‏إظهار الرسائل ذات التسميات العلمانية. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات العلمانية. إظهار كافة الرسائل

الحقيقة والوهم في الحركة الإسلامية المعاصرة (فؤاد زكريا)


• إن دعاة تطبيق الشريعة يرددون عبارات ذات تأثير عاطفي هائل على الجماهير، ونتيجة لهذا التأثير العاطفي تمر هذه العبارات دون أن يتوقف أحد لمناقشتها، وتتناقلها الألسن محتفظة بمحتواها الهلامي، حتى تشيع بين الناس وكأنها حقائق نهائية ثابتة، مع أنها في ضوء التحليل العقلي عبارات مليئة بالغموض والخلط.
• إن الرجوع إلى نصوص إلهية لا يحول دون تدخل العنصر البشرية في اختيار النصوص الملائمة وتفسيرها بالطريقة التي تُرضي مصالح الحكم، على نحو ما كان يحدث طوال معظم فترات التاريخ الماضي والحاضر.
• إن الدعوة إلى تطبيق الشريعة، التي تعلو أصواتها في الآونة الاخيرة الراهنة، ترتكز بلا شك على قاعدة جماهيرية واسعة. وكثير من أنصارها يتخذون من سعة الانتشار هذه حجة لصالحها، ويستدلون على صحة اتجاههم من كثرة عدد أشياعهم وأنصارهم.
• إن العقل الذي اعتاد أن يسير في اتجاه واحد، والذي يعجز عن فهم حقيقة النسبية وتعدد طرق الوصول إلى الحقيقة، لابد أن يوصل أصحابه، دون أن يشعروا، إلى هذه النتائج الخطيرة. وهكذا يصبح من بديهاتهم التي لا تناقش، الاعتقاد بأن الشك خطيئة، والنقد جريمة، والتساؤل إثم وجريرة.
• الإسلام البترولي يُبعد أذهان الشعوب التي تدين به عن المشاكل الداخلية والخارجية لمجتمعاتها، ولكنه لا يمس مصالح الدول الرأسمالية الكبرى في البترول.
• إن المراة يجب أن تكون مستورة حتى لا يشك الرجل في بنوة أبنائه منها! (الشيخ الشعراوي) صـ 30
• إن علوم الفضاء وتكنولوجيا الأقمار الصناعية كلها لا تساوي شيئاً، وإن الإنسان الذي اخترع "ورقة الكلينكس" أو عود الكبريت قد أفاد البشرية بأكثر مما أفادها الذي اخترع صاروخاً يصل إلى القمر! (الشيخ الشعراوي)
• إن الهجوم على العقل البشري واتهامه بالقصور أصبح سمة من أبرز السمات المميزة للدعوات الإسلامية المعاصرة.
• إن أكبر ما يُلحق الضرر بالدعوات الإسلامية المعاصرة، على اختلاف دروبها واتجاهاتها، هو حالة الجهل التي تنشرها بين أنصارها، والأدهي من ذلك أن هذا الجهل يبدو لأصحابه علماً واسعاً يرد على جميع التساؤلات ويبدد كل الشكوك. صــ  44
• إن الصدام بين ثورة يوليو وبين الجماعات الإسلامية كان في جوهره سياسياً لا عقائدياً، وكان صراعاً للقوى لا صراعاًً بين الأفكار. صـ 128
• إن دعاة الإسلام الشامل ينادون بتطبيق منظور واحد في ميادين الفكر والاقتصاد والسياسية والفن والأدب. صــ 164
• إن التجارب المعاصرة في تطبيق الشريعة كانت كلها فاشلة.. ألم يكن ذلك وحده كافياً لكي يتريث دعاة تطبيق الشريعة، ويتفرغوا لوضع برنامج مدروس دون تكرار المآسي والمهازل التي ارتطبت بتطبيق الشريعة في الآونة الأخيرة بين جيراننا الأقربين ؟

==============================
▬ الواقع أن التجاهل التام للتاريخ، وإغماض العين عن الدروس التي يقدمها الواقع الفعلي، لا يميز موقف الحركات الإسلامية من التجارب المعاصرة لتطبيق الشريعة فحسب، بل إنه هو السمة البارزة التي تميز موقفها من كافة التجارب السابقة، على مر التاريخ الإسلامي. فهذه الحركات الإسلامية ترسم لنا صورة للتاريخ الإسلامي مستمد من النصوص الدينية فحسب. فإذا تحدثنا مثلاً، عن موقف الإسلام من العدالة الاجتماعية، جاء حديثها مليئاً بالآيات والأحاديث النبوية التي تدعو إلى تلك العدالة، أو التي تقبل التفسير في هذا الاتجاه. وهي تقف عند هذا الحد، وتتصور أنها قد أثبتت بذلك قضيتها الرئيسية، وهي أن الإسلام يدعو إلى العدالة الاجتماعية، وأن هذه العدالة الاجتماعية تتحقق في الإسلام خيراً مما تتحقق في أي نظام آخر. ولكن، هل تعد الإشارة إلى النصوص وحدها كافية لإثبات هذه القضية؟ لنضرب مثلاً مأولوفاً لنا جميعا: إن لغالبية الساحقة من دساتير بلاد العالم الثالث تمتليء بنصوص رائعة عن تحقيق العدالة والمساواة وضمان الحريات واحترام حقوق الإنسان، إلخ... ولكن هل يكفي أن نتناول النصوص الدستورية، في بلد بأمريكا اللاتينية تعبث بمصيرها دكتاتورية عسكرية دموية، فنقول أن العدالة والحرية مستتبان في هذا البلد لأن المادة كذا من دستوره تنص على إقرار العدالة الاجتماعية والاقتصادية وإقرار الحريات الأساسية؟ أليس من الواضح أن الرجوع إلى النصوص وحدها لا يسمح على الإطلاق بالحكم على أوضاع مجتمع مان أو حضارة ما ؟ صــ 8 ، 9

▬ إن التصعب لوجهة نظر دينية واحدة، بل لاتجاه طائفة أو جماعة معينة داخل وجهة النظر هذه، يُلحق بالعقل تشويهات خطيرة، ليس أقلها ذلك الإنغلاق الفكري الذي يوهم المرء بأنه هو الذي يملك الحقيقة كاملة، وبأن كل من لا يسيرون في طريقه على باطل. هذا الإحساس باليقين المطلق شديد الخطورة على التكوين العقلي للإنسان، وخاصة إذا تملكه وهو ما يزال في شبابه المبكر. ومن المؤسف أن هذا الإحساس لا يقتصر تأثيره على المسائل الدينية وحدها، بل إنها يمتد إلى كافة جوانب حياة الإنسان. وهكذا تجد الشاب الذي يخضع لمثل هذه المؤثرات ميالاً إلى الجزم والتأكيد القاطع في كل شيء، لا يؤمن بتعدد طرق الوصول إلى الحقيقة، بل يريد في كل الأمور رأياً واحداً وإجابة نهائية يرتاح إليها ويتوقف عندها ويكف بعدها عن التساؤل. وحين تصبح هذه عادة عقلية مستحكمة فإنها تطمس الروح النقدية وتهدم القدرة على الابتكار وتجعل من التجديد آفة ينبغي تجنبها، ومن الإبداع بدعة لابد من محاربتها. صــ 17

▬ [...] ولكن الظاهرة المؤلمة هي أن الدعاة الإسلاميين عندنا، حين يتحدثون عن ثقافة الغرب ويوجهون إلينا هجومهم، يرددون عبارات محفوظة وأحكاماً مكررة وكلاماً غير علمي، ويظل هذا الكلام يزداد ويعاد من فوق المنابر وفي أوسع أجهزة الإعلام، فتأتي الأجيال الشابة التي تثق في كلام شيوخها ثقة مطلقة، لتحفظ  هذه الجمل والأحكام المتهافتة وتكررها حرفياً في كل مناسبة، وتتصور أنها بذلك قد أحاطت بكل جوانب الموضوع علماً. وهكذا تسمع أحكاماً فجة عن نظرية التطور، يؤكد فيها أكثر من كاتب أن داروين كان يهودياً (مع أنه كان مسيحياً مخلصاً)، وأن هناك عصابة ثلاثية يهودية تريد نشر الإلحاد والإباحية في العالم، تتألف من داروين وماركس وفرويد، وتشكل أهم عنصر في مؤامرة عالمية يهودية. هؤلاء السادة يختزلون النظريات التي أقامت الدنيا وأقعدتها وهزت العالم، في جملة أو جملتين سخيفتين لا فهم فيه ولا عمق، يرددها الداعية ثم يبتسم ابتسامة الثقة والعلم والرضا عن النفس، كأنه أجهز على هذه النظريات وطرح أصحابها أرضاً بعباراته الفجة [..] انتقدوا ما شئتم، أيها السادة، فهذه النظريات كانت بالفعل، وما زالت، تتعرض لنقدٍ شديد، ولكن ليكن نقدكم مبنياً على فهم ومعرفة وتعمق، لا على جهلٍ وسطحية وغثاثة [..] ولكن، كيف يأتي العلم في ظل المنهج السلطوي الذي تطرح به هذه الدعوة الدينية في زمننا التعيس ؟ صــ 42 ، 43

▬ [..] ولما كان التطبيق الكامل للشريعة الإسلامية هو الهدف الأكبر، فإن من أهم أسباب حكمهم بإعدام السادات، كما قلنا من قبل، أنه اقترب بهم كثيراً من تحقيق هذا الهدف، ثم تراجع عنه في اللحظة الأخيرة. ويعبر الكثيرون عن ذلك أصدق تعبير حين يعربون عن تلك الآمال العريضة التي انتعشت لديهم بفضل وجود وعود صوفي أبو طالب، رئيس مجلس الشعب، ثم شعورهم بالإحباط الشديد حين لم تتحقق هذه الآمال. وكمثال على ذلك، نستمع إلى عبد الحميد عبد السلام وهو يقول "وكان أملنا في مجلس الشعب عند تعين صوفي أبو طالب رئيساً له، وإصدار قرارات بتقنين الشريعة الإسلامية، وحتى الآن لم يحدث أي تقدم أو جديد في هذا الأمر". صــ 87

تبرز أمام المفكر السياسي مشكلة حقيقية يصعب إيجاد حل لها: إذ يبدو أن بلادنا أصبحت الآن أمام خيارين كليهما أتعس من الآخر: فإما أن نكتفي بفكر متقدم مستنير قادر على الفهم والنقد والتحليل، ولكنه عاجز عن الحركة، وإما أن نسير وراء فكر متخلف، قاصر في فهمه ونقده وتحليله، ولكنه هو وحده القادر على التحرك. لقد أصبح المأزق الحقيقي الذي تعاني منه مصر، في تطلعها إلى المستقبل، هو اضطرارها إلى أن تختار بين فكر بلا فعل، وفعل بلا فكر. وأحسب أنه لن يكون لنا خلاص إلا في اليوم الذي يصل فيه الذين يفكرون إلى المستوى الذي يتيح لهم أن ينقلوا فكرهم إلى حيز الفعل المؤثر والفعال، أو يصل الذين يفعلون إلى المستوى الذي يدركون في قيمة الفكر المتفتح والعقل المستنير. صــ 116


▬ إن أنصار تطبيق الشريعة يداعبهم حلمٌ ورديٌ رائع، ولكن مشكلتهم أنهم لا يبذلون أي جهد لترجمة هذا الحلم إلى لغة الواقع. وهذه الترجمة تحتاج إلى استعياب كافة دروس الماضي والحاضر واستخلاص دلالاتها، وتحتاج إلى وضع ألوف التفاصيل الدقيقة والضوابط المحكمة بحيث لا يسمح للمنحرفين باستغلال مرونة العموميات في تحقيق مآربهم الخاصة، وتحتاج قبل هذا وذاك إلى التفكير في مدى ملاءمة هذه الدعوة للحظة الزمنية الحاضرة، وفي الأسباب التي تؤدي إلى التركيز على أهداف لا علاقة لها بالمشكلات الطاحنة التي يعانيها الإنسان المصري في كل لحظة من لحظات يومه. وأهم عناصر هذا الحلم الوردي هو الاعتقاد بأن تطبيق الشريعة سيؤدي آلياً إلى تبخر كل ما نعانيه من مشكلات. كيف ؟ لا أحد يدري، وأغلب الظن أن معظمهم يعتقد في قرارة نفسه بأن العناية الإلهية سترعانا بمجرد أن نطبق الشريعة، ومن ثم فإن قوى السماء ستتدخل من أجل حل مشكلاتنا دون أن يبذل الإنسان جهداً يذكر.. وفي غمرة النشوة التي تبعثها العبارات الساحرة الخلابة، لا يخطر ببال أحد أن يتساءل: هل حدث شىء من ذلك في تجربة تطبيق الشريعة في السودان أو باكستان أو غيرهما؟ ألم تستفحل مشاكل هذه البلاد في ظل أنزمة تزعم بأنها لا تطبق سوى أحكام الإسلام؟ صــ  176

  • Digg
  • Del.icio.us
  • StumbleUpon
  • Reddit
  • RSS

الأصولية والعلمانية (مُراد وهبه)

• إن للعقل خاصية متميزة في أنه محكوم بمواجهة مسائل ليس في الإمكان تجنبها. فهي مسائل مفروضة عليه بحكم طبيعته. بيد أن العقل عاجز عن الإجابة عنها. (كانط)
• إن بزوغ الأصوليات ليست مجرد رد فعل ضد الرؤى الكونية الجديدة التي تهدد تراثها "المقدس"، بل هي تهدف إلى تشكيل العالم استناداً إلى مقولات ثلاث: العنف والإرهاب والثورة، وإلى السيطرة على التعليم والإعلام وتأسيس مدارس ومعاهد أصولية.
• إن كلاً من الرأسمالية الطفيلية والأصولية الدينية مدمر لحاضرة العصر، وحيث أن كلاً منهما مناقش للآخر فيحق النا القول بأن ثمة علاقة جدلية بينهما، أي علاقة يمكن أن يقال عنها أنها تعبير عن وحدة وصراع الأضداد.
• إن الأصولية من حيث هي نظرية قد وُلِدت لسد الفراغ الأيديولوجي الذي نشأ عن الأبنية التقليدية، وعن سقوط النماذج المستوردة من الغرب.

