• بدايات الانتقال من الفكر الأسطوري ووضع حجر الأساس للمنطق والذي شاء أن
يحدث في بلاد الإغريق في القرن السادس قبل الميلاد، كانت البداية الأولى للفلسفة.
• الفلسفة بمعناها العقلاني هي إنجاز يوناني محض، فالتأريخ للفلسفة يبدأ من
طاليس أو من سقراط وكليهما من اليونان. أما الحضارات الشرقية ومتأملو الشرق، فهذا
يُصنف عادة ضمن التعاليم الأخلاقية التي تسعى بدورها إلى خدمة الديانة.
• لا يتأمل العامة في طبيعة الأشياء التي يصادفونها ولا يعرفونها معرفة
حقيقية، ولكنهم يظنون أنهم يعرفونها. (هرقليطس)
• إذا كان للبهائم والخيل والأسود أيادٍ لترسم الإله، فسوف يرسم كل منها
الإله على شاكلته. (إكسينوفان)
• الوجود موجود واللاوجود غير موجود. (بارمنيدس)
• معظم معرفتنا عن السفسطائيين
مستقاة من النصوص الأفلاطونية التي تنقلهم بصورة سلبية ربما تصل إلى حد تشويه
صورتهم، وتقديم السفسطائي في تاريخ الفلسفة في صورة الدجال والمتاجر بالعلم.
▬ القول بأن ميلاد الفلسفة كان في بلاد اليونان، لا يعني أن الفكر اليوناني
كان يفوق عقلانياً باقي الحضارات، لكن القول بأن أصل الفلسفة يوناني يرجع إلى
الظروف التي ساهمت في ظهور الفكر الفلسفي في بلاد اليونان، ونقصد الظروف السياسية
والثقافية والاقتصادية، فكل ظرف منها على حدة، وكلها مجتمعة ساعدت الفكر اليوناني
في القرن السادس ق.م أن يضع خطواته الأولى ويبقى في الوقت نفسه على مسرح الأحداث
إلى يومنا هذا. صــ 3
▬ التفلسف هو فعل الفلسفة، وجوهر التفلسف هو الحرية والتحرر من أية وصاية،
كما يقول كانت، فإن ذلك لم يكن مسموحاً به في الحضارات القديمة ولم يسمح به النظام
السياسي والذي كان يعتمد على حكومة الفرد. التفلسف هو محاولة خروج الإنسان من
قصوره الذهني وتجاوز ذاته إلى فهم الوجود وتفسيره وإعطائه معنى أخلاقياً دون أي
وصاية؛ بمعنى تفكيك وتفسير وتحليل ونقد إمكانات الإنسان وقدراته. وإذاً كانت
الحرية ضرورية لممارسة التفلسف بواسطة الوعي النقدي والذي هو ضروي لتكوين الفكر
الفلسفي، الذي يشحذ الفكر وينمي قدراته وطاقته المعرفية فيجد ويجهتد في النظر إلى
الوجود بتفكير سببي وليس غيبي. صــ 10
▬ تمثل بدايات الفلسفة الأولى في بلاد اليونان أولى الخطوات على هذا
الطريق. ففي البدايات الأولى للتفكير الفلسفي عند اليونان نلاحظ أن الأسطورة
والمنطق، الديانة والفلسفة أمور مترابطة تقدم في بعض الأحيان كمزيج مختلط، وكلما
تقدمنا تاريخياً نجد الفكر الفلسفي أكثر تحديداً واستقلالاً. ودون أن يعني ذلك أنه
في مراحل الفلسفة اليونانية المشرقة كان هذا الاستقلال تاماً ونهائياً! المهم في
تاريخ الفلسفة أن نحدد مسيرة الفلسفة في محاولتها للتخلص من الأسطورة والتعرف على
العمليات المختلفة التي قام بها كل فيلسوف من الفلاسفة لتحويل العناصر الأسطورية
إلى نظام من المفاهيم المحددة بهدف تشكيل فهم دقيق عن الكون في صياغة منطقية. صــ
27
▬ إن هدف الأسطورة و الفلسفة واحد، لكنهما يختلفان في الطريقة والصياغة؛
فالفلسفة تلجأ إلى مخاطبة العقول بواسطة المنطق على حين تخاطب الأسطورة القلوب عن
طريق الرمز والصور المليئة بالألوان والأحداث الجذابة. كما تتميز الأسطورة عن
الفلسفة بأنها عادة ما ترتبط بالدين فتتأثر به وتتدخل بطريقة أو بأخرى في طقوسه
[...] الأسطورة اليونانية القديمة - المثيولوجيا - هي مجموع اعتقادات وتصورات
الإنسان لذاته، وللطبيعة وللكون، في صورة ملاحم شعرية تروي القصص الخيالية [...]
