الممر الكريه الذي تمر منه كل التفاهات والوقاحات والآلام إلى الإنسان لتصب فيه بكل وحشية، إن حاسة السمع هي أفظع مستنقع في العالم تتساقط فيه جيف الكلام والأخلاق، ويتزاحم عليه أضعف ما في البشر من خبث وقذارة وغباء، وإن الإنسان لهو أكبر جهاز مرور في الكون ــ إن جميع الأشياء الكونية والإنسانية بل والأشياء التي ليست كونية ولا إنسانية تمر بقسوة وتعذيب من خلال ذاته في صور أفكار وعواطف..صــ315

▬ للشعوب دائماً في كل تاريخها ثلاثة أعداء : قوة التقاليد وقوة العقائد وقوة الحكم، وهؤلاء الأعداء أوالخصوم الثلاثة يؤلفون دائماً معسكراً واحداً متحالفاً يواجه الإنسان ليحطم قوته وذكاءه ومقاومته، ولكي ينتصر ويتفوق عليه، وحياة الإنسان محكوم عليها أن تخوض معارك نضالية دائمة ضد عقائده و آلهته وتقاليده لتضعفها وتكبح من طغيانها أو لتنتصر عليها، ولكنها قد تكون معارك غير منظورة. ومهما بدا الإنسان محترماً جداً لآلهته وتقاليده وحكامه وعقائده ومطيعاً لها جداً فإنه في الحقيقة يخوض ضدها المعارك المختلفة المستويات في عنفها، إن الإنسان أبداً يخوض هذه المعارك مهما جهل ذلك، ومعارك البشر التي يجهلونها أكثر وأدوم من معاركهم التي يعرفونها أو يشعرون بها. صــ322

▬ الناس لا يصرون على الإيمان احتراماً لإيمانهم بل عجزاً عن الإنتقال أوتهيباً، ففقد حرية التفكير في ذنوب الآلهة والعقائد والمذاهب وحرية التخطي لها هو حالة من حالات العجز، والعجز قد يكون رهبة أو خمولاً أو كسلاً. إن رفض الحرية نوع من الرفض للحركة والإنتقال، والرفض للحركة والإنتقال عجز، أوعجز عن دفع ثمن الحركة والإنتقال، أو رهبة، والرهبة عجز. إن المؤمن لا يؤمن لأنه يحب أويحترم الأرباب والمعتقدات، أو لأنه يقدرها أويعرفها أو مزاياها الإنسانية أو الأخلاقية أو الكونية، بل يؤمن لأنه لا يستطيع ــ ولو نفسياً أوفكرياً ــ أن ينكر ويقاوم ويصنع لنفسه أرباباً وعقائد أخرى، ولهذا فإن العاجز مثل هذا العجز بهذا المعنى من العجز وبأسبابه لا بد أن يؤمن بأي رب وبأية عقيدة تلقيان عليه، أو يجدهما في قبور آبائه وفي ملابسهم البالية، غير مشترط  فيهما ــ أي في الرب والعقيدة ــ أي شروط من أي نوع وعلى أي مستوى. وإذا تخطى الإنسان العجز عن اختيار الأرباب والعقائد وعن إبداعها فلن يهاب تحطيم أي إله وأية عقيدة مهما علم فضائلها وخلودها، ومهما ورثها عن أمجاد التاريخ وأمجاد الآباء المحترمين أو المخيفين. صــ332

▬ كم هي الأهوال والآلام التي أوقعها بالإنسانية في كل العصور والمجتمعات أبطال متألهون غاضبون لكرامتهم التي وضعوا حدودها وحساباتها هم، مستسلمون لمشاعرهم الغلامية التي لا ترى أن شيئاً في الكون يساوي أكثر من رضاهم وغضبهم؟ إن البشر مستعدون في أكثر أوقاتهم لأن يموتوا ويدمروا أوطانهم ويخربوا كل شيء ليكونوا وقوداً لشهوات البطل ولإنفعالاته التي أرهقها التوتر والحساسية وإدمان النظر إلى الذات بتدليل وعشق، ولكي يتحولوا إلى إعلان ضخم أليم عن جنون البطل..صــ357


▬ إن كتب التعاليم والأوامر والنواهي التي تطلب من الناس ان يكونوا أو لا يكونوا، والتي تحاول أن تصنع للإنسان سلوكاً وأخلاقاً وشهوات لم تكن إلا لغواً يفعله الكبار جداً ويتناقلونه بعضهم عن بعض دون أن يسأل بعضهم بعضاً عن جدوى ما يفعلون. لقد كانوا يفعلون اللغو وهم عابسون متجهمون كأنما يصنعون للكون ثوباً أوخلقاً جديداً وللبشر طبيعة مبتكرة تخيلوها وأرادوها لهم بمحبة وعناية ورشاقة وذكاء. إنه لغو عجيب، لغو عظيم الحظ، لهذا كان يقرؤه ويسمعه كل الناس في كل العصور دون أن تقرأ أو تسمع أوتفهم منه أهواؤهم او أخلاقهم أو مصالحهم أو أعضاؤهم حرفاً واحداً..صــ376

  • Digg
  • Del.icio.us
  • StumbleUpon
  • Reddit
  • RSS

عاشق لعار التاريخ (عبد الله القصيمي)


• لقد سقط عصر الآلهة التي لا تملك إلا التعاليم المتوحشة، ليجيء عصر الحاكم والمذهبية، والزعامة والدولة الشاملة التي تملك كل أسباب القتل والإذلال والإغواء والحشد.
• إني لا ألعن الإنسان لسقوطه... اني أرثى له... اني أرثى له مخطئاً وملوثاً، كما ارثى له متألماً، ومشوهاً، كما ارثى له حزيناً.
• انه ليس الواقف في صف الثوار، إلا إنساناً لم يجد مكانه الملائم في الصف المقاوم للثورة... ان الثائر ليس إلا إنساناً منفياً إلى الثورة.
• إن من يهجو طاغية وهو راكع تحت أقدام طاغية آخر أعتى، لهو مادح للطغيان بأسلوبين، بلغتين.
• إن المجد الباذج يقتل الرؤية، انه يقتل كل وسائل الإتصال بالأشياء...بالآخرين.
• إني أشعر بعطف شديد على الكلمة، ان جميع الناس يظلمون الكلمة...انهم جميعاً يشوهونها. انهم جميعاً يصنعون منها أجمل النعوش لأقبح الجثث، انهم يضعون كل أكاذيبهم وتشوهاتهم، في توابيت مزخرفة من الكلمات، من الشعارات.
• ان الذي يقول بإسم الإله أفعل، لا يعني إلا ما يعنيه من قال بإسم الشيطان أفعل...إن كليهما يفعل بإسم ذاته، لحساب ذاته، لا بإسم الإله أو الشيطان...ولا لحسابهما...إن كليهما يفعل بلا اله تحت اسم أي إله.
• اني انقد لاني ابكي واتعذب، لا لإني اكره واعادي. انقد الإنسان لاني اريده أفضل، وانقد الكون لانه لايحترم منطق الإنسان, وانقد الحياة لاني اعيشها بمعاناة - بتفاهة, بلاشروط, بلا اقتناع, بلا نظرية.  
• إن كل دموع البشر تنصب في عيوني...ان كل أحزانهم تتجمع في قلبي...إن كل آلامهم تأكل أعضائي..ليس لإني قديس، بل لأني مصاب بمرض الحساسية...بمرض الإنتقال إلى الآخرين...إلى أحزانهم...إلى آلامهم...إلى آهاتهم المكتومة والمنطوقة...إلى عاهاتهم المكشوفة والمستترة.
• ما أفظع أن تكون مبصراً وقارئاً، ثم لا تكون حزيناً ولا ناقداً...
• إن الإنسان إذا عجز عن أن يكون كما يريد، راح يفعل ما لا يريد. انه اذا عجز عن الإنتصار ذهب يصنع الهزيمة.
• إن الحرب في كل صورها وظروفها، ليست إلا تفسيراً لانتصار الطبيعة على البشر. وان السلام هو التفسير المقابل لإنتصار البشر على الطبيعة.
• إن النصوص لا تفسر النصوص، ان الإنسان هو الذي يفسر النصوص...يفسرها بشهواته، وظروفه، ومصالحه، وقدرته..
• ما أوقحك وأكثر ذنوبك أيتها الشعارات...
• إن الحرب لا تعالج شيئاً، ولكنها تدمر أشياء...وهكذا الثورة، فهما أي الحرب والثورة في عصور التأخر لا يجلبان غير الآلام، أما في عصور الحضارات الكبيرة فإنهما تعرضان نفسيهما عرضاً خادعاً، مزوراً بأزياء وأسلحة وعضلات، ليست بأزياءهما ولا عضلاتهما ولا اسلحتهما. إنهما حينئذ تركبان جياداً ليست جيادهما، وتلبسان حللاً ليست من صنعهما.
• إن مزية روسيا ليست في نظامها الإجتماعي، ولا في إسقاط  قياصرتها الطغاة...ان روسيا ليست عظيمة لأنها شيوعية. ولكن لأنها مبدعة.
• إن الثوار قوم كارهون لأنفسهم وظروفهم ومجتمعهم يعبرون عن هذه الكراهة بأسلوب يدعونه ثورة، ولهذا فإن أكثر الثوار ثورية لا بد أن يكونوا أكثر الناس كراهة وتنافراً مع أنفسهم ومع الآخرين.
• ان أشد الناس خوفاً من الحرية والتطور هم الذين انتصروا بالمؤامرات...هم الذين ارتفعوا فوق اكتاف التاريخ بالقفز عليه في الظلام.
• ما أقبحك يا عهد الثورات... ان النفاق يصبح فيك هو أسهل أساليب المقاومة...يصبح هو العزاء في شرف الإنسان.
• إن الناس في زمن الثورات، محتوم عليهم أن يؤمنوا، ومحرم عليهم أن يفهموا.
• إن الثائر يحاول أن يغير وضعه بحجة المحاولة لتغيير أوضاع الآخرين...إنه يغار لنفسه وينتقم لها، ثم يزعم أنه إنما يغار وينتقم للإنسان المظلوم، أو للإله المهجور في سمائه.
• لقد مات الإنسان...مات قبل أن يولد. وانه لا يزال يموت...انه يموت دائماً لأن الطغاة والثوار والمعلمين، يجربون عليه أنفسهم دائماً. انه لا يرفض أن يتعلم، وأنهم لا يملون أو يتعبون مهما استمرت التجارب.
• إني أخاف الثورات، لأني أخاف على مستويات الحرية والذكاء والكرامة...لأني أخاف على المعارضة الشجاعة والتمرد الخلاق...لأني أخاف أن يموتا...أن يقتلهما الثوار.
• إن آفة كل دكتاتور مهما كان صغيرا أنه يريد أن يكون الطبيب العالمي للتاريخ...انه لا يستطيع أن يكون في حسابه لنفسه عظيماً إلا إذا كان كل من كان قبله حقيراً. ان مجده يعني حقارة من سواه...ان حقارة من سواه تعني مجده، تعني تفرده بالمجد.
• الخائفون جداً لا يستطيعون أن يكونوا أذكياء ولا رافضين لأي أسلوب من أساليب الغباء. إن الخائف وعاء مفتوح لإستقبال كل الحماقات والغباوات...لإستقبال كل المجانين والطغاة والأنبياء الكذبة. لعل أكثر مخاوف البشر التاريخية، انما صنعها هؤلاء الذين ابتكروا الخوف من الجحيم والشيطان والآلهة.
• إن الحاكم الذي ينقد نفسه، ثم يعاقب من ينقدونه، لهو مثل من يتعرى في الطريق العام، ويعلن تعريه، ثم يفقأ من ينظرون اليه، أو يفقأ عيون كل الناس لئلا ينظروا اليه.
• إن الدكتاتور لا يعني حينما يتحدث عن أخطائه، إلا ان يتحدث عن اخطاء مجتمعه، عن أخطاء التاريخ، عن أخطاء الكون. فهو إنما يمجد نفسه ــ بأسلوب المتواضع ــ حينما يتهمها بذنوب غيرها..
• إن الدكتاتور يحاول أن يحول الكون كله إلى طبول تدق وتدق...في كل مكان باسمه وبمجده...تدق فوق النجوم وتحت الأرض، وعلى كل اتجاه...تدق في مسامع كل الحاضر وفي مسامع الآتي.
• الحاكم الفاسد يعادي من يعارضون، أما الحاكم الاله فانه يصلب من يفكرون...
• ان الإنتخابات في عهد الدكتاتور ليست سوى عملية بالإكراه للإعتراف بشرعية بقائه...
• إنه لا يوجد في التاريخ محتكر أبشع من الدكتاتور. ان الدكتاتور لا يحتكر الأشياء وحدها، انه يحتكر الأفكار والعقائد، وخلجات النفس، وحرية النقد والرؤية، انه يحتكر البذاءة والجنون.
• أيها المجد، أيها الخلود. كم أنتما قاتلان... كم أنتما لصان. يا مجد الأصنام، يا خلود الأصنام متى يصلبكما الإنسان... متى يحاكمكما على كل ذنوبكما...؟
• أيتها اللغة، يا لغة العرب يا لغة الإعجاز والتحدي، يا لغة الكتاب المتحدي...كم أنتِ مذنبة...كم أنت معجزة...كم أنت معجزة مذنبة يا لغة العرب...يا لغة الإعجاز، يا لغة التحدي.