=======================================
▬ في القرن الخامس قبل الميلاد أنكر أنكساغوراس الطبيعة الإلهية للأجرام السماوية. وذهب إلى القول بأن القمر أرض فيها جبال ووديان، وأن الشمس والكواكب أجرام ملتهبة، لا تختلف طبيعتها عن طبيعة الأجسام الأرضية. ولم يطق ملاك الحقيقة المطلقة مثل هذا القول الذي قاله أنكساغوراس لاعتقادهم أن كل ما هو سماوي فهو إلهي، وأن من يتنازل عن مثل هذه الأمور بأسلوب علمي هو مجرم في حق الدولة. واتهموه بالإلحاد  فاضطر إلى مغادرة أثينا حيث كان يقيم ويتفلسف. ثم قدم إلى أثينا بروتاغوراس حوالي عام 450 ق.م ونشر كتاباً أسماه "الحقيقة" وردت فيه العبارة: "الإنسان مقياس الأشياء جميعاً". ومعنى هذه العبارة أن الحقيقة نسبية بنسبية الإنسان. ثم رتب على هذه العبارة عبارة أخرى هي قوله: "لا أستطيع أن أعلم إن كان الآلهة موجودين أم غير موجودين. فإن أموراً كثيرة تحول بيني وبين هذا العلم أخصها غموش المسألة وقصر الحياة". فاتُهم بالإلحاد وأُحرقت كتبه، وحكم عليه بالإعدام، ولكنه فر هاربا. أما سقراط فكان يعتقد أن حكمته تقوم في علمه بجهله بينما غيره جاهل يدعي العلم. فمضى يحاور السياسيين في حلقات واسعة، فلا يلبث أن يبين لهم أنهم لا يعلمون شيئاً، وأن ما يعلمونه إما ظن، وإما عن إلهام إلهي، وكلاهما مباين للعلم، فاتهموه بأنه ينكر الآلهة، ويفسد الشباب، وحكم عليه بالإعدام، وقبل سقراط الحكم. وفي النصف الأخير من القرن الثاني للميلاد نشأت طائفة من الشكاك بزعامة سكستوس امبيريقوس، أي سكستوس التجريبي. جاء في أحد مؤلفاته أن المبدأ الأساسي للمذهب الشكي يدور على أنه: "لكل حجة حجة مضادة لها" ثم يستطرد قائلاً:"إننا نعتقد أن من لوازم هذا المبدأ الوصول إلى نقطة نمنع فيها عن أن نكون دوجماطيقيين". ومعنى ذلك على حد قوله أن "الشاكُ يرفض الدوجماطيقية" والغريب في أمر سكستوس وأصحابه أن ترجمة مؤلفاته قليلة ومن الصعب العثور عليها. وبسبب جهلنا بنصوص هذه المدرسة الشكية أُفرغ لفظ الشك من مضمونه. وأغلب الظن أن جهلنا بالنصوص مردود إلى سلطان ملاك الحقيقة المطلقة، أي الدوجماطيقيين..... صــ13 ، 14

▬ يمكن القول بأن الأصولية، أياً كانت سمتها الدينية، مسيحية أو إسلامية أو يهودية، أو أية ملة أخرى، تمزج المطلق بالنسبي، والحقيقة الأبدية بالحقيقة العابرة، وبذلك تدافع عن حقيقة لاهوتية ماضوية، وكأنها رسالة أبدية موجهة ضد حقيقة لاهوتية راهنة، فتعجز عن التعامل مع الوضع الراهن، ليس لأنها مجاوزة لهذا الوضع ولكن لأنها تتحدث عن وضع ماضوي فتمنح مصداقية أبدية لرؤية نسبية. وفي هذا السياق تصبح الأصولية ممهدة لما أسميه: (صراع المطلقات). وأقول الأصولية من غير ذكر للسمة الإسلامية: لأن هذه هي الأصولية أيا كانت سمتها الدينية. وصراع المطلقات لا تستقيم معه الدعوة إلى سلام العالم. فسلام العالم ليس ممكناً إلا بسلب الدوجما من الدين، أي نفي الدوجماطيقية. وهذا النفي ليس ممكناً إلا بنفي علوم العقائد بسبب أن مفهوم الحرب كامن في هذه العلوم. ومن هنا فإن حوار الأديان، إذا أقيم على أسس هذه العلوم، محكوم عليه بإفراز الأصولية الدينية. ذلك الحوار يفترض التسامح، أي يفترض مشروعية الرأي المخالف. فإذا ارتقى الرأي والرأي المخالف إلى مستوى المطلق، تحول الحوار إلى نقيضه، أي إلى صراع، لأن المطلق بحكم طبيعته، لا يقبل التعدد. والمفارقة هنا أن تعدد المطلقات مهدد للمطلقات. ومن شأن هذا التهديد أن يقضي مطلقٌ على باقي المطلقات - وهذا هو منطق حوار الأديان وهو أقوى من القصد الطيب في الحوار. صــ 40

▬ [...] بيد أن هذا الانتقال كان، في جوهره، تعبيراً عن نقلة فكرية يمكن تحديدها بعام 1543، وهو العام الذي صدر فيه كتاب من تأليف نيقولا كوبرنيك بعنوان "في دورات الأفلاك السماوية". وهذا التاريخ يمكن أن يُعتبر حداً فاصلاً بين نهاية العصر الوسيط وبداية العصر الحديث، إذ هو أعمق من حادثة استيلاء الأتراك على القسطنطينية أواكتشاف كولومبوس لأمريكا. ذلك لأنه يرمز إلى نهاية عالم ومولد عالم جديد. فبفضل كوبرنيك، لم يعد الإنسان مركزاً للكون، وتوقف الكون عن الدوران حول الإنسان. وقد عبير كوبرنيك عن ذلك حين قال إن بقاء أكبر الأجرام ثابتاً على حين تتحرك حوله الأجرام الصغرى أفضل من دوران الأجسام حول الأرض، لأننا إذا افترضنا الأرض متحركة وهي المكان الذي نشاهد منه الحركات السماوية حصلنا على صورة للعالم أبسط من الصورة المبنية على افتراض الأجرام السماوية هي المتحركة. وهكذا لم يعد الإنسان مركزاً للكون، ولم يعد الكون متصوراً على دروانه حول الإنسان. وهكذا (اجتث كوبرنيك الأرض من جذورها ورماها في السماء). صــ 46


▬ ومشكلة الأصوليين تدور على أنهم يريدون تحويل ما هو تاريخي إلى ما هو "منطقي" بمعنى أن لديهم اعتقاداً راسخاً هو أن الإسلام يقدم لنا أجوبة عن جميع الأسئلة الهامة الخاصة بالشئون الدنيوية بغض النظر عن الظروف التاريخية. ولهذا فإن موقف الأصوليين من العلمانية هو أنها مرفوضة ليس فقط من الزاوية الدينية بل أيضاً من الزاوية المعرفية. وفي عبارة أخرى يمكن القول بأن موقفهم يدور على أن "معرفة" كيفية تنظيم الشئون الدنيوية مشتقة من "المعرفة الدينية". وإذا أطلقنا على المعرفة أنها "معرفة علمية" فمعنى ذلك أن أساس معرفة الإنسان العلمية يكمن في المعرفة الدينية. صــ 73

  • Digg
  • Del.icio.us
  • StumbleUpon
  • Reddit
  • RSS

جرثومة التخلف (مُراد وهبه)

• إن العقل العربي هو عقل ديني في مجال التقدم .. ولكنه عقل علماني في مجال التخلف!
• غياب الرؤية المستقبلية - في اعتقادي - هو السبب الأساسي لأزمة العقل العربي، فأهمية هذه الرؤية تأتي من أن حركة التاريخ تبدأ من المستقبل وليس من الماضي، فالمستقبل هو المحرك الأساسي للحركة مهما يكن نوعها، ثقافية أو سياسية أو اقتصادية.
• التيارات الفاشية والجماعات الإرهابية هي الوريث الشرعي للدولة العثمانية. ولم يتصد أحد لجوهر هذه التيارات خوفاً منها.
• الإبداع في مجال التعليم معناه رفض الإجابة النموذجية الواحدة التي إذا انحرف عنها الطالب رسب أو قلت الدرجات التي يحصل عليها .. أي أن الإبداع يعني الاجتهاد وقبول تعدد الأجوبة .. أي تعدد الحقائق، وبذلك نربي جيلاً لا يزعم أنه مالك للحقيقة المطلقة.
• أرى أن الهيمنة الآن للأصولية الدينية لأنه لا يوجد تيار مضاد لها. كل ماهو حادث الآن هو مقاومة الأصولية الدينية بوزارة الداخلية وليس بوزارتي الثقافة والتعليم.
• إن الأحزاب تنشأ بفلاسفة. وأحزاب بدون فلاسفة هي أحزاب من ورق..وتعمل في الوقت الضائع.
• إن الأيديولوجيا الوحيدة الموجودة في العالم العربي الآن..هي الأصولية الإسلامية.. أما ماعدا ذلك فأفراد يتجولون بأفكارهم!
• إن المشكلة الأساسية ليست في صدام المثقف مع السلطة وإنما في صدام المثقف مع المجتمع لأن المجتمع متخلف وبالتالي فإن وظيفة المثقف هي الكشف عن جذور هذا التخلف.
• يقول كانط في مقاله الشهير الذي نشره عام 1784 وعنوانه "جواب عن سؤال: ما التنوير؟" يقول: كن جريئاً في إعمال عقلك من غير معونة الآخرين.

========================================
▬ محنة الجامعة تتمثل فيما أسميه بوهم تصور وجود أُستاذ. قد أكون قاسياً في هذا الحكم ولكن كما قلت أنا اطرح هذه القضية في شكلها القاسي حتى أحث أستاذ الجامعة لكي يبحث عن جذور هذا الوهم. يوجد استثناء في هذه القاعدة ولكن الاستثناء لا يحرك التغيير الاجتماعي. هو يعطي نوعاً من الكرامة والاحترام لهذا الأستاذ المستثنى ولكن لا يُعطي الكرامة للمجتمع الذي يمثله. توليد الوعي الاجتماعي ليست مسألة ميسورة بل يستلزم نوعاً من المغامرة. وعلى الأفراد التحمل. وطالما أن الأستاذ التزم فكراً معيناً فعليه أن يتحمل نتائج التزامه بهذا الفكر. صــ15

▬ مشكلة الأحزاب العربية أنها خالية من الفلاسفة، أي من المنظرين بتعبير أبسط. لأن العالم العربي يخلو من العقل الناقد فهو يخلو من الفلاسفة وبالتالي الأحزاب. وأنا اعتقد أن هناك فجوة بين الأحزاب والجماهير، لأن مهمة الحزب تنوير الجماهير، وتنوير الجماهير يستلزم جسراً بين فلاسفة الحزب والجماهير، وهذا الجسر هو جمهور المثقفين، لأن هؤلاء لديهم قدرة تبسيط الأفكار، أي إحالة الفكرة الفلسفية إلى فكرة شعبية بوسائل مختلفة، منها الصحافة ووسائل الإعلام الأخرى، وبالتالي فمهمة الحزب هي تغيير العادات اليومية في تفكير الجماهير بشأن القضايا اليومية، وببساطة أن تعلم الجماهير كيف تطور حياتهم بواسطة العقل. صــ41

▬ أن يعجز عقل ما عن تأسيس "العقلانية" فهذا يعني أنه عاجز عن نقده لذاته في إطار تطوره الاجتماعي أو الحضاري. والعقل العربي بالفعل عاجز عن تأسيس عقلانية، ولكنه ليس عجزا خلقياً، وإنما عجز تاريخي، فثمة عوامل موضوعية وذاتية أدت إلى إصابة العقل العربي بالعجز. العوامل الموضوعية تتمثل في الاستعمار والغزو الخارجي، والعوامل الذاتية تتمثل في همينة القوى الاجتماعية المتخلفة، والتي لم تخرج بعد عن حيز القبلية والعشائرية، وهي قوى قابضة على السلطة السياسية والعسكرية، الأمر الذي أدى إلى إجهاض بزوغ أي عقل ناقد. صــ67

▬ الشائع عن ابن رشد أنه شارح. وأنا أعتقد أن ثمة مؤامرة في هذا المصطلح. إن القول بأن ابن رشد شارح لأرسطو يعني أنه لم يقدم جديداً إلى البشرية، وإنما هو مجرد مردد لأرسطو. ولكن حقيقة الأمر أن ابن رشد ليس شارحاً لأرسطو، وإنما هو فيلسوف استثمر فلسفة أرسطو لتدعيم مقولة جديدة أتى بها ليست واردة في فلسفة أرسطو برمتها، وهي مقولة تأويل النص الديني، أو العلاقة بين النص الديني والعقل البشري. الغزالي رفض رفضاً باتاً إعمال العقل في النص الديني، وطالب بالإلتزام بالمعنى الحرفي، والنتيجة النهائية التي انتهينا إليها من مقولة الغزالي هي تدمير الفلسفة في المشرق العربي. وحاول ابن رشد في المغرب أن يدمر مقولة الغزالي وذلك بتأليفه كتاب "تهافت التهافت" ولكنه لم ينجح. فقد اضطهد وأُحرقت مؤلفاته وانتهت عملية التأويل التي كان ابن رشد يريد أن يروج لها. ولكن هذه المقولة انتقلت إلى أوروبا، وبدأ الصراع في أوروبا حول ابن رشد في داخل الكليات المسيحية. وهناك فلاسفة حرموا من السلطة الكنسية بسبب مؤازرتهم لأراء ابن رشد. وبعد ذلك انحصر ابن رشد في أنه مجرد شارح وهذا وهم. صــ97

