• إن دعاة تطبيق الشريعة يرددون عبارات ذات تأثير عاطفي هائل على الجماهير،
ونتيجة لهذا التأثير العاطفي تمر هذه العبارات دون أن يتوقف أحد لمناقشتها،
وتتناقلها الألسن محتفظة بمحتواها الهلامي، حتى تشيع بين الناس وكأنها حقائق
نهائية ثابتة، مع أنها في ضوء التحليل العقلي عبارات مليئة بالغموض والخلط.
• إن الرجوع إلى نصوص إلهية لا يحول دون تدخل العنصر البشرية في اختيار
النصوص الملائمة وتفسيرها بالطريقة التي تُرضي مصالح الحكم، على نحو ما كان يحدث
طوال معظم فترات التاريخ الماضي والحاضر.
• إن الدعوة إلى تطبيق الشريعة، التي تعلو أصواتها في الآونة الاخيرة
الراهنة، ترتكز بلا شك على قاعدة جماهيرية واسعة. وكثير من أنصارها يتخذون من سعة
الانتشار هذه حجة لصالحها، ويستدلون على صحة اتجاههم من كثرة عدد أشياعهم
وأنصارهم.
• إن العقل الذي اعتاد أن يسير في اتجاه واحد، والذي يعجز عن فهم حقيقة
النسبية وتعدد طرق الوصول إلى الحقيقة، لابد أن يوصل أصحابه، دون أن يشعروا، إلى
هذه النتائج الخطيرة. وهكذا يصبح من بديهاتهم التي لا تناقش، الاعتقاد بأن الشك
خطيئة، والنقد جريمة، والتساؤل إثم وجريرة.
• الإسلام البترولي يُبعد أذهان الشعوب التي تدين به عن المشاكل الداخلية
والخارجية لمجتمعاتها، ولكنه لا يمس مصالح الدول الرأسمالية الكبرى في البترول.
• إن المراة يجب أن تكون مستورة حتى لا يشك الرجل في بنوة أبنائه منها!
(الشيخ الشعراوي) صـ 30
• إن علوم الفضاء وتكنولوجيا الأقمار الصناعية كلها لا تساوي شيئاً، وإن
الإنسان الذي اخترع "ورقة الكلينكس" أو عود الكبريت قد أفاد البشرية
بأكثر مما أفادها الذي اخترع صاروخاً يصل إلى القمر! (الشيخ الشعراوي)
• إن الهجوم على العقل البشري واتهامه بالقصور أصبح سمة من أبرز السمات
المميزة للدعوات الإسلامية المعاصرة.
• إن أكبر ما يُلحق الضرر بالدعوات الإسلامية المعاصرة، على اختلاف دروبها
واتجاهاتها، هو حالة الجهل التي تنشرها بين أنصارها، والأدهي من ذلك أن هذا الجهل
يبدو لأصحابه علماً واسعاً يرد على جميع التساؤلات ويبدد كل الشكوك. صــ 44
• إن الصدام بين ثورة يوليو وبين الجماعات الإسلامية كان في جوهره سياسياً
لا عقائدياً، وكان صراعاً للقوى لا صراعاًً بين الأفكار. صـ 128
• إن دعاة الإسلام الشامل ينادون بتطبيق منظور واحد في ميادين الفكر
والاقتصاد والسياسية والفن والأدب. صــ 164
• إن التجارب المعاصرة في تطبيق الشريعة كانت كلها فاشلة.. ألم يكن ذلك
وحده كافياً لكي يتريث دعاة تطبيق الشريعة، ويتفرغوا لوضع برنامج مدروس دون تكرار
المآسي والمهازل التي ارتطبت بتطبيق الشريعة في الآونة الأخيرة بين جيراننا
الأقربين ؟
==============================
▬ الواقع أن التجاهل التام للتاريخ، وإغماض العين عن الدروس التي يقدمها
الواقع الفعلي، لا يميز موقف الحركات الإسلامية من التجارب المعاصرة لتطبيق
الشريعة فحسب، بل إنه هو السمة البارزة التي تميز موقفها من كافة التجارب السابقة،
على مر التاريخ الإسلامي. فهذه الحركات الإسلامية ترسم لنا صورة للتاريخ الإسلامي
مستمد من النصوص الدينية فحسب. فإذا تحدثنا مثلاً، عن موقف الإسلام من العدالة
