• يشير
مصطلح العلوم الاجتماعية أو ألإنسانية إلى مجموعة العلوم التي تتخذ الإنسان
موضوعًا للدراسة، بهدف الكشف عن أبعاده المختلفة، النفسية، والاجتماعية،
والاقتصادية، أو التي تشكل الظواهر الإنسانية مجال بحثها. ص2
• هل يمكن
صياغة خطاب علمي حول الإنسان، وبالتالي التنبؤ بسلوكه والوصول إلى قوانين عامة
حوله؟ وإلى أي حد يمكن أن تكون مناهج العلوم الطبيعية صالحة لاستخدامها كنموذج
لتفسير الظواهر الاجتماعية؟ وبأي معنى نتحدث عن موضوعية في ظل وضع يكون الدارس فيه
طرف في الظاهرة المدروسة؟ ص72
• إلى أي
حد يمكن تطبيق المنهج التجريبي في العلوم الاجتماعية؟ ألا تطرح عوائق ابتسمولوجية
عندما نكون أمام السلوك الإنساني الذي يتميز بالوعي؟ وكيف نتحدث عن موضوعية في ظل
صعوبة عزل الذات عن الموضوع في مثل هذه الدراسة؟ ص73
• ألا يؤدي
تَشَيُّء الظواهر الإنسانية، سواءً كانت اجتماعية أو إنسانية، إلى افتقارها
وإفراغها من محتواها الحقيقي؟ أليس لهذه الظواهر أسباب باطنية وذاتية، مثلما أن
لها أسباب خارجية وموضوعية؟ ألسنا في حاجة إلى تفهم الظواهر الإنسانية بدلًا من
الاكتفاء بتفسيرها؟ ص129
▬ إذا كان
من الممكن أن تختلف العلوم الاجتماعية عن بعضها في زاوية المعالجة التي ينظر إليها أي متخصص، وفي
كيفية الحل والعلاج، إلا أن العلوم الاجتماعية لا تنفصل عن علم الاجتماع، الذي اخذ
في التطور، بعد أن حقق استقلاله الذاتي، بفعل تعقد الحياة الاجتماعية. فتشعب إلى
ميادين متعددة، يشمل كل منها جانبًا من جوانب الحياة الاجتماعية. وفي نطاق هذا
التخصص لم يفقد علم الاجتماع ارتباطه الوثيق بالعلوم الاجتماعية الأخرى، فبقيت
بينه وبينها اهتمامات مشتركة، وموضوعات متماثلة، نظرًا لاهتمامه بدراسة السلوك
الاجتماعي الإنساني. ويعتبر علم الاجتماع من
أكثر العلوم اتصالًا وتداخلًا مع غيره من العلوم الاجتماعية الأخرى. ويشبه
علم الاجتماع في أهميته للعلوم الاجتماعية أهمية الرياضيات بالنسبة للعلوم
الطبيعية. لذا فإنه إذا كانت العلوم الاجتماعية تشترك في دراسة سلوك الإنسان في
المجتمع، فمن الطبيعي أن يكون هناك بعض التشابه والتداخل بين مجال الدراسة في علم
الاجتماع ومجالات الدراسة في العلوم
الاجتماعية الأخرى مثل؛ علم النفس، والأنثروبولوجيا، وعلم الاقتصاد، وعلم
السياسة.. صــ 13 ، 14
▬ وتأكيدًا
على أهمية الفلسفة بالنسبة للعلوم الاجتماعية أو الإنسانية ذهب الفيلسوف
ميرلوبونتي إلى "عدم وجود أي عداوة بين المعرفة العلمية والمعرفة
الميتافيزيقية؛ نظرًأ لأن الثانية تضع الأولى أمام المهام المكلفة بها. فالعلم
بدون الفلسفة يجهل ما يتحدث عنه، والفلسفة بدون دراسة منهجية للظواهر، لن تصل سوى
إلى حقائق صورية أو شكلية". ولذلك يقول لوسيان غولدمان: "إن الفلسفة تقدم
بالفعل حقائق عن طبيعة الإنسان، وكل محاولة ترمي إلى إقصائها من مجال المعرفة، لابد أن نعكس سلبًا على فهم الظواهر
الإنسانية. وفي هذه الحالة سيكون لزامًا على العلوم الإنسانية، أن تصبح فلسفية
بالضرورة كي تكون علمية". ولهذا يصعب على من ينشغل بنشأة وتطور العلوم
الإنسانية أو الاجتماعية في الغرب، أن يعثر على عالم واحد في هذا الميدان، سوءا
كان من الرواد الأوائل أم المعاصرين، لا ينطلق في فرضياته ونظرياته وأبحاثه
العلمية، من رؤية فلسفية معينة. صــ 18
▬ إذا كانت
العلوم الاجتماعية تدرس في نطاق اختصاصها الظاهرة فقط، سواء كانت اقتصادية أو
سياسية أو قانونية، فإن علم الاجتماع يدرس العلاقات المتبادلة وأشكال التفاعل بين
هذه الظواهر. فعلم الاجتماع لا يهتم
