‏إظهار الرسائل ذات التسميات العالم العربي. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات العالم العربي. إظهار كافة الرسائل

لماذا نقرأ ؟ (طائفة من المفكرين)

• لولا القراءة والكتابة ما كان التاريخ، ولولا هذه الشفرة السحرية المبسطة لما كان التقدم ولا كانت المدنية. (حسين كامل بهاء الدين).
• زاد الشعب هو القراءة يقبل عليها ويشبع بها جوعه إلى العلم والمعرفة وألوان الحضارة. إن الحث على القراءة خير ما يوجه إلى الأفراد والجماعات، في جميع الأمم والشعوب، وفي الشعوب العربية بوجه خاص، بل هو خير ما وجه إلى الإنسان منذ تحضّر إلى الآن. (طه حسين) ص29
• لا تغني الكتب عن تجارب الحياة، ولا تغني التجارب عن الكتب، لأننا نحتاجُ إلى قسطٍ من التجربة لكي نفهم حق الفهم، أما أن التجارب لا تغني عن الكتب، فذلك لأن الكتب هي تجارب آلاف من السنين في مختلف الأمم والعصور، ولا يمكن أن تبلغ تجربة الفرد الواحد أكثر من عشرات السنين.. (عباس محمود العقاد) ص44
• إني لا أعرفُ طريقة لتحبيب القراءة إلى من ليس لديه استعداد لها.. إني غير متأكد من أن القراءة فن، إنما هي يقينا داء، دواؤه نفسه. إنها نوعٌ من الإدمان الخطير قد يتحمل الضحية في سبيلها كل حِرمان. (حسين فوزي) ص62
• لا تصدَّنَّكَ صعوبة عن المضي في قراءة كتاب عظيم. أعد قراءته، وسترى أنك بعد فهمه ستطالعه مثنى وثلاث ورباع. (حسين فوزي) ص63

=================================
▬ عنيتُ دائماً بقراءة أعلام الأدب المسرحي، لا قراءة متعة ولذة واستطلاع فقط، بل قراءة درس وتأمل وفحص، فكنتُ أقضي الساعات أمام نص من النصوص، أقلب فيه منقباً عن أسرار تأليفه ومفاتيح تركيبه، مستخلصاً - بنفسي ولنفسي - ملاحظاتي في طرائق التأليف المسرحي، ذلك الفنُ العسير، الذي أحببته أيضاً لأنه عسير، فما أزهد في شىء - زهدي في الفن السهل الذي لا يحتاج إلى مؤونة وتجربة وغوص ودرس؛ وما أبجل شيئاً - تبجيلي للفن الذي يصمد، كالصخرة في طريق الفنان، فما يزال به يعالجه" بالصبر الطويل والكد المضني، حتى يفجر منه الماء السلسبيل!... (توفيق الحكيم) صــ 34

▬ كلا .. لستُ أهوى القراءة لأكتب، ولا أهوى القراءة لأزداد عمراً في تقدير الحساب.. وإنما أهوى القراءة لأن عندي حياة واحدة في هذه الدنيا، وحياة واحدة لا تكفيني، ولا تحرك كل ما في ضميري من بواعث الحركة والقراءة دون غيرها هي التي تعطيني أكثر من حياة واحدة في مدى عمر الإنسان الواحد، لأنها تزيد هذه الحياة من ناحية العمق، وإن كانت لا تطيلها بمقادير الحساب.. فكرتك أنت فكرة واحدة.. شعورك أنت شعور واحد.. خيالك أنت خيال فرد إذا قصرته عليك.. ولكنك إذا لاقيت بفكرتك فكرة أخرى، أو لاقيت بشعورك شعوراً آخر، أو لاقيت بخيالك خيال غيرك.. فليس قصارى الأمر أن الفكرة تصبح فكرتين أو أن الشعور يصبح شعورين أو أن الخيال يصبح خيالين.. كلا، وإنما تصبح الفكرة بهذا التلاقي من الفكر في القوة والعمق والامتداد. (عباس محمود العقاد) صــ 39

▬ لا أظنُ أن هناك كتباً مكررة لأخرى، لأني أعتقد أن الفكرة الواحدة إذا تناولها ألف كاتب أصبحت ألف فكرة، ولم تعد فكرة واحدة.. ولهذا أتعمد أن أقرأ في الموضوع الواحد أقوال كتاب عديدين وأشعر أن هذا أمتع وأنفع من قراءة الموضوعات المتعددة. فمثلاً أقرأ في حياة نابليون أكثر من أقوال ثلاثين كاتباً وأنا واثق من أن كل نابليون من هؤلاء غير نابليون الذي وصِفَ في كتب الآخرين. أما تأثير كل من أنواع الكتب الثلاثة: العلمية، والأدبية، والفلسفية، فهو أن الكتب العلمية تعلمنا الضبط والدقة، وتفيدنا المعارف المحدودة التي يشترك فيها جميع الناس، والكتب الأدبية توسع دائرة العطف والشعور، وتكشف لنا عن الحياة والجمال، والكتب الفلسفية تنبه البصيرة وملكة الاستقصاء وتتعدى بالقاريء من المعلوم إلى المجهول، وتنتقل به من الفروع إلى الأصول. وكل من هذه الأنواع لازم لتثقيف الإنسان، وتعريفه جوانب هذا العالم الذي يعيش فيه. وأنا أفضلها على هذا الترتيب: الأدبية، فالفلسفية، فالعلمية. (عباس محمود العقاد) صــ 44


▬ من المعروف أن النهضة الصناعية الحالية في الولايات المتحدة الأمريكية قد استفادت إلى حدٍ كبير من هجرة مئات العلماء من أوروبا فراراً من النزية والفاشية. ومن المعروف أن دول أوروبا الشرقية والصين قد بذلت كل جهدٍ لاستراداد علمائها الذين كانوا قد استقروا في دول الغرب. وكلنا يذكر الضجة التي اهتزت لها بريطانيا على إثر هجرة عدد كبيرة من علمائها إلى الولايات المتحدة... وفي هذا يقول بعض الاقتصاديين: إن الصراع بين الدول الكبرى حول العلم والعلماء قد احتل اليوم المحل الذي كان للصراع حول مصادر المواد الأولية في القرن الماضي. (إسماعيل صبري عبد الله) صــ 119

  • Digg
  • Del.icio.us
  • StumbleUpon
  • Reddit
  • RSS

انقراض العالم الثالث (أزوالدو دو ريفرو، ترجمة فاطمة نصر)


• إن التنمية لا تتعدى كونها إسطورة تساعد الدول المتخلفة على إخفاء أوضاعها التعيسة والدول المتقدمة على إراحة ضمائرها.
• إن التنمية الاجتماعية والاقتصادية هي مجرد أسطورة تروج لها الطبقات السياسية والتكنوقراطيات الدولية في هذه البلدان الفقيرة، حيث أنه، وبعد خمسين عاما من التجارب على التنمية ومليارات الدولارات من المعونات، مازالت غالبيتها دولاً متخلفة.
• كيف لأشباه الدول القومية أن تصبح قابلة للحياة اقتصاديا في ظل ما تشهده من تفجر النمو السكاني، واقتصار صادراتها على المواد الأولية، أو المواد التي تخضع للقليل من المعالجة، والتي تَراجَعَ الطلب عليها إلى حد كبير وانخفضت أسعارها بحدة؟
• كوكبة العالم المالي هي إحدى الظواهر متعدية/القومية التي ألحقت أعظم الأضرار بالسيادة القومية وأضعفتها، وأدت إلى فقدان الدول القومية ذات السيادة التحكم في عملاتها وسياساتها المالية.
• في الربع الأخير من القرن العشرين تكاثرت الكوربوريشنات عبر/الدولية وتضاعفت أعدادها: من 7000 شركة ومؤسسة إلى حوالي 38000 كوربوريشن لها 250000 فرع في أنحاء العالم، تعمل على نشر النماذج الاستهلاكية وأساليب الحياة المتطابقة في جميع الأرجاء.
• إن التحدي الأعظم الذي يواجه البلاد المسماة خطأ بالنامية في القرن الحادي والعشرين سيكون مقدرتها على الخروج من مصيدة التخلف العلمي والتكنولوجي الناجم عن عدم اهتمامها الثقافي التاريخي بالنظرية العلمية والعلوم التطبيقية.
• لا يعدو تاريخ البلدان التي تُسمى بالنامية أن يكون سوى سلسلة من الديون والإعسارات المتنامية..
• لقد جعلت الثورة الصناعية الأولى، بسبب كثافة مجالات العمل التي أوجدتها، من البروليتاريا قوة سياسية. أما في حالة الثورة التكنولوجية الراهنة، فإن القوى السياسية المتبقية تنحصر في أصحاب رؤوس الأموال وُمنتجي البرمجيات..
• في غضون العقود الأخيرة، تغيرت ثروة الأمم حيث كان أي نص كلاسكي يعالج علم الاقتصاد الدولي يعتبر أن البلاد التي تتمتع بوفرة المواد الطبيعية بلاد غنية لكن هذا لم يعد صحيحاً الآن. مفتاح هذا التغير هو البرمجيات التي أضحت المادة الخام الجديدة الاستراتيجية.
• اليوم وعلى الرغم من أن النفط هو المنتج الأساسي الوحيد الذي مازال يأتي بدخول عالية، إلا أن البلاد المُنتجة له، وعلى الرغم من الأموال الوفيرة التي تكسبها، قد فوتت فرصتها التاريخية لتحديث اقتصاداتها تكنولوجياً.
• يمكن اعتبار البشرية اليوم مجتمعاً بشرياً "ثنائياً" ينقسم بين أقلية ثرية مكونة من أشخاص مكرسين للأنشطة العقلية المجردة من المواد، يعملون على اختراع تكنولوجيا عصرية ومنتجات وخدمات جديدة، وفي الجانب الآخر غالبية من الفقراء مازالوا يحيون معتمدين على القوة الجسدية، أو يؤدون أعمالاً بيروقراطية روتينية، ويستهلكون مواردهم الطبيعية.
• إذا لم تستطع البلدان المتخلفة تنموياً تحديث صادراتها من خلال إضافة محتوى تكنولوجي أكبر، وإذا فشلت في تقليص معدلات المواليد، فإن الفقر الذي يعيش تحت وطأته الآن 1.3 مليار شخص سيشمل حوالي 3 مليارات شخص بحلول عام 2020.

=============================
▬ لا تكاد عدم القدرة على الأداء الفاعل في الاقتصاد الكوكبي الحديث أن تكون سمة مقصورة على بيرو، إذ إن تاريخ غالبية بلدان أمريكا اللاتينية وإفريقيا وأسيا منذ استقلالها ما هو إلا سجل للخلل الوظيفي والتهميش الكوكبي. من ثم، تجد أعدادً كبيرة من البلدان التي تُسمى خطأ بالدول النامية، والتي تشهد انفجاراً سكانياً حضرياً، صعوبة كبيرة، وإن لم يكن استحالة في تحديث نفسها كي تشارك في الاقتصاد الكوكبي الذي يتطلب، بتزايد، السلع المصنعة الراقية، والخدمات الأكثر كفاءة، واستخدام كميات أقل من مواردها الأولية، وأعداد أقل من قوة عمالتها غير الماهرة الوفيرة. صــ 13

▬ أثناء الحرب الباردة تسبب التكريس لحق استقلال الشعوب بدولها القومية، ومبدأ حق تقرير المصير في قيام عدد غير مسبوق من الدول القومية. وقتئذ، أدان المنظرون أية دعوة للحرص في تطبيق مبدأ حق تقرير المصير وتعاملوا مع تلك الدعوات على أنها إمبريالية، مؤيدة للاستعمار أو رجعية، وزعموا أن تأجيل حق المصير سيعمل على انطلاق الحق المناظر لشن حروب تحررية وما يرافقها من واجبات مساعدة الشعوب المتمردة. كانت معارضة طوفان القضاء على الاستعمار ومحاولة إعادة إنتاج نموذج الدولة القومية الأوروبية في بيئات بشرية لا تملك مفهوم الدولة أو الأمة، والتي كانت تفتقد كلا من الطبقة الوسطى، والسوق القومي، تلك العناصر الضرورية اللازمة لقابلية الخضوع لنظام حكم، والقابلية للحياة، كانت معارضة تعتبر جرما ومن المحرمات. سارعت أطرف الحرب الباردة المتنافسة بمجرد الاعتراف بتلك الدول الوليدة بلادا مستقلة إلى إغداقها بالمعونات من أجل ممارسة النفوذ عليها. ومع انتهاء الحرب الباردة، تبخرت قيمة تلك البلاد الاستراتيجية وتُركت دونما معونات تقريباً، أو معاملة خاصة بصفتها دولا نامية. أصبحت تحت رحمة الانتخاب الطبيعي الدارويني من خلال اقتصاد كوكبي جديد يقوم على المعلومات والخدمات، اقتصاد مضى اعتماده على مواد تلك البلاد الأولية وقوة عمالتها الوفيرة غير المتعلمة، يتراجع باطراد. صــ 21

▬ لا تستطيع الثورة التكنولوجية عبر/القومية استيعاب السبعة وأربعين مليون شخص الذين يدخلون سوق العمل سنوياً في أنحاء العالم. يعمل التنافس القائم بين الكوربوريشنات عبر/القومية على إجبارها على أتمتة مصانعها وإعادة هيكلة أساليبها الإنتاجية مما يتسبب في خلق مزيد من البطالة وليس مزيداً من فرص العمل. واليوم، لا يمكن للدول القومية الوفاء بوعودها بإيجاد عمل للجميع كهدف لها، ومن ثم، غدت قطاعات واسعة من سكانها بدون عمل وفي حالة إقصاء عن المجتمع. أما في أشباه الدول القومية، فتكتسب البطالة أبعاداً غير مسبوقة في الأعوام القادمة وذلك لأن الابتكارات التكنولوجية واتساع نطاق الأتمتة ستتزامن مع انفجار أعداد السكان الحضريين. صــ 34