▬ إذا حصرنا التراث في علم الكلام والفلسفة الإسلامية، فأنا أعتقد الانحياز ينبغي أن يكون للفلسفة الاسلامية، وليس لعلم الكلام، لأن علم الكلام نشأن في مواجهة قضية واحدة، وهي قضية الشرك في مقابل التوحيد، وبدأ علم الكلام ينفذ إلى جميع القضايا الإنسانية في إطار التوحيد المعارض للشرك، فكبل العقل الإنساني؛ بمعنى أن علم الكلام يرفض اللامتناهي في الرياضيات، وأن اللامتناهي في الرياضيات يعني الشرك، لأن الله لا متناه، فكيف يمكن أن نسمح بلامتناه آخر أياً كان هذا اللامتناهي؟ اذن علينا إما أن نحذف اللامتناهي من الرياضيات أو نعدم الرياضيات. مقولة أخرى في علم الكلام هي مقولة العلة. علم الكلام يحذف كقولة العلة. لماذا؟ لأن الله هو العلة الأولى والوحيدة. فإذن عندما نبحث في العلل الطبيعية فإن علم الكلام يعترض بدعوى أن هذا شرك بالله، أي إضافة علة إلى علة الله. صــ99

▬ تجريم الفكر أياً كان، هو في حد ذاته، جريمة، لأنه ليس من حق أي إنسان أن يتخذ من نفسه حاكماً على أفكار البشر. فالأفكار ذات طابع نسبي، فما كان خاطئاً في فترة، قد يكون صائباً في فترة أخرى. والقيم مثلها في ذلك مثل الأفكار إذ هي من صنع البشر. فالبشر أنفسهم مسئولون عن انتقاء وغربلة الغث من الثمين بالنسبة لهذه القيم إستناداً إلى المعيار العقلاني الذي ينبغي أن يكون معياراً في حكمنا على القيم وعلى غيرها. وتجريم الفكر مردود إلى ما يمكن تسميته بالمحرمات الثقافية وهذه المحرمات من شأنها أن تقتل العقل الناقد الذي هو أساس العقل المبدع. والعلاقة بين المحرمات الثقافية والعقل الناقد المبدع علاقة عكسية، فكلما ازدادت المحرمات قل النقد والإبداع وسيطر التخلف. صــ101

▬ علينا أن نبحث لماذا الإبداع نادر. الإبداع نادر ليس بسبب عوامل ذاتية عند الإنسان، ولكن بسبب عوامل موضوعية وعلى الأخص ما يمكن تسميته بالمحرمات الثقافية. فالمحرمات الثقافية تشل العقل الناقد، وبالتالي تشل عملية الابداع. علينا أن نقتحم هذه المحرمات الثقافية حتى يمكن أن نسمح للإنسان بممارسة الإبداع. وهذا ما حدث في أوروبا. كانت فيها محرمات ثقافية ومع ذلك اقتحمت هذه المحرمات ونشأ ما هو معروف بعصر النهضة، وعصر الإصلاح بالذات إذ معناه إعمال العقل في كل النصوص الدينية بلا استثناء. وعندما انشغل العقل بفهم كل نص أمكنه أن يقتحم مجالات عديدة بدون حساسية، الأمر الذي أدى إلى ما يسمى بعصر التنوير في القرن الثامن عشر. وبفضل عصر التنوير الذي يعني أن لا سلطان على العقل إلا العقل نفسه بزغت الثورة العلمية والتكنولوجية التي أدت الآن إلى غزو الفضاء. صــ143


▬ الحاصل في التأليف الحالي للكتاب المدرسي أنه يطرح نظرية هندسية، على سبيل المثال، بمعزل عن كيفية ابداعها، وأنا أطالب المؤلف في عملية التأليف أن يبين لنا من خلال العرض التاريخي كيفية ابتداع العالم لعلاقات جديدة بناء على نقده لعلاقات قائمة بحيث يُنشيء نظرية جديدة تحدث تأثيراً في الواقع. وفي هذا الإطار يمكن أن يتذوق الطالب عملية الإبداع. وعندما نقدم له أسئلة فيجب أن تنصب على التذكر بنسبة ضئيلة، وتنصب في الأغلب على العملية الإبداعية بمعنى أن نأتي له بسؤال مثلاً يستلزم الإجابة عنه الاستعانة بفصول من بداية الكتاب المدرسي إلى فصول من نهاية الكتاب بحيث يعطينا علاقة جديدة لم تكن واضحة في مسار الكتاب، وبالتالي لن يكون لدينا نموذج للإجابة كما هو الحاصل في المسار التقليدي للتعليم، وهو أن الأسئلة تأتي في إطار التذكر. وهذا يعني أن ثمة جواباً واحداً صحيحاً، الأمر الذي يؤدي، شئنا أم لم نشأ، إلى إفراز التعصب، والتعصب معناه تصور الإنسان أنه يملك حقيقة مطلقة لا بديل عنها. ولكن في إطار الإبداع يمكن أن تتعدد الأجوبة، أي تتعدد الحقائق وبالتالي ينشأ الطفل في جو من التسامح العقلي. ومن هنايمكن القول بأن الإبداع هو ضد ما يسمى بالدوجماطيقية .. صــ146

  • Digg
  • Del.icio.us
  • StumbleUpon
  • Reddit
  • RSS

الدين والعلم (برتراند رسل) - ترجمه (رمسيس عوض)

• إن العلمَ يُشجعُ التخلي عن البحث عن الحقيقة المطلقة ويستبدل بها ما يمكن تسميته بالحقيقة التقنية المنتمية إلى أية نظرية يمكن استخدامها بنجاح في الاختراعات أو التنبؤات بالمستقبل.
• إن الكفرة يقولون أن المذنبات ترجع إلى أسباب طبيعية. ولكن الله لا يخلق شيئاً لا يكون سلفا نذيرا بحدوث كارثة مؤكدة. (مارتن لوثر)
• لقد سدد مذهب داروين إلى علم اللاهوت ضربة قاسية تماما كما فعل كوبر نيكوس في علم الفلك.
• إن الضرر الذي ألحقه اللاهوت لا يتلخص فقط في خلق نوازع القسوة بل أيضا في إضفاء الشرعية على التظاهر بالأخلاق السامية وإضفاء ما يبدو أنه قداسة على ممارسات ترجع إلى عصور أكثر جهلاً وبربرية.
• إن العلم يعتمد على الإدراك والاستدلال وترجع مصداقية العلم إلى حقيقة مفاداه أن مدركاته من النوع الذي يمكن لأي مراقب أن يضعها موضع الاختبار.
• قد يبدو غريباً أن تكون الحياة قد حدثت بالصدفة ولكن يمكن للمصادفات أن تحدث في كون في مثل هذا الاتساع.
• إن المزاج العقلي العلمي يتسم بالحرص والحذر فهو لا يقطع بشيء ويخطو إلى الأمام  خطوة بخطوة. وهو لا يزعم أنه يعرف الحقيقة بأكملها أو حتى يتخيل أن أفضل ما يتوصل إليه من معرفة صائب صواباً كاملاً.

===========================================
▬ العقائد هي المصدر الفكري للصراع المحتدم بين الدين والعلم. ولكن الحدة التي اسمت بها معارضة الدين للعلم ترجع إلى الصلة التي تربط العقيدة بالكنيسة كما تربطها بنظام الأخلاق. فالذين يعبرون عن شكوكهم في العقيدة يُضعفون سلطة رجال الكنيسة وقد يقللون دخلهم. أضف إلى ذلك الاعتقاد بأنهم يدمرون الأخلاق لأن رجال الكنيسة درجوا على استخلاص الواجبات الأخلاقية من العقائد. ومن ثم فإن الحكام الزمنيين ورجال الكنيسة يشعرون بأن هناك من الأسباب ما يجعلهم يخشون التعاليم الثورية التي يقدمها رجال العلم. صــ6

▬ إن العقيدة الدينية تختلف عن النظرية العلمية في أنها تزعم أنها تجسد الحقيقة الخالدة واليقينية بصورة مطلقة في حين أن العلم غير نهائي على الدوام ويتوقع ضرورة إدخال التعديلات على النظريات الحالية إن عاجلاً أم أجلاً. فضلاً عن أنه يدرك أن طريقته من الناحية المنطقية غير قادرة على الوصول إلى براهين كاملة ونهائية. غير أننا نجد في العالم المتقدم أن التغييرات المطلوبة هي في العادة تلك التي توفر له بصوره طفيفة درجة أكبر من الدقة. والنظريات القديمة تظل صالحة للوصول إلى نتائج تقريبية. ولكنها تبقى عاجزة عندما تطرأ بعض مناحي التدقيق على الملاحظة. أضف إلى ذلك أن الاختراعات التقنية التي توفرها النظريات القديمة تبقى دليلاً على تمتعها إلى حد ما بنوع من الحقيقة العملية. صــ10

▬ لقد كان اكتشاف التخدير مناسبة أخرى تدخل فيها اللاهوتيون للحيلولة دون التخفيف من المعاناة الإنسانية. ففي عام 1847 اقترح سيمسون استخدام التخدير في حالات الولادة. ولكن رجال الدين اعترضوا على ذلك وذكروه على الفور بأن الله قال لحواء في الإصحاح الثالث أية 16 من سفر التكوين :"بالوجع تلدين أولادك." فكيف إذن يتحقق ذلك إذا كانت المرأة تحت تأثير مخدر الكلورفورم ؟ غير أن سيمسون نجح في إثبات أنه ليس هناك ثمة ضرر في تخدير الرجال نظراً لأن الله وضع آدم في نوم عميق عندما نزع ضلعه. ولكن رجال الاكليروس - وهم ذكور - رفضوا الإقتناع بتخفيف ألام المرأة وهي في حالة الولادة على أقل تقدير. صــ102

▬ إن الإنسان - وهو صدفة غريبة حدثت في مكان مهمل - واضح ومفهوم فالخليط من الخير والشر الذي يتكون منه الإنسان يجعلنا نتوقع أن يكون قد نشأ بمحض الصدفة، ولا يوجد سوى الرضا المروع عن الذات الذي يرى في خلق الإنسان سببا يعتبره العليم بكل شيء باعثا قويا يدفع الخالق إلى خلق هذا الإنسان. إن ثورة كوبرنيكوس لن تؤت ثمارها حتى يتلقى الإنسان درساً أكبر في التواضع عما نراه في الذين يظنون أن الإنسان دليل كافٍ على وجود غاية في الكون. صــ222

▬ إن الحرب بين العلم واللاهوت كادت أن تنتهي. ولكن هذا لم يمنع دون اندلاع المناوشات بين حين وآخر في المناطق الواقعة على الأطراف، ويعترف المسيحيون أن دينهم أصبح أحسن حالاً بعد انتهاء هذه الحروب تقريباً. وتطهرت المسيحية من عناصرها غير الجوهرية الموروثة من عصر البربرية كما أنها تطهرت من الرغبة في اضهاد المخالفين لها. ويتبقى لدى المسيحين الأكثر ليبرالية مذهب أخلاقي له قيمته يتلخص في قبول تعاليم المسيح المنادية بضرورة حب الجار والإيمان بأنه يوجد في كل فرد شيء يستحق الاحترام حتى وإن لم يعد هذا الشيء يُسمى بالروح. صــ247


▬ قد يصر البعض على أن الاضهاد في زماننا يختلف عن الاضطهاد في الماضي في أنه اضطهاد سياسي واقتصادي أكثر من كونه اضطهادا لاهوتياً ولكن مثل هذا الدفاع يجانبه الصواب من الناحية التاريخية. فهجوم مارتن لوثر على صكوك الغفران سبب للبابا خسارة مالية ضخمة، وثورة هنري الثامن ضده حرمته من الدخل الكبير الذي كان يتمتع به منذ أيام هنري الثالث. وقد اضطهدت الملكة اليزابيث الكاثوليك الرومان لأنهم أرادوا استبدالها بماري ملكة اسكتلندا أو بفيليب الثاني. لقد أضعف العلم من قبضة الكنيسة على عقول الناس، الأمر الذي أدى في النهاية إلى مصادرة كثير من أملاك الإكليروس في بلاد كثيرة. صــ250

  • Digg
  • Del.icio.us
  • StumbleUpon
  • Reddit
  • RSS

تحرير المرأة (قاسم أمين)


الكتاب يعبر عن وجهة نظر صاحبه، وهو يعطينا صورة بسيطة من صور التمرد على الأوضاع التي كانت سائدة في ذلك العصر..