تتميز الموضوعات التي تدور حولها الأسطورة بالتعميم والشمولية مثل: الموت والعالم
الآخر، معنى الحياة وسر الوجود، وغير ذلك من مسائل التقطتها الفلسفة فيما بعد. صــ
28
▬ إذا كانت الفلسفة هي الإدراك في ذاته ومرتبة عليا للوعي الإنساني، فإن
الفكر الشرقي القديم كان دوماً مرتبة سُفلى للديانة، غايتها القصوى تيسير الأمور
الدينية للمؤمن. وللأسف فإن محاولات إيجاد أصول شرقية للفكر اليوناني تقع في
تناقضات واضحة وتكشف هي نفسها عن العجز في إثبات وجود الفكر النظري الخالص كما نصادفه
في اليونان القديم في الحضارات الشرقية القديمة. مما لا شك فيه أن العقل اليوناني
كان مطلعاً على الفكر الشرقي القديم لكنه لم يأخذه كما هو. فلقد طبعه ببصمته فأخضع
الفكر الشرقي، بل الفكر نفسه للنقد الدائم والمراجعة المستمرة، وبهذا أدخل فعل
التفلسف إلى منطقة التفكير الإنساني. ثم قدم للعالم كله الفكر الفلسفي الخالص.
المهم إذن ليس جذور الفكر الفلسفي أو تأثيره وتأثره، ولكن المهم هو الفكر الفلسفي
نفسه وإداركه لذاته. صــ 45
▬ بينما كان طاليس وغيره من فلاسفة ميليتوس يبحثون عن أصل الأشياء جميعها
في المادة، كان فيثاغورث يبحث عنه في الشكل. شعر فيثاغورث أن الجوانب الأساسية
الخالدة لأي شيء هي العلاقات العددية القائمة بين أجزائه، وذهب إلى ما هو أبعد من
ذلك عندما قال بأن الصحة نفسها علاقة رياضية ونسب بين أجزاء الجسم أو عناصره؛ وأن
النفس هي الأخرى عدد. واكتشف فيثاغورث ما في الموسيقى من علاقات ونتائج عددية
متتالية منتظمة، وافترض وجود هذه العلاقات والنتائج المتتالية في الكواكب نفسها،
بعد كل ما تقدم قفز قفزة الفلاسفة نحو الوحدة، وأعلن أن هذه العلاقات والنتائج
المتتالية العددية المنتظمة توجد في كل مكان، وأن العامل الجوهري الأساسي في كل
شيء هو العدد. صــ66
▬ اشتهر هرقليطس بالغموض، فلُقِبَ بالفيلسوف المظلم. والسبب في ذلك أنه كان
يعبر عن آرائه الفلسفية بلغة مجازية رمزية. ومن هنا لُقب بلقب (صاحب الألغاز)
ويقول عنه أفلوطين: (كان يتكلم بالتشبيهات، ولا ينشغل بإيضاح مقصوده، ربما لأنه
كان من رأيه، أن علينا أن نبحث داخل نفوسنا كما بحث هو بنجاح) [...] يمكننا القول
بأن مبدأ الوحدة والنظام متمثلاً في العدد مع الفلسفة الفيثاغورثية؛ قد استبدل
بالصراع عند هرقليطس. ولكن هل هناك سبيل للوصول إلى الوحدة في الفلسفة الهرقليطية؟
والإجابة هي نعم؛ فلسفة هرقليطس ترى في التناقض والصراع الطريق الوحيد إلى
الهارمونية، بل إن هرقليطس يذهب إلى ما هو أبعد من ذلك عندما يرى أن تصورنا لتناقض
طرفين ما أو صراعهما هو تصور مغلوط؛ فكل من الطرفين يحمل داخله شيئاً من نقيضه،
والصراع الظاهر لنا ما هو إلا وحدة للمتناقضات. ويمكنك فهم تصور الفيلسوف عن وحدة
المتناقضات؛ إذا نظرت إلى مفهوم الموت نفسه؛ فالحياة والموت هما مرادفان لنفس
المعنى: الإنسان يعيش في كل لحظة موته ويقترب نحوه، فكل دقيقة تمر تموت في
الحقيقة. نحن نعيش موتنا إذاً، ومن الخطأ أن نتصور أن الموت والحياة هما شيئان
مختلفان؛ في الحقيقة هما وجهان لنفس العملة. اللوغوس وحده هو السبيل لفهم الصراع
والوصول إلى الهارمونية ووحدة المتناقضات [...] يمكنك تحديد مفهوم اللوغوس وفقا
للمصطلحات العلمية الحديثة بمصطلح (القوانين الطبيعية) فطبيعة كل شيء تحمل داخلها
نقيضها (الصراع) الذي يتسبب في الحركة والتغير. صــ74
▬ وفقا لفلسفة "ذيمقريطس" فإن الذرات ليست المكون الأساسي للمواد
فقط ولكنها تشكل أيضاً خصائص النفس الإنسانية.
