‏إظهار الرسائل ذات التسميات أديان ومعتقدات. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات أديان ومعتقدات. إظهار كافة الرسائل

فلسفة الدين (محمد عثمان الخشت)

▬ فلسفة الدين هي التفسير العقلاني لتكوين وبنية الدين عبر الفحص الحر للأديان، والكشف عن طبيعة الدين من حيث هو دين، أي عن الدين بشكل عام من حيث هو منظومة متماسكة من المعتقدات والممارسات المتعلقة بأمور مقدسة، ومن حيث نمط للتفكير في قضايا الوجود، وامتحان العقائد والتصورات الدينية للألوهية والكون والإنسان، وتحديد طبيعة العلاقة بين كل مستوى من مستويات الوجود، والبحث في الطبيعة الكلية للقيم والنظم والممارسات الدينية، ونمط تطور الفكر الديني في التاريخ، وتحديد العلاقة بين التفكير الديني وأنماط التفكير الأخرى؛ بغرض الوصول لتفسير كلي للدين، يكشف عن منابعه في العقل والنفس والطبيعة، وأسسه التي يقوم عليها، وطبيعة تصوره للعلاقة بين المتناهي واللامتناهي، والمنطق الذي يحكم نشأته وتطوره واضمحلاله. وتستعين فلسفة الدين على تحقيق ذلك بمنجزات العلوم الإنسانية والاجتماعية، مثل: علم النفس الديني، وتاريخ الأديان، وعلم الاجتماع الديني، والأنثربولوجيا الدينية. صــ 27

▬ فلسفة الدين تختلف عن علم الكلام أو اللاهوت؛ فهي ليست دفاعية، ولا مشغولة بدين دون آخر، بل هي معنية بالدين ككل من حيث هو دين، وليس بدين محدد، وهي تسعى لتفسير الشعور والتفكير الديني، وتبدأ من نقطة بدء موضوعية وعقلانية خالصة، أي تبدأ بداية غير منحازة، لكنها ربما تنحاز في نهاية التحليل لدين ما؛ بناء على أسس عقلانية محضة؛ لأنها تنتهج الأسلوب البرهاني وتتجنب المنهج الجدلي أو الانفعالي. كما أن العقل الواضح والواقع المتعين هما المعيار فيها للتمييز بين الحق والباطل، وتبدأ ــ أو هكذا ينبغي أن تكون ــ من مقدمات يقينية بحكم التجربة أو بحكم العقل. أما علم الكلام أو اللاهوت فهو منحاز من البداية إلى النهاية، وينتهج أساليب تبريرية وجدلية في أكثر الأحيان، وهذا ما لا تفعله فلسفة الدين إلا استثناء.. أو هكذا ينبغي أن تكون. صــ 39 ، 40

▬ روسو هو الذي فتح مجرى جديداً أمام النزعة التقوية التي تؤكد على أسبقية الضمير والشعور الأخلاقي على المعرفة النظرية العقلية المحضة [..] فجاءت النزعة الرومانطيقية التي كان على رأسها روسو، وقالت بأننا نملك خبرات أخرى: خبرات الضمير، والجمال، والدافع الديني.. وهي خبرات - رغم أنها ليست فقط علمية وعقلية نظرية بالمعنى الصحيح، ورغم استحالة إدخالها ضمن إطار الفيزياء الميكانيكية - هي خبرات قوية  إلا حد لا يمكن معه إهالها واعتبارها مجرد تصورات وهمية، كما أنها تظل مستعصية على الفهم، إلى أن نفترض بأن العالم في الحقيقة هو شيء مختلف عما يستطيع العلم البرهنة على وجوده. ولما كنا لا نستطيع أن نعرف علمياً حقيقة الوجود، فلدينا ما يبرر أن نعتقد لأسباب عملية أخلاقية أن الطبيعة البشرية تتألف من العقل والشعور، وأنه لا غنى لنا عن العمل بوحي من واجب أخلاقي. إننا نستعر احتراماً دينياً في الكون أعظم، وإننا نعجب - ولا مندوحة لنا من الإعجاب - بجمال في الأشياء لا يمكن تعليله علمياً. صــ 89

▬ يؤكد هيجل على ضرورة الدين من حيث هو دين، فمن المغالطة الظن بأن الكهنة - كما يقول هو هنا - اخترعوا الأديان لكي يخدعوا الشعوب؛ فالأديان في جوهرها تشترك مع الفلسفة في موضوع واحد هو الله وعلاقة الإنسان به. وخلاصة الأمر أن موضوع الدين هو موضوع الفلسفة نفسه، فالإثنان يبحثان في العقل الكلي الذي هو بذاته ولذاته، الجوهر المطلق. ويحاولان أن يستبعدا التعارض بين المتناهي واللامتناهي، بين الإنساني والإلهي.. غير أن الدين يجري هذه المصالحة بواسطة الخشوع، بواسطة العبادة، بواسطة الشعور والوجدان والتمثل. بينما الفلسفة تريد إجراءها بواسطة الفكر الخالص، لكن رغم وجود هذا الخلاف بينهما في الوسيلة، فإن القرابة بينهما قائمة، إذ أنهما بتوحدان في مضمونهما وغايتهما ولا تميزان إلا في الشكل. صــ 102

▬ جاء مذهب الربوبية كأقوى اتجاه معارض للمعجزات؛ حيث كان هذا المذهب من آثار تقدم الطريقة العلمية في النظر إلى الطبيعة باعتبارها محكومة بقوانين ثابتة، لا يمكن خرقها؛ ومن ثم لا مجال للمعجزات، ولا للكتاب المقدس ليكون إعلاناً عن الله، ولا النبوة، ولا للعناية الإلهية التي تحتم أن يكون فيها المسيح هو الله الظاهر في الجسد؛ فالمسيح لم يكن سوى معلم أخلاقي، والعبادة لا ينبغي أن تكون إلا لله، والله نفسه إله متسامٍ ترك خليقته بعد أن خلقها لتحكمها القوانين الطبيعية التي يمكن للعقل البشري أن يكتشفها ويفهمها، ولقد وضع كذلك مبادئه الأخلاقية في الطبيعة البشرية التي يمكن اكتشافها كذلك، ويجب الحياة وفقاً لها؛ حيث إن هناك خلوداً، وعلى كل إنسان أن يلتزم بالأخلاق حتى ينعم بالثواب ويتجنب العقاب. ولم يكن إنكار المعجزات استناداً إلى الطريقة العلمية في النظر إلى الطبيعة مقصوراً على مذهب الربوبية القائل بالدين الطبيعي، بل كان أمراً يجد له أنصاراً من اتجاهات فلسفية شتى.. ومن هؤلاء الفلاسفة ديفيد هيوم الذي هاجم مفهوم المعجزة، إذا يرى عدم إمكانية حدوث معجزات خارقة لقوانين الطبيعة، ومن ثم فهو يرفض برهاناً أساسياً من البراهين التي تقدمها الأديان كعلامة على كونها من عند الله. صــ 194، 195