▬ [..] هذه الرقابة فوق / القومية التي يمارسها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي على السياسات الاقتصادية القومية لبلدان أمريكا اللاتينية وأسيا وإفريقيا، هي ظاهرة جديدة في العلاقات المعاصرة. تعكس تلك الظاهرة بجلاء تآكل السيادة القومية وظهور سلطة فوق /قومية على كامل مصنف أشباه الدول القومية التي تقول إنها ذات سيادة. وفي واقع الأمر، فقد فقدت ما تُسمى بالدول النامية في ظل رقابة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي التحكم الديمقراطي في سياساتها الاقتصادية والمالية والقومية. صــ 57

▬ الداروينية الدولية.. من آدم سميث إلى تشارلس داروين: في كتابه بعنوان "عن أصل الأنواع بواسطة الانتقاء الطبيعي" (1859) ذهب تشارلس داروين إلى أنه وفقا لقانون الانتقاء الطبيعي فإن الأنواع الأصلح للتنافس على بقائها فقط هي التي بإمكانها التكاثر والبقاء.لم يخطر له آنذاك، أنه وبعد حوالي 140 عام، وفي مستهل القرن الحادي والعشرين سيقوم السوق الكوكبي والثورة التكنولوجية بتطبيق القاعدة ذاتها، والسماح للأصلح فقط من البشر والشركات والاقتصادات القومية بالبقاء، أما من يُعتقد أنهم أقل قدرة على التنافس، فيتم تهميشهم ويُنظر إليهم على أنهم أنواع غير صالحة اقتصادياً. الفرق الوحيد بين الداروينية الاقتصادية الراهنة التي تقوم على أساس تكنولوجي وبين القانون الطبيعي هو أن الأخير تخلص من الأنواع غير الصالحة على مدى ملايين السنوات، في حين أن عملية انتقاء السوق الراهن التي تدفعها التكنولوجيا بإمكانها أن تجعل الآلاف يفقدون وظائفهم وعملهم في غضون أشهر معدودة، وتُقصى شركات متنافسة من السوق في مدة لا تتجاوز العامين، ولا تحتاج سوى إلى عقد واحد لتحويل كثير من الدول القومية إلى اقتصادات غير قابلة للحياة. صــ  75

▬ تعمل التكنولوجيا، فيما يلهمها السوق الدارويني، كعامل حاسم للتخلص من الذين لا يتكيفون مع تقدمها. واليوم، فإن الثورة التكنولوجية في سبيلها للقضاء على المصانع الضخمة ومجموعات السكان من البروليتاريا الذين اعتادوا تشغيل تلك المصانع، بحيث يحل محلها مراكز إنتاج صغيرة على قدر كبير من الأتمتة الرفيعة، بها وفرة من المعلومات المحوسبة، والظائف المؤقتة. يحدث نمط التحديث هذا في جميع فروق الإنتاج الصناعي تقريباً والنتيجة هي عملية عالمية لا تتوقف من القضاء على البروليتاريا. إن النقلة من اقتصاد عالمي يقوم على أساس المصانع إلى اقتصاد يقوم على أساس مشاريع محوسبة بدرجة عالمية هي نقلة جذرية صادمة بأكثر مما كان الانتقال في القرن التاسع عشر من الزراعة إلى الصناعة. كانت الثورة الصناعية التي اعتمدت على العمالة بدرجة هائلة، تدريجية بحيث أتاحت الوقت للمجتمع الزراعي كي يتكيف مع عصر الآلة. علاوة على ذلك، فقد خلقت الثورة الصناعية وظائف أكثر من تلك التي قضت عليها. وبالتقابل فباستطاعة ثورة الحسابات القضاء على عدد أكبر من الوظائف بأسلواب أكثر قسوة. كما أنها تخلق بالضرورة وظائف أفضل للغالبية العظمى من العاملين، وستعمل على تعميق عدم المسماواة الاجتماعية. تسير ثورة الحاسبات بخطى أسرع فيما أن أثارها الاجتماعية أكثر صرامة حيث يتم التخلص، ببساطة، من العمال غير المهرة. وإذا استطاع من يفقدون وظائفهم والذين لم يتدربوا على التكنولوجيا الجديدة الحصول على عمل، سيكون عليهم أن يرضوا بمرتبات أقل في غالبية الحالات. صــ 92

▬ في غضون السنوات الأربعين الأخيرة، لم تتمكن سوى بلدين صغيرين فقط، هما كوريا الجنوبية وتايوان، من التقدم تصبح مجتمعات صناعية متقدمة تكنولوجياً بعد أن كانتا مجتمعات زراعية، ونجحتا في التغلب على أوضاع الفقر التي كانت سائدة ورفع ومستويات المعيشة بحيث خلقتا طبقة وسطى مهيمنة. على أي حال فقد تم هذا في وجود مستويات ديمقراطية وثقافية وعلمية واجتماعية أقل كثيراً من نظيراتها في أوربا والولايات المتحدة. أما المنطقتان اللتان يطلق عليهما منظرو التنمية "البلاد المصنعة حديثاً NICs" أي هونج كونج وسنغافورة اللتين قاربت مستويات المعيشة فيهما نظيراتها في الديمقراطيات الرأسمالية المتقدمة، فهما ليستا دولتين قوميتين بل دولتين-مدينتين صغيرتين. لم تواجه التنمية فيهما المشاكل الهائلة التي يقتضيها رفع مستويات المعيشة في بلدان شاسعة تعاني من انفجار سكاني لا يمكن وقفه في مناطقها الحضرية كما هو الحال في غالبية البلدان المتخلفة. صـ 106

▬ الحقيقة العارية الجلية هي أن لا أحد يعرف اليوم كيفية الوصول إلى "إل دورادو". ففي جميع البلاد، يزداد الأغنياء ثراء، والفقراء فقراً. يساوي مجموع دخل المليارديرات الثلاثمائة الأكثر ثراء في العالم مجموع دخول 2.7 مليار شخص الذين يمثلون 40% من سكان العالم. يبلغ عدد الأفراد الذين يملكون الأموال التي تمكنهم من استهلاك منتجات الاقتصاد العالمي وخدماته 1.8 مليار شخص فقط. أما الباقون والذين يربو عددهم على 4 مليارات شخص فلا يملكون سوى التحديق في فاترينات المحلات. لم يرتفع دخل الأفراد الحقيقي في حوالي مائة بلدة فقيرة طوال العشرين عاماً الأخيرة. صــ 109

▬ بعد 190 عام من استقلال كثير من بلدان أمريكا اللاتينية، كان ينبغي لها أن تتنافس علميا وتكنولوجياً مع بلدان جنوب أسيا والصين، والهند، بيد أنها، ومع عدم اختراعها أي شيء، فقد أصبحت أرضاً جرداء علمياً، حيث إنها جميعها، وبإستثناء البرازيل، لا تستثمر أكثر من 1% من مجمل الناتج المحلي في الأبحاث والتنمية. هذا الوضع هو نتيجة التوجه الثقافي في أمريكا اللاتينية، وفي البلدان النامية الأخرى، لإضفاء قيمة على الدراسات الإنسانية تفوق تلك التي تضفيها دراسة على العلوم الطبيعية، والفيزياء والأحياء، والكيمياء، والرياضيات حيث تُفضل الآداب على اللوغاريتمات، والمنطق على التجارب، والمعتقدات الراسخة على الشك العلمي، وقاعات المحاضرات على المعامل. صــ  113 

▬ لا يُدرك السياسيون الذين يحاولون إعادة تنشيط الاقتصاد خطورة تطبيق توصيات جون ماينارد كينز في القرن الحادي والعشرين، وذلك لأن هذا الاقتصادي البارز لم يتخيل أبداً أنه ستوجد مجتمعات استهلاكية ثرية تنفث الغازات التي تسبب الاحترار الكوكبي، وتذيب قمم الجبال الجليدية القطبية، وغيرها من الأنهار الجليدية مما يرفع منسوب مياه المحيطات، وإضافة إلى هذا كله شح المياة الهائل في العالم. لا يدرك سوى القليلين أن هذه الأزمة مختلفة، وأن كوكبنا، ومع احترار مناخه المستدام، يحذرنا من أنساق الاستهلاك المدمرة هذه التي تعتمد على موارد الطاقة التي ينجم عنها انبعاث غازات الدفيئات (الفحم والنفط والغاز). لا شك أن الثمن الذي سندفعه سيكون باهظاً من حيث الكوارث المستقبلية، إذ إن الكوكب نفسه سيشارك في تلك الكوارث، كما أن للأزمة الحالية بعداً بيئياً لم يكن موجوداً عام 1929. صــ 173


▬ واليوم، وبعد ما يربو على خمسين عاماً من نظريات التنمية وسياساتها فلم يتجاوز متوسط زيادة دخل الأفراد في البلدان التي تُسمى خطأ ً "البلاد النامية" نسبة 2.6%، وهذا يقل كثيراً عن معدل النمو الضروري للهروب من الفقر. يوجد حوالي 5 مليار نسمة في العالم المتخلف تنموياً، يعيش 2.8 مليار منهم على دخل يتراوح بين دولارين وثلاث دولارات يومياً لا يكاد يكفيهم للبقاء على قيد الحياة، فيما لا يستطيع 1.3 مليار من سكان تلك البلاد إطعام أنفسهم على الدخل الذي يبلغ دولاراً واحداً في اليوم لكل منهم، أي أنهم يعيشون في فقر مدقع. لابد من أن يقترن هذا الواقع بالتحديات الجديدة الناجمة عن عدم التوازن الفيزيقي/الاجتماعي بين أعداد السكان المتنامية وبين الكميات غير الكافية المتاحة من المياة والطعام والطاقة. علينا، في مواجهة أزمة حضارتنا هذه، أن نتخلى عن البحث عن المواطن الأسطورية للثروة، وأن نتخلى أيضاً عن الأجندة المراوغة لثروة الأمم، ونحل محل هذا مسعى واقعياً من أجل بقاء الأمم. إن الأولويات الملحة الآن هي العمل على استقرار معدل تنامي السكان الحضريين، وعلى زيادة المتاح من إمدادات المياة والطعام والطاقة وإلا تحولت الحياة الحضرية في البلاد الفقيرة المتخلفة تنموياً إلى جحيم، وانهارت تلك الأمم لتصبح كيانات فوضوية غير قابلة للتحكم UCEs. صــ 199 - 200

  • Digg
  • Del.icio.us
  • StumbleUpon
  • Reddit
  • RSS

الإسلام والعلم .. الأصولية الدينية ومعركة العقلانية [برويز بيود - ترجمة (محمود خيال)]


• يرتبط التقدم العلمي ارتباطاً وثيقاً بالمعتقدات ولا يمكن الفصل بينهما.
• دفعت الحضارة الإسلامية ثمناً فادحاً على مر التاريخ، بسبب فشلها في الاستحواذ على مقاليد العلم، مما تسبب في تراجعها وتخلفها، مقارنة بتقدم الغرب وارتقائه.
• إن الاستعمار الجديد كان قد أخذ العزم في مخططه، على إدخال المدنية والحضارة إلى المجمعات البدائية، مدمراً في طريقه الحضارتهم التقليدية، ومحدثاً بذلك جراحاً عميقة لم تلتئم آثاراها حتى الآن.
• لمباشرة البحث في فهم للعملية العلمية وتطورها، يحتاج الإنسان إلى تفهم أساسي للبناء العلمي، وماهية الفلسفة العلمية، وآليات عمل العلم الحديث، ومدى اعتماده على طبيعة ونوعية النظام التعليمي، وماهية الأفكار والقيم التي ينتجها، حيث تعد هذه العوامل بدورها، مسألة حيوية، لا غنى عنها إذا قُدر للعلم أن يزدهر.
• يجوز تشبيه العلم، بمبنى دائم التطور، لا تنقطع فيه أعمال التجديد، فالبناء دائماً في اتساع، مضيقاً إلى نفسه أجزاء وملحقات كثيرة. ناقداً لنفسه، ومهدماً لنفسه أحياناً.
• أطاحت الثورة العلمية في طريقها لهدم نظام القرون الوسطى، بالتسلط المركزي وهيمنة الكنيسة. ليس هذا فقط، بل إنها غيرت أيضاً مفهوم الإله في العقيدة المسيحية بشكل جذري.
• طالما يؤمن المؤمنون باستحالة وجود أي خطأ في القرآن بأي طريقة كانت، فكل المحاولات الهادفة لإثبات طبيعته الإلهية فهي محاولة مغرضة من الأساس.
• من الخطورة بمكان تعليق الإيمان بالحقيقة الأزلية، بنظريات العلم المتغيرة، فمفهومنا للكون قد يتغير جذريا مع الوقت، كما أن العلم لا يستحي من هجر نظرياته القديمة واعتناق ما هو أحدث. أليس مثيراً للخراب، إرساء المسألة العقادئية على تلك الرمال المتحركة ؟
• وقعت في شوارع البصرة وبغداد، خلافات دموية بين أنصار القدرية من ناحية وأنصار الجبرية من ناحية أخرى، ظهرت المعتزلة من وسط تلك الخلافات كفرقة من العلماء العقلانيين التحليليين، كان تأثير هذه الحركة قوياً على الفكر والمجتمع الإسلامي، وترددت أصداؤها عبر القرون..
• يبدو واضحاً أن الفكر العقلاني والميول المدنية ذات الجذور اليونانية، التي أشعلت جذوة العلم والتعليم في المراحل الأولى للإسلام، قوبلا بالمعارضة والتحدي في نهاية الأمر. لم يمض وقت طويل، حتى ساوت الأصولية بين "علوم الأوائل" والزندقة، كما أدينت الفلسفة.
• بالرغم من أن العرب أدخلوا الورق إلى أوروبا، إلا أنهم تجنبوا استخدامه في طباعة الكتب لمدة حوالي ثلاثة قرون. حيث صورت لهم الوساوس أن نسخ لفظ الله بطريقة آلية، يشوبه الكثير من عدم الاحترام (أنظر مرجع 10  اللاحق لـ صــ 219 .. يشير طيباوي إلى..).
• يا فتى، كم سهرت الليالي، مردداً العلم، منكباً على الكتب، ناكراً للنوم على نفسك. لا أدري السبب في هذا كله، فإن كان لإدراك غايات دنيوية، وضمان زهوها، والحصول على شرفها وجلالها، أو للتفوق على زملائك وما ماثل ذلك، فالويل لك، الويل لك". (أبو حامد الغزلي - مرجع 25 اللاحق لــ صــ 226)
• من الحقائق المدهشة - مع استثناء بعض الحالات القليلة - أن معظم الأساتذة سواء في الدين أو في العلوم الثقافية، كانوا من غير العرب، فإذا تصادف أن كان منهم من له أصول عربية، فيلاحظ أنه غير عربي اللسان والنشأة وحتى معلميه كانوا من غير العرب. هذا بالرغم من أن الإسلام دين عربي ومؤسسه كان عربياً. (ابن خلدون)
• الحداثة في حد ذاتها هدف، يجب الكفاح من أجله، فهي جزء لا يتجزأ من طبيعة الإنسان العقلانية الفطرية، وليست من المستوردات الاستعمارية.