=======================================
▬ إن قراءة التاريخ لا تجدي في اتقاء الأخطار والآلام، انها لا تجدي في معرفة الأخطاء والآلام. ان أخطاء وآلام من لم يقرأ التاريخ، ليست أعظم من أخطاء من قرأه. ان القراءة ليست وسيلة من وسائل اتقاء الأخطاء والألم. انه لا يمكن أن يرى الإنسان نفسه من خلال التاريخ، أو من خلال الآخرين، انه يرى العكس، انه ليس للتاريخ قوة أخلاقية أو وعظية أو عقلية. ان التاريخ يعيش فينا ولكننا لا نتعلم منه. اننا لو كنا نستطيع ان نتعلم من التاريخ لتحولنا في تفكيرنا وسلوكنا وعواطفنا إلى أجهزة معصومة من الخطأ والألم والفساد. ولكن التاريخ مع ذلك ليس أسلوباً واحداً أو صيغة واحدة، فإذا عرفنا اسلوباً واحداً من أساليبه، أو صيغة واحدة من صيغه المتناهية، فهل يجعلنا ذلك عارفين لكل اساليبه وصيغه؟ صــ45

▬ قد تتحول كل عبقرية العرب ومحاولاتهم للاصلاح والتغيير وآمالهم فيهما، إلى ثورات عسكرية. قد يظلون يرون أن السيف أصدق أنباء من الكتب والعلم، ومن كل المزايا الإنسانية الأخرى...قد يظلون يرونه العلاج الدائم، من كل تخلف وفساد، وظلم وجهل...قد يظلون يرون أنهم كلما عجزوا عن التغيير العظيم، وعن التلاؤم مع الإحتياجات الكبرى الجديدة، فالحل أن يقوموا بثورة عسكرية لكي يهربوا من عجزهم، ليغطوا بالسلاح والضجيج، والمحاكمات والإتهامات الكبرى، ولكي يظلوا زمناً طويلاً ينتظرون أن يتحول السيف إلى حضارة وعبقرية، وانتصار على الجهل والتخلف، ولكي يتحدثوا كل الوقت عن أمجاد ثورتهم، وعن بركتها...صــ53

▬ إنه لا يمكن أن تكون ثورة بدون أصوات عالية. ان الأصوات العالية تستهلك حماس الإنسان وطاقته...انها تفسد قدرته على الرؤية والتفكير والسلوك الجيد. ان الأصوات العالية هي الثمن السخي الذي تهبه الثورات للمجتمعات التي تصاب بها. ان الأصوات العالية هي العقاب الغوغائي الذي تعاقب به كل ثورة اعصاب ووقار مجتمعها، وأحياناً أعصاب ووقار المجتمع العالمي. وان الأصوات العالية هي هدية كل ثورة للمشاكل الصعبة. صــ104

▬ الثوار دائماً يتحدثون عن نقيض ما يعطون. انهم يتحدثون عن الحرية والإستقامة وهم أقوى أعدائها...وعن الصدق وليس في البشر من يعاقبون الصادق، ومن يمارسون الكذب ويجزون بالكاذبين مثلهم...وعن حقارة النفاق وهم أحسن من يزرعونه، ويستثمرونه ويتعاملون عليه...وعن الرخاء، مع أنهم أذكى من يبتدعون جميع أسباب الافقار والأزمات والحرمان... وعن التقدمية وهم أعتق البشر رجعية، انه لا مثيل لهم في الخوف من التغيير الذي لا يهبهم تسلطاً وطغياناً... ويتحدثون عن العدل والحب وهم يعنون بها تخويف كل الطبقات وتسخيرها وقهرها وسوقها لمصلحة كبريائهم وأحلامهم...صــ107

▬ إنني كلما رأيت زياً عسكرياً، أشعر اني لا أرى إلا إعلاناً بذيئاً مربوطاً بإنسان أسمعه ينادي: أنا وحش...أنا  قاتل...أنا مخرب...أنا صانع الأيتام...صانع الأرامل...صانع الدموع...أنا حشرة باهظة التكاليف...أنا حشرة عالمية...أنا كل ذلك...أنا أكثر من ذلك، وأوقح من ذلك...أنا الجميل الدميم...أنا المحترم المحتقر...أنا القوي الضعيف، المنتصر المهزوم...أنا القاتل الذي يمشي متبختراً فوق المجتمع، حاملاً زي القتل، حاملاً أدوات القتل وشعاراته...أنا القاتل الذي تعده كل المجتمعات، وتفاخر به كل المجتمعات...أنا صانع الإنتصارات، التي هي هزائم للإنسان...أنا صانع الهزائم دائماً...أنا صانع الهزائم حينما أنتصر، وصانع الهزائم حينما أنهزم...أنا دائماً الموت، والخراب والخوف، والبذاءة...صــ125

▬ إن المجتمعات في الغالب تؤمن بالذين يعلمونها الكذب والغواية والبغض والحماقات لا بمن يعلمونها الحب والحقيقة والصداقة والعقل: ان الأكاذيب أقوى سحراً من الحقائق...ان المهرجين الصارخين، يعطون الجماعات الفرصة لكي تريح آلامها واعصابها، أوحرمانها اعظم مما يعطيها العقلاء والمتوقرون. ما اسخف العقل حيث يطلب الجنون...ما أسخف الإتزان في مخاطبة الجماهير، في قيادتها. ان الإعتدال والصدق والوقار ، قيود لا تطيقها الجماهير. ان الجماهير تجد في الأكاذيب والمبالغات والتحويمات، تعويضاً لها عن فقدها وعجزها وحاجتها. كل الناس يحتاجون إلى تعويض ولو بالكذب، ولو بالإحتلام، ولو بالشتائم والحقد. صــ132

▬ إن الدكتاتور يلقي بثقل دعايته كله على مخاوف جماهيره وأحقادها، فيملؤها بالأعداء المتربصين، ويملؤها بمؤامراتهم وخياناتهم التي لا تنتهي...إنه يضيق عليها الجو بالأشباح والأبالسة...انه يظل يحدثها بأعلى الضجيج عن أخطار هذه الأشباح والأبالسة...يحدثها عن الخطط الكبيرة التي توضع في الظلام لإغتصاب الحياة والسعادة من الجماهير، وللقضاء على منقذها العظيم...يحدثها عن الإستعدادات المضادة، التي يحكم وضعها لتحقيق الإنتصارات التي لا ريب فيها. صــ140

▬ إن الدكتاتور يعشق التاريخ الذليل المهزوم الملوث. انه يكره التاريخ النظيف العزيز الكريم...ان ذلك تحقير له، ورفض لتفرده...انه لهذا لا بد أن يزور ما كان...انه قد يود أن يحرق جميع الوثائق التي تناقض هذه الغاية، اذا لم يجد وسيلة أخرى...انه يبدأ به التاريخ، ان يبدأ به الإنسان، ان تبدأ به كل عبقرية...انه يريد أن يكون البدء. ان الدكتاتور انسان عاشق لعار التاريخ...انه يريد أن يكون كل شيء، فضائح وهوانا، وخيانه وعفونة...انه يريد أن يكون وحده المعالج المقوم، المدعي لأبوته وأمومته ونسبه. ان آفة كل دكتاتور مهما كان صغيراً وضئيلاً أنه يريد أن يكون الطبيب العالمي للتاريخ...صــ150

▬ لقد كان المفروض أن يكون دعاء المؤمنين: "اللهم لا تنصرنا ولا تنصر علينا...اللهم لا تنصر أحد على أحد...اللهم لا تجعل لنا أعداء لنطلب منك النصر عليهم...اللهم لا تجعلنا أعداء لأحد ليطلب اليك ان تنصره علينا... انه لظلم لا يليق بك... انها الحقارة، تترفع عنها صفات الأرباب أن تخلق الناس لتجعل منهمم منتصرين وتجعل منهم منهزمين... انها هرطقة ووحشية منا أن نتصور ذلك في أخلاقك...انها لهرطقة ووحشية، أن ندخلك في معاركنا الصغيرة الظالمة الوقحة، ذات الأهداف والحوافز السخيفة".إن على البشر جميعاً أن يغيروا من صلواتهم التي يوجهونها إلى الله. لقد تحضروا فعليهم أن يتحضروا في تصورهم للإله، وفي مطالبتهم له، وضراعاتهم اليه. انه لذنب كبير أن يظلوا يدعونه باللغة التي كانوا يدعونه بها أيام بدواتهم.صــ184


▬ لقد كان للعرب إله، لقد كان لهم إله تحول إلى كلام، إلى كلام تنزل على نبي، نبي حوله إلى كتاب. لقد أصبح إله العرب كتاباً، لقد أصبح كلاما... حتى الإله لقد أصبح كلاما... أصبحت قدرته وتعامله معهم كلاماً. ان مجد العرب كلام...ان معجزات نبيهم كلام...ان صفات الههم كلام...ان تقديرهم اذن للكلام تقدير فيه كل معاني التدين، وشطحات الصوفية المتنازلة عن كل حقوقها في المنطق، وفي احترام السلوك، وضبط الذات بأي مستوى من مستويات الضبط.  [...] كأن الكلام عندهم إنما هو مقدرة على الكلام.. صــ209