▬ إن الدين العقلي المحض عند كنت دين خالي من الدعاء والطقوس أو الشعائر والمناسك، لأنه في جوهره عمل بالقانون الأخلاقي، إذ أن السلوك الأخلاقي النابع من أداء الواجب الذي شرعه العقل لذاته بذاته هو العبادة الحقيقية. بينما الخضوع لطقوس وشعائر ولوائح كنسية، يقضي على حرية الإنسان، لأنها غير متضمنة لقيمة أخلاقية. كما أن الإيمان بشيء غير مستنبط من العقل، ومنتمٍ إلى عقائد تم إبلاغها إلينا بالرواية التاريخية، لا يستند إلى برهان كلي ودائم، لأن حجية مثل هذه العقائد مؤقتة بزمن ظهور ذلك الدين بالنسبة لأولئك الذين عاصروه وشاهدوا معجزاته. أما الذين لم يعاصروه فليسوا ملزمين بذلك، ومحاولة إلزامهم بإيمان تاريخي فيها قضاء على حريتهم العقلية والأخلاقية. ومن الواضح تأثر كنت بهيوم في هذا الصدد. صــ 223 ، 224


  • Digg
  • Del.icio.us
  • StumbleUpon
  • Reddit
  • RSS

الفلسفة اليهودية (مُصطفى لبيب عبد الغني)

• ليس لليهود الآن ما يعزونه لأنفسهم مما هو خليق بأن يضعهم فوق سائر الأمم.. وبالنسبة إلى الذهن وإلى الفضيلة الحقة، فلم تُخلق أمة متميزة عن الأخرى في هذا الصدد (اسبينوزا)
• أيها اليهودي، وافق دستور الدولة، واعمل بجميع عادات وقوانين البلد الذي تحل فيه، ولكن في ذات الوقت كن أميناً على دين آباءك وأجدادك. (موسى منلسون)
===================================

▬ كان فيلون يُسلّم بصدق ما جاء به "الوحي" في التوراة، كما يٌسلم أيضاً بصحة الفلسفة اليونانية؛ فالوحي والعقل عنده متفقان، وإن كان يرى أن الفلسفة اليونانية هي ضرب من الوحي العميق على حين أن الكتاب المقدس وحي واضح جلي لبيان حقائق الكون. وكان يرى أن الفلسفة اليونانية مأخوذة من التعاليم العبرية، وأن أفلاطون وأرسطو أخذا تعاليمهما من موسى، وهذا هو مصدر ما لديهما من حكمة. وعلى هذا كان انحيازه للوحي واضحاً إذ عارض كثيراً من النظريات الفلسفية اليونانية، وعدل من بعضها، وأول بعضها الآخر للتتواءم مع ما صرح به الوحي. وهو يُعد مسئولا عن خلط تعاليم الفلسفة اليونانية بالوحي وبالإلهام الشرقي على العموم. صــ 21

▬ يرى اسبينوزا أن الله أنزل وحيه على الأنبياء بألفاظ وصور محسوسة أو متخيلة، وأن الأنبياء لم يُمنحوا عقلاً أكمل من عامة العقول وإنما مُنحوا مخيلة أقوى؛ فقد كان منهم الأميون، وكان منهم الحكماء، مثل سليمان، من لم يوهبوا النبوة. ولما كان الأنبياء قد أدركوا الوحي الإلهي بالإستعانة بالخيال، فلاشك أن كثيراً من تعاليمهم قد تعدت حدود الذهن، لأننا بالكلمات والصور نستطيع أن نكون أفكاراً تزيد عن تلك التي نكونها بالمباديء والمفاهيم الذهنية التي تقوم عليها معرفتنا الطبيعية. وقد تمنتع الأنبياء بقدر أعظم على الخيال الحي، لا بفكر أكمل، وكلما زاد الخيال قل الاستعداد لمعرفة الأشياء بالذهن الخاص، وعلى العكس من ذلك نجد أن من يتفوقون في الذهن ويرحصون على تنميته تكون قدرتهم على التخيل أكثر اعتدالاً وأقل انطلاقاً، وكأنها حبيسة حتى لا تختلط بالذهن. وعلى ذلك فإن البحث عن الحكمة ومعرفة الأشياء الطبيعية والروحية في أسفار الأنبياء ابتعاداً عن جادة الصواب. على هذا يضع اسبينوزا تفرقة حاسمة بين الدين والعلم، وترسيما واضحاً لحدود كل منهما، أو بعبارة أدق بين اللاهوت والفلسفة. فالعلم هو معرفة العلل الطبيعية للأشياء بطريق العقل الإنساني لا بطريق الخيال واستكناه أسرار الرموز [...] والنتيجة التي ينتهي إليها سبينوزا هي أن "النبوة"، من هذا الوجه، أقل من المعرفة الطبيعية التي لا تحتاج إلى آية ما، بل تتضمن بطبيعتها اليقين، والواقع أن هذا اليقين النبوي لم يكن يقيناً رياضياً، بل كان يقيناً خُلقياً فحسب، وهذا ما يؤيده الكتاب نفسه. ومن هنا لا يجد سبينوزا حرجاً في القول بأن موسى علّم العبرانيين كما يعلم الآباء الأطفال الذين لا عقل لهم على الإطلاق، ولذلك فمن المؤكد أنهم جهلوا تماماً سمو الفضيلة والسعاة الحقة.. صــ 140 ، 141

▬ إن المشكلة الفكرية الكبرى التي تعرض لها الفكر الديني اليهودي والمسيحي في القرن التاسع عشر هي ما تعرض له العهد القديم من الكتاب المقدس للنقد. فمنذ أن حل شامبليون رموز حجر رشيد وأخذت الحفريات تنقب عن آثار الأقدمين سواء في مصر أو فلسطين وسوريا ولبنان والعراق، أخذت علوم الشرق القديم، من تاريخ وجغرافيا وأدب ولغة ودين وميثلوجيا تتدفق على الأوساط العلمية الغربية. وقد أسفرت هذه العلوم عن حقائق كثيرة ثبت بعضها ما جاء في الكتاب المقدس ونقض الكثير منه. وزاد الطين بلة نشأة العقلانية وسيطرة فلسفتها على تفكير العصر كله، مما أدى إلى إضعاف الإدعاء الديني بأن الكتاب المقدس وحي يجب تصديقه وإن تخالف مع العقل. هذا إلى جانب أن العلوم الطبيعية كانت قد أجرت خلال القرنين السابقين تجارب كثيرة ناقضت الكتاب المقدس في مواضع عديدة. صــ 147