=======================================
[جزء من مقدمة المترجم]

• لماذا لم تحدث ثورة علمية في العالم الإسلامي ؟
• هناك علم واحد عالمي، ومشاكله وأشكاله عالمية، ولا يوجد ما يُسمى بالعلم الإسلامي، كما لا يوجد ما يُسمى علم هندي، ولا علم يهودي، ولا كونفوشيوسي، ولا مسيحي.
• لقد كان على العرب الخليجيين، الغارقين في الثراء الكبير، أن يأخذوا على عاتقهم استثمار تلك الثروات في دعم بناء العلم في كل العالم الإسلامي، وما زال بإمكانهم فعل ذلك لكنهم لم يفعلوا، ولا حتى مع أشقائهم المسلمين العرب.

▬ يأتي هذا الكتاب في وقت يعاني فيه العلم في مجتمعاتنا من أزمة طاحنة، فالمدارس محشوة بالتلاميذ، والجامعات والمراكز البحثية مكتظة بأصحاب ألقاب الدكترة والأستذة، وأما الإنتاج العلمي الفعلي فحدث ولا حرج. يلاحظ في ذات الوقت تصاعد أسهم التيارات الإسلامية الأصولية وتغلغلها في مختلف قطاعات المجتمع وسيادة خطابها على أجهزة الإعلام الرئيسية في كثير من الدول العربية. تخرج مناقشة هذا الموضوع وما يتعلق به على نطاق هذا الكتاب اللهم إلا فيما ترفعه تلك التيارات وأتباعها من مقولات عن أسلمة العلوم (وتعريبها) وكثر الحديث عن المعجزات العلمية في التراث وغير ذلك من عقد مؤتمرات لا تنتهي عما يسمونه بالإعجاز العلمي في القرآن والسنة والعلاج ببول الجمال..إلخ. وهو ما أصبحت كبرى الصحف وقنوات الإذاعة والتليفزيون تفرد له مساحات واسعة من صفحاتها ووقتها ولا تخصص في المقابل إلا أقل القليل لعرض الآراء العلمية السليمة الأخرى، التي لا ترى في هذه الفوضى إلا نوعاً من الدعوة للتخلف المدمر لحاضر ومستقبل أي مجتمع معاصر. صــ9
=======================================
الكتاب...

إن العلم الحديث، لم يسمح للكنيسة الكاثوليكية الرومانية، بنسيان فظائعها الماضية، ولعل أكثرها تعبيراً هي محاكمة جاليليو وإدانته، وإجباره على التنازل عن آرائه العلمية. ولقد كان حقاً حدثاً مشهوداً، ذلك الذي وقع في التاسع من مايو 1983، ففي احتفال خاص بالفاتيكان، أصدر البابا يوحنا الثاني، ما يفيد بالتأكيد، بأنه أول اعتذار رسمي: "إن تجربة الكنيسة، في أثناء، وبعد مسألة جاليليو، قد أدت إلى موقف أكثر رشداً...فقط من خلال الدراسة الدءوبة، المتواضعة، يتسنى لها (الكنيسة) أن تتعلم كيف تفصل ما بين لزوميات الإيمان، ومعطيات الأنظمة العلمية في وقت ما". جاء الاعتذار متأخراً 350 عاماً، كما أنه يغفل أكثر مما يُبدي ويقر. وعلى أية حال، فمن أجل إعلان نوايا قداسة البابا الطاهر، يمكننا جميعاً أن نقول بإخلاص عميق: آميــــن. صــ78

▬ عُقُد مؤتمر في الكويت في عام 1983 وحضره رؤساء 17 جامعة عربية. كان الهدف المزعوم للمؤتمر، تحديد وإزالة المعوقات التي تواجه تطوير العلم والتنكولوجيا في العالم العربي. لكن نقطة واحدة هيمنت على أعمال المؤتمر، وهي: هل العلم إسلامي؟. كانت وجهة نظر السعوديين أن العلم يتعارض مع المعتقد الإسلامي، حيث أن العلم يميل إلى إفراز نزعات مثل المعتزلة، كما أنه مخرب للعقيدة، وهو دنس لأنه مدني (علماني، Secular)! وبهذا في رأيهم، فإنه يتعارض مع المعتقدات الإسلامية. وعلى ذلك أوصى السعوديون بأنه، بالرغم من أهمية تنمية التكنولوجيا، لمنافعها الواضحة، إلا أن العلم الخالص، فيجب عدم الإلتفات إليه. صــ84

▬ يمتد النظام الفلكي البطليموسي، ليستلهم منه الشيخ عبد العزيز بن باز، من السعودية، وهو الرئيس المشهور بجامعة المدينة، الحاصل على جائزة الملك فيصل الدولية لخدمة الإسلام في عام 1982، وهو الذي ألف كتاباً بعنوان "جريان الشمس والقمر وسكون الأرض". يقول الشيخ الموقر: إن الأرض مركز الكون، وإن الشمس والقمر يدوران حولها. جدير بالذكر، أنه قام في كتاب سابق له، بتهديد المختلفين معه في الرأي، بفتاوى التكفير المفزعة، إلا أنه، في الحقيقة، لم يكرر دعاوى التكفير في كتابه الأحدث. والآن يعد الشيخ بن باز من الشخصيات المرموقة في المملكة العربية السعودية، حيث تؤخذ آرائه هناك بمنتهى الجدية. صــ116

▬ [...] كذلك ينقد مولانا أبو العلاء مودودي مؤسس الجماعة الإسلامية ومن أكثر المفكرين الإسلاميين تأثيراً في أيامنا هذه، حيث ينتقد العالم الغربي بمرارة فيقرر في محاضرة  له عن التعليم الإسلام أن الجغرافيا والفيزياء والكيمياء وعلم الأحياء وعلم الحيوان وعلم الجيولوجيا وعلم الاقتصاد، تُدَرس بدون مرجعية إلى الله ورسوله، وعليه فهي (تلك العلوم) مصدر الشطط والانحراف عن الحق: "بتأمل طبيعة التعليم الحديث وعاداته، يتضح على الفور تعارضه مع طبيعة التعليم الإسلامي وعاداته، فأنتم تُعلّمون العقول الشابة الفلسفة وتهدفون لشرح الكون بدون إرجاع الأمور إلى الله، تعلموهم العلم الخالي من المنطق والعابد للحواس. تعلموهم الاقتصاد والقانون وعلم الاجتماع وكلهم مختلفون عن تعالم الإسلام في الروح والمادة، ثم تتوقعون منهم بعد ذلك أن يكون لهم وجهة نظر إسلامية ؟" ولتجنب هذا الشر يقدم مولانا حلاً مثالياً بتحويل كل التعليم إلى التعليم الإسلامي فيكتب: "يقع اللوم - لهذه الحالة المؤسفة - على الفصل بين الديني والدنيوي في التعليم، وكما سبق وأشرت فهذا الفصل غير إسلامي برمته. وفي ظل النظام الجديد فليس مطلوباً إضافة منهج جديد عن الدين، وبدلاً من ذلك فإن جميع المقررات يجب أن تتحول إلى مقررات دينية". صــ 128

 ▬ [...] وبوحي من حكمة مولانا، قام معهد الدراسات السياسية في إسلام أباد - وهو بمثابة إشعاع ثقافي للجماعة الإسلامية - بمهمة إعادة تعريف العلم، ووضع خطوطاً إرشادية عامة لكتابة المراجع المناسبة للعلوم المؤسلمة. وفيما يلي عينة من توصيات المعهد: 1- لا تُذكر ظاهرة أو حقيقة دون إرجاعها إلى المشيئة الإلهية، فمثلاً في كتاب العلوم لتلاميذ الصف الثالث لا يجب سؤال الطفل عن: ماذا يمكن أن يحدث إذا لم يتناول الحيوان الطعام؟ وبدلاً عنه يكون السؤال: ماذا يمكن أن يحدث إذا لم يعطِ الله الطعام للحيوان؟ 2- يجب قصر تأليف مراجع العلوم على من يؤمن بقوة بأن الإسلام هو الشفرة الوحيدة للحياة وممن لهم دراية واسعة بالقرآن والسنة ولهذه لنقطة أن تحظى بكل الاهتمام. 3- لا يجب إرجاع "التأثير" إلى أي مسبب مادي؛ فهذا الطريق يقود إلى الإلحاد، فمثلاً تقول التوصيات: يكمن السم في بعض العنواين الفرعية في الكتب مثل "الطاقة تُحدث تغيرات" لأنها تُعطي الانطباع بأن الطاقة هي المصدر الحقيقي بدلاً من الله. كذلك فليس من الإسلام أن نقوم بتعليم أن الماء ينتج بطريقة أوتوماتيكية من خلط الأوكسجين والهدروجين. فالاسلوب الإسلامي يقول: يتولد الماء بمشيئة الله، عندما تقترب ذرات الهيدروجين من ذرات الأوكسجين. 4- الفصل الأول من أي كتاب وليكن كتاب الكيمياء، فلا بد وأن يكون عنوانه "القرآن الكريم والكيمياء" وكل فصل بعد ذلك يجب أن يبدأ بما يناسبه من آية قرآنية أو حديث. 5- لا يجب تسمية أية قوانين أو قواعد باسم أشخاص (علماء) فمثلاً يعتبر ذكر قوانين نيوتن أو بويل..إلخ، ممارسة غير إسلامية، لأن هذا مساو للشرك فتسمية القوانين بهذا الشكل يعني الإنطباع أن القوانين خُلقت بالعلماء بدلاً من مجرد اكتشافها. 6- يجب إدخال الله في حصص تعليم العلوم "يجب على مراجعنا العلمية أن تعرض مسألة الوجود الأزلي والآخرة، فدراسة هذه المواضيع يجب النظر إليها كدراسات علمية وليس على أنها من الإسلاميات". 7- يجب استعمال كتاب مولانا مودودي "تفهيم القرآن" في بداية مقرر علم الحيوان للاسترشاد به.. 8- يجب إسناد مولد كل العلوم إلى الحقبة الإسلامية، فالفيزياء النووية دين بجذورها إلى ابن سينا، وكيمياء جابر بن حيان إلخ وأما اليونانيون فلا يستحقون أي تقدير فهم لم يعرفوا شيئاً عن العلن التجريبي. صــ 129 - 130

▬ تؤدي الرغبة الشديدة في إرجاع كل نواحي العلم إلى مختلف النصوص الدينية، إلى الاضطرار للقيام ببعض التمارين العقلية الطريفة. فها هو ذا، ج.ف. نارليكار الفلكي الهندي المحترم يسجل ما حدث في الوقت الذي شاعت فيه نظرية خلق الكون في حالة ثابتة مع الزمن (Steady state theory of creation) حيث قام رجال الدين الهندوس بجمع أدلة نصية مقدسة عديدة لإظهار التوافق الكامل بين النظرية ونصوص الـ "فيدا" المقدسة. على أية حال لم تصمد النظرية طويلاً وتم الاستغناء عنها وحلت محلها نظرية الانفجار الكبير. وبلا أي شعور بالخجل أو الهزيمة، سرعان ما وجد رجال الدين الأصوليون عبارات أخرى من الفيدا تتماشى مع نظرية الخلق الجديدة ليعلنوها مرة أخرى بكل زهو واعتزاز باعتبارها انتصار آخر للحكمة القديمة. حاول بعض المفسرين والمؤليين للقرآن القيام بمحاولات مشابهة لما سبق ومن أبرز هؤلاء وأكثرهم شهرة نجد موريس بوكاي...صــ152

▬ بدأت التصفية المادية الجادة للمعتزلة، بالإضافة إلى الشيعة، بتولي المتوكل للخلافة، كان المتوكل من السنيين المحافظين، وكان كما وصفه أمير علي "كان سكيراً فظاً، متحالفاً مع القضاة والفقهاء". من ثم تم ابعادهم من جميع المناصب الحكومية كما تم اتهامهم بالهرطقة كما تعرضوا للتعذيب والإبادة الجماعية. فر الأساتذة والعلماء من بغداد نظراً لأن معظمهم كانوا من العقلانيين. وهكذا انتهت أكبر محاولة في الإسلام للتوفيق بين الوحي والمنطق. باستثناء بعض المحاولات الفردية في القرن التاسع عشر، على أيدي دعاة الإصلاح في الإسلام، فقد تم الفصل الكامل بين ما هو ديني، وما هو مدني (علماني) منذ ذلك الحين. صــ216