  • Digg
  • Del.icio.us
  • StumbleUpon
  • Reddit
  • RSS

الدولة اليهودية (تيودور هرتزل)


• إن الفكرة التي طورتها في هذا الكتيب فكرة موغلة في القدم، هي فكرة استعادة الدولة اليهودية. إن العالم يردد صيحات صاخبة ضد اليهود، وهذه الصيحات هي التي أيقظت الفكرة من سباتها.
• إن كل إنسان يستطيع أن يرى بنفسه أن عناصر الفكرة التي أقوم بالتخطبط لها ليست موجودة فحسب ولكنها حقاً ظاهرة للعيان. ومن ثم المحاولة لحل المشكلة اليهودية يمكن وصفها بكلمة واحدة "توليفة"، ولكنها ليست بالتأكيد خيالاً.
• إن كل شيء يعتمد على قوتنا الدافعة..ولكن ما هي قوتنا الدافعة؟ إنها بؤس اليهود؟ فمن يجرؤ على إنكار وجوده؟
• كلنا يألف ظاهرة قوة البخار التي يولدها الماء الذي يغلي فيرفع غطاء الغلاية، هذه الظاهرة الخاصة بغلاية الشاي هي محاولات الصهاينة والجمعيات الصهيونية لكبح جماح العداء للسامية.
• لن أطيل في وصف جمالي مفصل لمشروعي خشية إثارة الشك في أنني أؤلف يوتوبيا وعلى أي حال فإنني أتوقع أن بعض الساخرين الذين لا فكر لهم سوف يصورون مشروعي بصورة هزلية، وبذلك يحاولون إضعاف أثره.
• إن الدولة اليهودية ضرورية للعالم ولذلك فسوف تقوم.
• إن اليهود الذين يريدون الدولة اليهودية ستكون لهم، وسوف يستحقونها.
• قد تبلى فروع كثيرة من اليهودية وتسقط، أما الجذوع فإنها تبقى ثابتة.
• لقد ظل اليهود يحلمون هذا الحلم الملكي خلال الليالي الطويلة من تاريخهم. "العام القادم في القدس" إنها عبارة قديمة. المشكلة الآن أن يتحول هذا الحلم إلى واقع حي.
• هل أصبح علينا الآن أن نرحل؟ وإذا كان الأمر كذلك فإلى أين؟ أم لا يزال أن نبقى؟ وإذا كان كذلك فلأي فترة من الزمن؟
• إن العداء للسامية بين الشعوب يتعاظم يوماً بعد يوم وساعة بعد ساعة، وهي حرية بأن تتعاظم حقاً، لأن أسباب نموها مستمرة في الوجود ولا يمكن إزالتها.
• لا ينبغي أن نتصور أن رحيل اليهود سيكون رحيلاً مفاجئاً، وإنما سيكون رحيلاً تدريجياً ومستمراً على مدى عقود من الزمان.
• لا يصح لنا أن نأخذ رمحاً وحربة ونخرج أفراداً وراء الدببة، بل ينبغي أن ننظم مجموعة قوية من الصيادين، فنسوق الحيوانات لنجمعهم في مكان واحد ثم نقذف في وسطهم قنبلة مدمرة.
• إن المهاجرين الذين يقفون في أسفل السلم الإقتصادي سوف يتبعهم ببطء أولئك الذين هم أفضل منهم حالاً.
• هناك الآن منطقتان موضوعتان في الإعتبار: فلسطين والأرجنتين. ففي كلا البلدين هناك تجارب استعمارية هامة، ولكن على أساس مبدأ خاطيء من التسلل التدريجي لليهود وهو تسلل من شأنه أن ينتهي نهاية سيئة.
• هل نختار فلسطين أم الأرجنتين؟ إننا سنأخذ ما يعطي لنا، وما يختاره الرأي العام اليهودي، وسوف تقرر الجمعية كلا الأمرين.
• أما فلسطين فإنها وطننا التاريخي الذي لا تُمحى ذكراه، إن إسم فلسطين في حد ذاته سيجتذب شعبنا بقوة ذات فعالية.
• نحن نريد أن تكون أجيالنا القادمة قوية سواء من الرجال أو النساء. وسوف نعلم الأطفال كما نريد منذ البداية..
• إن أرض الميعاد هي أرض العمل..
• إن الملكية الخاصة-التي هي الأساس الإقتصادي للإستقلال-سوف تنمو بحرية سوف نحترمها. وسوف تكون الفرص متاحة فوراً لعمالنا الأوائل غير المهرة أن يجتهدوا في الصعود إلى الملكية الخاصة.
• هذا الكتيب معني بفتح باب المناقشة في "المشكلة اليهودية"، وسيشترك في هذه المناقشة الأصدقاء والأعداء على السواء. ولكني آمل ألا تأخذ المناقشة شكل السباب العنيف أو التبرير العاطفي، بل مناظرات ذات طابع علمي جاد وسياسي.
• لقد ذكرت من قبل أن أول أهدافنا هو السيادة - التي يضمنها لنا القانون الدولي - على قطعة من الأرض ذات مساحة كبيرة كافية لتحقيق متطلباتنا العادلة.
• كل إنجاز اجتماعي أو تكنولوجي في عصرنا هذا أو في العصر القادم - أمام التنفيذ البطيء لمشروعي - ينبغي توظيفه لهذا الهدف. وكل اختراع ذي قيمة سواء كان موجوداً الآن أو سيوجد في المستقبل، ينبغي الإستفادة به.
• إن المُعاناة المشتركة بسبب العداء للسامية هي سبب تجمع اليهود وتوحدهم.
• إن الحياة الجديدة يمكن أن تمنح الشخص روحاً جديدة، حتى المجرمين. وعندنا من هؤلاء عدد قليل نسبياً.
• لو أن رجلاً كان يعيش في القرن الماضي عاد إلى الأرض اليوم، فسوف يجد الحياة الحاضرة حافلة بسحر يستعصي عليه فهمه. فحيثما يظهر الرجل مع اختراعاتنا، فإننا نحول الصحراء إلى حديقة.
• إنني أعتقد أن اليهود سيكون لهم دائماً قدر كافٍ من الأعداء كأي أمة أخرى، ولكن حينما يصمدون في أرضهم الخاصة فلن يمكنهم بعد ذلك أن يفترقوا في العالم.
• إن تشتت الأمة لن يحدث مرة أخرى، إلا إذا انهارت حضارة العالم بأسره. ومثل هذا الإنهيار لا يخشاه إلا أُناس أغبياء. إن حضارتنا الحالية تملك أسلحة قوية تكفي للدفاع عن نفسها.
• ربما سيكون علينا أن نحارب أولاً ضد كثير من أبناء جنسنا، من أصحاب الأفق الضيق والقلوب العليلة والتوجهات الفاسدة.
• صحيح أن الإضطهادات لم تعد من الخبث بمكان كما كانت في العصور الوسطى، وإنما حساسيتنا هي التي تزايدت حتى أصبحنا لا نشعر بتضاؤل المعاناة. لقد أنهكت اعصابنا الإضطهادات الكثيرة على مر العصور.
• فيا إخواننا اليهود هذه هي "أرض الميعاد"! لا أسطورة هي ولا خدعة. وكل إنسان يستطيع أن يختبر حقيقتها بنفسه، لأن كل إنسان سيحمل معه قطعة من أرض الميعاد: بعضها في رأسه، وبعضها بين ذراعيه، وبعضها في ملكيته المكتسبة.

===================================================
▬ إنني على يقين تام أنني على حق وإن كنت أشك فيما إذا كنت سأبقى حياً لأري الأيام تبرهن على ذلك، أما ألئك الذين سيكونون أو من يفتتح هذه الحركة فمن النادر أن يبقوا على قيد الحياة ليشهدوا نهايتها العظيمة، ولكن افتتاحها في حد ذاته يكفي لمنحهم الشعور بالفخر والسعادة بالتحرر الروحي. صــ2

▬ إن الذين يرغبون بصدق أن يروا اليهود يذوبون في بوتقة واحدة مع الشعوب الأخرى ليس أمامهم غير طريق واحد، هو أن يمتلك اليهودي باديء ذي بدء قوة اقتصادية تمكنهم من التغلب على التحيز الإجتماعي القديم الذي يُمارس ضدهم. ولعل وضع الطبقة العليا من اليهود أصدق تعبير على ذلك حيث يحدث الزواج المختلط بين أفرادها بنسبة أكبر. لقد انقرضت بالتدريج تلك الأسر اليهودية التي استعادت بأموالها مكانتها العالية السالفة. ولكن أي شكل تأخذه هذه الظاهرة في الطبقات الوسطى حيث يكون اليهود طبقة برجوازية فإن المسألة اليهودية تطرح نفسها بحدة. صــ8

▬ ما الذي يمكن اكتسابه بنقل بضعة آلاف من اليهود إلى دولة أخرى؟ إنهم إما أن يُصابوا بالفشل على الفور، أو يكون النجاح حليفهم، وفي هذه الحالة فإن نجاحهم هذا سيولد العداء للسامية. لقد ناقشنا الآن هذه المحاولات التوجيه اليهود الفقراء إلى مناطق جديدة، ومن الواضح أن هذا التوجيه غير كافٍ ولا طائل من ورائه، إذا لم يكن في الحقيقة محبطاً للنتائج المرجوة، لأن ما يفعله هو مجرد إطالة الحل أو تأجيله، ولربما يكون سبباً في تفاقم المشكلات. صــ14

▬ إن إقامة دولة جديدة ليس أمراً يدعو للسخرية ولا هو مستحيل. لقد شاهدنا في أيامنا الحالية هذه العملية تتم بين شعوب ليست بشكل كبير من الطبقة الوسطى وإنما أكثر فقراً وأقل تعليماً وبالتالي أصعب منا. إن الحكومات في جميع البلاد التي اُنتُقِدَت بسبب العداء للسامية سوف تكون حريصة على مساعدتنا في الحصول على السيادة التي نريدها. صــ17

▬ لقد حققت الثورة الفرنسية نتائج مماثلة شيئاً ما، على نطاق أضيق، ولكن هذه النتائج جاءت عن طريق حمامات الدم تحت المقصلة في كل مقاطعة من فرنسا، وفي ميادين الحرب في أوروبا. وعلاوة على ذلك فقد دمرت الحقوق الموروثة منها والمكتسبة، ولم يتمتع بالثراء سوى أولئك الدهاة الذين اشتروا ممتلكات الدولة. سوف تقدم الشركة اليهودية إلى الحكومات - التي في مجال نشاطها - منافع مباشرة وغير مباشرة. فسوف تعطي الحكومات - كأول عطاء - ممتلكات اليهود المهجورة، وستتيح للمشترين أفضل الشروط، وسوف تكون الحكومات قادرة على الإستفادة من التخصيص الودي للأرض للقيام بإصلاحات اجتماعية معينة، وستعطي الشركة الحكومات والبرلمانات كل مساعدة لتوجيه الهجرة الداخلية للمواطنين المسيحيين. وسوف تدفع الشركة اليهودية أيضاً ضرائب جمركية ثقيلة، وسوف يكون مركزها الرئيسي في لندن حتى تكون في حماية قانونية لقوة ليست في الوقت الراهن معادية للسامية. صــ30