▬ أثناء القرن الثامن عشر زعزعت حركات التحرر السياسي، في عصر التنوير، قومية اليهود "الدينية" من أساسها، إذ ظهر تعارضها مع القوميات الأوربية الوليدة التي استهدفت أنصار مختلف عناصر الأمة في هوية سياسية واحدة تتوازن فيها حقوق المواطنة وواجباتها، وأن اعتبار للانتماءات الدينية أو اللغوية أو العرقية. وتبع هذا التغير في مفهوم الولاء تعديل لاهوتي يقضي بتصور "الشتات" اليهودي في العالم جزاءً إلهياً لزم للتكفير عن الخطايا، ومناسبة لنشر اليهود التوحيد بين جميع الأمم. غير أن تعثر تحرير اليهود وعدم تمتعهم بكامل المواطنة في الكثير من المجتمعات الأوربية الحديثة، غرباً وشرقاً، وظهور نزعات التعصب من جديد ضد اليهود، وهو ما ُعرف "بالعداء للسامية"، ولأن الكثيرين قد ضاقوا بالفعل من نجاحات اليهود وتفوقهم - وبخاصة في دوائر المال والأعمال - أوقظ روح التعصب الأوروبي ضد اليهود. وارتبط هذا التعصب بنشأة قوميات متطرفة كالفاشية والنازية. وقد أدى ذلك إلى تأجيج مشاعر اليهود، وإلى بعث الصهيونية من مرقدها، وبخاصة بين اليهود المحافظين، وإلى مراجعة اليهود لمواقفهم من مفهوم "الدولة" الحديثة، بسبب خيبة أملهم في المسيحيين الأوربيين الذي "أعطوا فندموا، فأخذوا ما أعطوه عنوة، فتلوا". وترسخت فكرة القومية اليهودية من جديد، وعاودهم التوجه إلى فلسطين قبلتهم. وشرعوا في محاولات الاستعمار الزراعي للأرض المقدسة فلسطين، وروجوا للهجرة الجماعية إليها تمهيداً لإقامة "وطن قومي" لهم فيها.  صــ 162 ، 163


  • Digg
  • Del.icio.us
  • StumbleUpon
  • Reddit
  • RSS

الإنسان يعصي.. لهذا يصنع الحضارات (عبد الله القصيمي)