الاجتماعية، جاء حديثها مليئاً بالآيات والأحاديث النبوية التي تدعو إلى تلك
العدالة، أو التي تقبل التفسير في هذا الاتجاه. وهي تقف عند هذا الحد، وتتصور أنها
قد أثبتت بذلك قضيتها الرئيسية، وهي أن الإسلام يدعو إلى العدالة الاجتماعية، وأن
هذه العدالة الاجتماعية تتحقق في الإسلام خيراً مما تتحقق في أي نظام آخر. ولكن،
هل تعد الإشارة إلى النصوص وحدها كافية لإثبات هذه القضية؟ لنضرب مثلاً مأولوفاً
لنا جميعا: إن لغالبية الساحقة من دساتير بلاد العالم الثالث تمتليء بنصوص رائعة
عن تحقيق العدالة والمساواة وضمان الحريات واحترام حقوق الإنسان، إلخ... ولكن هل
يكفي أن نتناول النصوص الدستورية، في بلد بأمريكا اللاتينية تعبث بمصيرها
دكتاتورية عسكرية دموية، فنقول أن العدالة والحرية مستتبان في هذا البلد لأن المادة
كذا من دستوره تنص على إقرار العدالة الاجتماعية والاقتصادية وإقرار الحريات
الأساسية؟ أليس من الواضح أن الرجوع إلى النصوص وحدها لا يسمح على الإطلاق بالحكم
على أوضاع مجتمع مان أو حضارة ما ؟ صــ 8 ، 9
▬ إن التصعب لوجهة نظر دينية واحدة، بل لاتجاه طائفة أو جماعة معينة داخل
وجهة النظر هذه، يُلحق بالعقل تشويهات خطيرة، ليس أقلها ذلك الإنغلاق الفكري الذي
يوهم المرء بأنه هو الذي يملك الحقيقة كاملة، وبأن كل من لا يسيرون في طريقه على
باطل. هذا الإحساس باليقين المطلق شديد الخطورة على التكوين العقلي للإنسان، وخاصة
إذا تملكه وهو ما يزال في شبابه المبكر. ومن المؤسف أن هذا الإحساس لا يقتصر
تأثيره على المسائل الدينية وحدها، بل إنها يمتد إلى كافة جوانب حياة الإنسان. وهكذا
تجد الشاب الذي يخضع لمثل هذه المؤثرات ميالاً إلى الجزم والتأكيد القاطع في كل
شيء، لا يؤمن بتعدد طرق الوصول إلى الحقيقة، بل يريد في كل الأمور رأياً واحداً
وإجابة نهائية يرتاح إليها ويتوقف عندها ويكف بعدها عن التساؤل. وحين تصبح هذه
عادة عقلية مستحكمة فإنها تطمس الروح النقدية وتهدم القدرة على الابتكار وتجعل من
التجديد آفة ينبغي تجنبها، ومن الإبداع بدعة لابد من محاربتها. صــ 17
▬ [...] ولكن الظاهرة المؤلمة هي أن الدعاة الإسلاميين عندنا، حين يتحدثون
عن ثقافة الغرب ويوجهون إلينا هجومهم، يرددون عبارات محفوظة وأحكاماً مكررة
وكلاماً غير علمي، ويظل هذا الكلام يزداد ويعاد من فوق المنابر وفي أوسع أجهزة
الإعلام، فتأتي الأجيال الشابة التي تثق في كلام شيوخها ثقة مطلقة، لتحفظ هذه الجمل والأحكام المتهافتة وتكررها حرفياً
في كل مناسبة، وتتصور أنها بذلك قد أحاطت بكل جوانب الموضوع علماً. وهكذا تسمع
أحكاماً فجة عن نظرية التطور، يؤكد فيها أكثر من كاتب أن داروين كان يهودياً (مع
أنه كان مسيحياً مخلصاً)، وأن هناك عصابة ثلاثية يهودية تريد نشر الإلحاد
والإباحية في العالم، تتألف من داروين وماركس وفرويد، وتشكل أهم عنصر في مؤامرة عالمية
يهودية. هؤلاء السادة يختزلون النظريات التي أقامت الدنيا وأقعدتها وهزت العالم،
في جملة أو جملتين سخيفتين لا فهم فيه ولا عمق، يرددها الداعية ثم يبتسم ابتسامة
الثقة والعلم والرضا عن النفس، كأنه أجهز على هذه النظريات وطرح أصحابها أرضاً