▬ إننا سنترك حتى لألئك الذين يتمتعون بأقل درجات الذكاء وهماً مواسياً بأنهم ذوو فائدة في هذا العالم؛ فسوف نوفر أعمالاً سهلة لأولئك العاجزين عن العمل العقلي، إذ يجب علينا أن نأخذ في اعتبارنا تضاؤل الحيوية في أجيال هدها الفقر. أما الأجيال المقبلة فستعامل بأسلوب آخر، إنهم سيربون على الحرية لحياة حرة. إننا سوف نسعى بالعمل لمنح الخلاص الأخلاقي للرجال من جميع الاعمار والطبقات، وهكذا يستعيد شعبنا قوته من جديد في الأرض ذات السبع ساعات عمل في اليوم. صــ40

▬ حقاً إن الدولة اليهودية يمكن تصور أنها تركيبة جديدة ومميزة، وعلى أرض غير محددة. إلا أن الدولة لا تتشكل بواسطة قطعة من الأرض، ولكن بواسطة عدد من الناس متحدين تحت سلطة سيادية. الشعب هو الأساس الذاتي للدولة، والأرض هي الأساس الموضوعي لها. والأساس هو أهم الإثنين. فعلى سبيل المثال هناك سلطة ليس لها أساس موضوعي على الإطلاق، وهي على الأرجح الأكثر إحتراماً في العالم، وأنا هنا أشير إلى السلطة البابوية. صــ47

▬ إن الشعب اليهودي محروم حالياً - بسبب وجوده في حالة الشتات - من إدارة شئونه السياسية بنفسه. إلى جانب ذلك فإن اليهود في حالة من العسر الشديد - قلت أو كثرت - في أجزاء شتى من العالم. إنهم يحتاجون - قبل كل شيء - إلى كفيل. هذا الكفيل لا يمكن بطبيعة الحال أن يكون فرداً واحداً. فإن مثل هذا الفرد إما أن يجعل نفسه موضوع سخرية، أو باعثاً على الإحتقار إذا بدا أنه يحقق مصالحه الخاصة. إن كفيل اليهود ينبغي أن يكون هيئة عامة، وتلك هي "جمعية اليهود". صــ49

▬ في أمريكا كانت طريقة إحتلال الأرض الجديدة المفتوحة طريقة بدائية، حيث يتجمع المستوطنون على الحدود، وفي وقت محدد يندفعون جميعاً في وقت واحد بعنف لإحتلال الجزء الذي يقدرون عليه. إننا لن نتبع هذا الأسلوب في الأرض الجديدة لليهود. فإن قطع الأراضي بالأقاليم والمدن ستباع بمزاد علني، وسيدفع ثمنها عملاً وليس نقداً. وستكون الخطة العامة قد اكتملت فيما يتعلق بالطرق والكباري ومحطات تزويد المياة وغيرها مما هو ضروري للتجارة. هذه كلها ستتوحد في أقاليم، وفي داخل هذه الأقاليم ستباع مواقع المدن أيضاً بالمزاد العلني. صــ51

▬ قد يرى البعض أن حاجتنا إلى لغة جارية مشتركة يمثل صعوبة. إننا لا نستطيع التخاطب بعضنا مع بعض باللغة العبرية، فمن منا لديه معرفة كافية ليطلب تذكرة قطار باللغة العبرية. مثل هذا الأمر لا يمكن حدوثه. ومع ذلك فالمشكلة يمكن التغلب عليها بسهولة. فكل شخص يمكنه أن يحتفظ باللغة التي تحمل أفكاره بيسر. وتقدم إلينا سويسرا برهاناً قاطعاً على إمكانية تعدد اللغات في اتحاد فيدرالي. سوف نبقى الوطن الجديد كما نحن الآن، ولن نتوقف عن الإعتزاز في أسى بذكرياتنا في البلاد التي أُخرجنا منها. سوف نتخلص من تلك الرطانات البائسة المتحجرة، لغات "الجيتو" التي لا نزال نستعملها، فقد كانت هي اللغة الخفية للسجناء. إن معلمينا القوميين سوف يهتمون بهذه المسألة، واللغة التي تثبت أنها أكثر نفعاً في العلاقات الإجتماعية العامة، سوف نتبناها بدون إكراه كلغة قومية. إن جنسنا غريب فريد، فليس يجمع بيننا إلا عقيدة آبائنا. صــ53

▬ هل ستنتهي إلى حكومة ثيوقراطية؟ لا بالتأكيد. إن العقيدة تجمعنا والمعرفة تمنحنا الحرية. ولذلك سنمنع أي إتجاهات ثيوقراطية تتصدر قيادتنا من جانب الكهنوت. سوف نحصر كهنتنا داخل حدود المعابد، كما سنحصر بالمثل جيشنا داخل حدود معسكراته. لسوف يلتقي جيشنا وكهنتنا منا كل احترام رفيع بقدر ما تستحقه وظيفتهما القيمة، ولكنهما لا يجب أن يتدخلا في إدارة شئون الدولة التي تخلع عليها مكانة سامية، وإلا فسيجلبان علينا صعوبات في الداخل والخارج. صــ53

▬ ليس لدينا عَلَم ونحن في حاجة إلى ذلك. فإن كنا نريد أن نقود عدداً من الرجال، فلابد أن نرفع رمزاً فوق رؤوسهم، وأنا أقترح علماً أبيضاً به سبع نجوم ذهبية. الخلفية البيضاء ترمز إلى حياتنا الجديدة النقية، أما النجوم السبع فهي السبع ساعات الذهبية للعمل اليومي. لأننا سوف نسير إلى الأرض الموعودة حاملين شارة الشرف. إن الدولة اليهودية يجب أن تؤسس تأسياسياً سليماً، بالنظر إلى مركزنا المستقبلي المشرف في العالم. صــ54


▬ أيُ مجد ينتظر ألئك الذين يكافحون في سبيل هدف غير أناني! من أجل ذلك فإنني أعتقد أن جيلاً رائعاً من اليهود سوف ينبثق إلى الوجود، سينهض "المكابيون" مرة أخرى. ولأكرر مرة أخرى كلماتي الإفتتاحية: إن اليهود الذين يريدون الدولة اليهودية ستكون لهم. وسوف نحيا أخيراً رجالاً أحراراً على أرضنا، وسنموت بسلام في بيوتنا. وسوف يتحرر العالم بتحررنا، ويتغنى بثورتنا، ويعظم بعظمتنا. وأياً ما حاولنا إحرازه "هُناك" من أجل صالحنا، فسوف يرتد بقوة وفائدة لخير الإنسانية. صــ61

  • Digg
  • Del.icio.us
  • StumbleUpon
  • Reddit
  • RSS

كنت رئيساً لمصر (محمد نجيب)


طالع هذا الرابط أولاً (إضغط هنا) وهذا أيضاً (إضغط هنا)