• إننا جميعاً ننكر على الآخرين أخطاءهم أو كثيرا من مواقفهم وشهواتهم، ولكننا إذا كنا في مثل ظروفهم فعلنا جميع الأشياء التي ننكرها عليهم بنفس الشهوات والنيات والتفاسير والمنطق، بل وبنفس الإعلان والجرأة والافتضاح.
• إن الفرق بين النبي وأعدائه كالفرق بين ذاته وذواتهم أو صحته وصحتهم أو مولده ومولدهم أو تاريخه وتاريخهم. إنه كالفرق بين الصخرة والصخرة أو بين النبتة والنبتة. إنه فرق وجود وكينونة لا فرق حب وتقوى أو ذكاء أو طهارة أو شموخ.
• إننا قد نقول الحقيقة جداً لأننا نرفضها جداً. إننا قد نقول الحقيقة والصدق بكل الإعلان والجسارة لأننا نرفضهما ونخرج عليهما بكل الإعلان والجسارة.
• كيف يمكن أن يكون الإله محتاجاً إلى أية لغة؟ إن احتياجه إلى أية لغة وإلى ممارسة أية لغة هجاء أليم له. إن معرفة اللغات والتكلم بها والاستمتاع إليها وقراءتها لسيت أخلاق أو مستويات إله.
• إن ذاتي جهاز هائل لصناعة الأسئلة ولصياغتها ولإغرائها بالتجمع فيها ولدعوتها إليها وللترحيب بها وللبحث عنها ولإطلاقها على كل الاتجاهات والأشياء، وبكل الأساليب وعلى جميع المستويات..
• إنك لن تتساءل دون أن تُحدّق أو ترفض أو تنكر أو تتناقض أو تشمئز أو تبغض أو تعجز عن الفهم أو التسويغ أو الاحتمال أو التقبل، أو دون أن تخاف أو تشك أو تغضب. وهل يمكن أن تكون كل هذا أو بعضه دون أن تكون ممارسا لكل أساليب العدوان أو لبعض أساليبه؟
• إن الاقتناع بالأجوبة المصنوعة أسلوب تاريخي عالمي من أساليب البحث عن السلامة والأمن.
• إنّي لستُ نسبياً ولا معلماً يسكتان كل التساؤلات بسطوة الآلهة والمذاهب، ولكنني إنسان يحول كل شيء إلى تساؤلات تتصاغر أمام أصغرها أشرس الآلهة والمذاهب. إنني لستُ نبياً ولا معلماً يسكتان كل تساؤل بسطوة الآلهة والمذاهب وبسطوة السلاح..
• إنني لا أضع التفاسير، ولكنني أبطل ما وضع منها. إنني لا أشيد الهياكل ولكنني أهدم ما شيد منها..
• إنني لا أشكر من أوجدني، لأنه لم يوجدني لأنه يحبني، أو لأنه يختار لي، أو لأنه يستجيب لما أريد. ولكنه أوجدني لأنه يتعزى ويتداوي من آلامه وفراغه بإيجادي.
• إن الأذكياء والأغبياء يتساوون أو يشتركون في تصديق الأكاذيب، بل قد يتفوق الأذكياء في هذا التصديق، لأن سلوكهم الذهني يكون أكثر وأقوى حماسا واستقبالاً وتلمساً، وأكثر حركة، وأقدر على الحركة..
• إن أي نبي أو معلم لو عاد اليوم لكان مستحيلاً أن يكون صيغة كاملة لوجوده القديم. إنه لن يريد ذلك ولن يستطيعه.
• إن الأغبياء والكاذبين والتافهين ليكتبون التاريخ كما يكتبه العباقرة والقديسون والعظماء، أو أكثر وأشمل واقسى.
• إن الأمان والاستقرار الدائمين لهما أقسى عذاب تعاقب به الحياة نفسها وتعاقب به الإنسان.
• إن أعلى المعلمين أو الزعماء صوتاً ووعظاً ضد الشهوانية ليس أقل شهوانية أو إحساساً بها من أشرس الذئاب جوعاً وافتراساً.
• إن اختلاف الحشرات في سلوكها لا يعني اختلافها في نياتها. وكذلك اختلاف الناس في سلوكهم.
• إن صورة إلهك هي أنت في أضخم وأجمل صورة تتمناها لذاتك.
• إن أهلَ كل مذهب أو نظام أو دين أو معسكر يرديون أن يكونوا هم الثيران والتيوس وأن يكون كل ما سواهم هم البقر والمعيز، بل إنهم ليعتقدوا أن الأمر كذلك.
• إن وجود الإله الذي يتقبل الصلوات والدعوات والمطالبات ويستجيب لها لعقدة لا مثيل لها في سخفها. إن ذلك هو الجنون.
• كيف تقبل أن يكون في بيتك أو في معبدك أو في تصورك إله يستجيب لك ولا يستجيب لأعدائك بقدر ما يستجيب لك؟
• هل يوجد شيء غير الجنون ليكون العقل خادماً له، تابعاً له، حارساً له؟ هل يوجد شيء غير الجنون ليهبه العقل صداقته وولاءه وإخلاصه المميت المهين؟ هل يوجد شيء غير الجنون يستطيع العقل أن يهبه نفسه وأن ينفق عليه موهبته ويصرف إليه حماسه واهتماماته؟
• أيها الإنسان، أيها الإله، إنّا نريدك مهذباً ورحيماً وتقياً، لهذا نريدك خارجاً على أقوالك وتعاليمك، نريدك عاصياً لحوافزك ونياتك وأهدافك.
• إننا لو نتصور أن أية عيون في كل تاريخ الكون وفي كل تاريخ العيود قد تفجر فيها من الذنوب والقبائح وأهوال الجحيم مثلما يتفجر في عيني ذلك الكائن الفلكي الذي هبط أو سقط - بالافتراض- إلى هذه الأرض ليكون محكوماً عليه بمواجهة الإنسان. إن مواجهة الإنسان لا تطاق أهوالها لولا التعود عليها.
• ما أصغر الإنسان في المعبد، ما أقصره وما أجهله وما أتفهه وما أهونه أمام آلهته، يبكي ويدعو ويركع..
• إن فرض التلاؤم يحمي أبشع وأكبر الغباوات والتفاهات والفضائح والطغيان والهوان الوذنوب والدمامات والمظالم والحقارات والآلام والعفونات من أن تكون مرفوضة أو مقاومة أو منقودة أو محتجاً عليها أو مشمأزاً منها، بل يحميها من أن تكون مرئية أو مسؤولة أو صانعة للتساؤل.
• إننا بتلاؤمنا لا نكون موتى فقط، بل نكون أكثر موتاً وأبشع موتاً من الموتى. إن الموتى يصبحون عاجزين عن المقاومة وعن جميع أساليب الرفض. أما المتلائمون فإن عجزهم عن الرفض وعن المقاومة هو بعض ما يكونون أو أصغر ما يكونون.
• أيها الإنسان .. أنت قاتل، قاتل لنفسك لنفسك، ولكل أفرادك، ولكل من يعايشونك أو يمارسونك بالرؤية والمواجهة والتفكير. أنت لا تكون إلا قاتلاً، لا تكون إلا قاتلاً مقتولاً. أنت قاتل لأنك فارض للتلاؤم، ومقتول لأنك مفروض عليك التلاؤم. أنت أبداً قاتل مقتول.
• إن خروجك في سلوكك على المجتمع شيء لا تستطيعه، ولعلك أحياناً لا تستطيع إرادته. وإن خروجك في فكرتك أو في مذهبك أو في اعتقادك على سلوكك شيء يشقيك ويؤنبك، وقد يهجوك ويحولك إلى متهم.
• إنك لا تعتقد ما يعتقده الناس من أديان أو مذاهب أو تعاليم أو أخلاق لأنك مقتنع به أو فاهم له أو حتى مفكر فيه أو متصور أو محترم له، بل لأنك محكوم عليك بالتلاؤم معهم في سلوكهم وحماقاتهم وفي مبادتهم لأوثانهم.
• لقد كان الإيمان من الداخل يهبك الراحة والرضا عن النفس أكثر مما يهبك ذلك النفاق.
• إن توحد مذهب المجتمع أو توحد دينه أو الهه أو زعامته أو تعاليمه وتقاليده لا يؤكد حقيقة فكرية، بل يؤكد سلوكاً جماعياً محتوماً أو مفروضاً.
• إن ضرورة التوافق أو التوحد من الآخرين أو مع المجتمع هي أقوى وأشمل وأخلد وأشهر الأعداء لحرية الإنسان.
• في كل التايخ كان التلقين أقوى وأذكى وسائل الإقناع. إنه أقوى وأذكى من كل منطق. إن البشر لم يجدوا أو يواجهوا منطقاً له العالمية التي لمنطق التلقين.
• إن قوة التلقين ليست إلا تعبيراً عن قوة الحاجة إلى التلاؤم والتوحد مع الجماعة في تفاهاتها.
• إن قيمة جماعية الغباء لا تساوي أكثر من قيمة جماعية السلوك المواقف. إن الغباء الذي تؤمن به الجماعة يتحول إلى قيمة لأنه يتحول إلى تفسير وتسويغ وتمجيد للسلوك الجماعي الغبي أو العدواني أو الفاضح أو التافه.
• إن الإنسان ليس كائناً يفكر ويقتنع ثم يقتنع بأنه قد اقتنع، ولكنه كائن يتلاءم. إن تلاؤم الإنسان واحتياجه إلى التلاؤهم هما الهزيمة الشاملة الدائمة العالمية لذكائه ولكبريائه ولتفكيره ولحريته ولشجاعته وقوته وموهبته.
• إن اللاهوتية ليست هي فقط لاهوتية الدين والسماء. إنها أيضاً لاهوتية المذاهب والقوميات والنظم والنظريات. ولا توجد فروق بين هذه اللاهوتيات في احتياجها إلى ممارسة الأكاذيب والنفاق والهوان والخداع والغوايات والتفاهات..
• إن الرأس الإنساني هو الكائن المحارب عالمياً وأبدياً مع الاختلاف المحتوم والتفاوت المحتوم في أساليب محاربته. ولكن هل يوجد من يحاربونه أو يعادونه كالطغاة والمعلمين، لأنه أي الرأس الإنساني لا يعادي ولا يحارب أي قوم مثلما يحارب ويعادي الطغاة والمعلمين؟
• إن السيف النبي أكثر عدواناً ووقاحة وأكبر ذنباً من لسيف اللص أو السيف القاتل أو السيف القاطع للطريق..
• إن السيف هو أفجر وأوقح وأقوى المفكرين والفلاسفة والأنبياء والمعلمين والقديسين والخطباء، وأقدرهم على الإقناع في كل التاريخ. إنه النبي الذي لا مثيل لمعجزاته في القدرة على الإقناع.
• إن هزائهم الآخرين هي التي تهب انتصاراتهم قيمها وتفاسيرها المذهبية والدينية والنفسية والفكرية.
• ما أكثر الأنبياء والمعلمين الذين جاءوا ليبكوا آلامهم وهمومهم بعيون وقلوب الآخرين. ما أكثر الذين يركبون عيونهم في وجوه الآخرين.
• إن عينيك مفتوحتان ومسددتان إلى الخارج. إن ذلك يعني أنه قد أريد منهما ولهما أن تريا الأعداء والخصوم وكل الآخرين وكل الأشياء الأخرى أكثر مما أريد منهما ولهما أن ترياك أنت.
• ما هذا النبي أو الزعيم أو الكاتب أو المعلم الذي يجيء ليعلم قوماً أو قومه كيف ينتصرون أو يتفوقون على قومٍ آخرين؟ ما أخلاقه أو دينه أو شهامته أو ذكاؤه..
• إن عبقرية أي إنسان ومزاياه لا تساوي أكثر من قدرته على العصيان ومن إرادته وممارسته له ومن أساليبه المختلفة في ممارسته له. إن إبداع أي مجتمع في ألف عام لا يساوي أكثر من عصيان هذا المجتمع في نفس هذه المدة. إن أي إبداع وتجاوز ليس إلا عصياناً ما. إن عصيان الإنسان هو تخطي ما كان، هو تخطي قدرة الطبيعة.
• إن إلهك ليفرض عليك أن تحول كل المخالفين إلى رعايا له. إنه يلزمك أن تتحول إلى حاشد قطعان لتتجمع في محرابه أو في مجزره. إن عليك أن تجعل القطعان له.
• إن قليلاً من الناس ليعصون بأفكارهم أعنف مما يعصي الأتقياء أو الأكثرون بأعضائهم وشهواتهم.
• إن الإنسان كائن لا بد أن يعصي بكل اتجاهاته وتفاسيره ومعانيه. إنه أكثر الكائنات وأوسعها عصياناً، مهما كان أكثرها تعاليم ضد العصيان، ومهما كان عدد أربابه وأنبيائه وكتبه المنزلة.
• لعل الفرق بين المعصية وأخرى ليس أقل من الفرق بين الإنسان والإنسان الآخر، أو بين العبقرية والتفاهة، أو بين الحضارة والبدواة.
• إن الإيمان بالأديان أو بالآلهة الكاملة ليس إلا محاولة من محاولات الاعتقال أو التحديد لطموح الإنسان ولاحتمالات وطاقات التحديق والتحليق والتخطي فيه.
• لقد استطاع الإله والدين أن يعيشا بين المؤمنين بهما لأنهما كانا يعيشان فوق منابرهما وفي كتبهما المقدسة فقط، لا  في حياة ولا في أخلاق ولا في نيات أولئك الذين يعيشان في أفواههم وتعاليمهم وصلواتهم.
• إن الإنسان هو الذي يهب أربابه ومذاهبه وأديانه وأفكاره أخلاقها بقدر ما يهب بيوته وأزياءه أشكالها ونماذجها وألوانها وحدودها. إن الإنسان هو البدء لجميع كينوناته الاعتقادية والمذهبية والفكرية والدينية. إنه هو البدء لأربابه ولكل أخلاق ومستويات واحتياجات ذاته.
• إن أي مفكر أو معلم أو مصلح قد ينفصل عن مجتمعه وعن عصره ليكتب ذاته وعنها، وليحولها إلى تعالم وأفكار، وإلى ألهة وأديان.
• إن مرض المعلم أو النبي المريض ليصبح معنى من معاني تعاليمه ونبواته، وكذلك صحته، وكذلك قوته وضعفه، وكذلك ذكاؤه وغباؤه. إن آلام ذاته تتحول إلى آلام في تعاليمه. إن آلام النبي الذاتية تتحول إلى آلام وتشوهات في أخلاق الهه.

