• لقد نجح أرسطو في التمييز بين التخيل والإحساس؛ فالإحساس إما قوة وإما
فعل مثل البصر والإبصار، أما الخيال فهو صورة قد توجد في غيبة البصر والإبصار مثل
الصور التي نشاهدها في النوم.
• إن الخبير عادة ما يكون عارفاً عن طريق الخبرة وتكرارها بالأمور الجزئية
لكنه لا يستطيع أن يستنبط من هذه الخبرات القوانين العامة لأن من يملكها هو العالم
الذي يملك العلم النظري بهذه القوانين وبتلك المباديء والعلل الكلية للأشياء
والظواهر التي تقع في نطاق تخصصه العلمي.
• إن الضرورة في الميتافيزيقا يجب أن تكون بحثاً في الجوهر وفي الرياضيات
هي بحث في المسلمات أو المصادرات أما في الطبيعيات فهي بحث في المادة.
• لقد اختص أرسطو النفس بداية بأنها ما يحول الحياة بالقوة في الجسم
الطبيعي إلى حياة بالفعل وهذا هو ببساطة ما قصده بأن النفس هي صورة الجسم فالنفس
صورة الجسم الطبيعي نظراً لأنها ما يحول الحياة بالقوة فيه إلى الحياة بالفعل.
• إن الأبيقوريين كانوا يعتقدون أن العلم ليس من أجل العلم، وإنما من أجل
تحقيق السعادة للإنسان.
• يتألف الكون عند أبيقور من أجسام ومن خلاء، والإحساس هو ما يثبت لنا في
كل المناسبات وجود الأجسام كما أن ما يقودنا إليه الاستدلال من تخمينات حول
اللامرئي إنما يحصل بالضرورة بمقتضى هذا الإحساس... ومن جهة أخرى لو لم يوجد ذلك
الشيء الذي نسميه الخلاء أو الفضاء لما أمكن للأشياء أن تحتل حيزاً ولا أن تتحرك.
• إن الحكيم الحق عن أبيقور هو من يدرك أن السكينة Ataraxia التي يحققها بمعارفه وتأملاته الفلسفية
تجعله إلهاً حقيقياً يعيش وسط الخيرات الخالدة رغم وجوده بين الآدميين.
• الفلسفة عند أبيقور تلعب دوراً شبيهاً بدور الطب؛ فمثلما يخلصنا الطب من
ألم الجسم، كذلك يجب أن تخلصنا الفلسفة من ألم النفس.
• إن ثمة خيطاً رفيعاً عند أبيقور بين مصلحة الفرد ومصلحة المجتمع،
فالمتجمع هو مجموع الأفراد، وإذا آمن كل فرد بأن سعادته تكمن في عدم الإضرار
بالآخرين والحفاظ على صداقته معهم كلما أمكنه ذلك، لساد المجتمع ككل نوعاً من
العدل وهو العدل المفيد للعلاقات الاجتماعية.
• إن الإحساس عند الرواقيين هو أول مراتب المعرفة لكنهم يعتبرونه ليس إلا
مادة تتناولها النفس وتكيفها كيفما تشاء من خلال العقل حيث تستخرج منها التصورات
الحسية مميزة فيها بين التصورات الحسية الحقيقية والتصورات الحسية الزائفة.
• إن أول المباديء التي تقود الإنسان إلى المثل الأعلى للإنسان الكامل في
نظر الرواقيين هو: مبدأ الخلو من الانفعالات وهذا ما يسمى عند الرواقيين حالة
الأباثيا Apathy فالحكيم رجل
لا انفعالات له لأنه لا يترك نفسه يسقط فيها.