• ابن أحمد عرابي قال لي : الضابط في جيش الإحتلال مقاول أنفار..
• لابد أن نعترف بأن ثورة 1919، كانت من أهم ثورات الشعب المصري..وأنا أشهد بذلك..خاصة أنني شهدت أحداث تفاصيلها..وتابعت حركتها.
• النحاس قال لي: أفضل أن يكون الجيش بعيداً عن السياسة، وأن تكون الأمة هي المصدر الوحيد للسلطات..وإن كنت في نفس الوقت أتمنى ان يكون انتماء الضباط للوطن والشعب، أكثر من انتمائهم للملك.
• أول لقاء لي مع الملك فاروق كان بالمايوه والشبشب.
• هددت بالإستقالة لو لم يفرجوا عن الضابط أنور السادات..
• طالبت القصر بعدم الدخول في مستنقع حرب فلسطين لكن لم يستجب أحد.
• كان أنور (السادات) يتمتع بروح الدعابة..ويميل إلى تقليد الممثلين..وقد قلد أمامي، ذات مرة، نجيب الريحاني..
• لقد كنت كثير التصادم مع أمثال أولئك الضباط الذين باعوا أنفسهم للشيطان..إبراهيم عطا الله..يوسف رشاد..واللواء محمد حيدري الذي جاء بعد إبراهيم عطا الله..والذي كان أحد ضباط البوليس السابقين، ذوي الشهرة في ضرب المتظاهرين أيام ثورة1919، ثم رجع مديراً لمصلحة السجون.
• إن بإشتراكنا العلني في حرب فلسطين، أعطينا الصهاينة ذريعة ليمارسوا حقهم، كأقلية، في الحرب من أجل البقاء في أرض لا علاقة لهم بها. وكانت هذه الحرب في حقيقتها عبارة عن سلسلة من الهدنة تتخللها معارك بسيطة..
• في فلسطين اكتشفت أن العدو لرئيسي لنا ليس اليهود وإنما الفساد الذي ينخر كالسوس في مصر، والذي كان يتمثل في الملك وفي كبار القواد والحاشية والإقطاع وباقي عناصر النظام ودعائمه في مصر.
• وكنت أول من قال: إن المعركة الحقيقية في مصر وليست في فلسطين .. وهي العبارة التي نسبها جمال عبد الناصر لنفسه بعد ذلك.
• في خلال شهور الحرب لم يلفت جمال عبد الناصر انتباهي. لكني اتذكر أنه كان يحب الظهور ويحب أن يضع نفسه في الصفوف الأولى والدليل على ذلك ما حدث في الفالوجا.
• كنا نلتقط صورة تذكارية في الفالوجا، ففوجئت بضابط صغير، يحاول أن يقف في الصف الأول مع القواد، وكان هذا الضابط جمال عبد الناصر، ولكني نهرته وطلبت منه أن يعود لمكانه الطبيعي في الخلف.
• كنت لا أستريح لصلاح سالم، وكان في قلبي بعض الشكوك فيه، لصلته الوثيقة بالفريق محمد حيدر، لكن تبين لي أن شكوكي ليست في محلها. كان عبد الناصر أيامها، أسمر اللون، ذا انف كبير، ومستقيم، وكان اضخم الثلاثة.
• وبعد لقاءات عديدة، اتفقنا على الخطوط العريضة..ودعاني عبد الناصر إلى تنظيم الضباط الأحرار .. وهو تنظيم سري كان هو مؤسسه، ورئيسه..ووافقت على ذلك.
• كنت أول من أطلق عبارة "تنظيم الضباط الأحرار".
• كان الوفد في عز قوته .. وظل على هذا النحو حتى احترقت القاهرة .. فاحترق معها .. في 26 يناير 1952.
• قبل حريق القاهرة بيومين، رفض جنود بلوكات النظام انذار القائد البريطاني المقيم في فايد، على شاطيء القناة، بتسليم انفسهم.. وأذاع فؤاد سراج الدين وزير الداخلية، بياناً من خلال الرادبو طالب فيه الجنود أن يقاتلوا حتى آخر طلقة، وهدد من تراجع عن ذلك بالمحاكمات العسكرية.
• بينما كانت القاهرة تحترق، كان الملك يحتفل بالمولود الجديد مع زوجته ناريمان صادق..
• إن انتخابات نادي الضباط كانت فعلاً هي الثورة .. وعندما يكتب التاريخ الحقيقي لثورة يليو سوف يقرر المؤرخون أن الملكية في مصر بعد انتخابات نادي الضباط.
• قبل انتخابات النادي كانت اللجنة التنفيذية لتنظيم الضباط الأحرار، تعتقد أنه ليس من الممكن القيام بالثورة قبل عام 1955. لقد غيرت الإنتخابات عقولنا. وأحسسنا بقوتنا .. وأكدت لنا مدى ضعف الملك ونظامه.
• لقد استغل الضباط الأحرار اسمي وسمعتي وشعبيتي، أحسن إستغلال في اختبار قوتهم، وفي احساسهم بذاتهم.
• أثناء وداعنا للملك فارق ومغادرته البلاد قال عدة كلمات منها : "أرجو أن تعتني بالجيش فهو جيش آبائي وأجدادي" .. "إن مهمتك صعبة جداً، فليس من السهل حكم مصر.
• الآن أدركت أن فاروق كان يُعني شيئاً آخر .. لا أتصور أن أحداً من الذين حكموا مصر أدركوه، وهو أن الجماهير التي ترفع الحاكم إلى سابع سماء هي التي تنزل به إلى سابع أرض .. لكن .. لا أحد يتعلم الدرس.
• إنني أعتبر ما حدث ليلة 23 يلوليو 1952 إنقلاباً .. وظل على هذا النحو حتى قامت في مصر التحولات السياسية والإقتصادية والإجتماعية فتحول الإنقلاب إلى ثورة.
• بعد أقل من أسبوع على رحيل الملك كنا نسير في طريق تكييف القوانين الذي انتهى بنا إلى هاوية اللاقانون بعد ذلك.
• اقترحوا عليّ رشاد مهنا (كأحد الأوصياء) فاعترضت. وكان لإعتراضي ما يبرره..فرشاد مهنا خشي مواجهة الملك[..] ورشاد مهنا ضابط وأنا لا أريد أن أزج بالجيش فيما لم يُخلق له.
• حاولت قدر استطاعتي اغلاق هذا الباب، وابعاد الجيش عن الحياة المدنية، وعودته إلى الثكنات، وترك البلد للسياسيين. لكن، كان الوقت، على ما أعتقد، قد فات. فقد اخترق العسكريون كل المجالات وصبغوا كل المصالح الدنية باللون الكاكي.
• لقد كنت أخشى أن يكون حكم العسكريين هو نقطة تحول في تاريخ حكم مصر، لا تستطيع بعده أن تعود للحكم المدني، الطبيعي. وكنت أخشى ان ينتقل النفوذ العسكري من الوزارة التي شكلتها إلى كل شبر في الحياة المدنية.
• كان بين عبد الناصر وبينهم (الإخوان) تاريخ طويل، قبل الثورة، وكان اسمه الحركي عندهم زغلول عبد القادر.
• رغم الصدام الذي وقع بين الإخوان والثورة بسبب تشكيل وزارتي، إلا أننا لم نقطع كل الجسور معها كجماعة سياسية، هي في حقيقتها حزب، عندما أصدرنا قانون الأحزاب .. أو قانون تنظيم الأحزاب السياسية.
• كان موعد الإنتخابات البرلمانية الجديدة، كما وعدت، في فبراير 1953. كنت أعتبر هذا الموعد هو تاريخ إعادة الحياة الديمقراطية كاملة إلى مصر. كنت أعتبره التاريخ الذي يعود فيه الضباط إلى الثكنات والسياسيين إلى البرلمان، والحياة إلى طبيعتها.
• رغم أن بيتي كان بسيطاً، ولا يليق بأن يكون بيتاً لرئيس جمهورية، ورغم بعده عن قلب العاصمة، فقد فضلت البقاء فيه لكي أقنع الآخرين بالتقشف واعطاء المثل لهم.
• عندما قالوا لي: "ان مرتب رئيس الجمهورية سيكون ستة آلاف جنيه سنوياً. أي 500 جنيه في الشهر.. عرضت أن أتنازل عن نصف هذا المرتب طوال مدة الرئاسة..
• قوة عبد الناصر في شخصيته .. وشخصيته من النوع الذي يتكيف ويتغير حسب الظروف .. فهو مرة مع الشيوعيين ومرة مع الإخوان، وعشرات المرات ضد الجميع ومع نفسه.
• وكما عرفت بعد ذلك، كانت "حركة" سليمان حافظ، المباغتة، تمهيداً لإعلاني رئيساً للجمهورية ولإبعادي عن الجيش، ووضع سلطة التصرف فيه إلى عبد الحكيم عامر، الذي رقي، رغم معارضتي، من صاغ إلى لواء، وأصبح القائد العام للقوات المسلحة.
• كان أول خلاف بيننا في تلك الفترة حول محكمة الثورة .. لأننا سنكون، كما قلت، خصماً وحكماً في نفس الوقت..
• كان عبد الناصر وشلته يسعون علناً للإنفراد بالسلطة .. كانوا يفعلون كل شيء لفرش الأرض وتمهيدها لذلك..
• رغم كل ذلك، لم أحاول أن أفعل مثلهم .. ولم أحاول أن أواجههم بنفس أساليبهم القذرة .. فلم تكن أخلاقي لتسمح بذلك كما أنني كنت أسعى جاهداً أن اُغطي على صورتهم المشوهة أمام الناس، حتى لا يفقدوا ما تبقى من إيمانهم بالثورة .. فهل كان هذا خطأي الكبير؟
• سحبت من رأسي الأفكار الخاصة بتقديم استقالتي، والتي كثيراً ما روادتني خلال الشهور الأخيرة قبل رحلة النوبة، واعتبرت الإستقالة هي اعطاء الفرصة كاملة لديكتاتورية عبد الناصر لكي تسود وتسيطر وتطيح بما تبقى من أمل ديمقراطي.
• لم أكن موافقاً على حل جماعة الإخوان..
• استقلت أول مرة لأنني رفضت أن اكون واجهة.
• حضروني في بيتي وقعطوا إتصالاتي ومنعوا الصحف وأنا لا أزال رئيساً للجمهورية.
• أرادوا تحطيم صورتي عند الناس فهب الناس للتخلص منهم.
• عُدت إلى الحكم على أكتاف الجماهير ودماء الإخوان المسلمين.
• عبد الناصر تسامح مع الإنجليز والأمريكان مقابل ان يتخلصوا مني.
• إذا كان للقيادة الجماعية بعض المميزات فإن عيوبها أكثر .. وأخطر هذه العيوب أن يظهر شخص مثل جمال عبد الناصر ينجح في تحريك المجموعة من تحت المنضدة، لتصوت حسب أهدافه وأغراضه، كما حدث.
• إنني لم أقبل العدول عن الإستقالة إلا من أجل الحرية والديمقراطية وإجراء انتخابات برلمانية وتأليف جمعية تأسيسية تمثل مختلف هيئات الشعب، ستجرى الإنتخابات التي تعيد الحياة النيابية للبلاد...
• اليوم أعود إلى القلم لأنفض عنه التراب، وإلى الفكر لأجلو عنه الصدأ، فالرقابة على الصحف لا تحطم الأقلام فحسب بل تقضي على ملكة التفكير.
• يا ويل أمة لا يمارس كُتّابها إلا المدح والثناء ولا يسمح حكماها إلا بتلك النغمة المزدولة، فالنقد السياسي كالنقد عامة ضرورة من ضرورات الحياة والتقدم رمز على الحيوية، فبغيره تفتر الهمم وتتقاعس النفوس ويخبو الذهن والإصلاح.
• أليس من الافضل أن تكون الأحزاب موجودة قبل الإنتخابات؟.. من يختلف على ذلك. إلا من يريد الديكتاتورية ويخشى على نفسه من الديمقراطية ؟
• لقد اشتراهم (الإخوان) عبد الناصر ليبيعني .. ثم .. باعهم واشترى السلطة المطلقة.
• إنني بمنتهى الصراحة لم أتصور أن يغير الإخوان موقفهم ويؤيدوا جمال عبد الناصر.
• ولم يلبث أن دفع الإخوان ثمن تأييدهم لعبد الناصر، في أزمة مارس عندما دُبر ما سُميّ بحادث الإعتداء عليه في المنشية يوم 26 أكتوبر، واتهم فيها محمود عبد اللطيف.
• وكانت هذه المسرحية المدبرة، محاولة لتحويل عبد الناصر إلى بطل شعبي ومحاولة لينسى الناس عوار اتفاقية الجلاء، ثم هي فرصة ليتخلص عبد الناصر من القوة الوحيدة الباقية وهي الإخوان.
• قال لي عامر :"إن إقامتك في المرج لن تزيد عن بضعة أيام". ولكن إقامتي في المرج استمرت من نوفمبر 1954 إلى أكتوبر 1983.
• عبد الناصر كان يعتبر السودان عبئاً على مصر يجب التخلص منه.
• إن السوادن لم يكن بالنسبة لي مجرد ارتباط عائلي ولا عاطفي .. وإنما كان أيضاً ايماناً بأهميته وضرورته لمصر .. لم يكن مجرد فصل من حياتي وإنما هو أيضاً فصل من حياة مصر.
• إنني بالرغم من كوني مصرياً، ولست سودانياً، إلا أنني أشعر بحنين لهذه الأرض التي ترعرت فيها ونشات عليها ورويتها بدماء أجدادي.

                                                               
• كان الأمريكان في الحقيقة يسعون جاهدين للتسلل داخل السلطة في مصر، ورغم أنني كنت في صراع حاد مع عبد الناصر، إلا أنني رفضت الإستعانة بهم، ورغم أن عبد الناصر كان يفعل المستحيل للتخلص مني، فإنني لم أكن أعتمد في وجودي إلا على جماهير الشارع.
• كان الأمريكان يريدون أن يحصلوا على مصر مجاناً .. أو ببضعة أجوال من قمح المعونة .. ولم يكونوا على استعداد لأن يدفعوا أكثر من ذلك .. كأن يمدونا بالسلاح مثلاً.
• لقد وقف الأمريكان بجانب عبد الناصر فعلاً .. لكنه لم يوفِ بعهده.
• لقد كان شعار تحرير فلسطين وإزالة إسرائيل شعاراً رفعته الحكومات العربية للإستهلاك المحلي، ولإستمرار طرح قضية وطنية تلهي الناس عن القضية الإجتماعية أو الديمقراطية..
• كان بعض الكتاب الإسرائيليين قد تفاءلوا عندما عرفوا أن جمال عبد الناصر الذي كان على إتصال ببعض ضباط المخابرات الإسرائيلية في حرب فلسطين، هو أحد رجال الثورة.
• كان من المعروف أن الملك يحكم مصر بالجيش والأزهر .. الجيش يحميه والأزهر يبرر تصرفاته وقراراته .. وكان الملك قادراً على أن يُطيح بمن يعارضه من مشايخ الأزهر..
• إن المشروعات الضخمة التي أُقيمت في الستينات، كانت بلا تخطيط، وبلا كوادر تديرها .. كانت مباني بلا معاني .. وكانت دعاية لا ضرورة إقتصادية.. ووصل التوزير في بعضها إلى حد الإعلان عن إنتاجه السنوي دون أن يفتح المصنع أصلاً.
• حتى عندما أُقيم المشروع الضخم المُسمى بالسد العالي، كان الإهتمام بالجانب السياسي والدعائي فيه أهم وأكبر من الجانب الإقتصادي والفني..
• إن شعار "مصر فوق الجميع" كان شعاراً حقيقياً في عهدي .. ولكن .. الشعار انقلب تماماً في ايام أخرى تلت إختفائي من على المسرح.
• رفضت أن أهرب خارج مصر بحجة وجود خطر على حياتي.
• تمنيت أن يعاملوني لحظة التخلص مني كما عاملت الملك فاروق الفاسد.
• الذين قاموا بالثورة طَحَنَتهم، والذين نافقوها رَفَعَتهم.
• شطبوا إسمي من كتب التاريخ فلم يصدق أطفالي أنني كنت رئسياً لمصر.
• إبني الأكبر مات بعد الإعتقال والأوسط مات مقتولاً في ألمانيا والثالث طردوه من عمله بقرار جمهوري.
• ضُرِبتُ وأُهنت وتعرضت للموت في حادث إختطافي عام 1956.
• سمعت خبر وفاتي في اذاعات العالم نقلاً عن مصادر مطلعة في القاهرة..
• كٌُنت أقضي يومي في ممارسة بعض التمارين الرياضية .. وفي قراءة الصحف .. وفي سماع الإذاعات .. وفي تسجيل ملاحظاتي حول الأحداث التي تجري في البلاد .. وبعد ذلك في تربية القطط والكلاب..
• الإرهاب يولد إرهاباً .. والدم يفجر الدم .. والقسوة تعشق القسوة .. والديكتاتورية العسكرية لا تحكم إلا بدولة المخابرات..
• رفعت المطابع إسمي من كافة الكتب .. شطبوا إسمي من التاريخ .. زوروا التاريخ .. بل وحاولوا أن يتعاملوا معي كأنني لم أوجد ولم أولد وكأنني كذبة أو خرافة أو إشاعة..
• لقد تعذب أولادي كما تعذبت أنا.. تعذبنا منذ دخولنا معتقل المرج..
• لو كانوا قد قرأوا قليلاً في التاريخ أو في السياسة، لعرفوا أن عبد الناصر نفذ نصائح مكيافللي في "الأمير" خاصة تلك التي تنصح الحاكم بالتخلص من كل الذين ساعدوه في الوصول إلى الحكم..
• لقد قًمنا بثورة .. فإذا بهم يحولونها إلى عورة!