=================================
▬ إن الاشتغال بالتطهير الذاتي للنفس أو للنيات، أو بالدعوة إلى هذا التطهير، أو بتجريم أهواء النفس أو النيات، أو بمحاسبتها على اتجاهاتها ومجاعاتها وتقلباتها... إن الاشتغال بذلك ليس إلا أسلوباً من أساليب الدعوة للأعضاء المحرمة المخفاة خجلاً منها إلى التطهر والتحرر من أخلاقها وضروراتها ووظائفها ومن إحساسها بنفسها وبضغوطها ومن نياتها ونداءاتها غير المهذبة وغير الملتزمة بالحياء أو بالوقار والتهذيب أو بالأديان أو بالمذاهب أو بالتعاليم أو بأوامر الزعماء وخطبهم المتوترة المهددة البليغة. إن الاشتغال بذلك أو بالدعوة إليه ليس أذكى أو أفضل من الاشتغال بدعوة الحشرات إلى أن تكون أكثر نظافة أو استتاراً أو حياء أو شهامة أو تقوى. إذن أليس جميع الدعاة وواعظي الأعضاء بأن تتطهر من جوعها وشهواتها ونياتها هم وعاظ ودعاة حشرات؟ صـ 141

▬ هل يمكن أن تتصور قاتلاً وعابثاً ولئيماً وسخيفاً وقاسياً وحقوداً، وأن تروي عنه صفاته هذه مادحاً هو بها نفسه، ومادحاً أنت له بها، مادحاً أنت لها كصفات أعظم وأنبل وأرحم إله تتمناه؟ هل يمكن أن تتصور إلهك كذلك ثم تكون أنت شيئاً طيباً أو رحيماً أو عظيماً أو ذكياء أو صديقاً أو متسامحاً أو ذا نموذج نفسي نظيف كريم سوي؟ هل يمكن أن تكون خيراً ثم تختار إلهك شريراً، أو أن تكون سعيداً ثم تختاره شقياً، أو ذكياء ثم تختاره بليداً، أو متحضراً متقدماً ثم تختاره بدوياً متخلفاً؟ [..] إن حديثك عن إلهك وعن نبيك وعن قائدك وزعيمك وعن بطلك ومعلمك هو - بأسلوب ما وتفسير ما - حديث عنك، عن مستواك وعن قدرتك وشهوتك وإرادتك ومما تتمنى أن تكون وأن تجد أن حديثك هذا هو حديث عنك في كل معانيك أو في أحد معانيك. إنك تصلي وتضرع إلى إلهك بمستواك لا بمستوى إلهك. إنك ترى إلهك برؤيتك لوجودك لا برؤيتك لإلهك. صـ 192

▬ كيف رأيته كل العقول: كيف أمكن أن يتفق الناس الكثيرون جداً المختلفون المتفاوتون جداً في جميع مستوياتهم وظروفهم العقلية والثقافية والعلمية والنفسية والأخلاقية والتاريخية والميلادية بل وفي أهوائهم وهمومهم ومصالحهم ومواجهاتهم وتجاربهم؟ كيف أمكن أن يتفق كل هؤلاء على الاقتناع بإله واحد أو بنبي واحد أو بزعيم أو بمذهب أو دين واحد أو بأعداد هائلة من المعتقدات المتنافرة المتنافية المتناقضة البليدة الهمجية التي ترفض كل العقول منطقها وترفض كل العيون دمامتها وترفض كل الاخلاق والحضارات وحشيتها؟ كيف أمكن أن ترى عيون كل هؤلاء الناس هذا الإله أو هذا النبي أو هذا الزعيم أو هذا القديس أو هذا البطل أو هذا الدين أو هذا المذهب بكل هذه المزايا والأخلاق والتفوق والقوة والمجد والخلود؟ كيف أمكن أن يروه جميعاً نفس الرؤية الواحدة؟ كيف توحدت كل عيونهم في عين واحدة وعقولهم في عقل واحد ونماذجهم في نموذج واحد؟ لقد توحدوا في إيمانهم ورؤاهم لأنهم لا بد أن يتوحدوا في مواقفهم وسلوكهم، ولم يتوحدوا في مواقفهم وسلوكهم لأنهم متوحدون في إيمانهم أو رؤاهم... صــ  307