=================================
▬ [...] ولنسارع هنا إلى القول بأنه ليس معنى أن أرسطو يفضل المعرفة
العقلية بشقيها النظري والعملي على المعرفة الحسية، أنه يهمل - كما أهمل سابقه
أفلاطون - المعرفة الحسية، بل على العكس من ذلك فهو يعطي أهمية قصوى للمعرفة
الحسية من زاويتين هامتين: أولهما: أنها نقطة البداية في المعرفة الإنسانية
بالعالم؛ فعمل الحواس من سمع وبصر وخلافهما هو نقطة بداية تعرفنا على العالم
الخارجي. وثانيهما: أن أرسطو - على عكس أفلاطون - يرى أن هذه المعرفة الحسية وما
تنقله إلينا الحواس من معطيات حسية حول الأشياء الخارجية هو نقطة البداية في عمل
العقل. فالعقل لا يبدأ عمله من فراغ بل يبدأ من تحليل ما تنقله إليه الحواس عن صفات
هذه الموجودات الخارجية وأحوالهما. صــ 10
▬ [...] قلنا أن الإحساس يتم بانفعال العضو الحاس لا بمادة المحسوس وإنما
بصورته ولكي يتم هذا الإنفعال لدى الحواس الخمس لا بد في رأي أرسطو من توافر شروط؛
منها بالطبع سلامة الحاسة، وكذلك وجود المحسوس الذي هو موضوعها وكل حاسة لا تنفعل
إلا بصورة محسوسها فقط؛ فالعين لا تنفعل إلا باللون، والأذن لا تنفعل إلا بالصوت
وهكذا فلكل حاسة موضوع انفعالها المستقل عن الحواس الأخرى. ومن هذه الشروط العامة
أيضاً للإحساس وجود وسط بين الحاسة والمحسوس، فالإحساس ليس عملية تصادمية بحتة عند
أرسطو، بل يتم بتوافر وسط معين بين الحاسة والمحسوس كالضوء بالنسبة للعين، والهواء
بالنسبة للأذن والأنف. صــ 13
▬ إن أرسطو إذن يميز بين عقل هو هيولي أو هو بالقوة، وعقل هو بالفعل وهو
الذي يمثل العلة الفاعلة للمعرفة العقلية، ويؤكد على أسبقية الأول زمانياً، وإن لم
يكن هذا التقدم بذي قيمة نظراً لأنه لا معرفة تتم للعقل إلا بوجود القوة الفاعلة
التي من شأنها تحويل الاستعداد أو الوجود بالقوة إلا الوجود بالفعل! بمعنى أن كل
ما قصده أرسطو هنا هو التأكيد على أن القدرة على التفكير لدى الإنسان تسبق التفكير
الفعلي. وبالطبع فلا قيمة لهذه القوة إلا إذا تحولت إلى فعل! [...] إن أرسطو لم
يتحدث عن عقلين مستقلين كما صور ذلك بعض شراحه ممن أساءوا فهمه بل تحدث عن عقل
واحد وميز بداخله بين قوتين، وقد وصف العقل بالقوة بصفة الهيولانية ليعبر فقط -
كما أشرنا من قبل - عن قدرته على المعرفة حتى قبل أن يصبح بالفعل. وهذا لا يعني
أبداً أي إشارة إلى صفة تتعلق بالتركيب الأنطولوجي الجوهري لهذا العقل. صــ 22 ،
23
▬ أما المعرفة الحدسية فهي الدرجة الأرقى والأهم من درجات المعرفة
الإنسانية نظراً لأن العقل فيها لا يستند في إدراكاته لتلك الخبرات الجزئية -
الحسية - ولا يعنيه إلا إدراك الحقيقة إدراكاً مجرداً بصرف النظر عن فائدتها
العملية أو عن إمكانية الاستفادة منها في اي مجال من مجالات الحياة. إن القوة
الفاعلة (الحدسية) من العقل تقوم إذن في نظر أرسطو بتكوين وتجريد التصورات الكلية
العامة إذ بها نحدس الحقائق الكلية على حد تعبير روس. وبها أيضاً نستدل من حقيقتين
كليتين على حقيقة ثالثة. فضلا عن أن هذه القوة الحدسية من العقل هي ما تدرك ما لا
يقع مطلقاً في الخبرة الحسية ولا تخضع لتحيلات العقل العملي أو الاستدلالي من
كائنات يقع على قمتها الإله ذاته. صــ 24
▬ [...] وبالطبع يكون التساؤل هنا: وكيف يمكننا أن نصل إلى إدراك هذا
الجوهر؟ لقد كان أفلاطون يرى ببساطة أنه لا يوجد إلا في ذلك العالم المفارق عالم
المثل وأنه لكي ندرك حقيقة أي شيء في هذا العالم الظاهر لا بد أن ندرك أولاً
ماهيته الكلية في عالم المثل. أما أرسطو فيبدأ بالطريق العكسي؛ فأفلاطون يصر على
البدء بمعرفة الكلي لنتعرف من خلاله على الجزئيات التي تمثل ظلاله! أما أرسطو فيرى