===================================================

▬ كنت طالباً في السنة الثانية بالكلية (1914) وجاء المستر ن.ر.سمبسون، مدرس اللغة الإنجليزية، ليملي علينا قطعة إملاء .. جاء فيها: ان مصر يحكمها البريطانيون. فلم يعجبني .. وتوقفت عن الكتابة .. ونهضت واقفاً .. وقلت له: لا يا سيدي .. مصر تحتلها بريطانيا فقط .. ولكنها مستقلة داخلياً .. وتابعة لتركيا. فثار المدرس الإنجليزي، غضب، وأصر على أن أذهب، أمامه إلى مكتبه وأمر بجلدي عشر جلدات على ظهري .. واستسلمت للعقوبة المؤلمة دون أن أتحرك، أو أفتح فمي. كنت متأثراً، في ذلك الوقت، بكتابات مصطفى كامل ضد الإنجليز .. كانت الكتابات تهرب سراً من مصر إلى السودان .. وكنا نقرأها بعيداً عن الأعين، ونحاول أن نلقد صاحبها على قدر إستطاعتنا. صــ17

▬ لقد كان الهدف من النظام العسكري حماية الحكام من أعدائهم المحليين والأجانب، ولم يكن من السهل على الجيش أن يبتعد عن السياسة..لأنه لم يكن من السهل عليه أن يترك بلاده تهوي إلى قاع الفساد..وكان لابد أن يتدخل في السياسة ليكون حكومة تدافع عن المصالح والرغبات المشروعة للشعب. وهذا بالضبط ما حاولنا أن نفعله بقيام حركة الجيش في 23 يوليو 1952. أمسكنا بزمام السلطة لأننا لم نعد نتحمل المهانة التي كنا نعيشها مع الشعب المصري.. وكانت نقطة التفجر هي إنهزامنا في فلسطين..ولكن.. بالنسبة لبعضنا كانت نقطة التفجر سابقة على الهزيمة في فلسطين. أنا شخصياً كانت نقطة تفجري في 4 فبراير 1942. وعبرت عن غضبي من هذا الحادث الذي داس فيه الإنجليز كرامة الملك فاروق بالدبابات، بأن قدمت استقالي من الجيش، لكن الملك لم يقبل الإستقالة.. وبقيت في الجيش، منذ ذلك اليوم، رغم إرداتي. صــ66

▬ أما الإصابات الكبيرة التي سجلتها، فكانت تستحق فعلاً التسجيل. كانت هناك إصابة من لغم انفجر على بعد متر ونصف المتر مني، أصابني في صدري وتحت إبطي ويدي اليُمنى. الإصابة الثانية كانت رصاصة، اخترقت شعري، واحتكت برأسي، وجرحتني جرحاً سطحياً. أما الإصابة الثالثة والخطيرة، فكانت في معركة التبة - 86 ! كانت هذه المعركة في ديسمبر 1948. أصبت في صدري..في الشرايين القريبة من القلب..وعندما نقلت إلى المستشفى كنت في حالة إغماء تام..حتى تصور الأطباء أنني مت..وفعلاً كتبوا ذلك على الورق. صــ75

▬ كان حسين سري عامر وكيل السلاح..وكان وجوده عاراً على الجيش المصري كله..فقد ارتبط اسمه أكثر من مرة، بتهريب المخدرات وبيع الأراضي بالطرق غير المشروعة، واتهم بشراء الأسلحة المتخلفة من الحرب العالمية الثانية في الصحراء الغربية، وبيعها للجيش المصري بأسعار خرافية.. بخلاف إتهامات أخرى مثل سرقة ونهب أموال البدو، ومصوغات نسائهم..ومثل جرائم الرشوة والتزوير. وكان الملك يشترك شخصياً في مثل هذه العلميات، خاصة عمليات بيع السلاح، لكنني لم أعرف ذلك إلا عام 1950، وقبل ذلك التاريخ، كنت بدون فهم، أبلغ الملك بهذه الإنحرافات. صــ87

▬ لا أريد أن أنسب لنفسي ما هو ليس لي .. ولكن .. الحقيقة تقتضي أن أقول، أنني أول من أطلق عبارة "الضباط الأحرار" على التنظيم الذي أسسه جمال عبد الناصر .. وأنا الآن أعتذر عن هذه التسمية، لأنها لم تكن إسماً عى مُسمى .. فهؤلاء لم يكونوا أحرار وإنما كانوا أشرار .. وكان أغلبهم، كما اكتشفت فيما عبد، من المنحرفين أخلاقيا وإجتماعياً .. ولأنهم كذلك كانوا في حاجة إلى قائد كبير ، ليس في الرتبة فقط، وإنما في الأخلاق أيضاً، حتى يتواروا وراءه، ويتحركوا من خلاله .. وكنت أنا هذا الرجل للأسف الشديد. صــ91

▬ علمنا أن الملك اتصل بالسفير الامريكي، وطلب منه أن يبلغ الإنجليز أنه في حاجة إلى عونهم، لكن السفير اعتذر بحجة عدم تدخل حكومته في الشئون الداخلية .. لكنه وعد الملك بحمايته وحماية عائلته إذا احتاج الأمر ذلك .. وغضب الملك من رد كافري، وطلب قائد القوات البريطانية في مصر وطلب منه أن يضع خطة لتهريبه هو وأعوانه خارج مصر، لكن القائد البريطاني تراخى في الإستجابة لطلب الملك، فإذا بالملك يطلب منه إحتلال القاهرة، وضرب الإسكندرية بالأسطول .. وفي هذه المرة رفض طلبه تماماً. صــ121

▬ أريد أن أحسم قضية هامة لا تزال تثير الحوار والجدال، كلما جاءت سيرة ما فعلناه في 23 يليو 1952: هل ما فعلناه في تلك الليلة ثورة أم انقلاب ؟ إن من يؤيدنا ويتحمس لنا، يقول: -ثورة!. وكأنه يكرمنا. ومن يعارضنا ويرفض ما فعلنا يقول: "إنقلاب" وكأنه يحط منا. وفي الحالتين لا يجوز أن نأخذ بمثل هذه الإنفعالات العاطفية. وأنا لن أدخل في مناقشات ومتاهات التعريفات والمصطلحات الأكاديمية حول الثورة والإنقلاب .. ولن أتوه في صحارى الخلافات النظرية .. لكنني سأقول رأيى فيما عشته، وفيما رأيته، وفيما صنعته. ان تحركنا ليلة 23 يوليو، والإستيلاء على مبنى القيادة كان في عرفنا جميعاً إنقلاباً .. وكان لفظ انقلاب هو اللفظ المستخدم فيما بيننا .. ولم يكن اللفظ ليفزعنا لأنه كان يعبر عن أمر واقع .. وكان لفظ الإنقلاب هو اللفظ المستخدم في المفاوضات والإتصالات. الأولى بيني وبين رجال الحكومة ورئيسها للعودة إلى الثكنات.. ثم .. عندما أردنا ان نخاطب الشعب، وان نكسبه إلى صفوفنا، أو على الأقل نجعله لا يقف ضدنا، استخدمنا لفظ الحركة .. وهو لفظ مهذب وناعم لكلمة انقلاب .. وهو نفس الوقت لفظ مائع ومطاط ليس له مثيل ولا معنى واضح في قواميس المصطلحات السياسية .. وعندما أحسسنا أن الجماهير تؤيدنا وتشجعنا وتهتف بحياتنا، أضفنا لكلمة الحركة صفة المباركة، وبدأنا في البيانات والخطب والتصريحات الصحفية نقول: "حركة الجيش المباركة". وبدأت الجماهير تخرج إلى الشوارع لتعبر عن فرحتها بالحركة .. وبدأت برقيات التأييد تصل إلينا وإلى الصحف والإذاعة، فأحس البعض ان عنصر الجماهير الذي ينقص الإنقلاب ليصبح ثورة قد توافر الآن، فبدأنا أحياناً في استخدام تعبير الثورة، إلى جانب تعبيري: الإنقلاب والحركة. صــ145

▬ أما أول مشكلة عامة أقابلها بعد نجاح الثورة، فكانت مشكلة الوصاية على العرش. لقد تنازل الملك فاروق على العرش لإبنه الأمير أحمد فؤد الثاني .. ولم يكن ممكنا أن يحكم مصر طفل طُرد أبوه إلى المنفى .. فماذا نفعل في هذا الوضع ؟ معظم أعضاء مجلس القيادة طالبوا بإقامة الجمهورية .. لكنني أقنعتهم أن التحضير للجمهورية التي ستحل محل الملكية يحتاج إلى وقت. وكان رأي الإخوان المسلمين إسقاط الملكية وإعلان الخلافة الإسلامية فوراً. وكان رأيى تشكيل مجلس وصاية على العرش. ووافق الجميع. لكن .. كانت هناك عقبة دستورية كبيرة أمام تشكيل هذا المجلس .. فالدستور ينص (مادة 51) على ألا يتولى أوصياء العرش عملهم إلا بعد أن يؤدوا أمام مجلس النواب والشيوخ مجتمعين اليمين الذي يؤديها الملك أمامها قبل مباشرة سلطته الدستورية [..] والدستور ينص (مادة 55) على أن يتولى مجلس الوزراء بصفة مؤقتة، سلطات الملك الدستورية حتى يؤدي أوصياء العرش اليمين أمام البرلمان. صــ150