▬ إن الناس لم يتحولوا إلى موكب بليد ذليل وراء أي نبي ليؤمنوا بمعجزاته ولنبوته وليصنعوا له الانتصارات والمعجزات مثلما فعلوا وراء السيف. إن السيف هو أوقح الأنبياء والمعلمين والزعماء وصناع المذاهب والتعاليم والمعتقدات ولكنه أصدقهم وأقواهم منطقا وأكثرهم اتباعاً. إنه الكذاب الذي لا يوجد أصدق منه والفاجر الذي لا مثيل له في تقواه الدينية والمذهبية والأخلاقية والنفسية. إن البشر لم يجدوا في أكذب كاذب أصدق الصادقين وفي أفجر فاجر أتقى الأتقياء مثلما وجدوا في السيف. لقد كان السيف هو العقول والآذان والعيون التي رأي بها الناس والتي سمعوا وصدقوا كل فنون ومستويات الجمال والصدق والذكاء والتهذيب والإعجاز التي وجدوها في أربابهم وأنبيائهم وزعمائهم وفي سائر من علموهم المذاهب والأديان والتعاليم... من هذا النبي أو الزعيم أو الكاتب الذي يجيء ليعلم قوماً أو ليعلم قومه كيف ينتصرون أو يتفوقون على قوم آخر؟ ما أخلاقه وما دينه وما شهامته وما ذكاؤه؟ هل يوجد في بذاءات البشر أو في ذنوبهم مثل أن يوجد فيهم من يذهبون يعلمونهم كيف ينتصر أو يتفوق بعضهم على بعذ؟ كيف استطاع البشر أن يتقبلوا زعماءهم ومعليمهم وكتابهم وقادتهم؟ إن هؤلاء الذين يعلمونهم كيف ينتصر ويتفوق بعضهم على بعض وهم الذين يمتدحون لهم هذه الوقاحة وهذا العدوان البذيء؟ إن السيف هو الواضع لصفات الإله المفسر لها. إنه المدرس للإله صفاته وأخلاقيه.. صــ 347

▬ إن المتدينين المؤمنين بالإله الشامل الكامل أو بالمعتقدات الشاملة الكاملة لن يستطيعوا أن يكونوا عالميين أو إنسانيين في أخلاقهم أو في أفكارهم أو في معاملاتهم أو في مشاعرهم أو في نياتهم أو في أمانيهم أو في تفاسيرهم للأشياء أو لأنفسهم أو للآخرين. إنهم لن يستطيعوا أن يروا الأشياء والناس، وأن يقرؤوها ويقرؤوهم، وأن يفهموها ويفهموهم، وأن يحسدوها ويحسدوهم بيعيونهم وعقولهم وأحاسيسهم، بأحجامهم وأحجامهم، وبتفاسيرها وتفاسيرهم، وباحتياجاتها واحتياجاتهم، وبنصوصها ونصوصهم... إنهم لن يروا الناس أو يفهموهم بعيون كونية أو طبيعية، وبمنطق كوني أو طبيعي. إنهم لا بد أن يروهم ويفهموهم ويفسروهم خارج الكون، أي خارج الطبيعة وخارج الإنسان. إنهم لا يستطيعوا أن يكونا كونيين أو عالميين أو إنسانيين في رؤاهم أو في أفكارهم أو في همومهم أو في أحاسيسهم أو في رضاهم وغضبهم أو في حبهم وبغضائهم... إنهم لا بد أن يتحولوا إلى حدود ومقاسات معادية لكل من ليسوا على مقاسات أربابهم وأنبيائهم وأديانهم ونصوصهم التاريخية المحفوظة. إنهم لا بد أن يتشوهوا وأن يرفضوا ويعادوا ويتهموا كل من ليس في أنفسهم وأخلاقهم وعقولهم من ضيق وضعف وأوهام ونصوص تقرؤها وتحفظها وتفسرها أبلد وأضعف المحاريب والمنابر، تتلقاها عن أضعف وأصغر الشفاه والعقول والأخلاق والشخصيات. صــ 383


▬ إن كل صاحب عقيدة أو دين أو فكرة لابد أن يكون عاصياً. إن أشد الناس عصياناً هم أقواهم إيماناً واعتقاداً، هم أقواهم عقائد وأكثرهم عقائد. إن كل عقيدة وفكرة لا بد أن تهان ويعتدى عليها بعصيانها وبالعجز عن التوافق معها وبالكذب عليها وبها. ولهل البشر لا يعتدون على شيء أو يحقرون شيئاً أو يكذبون على شيء مثلما يفعلون ذلك بمعتقداتهم وأفكارهم. إن الإلتزام السلوكي خاضع لظروفه وضروراته، وليس خاضعاً للإلتزام الإعتقادي. لهذا فإنه محكوم عليك أن يكون عصيانك لعقائدك أشد كلما كانت عقائدك أقوى، لأن عجزك عن الإلتزام سلوكياً بالعقائد القوية والكثيرة سيكون أكثر من عجزك من الإلتزام أي سلوكياً بالعقائد الضعيفة والقليلة. إنه لا شيء يعصي ويخرج عليه ويعجز عن التوافق معه مثل العقائد القوية الكثيرة، أو مثل المعلمين المبالغين في تقواهم التعليمية. صــ 384

  • Digg
  • Del.icio.us
  • StumbleUpon
  • Reddit
  • RSS

الفلسفة الإسلامية (رجاء أحمد علي)

• صحيح أن الفلسفة الإسلامية تأثرت بأرسطو إلا أن لها خصائصها التي تميزها وتجعلها تختلف عن غيرها فهي وليدة ظروف خاصة بها.
• حاول المعتزلة تأويل كل الآيات القرآنية التي تفيد التجسيم بما يتوافق مع تنزيه الله، كذلك أنكروا رؤية الله بالإبصار لاقتضائها الجسمية والجهة.
• هكذا كانت معركة الجمل هي نقطة البدء لكل تطور سياسي ديني لاحق بالنسبة إلى عدد كبير من المسلمين، لأن موقعة الجمل ومن بعدها صفين أثارتا المشكلة العقلية الأولى والتي تتمثل في الحكم على مرتكب الكبيرة.
• مصدر المعرفة عند النبي والفيلسوف واحداً، وإن كان يختلف طريق كل منهما في الوصول لهذا المصدر. (الفارابي)
• إن الاهتمام بالجانب السياسي عند مفكري الإسلام يظهر جلياً في أول مسألة ظهر فيها الصراع القديم القائم حول مسألة الإمامة أو الخلافة، هذا الصراع الذي حُوِّل مساره وبعد أن كان فيها صراعات سياسية أصبحت تلك الأحزاب السياسية فرقاً دينية..