▬ عندما سُئل أبو الصلاح (المتوفى 1251) عن مدى السماح بدراسة أو تدريس الفلسفة والمنطق، أصدر الفتوى التي يصف فيها الفلسفة بأنها: "مؤسسة الحماقة، وسبب كل الخلط، وكل الأخطاء، وكل الهرطقة. فالشخص الذي يشغل نفسه بها - وهي مدعومة بالبراهين البراقة - يصبح كأعمى الألوان، فلا يرى جمال قانون العقيدة. أما فيما يتعلق بالمنطق، فهو وسيلة للوصول إلى الفلسفة. على ذلك، فإن الوسائل المؤدية إلى شيء فاسد، فهي أيضاً فاسدة... على كل من يحاول أن يبرهن على تتبع تعاليم الفلسفة، أن يواجه أحد الاحتمالين "فإما القتل بالسيف، أو التحويل إلى الإسلام، ذلك حتى يمكن حماية الأرض واستئصال آثار هؤلاء الناس وعلومهم". صــ 221

▬ أصيب ابن خلدون، المحافظ في بعض نواحي معتقداته، بالفزع من ميول المسلمين السلبية نحو التعليم، فكتب: ".. ولما فُتحت أرض فارس ووجدوا فيها كتباً كثيرة، كتب سعد بن أبي وقاص إلى عمر بن الخطاب ليستأذنه في شأنها وتلقينها للمسلمين. فكتب إليه عمر أن اطرحوها في الماء، فإن يكن فيها هدى فقد هدانا الله بأهدى منه، وإن يكن ضلالاً فقد كفانا الله، فطرحوها في الماء أو النار، وذهبت علوم الفرس..". صــ222

▬ رأى الغزالي عدم الاعتقاد بأن العالم يجري حسب قوانين الفيزياء، فإن الله يُفني العالم ثم يعيد خلقه في كل لحظة من الزمن. على ذلك فلا يمكن وجود تواصل بين أية لحظة وأخرى، بالتالي لا يمكن افتراض أن أي فعل سيؤدي بالتأكيد إلى إحداث أثر معين. على العكس أيضاً فمن الخطأ إرجاع أي ظاهرة إلى أسباب فيزيائية، ففي رأيه أن كل الظواهر والأحداث إنما تحدث كنتيجة مباشرة للتدخل الإلهي الدائم في العالم. يضرب الغزالي مثلاً فيقول خذ قطعة قطن تحترق بالنار، يستنتج الفلاسفة العقلانيين، المهرطقين أن النار هي التي تحرق القطن، ولكن: "نحن ننفي ذلك بقولنا: أن الفاعل في الاحتراق هو الله بخلقه السواد في القطن وفصله لأجزائه، كما أن الله هو الذي جعل القطن يحترق، وصنع ردماده، إما بواسطة ملائكته أو بدونهم. ذلك لأن النار في حد ذاتها جسم ميت وليس لها فعل، ثم ، أين الدليل على أنها السبب؟. حقاً، ليس للفلاسفة دليل سوى ملاحظة حدوث الاحتراق عند ملامسة القطن للنار. تثبت تلك الملاحظة فقط تزامن الأحداث، لا سببيتها، وفي الحقيقة فلا سبب إلا الله". صــ 223، صــ224

▬ فيما يتعلق بحكم الأساتذة والعلماء المسلمين، فلا تختلف فظاظة وخشونة الأصوليون في الأزمنة الغابرة، عنها في أيامنا هذه، حيث نشرت إحدى المجلات الصادرة في لندن بتمويل سعودي، مقالاً عاصفاً جاء فيه: "إن قصة مشاهير العلماء المسلمين من القرون الوسطى، كالكندي والفارابي، وابن الهيثم، وابن سينا، توضح أنه إذا وضعت مسألة كونهم من المسلمين جانباً، فلن يبقى فيهم ولا في أعمالهم شيء يمت للإسلام بصلة. على العكس، فقد كانت حياتهم - على وجه الخصوص - لا إسلامية. أما إنجازاتهم في الطب والكيمياء والفيزياء، والرياضيات والفلسفة، فما هي إلا امتداد طبيعي ومنطقي للتعاليم اليونانية. (مرجع9). كتب محمد كاليمار رحمن، وهو هندي مسلم في إحدى المجلات المتخصصة في العالم الإسلامي، شيئاً مماثلاً: "كان معظم الفلاسفة إما من المعتزلة أو من الملاحدة. كثير منهم مارس الموسيقى، والتنجيم والسحر، وكلها إما محرمة أو مكروهة في الإسلام.... الرازي لم يؤمن بالوحي، والفارابي اعتمد على المنطق وحده - لا الشريعة - للتفرقة بين الخير والشر. أما الكندي فلم يعترف بصفات الله، وأخيراً ابن سينا الذي لم يؤمن بالبعث... هكذا حدثت خسارة المجتمع تدريجياً للقيم الإسلامية. (مرجع 10). إن تواصل الخط الفكري بين الأصولية الحديثة والقديمة، واضح تماماً. إذ يُلاحظ أن مرور كل تلك القرون، لم يسفر عن العفو عن أي من فلاسفة الإسلام. كذلك يلاحظ أسلوب رفض إنجازاتهم باعتبارها كلها " امتداد طبيعي ومنطقي للتعاليم اليونانية"، وهو موقف في الحقيقة، مشابه إلى حد كبير لازدراء أبناء الغرب للإنجازات العلمية الإسلامية. على فرض أن أحداً من غير المسلمين، زعم بأن العلم ما هو إلا استرجاع للعلوم اليونانية، فكان يُتوقع أن يهاجمه المسلمون بغضب شديد، أما وأن الزعم قادم في الأساس من زعماء حماة العقيدة، فلا عجب إن حظيت إهاناتهم للعلم الإسلامي، بأقل قدر من الاهتمام. صــ 239

▬ من الأفضل، بدلاً من التخطيط لمجتمع وهمي فاضل، الاهتمام بحل جزئيات المشاكل المطروحة على الساحة، واحدة تلو الأخرى، بطريقة مرتبة وعقلانية، وواقعية. يتطلب الوعي باستحالة وجود حلول مثالية شاملة، درجة عالية من النضج على مستوى المجتمع وعلى مستوى الأفراد. حيث أن السماحة الفكرية والعقائدية، لا يمكن وجودها إلا في المجتمعات الناضجة، التي تستطيع أن تمنح مواطنيها القدر اللازم من الحريات... لا بد من محاربة الميول التي تخلط بين التحديث والتغريب (نسبة إلى الغرب) حيث كثر الاستخدام الخاطيء للفظين، باعتبارهما مترادفين يحملان نفس المعنى، فليس من الضروري أن يكون غربياً كل ما هو متمدين وحديث. كذلك ليس من الضروري الفصل بين الحداثة والتقاليد. صــ 277


▬ تقول الحقيقة التي لا خلاف عليها إن العلم الحديث، علم مدني (علماني) في طبيعته، سيان إذا قبل بعض الناس بذلك أو رفضوه، ثم إن التيقن من الحقائق العلمية لا يحتاج إلى اللجوء إلى السلطة المقدسة، فوجود هذه السلطة لا يتأكد ولا ينتفي. على أية حال، لا يمكن إنكار وجود بعض فرادى العلماء من المتدينين بشدة ممن تذهلهم أسباب الوجود، ودقة الكون ونظامه، ويكفي أن نذكر هنا، رجالاً، المفترض أنهم من مؤسسي العلم الحديث، مثل جاليليو ونيوتن الذين كانوا من المتدينين بشدة. وعلى الرغم من ذلك فقد ذهب كلاً من العلم، والدين في طريقه منذ بداية إعلان الفرقة على أيدي الثورة الكوبرنيكية في القرن السابع عشر. صــ 291


  • Digg
  • Del.icio.us
  • StumbleUpon
  • Reddit
  • RSS

هذا الكون ما ضميره (عبد الله القصيمي)


• لقد أصبح الإنسان والكون وكل الأشياء سؤالاً دائماً، سؤالاً لا يحتمل أن يوجد له جواب، ولا أن يوجد أستاذ يوجه إليه السؤال وينتظر منه الجواب.
• إن المسؤول عن أخطاء الإنسان الاعتقادية والفكرية هو الكون المتوحش، وموقف الإنسان الأليم الذي لا تكافؤ فيه منه. إنه من جهة محكوم عليه أن يحاول فهم الكون لأنه محكوم عليه بالعيش معه والمواجهة له بكل أساليب المواجهة، ومن جهة أخرى هو عاجز عن فهمه لأنه عاجز أن يهضمه عقلياً أو أخلاقياً، ولأنه غير متكافيء معه بمستوياته المختلفة.
• إن مأساة عقل المؤمن أنه لا يستطيع أن يثبت وجود إله إلا إذا استطاع إثبات عدم الكون.
• إن الكون بكل ما فيه ليس إلا حروفاً وأرقاماً ومواد بناء تلقى إلقاء بلا تدبير ثم نقرؤها مغلوطة، كما هي، ونحول قراءتنا المغلوطة لها إلى أفكار وقوانين بل إلى آلهة وأنبياء وصلوات، بل ليس الكون حروفاً وأرقاماً وإنما هو كتل فقط تلقى إلقاء.
• إنه لا يوجد أي خالق يمكن أن يفتخر بانتساب هذا الوجود إليه.
• إن كل ما في الكون من جمال لا يستطيع أن يكون غفراناً أو اعتذاراً عن أية دمامة يعاني منها أي إنسان، لأن كل ذلك الجمال لن يستطيع أن يجعل دميماً واحداً يشفى من دمامته، أو من شعوره بها، وأن يكون عزاءً أو تعويضاً له عنها.
• إن ألف ابتسامة تواجهنا بها الطبيعة لن تستطيع أن تستر عاهة واحدة توقعها بشيخ أو يتيم أو حيوان بريء.
• إن المؤمنين جداً يمكن أن يتحولوا كافرين جداً تحت الظروف الأخرى المناقضة. والذين يجعلون الناس يؤمنون أو يكفرون بالأرباب والمذاهب والنظم والحماقات أو بنقيضها هم الأنبياء والدعاة والقادة والمعلمون، إن هؤلاء وحدهم هم العارضون في الأسواق لهذه السلع الشريرة.
• إن الإنسان دائماً مصلوب العقل والحرية والشرف تحت أقدام أربابه وعقائده ومذاهبه مهما صلبت مذاهبه وعقائده وأربابه تحت أقدام رذائله وتلوثه النفسي والسلوكي.
• إن العبقرية لا تساوي كل إنسان، بل تساوي أفراداً قليلين يجيئون على غير حساب أو تقدير أو قانون أو منطق، إنهم يجيئون وكأنهم تركيز أو تجميع فذ لملايين الناس أو لعشرات الملايين في فرد واحد.
• إن من أردأ الغباء والطغيان والتوقح أن نجعل تفكيراً ما هو المقياس دون كل الأفكار المخالفة له، وهو المقياس لها جميعاً.
• إن النصوص لغة يفهمها الناس كما يريدون لا كما هي، لأنها لا دلالات ولا تفاسير لها في ذاتها، فهي إذن لا يمكن أن تُعطي معاني محددة أو قاطعة. وإذا كانت النصوص لا يمكن فهمها فالدين كذلك لا يمكن فهمه.
• إنك أيها المؤمن الورع جداً لا تعادي أوتكره المخالفين لك في الدين أو المذهب بقدر تدينك أوإخلاصك لمذهبك أو إلهك، بل بقدر عجزك عن التلاؤم  مع نفسك وظروفك ومع الطبيعة.
• الذين لا يشكون هم الذين لا يرون، ولا يقرؤون، ولا يتحدثون مع أنفسهم ولا مع الآخرين.
• إن اليقين هو الغطاء الذهبي الكثيف الساتر للدمامات.
• إن الرغبة في الشيء - لا الرغبة عن الشيء - هي أحياناً كثيرة سبب تحريمه ومعاداته وتحويل الذم له، والخطابة ضده إلى فضيلة دينية أو إنسانية.
• إن الله لم يهزم في أي مكان، أو أمام أي خصم أكثر مما هزم في العالم العربي، أما زعمائه وحكامه المتألهين.
• إن استهلاك الضعفاء لحضارة الأقوياء يعني الهبوط بها، لأن المستهلك لها يكون حينئذٍ أقل منها في جميع مستوياته وتعبيراته، فيشوهها، ويعني كذلك الهبوط بالمستهلك لها، لأنها لتفوقها عليه ترهقه وتفقده التوازن والوقار، إنها تلزمه بما لا يتقن ولا يستطيع، حينئذٍ يصبح شاذاً عدوانياً صارخاً صاحب اداعاءات عريضة.
• إني لأشعر أحياناً بأني محتاج إلى أن أوهب كل ما في الكون من بلادة حس لكي أستطيع أن أبتلع كل ما في العالم العربي من طغاة ومن طاعة لهم وصبر عليهم، ومن غباء وغرور واعتزاز بهما، ومن عجز وتفاهة وإعلان عنهما، ومن أكاذيب وإهانات ومن استسلام، وهض لكل عذاب وغباء!
• إنه لعجز مذهل أن نحاول تحضير أرضنا بإدخال الحضارة إليها، ثم لا نحاول تحضير أنفسنا أو تصنيع مواهبنا.
• إن جميع المتخلفين الذين فُرضت عليهم حضارة الأقوياء قد أصبحوا يتكلمون اليوم بلغتها وشعاراتها، ويعبرون بموهبتهم العاجزة غير المتحضرة عنها لكي يشوهوها.
• إن الاستعمار لا يمكن أن يُفسر به التخلف أو العيوب، وإنما يُفسر هو بالعيوب والتخلف، إنه نتيجة لتخلف وعيوب سابقة لا خالق لها.
• إن التعليم يجب أن يكون تحويلاً للذات المتعلمة، يحول تفكيرها وأحاسيسها وقدرتها وأخلاقها ورؤيتها للأشياء والناس والآلهة والمذاهب والكون وأحكامها، يحولها إلى وجود إنساني جديد بمقاييسه ونشاطه وكل مستوياته، أي إلى تغيير.
• إن الذين كانوا يتلقون عقائدهم بالتسليم والعجز من غير تجديد أو مقاومة أونقد في عصر الاعتقاد، قد أصبحوا في عصر العلم يتلقون التعليم بالعجز والتسليم أيضاً دون ابتكار أو موهبة أو اجتياز.
• ما أخطر كل من يتعلمون دون أن يصبحوا علماء إذا كان مطلوباً منهم أو مفروضاً فيهم أن يتصرفوا كالعلماء، وأن يواجهوا المشاكل والناس كما يواجهها ويواجههم العلماء.
• إن بضعة علماء مغيرين للحياة، وواهبين لها شيئاً جديداً لأفضل من جميع المعاهد والجامعات التي تعد لتعطي أفواجاً هائلة متلاحقة لتجعلهم من القارئين والمفسرين والمعتقدين الذين يتكلمون ويجادلون ويرفعون أصواتهم كثيراً دون أن يعرفوا أن الكلام لا يساوي دائماً الفهم والذكاء - أن الكلام الكثير لا يساوي دائماً الفهم أو الذكاء الكثير، وأن الكلام بلغة العلماء لا يساوي العلم دائماً.
• ما أسوأ الحمل الذي لا ينتهي بولادة، وأسوأ الولادة التي لا تنتهي بحياة فيها صحة وجمال وذكاء وظروف اجتماعية وإنسانية جيدة، وما أسوأ التعليم الذي لا يكون فيه علم، وأسوأ العلم الذي لا يكون فيه خلق وتغيير ورفض وتجاوز.
• إن التعليم بلا موهبة عملية تشويه للمتعلم، وتشويه للأشياء التي يمارسها المتعلم الذي لا يملك الموهبة ولا الجرأة أو القدرة على الرفض والنقد.
• إن الأقوياء يتمردون على أنفسهم بقدر ما يتمردون على الآخرين وعلى ظروفهم، بل يتمردون على أنفسهم أكثر.
• إن التعبير عن المأساة هو أعمق الفنون الإنسانية، كما أن نفس المأساة هي أعمق فنون الحياة. ولقد كان البشر في كل التاريخ يحولون الدموع والأحزان إلى صلوات، ولم تكن المعابد إلا بيوتاً لمن يريدون أن يبكوا ويحزنوا، لمن يريدون أن يبحثوا عن السرور ممارسة في الحزن والبكاء.
• إني متشائم لأني أحب الأشياء وأصادقها بعذاب، فالذين يحبون ويصادقون بعذاب، يتشاءمون .. إني أحتج حينما يبدو أني أتشاءم!
• اقتلوا هذا الفنان، اقتلوا الفنان الذي يبدع ثم يُعاقِب ما أبدع بالتشويه والتعذيب!