أن البداية المنطقية هي البدء باستقراء الجزئيات التي تمثل ظلاله! أما أرسطو فيرى
أن البداية المنطقية هي البدء باستقراء الجزئيات والانتقال منها إلى إدراك الكلي؛
فسائر الكائنات باستثناء الإله لا يمكن أن تعرف إلا عن طريق التجربة باستقراء
الحالات الفردية والانتقال منها إلى الحالات الكلية، ومن الصور الدنيا إلى الصور
العليا، فلابد إذن الوصول إلى الحقائق الكلية من القيام بالكثير من التحليل والوصف
والاستقراء. صــ 30 ، 31
▬ [...] وإذا كان ذلك مما هو متفق عليه تقريباً بين العلماء من دارسي
أرسطو، فإنهم يختلفون حول جدوى السؤال الأرسطي عن اللماذا؟ أي يختلفون حول أهمية
البحث عن العلة الغائية حتى لقد قال بيكون ساخراً أن السعي وراء العلل الغائية
إنما هو سعي عقيم لا يولد شيئاً مثل العذراء التي تهب نفسها لله، فلقد اتجهت
العلوم - كما يقول بول موي - إلى الاقتصار على البحث عن الأسباب وإغفال الغايات
حيث أن التفسير الغائي يفترض التفسير بالسبب أما العكس فغير صحيح. صــ 49
▬ إن هذا التحول من درجة من الوجود إلى درجة أخرى أكثر كمالاً وتحقيقاً
لمعنى الوجود هو جوهر رؤية أرسطو الفلسفية للعالم الطبيعي، فالعالم الطبيعي بكل
موجوداته إنما هو في حركة دائبة شوقاُُ إلى اكتساب صورة أكثرة كمالاً وأكثر
اقتراباً من صورة الصور، صورة المحرك الأول الذي هو العالة الأولى للحركة رغم أنه
بالضرورة لا يتحرك ولا ينبغي أن يتحرك وإلا لبحثنا عن علة أولى أسبق لحركته.. إن
وجود العالم الطبيعي إنما هو وجود ناقص يطمح ما فيه إلى الكمال بحركته. وهذه
الحركة تفترض محركاً أول يكون علة لها. وهكذا يسوقنا أرسطو إلى أهم ما في
الميتافيزيقا، موضوع الوجود الإلهي الذي به اتسمت الميتافيزيقا بسمة العلم الإلهي.
صــ 77
▬ إن الفعل الوحيد للإله حسب ما جاء في نصوص أرسطو هو تعقل ذاته ومن ثم
فالإله عنده: أولاً: لا يعني بالعالم ولا يهتم به رغم أنه علته الفاعلة من حيث
كونه علة غائية لحركته بوصفه المعشوق الذي يعشقه محبوه فيتحركون شوقاً إليه وهو
ذاته لا يتحرك رغم أنه علة حركتهم هذه! ثانياً: لا يعلم عن هذا العالم شيئاً
محدداً لأنه لا يصح أن يفكر الكامل في الناقص، ففعله الأوحد كما قلنا الذي يليق
بكماله هو "التفكير في التفكير" أي التفكير في ذاته وليس في غيره ومن ثم
تبطل هنا تفسيرات ابن رشد وتابعه القديس توما الإكويني فهما قد حاولا إيجاد مخرج
لهما من هذا الإصرار الأرسطي على تقوقع الإله داخل ذاته والتفكير المطلق فيها بأن
قال الأول: إن الله يدرك المباديء الكلية للوجود وللموجودات لأنها من طبيعة ذاته.
وقال الثاني: إن الله يدرك ما عداه من الموجودات من خلال إدراكه لذاته ولا يخفى
علينا في ضوء ما قدمنا من مدى ابتعاد هذين التفسيرين عن حقيقة الرأي الأرسطي.
ثالثاً: إن الإله ليس خالقاً للعالم؛ إذ يتنافى القول بأزلية المادة مع القول بأن
الإله خالقه أو مبدعه. والمعروف أن أرسطو كما أسلفنا القول يؤمن بأزلية المادة
وأزلية الحركة وأزلية الزمان بالتالي. ومن ثم فلا مجال للقول بأن الإله خالق
للعالم أو مبدعه من عدم. صــ 81
▬ [...] ويتضح من ذلك أن ما أراده الإسكندر في غزوه لبلاد الشرق من سيادة
للثقافة والفكر اليوناني على الشرق لم يتحقق، بل ربما تحقق العكس من ذلك؛ إذ يبدو
أن الثقافة والفكر الشرقي هو الذي غزا بلاد اليونان؛ فقد أصبح أشهر فلاسفة أثينا
وهم الرواقيون في ذلك الوقت هم من أتوا من خارج أثينا ومن أصول شرقية حاملين
ثقافتهم الشرقية وعقائدهم الدينية المختلفة. ومن ثم كان من الضروي أن يحدث ذلك
الامتزاج بين فكر الشرق وفكر اليونان لدى هؤلاء أو أولئك من فلاسفة هذا العصر
الهللينستي فلم يعد فكر اليونان خالصاً كما لم يعد فكر الإنسان الشرق خالصاً...