===============================
▬ المعتزلة هم الواضعون الحقيقيون لعلم الكلام، ولا تكاد توجد فكرة هامة فيه إلا ولها أصل لديهم، عرضوا لبعض مشاكله في أوائل القرن الثاني الهجري وشغلوا به نحو قرن ونصف في دراسة جادة ومتنوعة والحق أن مدرسة المعتزلة من أخصب المدارس العقلية في الإسلام فكراً ورجالاً، فلسفت أمور لم تُفلسف من قبل وعالجت مشاكل فيها عمق دقة وكالكمون والطفرة والتولد وابتكرت حلولاً جديدة فهي بحق فلسفة الإسلام. صــ 18

▬ نفى المعتزلة أدنى مماثلة بين الله والإنسان ولجأوا إلى وصفه بصفات السلب ذلك لأن كل ما يرد على خاطر الإنسان من صفات لابد أن يكون الله خلاف ذلك. أيضاً نظر المعتزلة إلى الصفات على أنها اعتبارات ذهنية عقلية تمثل وجوهاً مختلفة  فالتنزيه المطلق الذي يفهم من موقف المعتزلة في وصفهم الله بصفات السلب فقط قد تبعه خطوة أخرى ذهبوا فيها إلى ضرورة وصف الله بمجموعة من الصفات الإيجابية التي وصف بها نفسه بشرط أن لا نفهم من هذه الصفات أنها معاني قديمة قائمة بالذات، لأننا لو فعلنا ذلك فقد أثبتنا إلهين أو أكثر ووقعنا في التعدد، فالصفات عندهم ليست مستقلة عن الذات، وإنما هي عين الذات، فالله حي بذاته لا بحياة، عالم بذاته لا بعلم، قادر بذاته لا بقدرة.. صــ 23

▬ لقد أراد الأشعري التوسط بين طرفين كلاهما متطرف فخشى أن يذهب دين الله وسنة رسوله ضحية الآراء المتطرفة من يمين أو يسار فحاول أن يوفق بين هذه الآراء وانتهى إلى ألا يجعل العقل كل شيء كما أراد المعتزلة وألا يجعل الإيمان بالنص وحرفيته كل شيء كما أراد المتطرفون من أهل السنة وإتباع السلف، فمن جهة رأى أن العقل وحده لا يكفي الدعم الدين إذ لو كان أمره كذلك بماذا تكون قيمة الإيمان بالله وبالكتاب المنزل أليس الإيمان بالغيب مبدأ أسياسياً في الحياة الدينية؟ صــ 30

▬ ترتبط الحرية الإنسانية عند الفرق الكلامية بموضوع غاية في الأهمية هو موضوع الجبر والاختيار وخلق الأفعال، تلك المشكلة التي أخذت اتجاهين متباعدين كلاهما نقيض الآخر، فأصحاب الاتجاه الأول نظروا إلى هذه المشكلة على أنها مشكلة ميتافيزيقية بحتة، أي مشكلة تمس صميم الاعتقاد كالجبرية والأشاعرة والمتصوفة، أما أصحاب الاتجاه الآخر فقد نظروا إلى هذه المشكلة على أنها مشكلة تتصل بالعمل لا صلة لها بالميتافيزيقا، فهي تدخل في مجال الأخلاق، فالقول بحرية الإرادة مسلمة ضرورية لدواعٍ أخلاقية عملية، فحرية الإنسان ليست موضوع اعتقاد، لأن العقائد تتعلق بحقائق الوجود مستقلة عن كل فعل إنساني كالإيمان بوجود الله. صــ 39

▬ [...] من هنا نستطيع القول أن العالم عند الفارابي قديم بمعنى أنه لا يوجد زمان سابق على وجوده، لكنه محدث، أي أنه ممكن بذاته وواجب بغيره، فهو تابع لغيره، بمعنى أنه يحتاج في وجوده إلى علة تخرجه من الإمكان إلى الوجوب أو باصطلاح أرسطو من القوة إلى الفعل، وهنا قد لا نجد خلافاً بين هذا القول وبين ما جاء به الشرع، من أن العالم حادث، فالحدوث هو حدوث ذاتي وليس حدوثاً زمانياً. صــ 84


▬ إذا كان علم أصول الدين هو أول العلوم النقلية العقلية التي نشأت حول القرآن الكريم فإن علم أصول الفقه هو العلم الذي يدرس التنزيل، يدرس كيف ينزل الوحي وكيف أستفيد منه فهو منهج تحويل الوحي إلى واقع عملي وعلى ذلك فعلم أصول الفقه علم عقلي منطقي لا دخل له بالعقائد فهو علم لا يتأسس على الله ووجوده فهو يهتم بالمحور الأفقي الذي يشمل الرسالة والمُرسل إليهم ولا يشمل أي من الغيبيات، وهذا على خلاف علم أصول الدين (علم الكلام) الذي يبحث في العقائد وأيضاً التصوف الذي هو علم التأويل ونعني به التأويل الروحي الباطني الذي يختلف بل ويتعارض مع تأويل الفلاسفة والمتكلمين الذين يؤولون تأويلاً مجازياً وعقلياً أما تأويل المتصوفة فهو تأويل قلبي. صــ 196

  • Digg
  • Del.icio.us
  • StumbleUpon
  • Reddit
  • RSS

الأصولية والعلمانية (مُراد وهبه)

• إن للعقل خاصية متميزة في أنه محكوم بمواجهة مسائل ليس في الإمكان تجنبها. فهي مسائل مفروضة عليه بحكم طبيعته. بيد أن العقل عاجز عن الإجابة عنها. (كانط)
• إن بزوغ الأصوليات ليست مجرد رد فعل ضد الرؤى الكونية الجديدة التي تهدد تراثها "المقدس"، بل هي تهدف إلى تشكيل العالم استناداً إلى مقولات ثلاث: العنف والإرهاب والثورة، وإلى السيطرة على التعليم والإعلام وتأسيس مدارس ومعاهد أصولية.
• إن كلاً من الرأسمالية الطفيلية والأصولية الدينية مدمر لحاضرة العصر، وحيث أن كلاً منهما مناقش للآخر فيحق النا القول بأن ثمة علاقة جدلية بينهما، أي علاقة يمكن أن يقال عنها أنها تعبير عن وحدة وصراع الأضداد.
• إن الأصولية من حيث هي نظرية قد وُلِدت لسد الفراغ الأيديولوجي الذي نشأ عن الأبنية التقليدية، وعن سقوط النماذج المستوردة من الغرب.