=========================================
▬ إن الإنسان لا يناضل ليكون حرية وجداً وصدقاً، ولكن ليكون قيداً وعبثاً وكذباً ولكن بأسلوب آخر وعلى نحو آخر. والذين يقولون لنا: كونوا بلا قيود أو كونوا صدقاً وجداً إنما يعنون - دون أن يدروا - أن يقولوا: كونوا بلا بوجود. إن القيد والعبث ليسا شيئاً أكثر أوأقل من الوجود، وهما - أي القيد والعبث - لا يفرضان على الوجود، ولا يزيدان أو ينقصان فيه، إنه ليس شيئاً غيرهما وليسا شيئاً غيره، فلا قيد أو عبث بلا وجود، ولا وجود بلا قيد وعبث، بل لا فرق بين وجود ووجود في أنهما لا يكونونا إلا قيوداً وعبثاً. صــ9 

▬ إن برهان الوجود قائم على افتراض العدم، أي عدم الوجود، إننا نذهب نعاني لكي نثبت العدم، ولكن يكون إثبات العدم إثباتاً للوجود. وكيف نستدل على أكبر قضية وجودية بأكبر قضية عدمية أو افتراضية - كيف نستدل على أكبر موجود أو وجود؟ وهل يمكن أن يكون العدم أو افتراض العدم أكبر موضوع من موضوعات الإثبات العلمي؟ وكيف ينحدر منطق الإنسان إلى إثبات أن الكون كان معدوماً، لكي يثبت بذلك أن الله كان موجوداً، أو أنه لا يزال موجوداً؟ إن الله على هذا التقدير لا يمكن أن يكون موجوداً، إلا إذا ثبت أن الكون كان معدوماً، فوجود الإله مشروط بعدم الأشياء التي هي الدليل عليه! وأي تصورلأخلاقية هذا الإله العظيم الذي لا يستطيع أن يكون موجوداً وطيباً إلا إذا كان ما سواه غير موجود؟ صــ32

▬ يقول المؤمنون-والمفروض أنهم ميقتنعون-: إن الكون محكوم بالنظام على أدق وأذكى الأساليب والاحتمالات. ولعل الاقتناع بالنظام الكوني من المعتقدات التي يعد الاختلاف عليها أو الشك فيها من أول ما يرفضه العقل المؤمن، بل ويجفل من مناقشته أو التفكير فيه كموضوع يحتمل الشيء ونقيضه... ما هو النظام ؟ إنها كلمة، وقد تبقى دائماً كلمة فقط مثل أكثر الكلمات الضخمة التي تنطق بحماس وجهر دون أن يبحث لها عن تفسير، ودون أن يكون لها أي تفسير. ولعل الناس لا يبحثون لكلماتهم وشعاراتهم، ولا يريدون أن تكون لها هذه التفاسير، بل لعلهم يرفضون أن تكون لها، ولعلهم لو وجد لها-أي لكلماتهم وشعاراتهم-تفاسير لرفضوها وعجزوا عن الحماس لها والإيمان بها. إن معاني الكلمات والشعارات قتل لها وقيود عليها، وإبطال للسحر القوي فيها، والناس لا يريدون أن تقتل كلماتهم وشعاراتهم، وتوضع عليها القيود، ويبطل سحرها، بأن تكون لها تفاسير، ومعان محددة مفهومة. بل لعل الناس لو فهموا كلماتهم ومذاهبهم التي تحركهم، وتخلق فيهم النشاط والقوة، لقتلوا أنفسهم ووضعوا على خيالهم وحياتهم القيود، وفقدوا السحر الغامض القوي الذي يعيش فيهم، ويعيشون فيه، إذن هم لا يريدون أن يفهموا كلماتهم أو الكلمات التي تُقال لهم، وأعداؤهم هم الذين يحاولون أن يفهمومهم تفاسير ما يقال لهم، أو ما يقولون من شعارات وتعاليم ومذاهب، بصدق وأمانة وذكاء. وإذن هم لا يريدون أن يفهموا لكلمة نظام أي تفسير، ولا يريدون أن يبحثون لهم عن هذا التفسير، بل يريدون أن ينطقوا به، وأن يعتقدوا أنه مفهوم وواضح إلى المدى الذي يجعلهم غير محتاجين إلى فهمه، ولعل أكثر الكلمات وضوحاً في السوق هي التي لا يمكن فهمها، أو هي التي لا معنى لها لتُفهم! صــ36

▬ [...] والتفسير المشهور لهذا التخلف، الذي يكرره دائماً الزعماء والمعلمون والمفكرون والخطباء من فوق جميع المنابر، راضين عنه، مقتنعين به كأحد الاكتشافات العظيمة هو الزعم أن العرب لم يستطيعوا أن يجيئوا في ذكائهم، أو نضالهم متكافئين مع احتمالاتهم وظروفهم المواتية الكبيرة، لأن ظروفاً مضادة معوقة تخنق وتعوق مواهبهم وتعتقل محاولاتهم. ولكن ما هي هذه الظروف التي قهرت أقوى الاحتمالات وأفضل الظروف؟ ما هذه الظروف الشريرة العبقرية التي استطاعت أن تهزم ذكاء العرب وقدرتهم وأخلاقهم، وأن تشوه وجودهم كل هذا التشويه، وان تجعلهم يعيشون وكأنهم لا يحملون أي احتمال لأية موهبة غير موهبة التخلف، غير الموهبة التي تحول أفضل الظروف والإمكانيات إلى هباء؟ أليست القدرة على تحول الشيء الجيد جداً إلى شيء رديء جداً موهبة أيضاً؟ إن هذه الظروف كما اعتادوا أن يعددوها هي الآفات المعروفة على نحو ما في كل مجتمع قديم وحديث. هي الفقر والجهل، وحب الذات والأنانية وفساد الحكام، والاختلافات، والأحقاد المتبادلة، والضلال الروحي، وغير ذلك مما تردده مكرراً المنابر والواعظ بحماس كحماس الخرافة، وإصرار كإصرار الشهوة، وغباء مثل غباء الثوار. وهم يذكرون دائماً الاسعمار الغربي كزعيم شرير لهذه القائمة السوداء من الأسباب والتفسيرات. ولكن أليس هذا كله مظهراً من مظاهر التأخر، وصورة من صوره، وليس سبباً أو تفسيراً من أسبابه أو تفسيراته؟ فالتأخر هو وجود هذه القائمة، أما التقدم فهو الانتصار عليها. فقوم متخلفون لوجود هذه النقائص فيهم، وآخرون مقدمون لأنها ليست فيهم، أي أن قوماً يعيشون بمستويات أقل، فلماذا حدث هذا الاختلاف وما أسبابه...صــ215

▬ هل يجعلنا متحضرين أن يوجد بيننا من يقودون السيارات والطائرات ويدسون أيديهم بين الأجهزة والأزرار المتحضرة، ويديرون أو يملكون المصانع المستوردة، ويطلقون الأسلحة الحديثة على المطالبين بالحرية أو الهاتفين ضد الطغيان والفساد والكذب، أويختزنون مثل هذه الأسلحة، أو يستعرضون الجيوش بالأزياء والأساليب المستعارة التي علمهم إياها أقوام آخرون بارعون جاؤوا إلينا مستوردين مثل السلع، المستوردة، أو ذهبنا إليهم لنتفضل عليهم بأن نقبل أن يعلمونا حضاراتهم، وفنونهم، وبراعاتهم، وكأننا نتصدق عليهم بما يفعلون لنا أو بنا؟ أو بأن يوجد بيننا زعماء يخطبون بلغة وغرور من يملكون كل الحضارة والقوة والعلم والوقاحة؟ إننا لو أدخلنا إلى بلادنا جميع مصانع العالم، واستوردنا كل ما في المادة من طاقة وأسرار، وأصبحنا كلنا جنوداً يحملون أفتك وأحدث الأسلحة المصنوعة لنا أو المستوردة، وأطلقنا أقوى الصواريخ من أرضنا إلى أرضنا، أو من أرضنا إلى سمائنا أي أطلقها لنا قوم آخرون مستوردون، لما ازددنا إلا فقراً وانهزاماً وجهلاً ما لم نتحضر نفسياً وأخلاقياً، أي ما لم تصبح الحضارة فينا قدرة وإلزاماً ومستوى إنسانياً لا نستطيع الانفصال عنه، أو التحرر منه، نعيها ونتكافأ معها ونعانيها ونستطيعها ونعيشها بذكائنا وظروفنا وموهبتنا. إن استيراد الحضارة أو استهلاكها ليس حضارة، بل الحضارة طاقة إنسانية تتفاعل مع الظروف والاحتياجات لتصبح خلقاً من أخلاق مبدعيها. إن الحضارة ولادة وليست تبنياً، إنها ولادة عقلية ونفسية وأخلاقية. نحن في أفضل أحوالنا مستوردون للحضارة مستهلكون لها. صــ221

▬ إن القراءة نوع من العبودية، فالذي يقرأ ليؤمن ويطيع هو عابد مستسلم، وعابدو الأصنام هم قوم قارئون، لقد اكتسبوا آلهتهم وأصنامهم، وفهموا مزاياها وصفاتها بالقراءة والاستماع، وبالتعليم الذي هو قراءة. لقد أعطت القراءة المؤمنة للبشر جميع وثنياتهم، فليس الوثني إلا إنساناً قارئاً، أي متعلماً، والرافض للقراءة والتعليم لا يمكن أن يكون وثنياً لو كان يمكن أن يوجد من لا يقرأ أو يتعلم شيئاً. والقراءة ليست نشاطاً علقياً، بل هزيمة علقية، والعبادة نقل واستجابة وقراءة. ومن عبد صنماً أو شيئاً، فما هو إلا إنسان يحاول باستسلام أن يقرأ رغبة معبوده المنزلة أو الملهمة، ويفرضها على سلوكه ومشاعره وذكاءه. والتحرر من القراءة - أي التحرر من الغباء والتصديق ومشاعر العبادة أمام ما نقرأ - تحرر من الوثنية. إن الوثني يجهل الشمس فيخافها ويركع لها، إنه يقرؤها فقط دون أن يعلمها. إن الذي يشاهد الشمس بانبهار ديني هو كالذي يقرأ كتاباً بمثل هذا الانبهار، أما المتحرر فإنه لا يقرأ الشمس وإنما يفسرها ويسخرها. إن الأغبياء يعبدون الزلازل والأوثان والكتب لأنهم يقرؤون فقط، أي يتعلمون فقط، أما المبصرون فإنهم يقرؤون ويفهمون ويفسرون ثم ينكرون ويغيرون ويتجاوزون ويسيرون فوق التعاليم والعقائد والأموات والكتب إلى ذواتهم. أليس الذي يعبد كتاباً كالذي يعبد قبراً، كلاهما يمجد الموت بالهرب من الحياة؟ إن التعصب للقراءة يعني التعصب للتاريخ، يعني التعصب ضد الحياة والذكاء والحرية. صــ244