بالظاهرة الاقتصادية في حد ذاتها، بل يهتم بها بوصفها ظاهرة اجتماعية توجد في
المجتمع، وأنها ترتبط بغيرها من الظواهر الأخرى بأشكال من التفاعل والعلاقات
المتبادلة. وبالتالي تسعى فلسفة العلوم
الاجتماعية إلى تجاوز تقسيم الواقع الاجتماعي إلى أجزاء منعزلة، وهو التقسيم الذي
تصطنعه العلوم الاجتماعية المحدودة. ولذلك فإنه إذا كان هذا التقسيم للعلوم
الاجتماعية قد فرضته ظروف التخصص، فإن المهمة الاساسية لفلسفة العلوم الاجتماعية،
تصبح متمثلة في إعادة الربط والتأليف بين ظواهر الحياة الاجتماعية المختلفة. صــ
41
▬ هناك
العديد من التعريفات التي تحاول أن تصف بدقة الظواهر الاجتماعية، وتحاول وضع مفهوم
محدد لها. ومن هذه التعريفات ما ذهب إليه "دور كايم" في تعريفه للظاهرة
الاجتماعية، حيث يعرفها بأنها "كل سلوك يجب أن يعم المجتمع بأسره". وهذا
يعني أن الظاهرة الاجتماعية عبارة عن نماذج من العمل والتفكير والإحساس التي تسود
مجتمعنا، ويجد الأفراد أنفسهم مجبرين على اتباعها في أعمالهم وتفكيرهم، بل وتفرض أيضًا
على أحاسيسهم؛ مثل اللغة، والعادات الاجتماعية، والنظم الاقتصادية والدينية.. صــ
42
▬ ولهذا
فإنه إذا كانت السوسيولوجيا مثلًا استطاعت تقليد النموذج التجريبي، فإنها اصطدمت
بخصوصية الظاهرة الاجتماعية المتميزة بتفردها وتعدد أبعادها، ويأتي على رأسها بعد
الحرية، الذي يعتبر نقيضًا للحتمية، فضلًا عن وجود مجموعة من العوائق التي تحول
دون نجاح مناهج العلوم الطبيعية بالنسبة للعلوم الاجتماعية، وعلى رأسها صعوبة
تحقيق الموضوعية، نظرًا لأن مسألة الملاحِظ والموضوع الملاحَظ في العلوم الطبيعية
ليس هي نفسها في العلوم الاجتماعية، نتيجة لتدخل الوعي، ولهذا يقول ليفي شتراوس
"إن الوعي هو بمثابة العدو الخفي لعلومِ الإنسان". صــ 73، 74
▬ على
الرغم من صعوبة الإحاطة بالتطورات الدقيقة للنظرية الاجتماعية وبروادها، إلا أنه
لو أن النظرية توقفت عند حدود التيار الوضعي التقليدية، لما أمكن لها أن تتقدم قيد
أنملة، لا سيما في ضوء العولمة ومنتجاتها من التقنية المعلوماتية الهائلة، والتي
تمثل تحديًا غير مسبوق للعلوم الاجتماعية، فالمجتمع الذي نعيش فيه هو مجتمع يشهد
تغيرات في الدقيقة وليس في الحقب أو السنوات، فهو مجتمع سريع التطور والتغير
والتبدل، ولذلك فإننا لا ندري كيف يتأتى للنظرية الاجتماعية أن تتولد بهذه السرعة
من التغير، ولو كان بمقدورنا أن نصف على الأقل نمط الحياة الذي نعيش فيه لما
استطعنا أن نفعل ذلك.. ومن خلال ما سبق يمكن القول أن هناك مشكلات تواجه الدارسين
للنظرية الاجتماعية سواء كان ذلك على مستوى التطبيق أو التغيير والتحليل ويمكن أن
يكون العامل الرئيس في ذلك هو أن بعض النظريات تحاول أن تصل إلى المستوى الذي وصلت
إليه النظرية في العلوم الطبيعية من حيث الدقة والتحديد والتجريب والتنبؤ
والعمومية، علاوة إلى أن النظرية في علم الاجتماع مازالت تعاني من مشكلات
أيديولوجية ومنهجية وليس هناك اتفاق عام حول نظرية اجتماعية شاملة... فالخصائص
الجوهرية للظواهر الطبيعية تتصف بالعمومية والديمومة رغم التفاوت في الزمان
والمكان، أما الظواهر الاجتماعية فليس لها خصائص جوهرية ثابتة، وذلك نتيجة للمتغيرات
التي تؤثر فيها. والتي تؤثر بالتالي على دراسات الباحثين في العلوم الاجتماعية،
وقضية تبنيهم للنظرية الملائمة للموضوع. صــ 86، 87
▬ يرى فوكو
أن ما منع العلوم الإنسانية من التحول إلى علوم حقيقية، على شاكلةِ العلومِ
التجريبية، هو عجزها عن إنتاج معرفة وضعية تجريبية حول الإنسان، فصحيح أن هذه
العلوم لم تنشأ إلا لحظة خضوع الإنسان لأول مرة لإمكانية معرفة وضعية، أي بالتزامن