▬ اعترض سليمان حافظ على عدد من السياسيين، كان من بينهم مصطفى النحاس الذي أصبح رئيساً شرفياً للوفد. ودخلت الحكومة مع الأحزاب في سلسلة من المنازعات القضائية، بسبب هذا القانون، وانشغل الرأي العام بهذه القضايا، حتى صدور قانون إلغاء الأحزاب. وأذكر، يوم طلبنا من الأحزاب أن تنظم نفسها، أن طلب عبد الناصر عدم إعتبار الإخوان حزباً حتى لا يطبق عليهم القانون، وقال لي: "إن جماعة الإخوان كانت من أكبر أعوان الحركة قبل قيامها، ولا يصح أن نطبق عليها قانون الأحزاب. ورفضت طلبه.. وقلت "لا .. لأن القوى السياسية يجب أن تكون سواء أمام القانون". صــ169

▬ على أن كل هذه الأسباب التي لم نعلن تفاصيلها في حينها، عندما أعلنا حل الأحزاب، لم تكن لتقنع أحداً بضرورة ذلك القرار.. فتعرضنا إلى هجوم من كل صحافة العالم، خاصة الغرب. وأطلقت عليّ تلك الصحافة لقب "الديكتاتور العادل" .. أو الديكتاتور المهذب. ان صحافة العالم التي لصقت بي هذا اللقب، لم تكن لتدرك أن الثورة التي حظيت بموافقة الأغلبية الساحقة، كان لها أعداء، كانوا رغم قلتهم أقوياء.. وكان بإمكانهم تدمير الثورة. ولكوني ديكتاتوراً عادلاً، تعرضت للنقد الشديد من أُلئك الذين يريدون ديكتاتوراً حقيقياً.. كان أولئك يحلمون بأتاتورك مصري.. وجاء عليهم وقت اعتقدوا فيه أن فاروق كان يمكن أن يلعب هذا الدور.. وأعتقدت أنا كذلك.. لكنه خيب ظننا.. وبعد الثورة توقعوا أن ألعب هذا الدور.. لكنني خيبت ظنهم أيضاً.. فإتجه تفكيرهم إلى جمال عبد الناصر ليقوم بهذا الدور ولا أعتقد أنه خيب آمالهم. صــ181

▬ كنت عائداً إلى منزلي في يوليو 1953، فلاحظت رجلاً يرتدي ثياباً رثة ويصرخ: "يا ظالم .. يا ظالم". كان عجوزاً، إلى درجة أنه لا يمكن أن يحدث بي أي أذى، فأوقفت سيارتي وأمرت حارسي الخاص بأن يحضره إلى منزلي في اليوم التالي.. عرفت منه أن أسمه أحمد محمد منصور وأنه كان لص خزائن، وقبض عليه 33 مرة، وقضى قرابة 28 سنة في مختلف السجون، وبالرغم من أنه كان يريد أن يحيا حياة شريفة إلا أن البوليس منعه من ذلك.. كان يرغب في إستخراج رخصة لبيع المشروبات الغازية ولكن طلبه كان يرفض دائماً بسبب سوابقه.. أعطيته 5 جنيهات ليشتري بها ثلاجة صغيرة لبيع المرطبات، وعلمت فيما بعد أنه أصبح يبيع المشروبات في كشك أقامه أمام أحد أقسام البوليس. كان أحمد محمد منصور واحداً من الآلاف الذين ساعدتهم.. وأنا أذكر هذه الواقعة لأوضح مدى اقتناعي بأن الشعب المصري يمكن أن تكسبه بالود وليس بالعنف. لكن هذه النصيحة فشلت في أن أقنع بها زملائي الضباط في مجلس القيادة. كانوا شبابا.. وكانت خبرتهم في الحياة بسيطة.. وكانت خبرتهم في الحكم أبسط.. أحسوا أنهم يحكمون، فاندفعوا يتعامون بعنف، وبغطرسة، مع الآخرين، حتى زملائهم في التنظيم وفي الحركة، تعاملوا معهم بنفس الأسلوب.. وقد كنت أتصور أن الأمر داخل الجيش سيعود إلى طبيعته بعد القبض على ضباط المدفعية، لكن هذا لم يحدث..صــ182 : 183

▬ كان طبيعياً ألا يتغير النظام من ملكي إلى جمهوري قبل الدستور الجديد، إلا أنني فوجئت بأعضاء مجلس الثورة يطالبون الإسراع بإعلان الجمهورية. وقد رفضت هذا القرار لأكثر من مرة.. رفضته لأنني أردت أن يتحول نظام مصر السياسي بنص من الدستور لا بقرار من مجلس القيادة. ورفضته لأن مجلس القيادة، لصق القرار بقرار آخر هو تعيين عبد الحكيم عامر قائداً عاماً للجيش، بعد ترقيته من صاغ إلى لواء.. ومن جديد مارس أعضاء المجلس الضغط المكثف عليّ.. وطالبوني بتنفيذ ما اتفق عليه، من قبل، وهو أن تكون الأغلبية هي الفيصل في إتخاذ القرارات وتنفيذها.. وأقنعوني بأهمية أن نبدوا متماسكين أمام الجماهير. وفي 18 يونيو 1953 أصبحت أقدم دولة في العالم، أحدث جمهورية في العالم.. صــ195

▬ كان للثورة أعداء، وكنا نحن أشدهم خطورة.. كان ضابط من ضباط الثورة يريد أن يملك .. يملك مثل الملك .. ويحكم مثل رئيس الحكومة. لذلك فهم كانوا يسمون الوزراء بالسعادة .. أو بالطراطير .. أو بالمحضرين.. وكان زملائهم الضباط يقولون عنهم: "طردنا ملكاً وجئنا بثلاثة عشر ملكاً آخر". هذا ما حدث بعد أيام قليلة من الثورة .. هذا ما حدث منذ أكثر من 30 سنة .. وأنا اليوم أشعر أن الثورة، تحولت بتصرفاتهم، إلى عورة .. وأشعر أن ما كنت أنظر اليهم على أنهم أولادي، أصبحوا بعد ذلك، مثل زبانية جهنم .. ومن كنت أتصورهم ثواراً، أصبحوا أشراراً .. فيارب، لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا.. ويارب لا تحاسبنا على ما نقوله، وانما حاسبنا ان كنا لا نقول الحق. لقد خرج الجيش من الثكنات.. وانتشر في كل المصالح والوزارات المدنية.. فوقعت الكارثة التي لا نزال نعاني منها إلى الآن في مصر. كان كل ضابط من ضباط القيادة يريد أن يكون قوياً .. فأصبح لكل منهم "شلة" وكانت هذه الشلة غالباً من المنافقين الذين لم يلعبوا دوراً لا في التحضير للثورة .. ولا في القيام بها .. والمنافق دائماً مثل العسل على قلب صاحب النفوذ .. لذلك فهو يحبه .. ويقربه .. ويتخلص بسببه من المخلصين الحقيقين، الذين راحوا وراء الشمس، لأن اخلاصهم كان هماً وحجراً ثقيلاً على  قلوب الضباط من أصحاب الجلالة. تعددت الشلل والتنظيمات داخل الجيش، وحول ضباط القيادة. وبدأ الصراع بين هذه الشلل، بعد أيام من نجاح الثورة، وتحول من يومها إلى قتال يومي شرس. وظهرت مرامز القوى، بعد شهور قليلة، من قيام الثورة .. داخل مجلس القيادة وخارجه. ومما لا شك فيه أن جمال عبد الناصر كان أكبر قوة داخل المجلس، وعندما ساعده الآخرون في التخلص مني، استدار اليهم، وتخلص منهم واحداً بعد الآخر. صــ201

▬ إن أول شيء فعلته ضباط القيادة بعد أن استقرت الأمور هو أنهم غيروا سياراتهم الجيب، وركبوا سيارات الصالون الفاخر .. للتمييز بينهم وبين باقي الضباط الأحرار.. وإمعاناً في التمييز بين ضباط القيادة وباقي الضباط الأحرار، أوحي جمال عبد الناصر لمصطفى أمين بكتابة مقالة بعنوان: "سر الضباط التسعة".. نُشرت هذه المقالة في جريدة الأخبار، في سبتمبر 1952 في الصفحة الأولى بجانب صورة كبيرة لجمال عبد الناصر ومع بقية المقال في الصفحة الثالثة نشرت صور باقي ضباط القيادة من أعضاء المجلس .. وفي هذه المقالة طلب جمال عبد الناصر من مصطفى أمين أن يوحي للقاريء بأنه بطل الثورة ورئيسها الذي يختفي في الظل .. وأنا لم أهتم بهذا الكلام، لكن الذي اهتهم به باقي الضباط الذين غضبوا من نشره، خاصة وأن هناك اتفاق قديم فيما بينهم بعدم نشر صورهم في الجرائد .. ورفض الدعاية .. وانكار الذات. وأثارت مقالة مصطفى أمين الفتنة بين صفوف الضباط الأحرار، وحرضت بعض منهم على التمرد والإنقلاب، كما حدث مع ضباط المدفعية.. وكان ضباط المدفعية قد بدأوا في رصد انحرافات ضباط القيادة.. وكانت فضائحهم في الحقيقة كثيرة.. فقد ترك أحدهم شقته المتواضعة واستولى على قصر من قصور الأمراء في جاردن ستي، حتى يكون قريباً من إحدى الأميرات التي كان قصرها قريباً من ذلك القصر الذي استولى عليها .. وكان لا يتورع أن يهجم على قصرها بعد منتصف الليل، وهو في حالة من اغماء بسبب الخمر.. وكثيراً ما طلبتني الأمير في الفجر لإنقاذها من ذلك الضابط، الذي تصور ، على حد تعبيرها ، أنه ملك جديد. وعندما حاولت أن أثنيه عما يفعل قال: "اننا نسترد جزء مما دفعناه لسنوات طويلة". وللأسف .. كان بعض زملائه، يضحكون. وترك ضابط آخر من ضباط القيادة الحبل على الغارب الزوجته، التي كانت تعرف كل ما يدور في مجلس القيادة، وكانت تستغله لصالحها ولصالحه.. وكانت تتباهى بنفوذها، وكانت تقول علناً: "الجيش في يميني والبوليس في يساري" وكان إيجار شقتها 50 جنيهاً في وقت كان هذا المبلغ يساوي إيجار بيتي في عامين. وفاحت رائحة ثالث، كان يجري وراء ناهد رشاد زوجة الطبيب بحري يوسف رشاد، طبيب الملك فاروق الخاص، الذي كون الحرس الحديدي. وانتشرت هذه الفضائح وغيرها لضباط القيادة.. وكان لابد حتى يتخلص ضباط القيادة من أصوات المعارضين التي تواجههم، أن يلفقوا لهم التهم المناسبة للقضاء عليهم .. وتطور أسلوب التلفيق من تحضير شهود الزور، كما في قضية المدفعية، إلى العنف والقسوة في معاملة المعارضين لهم، داخل السجون، حتى يعترفوا بجريمة لم يرتكبوها، كما حدث مع حسني الدمنهوري [..] وكلما كان أحد المعارضين يسقط أو يضيع، أو يختفي وراء الشمس، كلما كان ضباط القيادة يزدادون قوة وعنفاً وديكتاتورية .. وإذا زادت قوتهم، زادت مخالبهم .. وإذا زاد عنفهم زادت أنيابهم .. إذا زادت ديكتاتوريتهم زاد انحرافهم .. وهكذا إلى أن أصبحوا أباطرة وجلادين. وذات صباح لا أنساه وقعت مفاجأة مذهلة لا  أنساها حتى اليوم .. كنا أنا وجمال عبد الناصر نركب سيارة، ونتجه إلى نادي الضباط في الزمالك، لنهنيء الضباط بعيد الأضحى .. فهمس لي عبد الناصر، وقال: "اني أود أن أعرض عليك أمراً ناقشته مع بعض الزملاء." وانتبهت له.. وأعطيته كل حواسي.. فقال: "اعتقد ان ظروفنا الآن تفرض علينا أن ننظر إلى مستقبلنا ومستقبل الثورة ونحن محاطون بالعواصف والأعداد ولا نعرف مصيرنا معها. قلت له: "ماذا تقصد بالضبط؟" قال:" لقد اتخذنا قراراً أرجو أن توافقنا عليه، وهو ان يأخذ كل عضو من أعضاء مجلس القيادة مبلغ عشرة آلاف جنيه، وتأخذ أنت أربعة عشرة ألفاً فيكون المجموع 134 ألف جنيه .. وقد طلبت من زكريا محيى الدين أن يحجزهم لنا من النقود الجديدة." أحسست ساعتها بالغيظ .. وغلى الدم في عروقي .. وارتفع ضغطه في رأسي .. ولم أحتمل هذا الحديث، فصرخت فيه: "أسكت .. أسكت". وأخذت أعنفه بشدة.. وأهاجمه على استباحة أموال الشعب لنا .. ورفضت أن يخلط بين أموال الناس وجيوبنا الخاصة وكدت أن أطلب منه أن ينزل من السيارة.. فإذا به يضحك، ضحكة عصبية، ويرد عليّ وهو مرتبك:"أنا كنت متأكد انك حترد بالشكل ده". وبعد تماسك، ملك نفسه، وقال: "صدقني أنا كنت بأمتحنك". ولم أصدق بالطبع.. ولكني بدأت أعيد النظر في تصرفاته، وفي تصرفات زملائه.. وما حدث من عبد الناصر حدث بصورة أو أخرى من باقي الزملاء في المجلس. صــ202 : 205