▬ إن الشمس - هذا الكائن الأبله الذي هو أكبر وأضخم وأجمل كائن دميم نراه - لو أنها كانت تستطيع الاحتجاج على نفسها، على كينونتها، وعلى سلوكها المثير في بلادته لكان من المحتوم أن تبحث عن بحر كوني يتسع لبدانتها الجوفاء لكي تموت فيه منتحرة غرقاً. لقد ظلت الشمس - مجد هذا الكون الذي نراه - في وقفتها الطويلة الخرساء، وفي دوراتها الغبية المتسكعة، تعرض جسدها المزخرف بيد غير فنان، مثلما تفعل أجهل غانية رخيصة مستهترة، وتبدد طاقاتها التي لا تعرف كيف ولا لماذا ملكتها بلا حساب أو ذكاء أو تدبير، وتواجه الكون والناس والآلهة والحشرات والفراغ الرهيب العقيم، دون أن ترفض، أو تغضب، أو تبكي، أوتحزن، أوتمرض، أو تقاوم، أو تسأل: لماذا أنا، إلى أين أساق، من فعل بي ذلك، لمصلحة من، ما الهدف، ما البداية، ما النهاية، متى الاستراحة، من أين، إلى أين. لقد ظلت الشمس كذلك دون أن تقول شيئاً، أو تفعل شيئاً مضاداً لأنها لم تكن تستطيع، أوتعرف، الاحتجاج والرفض. صــ 300


▬ أيها الواعظون، أيها الواعظون: نعم، إن كل ما في الكون من جمال، ولذات وغناء، ومجد، وصحة، وشباب، وضخامة، ونجوم، وليل، ونهار، لا يمكن أن يكون غفراناً أو اعتذاراً عن أية دمامة، أو عن أي ألم، أوعن أي موقف هوان أو بكاء، أو عن أي مرض، أوعن أية شيخوخة، أو عن أي عبث في هذا العالم. لأن كل ما في العالم من أشياء طيبة أو ضخمة أو ملائمة لن يستطيع أن يجعل دميماً واحداً، أومعذباً واحداً، أو محتقراً واحداً، أومريضاً واحداً، أو شيخاً واحداً، أو باكياً واحداً، يشفي من آلامه أو من شعوره بها، أو يخفف منها. لأن كل ما في العالم من ذلك لن يستطيع أن يكون عزاء أو تعويضا عما يلقى المتألمون. لأن كل سعادة وغناء وجمال وصحة تتحول إلى حد لم فقدوا ذلك، وإلى عدوان عليهم، وتذكير لهم بآلامهم! إن جميع الشموس المضيئة لن تكون تكفيراً عن ظلمة في عين. إن جميع القصور الباذخة لن تكون عذراً عن حقارة في كوخ. إن كل شيء ملائم لنا هو عدوان على نقيضه وحامل لنقيضه. إن الجمال عدوان على الدمامة، وحامل لنقيضه أي لنقيض الجمال أي حامل للدمامة. إن الصحة والشباب والمجد والقوة وكل شيء يلا ئمنا، هو عدوان على نقيضه وحامل لنقيضه. إن الجمال هو أكثر الأشياء الطيبة عدواناً، إنه عدوان على نقيضه وعلى كل المواجهين له والمتعاملين معه! أيها الواعظون، أيها الواعظون: خذوا نصائحكم واعطوني مشاعركم، خذو ذاتي واعطوني ذواتكم. إنكم حينئذٍ لن تعطوني. وإني حينئذٍ لن أكون محتاجاً إلى مواعظكم لكي أكون متفائلاً، لا يجد في الكون أو الحياة أو في الناس ما يصدم منطقه أورؤيته أو يثير أحزانه واحتجاجه! ليتكم أيها الناصحون تجربون معاناه الأحاسيس التي يعانيها من تقسون عليه بنصائحكم. ليتكم ترون آلام الآخرين وأحزانهم، وترون عبث الأشياء وأخطاءها وقسوتها، ليتكم تحسون هذه الآلام والأحزان والأخطاء والعبث والقسوة من داخلكم وبأعماقكم، كما يراها ويحسها من داخله وبأعماقه من تظلمون بنصائحكم وتفاسيركم! ليت هذه الآلام، والأحزان، والعبث، والأخطاء، والقسوة تنصب في عيونكم، وأعصابكم بالعنف الذي تنصب به في عيون وأعصاب من تنصحون! إن الذين يتعذبون باحتجاجاتهم لم يتعلموا عذابهم بالنصائح، إذن كيف يشفون من عذابهم بالنصائح؟ إنهم لم يتعلموا الاحتجاج ضد الآلام والعبث لأنه قيل لهم: احتجوا، إذن كيف يتركون الاحتجاج ضد الآلام والعبث إذا قيل لهم: لا تحتجوا؟ ليته كان ممكناً أن ينتقل كل ما وراء بعض الكلمات من رؤية وحماس وروعة عذاب إلى نفوس وعقول من يتلقون تلك الكلمات، ليته كان ممكناً أن تؤثر فيهم الكلمات الصادقة في عذابها وبلاغة ارتجافاتها تأثيراً مساوياً لما في نفوس وعقول من يطلقونها. ليته كان ممكناً أن ينقل الناس بعضهم إلى بعض! ليت تبادل العيون والأعصاب والرؤية كان ممكناً. ولكن كلا. فالذين يتعذبون بكل عذاب كل الآخرين هل يمكن أن يتمنوا العذاب الأحد، هل يمكن أن يتمنوا للآخرين العذاب الذي يعانون؟ صــ 326 : 328

  • Digg
  • Del.icio.us
  • StumbleUpon
  • Reddit
  • RSS

جرثومة التخلف (مُراد وهبه)

• إن العقل العربي هو عقل ديني في مجال التقدم .. ولكنه عقل علماني في مجال التخلف!
• غياب الرؤية المستقبلية - في اعتقادي - هو السبب الأساسي لأزمة العقل العربي، فأهمية هذه الرؤية تأتي من أن حركة التاريخ تبدأ من المستقبل وليس من الماضي، فالمستقبل هو المحرك الأساسي للحركة مهما يكن نوعها، ثقافية أو سياسية أو اقتصادية.
• التيارات الفاشية والجماعات الإرهابية هي الوريث الشرعي للدولة العثمانية. ولم يتصد أحد لجوهر هذه التيارات خوفاً منها.
• الإبداع في مجال التعليم معناه رفض الإجابة النموذجية الواحدة التي إذا انحرف عنها الطالب رسب أو قلت الدرجات التي يحصل عليها .. أي أن الإبداع يعني الاجتهاد وقبول تعدد الأجوبة .. أي تعدد الحقائق، وبذلك نربي جيلاً لا يزعم أنه مالك للحقيقة المطلقة.
• أرى أن الهيمنة الآن للأصولية الدينية لأنه لا يوجد تيار مضاد لها. كل ماهو حادث الآن هو مقاومة الأصولية الدينية بوزارة الداخلية وليس بوزارتي الثقافة والتعليم.
• إن الأحزاب تنشأ بفلاسفة. وأحزاب بدون فلاسفة هي أحزاب من ورق..وتعمل في الوقت الضائع.
• إن الأيديولوجيا الوحيدة الموجودة في العالم العربي الآن..هي الأصولية الإسلامية.. أما ماعدا ذلك فأفراد يتجولون بأفكارهم!
• إن المشكلة الأساسية ليست في صدام المثقف مع السلطة وإنما في صدام المثقف مع المجتمع لأن المجتمع متخلف وبالتالي فإن وظيفة المثقف هي الكشف عن جذور هذا التخلف.
• يقول كانط في مقاله الشهير الذي نشره عام 1784 وعنوانه "جواب عن سؤال: ما التنوير؟" يقول: كن جريئاً في إعمال عقلك من غير معونة الآخرين.

========================================
▬ محنة الجامعة تتمثل فيما أسميه بوهم تصور وجود أُستاذ. قد أكون قاسياً في هذا الحكم ولكن كما قلت أنا اطرح هذه القضية في شكلها القاسي حتى أحث أستاذ الجامعة لكي يبحث عن جذور هذا الوهم. يوجد استثناء في هذه القاعدة ولكن الاستثناء لا يحرك التغيير الاجتماعي. هو يعطي نوعاً من الكرامة والاحترام لهذا الأستاذ المستثنى ولكن لا يُعطي الكرامة للمجتمع الذي يمثله. توليد الوعي الاجتماعي ليست مسألة ميسورة بل يستلزم نوعاً من المغامرة. وعلى الأفراد التحمل. وطالما أن الأستاذ التزم فكراً معيناً فعليه أن يتحمل نتائج التزامه بهذا الفكر. صــ15

▬ مشكلة الأحزاب العربية أنها خالية من الفلاسفة، أي من المنظرين بتعبير أبسط. لأن العالم العربي يخلو من العقل الناقد فهو يخلو من الفلاسفة وبالتالي الأحزاب. وأنا اعتقد أن هناك فجوة بين الأحزاب والجماهير، لأن مهمة الحزب تنوير الجماهير، وتنوير الجماهير يستلزم جسراً بين فلاسفة الحزب والجماهير، وهذا الجسر هو جمهور المثقفين، لأن هؤلاء لديهم قدرة تبسيط الأفكار، أي إحالة الفكرة الفلسفية إلى فكرة شعبية بوسائل مختلفة، منها الصحافة ووسائل الإعلام الأخرى، وبالتالي فمهمة الحزب هي تغيير العادات اليومية في تفكير الجماهير بشأن القضايا اليومية، وببساطة أن تعلم الجماهير كيف تطور حياتهم بواسطة العقل. صــ41

▬ أن يعجز عقل ما عن تأسيس "العقلانية" فهذا يعني أنه عاجز عن نقده لذاته في إطار تطوره الاجتماعي أو الحضاري. والعقل العربي بالفعل عاجز عن تأسيس عقلانية، ولكنه ليس عجزا خلقياً، وإنما عجز تاريخي، فثمة عوامل موضوعية وذاتية أدت إلى إصابة العقل العربي بالعجز. العوامل الموضوعية تتمثل في الاستعمار والغزو الخارجي، والعوامل الذاتية تتمثل في همينة القوى الاجتماعية المتخلفة، والتي لم تخرج بعد عن حيز القبلية والعشائرية، وهي قوى قابضة على السلطة السياسية والعسكرية، الأمر الذي أدى إلى إجهاض بزوغ أي عقل ناقد. صــ67

▬ الشائع عن ابن رشد أنه شارح. وأنا أعتقد أن ثمة مؤامرة في هذا المصطلح. إن القول بأن ابن رشد شارح لأرسطو يعني أنه لم يقدم جديداً إلى البشرية، وإنما هو مجرد مردد لأرسطو. ولكن حقيقة الأمر أن ابن رشد ليس شارحاً لأرسطو، وإنما هو فيلسوف استثمر فلسفة أرسطو لتدعيم مقولة جديدة أتى بها ليست واردة في فلسفة أرسطو برمتها، وهي مقولة تأويل النص الديني، أو العلاقة بين النص الديني والعقل البشري. الغزالي رفض رفضاً باتاً إعمال العقل في النص الديني، وطالب بالإلتزام بالمعنى الحرفي، والنتيجة النهائية التي انتهينا إليها من مقولة الغزالي هي تدمير الفلسفة في المشرق العربي. وحاول ابن رشد في المغرب أن يدمر مقولة الغزالي وذلك بتأليفه كتاب "تهافت التهافت" ولكنه لم ينجح. فقد اضطهد وأُحرقت مؤلفاته وانتهت عملية التأويل التي كان ابن رشد يريد أن يروج لها. ولكن هذه المقولة انتقلت إلى أوروبا، وبدأ الصراع في أوروبا حول ابن رشد في داخل الكليات المسيحية. وهناك فلاسفة حرموا من السلطة الكنسية بسبب مؤازرتهم لأراء ابن رشد. وبعد ذلك انحصر ابن رشد في أنه مجرد شارح وهذا وهم. صــ97

▬ إذا حصرنا التراث في علم الكلام والفلسفة الإسلامية، فأنا أعتقد الانحياز ينبغي أن يكون للفلسفة الاسلامية، وليس لعلم الكلام، لأن علم الكلام نشأن في مواجهة قضية واحدة، وهي قضية الشرك في مقابل التوحيد، وبدأ علم الكلام ينفذ إلى جميع القضايا الإنسانية في إطار التوحيد المعارض للشرك، فكبل العقل الإنساني؛ بمعنى أن علم الكلام يرفض اللامتناهي في الرياضيات، وأن اللامتناهي في الرياضيات يعني الشرك، لأن الله لا متناه، فكيف يمكن أن نسمح بلامتناه آخر أياً كان هذا اللامتناهي؟ اذن علينا إما أن نحذف اللامتناهي من الرياضيات أو نعدم الرياضيات. مقولة أخرى في علم الكلام هي مقولة العلة. علم الكلام يحذف كقولة العلة. لماذا؟ لأن الله هو العلة الأولى والوحيدة. فإذن عندما نبحث في العلل الطبيعية فإن علم الكلام يعترض بدعوى أن هذا شرك بالله، أي إضافة علة إلى علة الله. صــ99

▬ تجريم الفكر أياً كان، هو في حد ذاته، جريمة، لأنه ليس من حق أي إنسان أن يتخذ من نفسه حاكماً على أفكار البشر. فالأفكار ذات طابع نسبي، فما كان خاطئاً في فترة، قد يكون صائباً في فترة أخرى. والقيم مثلها في ذلك مثل الأفكار إذ هي من صنع البشر. فالبشر أنفسهم مسئولون عن انتقاء وغربلة الغث من الثمين بالنسبة لهذه القيم إستناداً إلى المعيار العقلاني الذي ينبغي أن يكون معياراً في حكمنا على القيم وعلى غيرها. وتجريم الفكر مردود إلى ما يمكن تسميته بالمحرمات الثقافية وهذه المحرمات من شأنها أن تقتل العقل الناقد الذي هو أساس العقل المبدع. والعلاقة بين المحرمات الثقافية والعقل الناقد المبدع علاقة عكسية، فكلما ازدادت المحرمات قل النقد والإبداع وسيطر التخلف. صــ101