• كان من أثر الحكومات الإستبدادية أن الرجل في قوته أخذ يحتقر المرأة في ضعفها، وقد يكون من أسباب ذلك أن أول أثر يظهر في الأمة الحكومة بالإستبداد هو فساد الأخلاق.
• لا يزال الناس عندنا يعتقدون أن تربية المرأة وتعليمها غير واجبين، بل إنهم يتساءلون هل تعلُّم المرأة القراءة والكتاب مما يجوز شرعاً أو هو محرم بمقتضى الشريعة؟!
• في رأيي أن المرأة لا يمكنها ان تدير منزلها إلا بعد تحصيل مقدار معلوم من المعارف العقلية والأدبية.
• من عوامل الضعف في كل مجتمع إنساني أن يكون العدد العظيم من أفراده كلاً عليه لا عمل له فيما يحتاج إليه، وإن عمل كان الآلة الصماء أو الدابة العجماء لا يدري ما يُصدر منه.
• أودُّ أن كلَّ مصري يرى أن مسألة التربية عندنا هي أمُّ سائر المسائل، وأن كل مسألة غيرها مهما كانت أهميتها داخلة فيها.
• لستُ ممن يطلب المساواة بين المرأة والرجل في التعليم؛ فذلك غير ضروري، وإنما أطلب الآن-ولا أتردد في الطلب-أن توجد هذه المساواة في التعليم الإبتدائي على الأقل..
• إن الإنتقاب والتبرقع ليسا من المشروعات الإسلامية لا للتعبد ولا للأدب بل هما من العادات القديمة السابقة على الإسلام والباقية بعده..
• متى تهذب العقل ورقَ الشعور في الرجل؛ عرف أن حجاب المرأة إعدام لشخصها فلا تسمح له ذمتّه بعد ذلك أن يرتكب هذه الجريمة توسُّلاً إلى ما ظنه راحة بال واطمئنان قلب.
• متى تهذب العقل ورق الشعور في الزوج، وجد من نفسه أن لا سبيل إلى اطمئنان قلبه في عشرة امرأة جاهلة مهما كان الحائل بينها وبين الرجال.
• إن ارتقاء الأمم يحتاج إلى عوامل مختلفة متنوعة من أهمها ارتقاء المرأة، وإنحطاط الأمم ينشأ من عوامل مختلفة متنوعة أيضاً من أهمها انحطاط المرأة.
• ما دامت المرأة على ما هي عليه اليوم من الجهل فالزواج لا يكون - كما هو الآن - إلا شكلاً من الأشكال العديدة التي يستبد بها الرجل على المرأة.

===================================================
▬ سبق الشرع الإسلامي كل شريعة سواه في تقرير مساواة المرأة للرجل؛ فأعلن حريتها واستقلالها يوم كانت في حضيض الإنحطاط عند جميع الأمم، وخولها كل حقوق الإنسان، واعتبر لها كفاءة شرعية لا تنقص عن كفاءة الرجل في جميع الأحوال المدنية من بيع وشراء وهبة ووصية من غير أن يتوقف تصرفها على إن أبيها أو زوجها، وهذه المزايا التي لم تصل إلى إكتسابها حتى الآن بعض النساء الغربيات كلها تشهد على أن من أصول الشرعية السمحاء احترام المراة والتسوية بينها وبين الرجل، بل إن شريعتنا بالغت في الرفق بالمرأة؛ فوضعت عنها أحمال المعيشة، ولم تلزمها بالإشتراك في نفقة المنزل وتربية الأولاد خلافاً لبعض الشرائع الغربية التي سوت بين الرجل والمرأة في الواجبات فقط، وميزت الرجل في الحقوق. صــ16

▬ متى رأى الرجل إمرأته بهذه المنزلة من الجهل؛ بادر إلى نفسه احتقارها، واعتبرها من الأعدام التي لا أثر لها في شئونه، وهي متى رأته أهمل واغضى ضاق صدرها، وظنت أنه يظلمها، وبكت سوء حظها الذي ساقها رجل لا يقدِّر قدرها، ونبتت البغضاء في قلبها، ومن ثم تبتديء عيشة لا أظن أن الجحيم أشد نكالاً منها، عيشة يرى كل منهما فيها أن صاحبه هو العدو الذي حول بينه وبين السعادة. صــ36

▬ اليس من جهل الأم بقوانين الصحة أن تهمل ولدها من النظافة؛ فيعلوه الوسخ، وتتركه متشرداً في الطرق والأزقة يتمرغ في الأتربة كما تتمرغ صغار الحيوانات؟ أليس من جهلها أن تدعه كسلان يفر من العمل، ويضيع وقته - الذي هو رأس ماله - مضطجعاً أو نائماً أو لا هياً مع أن سن الطفولية لا يعرف الكسل؛ وهو سن النشاط والعمل والحركة؟ أليس من أثر جهلها أننا جميعاً مصابون بشلل في أعصابنا حتى صرنا لا نتأثر من شيء مهما بلغ في الحسن والقبح. فإذا رأينا عملاً جميلاً مدحناه من طرف اللسان، وإذا شاهدنا فعلاً قبيحاً استهجناه بهزِّ الرءوس، وظاهر من القول، بدون أن نشعر بإنبعاث باطني يقهرنا على الإندفاع إلى الأول، ولا على الإبتعاد على الثاني؟ أليس من جهلها أن تسلك في تأديب ولدها طريق الإخافة بالجن والعفاريت، وأن تاخذ من وسائل صيانته ووقايته من المُضرات تعليق التعاويذ والطواف به حول القبور وفي زوايا الأضرحة وغير ذلك مما لا يبالي به الجاهلون بأصول الدين وفضائل الأعمال وله من الأثر السيء في أنفس الناشئين بل وفي أرواح الرجال ما يجر إلى كل شير ويبعد عن كل خير؟ صــ54

▬ رسخ في أذهان الرجال أن تعليم المرأة وعفتها لا يجتمعان، وقال الأقدمون في ذلك أقوالاً طويلة، وحكايات غريبة، ونوادر سخيفة استدلوا بها على نقصان عقل المرأة واستعدادها للغش والحيلة، فلو تعلمت لم يزدها التعليم إلا براعة في الإحتيال والخدعة، واسترسالاً مع الشهوة. فحذونا مثالهم وأعتقدنا أن التعليم يزيد تفننها في المكر، ويعطيها سلاحاً جديداً تتقوى به طبيعتها الخبيثة على ارتكاب المفاسد. صــ62

▬ إن الغربيين قد غلوا في إباحة التكشف للنساء إلى درجة يصعب معها أن تتصوّن المرأة من التعرض لمثارات الشهوة، ولا ترضاه عاطفة الحياة، وقد تغالينا نحن في طلب التحجب والتحرج من ظهور النساء لأعين الرجال حتى صيَّرنا المرأة أداة من الأدوات، أو متاعاً من المقتنيات وحرمناها من كلَّ المزايا العقلية والأدبية التي أُعدت لها بمقتضى الفطرة الإنسانية، وبين هذين الطرفين وسط سنبينه - وهو الحجاب الشرعي - وهو الذي أدعو إليه. صــ70

▬ عجباً! لمَ لم تؤمر الرجال بالتبرقع وستر وجوههم عن النساء إذا خافوا عليهن؟ هل أُعتُبِرت عزيمة الرجل أضعف من عزيمة المرأة، وأُعتُبر الرجل أعجز من المرأة عن ضبط نفسه والحكم على هواه، وأُعتُبرت المرأة اقوى منه في كل ذلك حتى أُبيح للرجال أن يكشفوا وجوههم لأعين النساء مهما كان لهم من الحسن والجمال..صــ82

▬ رأيت في كتب الفقهاء أنهم يُعرِّفون الزواج بأنه:"عقد يملك به الرجل بضع المرأة"، وما وجدت فيها كلمة واحدة تشير إلى أن بين الزوج والزوجة شيئاً آخر غير التمتع بقضاء الشهوة الجسدانية، وكلها خالية عن الإشارة إلى الواجبات الأدبية التي هي أعظم ما يطلبه شخصان مهذبان كل منهما من الآخر..صــ147

▬ لا يُعذر رجل يتزوج أكثر من إمرأة، اللهم إلا في حالة الضرورة المطلقة؛ كأن أُصيبت امرأته الاولى بمرض مزمن لا يسمح لها بتأدية حقوق الزوجية. أقول ذلك ولا أحب أن يتزوج الرجل بإمرأة اخرى حتى في هذه الحالة وأمثالها؛ حيث لا ذنب للمرأة فيها. والمروءة تقضي أن يتحمَّل الرجل ما تُصاب به امراته من العلل، كما يري من الواجب أن تتحمل هي ما عساه كل مصاب به. وكذلك توجد حالة تسوِّغ للرجل أن يتزوج بثانية إما مع المحافظة على الأولى إذا رضيت، أو تسريحها إن شاءت؛ وهي ما إذا كانت عاقراً لا تلد؛ لأن كثيراً من الرجال لا يتحملون أن ينقطع النسل في عائلاتهم. أما في غير هذه الأحوال فلا أرى تعدد الزوجات إلا حيلة شرعية لقضاء شهوة بهيمية؛ وهو علامة تدل على فساد الأخلاق، واختلال الحواس، وشره في طلب اللذائذ. صــ164


▬ إن من الغفلة بل من أسباب الشقاء أن تكون شئوننا في حياتنا قائمة بعوائد لا نفهم أسبابها، ولا ندرك آثارها في أحوالنا بل إنما نتمسك بها، لأنها جاءت إلينا ممن سلفنا، وورثناها عمن تقدمنا، وذلك كل ما فيها من الحسن عندنا. مع أن هذا وحده لا يكفي لأن يكون سبباً في الأخذ بها، ولا في الثبات عليها، بل يجب أن نفهم أن لنا مصالح ولمن سبقنا مصالح، ولنا شئون ولهم شئون، ولنا حاجات لم تكن لهم، وكانت لهم حاجات ليست لنا اليوم، وذلك من البديهي الذي لا يختلف فيه اثنان. صــ199

  • Digg
  • Del.icio.us
  • StumbleUpon
  • Reddit
  • RSS

الغيبوبة العربية (نبيل راغب)