▬ إن عبد الناصر الذي كنت أحترمه، كان شاباً صغيراً، ذو قدرات متميزة.. وقد اقترحت عليه أن أدير وأقود البلاد لعدة سنوات إلى أن يكتسب الخبرة اللازمة التي تمكنه من أن يخلفني في الرئاسة .. وأكدت له في ذلك الوقت أنني سأكون سعيداً أن أستقيل من أجله ولصالحه .. وخيرته في ذلك، أو أن أستقيل حالاًـ حتى لو أدى الأمر إلى خلق أزمة داخلية لأنني لم أعد أتحمل ، أو أتسامح عن الأخطاء التي يرتكبها أعضاء المجلس.. ولم يختر عبد الناصر! فقلت له: "من الأفضل أن تقود المسيرة من الآن بدوني!" لم يكن لي سلطة تعيين أو فصل الوزراء بدون موافقة المجلس، ومع ذلك كنت مضطراً لمساندة الوزراء سواء كنت موافقاً عليهم أم لا! وكنت مضطراً للتصديق على قرارات أركان حرب الجيش، حتى التي صدرت دون استشارتي، أو أخذ رأيى فيها. وأنا لم أطلب سلطات مطلقة لي ولكني ببساطة، كنت أطلب الحد الأدنى الضروري لممارسة مهامي .. وكنت مستعداً لمناقشة المجلس في أري قرار أتخذه.. صــ225

▬ لقد كان الإنجليز يقفون على بُعد 90 كليو متراً من القاهرة، في طريق السويس .. وكان لهم .. 80 ألف جندي في قاعدة قناة السويس .. وكانوا يعرفون كل شيء عنا، وعن الجيش، وكانوا يستطيعون الإستيلاء على السلطة والتخلص منا بسهولة .. لكنهم، والحمد لله، لم يتحركوا .. لأن حركتنا في ليلة 23 يوليو كانت مفاجأة لهم .. ولأننا تصرفنا بذكاء، فلم نقل اكثر من أننا حركة إصلاح داخلية في الجيش .. وأعلنا منذ البيان الأول أن الرعايا الأجانب في مأمن كامل .. وخشي الإنجليز أن ينزلوا من السويس حتى لا تتحول شوارع القاهرة إلى مجازر .. كما أنهم ، وأنا أيضاً، قبلنا الدخول في مفاوضات الجلاء، منعاً للقتال، وحقناً للدماء. صــ305

▬ وقد حولت أنا الدور الأرضي من الفيلا إلى مخزن كبير، أضع فيه مئات الكتب التي جمعتها وقرأتها طول سنوات إقامتي بها .. كتب في كل فروع المعرفة وبلغات مختلفة .. في الأدب، والطب، واللغات والتاريخ ، واليوجا ، والفلك، والإقتصاد .. وفي ذلك المخزن وضعت ما تبقى لي من أوراق خاصة، وصور شخصية، وخطابات من وإلى الأسرة ومعارفي وأصدقائي وفي ذلك المخزن الذي أُغلِق وأُهمل في السنوات الأخيرة عاشت مع الكتب والأوراق الحشرات والفئران والثعابين وكميات لا وزن لها من الأتربة. صـ352

▬ لم يحافظ عبد الناصر لا على الأصول ولا عالى  التقاليد، أنا الذي فعلت كل هذا من أجله و من أجل مصر ومن أجل الثورة .. تعاملوا معي كأنني لص .. أو مجرم .. أو شرير .. لم يتصل بي عبد الناصر .. لم يقل لي كلمة واحدة .. ولم يشرحوا لي ما حدث .. ولم يحترموا سني ولا رتبتي ولا مركزي ولا دوري .. والقوا بي في النهاية في أيادٍ لا ترحم وقلوب لا تحس، وبشر تتعفف الحيوانات من الإنتساب لهم. ما أقصى المقارنة بيني وبين فاروق عند لحظات النهاية والوداع.. ودعناه بالإحترام وودعوني بالإهانة .. ودعناه بالسلام الملكي والموسقى.. وودعوني بالصمت والإعتقال .. ودعناه بالمصافحة وودعوني بإعطاء ظهورهم لي. صــ356

▬ كانت مشاعري معهم .. مع الإخوان .. رغم أنهم تخلوا عني وعن الديمقراطية ورفضوا أن يقفوا في وجه عبد الناصر إبان أزمة مارس، بل انهم وقفوا معه، وساندوه، بعد أن اعتقدوا، خطأ، أنهم سيصبحون حزب الثورة وأنهم سيضحكون على عبد الناصر ويطوونه تحتهم .. فإذا بعبد الناصر يستغلهم في ضربي، في ضرب الديمقراطية، وفي تحقيق شعبية له، بعد حادث المنشية.. إن الإخوان لم يدركوا حقيقة أولية، هي أنه إذا ما خرج الجيش من ثكناته فإنه حتماً سيطيح بكل القوى السياسية، المدنية، ليصبح هو القوة الوحيدة في البلد .. وأنه لا يفرق في هذه الحالة بين وفدي وسعدي، ولا بين إخواني وشيوعي .. وأن كل قوة سياسية مدنية عليها أن تلعب دور القيادة العسكرية الديكتاتورية ثم يقضي عليها .. لكن .. لا الإخوان عرفوا هذا الدرس، ولا غيرهم استوعبه .. ودفع الثمن الجميع. ودفعته مصر أيضاً.. دفعته من حريتها وكرامتها ودماء أبنائها.. صــ358

▬ لقد عرفت، فيما بعد، من بعض رجال عبد الناصر الذين جاءوا يطلبون مني أن أسامحهم على ما فعلوه بي، أن تعليمات صدرت أثناء خطفي بقتلي وإخفاء جثتي تماماً بإذابتها في حامض مركز .. ولكن ضمير البعض استيقظ فرفض تنفيذ التعليمات، ودفع ثمن ذلك من مستقبله، كما أن إحساس عبد الناصر بالخطر قد زال بعد تدخل الروس والأمريكان لإجلاء القوات الإسرائيلية. وإذا كان عبد الناصر طلب إذابة جثتي في حامض شرس .. فأنا طلبت منه أن أتطوع كجندي عادي في جيش مصر، في تلك الحرب التي أوقعنا فيها.. صــ365


▬ بعد أن انتهى عصر الإرهاب، قال لي السادات: "أنت حر طليق!" ولم أصدق نفسي.. هل أستطيع أن أخرج وأدخل بلا حراسة .. هل أستطيع أن أتكلم في التليفون بلا تصنيت .. هل أستطيع أن استقبل الناس بلا رقيب! لم أصدق ذلك بسهولة..فالسجين في حاجة لبعض الوقت ليتعود على سجنه، وفي حاجة لبعض الوقت ليعود إلى حريته.. وأنا لم أكن سجيناً عادياًً .. كنت سجيناً يحصون أنفاسه .. ويتصنتون على كلماته .. ويزرعون الميكروفونات والعدسات في حجرة معيشته .. وكنت أخشى أن اقترب من أحد حتى لا يختفي .. وأتحاشى زيارة الاهل والاصدقاء حتى لا يتعكر صفو حياتهم .. وابتعد عن الأماكن العامة حتى لا يلتفت بالناس حولي، فيذهبون وراء الشمس. لكن .. بعد فترة .. وبالتدريج .. عدت إلى حريتي .. وعدت إلى الناس .. وعدت إلى الحياة العامة.. وياليتني ما عدت.. فالناس جميعاً كان في حلقها مرارة من الهزيمة والإحتلال .. وحديثهم كل شكوى والم ويأس من طرد المحتل الإسرائيلي .. وبجانب هذه الأحاسيس، كانت هناك أنات ضحايا الثورة .. الذين خرجوا من السجون والمعتقلات .. ضحايا القهر والتلفيق والتعذيب .. وحتى الذين لم يدخلوا السجون ولم يجربوا المعتقلات، ولم يذوقوا التعذيب والهوان كانوا يشعرون بالخوف، ويتحسبون الخطى والكلمات.. وعرفت ساعتها كم كانت جريمة الثورة في حق الإنسان المصري بشعة.. وعرفت ساعتها أي مستنقع القينا فيه الشعب المصري.. فقد حريته .. فقد كرامته .. فقد أرضه .. وتضاعفت متاعبه .. المجاري طفحت .. المياة شحت .. الأزمات اشتعلت .. الأخلاق انعدمت .. والإنسان ضاع .. أين الأهداف العظيمة والتي نادت بها الثورة!؟ أين كرامة الإنسان الذي قال له جمال عبد الناصر ارفع رأسك يا أخي ؟! لقد قًمنا بثورة .. فإذا بهم يحولونها إلى عورة! قمنا من أجل الناس .. فإذا بهم يعملون من أجل انفسهم. قمنا من أجل رفع مستوى المعيشة .. فإذا بهم يعملون على خفض مستوى كرامة البشر. صــ376

  • Digg
  • Del.icio.us
  • StumbleUpon
  • Reddit
  • RSS