▬ علينا أن نبحث لماذا الإبداع نادر. الإبداع نادر ليس بسبب عوامل ذاتية عند الإنسان، ولكن بسبب عوامل موضوعية وعلى الأخص ما يمكن تسميته بالمحرمات الثقافية. فالمحرمات الثقافية تشل العقل الناقد، وبالتالي تشل عملية الابداع. علينا أن نقتحم هذه المحرمات الثقافية حتى يمكن أن نسمح للإنسان بممارسة الإبداع. وهذا ما حدث في أوروبا. كانت فيها محرمات ثقافية ومع ذلك اقتحمت هذه المحرمات ونشأ ما هو معروف بعصر النهضة، وعصر الإصلاح بالذات إذ معناه إعمال العقل في كل النصوص الدينية بلا استثناء. وعندما انشغل العقل بفهم كل نص أمكنه أن يقتحم مجالات عديدة بدون حساسية، الأمر الذي أدى إلى ما يسمى بعصر التنوير في القرن الثامن عشر. وبفضل عصر التنوير الذي يعني أن لا سلطان على العقل إلا العقل نفسه بزغت الثورة العلمية والتكنولوجية التي أدت الآن إلى غزو الفضاء. صــ143


▬ الحاصل في التأليف الحالي للكتاب المدرسي أنه يطرح نظرية هندسية، على سبيل المثال، بمعزل عن كيفية ابداعها، وأنا أطالب المؤلف في عملية التأليف أن يبين لنا من خلال العرض التاريخي كيفية ابتداع العالم لعلاقات جديدة بناء على نقده لعلاقات قائمة بحيث يُنشيء نظرية جديدة تحدث تأثيراً في الواقع. وفي هذا الإطار يمكن أن يتذوق الطالب عملية الإبداع. وعندما نقدم له أسئلة فيجب أن تنصب على التذكر بنسبة ضئيلة، وتنصب في الأغلب على العملية الإبداعية بمعنى أن نأتي له بسؤال مثلاً يستلزم الإجابة عنه الاستعانة بفصول من بداية الكتاب المدرسي إلى فصول من نهاية الكتاب بحيث يعطينا علاقة جديدة لم تكن واضحة في مسار الكتاب، وبالتالي لن يكون لدينا نموذج للإجابة كما هو الحاصل في المسار التقليدي للتعليم، وهو أن الأسئلة تأتي في إطار التذكر. وهذا يعني أن ثمة جواباً واحداً صحيحاً، الأمر الذي يؤدي، شئنا أم لم نشأ، إلى إفراز التعصب، والتعصب معناه تصور الإنسان أنه يملك حقيقة مطلقة لا بديل عنها. ولكن في إطار الإبداع يمكن أن تتعدد الأجوبة، أي تتعدد الحقائق وبالتالي ينشأ الطفل في جو من التسامح العقلي. ومن هنايمكن القول بأن الإبداع هو ضد ما يسمى بالدوجماطيقية .. صــ146

  • Digg
  • Del.icio.us
  • StumbleUpon
  • Reddit
  • RSS

خطاب إلى العقل العربي (فؤاد زكريا)


• إن المثقف الحقيقي لا يعرف الشبع ولا يتوقف عند لحظة معينة لكي قول: لقد أخذت كفايتي!
• إن الإنسان الذي يعرف معنى وجوده هو ذلك الذي يهتف في اللحظات الحاسمة من حياته : أنا متمرد - إذاً - فأنا موجود.
• في استطاعتنا أن نعرف الكثير عن حضارة شعب من الشعوب، إذا تأملنا طريقة ممارسته للفنون. بل إن هذه الممارسات الفنية تعد - في نظر الكثيرين - أقوى تعبير عن الجوهر الحقيقي للشعوب.
========================================
▬ اننا لو تأملنا وضعنا الحضاري الراهن على أنه سعي إلى حل إشكالية الاتباع أو الإبداع، لكان ذلك أجدى وأنفع وأدق بكثير من تأمل هذا الوضع في ضوء تلك الإشكالية العقيمة الغامضة، المليئة بالمتناقضات... إشكالية الأصالة والمعاصرة. فالتحدي الحقيقي الذي نواجهه ليس اختياراً بين الرجوع إلى الأصالة أو مسايرة العصر، وإنما هو إثبات استقلالنا إزاء الآخرين، سواء أكان هؤلاء الأخرون معاصرين أم قدماء، وابتداع حلول من صنعنا نحن، تعمل حساباً لتاريخنا وواقعنا، وتكفل مكاناً في عالم لا يعترف إلا بالمبدعين. صــ32

▬ فلنذكر دائماً أن الثقافة الحقيقية ليست أماناً واطمئناناً، وليست دعة وهدوءاً، وإنما هي - كما أكد الكثيرون - العيش والخطر، وهي قلق وتوثب وترقب دائم، إن الكتاب العظيم والقصيدة العظيمة والفيلم العظيم يعكر صفو حياتك، ويقضي على استقرارك، ويجلب لك القلق والانشغال، ويثير فيك من الأفكار ما لم يخطر ببالك من قبل. إن العمل الثقافي العظيم ينقلك من حالة الرتابة والسكينة، ويبعث فيك قلقاً وتمراداً، ويقلب مسار القيم التي اعتدت عليها وسكت إليها ورتبت حياتك على أساسها. إن الثقافة الحقة - في كلمة واحدة - تقضي على كل ما كنت تحس به من "أمن". ولو كان الأمر بيدي لحذفت من قاموسنا على نحو نهائي قاطع ذلك التعبير المستحدث المتسلل، "الأمن الثقافي" ولدعوت بدلاً منه إلى "القلق الثقافي"... فبهذا وحده يحقق ذلك الجهد العقلي والروحي الرائع الذي هو أخص ما يميز الإنسان، رسالته ومعناه. صــ45

▬ ما يزال التعليم العربي عندنا نصياً، يحتل فيه "الكتاب المقرر" مكانة قدسية، ولا يقوم المعلم فيه إلا بدور الكاهن الذي يحض سامعيه على الإلتزام بكل حرف في "الكتاب". وتعمل المؤسسة التعليمية ذاتها على توطين فيروس "الطاعة" في خلايا الأدمغة الفتية الغضة، فإذا بمعاييرها لتقييم أداء التلاميذ ترتكز كلها على الترديد الحرفي للمعلومات المحفوظة، وتعطي أعلى درجات التفوق "للتلاميذ المجتهدين". وهي في قاموسها التعليمي لا تُعني إلا "الحافظين" وتُعاقب كل من يُبدي رأياً ناقداً أو مخالفاً فتنزله أسفل سافلين..صــ80

▬ إن الطاعة وباء لا يفلت منه أحد، وإذا أطلقت لها العنان أصابت عدواها الجميع. ذلك لأن كل من يفرض الطاعة على من هم دونه، يجد نفسه مضطراً إلى طاعة من يعلونه، فالأب الذي يمارس سلطات دكتاتورية على أبنائه وزوجته، يجد نفسه خاضعاً في عمله، ومقهوراً مكبوت الحرية على يد حاكمه. وفي جميع الأحوال يظل التسلسل مستمراً، فلا أحد يفلت من ذل الطاعة، ولا أحد يتنازل عن أية فرصة تسنح له كيما يمارس متعة فرض أوامره على غيره. حتى الحاكم المطلق يظل حبيس جبروته، لا ينام مطمئناً، ولا يسافر أو يتحرك إلا تحت أعين حراسه، ولا يملك في لحظة واحدة أن يعصي أمراً لمن يتحكمون في شئون أمنه وسلامته. صــ83


▬ الفن نشاط تلقائي حر. وعندما يُترك الإنسان حراً في ممارسة نشاط ما، فإنه يعبر في هذا النشاط عن أعمق سماته الباطنة. أما أنواع النشاط الأخرى، كالعمل مثلاً، فلا تتسم بنفس القدرة من الحرية: إذ إن هناك ضرورات كثيرة تفرض على الإنسان طريقة ممارسته لعمله، كضرورات المعيشة اليومية، ومدى قدرة البيئة والموارد الطبيعية على تلبية احتياجاته، ونوع العلاقات الاجتماعية التي يمارس الإنسان عمله في ظلها، وغير ذلك من العوامل التي تجعل العمل نشاطاً لا يتسم بالحرية التامة، ومن ثم فإنه لا يعبر تعبيراً كاملاً عن الجوهر الكامن للإنسان. وإذاً، ففي ميدان الفن وحده يُترك الإنسان حراً، لكي يعبر عما في أعماقه، ومن خلال تحليلنا للممارسات الفنية السائدة في الحضارات المختلفة، نستطيع أن نصل إلى الجوهر المميز لهذه الحضارات. صــ196

  • Digg
  • Del.icio.us
  • StumbleUpon
  • Reddit
  • RSS

كبرياء التاريخ في مأزق (عبد الله القصيمي)


• إن البشر لا يرفضون أي شيء، ولكن الأشياء تتعاقب عليهم لأن الذين يفرضونها عليهم يتعاقبون. إن شيئاً ما لم يتغير لأن الناس رفضوه، بل لأن نقيضه فرض عليهم.
• أقسى العذاب أن توهب عقلاً محتجاً في مجتمع غير محتج، أوأن يسقط على حياتك وثن إنسان كريه لا تستطيع تحمل وثنيته ولا تستطيع التخلص من مواجهته.
• إن الطاغية هو أشهر مبصوق عليه في التاريخ: يبصق عليه الضعفاء والمتملقون عفوناتهم النفسية والأخلاقية بأسلوب الامتداح له!
• ما أبشع قوماً لا بد أن تكون لهم لعب ثم لا بد أن تكون هذه اللعب هي الشعوب والأرباب والمذاهب والعداوات والحروب والمؤامرات والآلام ــ ما أبشع إذن القادة والزعماء والثوار والمعلمين والكتاب لأنهم هم هؤلاء القوم؟
• ما أصعب موقفك حينما تكون محتاجاً إلى أن تكون غبياً جداً لكي تستطيع أن تفهم إلهك وتتناسق معه وتغفر له ما لا يمكن أن تعقل من تصرفاته، وحينما يكون مستواك الأخلاقي متفوقاً على مستوى إلهك الأخلاقي.
• إن المذهبية الشاملة القوية هي أحد الأجهزة التاريخية التي ظلت تحت كبرياء الإنسان وذكاءه، والتي ظلت حليفاً ممتازاً للطغاة والطامحين واللصوص والأغبياء ليتكبروا ويسرقوا ويخدعوا ويجهلوا بحماس وضجيج وتأله.
• ما أكثر الذين انتصروا بالحركات القوية الطائشة، ولكن هل انتصر أحد بالتفكير الصائب العميق ؟
• المغامرون لا يحتاجون إلى تلقي النصيحة من أحد لكي يتقدموا، إن النصيحة هي عملية تعويق وتخويف، وإنه لا يقبل النصيحة إلا الجاهل أو العاجز، ولا يسديها إلا الموظف والمتعب والعارض لذاته.
• القادة لا يحتاجون إلى الأفكار بل إلى الجنون والأكاذيب والأمراض والآلام والطموح العدواني. إن الجنون في القائد أبلغ وأفضل من كل تفكير وعقل ووقار، فالعقل يقتلان في القائد موهبة الإقدام والإنتصار.
• حماقات القادة تتحول إلى أفكار، ولكن أفكار المفكرين لا تتحول إلى قادة.
• عجباً! إن قائداً واحداً مصاب بالجنون أو بالتوتر أو بالحماقة يستطيع أن يحول عشرات الملايين بل مئات الملايين إلى مجانين أوحمقى أو متوترين، يموتون باستبسال في معارك الجنون والحماقات بلا إيمان ولا فضيلة، بل بخضوع للمجانين الحمقى المتوترين، بل بخضوع للمجنون الواحد الأحمق المتوتر!
• إن الحضارة تتحدى اليوم ضميرها، إنها بانتهازية وغواية دولية تتنافس كتلها المذهبية المتعادية على صناعة الصراصير، وتحولهم إلى زعماء مذلين لشعوبهم الناشئة.
• المنهزمون المتخلفون لا يكفيهم أن يكونوا مهزومين متخلفين، بل لا بد أن يحولوا هزيمتهم وتخلفهم إلى مزايا وانتصارات لهم، ثم لا يكفيهم بأن يثنوا على أنفسهم مرة واحدة بل لا بد أن يثنوا عليها مرة أخرى بأن يحولوا انتصارات الآخرين وتفوقهم إلى رذائل..
• لقد أصبح النفط العربي مجداً عربياً هائلاً وتعويضاً عظيماً عن تخلف الموهبة العربية.
• إن جميع مدرسي الأخلاق وجميع الوعاظ والمادحين في كل العصور في جميع ما قالوه وكتبوه وفي جميع مدائحهم وأوصافهم لم يكونوا يسجلون موضوعات أخلاقية، بل يعبرون عن ظواهر نفسية. فالظاهرة الأخلاقية هي تحويل الحالة النفسية الأنانية إلى سلوك.
• أغلب الناس يعيشون كل حياتهم في رضاعة عقلية ونفسية وأخلاقية لا يريدون الفطام منها ــ وإنهم ليفضلون الرضاعة من الأثداء الميتة!
• لقد خدعت الإنسان الكلمة ــ ولا تزال تفعل بأساليب أقوى وأشمل ــ وقاتلته وكذبت عليه وظلمته أكثر مما قاتلت دونه أو صدقته أو أرشدته أو انتصرت له.
• إن الإنسان قد يستطيع أن يعيش بلا حرية ولا تفكير ولا نقد، كما يستطيع أن يعيش بلا عدالة أو صحة أو ذكاء أو تعليم أوحضارة، ولكن كم في ذلك من القبح والبشاعة.
• إن الذي يفرض على الناس فضيلة جاهزة بلا شهوة أو رغبة فيها هو أقوى عميل للرذيلة، كما أن الذي يفرض على العقول الإيمان أو بمذهب نهائي مطلق يقيني هو أفضل معلم للخطأ والغباوة.