• كأن من الطبيعي أن يقع العقل العربي صريعاً في الهوة العميقة والواسعة بين الضغوط الواقعية المتصاعدة والمتزايدة وبين الحتميات الفكرية التي يستحيل الهروب منها.
• الثروة العقلية لأية أمة؛ بصرف النظر عن حجمها، تمثل عملية إستثمار لجميع أنواع الثروات المادية، والتي لا تتم إلا من خلال العقل البشري بصفته الوسيلة الوحيدة التي يوظفها الإنسان في هذه العملية الإسثمارية القومية.
• إن معركة العرب الحقيقية ليست مع الآخر، ولكنها أولاً وقبل أي شيء آخر، مع الغيبوبة التي تجعل المنطقة العربية سفينة بلا دفة ولا بوصلة.
• إنها معركة لابد من أن نخوضها لتحرير العقل العربي من سجنه المعتم الخانق..
• إنها معركة لا مفر منها لأنه بدونها لن يستعيد العقل العربي منطقه الغائب المغيب..
• إن الغيبوبة العلمية ليست مجرد غيبوبة عن التعليم والعلم والتكنولوجيا، بل هي في حقيقتها غيبوبة عن العصر والحياة والوجود نفسه.
• من الطبيعي أن تؤدي الغيبوبة الإعلامية إلى غيبوبة ثقافية، لأن الإعلام هو القناة الكبرى لتوصيل الثقافة.
• وعن الغيبوبة السياسية وغياب الوعي السياسي فحدث ولا حرج..
• الديمقراطية في جوهرها هي تربية أولاً وأخيراً، وليست مجرد ممارسة سياسية كما يتصورها كثيرون.
• إذا كانت الدول العربية قد تخلصت من الإستعمار التقليدي المباشر والتبعية السياسية، فإنها ما تزال تعاني من التبعية الإقتصادية، وهي الإستعمار المُقّنَّع الجديد الذي تزداد ضرواته وخبثه وتعقيده بمراحل على الإستعمار التقليدي المعروف..
• الأمن العربي مهدد تماماً سواء من ضغوط خارجية أو صراعات داخلية..
• نظراً للغيبوبة الإدارية المطبقة على المنطقة العربية، لم يعد العرب يملكون تصوراً للمستقبل وملامحه وإمكاناته.
• تحت وطأة الديكتاتورية والقهر، تتجلى صور النفاق والكذب والإدعاء والإنتهازية والتملق والتسلق والخداع والمراوغة والزئبقية والزيف وغيرها.
• من المعروف أن الإنسان الحر الحقيقي يسعد بأن يرى كل الناس أحراراً مثله، وفي مقدمتهم رفيقة عمره بطبيعة الحال، أما الإنسان الذليل المقهور فلا يتوانى عن إهتبال أية فرصة سانحة لممارسة الإذلال والقهر على أي باس تلقى به المقادير في طريقه.
• إن الصراع العربي/الإسرائيلي هو صراع كيف وليس صراع كم، ومن هنا كان عنصر المبادرة في يد إسرائيل في معظم الصراعات التي خاضتها مع العرب إبتداء من عام 1948 على وجه التحديد.
• تتجلى الغيبوبة العقلية العربية في أن معظم الدول العربية تصر على توجيه الطالب التعليمية التالية أو للداراسات والتخصصات المهنية في المدارس الثانوية والكليات الجامعية والمعاهد العليا بناء على المجموع الكلي للشهادات العامة.
• من الواضح أن هذه الغيبوبة العربية العقلية كانت نتيجة مباشرة لإهدار الثروة العقلية على مستوى المنطقة العربية بأسرها، بحيث دخل العقل العربي في متاهات شاسعة وكهوف معتمة، لا يعلم احد متى يخرج منها سوى الله عز وجل.
• لعل من أهم سمات الغيبوبة العقلية عند العربي أنه اعتاد أن يبرر كل خيبة أمل أو حتى كارثة تحيق به، بمؤامرات ضده من أطراف مباشرة معروفة أو غامضة مجهولة.
• لعل من أخطر سلبيات العقل العربي أنه اعتاد ألا يجهد صاحبه، ولذلك فهو يستكين للأقوال المعسولة والشعارات الطنانة في غيبوبة متكاسلة لذيذة.
• كثير من المفكرين والمثقفين العرب لا يطيقون أن ينتقدهم أحد، برغم أنه يفترض فيهم أن يكونوا أول المرحبين بالنقد وتصحيحه إذا كان مُخطئاً أو الإستفادة منه إذا كان في محلة..
• إن النقد هو جوهر الفكر، والمحك أو الإختبار الحقيقي لموضوعية العقل ويقظته.
• العقل بدون ممارسة للنقد، هو مجرد مخزن للمعلومات والمعارف التي تظل كما هي إلى أن يعفو عليها الزمن وتتحول إلى حفريات أو قوالب صماء على أحسن الفروض.
• إن معركة العرب الحقيقية ليست مع الآخر، ولكنها أولاً وقبل أي شيء آخر، مع الغيبوبة التي تجعل الأمة كلها سيارة بلا محرك.
• الغيبوبة العلمية هي الوجه الآخر للغيبوبة العقلية، لأنه إذا غاب العقل عن الإدارك الواعي السليم، فإن الإنسان يعجز بالتالي عن تحصيل العلم أو استيعاب المعرفة أو ممارسة التكنولوجيا، أي الشروط اللازمة لأي تقدم حضاري وإزدهار ثقافي.
• المدرس الجيد، طبقاً للمفهوم العربي الشائع والراسخ، هو الذي يحضر درسه تحضيراً جيداً ويهضمه ويرتبه ويقدمه للتلميذ بطريقة واضحة سهلة وكأنه يحفظه إياه حتى لا يُبذل التلميذ أي جهد بعد ذلك. هذا هو التعريف العربي للمدرس الجيد حتى اليوم.
• إنها المدرسة التي تُخرِّج في أغلب الأحيان الموظف المطيع الروتيني الذي لا يجدد ولا يبتكر ولا يتعاون ولا يتفاهم ولا يتحمل المسئولية، وإنما يحافظ على التقاليد المتبعة ويحتمي بها في مواجهة أبسط المسئوليات.
• الثورات السياسية والإنقلابات العسكرية التي كانت بمثابة نكسات ونكبات متلاحقة اصابت المنطقة العربية في الصميم..
• وبصرف النظر عن أنظمة الحكم الرأسمالية أو الإشتراكية، فإن نجاح هذه أو فشل تلك، يتمثل في علوم الإدارة الحديثة ومدى الإستفادة العملية في مجال تطبيقاتها.
• لقد أدركت اليابان أن الإنسان هو الثورة القومية الحقيقية في نظر الثورة العلمية المعاصرة، وأن عقله هو خير مطور ومستثمر لهذه الثورة، وأن سلاحه في هذا الإستثمار هو أحدث ما بلغله العلم التكنولوجيا.
• إن هجرة العقول تعد من أخطر القضايا التي تواجه عملية البناء الحضاري في المنطقة العربية.
• العرب لا يقدرون العلماء إلا بالكلمات المعسولة، لكنهم لا يهتمون كثيراً بمستوى المعيشة اللائق بهم. ومن الصعب بل ومن المستحيل أن يواصل العالِم إنتاجه بل وإبداعه في حين أن ضرورات الحياة اليومية تستهلك أكبر قدر ممكن من جهده وفكره..
• لا يتبقى في المنطقة العربية سوى كائنات غريبة تتحرك على غير هدى وتواصل الوجود برغم أنها أتت من عصر انقرض.
• إن علاقة العرب بالتكنولوجيا علاقة شائكة وحرجة للغاية، خاصة في زمن تتطور فيه التكنولوجيا بسرعة قياسية لم يعرفها أي عصر من قبل.
• إذا كانت العبودية بكل أشكالها التاريخية القديمة قد اندثرت مع ثورات التحرير عبرا لعصور، فإن هذا العصر الإلكتروني ينذر بأنواع أخطر وأكثر تعقيداً من العبودية التقليدية، وفي مقدمتها العبودية التكنولوجية.
• إن شر البلية ما يضحك عندما ندرك أن العرب صدروا إلى خارج منطقتهم علماء من طراز أحمد زويل وفاروق الباز ومجدي يعقوب. وغيرهم ليستوردوا في الوقت نفسه تكنولوجيا قد لا يلائم خصوصيتهم  الأقليمية والثقافية.
• إن معظم كليات ومعاهد العلوم تركز على تدريس العلم في حد ذاته بحيث يغلب الجانب النظري على الجانب العملي، مما يعزلها عن التكنولوجيا التي تدرس بدورها في معاهد خاصة.
• لا يزال العرب يظنون أو يعتقدون أن المثقف هو مجرد جامع أكبر قدر ممكن من المعلومات، وهذا ليس بالشيء الغريب على بشر لا يزال بعضهم يعتقد أن التكنولوجيا هي المهارة اليدوية التقليدية كما كان الإعتقاد السائد في العصور السالفة.
• إن الإعلام المتحضر الناضج يتجاوز عملية الإختيار بين الأبيض والأسود لأن بينهما درجات من الألوان والظلال لا حصر لها، ومتداخلة فيما بينها بحيث تحتاج إلى رؤية علمية وعقلانية وموضوعية لتحديد المسارات التي يمكن أن تؤدي إلى تحقيق أهداف.
• بالرغم أن فضيحة الإعلام العربي في حرب يونيو 1967 كانت مدوية، إلا أن الصدأ الإعلامي ظل على ما هو عليه، كأن الدروس المستفادة لم تكن.
• إنه وبلا جدال فإن الإعلام الأمريكي أصبح الرائد الذي لا يشق له غبار في مجالات التضليل الإعلامي سوا للشعب الأمريكي على وجه الخصوص أو الشعوب الأخرى على وجه العموم.
• أصبح العرب في حاجة ملحة لما يمكن تسميته بثورة ثقافية حقيقية، وهو حلم يبدو بعيد المنال، لأن مفهوم العرب للثورة لم يتعد الإنقلابات العسكرية التي مزقت المنطقة العربية والتي أطلق عليها مصطلح "الثورة" في حين أنها لا تمت إليه بأدنى صلة.
• إن معظم إشكاليات وتخبطات وتناقضات المثقفين العرب ترجع في الأساس إلى الإختلاف حول المصطلحات والمفاهيم بحيث تختلف معانيها أو دلالاتها من جماعة إلى أخرى، بل ومن فرد إلى آخر، سواء بشكل واع أو لا واعٍ.
• المثقف هو الذي ينشيء المفاهيم والنظريات والمداخل التي من خلالها يتمثل الواقع أو الخلفية التي برزت فيه الأزمة، والتي تنتقل إلى الذهن بصورة مجردة وبالتالي يمكن التعامل الموضوعي المتسق معها على هذا الأساس.
• إن هؤلاء العرب المستغربين الكارهين للغرب يشنون على الغرب حملة شعواء على المستوى الثقافي والعلمي نتيجة لدوافع سياسية في المقام الأول وليست لها علاقة بالمستويات الثقافية والعلمية.
• ان المشكلة المزمنة في المنطقة العربية مشكلة تعليلمية وعلمية وثقافية بالدرجة الأولى.
• إن الغيبوبة الحضارية أصبحت من الأمراض المزمنة التي يعاني منها العقل العربي، بدليل أنها تعاوده من عصر لآخر بحيث تبدو فترات الصحوة أو اليقظة ومضات عابرة لا تلبث أن تنطفيء.
• إنه من أجهل الجهل وأخطأ الخطأ أن يُقال إن هذه الحضارة (الغربية) المادية قد صدرت عن المادة الخالصة. إنها نتيجة العقل. إنها نتيجة الخيال. إنها نتيجة الروح. (طه حسين - كتاب مستقبل الثقافة في مصر).
• سواء أكانت الغيبوبة العربية سياسية أم اقتصادية أم أمنية أم إعلامية أم علمية أن تكنولوجية أم قومية أم مستقبلية، فكلها تصب في النهاية في مجرى الغيبوبة الحضارية التي تغرق المنطقة بين طياتها.
• إستيعاب التاريخ ليس مجرد معرفة واستذكار أحداثه ومواقفه ومراحله، ولكنه الوعي بقوانينه وفي مقدمتها قانون السبب والنتيجة.
• لقد ثَبُتَ لعلماء الحضارة وكبار المؤرخين أنه لا يوجد عبر التاريخ بما يسميه صامويل هانتنجتون "صدام الحضارات"، لأن العلاقة بين الحضارات كانت دائماً علاقة تقبل واستيعاب وهضم...
• العقلية العربية تعشق النمطية والتوحد والتماثل والطاعة العمياء وروح القطيع على كل المستويات التعليمية والثقافية والفكرية والسياسية والإجتماعية والأخلاقية والإدارية والإعلامية، برغم تشدق العرب بحكمة المثل العربي الشهر:" الإختلاف لا يفسد للود قضية".
• كل شعوب العالم تعيش حاضرها وتكافح من أجله،  إلا الشعوب العربية التي تعيش حاضرها بأحلام ماضيها..
• من الخطأ الشائع أن يميل الكُتَّاب والمفكرون والمثقفون إلى تصوير المواطنين على أنهم ضحايا السلطة، وكأنهم قطيع يتحرك ويسلك طبقاً للإرشادات الواردة من عصا الراعي.
• لقد حل القرن الحادي والعشرون ولا يزال العرب يستمعون إلى الشعراء الذين يتشنجون ويصيحون بقصائد الفخر والحماسة وجنون العظمة وأوهام الغرور وأكاذيب الرضى عن النفس...
• العرب لا يحاولون دراسة الطرف الآخر وفهمه على حقيقته، بل يهرعون دائماً إلى رسم صورة له على هواهم، ثم يتعاملون معه بناء على هذه الصورة المفتعلة أو الوهمية فتطيش سهامهم.
• إن من أخطر العقبات والعوائق التي تقف بالمرصاد لأية محاولة للإصلاح، الفجوة أو الهوة الواسعة والعميقة التي تفصل بين النخب السياسية والوقاعد أو القوى الشعبية.
• إن مشكلات المنطقة العربية عويصة، ومزمنة، ومع ذلك لم يحدث أن وضع حزب برنامجاً ضخماً لحل إحداها والتخلص منها.
• إن الشهادة الجامعية أصبحت من مستلزمات الوجاهة الإجتماعية، وليست أسلحة الدراية العلمية وأدوات الخبرة العملية.
• إن الإصلاح السياسي بكل أنواعه يبدأ بالإنتقال من المجال النظري المريح إلى الميدان العملي المرهق، فالأمم لا تُبنى بالأقوال لأنها تنهض على الإنتاج في شتى المجالات.
• إن المنطقة العربية تُعاني من ثغرات خطيرة تتمثل في نقص الحريات السياسية، وهزال القدارات والمعلومات والمعرفة، وغياب المرأة المساهمة في بناء مجتمعها...إلخ.
• إنهم (العرب) اعتادوا أن يضعوا الخنجر المسموم في يد عدوهم ثم يستديرون ليطعنهم في ظهرهم لأسباب لا يمكن تبريرها إلا بالغيبوبة التي طمست عقولهم وقلوبهم لدرجة أنهم فقدوا القدرة على التميز بين تدمير أعدائهم وتدمير أنفسهم.
• من الواضح أن قضية التعليم كبنية أساسية وضرورية لإقامة النظام الديمقراطي الصحيح عليها، كانت هي بيت الداء الذي أدى إلى كل أنواع الغيبوبة الديمقراطية المستمرة حتى الآن.
• إن جوهر الديمقراطية يتبلور على حقيقته الناصعة عندما تصبح الدولة تعبيراً عن إرادة المواطنين، ولذلك توفر لهم المجتمع السياسي الذي يتيح لهم فرصة المشاركة بالفكر والفعل في بنائه وترسيخه وتطويره.
• تتجلى محنة المواطن العربي في معظم الدول العربية في أنه مطالب بتأدية ما عليه من واجبات، وإذا تقاعس عنها فالعقاب في إنتظاره، أما حقه في الحصول على مقابل لهذه الواجبات فمؤجل دائماً، حتى لو سعى في سبيل ذلك.
• إن الحضارة هي التي تصنع الثروة، وليست الثروة هي التي تصنع الحضارة، ولذلك فإن أغنياء الصدفة أو الثروة القدرية يأخذون من الحضارة مظاهرها البراقة الخادعة التي تزول بمجرد زوال الثروة.
• إن ما يفعله قادة العرب اليوم شبيه بما فعله ملوك الطوائف في الأندلس بالأمس، في حين تتربص بهم إسرائيل في يقظة لا تعرف الغفلة لحظة واحدة.
• إن تخلف الأغنياء كارثة، هم أول من سيدفع ثمنها، أما تخلف الفقراء فيمكن أن يكون حافزاً لهم على التخلص من الفقر.
• الغيبوبة الإقتصادية أدت بالعرب إلى إدمان الإعتماد على الغير، فلم يدركوا لذة الكفاح على كل الجبهات من أجل الإزدهار الإقتصادي، طالما أن باطن الأرض لا يتوقف عن التدفق عليهم بثرواته.
• لقد أصبحت قدرة العرب على المواجهة بالجيوش شبه معدومة منذ الربع الأخير من القرن العشرين، حين تقدمت التكنولوجيا العسكرية إلى آفاق لم تكن في الحسبان.
• تدل تجارب الشعوب في التاريخ على أن النجاح العلمي والإقتصادي في شتى مجالات الإنتاج والإستثمار هو الركيزة الأساسية للوصول إلى الثقة بالنفس وبالتالي الثقة بالهوية الجماعية.
• إن الغيبوبة القومية العربية هي التي جعلت الجامعة العربية مجرد مبنى وإجتماعات وقرارات لا تنفذ، وبيانات ليس لها أي صدى على المستوى المحلي والعالمي..
• لقد أثبتت التجارب العلمية والسياسية والإقتصادية والفكرية والثقافية والحضارية التي مر بها البشر في العصور الحديثة، أن الإدارة كعلم وفن ومنهج وتقنية تشكل منظومة أيديولوجية وحضارية شاملة قادرة على استيعاب كل طموحات وأفكار وخطوات الإنسان بصفة فردية والمجتمع بصفة عامة.
• الإدارة في معناها الجوهري هي إعمال العقل في تسيير دفة الأمور، وعندما تتوقف عن القيام بهذا الدور الضروري والمصيري والحضاري، خاصة إذا كانت على مستوى القمة السياسية، فإن الأمة كلها تصبح بلا عقل ويمكن حينئذ أن تقع أية كارثة أو نكبة.
• تصل الغيبوبة النسوية إلى ذروتها عندما تسلم المرأة بهذه المفاهيم (أي التي تروج لها الشعوب العربية المتخلفة) دون مناقشتها أو تحليلها أو الرجوع إلى أصولها وأسبابها. والمرأة بهذا النمط المغيب والسلبي لا يمكن أن نتوقع منها أية مشاركة في الحياة السياسية.
• لقد آن الأوان لكي يدرك العرب أنهم فشلوا في امتلاك ماضيهم كما فشلوا في امتلاك حاضر الآخرين، لأن التخلف والتقدم لا يقاسان بما يملكونه من أدوات قديمة أو حديثة، وإنما يقاسان بإمتلاك المعارف والمواهب التي أنتجت هذه الأدوات، أي بإمتلاك روح الخلق والإبتكار.
• لم يتوقف الحراك اليهودي عبر التاريخ، إذ كان ينتقل من مرحلة إلى أخرى، وكأن هناك استراتيجية خفية تحكمه، لأنه كان أبعد ما يكون عن أية عوامل عفوية أو تلقائية.