لقد ترتب على هذا الامتزاج بين الفكر الشرقي والفكر اليوناني أن تعرضت صورة
الفلسفة التقليدية لليونان إلى الانهيار... لقد تحولت نظرة الفيلسوف في هذا العصر
من البحث عن الحقيقة المجردة للوجود وإدراك مظاهره المختلفة والكشف عن كنهها
وماهيتها إلى البحث عن طريق للسلوك يحقق للفرد السعادة الذاتية... ومن هنا غابت
الأصالة واستعرت نزعة الشك لدى البعض، والنزعات المتطرفة لدى البعض الآخر سواء
بالاتجاه نحو الزهد المتشدد أو نحو اللذة المفرطة [...] وبالطبع فليس معنى ذلك أن
البحث الفلسفي في هذا العصر قد تدهور إلى حد أنه لم يعد هناك بحثاً في نظرية
الوجود أو في نظرية المعرفة، بل المقصود هنا أن فلاسفة هذا العصر قد اتخذوا من
البحث في الوجود والمعرفة الإنسانية تكئة للوصول إلى غاية بعينها هي الوصول إلى
التماس طريق لسعادة الفرد في حياته العملية. صــ 107 - 109
▬ إن الإحساس في نظر أبيقور هو أكثر مصادر المعرفة الإنسانية بداهة، فهو
صادق دائماً. وقد روى شيشرون قوله أنه لو خدعه حس واحد مرة واحدة في حياته فهو لن
يثق بأي حس من حواسه أبدا. فلا مجال إذن للشك في ما تنقله الحواس، فكل ما تنقله
صادق دائماً... وربما تعود هذه الثقة الزائدة في الحواس من الأبيقوريين إلى
تفسيرهم المادي لعملية الإحساس ذاتها، إذ أن الإحساس لديهم إنما يتولد عن تماس
مباشر بين العضو الحاس والشيء المحسوس، لا فرق في ذلك بين اللمس أو الذوق، وبين
البصر أو الشم والسمع... إذا على الرغم من أن لوكريتيوس قد استعرض الأمثلة العديدة
التي تدين الحواس وتبين تناقضها مثل: البرج المربع الذي يبدو مستديراً عن بعد، والأجرام
السماوية التي تبدو ثابتة ثم تبدو متحركة عند تنقل السحب إثر هبوب الرياح،
والمجذاف الذي يبدو منكسراً في الماء...إلخ، إلا أنه يبقى متمسكا بالثقة الشديدة
في صدق الحواس وبأنه لا سبيل للشك فيها. وذلك لأن استاذه أبيقور قد فسر هذه
التناقضات بأنها إنما ترجع إلى الحكم الذي يضاف إلى الإحساس وليس إلى الإحساس
نفسه؛ فرؤية المربع مستديراً هي على سبيل المثال رؤية صادقة بالنسبة لنا، أما
الخطأ فهو يكمن في الاعتقاد بأن البرج مستديراً حقا... والحقيقة أن هذا التبرير
الأبيقوري قد زاد الطين بلة لأنه لم يدحض خطأ الحواس بقدر ما أكده! إذ كيف يمكن له
أن يختار الإحساس معياراً للحقيقة بعد أن تبين لنا أن الأشياء ليست بالضرورة
مطابقة لموضوعاتها وأنه يحدث لها تشويه يجعلها غير مطابقة لحقيقة الموضوع... على
كل حال، فإن الشيء الهام عن أبيقور ليس معرفة الشيء المدرك في حد ذاته بقدر ما هو
معرفة الشيء في علاقته بوجودنا نحن. صــ 115 - 117
▬ قد نتصور أن هذه الفلسفة المادية ذات النزعة الإنسانية التجريبية لأبيقور
لم تتسع للحديث عن الوجود الإلهيّ لكن على العكس من ذلك فأبيقور يرى أن الآلهة
موجودة وهو على يقين من وجودها. كل ما هنالك أنه في ضوء ذلك التصور المادي الآلي
لكل ما في العالم الطبيعي، قدم تصوره لوجود الآلهة على نحو تشبيهي تجسيمي إنساني
فهي مركبة من ذرات هي الأخرى وإن كانت هذه الذرات أكثر لطفاً ودقة من الذرات
النفسية؛ فهي ذرات ذات طبيعة أثيرية أو شبه جسمية. والآلهة كالبشر في مظهرهم؛ فهم يتوالدون
ويأكلون مثلما يفعل البشر... إن الكافر في نظر أبيقور ليس الذي ينكر وجود الآلهة،