مع ميلاد ونشأة العلوم التجريبية، إلا أنه على الرغم من هذه النشأة المتزامنة،
وعلاقة الجوار مع بقية العلوم، لم تستطع العلوم الإنسانية إنتاج معرفة وضعية حول
الإنسان. لذا فإن السؤال الذي يفرض نفسه علينا الآن هو؛ إذا كانت العلوم الإنسانية
علمًا حقيقيًا، وإذا لم تكن فلسفة صريحة فماذا عساها أن تكون إذن؟ صــ 120
▬ يعتبر
ميرلوبونتي أن التجربة الذاتية ذات أهمية كبرى في دراسة الظاهرة الإنسانية، بحيث
أن كل معرفة يتوفر عليها الفرد ويكونها عن العالم، إنما هي معرفة ناتجة عن احتكاك
الذات بهذا العالم، ومدى تفاعلها داخله، والذي يختلف من شخصٍ لآخر حسب التجربة
الفردية. ولهذا يخلص ميرلوبونتي إلى اعتماد المنهج التجريبي في دراسة الظاهرة
الإنسانية هو حذف ونسيان للعالم المعيش، وللتجربة الذاتية ولذلك ينبغي العودة إلى
الإنسان واعتباره مولدًا للمعنى. ونتيجة لهذا كله، تساءل البعض عن المنهج الذي
يمكن للعلوم الاجتماعية أو الإنسانية أن تتنازل من خلاله موضوعها. إذا كان موضوعها
هو الظاهرة الاجتماعية أو الإنسانية، وهي ظاهرة فريدة ومتميزة عن الظاهرة
الطبيعية، فهل يمكن للعلوم الاجتماعية الإنسانية أن تدرس موضوعها باستخدام منهج
التفسير السائد في العلوم التجريبية، أم أنها مطالبة بابتكار منهج يلائم خصوصية
الظاهرة الاجتماعية الإنسانية؟ وهل المنهج الملائم للظاهرة الإنسانية هو منهج
التفسير أم منهج الفهم؟ وما هي المرتكزات والخصائص التي تميز كلا المنهجين؟ صــ
127 ، 128
▬ إذا كان
منهج التفسير يسمح برصد المحددات الموضوعية، فإن المحددات والعوامل الذاتية تحتاج
إلى منهج آخر مغاير هو الذي يُسمى بمنهج الفهم. وهذا ما يتجلى في عبارة ديلتاي
الشهير: "إننا نفسر الطبيعة، لكننا نفهم ظواهر الروح". لذا فإنه إذا كان
الموضوع في العلوم الطبيعية ماديًا ومعزولًا عن الذات فإن الموضوع في العلوم
الاجتماعية الإنسانية مرتبط بالذات وجزء لا يتجزأ منها. ولهذا يبدو أنه لا يمكن
تفسير الظواهر الاجتماعية أو الإنسانية وإجراء التجارب عليها، بل لا بد من تفهمها
عن طريق منهج الفهم الذي يعتمد على الحدس والاستبطان والتأويل والفهم. ومن هنا فهدف
المنهج التفهمي هو إدراك دلالات الأفعال عن طريق ربطها بالمقاصد والنوايا الذاتية
لأصحابها والفاعلين لها، ولذك فهو منهج يعتمد على البداهة والحدس؛ فنحن نفهم بعض
الحوادث بالبداهة كأن ندرك أن الشخص يكون غاضبًا حينما يتم الاعتداء عليه، أو أن
نتبين رفضه من خلال قسماته الجسدية. فما يكون بديهيًا يكون واضحًا ويحتم إدراكه
بشكل مباشر، دون الحاجة إلى تفسيره بالاعتماد على طراق وإجراءات موضوعية. صــ 130
▬ إن الخاصية
الأساسية لما بعد الحداثة هي التعددية، والتي تتمثل في تعددية الثقافات والتقاليد
المجتمعية، والأيديولوجيات، وصور الحياة، والنظريات، والأنساق الفكرية،
والمعايير...إلخ. حيث تتسم الأشياء في عالم ما بعد الحداثة بطبيعة تعددية، ولا
يمكن ترتيبها في تسلسل زمني تطوري، كما يظهر بعضها على أنه متفوق على البعضِ
الآخر، كذلك لا يمكن تصنيف بعض الأشياء باعتبارها صحيحة أو خاطئة، أو باعتبارها
حلولًا صحيحة أو خاطئة لمشكلات معينة، أي بمعنى أنه لا يمكننا بل يستحيل تقييم أي
معرفة خارج سياق الثقافة، والتقليد، والتي تعطي لهذه المعرفة معنى، وبالتالي ليس
ثمة محاكاة ومعايير للصحة والصدق تصلح
للتطبيق خارج سياقها الأصلي، ولهذا تصبح مشكلة عالم ما بعد الحداثة هي تحقيق
الاتصال والفهم المتبادل بين الثقافات، والتأكيد على النسبية وتبديد أحلام العمومية
الحداثية. صــ 184