====================================================
▬ لقد تكالبت على العقل العربي سلبيات ثقافية وحضارية وإعلامية وعلمية وسياسية واقتصادية وأمنية وإدارية وأخلاقية وقومية، شكلت منظومة مدمرة لمعظم طاقاته، ففقد القدرة على التحليل الموضوعي، والتفكير المنطقي، والمنظور النقدي، والإستيعاب المتأني، وأصبح نهباً للإنفعال الطائش، والتعصب الأعمى، والأفق الضيق، والطاعة العمياء، والوعي الزائف، وغير ذلك من السلبيات والتناقضات التي تجعل المجتمع بمثابة خلية من الشخصيات التي يتسم فكرها وسلوكها بالخضوع والخنوع والعجز والسلبية والخوف والتردد والإنسحاب والكذب والنفاق والرياء والتواكل والتكاسل وعدم الثقة في النفس أو القدر على إتخاذ القرار وسهولة الإنقياد، خاصة في مواجهة المسئول الكبير القوي. أما في مواجهة الأضعف أو الأقل في الدرجة الوظيفية أو الطبقة الإجتماعية، فهي كتلة من التحجر والتصلب والتسلط بل والبطش إذا سنحت الفرصة. صــ14

▬ إن معركة العرب الحقيقية ليست مع الآخر، ولكنها أولاً وقبل أي شيء آخر، مع الغيبوبة العقلية التي تجعل المنطقة العربية سفينة بلا دفة ولا بوصلة، إنها معركة مصيرية مع العدو الخبيث المراوغ القابع في أعماقنا، مع العقل الذي فقد الإتجاه والرؤية والمنطق، وقادنا إلى السراب والوهم والضياع، فأصبحنا في عيون العالم مجرد مخلوقات غريبة تسير على غير هدى، تتراوح صرخاتها بين جنون الإضطهاد وجنون العظمة. إنها معركة لابد أن نخضوها لتحرير العقل العربي من سجنه المعتم الخانق، وتؤسس لأجهزة التربية والتعليم دورها التنويري والحضاري المنشود، وتعيد للفكر والفن والسياسة والإقتصاد والإجتماع والإعلام وغيرها من مجالات الحياة المعاصرة أدواراً ومسئوليات أصبحت ضائعة، ومتميعة، ومبعثرة، وشائهة، بحيث صرفت نظر الدارسين أو المحللين العرب عن أن يبلوروا ملامحها الهلامية يأساً من صعوبة المهمة التي تبدو مستحيلة في حالات كثيرة. ومع ذلك فهي معركة لا مفر منها لأنه بدونها لن يستعيد العقل العربي منطقه الغائب المغيب. صــ19

▬ لا يزال العرب يعانون من لبس أو خلط شديد بين مفهوم الحضارة ومفهوم الثقافة، وتضاعف هذا الخلط مع إنتشار تيارات العولمة التي إستخدمتها القوى العظمى في فرض ثقافتها على العصر بإعتبارها الثقافة العالمية السائدة، وبالتالي في مواكبة أو متجانسة مع عالمية الحضارة المعاصرة، خاصة في إطار أكذوبة صدام أو صراع الحضارات التي نادى بها المفكر الأمريكي صامويل هانتنجتون في كتابه الشهير الذي يحمل نفس الإسم. وهي أكذوبة لأنه لا توجد سوى حضارة إنسانية واحدة، قد تُسمى بالحضارة الغربية أو العلمية أو التكنولوجية أو الإلكترونية أو الرقمية أو أي إسم آخر، لكنها في النهاية حضارة واحدة ملك البشر جميعاً...صــ22

▬ كانت الغيبوبة النسوية نتيجة للغيبوبة الديمقراطية لأنه تحت وطأة الطغيان والبطش والديكتاتورية، يتساوى الرجل مع المرأة في تجرع كؤوس الذل والهوان. لكن نظراً لأن المجتمع يعتبر ممارسة الرجل لحق السيادة أو السطوة على المرأة أمراً بدهياً لا يحتاج إلى تأكيد أو جدل، فإنه يحرص عليه ولا يفرط فيه أبداً لأنه يمنحه تعويضاً مجانياً عن الذي الذي يواجهه خارج المنزل. وخاصة أن المرأة في معظم الأحيان لا تملك السلاح أو القدرة التي تحافظ بها على كيانها وكرامتها في مواجهته. صــ26

▬ تتجلى الغيبوبة العقلية العربية في أن معظم الدول العربية تصر على توجيه الطالب التعليمية التالية أو للداراسات والتخصصات المهنية في المدارس الثانوية والكليات الجامعية والمعاهد العليا بناء على المجموع الكلي للشهادات العامة. وهذا أسلوب متخلف وضيق الأفق وغير تربوي إذ أثبتت الأبحاث العلمية فشله وعجزه عن تحديد مسارات التفوق التي يمكن أن تصل إلى مستوى العبقرية، وذلك بالإضافة إلى تسببه في تبديد عائد تكلفة العملية التعليمية التي تعد عملية استثمارية قومية وحضارية من الطراز الأول، وليست مجرد حشو العقول بمعارف ومعلومات قد تكون منفصلة تماماً عن الوظيفة التي يؤيدها حاملها في حياته العملية. ذلك أن المواهب والميول هي المؤشرات التي تحدد للفرد طبيعة المجالات العامة والخاصة التي يحبها والتي قد تكون خافية عليه شخصياً نتيجة للضغوط الإجتماعية التي تشوش عقله وفكره، خاصة عندما تصل الغيبوبة العقلية قيمتها بربط الشهادة العلمية أو الجامعية بالطبقة الإجتماعية التي يحلم صاحبها بالإنتماء إليها، أي أنها في حقيقتها شهادة جدارة إجتماعية أكثر منها شهادة جدارة علمية. صــ35

▬ يجب أن تتعلم الشعوب العربية أن الحكومات لا تملك خاتم سليمان أو مصباح علاء الدين، ولو لجأ إليها العلماء والمفكرون والمثقفون لإنجاز مهمتهم الحضارية، فسوف يضلون الطريق في دهاليز البيروقراطية، وقد يعجزون عن الخروج منها، ذلك أن البيروقراطية هي في جوهرها مجرد تعويق وتعجيز. والشعوب والمجتمعات المدنية والجمعيات الأهلية هي التي تصنع النهضة وليست الحكومات التي تنهض أبنيتها على الموظفين البيروقراطيين، والتي تتغير وتتبدل لأنها مجرد أدوات في أدي الشعوب التي تخرجها من السلطة إذا وجدتها عاجزة عن تلبية احتياجاتها. صــ51

▬ يبدو أن الغيبوبة التي أصابت العقل العربي بضيق الأفق، قد عودته على النظرة الجزئية للأشياء، أي أنه أصبح عاجزاً عن ممارسة "نظرة الطائرة"، وهي النظرة أو الرؤية التي تجعل الطائر يرى تفصيلات الأشياء في مجملها من أعلى الشجرة، بحيث يستطيع أن يختار الجزء المناسب لما يريد، وينقض عليه ليقتنصه في المكان والوقت المناسبين. أما العقل العربي فمحروم من هذه الرؤية الشاملة التي تمكنه من استيعاب الموقف في كليته، سواء على مستوى المكان أو الزمن، لأنه يبدأ بالجزء ثم يدور في فلكه لأنه لا يدرك سواه.. صــ73

▬ إن تربية العقل النقدي ليست سهلة وفي حاجة إلى جهد كبير ووقت طويل على مستويات عديدة، لكنها ضرورة حتمية لا مهرب منها حتى يستطيع العرب أن ينضموا إلى عصرهم بدلاً من الحياة الباهتة على هامشه، وأن يصبحوا قوة لها وزنها في الحسابات الإستراتيجية الدولية. فهذا العقل النقدي ليس أسير اللحظة الراهنة مثل العقل التبريري، لأن خلفيته الفكرية والثقافية تسلحه بالرؤية التاريخية التي تضع الواقع الراهن في مساره الصحيح، وبالموضوعية في رصد الحقائق والمواقف والأحداث، وبالقدرة على استخلاص الدلالات وتلمس التوقعات والإحتمالات التي قد ينطوي عليها المستقبل، وإدارك العلاقات الجدلية والتفاعلات الجارية بين الأسباب والنتائج، بين الوسائل والغايات، بين الوثابت والمتغيرات، بين الدوافع والظواهر. إنه عقل يعتمد أساساً على التحليل ثم التركيب والتأليف بهدف الإبتكار، ويرفض أية منظومات فكرية تنهض على المحاكاة أو التلفيق أو التبعية. صــ77

▬ وما جرى لألمانيا وفرنسا وغيرهما من الدول الأخرى، هو قاعدة حضارية وفكرية قابلة للتكرار إذا ما توافرت لها الظروف. وقد قننها المؤرخ البريطاني أرنولد توينبي، في كتابه الموسوعي الشهير "دراسة للتاريخ"، وفي نظرية عرفت بإسم نظرية "التحدي الحضاري"، أثبتت فيها أن كل التحولات الحضارية والفكرية التي مرت بالبشرية كانت نتيجة لتحديات غير عادية، كان عليها أن تواجهها وتقهرها ثم تتجاوزها إلى آفاق  عصور جديدة. ولم تكن نتيجة للرخاء أو الثراء أو الرفاهية الغامرة التي يمكن أن تؤدي إلى التراخي والتكاسل والدعة، ومما يؤدي إلى نتاج قد تكون سلبية أو حتى مدمرة. ولذلك كانت أهم النظريات والأفكار، والدراسات السياسية والإجتماعية، والمدارس الفكرية والفنية والأدبية، تجليات جديدة انصهرت في بوتقة المحنة القومية التي فتحت أذهان المفكرين والمثقفين والفنانين على حقائق مذهلة، وجعلتهم يتساءلون عن جدوى العقل السائد الذي قادهم إلى المحنة. صــ79

▬ هذا الواقع العربي البائس، أفرزته غيبوبة عقلية مسحورة، عمياء، لا بصر لها ولا بصيرة، تلفيقية لا تنطوي على أي اتساق منطقي، ترى ما تود أن تراه، وليس ما يتجلى للعيان، وتبصره الأبصاء، وتدرك كنهه البصائر. إنها عقلية ليس لها مثيل في التاريخ المعاصر في إصرارها على تجاهل الفساد، والتخلف، والجهل، والأمية، والتسلط، وغياب المجتمع المدني، والتبعية، وحاجتنا الماسة إلى الغرب، وإعتمادنا الكلي عليه. نتجاهل كل هذا بمنتهى البساطة، ونطلب من الآخرين العون كل صباح، لنشتمهم في المساء والسهرة، ونحن نظن أننا نخدعهم ونستهين بذكائهم على سبيل الإستمرار في أوهامنا التي أدمناها. إنها مفارقة كريهة وليدة هذه العقلية المريضة القادرة على طمس معالم الواقع وإنكاره كأنه غير موجود لنفسح مكانه لأوهامنا التي تزين لنا أننا أنداد للآخر لدرجة تحديه والإختلاف معه برغم تبعيتنا الفعلية له في معظم مناحي حياتنا. صــ84

▬ لقد أصبح العرب أهل الكهف الجدد وهم يتفرجون على ما يجري في الدنيا من تغيرات وتحولات مذهلة، خاصة في مجالات العلوم والتكنوجيا الحديثة، دون أن يكونوا شركاء في إنتاجها، أو حتى مجرد جزء من البيئة التي اندلعت فيها هذه الثورة العلمية. ولكي يغري العرب أنفسهم كعادتهم، فإنهم أكثروا الحديث عن توطين التكنولوجيا الحديثة في المنطقة العربية، لكن مفهومهم لهذا التوطين اقتصر على أن هذا التطور العلمي المذهل ليس سوى "صيغة" أو "صفة" لا تحتاج منهم إلا أن ينسخوها من أصحابها، ثم يعودوا بهذه النسخة إلى بلادهم لتطبيقها. وهكذا بهذه البساطة الساذجة، يتصورون أو يتوهمون في غيبوبتهم أنهم أصبحوا جزءاً من العالم المنطلق علمياً وتكنولوجياً إلى آفاق عصر جديد وختلف تماماً عما سبقه. صــ93