بل هو من ينسب إليها صفات وهمية كالتي ينسبها الجمهور. إن ما يثبته الجمهور لا
يقوم على أفكار بديهية وإنما على افتراضات كاذبة. إن لدينا جميعاً تصوراً قبلياً
عنها هو أنها كائنات سعيدة مغتبطة دائماً ولا يعكر صوفها مكعر. لكن عامة الناس
كثيراً ما يقرنون بين هذا التصور القبلي وبين العديد من الظنون والأوهام التي يرى
أبيقور أنها خاطئة؛ مثل أن الآلهة تعني بشئون العالم وأنها تملك إيذاء البشر ومن
ثم فإن الناس تمتليء حياتهم بالخوف منها ويقدمون لها الأضاحي والقرابيين ويسألونها
المدد والرضى! وهذه معتقدات باطلة وأساطير ينبغي التخلي عنها في نظر أبيقور لأن
الكائن الذي يحيا في سعادة وطمأنينة كاملتين لا يمكن أن تساوره الهموم والمشاعر
التي نعزوها إلى الآلهة. صــ 128 - 129
▬ إن الأخلاق الأبيقورية هي نتاج كل ما سبق من آراء أبيقورية؛ إذ تستند على
دعامتين هما: النظرية الحسية ذات النزعة التجريبية في المعرفة الإنسانية، والتفسير
المادي الذري للعالم الطبيعي. ويبدو هذا من أن الأخلاق الأبيقورية تستهدف وصف
الحياة السعيدة للإنسان وتهيئها له عبر مظهرين اثنين أحدهما إيجابي والآخر سلبي،
أما الإيجابي فيتلخص في الدعوة إلى أن يعيش الإنسان حياة اللذة ويستمتع بطيبات
الحياة أما السلبي فيتلخص في محاولة تخليص الإنسان من كافة المخاوف التي تقلق
حياته مثل الخوف من الموت أو من الآلهة أو من عذاب الجحيم. صــ 129
▬ إن السعادة عند أبيقور إنما تبدو أكثر ما تبدو لدى الإنسان البسيط القادر
على التمتع بكل ما هو طبيعي وضروري من رغبات لأنه هو القادر على إشباعها دون أن
يتطلب المزيد والمزيد؛ فالفقر المتزن مع حاجاتنا غنى وفير، وعلى العكس من ذلك الغنى
فقر مدقع بالنسبة إلى من لا يعرف حدودا. إن الحياة السعيدة عن أبيقور لا تتمثل في
السكر المتواصل أو فيما تقدمه المآدب الفاخرة من سمك شهي وأطعمه لذيذة، ولا في
التمتع بالنسوة والغلمان، بل تتمثل في العقل اليقظ الذي يبحث عن أسباب اختيارنا
لشيء ما أو تجنبنا له والذي يرمي عرض الحائط الآراء الباطلة التي يتولد عنها أكبر
اضطراب تعرفه النفس. صــ 134
▬ لقد قبل الرواقيين في طبيعاتهم مبدأ الثنائية؛ ثنائية الفاعل والمنفعل،
المبدأ والعنصر، الإله والمادة، لكنهم لم يقبلوها على النحو الذي كانت موجودة به
عن أفلاطون أو عند أرسطو؛ فقد كانت الثنائية لدى الأول ثنائية المعقول والمحسوس
"عالم المثل وعالم الأشياء"، وكانت ثنائية الثاني ثنائية الصورة والمادة
حيث يمكن عنده الفصل بينهما والحديث عن إحداهما باستقلال عن الآخر، بينما الثنائية
التي آمن بها الرواقيون ثنائية ظاهرية فقط تمكننا فقط من تفسير العلية في العالم
الطبيعي بوجهيها الفاعلة والمنفعلة؛ فالوجه الفاعل هو المبدأ، هو الإله، هو
النفس...إلخ، بينما الوجه المنفعل هو العنصر، هو المادة، هو الجسم وهذان الوجهان
الثنائيان لأي شيء في هذا العالم الطبيعي لا ينفصلان ولا يمكن عزل أحدهما عن الآخر
بحال فالمبدأ الفاعل عند الرواقيين هو مبدأ مؤثر في الأشياء فيه تتماسك أجزاؤه وبه
كذلك تبدو صورته. صــ 155
▬ إن الحكيم عند الرواقيين هو الرجل المثالي في كل شيء، الكامل في شعوره
بالسعادة، هو وحده الحر ومن ثم فهو وحده الأجمل والأغنى والأسعد؛ وإنه بتعبير
زيللر الذي يحوز كل الفضائل وكل المعرفة. فهو وحده الذي يفعل الصواب في كل شيء.