بعباراته الفجة [..] انتقدوا ما شئتم، أيها السادة، فهذه النظريات كانت بالفعل،
وما زالت، تتعرض لنقدٍ شديد، ولكن ليكن نقدكم مبنياً على فهم ومعرفة وتعمق، لا على
جهلٍ وسطحية وغثاثة [..] ولكن، كيف يأتي العلم في ظل المنهج السلطوي الذي تطرح به
هذه الدعوة الدينية في زمننا التعيس ؟ صــ 42 ، 43
▬ [..] ولما كان التطبيق الكامل للشريعة الإسلامية هو الهدف الأكبر، فإن من
أهم أسباب حكمهم بإعدام السادات، كما قلنا من قبل، أنه اقترب بهم كثيراً من تحقيق
هذا الهدف، ثم تراجع عنه في اللحظة الأخيرة. ويعبر الكثيرون عن ذلك أصدق تعبير حين
يعربون عن تلك الآمال العريضة التي انتعشت لديهم بفضل وجود وعود صوفي أبو طالب،
رئيس مجلس الشعب، ثم شعورهم بالإحباط الشديد حين لم تتحقق هذه الآمال. وكمثال على
ذلك، نستمع إلى عبد الحميد عبد السلام وهو يقول "وكان أملنا في مجلس الشعب
عند تعين صوفي أبو طالب رئيساً له، وإصدار قرارات بتقنين الشريعة الإسلامية، وحتى
الآن لم يحدث أي تقدم أو جديد في هذا الأمر". صــ 87
تبرز أمام المفكر السياسي مشكلة حقيقية يصعب إيجاد حل لها: إذ يبدو أن
بلادنا أصبحت الآن أمام خيارين كليهما أتعس من الآخر: فإما أن نكتفي بفكر متقدم
مستنير قادر على الفهم والنقد والتحليل، ولكنه عاجز عن الحركة، وإما أن نسير وراء
فكر متخلف، قاصر في فهمه ونقده وتحليله، ولكنه هو وحده القادر على التحرك. لقد
أصبح المأزق الحقيقي الذي تعاني منه مصر، في تطلعها إلى المستقبل، هو اضطرارها إلى
أن تختار بين فكر بلا فعل، وفعل بلا فكر. وأحسب أنه لن يكون لنا خلاص إلا في اليوم
الذي يصل فيه الذين يفكرون إلى المستوى الذي يتيح لهم أن ينقلوا فكرهم إلى حيز
الفعل المؤثر والفعال، أو يصل الذين يفعلون إلى المستوى الذي يدركون في قيمة الفكر
المتفتح والعقل المستنير. صــ 116
▬ إن أنصار تطبيق الشريعة يداعبهم حلمٌ ورديٌ رائع، ولكن مشكلتهم أنهم لا
يبذلون أي جهد لترجمة هذا الحلم إلى لغة الواقع. وهذه الترجمة تحتاج إلى استعياب
كافة دروس الماضي والحاضر واستخلاص دلالاتها، وتحتاج إلى وضع ألوف التفاصيل
الدقيقة والضوابط المحكمة بحيث لا يسمح للمنحرفين باستغلال مرونة العموميات في
تحقيق مآربهم الخاصة، وتحتاج قبل هذا وذاك إلى التفكير في مدى ملاءمة هذه الدعوة
للحظة الزمنية الحاضرة، وفي الأسباب التي تؤدي إلى التركيز على أهداف لا علاقة لها
بالمشكلات الطاحنة التي يعانيها الإنسان المصري في كل لحظة من لحظات يومه. وأهم
عناصر هذا الحلم الوردي هو الاعتقاد بأن تطبيق الشريعة سيؤدي آلياً إلى تبخر كل ما
نعانيه من مشكلات. كيف ؟ لا أحد يدري، وأغلب الظن أن معظمهم يعتقد في قرارة نفسه
بأن العناية الإلهية سترعانا بمجرد أن نطبق الشريعة، ومن ثم فإن قوى السماء ستتدخل
من أجل حل مشكلاتنا دون أن يبذل الإنسان جهداً يذكر.. وفي غمرة النشوة التي تبعثها
العبارات الساحرة الخلابة، لا يخطر ببال أحد أن يتساءل: هل حدث شىء من ذلك في
تجربة تطبيق الشريعة في السودان أو باكستان أو غيرهما؟ ألم تستفحل مشاكل هذه
البلاد في ظل أنزمة تزعم بأنها لا تطبق سوى أحكام الإسلام؟ صــ 176