▬ كأن العرب ألعوبة أو كرة تحاول كل قوة اقتناصها من الأخرى في ملعب السياسة الدولية، مما منحهم وهماً كاذباً بأهمية متزايدة لوزنهم السياسي والإقتصادي الذي تتكالب عليه القوتان، ولم يدركوا أنهم كانوا مجرد أدوات أو وسائل لأهداف استراتيجية خفية لا تخطر لهم ببال. وكعادتهم تابعوا السباق بين القوتين كمتفرجين بين شد من هذه وجذب من تلك، مما صور لهم أنهم لاعبون مشاركون في المباراة في حين أن دورهم لم يتعد دور الكرة التي تتبادلها أقدام الفريقين الكبيرين. صــ99

▬ لم تدرك الدول العربية - كعادتها في غيبوبتها المزمنة - أبعاد الثورة العلمية التي يخوضها العالم المتحضر الآن، لأن مفهومها عن الثورة مازال محصوراً في إطار الإنقلابات والشعارات والهتافات والتشنجات والصراعات العقيمة التي تنحدر بها إلى هاوية لا قرار لها. إن عالم اليوم يعيش عصر الثورة العلمية، وثوار اليوم هم العلماء في معاملهم، والخبراء في مراكز أبحاثهم، والاساتذة في قاعات محاضراتهم، والمؤلفون في كتبهم ودراساتهم، والفنانون والأدباء في إبدعاتهم، والمفكرون والنقاد والمثقفون الذين يطورون عقل أمتهم بالفكر والفن والثقافة. صــ101

▬ أما الكفاح السياسي العربي فقد اقتصر على إجترار الماضي والتغني بأمجاده، والإشادة بإنجازات السلطة التاريخية في أجهزة الإعلام الحكومية، وإيراد الحجج الدامغة والبراهين الساطعة التي لا يجرؤ أحد على دحضها لتأكيد صحة توجه هذا البلد أو ذاك، وكأن تقدمنا العلمي والحضاري كلام في كلام دون بادرة مبشرة بعمل إيجابي حاسم. وهي كلها قضايا وهمية يمكن أن يصل الخلاف حولها إلى آفاق قد لا يمكن التنبؤ بها، مما يبرر وجود الحسم السلطوي الديكتاتوري الذي يوقف تطور الخلاف عند حد معين. صــ106

▬ إن إنتشار روح الخرافات والخزعبلات والدجل والشعوذة في المجتمع كفيل بأنه يجعل مركز العلماء والمفكرين حرجاً للغاية ومحبطاً لهم، إذ يشعرون أن وجودهم نشاز في مواجهة النغمة العامة التي يعزفها المجتمع المتخلف الذي تساعد أجهزته الإعلامية على ارتفاع نغمة الخرافات والخزعبلات بلا حرج أو حساسية أو خجل. فكثيراً ما نسمع أو نقرأ عن الأرواح التي تحطم أثاث الشقق المغلقة لسفر ساكنيها، والأشباح التي تطير في الخفاء وتفعل الأعاجيب، والعفاريت التي تأتي من الماضي السحيق لكي تظهر سرها الباتع في الحاضر. وإذا كان العالم المتحضر يصدر كتباً عن هذه الموضوعات، فذلك من باب التسلية والطرافة والإثارة لأن كيانه الحضاري ينهض أساساً على منهج علمي عقلي راسخ. صــ113

▬ لقد بلغت بنا العتاهة حداً جعلنا نطلق على بعض الكليات مصطلح "كليات القمة" مثل الطب والهندسة والصيدلة والإعلام لمجرد ارتباطها بالقيمة الطبقية أو الإجتماعية التي تضيفها على خريجيها. وهذا المصطلح يعني ضمنياً أن هناك معاهد أو "كليات القاع" مثل العلوم والزراعة والتكنولوجيا والحقوق والآداب!! وهي مصطلحات تتناقلها أجهزة الإعلام والصحافة العربية كما لو كانت من حقائق العصر، إذ حتى العلم أصبح رهين الوجاهة الإجتماعية والمظاهر الكاذبة!!. صــ128

▬ إن التقدم في العلم والتكنولوجيا لا يتحقق بمجرد إنشاء مؤسسات للتعليم أو مراكز للبحث العلمي أو إرسال بعثات إلى الخارج، وإنما يزدهر العلم والتفكير العلمي والإنجاز التكنولوجي في مناخ من الحرية: حرية البحث، وحرية تبادل الأفكار والخبرات والتجارب، ودراسة المشكلات في مراكز البحث العلمي بغير قيود، وتوفير الإمكانات والإحتياجات الضرورية للمنظومة العلمية والتكنولوجية بمختلف فروعها، وإتاحة الإستقرار المادي للعاملين فيها، والحرص على إستقلال مؤسسات هذه المنظومة من خلال إستيعاب علوم العصر والإستفادة من العملية منها في تطبيقاتها على الواقع. فلم تعد المعرفة عي القدرة على التخزين، بل هي القدرة على الوصول إلى المعلومات المجمعة وإستخراج المطلوب منها، تليها مرحلة التدريب على الفهم ثم التحليل فالشرح. صــ132

▬ لم يعد أمام العرب سوى أن يختاروا بين خيارين لا ثالث لهما، بين اليقظة والغيبوبة، بين التقدم والتخلف، بين العلم والجهل، بين التعلم والأمية، بين المصداقية والخداع، بين الإنطلاق والتراخي، بين التخطيط والعشوائية، بن التوكل والتواكل، بين الصراحة والمراواغة، بين كل السلبيات التي اعتادوها وأدمنوها والإيجابيات التي تؤكد دائماً أنه في النهاية لا يصح إلا الصحيح. صــ136

▬ بالرغم أن الإعلام يمثل ذروة اليقظة العقلية والفكرية والثقافية، سواء على المجتمع أو الفرد، وهي يقظة قد تكون مقصورة على القائمين عليه أو الموجهين له، أو على المثقفين الواعين بمعطيات العصر، إلا أن الإعلام العربي بصفة عامة يشكل استثناء من هذه القاعدة، لأن الغيبوبة التي يعاني منها وتمسك بخناقه، لا تقتصر على عامة المتلقين من ذوي الثقافة الضحلة أو المعرفة العابرة، بل تمتد لتفرض نفسها على أداء القائمين عليه والموجهين له ونظراتهم التي فقدت اتساقها تجاه مجريات الأمور، سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي، خاصة في عصر العولمه الذي انقلبت فيه القيم والمعايير التقليدية رأساً على عقب، والذي أصبحت فيه المعلومات بمثابة الأسلحة أو المفاتيح الكفيلة بفض مغاليقه وأسراره، والتي لم تعد مجرد مواد أو عناصر أو أفكار أو آراء يتم تخيزنها، بل أصبح من أهم شروطها أن تتحول إلى منظومة حية ومتفاعلة من الأفكار والرؤى والمناهج الكفيلة بتغيير الواقع والإنطلاق إلى آفاق المستقبل. صــ137

▬ على الرغم من انتشار الفضائيات العربية التي تبث برامجها على أعلى مستوى تكنولوجي حديث، فإن الغيبوبة الإعلامية، المعتادة أو المصطنعة، لا تزال تسيطر على توجهات هذه البرامج بأساليب مبتكرة من النفاق والخداع وشغل الرأي العام العربي بعيداً عن السلبيات التي تعتور أنظمة الحكم في بلد المنشأ. فإن كان دور قناة "الجزيرة" أو "العربية" أو حتى صحيفة "الشرق الأوسط" أو غيرها هو مراقبة أداء الحكومة الأمريكية، فيمكن بالتالي اعتبارها سلطة رابعة في المفهوم الأمريكي، وتصبح بهذا قناة أمريكية تمارس سلطتها على الحكومة الأمريكية، ولا علاقة لها بالحكومة القطرية. لكنها يمكن أن تصبح قناة قطرية إذا غطت لجمهورها أي شيء عن قطر، أو أن توضح لهذا الجمهور المغيب عربياً أن كل شيء على ما يرام في قطر، وليس هناك ما يستدعي التغطية. لكن هناك شيئاً قبعاً على أرض قطر كأنه الهرم الأكبر أو الشمس التي لا يمكن أن يتجاهلها أحد، ومع ذلك لا يرد ذكره على الإطلاق في قناة "الجزيرة" أو أية صيحفة قطرية، وكأنه لا يمثل أخطر بؤرة للأحداث في منطقة الشرق الأوسط ومنطلقاً لتغيير خريطته. هذا الشيء الغامض والمهول هو قاعدة "العديد" التي يقع فيها مقر القيادة المركزية الأمريكية، والتي شنت منها الحرب على العراق. ولم يحدث أن ألمحت إليه قناة "الجزيرة" ولو مجرد تلميح، برغم أنها تهتم بالشئون الأمريكية اهتماماً بالغاً، وهو شأن أمريكي لا يمكن تجاهله. صــ151 : 152

▬ لقد أصبح العقل البشري هو ساحة المعركة الرئيسية التي تتصارع القوى الكبرى على إحتلالها. وغني عن الذكر أن العقل العربي بالذات يشكل هدفاً استراتيجياً للقوى الطامعة في ثورات المنطقة العربية وموقعها في قلب العالم، وربما كان الغزو الأمريكي البريطاني للعراق هو مجرد مقدمة أو افتتاحية لتغييرات جذرية تعيد رسم خريطتها من جديد. ففي عام 1996 صرح جون دويتش رئيس المخابرات المركزية الأمريكية في ذلك الوقت قائلاً: "إن الإلكترون أصبح السلاح المثالي لإصابة الأهداف بدقة مذهلة، نظراً للكيفية التي تستخدم بها المعلومات والإتصالات لكسب المعارك العسكرية فضلاً عن السياسية والحضارية، حتى أصبح مصطلح "الغارات الإلكترونية" متداولاً بين الخبراء والباحثين، وهو يعني تنظيم حملات تشويه أو اغتيال أو إبادة دون إطلاق رصاصة واحدة، وإنما فقط عبر استخدام وسائل ثورة المعلومات والإتصالات. صــ166

▬ العرب يجهلون أو يتجاهلون أن كل مراحل التحولات الثقافية في تاريخ البشرية كانت نتيجة تصادم بين القديم والجديد، إلا أن تداعياتها سرعان ما كانت تندثر وتتلاشى أمام الأوضاع المستجدة التي تأخذ شكل المنظومات والآليات التي تغير شكل الحياة في المجتمعات المختلفة التي تأخذ بها. وهذا التغير ضروري بل وحتمي لأنه يوفر للمجتمعات التقبلة له إمكانية الإستمرار في سباق التقدم. ومن الطبيعي أن يحل الجديد محل القديم طالما أنه من صنع بشر عاشوا في ظروف سابقة مختلفة ثم طواها التاريخ الذي لا توقف عن التقدم، إذ ان كل جديد يغربل الماضي وإن كان لا يرفضه برمته، لأأنه يلفظ مالا ينصهر فيه ويحاول أن يقف حجر عثرة في طريقه نحو المستقبل. صــ182

▬ يقول جان بول سارتر :"إن المثقف هو ذلك الإنسان الذي يدرك ويعي التعارض أو التناقض الكامن فيه وفي المجتمع بين البحث عن الحقيقة العملية وبين الأيديولوجيا السائدة. وما هذا الوعي سوى كشف النقاب عن تناقضات المجتمع الجوهرية. إن المثقف هو الشاهد على المجتمع الممزق الذي أنتجه، لأنه يعري تمزقه بفكره الثقاقب، وهو بالتالي ناتج تاريخي. وبهذا المعنى ليس من حق أي مجتمع أن يتذمر من مثقفيه دون أن يضع نفسه في قفص الإتهام، لأأن مثقفي هذا المجتمع ما هو إلا من صنعه ونتاجه." صــ188

▬ تكمن الخطورة أو الغيبوبة الحضارية التي يعاني منها العرب في أنهم لا يزالون أسرى رؤى أو نظرات أو معايير تجاوزها الزمن، وثبت عجزها في مواجهة قوى العصر وفي مقدمتها الولايات المتحدة، ولذلك كان تاريخهم خلال القرون الخمسة الأخيرة، سلبياً لدرجة أنهم ظلوا يتراجعون إلى أن بلغوا ذيل قائمة الدول الفعالة المؤثرة بعد أن كانوا على رأسها في عصور قديمة. لم يحاولوا النظر العلمي والموضوعي إلى تاريخهم وتاريخ العالم خلال تلك القرون، وبالتالي لم يروا أن الجانب الأكبر منه كان ثمرة مباشرة لقرارات دول الغرب وإختياراتها وثوراتها واكتشفافاتها وتحولاتها وأطماعها وحساباتها الخفية والظاهرة، كما أنهم لم يروا خريطة العالم السياسية كيف رسم الغرب معظمها بنفسه، ولا يزال طرفاً أساسياً في رسم ما تبقى منها. صــ233

▬ إن العرب عندما يتحدثون عن موت الحضارة الغربية أو عن ماديتها وإنهيارها إما أنهم يخدعون أنفسهم، وإما أنهم يخدعون شعوبهم، وربما كانوا يمارسون هذين النوعين من الخداع، وتكمن خطورة هذا التوجه الفكري والوهمي في أن الذين يرددونه ليسوا قلة من الناس، بل هم كثرة، وليسوا كلهم جهلاء أو تافهين وحمقى، لأن فيهم المثقفين والعلماء، وربما كان بعضهم من راكبي الموجة أو السائرين مع القطيع، لكن فيهم الكثير الذين يصدقون ما يتوهمون ويتحدثون عنه بثقة وإصرار شديدين. صــ238