====================================
▬ أيتها النجوم تحولي إلى رجوم. أيتها الشموس تحولي إلى حرائق. أيتها الحقول تحولي إلى أشواك من الجحيم. أيتها الجبال تحولي إلى سياط. أيها الرجال تحلوا إلى نمال. أيتها النساء تحولن إلى صحارى لا تنبت. أيتها البراكين الخامدة تفجري. أيها الكون لتتساقط غضباً واشمئزازاً، أو رثاء وحزناً، لتتساقط أيها الكون على مجتمع قد غزاه ذباب بذيء كئيب متوحش فتحولت كل الجباه والهامات فيه، وكل الذكاء والكلمات، وكل الرجال والشموخ إلى هزائم وعار وصلوات وعبيد ونشيد لمجد الذباب، وإلى تفاسير لما في طنينه من عبقريات ومذاهب ثورية، ومن تحدٍ وهزائم لكل موسيقى رجعية! أيها الغضب أريد أن ارى غضباً، أريد أن أرى قبر الغضب، حتى قبره أخشى أنه قد مات! أيتها الآلهة مارسي كل غضبك أو كل حبك، مارسي كل صفاتك وإلا فهبيني كل قوتك! أيتها البحار. أيتها الأنهار تحولي إلى دموع تذرفها عيون السماء حزناً على كبرياء الأرض، وتذرفها عيون الأرض حزناً على شرف السماء. أيتها البحار. أيتها الأنهار تحولي إلى دموع. أيها الكون تساقط غضباً واشمئزازاً، أو رثاءً أوحزناً. أيتها الآلهة مارسي كل غضبك وكل حبك، مارسي كل صفاتك وإلا فهبيني كل قدرتك! ليتحول كل شيء إلى غضب ودموع وعقاب، فلقد انتصر ذباب على تاريخ الإنسان، ليتحول كل شيء إلى هجاء للبشر! صــ13 : 14

▬ أيتها الآلهة، أيتها النجوم، أيتها الكرامة الإنسانية، أيتها الشجاعة الإنسانية، أيتها المذاهب والحضارات ــ إنسان واحد يحول كل آلامه وهمومه ونقائصه وتفاهاته، وتاريخيه الكئيب ومشاعره المغيظة ــ إنسان واحد يحول كل ذلك إلى آلهة ومذاهب ونظم مخابرات ومباحث ودعايات ضاجة، وإلى جيوش وحروب وتهديد وتآمر، وإلى حكم لا مثيل له في القسوة والشمول والغباء، تخضع له عشرات الملايين أومئات الملايين من البشر، ويحول كل هذه العشرات أوالمئات من الملايين البشرية، وكل تلك الآلهة والمذاهب والنظم والمباحث والمخابرات والدعايات والجيوش والحروب والتهديد والتآمر والحكم ـــ يحول كل ذلك إلى قصائد هاتفة لجنونه وهمومه ونقائصه وتفاهاته وتاريخه الكئيب ومشاعره الجريحة المغيظة..صــ85

▬ أيها التاريخ، إنك تستحق كل ما في الكون من رثاء، فحكم تحتوي في جوفك من صعاليك، فيهم كل بذاءات السلوك والأفكار والمشاعر، سلبوك كل وقارك وشجاعتك وغاصوا بشرفك وذكائك إلى حضيض بذاءتهم وفسقوا بكل ما فيك من عفة ورصانة ونظافة وسمت ــ إنهم ألئك الصعاليك المنتصرون عليك، الذين وضعوا أنفسهم في سجل مواليدك باسم الثوار، أولئك الثوار الذين أرادوا أن يهربوا من آلامهم الطبقية أو الإجتماعية أو النفسية أو التاريخية أو الجسمية بالعدوان عليك ــ لقد أرادوا أن ينتقموا من عذابهم فانتقموا منك، وأن يصعدوا فوق أنفسهم وفوقك وفوق كل الذكاء الإنساني فاقترفوا الثورات والمذاهب والنظم التي تنادي بمحبة قوم، ولكن لم يكن قصدها إلا كراهة قوم آخرين، لم يكن قصدهم أن يحولوا الأرض إلى سماء بل أن يحولوا السماء إلى أرض، بل أن يكونوا هم سماء ويكون كل شيء أرضاً لهم! صــ89

▬ إن غير المفكرين مفتوحة حدودهم لكل الدعايات والأكاذيب الكبيرة، تغزوها بلا حراسة ولا أبراج مراقبة. نعم، وأحياناً كثيرة يصبح المفكرون أكثر إنفتاحاً أمام غزو الدعايات ــ إنهم قد يحولون أفكارهم إلى أجهزة استقبال وفرق ترحيب بالغزاة القادمين ــ بالأكاذيب والدعايات الزائفة، بل قد يكون المفكر خالق اكاذيب ودعايات سخيفة وليس مروجاً لها فقط. إن أنبياء الطغيان والظلام هم في كثير الأحيان مفكرون، وقد يكونون مفكرين كباراً. [..] المجتمع القوي يستطيع أن يتحمل الصدمات الفكرية المناقضة لأنه قادر على التكيف والأخذ والهضم والمقاومة، أو هو أقدر على ذلك. وليس كذلك المجتمع الضعيف. صــ109

▬ إن الحشرات هي أسعد الكائنات في المجتمعات المتخلفة، وأسعد هذه الكائنات السعيدة هو الذباب، إن الذباب في كثير من المجتمعات لأفضل حظاً من الإنسان وأعلى مستوى منه. إن الذباب هو سيد الإنسان في هذه المجتمعات، إنه  قيصر، حاكم مطلق، إنه أسعد وأقوى مواطن، له أضخم الحقوق والإمتيازات والحريات، له كل البيوت والحدائق والموائد والوجوه الجميلة والأنوف الشامخة، ينتقل بينها ويستقر فوقها بلا حظر أو خوف أو زجر . كم هو خليق بأن يُحسد الذباب ويحقد عليه ويتمنى أن يكون مكانه في المجتمعات المتخلفة كل الجائعين والمحرومين والمطاردين حينما يرونه متربعاً ومتنقلاً بين وفوق أشهى الأطعمة وأجمل الوجوه كدكتاتور ساحق متربع فوق كل العقول والكرامات بعد أن قتل في مجتمعه كل غضب واحتجاج، وبعد أن فقأ كل بصر فيه، حتى لا يستطيع أن يرى أو يكره أية دمامة أو بذاءة. صــ255

▬ إن وظيفة العلم غير وظيفة الفلسفة والتفكير، لهذا فقد يكون العالم الكبير جداً ضعيف جداً في تفكيره ومنطقه، وقد يؤمن بأتفه وأصغر الخرافات. وليس لنا أن ننتظر من العالم الكبير أن يكون مفكراً كبيراً أو أن يرتفع في عقائده ومنطقه وتفاهاته الذهنية فوق مستوى الجماهير كثيراً. وقد يكون التخصص العلمي عائقاً عن كل المستويات الفكرية، بل قد يكون المتخصص في أحد الفروع العلمية مغفلاً جداً لا يستطيع أن يتكون فكرياً أي تكوُّن. وقد يكون العالم مفكراً كما قد يكون غير مفكراً، وكون العالم مفكراً لا صلة له بأن يكون عالماً. صــ287

▬ إن جميع الناس يخطئون ويكذبون ويحتاجون إلى الأكاذيب والأخطاء ولكنهم يختلفون في أساليب التعبير، إنهم جميعاً يحتاجون إلى الخطأ لأنهم أحياء بل لأنهم موجودون، فكل حي، بل كل موجود يحتاج إلى أن يُخطيء كما يحتاج النهر والحجر والنبات إلى الخطأ والظلم والتصادم مع الأشياء والرغبات الأخرى. فإذا كنت في مجتمع يمنعك من أن تفكر وتحتج وتخطيء، وتعلن عن تفكيرك واحتاجحك وخطئك بأسلوب حر لا خوف فيه فهل هذا المجتمع يستطيع أن يمنعك من أن تحتج وتخطيء عن ذلك بأسلوب آخر من أساليب التعبير على نحو من الأنحاء؟ في مثل هذا المجتمع هل تعجز عن التفكير أم عن الخطأ في التفكير مع التفكير، أم تعجز عن التعبير؟ إن كان العجز عن التفكير فما أبشع هذا، وإن كان الخطأ في التفكير مع التفكير فما أعظم استحالة هذا، وإن كان العجز عن التعبير فما أسخف هذا، أي ما أسخف أن يكون الخطأ موجوداً في تفكيرك ثم تُمنع من التعبير عنه! صــ309

▬ عجباً! كيف لا تموت الآذان في عهد الثوار والطغاة؟ إن الأذن هي أشهر جهاز في التاريخ لاستقبال الفحش والتحقير والسباب والادعاء والأكاذيب، إنها أكبر وأشهر وعاء ومصب يلقى إليه كل ما في الحياة والكون والإنسان من تفاهات وضعف وكذب، متحولاً إلى كلمات، إنه ليست للأذن أية وظيفة أخلاقية أو دينية أو إنسانية. ماذا نجد لو أن جميع ما أُلقي في أذني إنسان واحد كل حياته من فُحش وسوء قد تجمع وتحول إلى وجود مرئي؟ إنه لتصور بشع مخيف. لعل أسوأ أعضاء الإنسان حظاً أذناه، إنهما أسوأ حظاً من عينه وقدميه ويديه وكل أعضائه، إن الأذنين هما الممر الكريه الذي تمر منه كل التفاهات والوقاحات والآلام إلى الإنسان لتصب فيه بكل وحشية، إن حاسة السمع هي أفظع مستنقع في العالم تتساقط فيه جيف الكلام والأخلاق، ويتزاحم عليه أضعف ما في البشر من خبث وقذارة وغباء، وإن الإنسان لهو أكبر جهاز مرور في الكون ــ إن جميع الأشياء الكونية والإنسانية بل والأشياء التي ليست كونية ولا إنسانية تمر بقسوة وتعذيب من خلال ذاته في صور أفكار وعواطف..صــ315

▬ للشعوب دائماً في كل تاريخها ثلاثة أعداء : قوة التقاليد وقوة العقائد وقوة الحكم، وهؤلاء الأعداء أوالخصوم الثلاثة يؤلفون دائماً معسكراً واحداً متحالفاً يواجه الإنسان ليحطم قوته وذكاءه ومقاومته، ولكي ينتصر ويتفوق عليه، وحياة الإنسان محكوم عليها أن تخوض معارك نضالية دائمة ضد عقائده و آلهته وتقاليده لتضعفها وتكبح من طغيانها أو لتنتصر عليها، ولكنها قد تكون معارك غير منظورة. ومهما بدا الإنسان محترماً جداً لآلهته وتقاليده وحكامه وعقائده ومطيعاً لها جداً فإنه في الحقيقة يخوض ضدها المعارك المختلفة المستويات في عنفها، إن الإنسان أبداً يخوض هذه المعارك مهما جهل ذلك، ومعارك البشر التي يجهلونها أكثر وأدوم من معاركهم التي يعرفونها أو يشعرون بها. صــ322

▬ الناس لا يصرون على الإيمان احتراماً لإيمانهم بل عجزاً عن الإنتقال أوتهيباً، ففقد حرية التفكير في ذنوب الآلهة والعقائد والمذاهب وحرية التخطي لها هو حالة من حالات العجز، والعجز قد يكون رهبة أو خمولاً أو كسلاً. إن رفض الحرية نوع من الرفض للحركة والإنتقال، والرفض للحركة والإنتقال عجز، أوعجز عن دفع ثمن الحركة والإنتقال، أو رهبة، والرهبة عجز. إن المؤمن لا يؤمن لأنه يحب أويحترم الأرباب والمعتقدات، أو لأنه يقدرها أويعرفها أو مزاياها الإنسانية أو الأخلاقية أو الكونية، بل يؤمن لأنه لا يستطيع ــ ولو نفسياً أوفكرياً ــ أن ينكر ويقاوم ويصنع لنفسه أرباباً وعقائد أخرى، ولهذا فإن العاجز مثل هذا العجز بهذا المعنى من العجز وبأسبابه لا بد أن يؤمن بأي رب وبأية عقيدة تلقيان عليه، أو يجدهما في قبور آبائه وفي ملابسهم البالية، غير مشترط  فيهما ــ أي في الرب والعقيدة ــ أي شروط من أي نوع وعلى أي مستوى. وإذا تخطى الإنسان العجز عن اختيار الأرباب والعقائد وعن إبداعها فلن يهاب تحطيم أي إله وأية عقيدة مهما علم فضائلها وخلودها، ومهما ورثها عن أمجاد التاريخ وأمجاد الآباء المحترمين أو المخيفين. صــ332

▬ كم هي الأهوال والآلام التي أوقعها بالإنسانية في كل العصور والمجتمعات أبطال متألهون غاضبون لكرامتهم التي وضعوا حدودها وحساباتها هم، مستسلمون لمشاعرهم الغلامية التي لا ترى أن شيئاً في الكون يساوي أكثر من رضاهم وغضبهم؟ إن البشر مستعدون في أكثر أوقاتهم لأن يموتوا ويدمروا أوطانهم ويخربوا كل شيء ليكونوا وقوداً لشهوات البطل ولإنفعالاته التي أرهقها التوتر والحساسية وإدمان النظر إلى الذات بتدليل وعشق، ولكي يتحولوا إلى إعلان ضخم أليم عن جنون البطل..صــ357


▬ إن كتب التعاليم والأوامر والنواهي التي تطلب من الناس ان يكونوا أو لا يكونوا، والتي تحاول أن تصنع للإنسان سلوكاً وأخلاقاً وشهوات لم تكن إلا لغواً يفعله الكبار جداً ويتناقلونه بعضهم عن بعض دون أن يسأل بعضهم بعضاً عن جدوى ما يفعلون. لقد كانوا يفعلون اللغو وهم عابسون متجهمون كأنما يصنعون للكون ثوباً أوخلقاً جديداً وللبشر طبيعة مبتكرة تخيلوها وأرادوها لهم بمحبة وعناية ورشاقة وذكاء. إنه لغو عجيب، لغو عظيم الحظ، لهذا كان يقرؤه ويسمعه كل الناس في كل العصور دون أن تقرأ أو تسمع أوتفهم منه أهواؤهم او أخلاقهم أو مصالحهم أو أعضاؤهم حرفاً واحداً..صــ376

  • Digg
  • Del.icio.us
  • StumbleUpon
  • Reddit
  • RSS