إن النظرية اليونانية عن الذرة لها مدلول تاريخي وفلسفي بالغ الأهمية، وبالرغم من
عدم دقتها - لأنها لم تقم على أساس القياس أو الاختبار أو التجربة - فإنها معجزة
عندما تؤخذ بعين الاعتبار عصرها وإمكانياته! [..] وفقا للنظرية ذاتها الزمان
والمكان أبديان، أي فكرة الخلق غائبة هنا تماما؛ وليس هناك أي فعل من أفعال الخلق
انتقل بالكون من العدم إلى حيز الوجود. فالكون إذا وفقا لذيمقريطس لا يخدم أي غاية
ولكنه مصادفة بحتة. وبالطبع لاقت النظرية الذرية صداما مع النظرية الدينية وجميع
النظريات الغائية. صــ103
▬ أعطت المدرسة السوفسطائية أهمية كبيرة لدراسة الواقع وأدخلت النزعة
التشكيكية إلى الفكر اليوناني؛ فأصبحت المعرفة والحقيقة والقيم مفاهيم نسبية،
وتستند التعاليم السفسطائية بالدرجة الأولى على مباديء الفلسفة الإيلية؛ فكل شيء
في الوجود هو مجرد ظواهر خادعة. وفقاً لهذا الاعتقاد وصل أصحاب التيار السفسطائي
إلى القول: بأن كل شيء هو مجرد خداع ووهم حتى فكرتنا عن الكون نفسه هي ظاهرية
ومخادعة. صــ123
▬ وتعاليم سقراط بجعلها الإنسان محوراً ربما تلتقي مع تعاليم السفطائيين؛
ولكنها تختلف في المنهج؛ فسقراط لم يُنشيء مدرسة فلسفية، ولم يتنقل في المدن
يُدَرَس الخطابة كما فعل السفسطائيون، ولم يتلق أجراً في مقابل تعاليمه الفلسفية.
ولكن حياته كانت في أرجاء أثينا يتنقل فيها باحثاً عن الحقيقة التي كان يؤمن
بوجودها داخل الأذهان؛ فكان دوره الوحيد هو إثارة الدهشة وتوليد الحقيقة من عقول
الشباب، عن طريق التساؤل الدائم، في مقابل الذاتية و النسبية عند السفطائية أعلى
سقراط من شأن القيم الأخلاقية. صــ 136
▬ لجأ أفلاطون إلى توظيف الأسطورة في نصوصه بمهارة فائقة ليقدم نظاماً ما
يصعب على المنطق تقديمه، نظاماً يشبه في بنيته النظام المنطقي، مع الأخذ في
الاعتبار جميع الفوارق الأساسية بين النظامين. فأفلاطون يستخدم الميثولوجيا في
محاوراته ولكن كوسيلة للاقتراب من الحقيقة، فوظيفة المثيولوجيا في الفلسفة
الأفلاطونية أولاً وقبل كل شيء، خدمة البحث الفلسفي عندما تعجز اللغة بواسطة
المنطق عن وصف الطريق إلى الحقيقة. دور المثيولوجيا إذاً هو ملء الفراغ المعرفي
الناتج عن العجز العلمي. بالطبع لم يطلب أفلاطون من أتباعه أن يؤمنوا بقوله، ولكنه
كان يدعوهم إلى تبني أسطورته في كل مرة، لأن في ذلك نجاة للإنسان واقتراباً من
الحقيقة. صــ 153