▬ إن العرب الذين يدعون مواطنيهم لمقاطعة الحضارة الغربية إنما يعتمدون في دعوتهم على دعاية غربية لا تمت للعلم بصلة، وإنما هي سياسة خبيثة تفتعلها بلاد الغرب حتى يظل العرب في غيبوبتهم ونشوتهم بأنهم قوم روحانيون يملكون من الرفعة والسمو ما لا يملكه الغربيون الذين لم يُعد لهم سوى الأمور المادية والدنيوية التي استغرقتهم تماماً. فمثلاً ذكر عبد الرحمن الجبرتي في موسوعته التاريخية "عجائب الآثار في التراجم والأخبار" كيف أن نابليون دعا هيئة العلماء من أمثال الشيخ الشرقاوي والبكري والسادات إلى مشاهدة المعمل الكيميائي الذي أتى به العلماء الفرنسيون المصاحبون للحملة الفرنسية على مصر، وكان مقره الأزبكية. وبعد مغادرتهم المعمل علق الشيخ الشرقاوي بقوله: "الحمد لله الذي أعطى الفرنسيس مثل هذه الألاعيب، وأعطانا نحن هبة الصلاة والصوم". صــ242

▬ تكمن الغيبوبة السياسية في أنها محور لكل أنواع الغيبوبة: الديمقراطية والإقتصادية والأمنية والإدارية والقومية والنسوية والمستقبلية والأخلاقية، ذلك أن السياسة سواء على مستوى التنظير أو التطبيق تسري في جميع الأنشطة البشرية في الحياة اليومية. ينطبق هذا على الحكام سواء أكانوا رؤساء أم ملوكاً أم رجال دولة كما ينطبق على المواطنين العاديين الذين يسعون في الأرض بحثاً عن لقمة العيش. صــ277

▬ من الخطأ الشائع أن يميل الكُتَّاب والمفكرون والمثقفون إلى تصوير المواطنين على أنهم ضحايا السلطة، وكأنهم قطيع يتحرك ويسلك طبقاً للإرشادات الواردة من عصا الراعي. وإذا ارتضى الشعب لنفسه أن يكون مجرد قطيع من الخراف، فلا يلوم إلا نفسه إذا لمح وميض سكين الجزار. لكنه أو استطاع بالوعي الناضج وبشتى الوسائل أن يصنع لنفسه كياناً ومكانة مهابة ووزناً ثقيلاً فإن وزنه يمكن أن يعادل وزن السلطة وربما رجحت كفته أكثر منها كما يحدث في دول الديمقراطية والتقدم والحضارة. صــ301

▬ إن ما فعلته الغيبوبة السياسية في العراق الذي ربما أصبح بلداً آخر مختلفاً تماماً عن بلد الحضارة والتاريخ العريق الذي عرفه العالم منذ عصور ما قبل الميلاد، يمكن أن تفعله في أي بلد عربي آخر، وخاصة أن هناك من الدول العربية ما يعاني من هشاشة وهزال وتهافت، أضعاف ما كان العراق يعاني منه. لقد تغير العالم ومعه كثير من قواعد اللعبة السياسية، فلم تعد هناك دولة على استعداد لتتجمع أو تدعم أو تساند دولة صغيرة وقعت بين فكي دولة كبيرة، غاية ما هناك أن يسمع العالم بعض التصريحات العابرة، أو يتابع بعض المظاهرات الحماسية الرافضة للعدوان، ثم يذهب كل إلى حال سبيله لتواصل الدول الكبرى إبتلاع الدول الصغرى. صــ329

▬ من الظلم البين وصم العرب بأنهم بشر غير ديمقراطيين بطبيعتهم، فليس هناك بشر ولدوا ديمقراطيين وآخرون غير ذلك، ولكن هناك بيئة ديمقراطية تتشربها الأجيال الجديدة منذ نعومة أظافرها، وتتحول بعد ذلك إلى منهج فكري وسلوكي في شتى خطواتها وتعاملاتها اليومية، إذ ان الديمقراطية في جوهرها هي تربية أولاً وأخيراً، وليست مجرد ممارسة سياسية كما يتصورها كثيرون. صــ334

▬ هناك أيضاً نظام آخر منتشر في المنطقة العربية، وهو حكم البطانة أو الشلة أو العُصبة التي تلتف حول القائد تكيل له النفاق ليلاً ونهاراً وتضع نفسها في خدمته وتلبية أوامره في أية لحظة بحيث يصبح عاجزاً عن التخلص منها والإستغناء عنها مع الأيام. فهي تتفنن في حجب المعلومات الحقيقية عنه فلا يلم بالأوضاع الفعلية التي بلغتها البلاد، وبذلك تشكل حاجزاً سميكاً وعالياً يعزله عن أبناء وطنه والتيارات السياسية والإجتماعية والفكرية التي تسري بينهم. صــ349

▬ يرجع عجز المجتمع المدني في المنطقة العربية عن ابتكار أو توليد أو امتلاك رؤية واضحة للإصلاح الديمقراطي، إلى الدور المحوري الذي تلعبه السلطة الحاكمة في المجتمع الذي يدور في فلكها ليل نهار ولا يستطيع الفكاك منها لحظة واحدة، وكنا من الطبيعي أن تنشأ معظم منظمات المجتمع المدني في الدول العربية بقرارات سلطوية لحاجته الملحة إليها. ولذلك من الصعب اعتبار معظم منظمات المجتمع المدني امتداداً أو افرازاً لحركات أو إرهاصات إجتماعية وسياسية وفكرية في البلاد العربية. صــ360

▬ إن غياب المجتمع السياسي لحساب التجمعات التوعية والعرقية والطائفية، يعني بقاء الأفراد في حكم الأتباع أو الرعايا لمن يحكمون هذه التجمعات، في حين أن بروز المجتمع السياسي وتبلوره يعني أن الأفراد ارتقوا من درجة الأتباع أو الرعايا إلى درة المواطنين. وبناء على هذا الإرتقاء أصبح المواطن هو محور الحركة الإجتماعية والسياسية في إطار القانون الذي ينظم واجباته وحقوقه في وظن تخطى وتجاوز كل الحدود أو الحواجز الطائفية أو العنصرية أو العرقية أو المذهبية...إلخ، إذ أصبح المواطن قيمة في حد ذاته ومصدراً لكل تقدم وإزدهار. صــ386

▬ كان من أخبث رواسب الماضي التي مدت جذورها في التربة العربية حتى الآن، قد تمثلت في التبعية الإقتصادية، فإذا كانت الدول العربية قد تخلصت من الإستعمار المباشر والسيطرة السياسية، فإنها ما تزال تعاني من التبعية الإقتصادية، وهي الإستعمار المقنّع الجديد الذي تزداد ضرواته وخبثه وتعقيده بمراحل عديدة على الإستعمار التقليدي المعروف، خاصة بعد أن ارتدت القوى الاقتصادية العظمى أقنعة العولمة الاقتصادية التي تؤكد أن عصر الإقتصاد القومي قد ولى ليحل محله الإقتصاد العالمي الذي اجتاح كل الحواجز المالية والتجارية بين مختلف الدول، والذي جعل من العالم كله قرية كونية صغيرة. صــ390

▬ إن تخلف الأغنياء هم أول من سيدفع ثمنها، أما تخلف الفقراء فيمكن أن يكون حافزاً لهم على التخلص من الفقر. وليست هناك وسائل لإنجاز هذه المهمة الحضارية أفضل من التسمك بقيم العلم والمعرفة والحكمة والجهد والكفاح، وغيرها من القيم التي تبني الإنسان وبالتالي فهي تبني المجتمع. إن الإنسان هو الثروة الحقيقية لأي بلد، وليست الثروات المتدفقة من باطن الأرض أو التي تمنحها الطبيعة بالصدفة. وأشهر دليل على ذلك، اليابان التي لا تملك أي ثروات طبيعية سوى الثروة السمكية، لكنها نجحت في أن تجعل المواطن الياباني طاقة انتاجية هائلة على أعلى وأحدث مستوى علمي وفكري وتكنولوجي ومعرفي وثقافي وحضاري، أما الثروات الطبيعية والمواد الخام التي حرمت منها فقامت بإستيرادها من شتى أنحاء العالم وفي مقدمتها البترول وغيره من المعادن اللازمة لعصر ما بعد الصناعة، ثم أغرقت العالم بمنتجاتها على أرفع مستوى من الجودة والإتقان والإبتكار الذي لا يعرف حدوداً خاصة في مجال الإلكترونيات. وكان هذا الإزدهار الإقتصادي نتيجة متجددة للشعار الذي أعلنته اليابان بعد هزيمتها في الحرب العالمية الثانية وهو "الإنتاج أو الموت" بعد أن كان شعارها حتى هذه الحرب "النصر أو الموت". صــ391 : 392

▬ إن المنطقة العربية تبدو في أحيان كثيرة وكأنها لم تعش القرن العشرين الذي شهد متغيرات وتحولات في تاريخ البشرية جمعاء، وفي مقدمتها قضية التنمية الإقتصادية التي تعني آفاقاً كثيرة وجديدة من أهمها تحسين دخل الأفراد والأسر، وتمكينهم من زيادة الإستهلاك، والإرتقاء بنوعية حياتهم، وإيجاد بيئة صحيحة تليق بالإنسان، وتطوير قدرات البشر للتعامل مع العلم والمعرفة وتكونولوجيا العصر. ولقد تغيرت أمور كثيرة خلال القرن العشرين بحيث تبدلت العادات والتقاليد والمفاهيم والقيم في المجتمعات العصرية في البلاد المتقدمة، وأصبح من الأمور الطبيعية أن تصبح الأسرة صغيرة الحجم وقليل الأفراد نتيجة للتحكم في عدد الأبناء. ومن الطبيعي أن يتواكب تحسن الدخل، في حالة وجود نمو معتدل، مع انخفاض معدل النمو السكاني في البلاد، فلم يعد من الأمور الإقتصادية الإيجابية ارتفاع معدلات الإنجاب وتزايد السكان بشكل سريع، فقد ولى عهد الإقطاع الزراعي الذي كان يتطلب تزايد عدد الأفراد المنتجين، وأصبح الإقتصاد الزراعي يعتمد على تكنولوجيا عالية لا تتطلب سوى أفراد معدودين على الأصابع في حقول تبلغ مساحتها مئات الفدادين. وقد رحل القرن العشرون ولم تستوعب الدول العربية هذه الدروس لأن القيم المتخلفة لا تزال تهيمن على عقليات وسلوكيات أرباب الأسر الذين لا يدركون في غيبوبتهم المزمنة أن الزمن قد فاتهم. صــ409

▬ إن العجز الذي تعاني منه الجامعة  العربية هو صورة مصغرة للغاية من العجز الساري في كل أجزاء المنطقة العربية التي لا تستيقظ من غيبوبتها إلا إذا أصابتها صدمة كهربية من الخارج. وهي يقظة تتخذ شكل رعشة أو تشنج عصبي مصحوب بصراخ وندب وسباب ووعيد كاذب بالويل والثبور وعظائم الأمور، وعندما تنذاح الشحنة الكهربية ويتغير الوضع العربي إلى أسوأ، فإن الجسم الممدد من الخيج إلى المحيط يعود إلى الإسترخاء مرة أخرى ليدخل في غيبوبته التاريخية. صــ535

▬ في هذه الغيبوبة الأخلاقية التي لفظت الديمقراطية التي تحفز الناس على اليقظة والوعي بكل ما يمس كيانهم ومستقبلهم، وجد الديكتاتوريون العرب مجالاً رحباً وواسعاً لكي يصولوا ويجولوا دون أن يجرؤ أحد على محاسبتهم أو مجرد الإستفسار منهم، فإذا كان الديكتاتور يعتمد في حكمه على أسلحة الإرهاب والعنف والعرب والإذلال والخوف، فإن المجتمع تحت وطأته يتحول إلى تربة خصبة ومرتع لكل القيم الأخلاقية الفاسدة مثل النفاق والكذب والخداع والزيف والإنتهازية "ومسح الجوخ". ففي ظل الديكتاتور يتخذ معظم المواطنين مواقف سياسية أو توجهات فكرية لا يؤمنون بها، في سبيل تحقيق أو حماية مصالح شخصية عابرة. صــ595

▬ كتب كمال عبد الرءوف في عموده "قراءات" بجريدة "أخبار اليوم"، 7 فبراير 1981 عن "كدابين الزفة" الذين يصفهم بقوله: "هم أخطر الناس على الحياة السياسية في أي بلد في العالم. إنهم طابور المنافقين والمهللين. إنهم السوس الذي ينخر في عظام أي حزب، وهم الذين يصفقون لحزب الأغلبية بسبب وبدون سبب، ويهتفون بأعلى أصواتهم للفائزين، ويديرون ظهورهم للخاسرين. إنهم دائماً مع السلطة. تراهم في كل مولد، وتسمعهم في كل زفة، لا يفوتهم احتفال أو مناسبة حتى يصفقوا بقوة للمسئولين. الطبل والزمر بضاعتهم، وعبارات المديح الطنانة تسيل دائماً من أفواههم. ينجذبون نحو كل مسئول ترتفع أسهمه مثلما تنجذب برادة الحديد نحو المغناطيس. لا يهمهم رأي الناس فيهم، ولكن الأهم هو رأي المسئول في كلامهم المعسول." صــ620


▬ لم تترك اليقظة الإسرائيلية أية شاردة أو ورادة تغيب عن بصرها أو بصيرتها، وذلك في مواجهة غيبوبة عربية مزمنة تركت الساحة للتواجد الإسرائيلي الملح والفعال لكي يصول فيها ويجول منذ بداية النزاع العربي اليهودي. فقد كان عنصر المبادرة في أيدي اليهود بصفة مستمرة في حين بدا العرب في غيبوبتهم كأنهم يعيشون في كوكب آخر. صــ736

  • Digg
  • Del.icio.us
  • StumbleUpon
  • Reddit
  • RSS