وهو وحده الملك الحقيقي، السياسي الحقيقي، الشاعر الحقيقي، هو الملهم
والمرشد...إلخ، هو المتحرر من كلية الحاجات والآلام، وهو الصديق المحبوب للآلهة.
إن فضليته دائمة ولا يمكن أن يفقدها، وسعادته لا يمكن أن تنقص من وقت لآخر. صــ
164
▬ إن الأخلاق الرواقية تقوم على مبدأ الحياة وفقاً للطبيعة... الاعتقاد بأن
الإنسان هو جزء من هذا الكون الكبير. وهو مخلوق ليؤدي دورا في هذا العالم الطبيعي
مثله مثل أي كائن آخر. وقد قيل ما قيل في ذلك من أن الرواقيين كانوا -وهذا صحيح-
يؤمنون بأن الإنسان في هذه الحالة أشبه بممثل يؤدي دوراً مرسوماً على مسرح الحياة،
وهذا الدور محدد له من قبل العناية الإلهية وهو قدره المحتوم الذي لا فكاك منه...
وعلى الرواقي أن يؤدي دوره المحدد سلفاً دون أي مناقشة وبدون شعور بالألم أو
اللذة، أي يؤدي دوره بتفان ودون انفعالات كما سبق وأشرنا. صــ 165
▬ إن فلسفة أفلوطين تقوم على اعتقاده بوحدة الوجود الذي جوهره المطلق فقد
صدرت الموجودات عنه وترتد إليه، حيث العالم المعقول عند أفلوطين مكون من أقانيم
ثلاثة هي المطلق والعقل الكلي والنفس الكلية وعنها ينبثق العالم المحسوس عبر ما
أسماه أفلوطين الأصول البذرية أو مبدأ الطبيعة وهذا هو الطريق إلى أسفل الذي يشكل
ميتافيزيقا أفلوطين فكل الموجودات بما فيها أقانيم العالم المعقول هي فيض من
المطلق وترتد إليه. وقد قيل إنه أخذ وحدة الوجود عن الفلسفة اليونانية فقد كان لدى
بارمنيدس فكرة مماثلة وكذلك كان لدى الرواقية نفس الفكرة لكن الحقيقة أن فكرة
أفلوطين مختلفة عن الفكرة الإيلية، فالطابع العالم لنظرة بارمنيدس إلى الكون يختلف
كل الاختلاف عن طابع مذهب أفلوطين؛ فصورة العالم عند الأول سكونية، فالكون لديه
يكون متجانساً لا تنوع فيه ولا تدرج، أما عند أفلوطين فصورة العالم مركبة متدرجة
من الواحد إلى العقل الكلي إلى النفس الكلية إلى مبدأ الطبيعة فعالم الأشياء
الحسية. وكذلك فإن فكرته مختلفة عن مثيلتها الرواقية، فقد كانت وحدة الكائن عندهم
تفسر على أساس وجود مبدأ فعال روحاني يسري في الكائن فيكسبه التماسك والوحدة. أما
عند أفلوطين فإن أساس الوحدة هي التأمل فإن تأمل الكائن لما هو أعلى منه في الوجود
والوحدة يضفي عليه وجوداً ووحدة، فالقول بأن الوحدة هي مصدر الوجود يعني أن الفكر
والتأمل هو مصدر الوجود... إن وحدة الوجود
عن أفلوطين تتميز بأنها وحدة وجودية حية ديناميكية صدورية - فيضية كما أسماها بحق
زيللر. إن العالم عند أفلوطين ينبثق كنوع من الفيض التدريجي عن الحياة الإلهية
التي تنبثق أصلاً عن الواحد دون أن تنقص من ذاته شيئا. صــ 187 - 188