=======================================
▬ في القرن الخامس قبل الميلاد أنكر أنكساغوراس الطبيعة الإلهية للأجرام السماوية. وذهب إلى القول بأن القمر أرض فيها جبال ووديان، وأن الشمس والكواكب أجرام ملتهبة، لا تختلف طبيعتها عن طبيعة الأجسام الأرضية. ولم يطق ملاك الحقيقة المطلقة مثل هذا القول الذي قاله أنكساغوراس لاعتقادهم أن كل ما هو سماوي فهو إلهي، وأن من يتنازل عن مثل هذه الأمور بأسلوب علمي هو مجرم في حق الدولة. واتهموه بالإلحاد  فاضطر إلى مغادرة أثينا حيث كان يقيم ويتفلسف. ثم قدم إلى أثينا بروتاغوراس حوالي عام 450 ق.م ونشر كتاباً أسماه "الحقيقة" وردت فيه العبارة: "الإنسان مقياس الأشياء جميعاً". ومعنى هذه العبارة أن الحقيقة نسبية بنسبية الإنسان. ثم رتب على هذه العبارة عبارة أخرى هي قوله: "لا أستطيع أن أعلم إن كان الآلهة موجودين أم غير موجودين. فإن أموراً كثيرة تحول بيني وبين هذا العلم أخصها غموش المسألة وقصر الحياة". فاتُهم بالإلحاد وأُحرقت كتبه، وحكم عليه بالإعدام، ولكنه فر هاربا. أما سقراط فكان يعتقد أن حكمته تقوم في علمه بجهله بينما غيره جاهل يدعي العلم. فمضى يحاور السياسيين في حلقات واسعة، فلا يلبث أن يبين لهم أنهم لا يعلمون شيئاً، وأن ما يعلمونه إما ظن، وإما عن إلهام إلهي، وكلاهما مباين للعلم، فاتهموه بأنه ينكر الآلهة، ويفسد الشباب، وحكم عليه بالإعدام، وقبل سقراط الحكم. وفي النصف الأخير من القرن الثاني للميلاد نشأت طائفة من الشكاك بزعامة سكستوس امبيريقوس، أي سكستوس التجريبي. جاء في أحد مؤلفاته أن المبدأ الأساسي للمذهب الشكي يدور على أنه: "لكل حجة حجة مضادة لها" ثم يستطرد قائلاً:"إننا نعتقد أن من لوازم هذا المبدأ الوصول إلى نقطة نمنع فيها عن أن نكون دوجماطيقيين". ومعنى ذلك على حد قوله أن "الشاكُ يرفض الدوجماطيقية" والغريب في أمر سكستوس وأصحابه أن ترجمة مؤلفاته قليلة ومن الصعب العثور عليها. وبسبب جهلنا بنصوص هذه المدرسة الشكية أُفرغ لفظ الشك من مضمونه. وأغلب الظن أن جهلنا بالنصوص مردود إلى سلطان ملاك الحقيقة المطلقة، أي الدوجماطيقيين..... صــ13 ، 14

▬ يمكن القول بأن الأصولية، أياً كانت سمتها الدينية، مسيحية أو إسلامية أو يهودية، أو أية ملة أخرى، تمزج المطلق بالنسبي، والحقيقة الأبدية بالحقيقة العابرة، وبذلك تدافع عن حقيقة لاهوتية ماضوية، وكأنها رسالة أبدية موجهة ضد حقيقة لاهوتية راهنة، فتعجز عن التعامل مع الوضع الراهن، ليس لأنها مجاوزة لهذا الوضع ولكن لأنها تتحدث عن وضع ماضوي فتمنح مصداقية أبدية لرؤية نسبية. وفي هذا السياق تصبح الأصولية ممهدة لما أسميه: (صراع المطلقات). وأقول الأصولية من غير ذكر للسمة الإسلامية: لأن هذه هي الأصولية أيا كانت سمتها الدينية. وصراع المطلقات لا تستقيم معه الدعوة إلى سلام العالم. فسلام العالم ليس ممكناً إلا بسلب الدوجما من الدين، أي نفي الدوجماطيقية. وهذا النفي ليس ممكناً إلا بنفي علوم العقائد بسبب أن مفهوم الحرب كامن في هذه العلوم. ومن هنا فإن حوار الأديان، إذا أقيم على أسس هذه العلوم، محكوم عليه بإفراز الأصولية الدينية. ذلك الحوار يفترض التسامح، أي يفترض مشروعية الرأي المخالف. فإذا ارتقى الرأي والرأي المخالف إلى مستوى المطلق، تحول الحوار إلى نقيضه، أي إلى صراع، لأن المطلق بحكم طبيعته، لا يقبل التعدد. والمفارقة هنا أن تعدد المطلقات مهدد للمطلقات. ومن شأن هذا التهديد أن يقضي مطلقٌ على باقي المطلقات - وهذا هو منطق حوار الأديان وهو أقوى من القصد الطيب في الحوار. صــ 40

▬ [...] بيد أن هذا الانتقال كان، في جوهره، تعبيراً عن نقلة فكرية يمكن تحديدها بعام 1543، وهو العام الذي صدر فيه كتاب من تأليف نيقولا كوبرنيك بعنوان "في دورات الأفلاك السماوية". وهذا التاريخ يمكن أن يُعتبر حداً فاصلاً بين نهاية العصر الوسيط وبداية العصر الحديث، إذ هو أعمق من حادثة استيلاء الأتراك على القسطنطينية أواكتشاف كولومبوس لأمريكا. ذلك لأنه يرمز إلى نهاية عالم ومولد عالم جديد. فبفضل كوبرنيك، لم يعد الإنسان مركزاً للكون، وتوقف الكون عن الدوران حول الإنسان. وقد عبير كوبرنيك عن ذلك حين قال إن بقاء أكبر الأجرام ثابتاً على حين تتحرك حوله الأجرام الصغرى أفضل من دوران الأجسام حول الأرض، لأننا إذا افترضنا الأرض متحركة وهي المكان الذي نشاهد منه الحركات السماوية حصلنا على صورة للعالم أبسط من الصورة المبنية على افتراض الأجرام السماوية هي المتحركة. وهكذا لم يعد الإنسان مركزاً للكون، ولم يعد الكون متصوراً على دروانه حول الإنسان. وهكذا (اجتث كوبرنيك الأرض من جذورها ورماها في السماء). صــ 46


▬ ومشكلة الأصوليين تدور على أنهم يريدون تحويل ما هو تاريخي إلى ما هو "منطقي" بمعنى أن لديهم اعتقاداً راسخاً هو أن الإسلام يقدم لنا أجوبة عن جميع الأسئلة الهامة الخاصة بالشئون الدنيوية بغض النظر عن الظروف التاريخية. ولهذا فإن موقف الأصوليين من العلمانية هو أنها مرفوضة ليس فقط من الزاوية الدينية بل أيضاً من الزاوية المعرفية. وفي عبارة أخرى يمكن القول بأن موقفهم يدور على أن "معرفة" كيفية تنظيم الشئون الدنيوية مشتقة من "المعرفة الدينية". وإذا أطلقنا على المعرفة أنها "معرفة علمية" فمعنى ذلك أن أساس معرفة الإنسان العلمية يكمن في المعرفة الدينية. صــ 73

  • Digg
  • Del.icio.us
  • StumbleUpon
  • Reddit
  • RSS

هذا الكون ما ضميره (عبد الله القصيمي)


• لقد أصبح الإنسان والكون وكل الأشياء سؤالاً دائماً، سؤالاً لا يحتمل أن يوجد له جواب، ولا أن يوجد أستاذ يوجه إليه السؤال وينتظر منه الجواب.
• إن المسؤول عن أخطاء الإنسان الاعتقادية والفكرية هو الكون المتوحش، وموقف الإنسان الأليم الذي لا تكافؤ فيه منه. إنه من جهة محكوم عليه أن يحاول فهم الكون لأنه محكوم عليه بالعيش معه والمواجهة له بكل أساليب المواجهة، ومن جهة أخرى هو عاجز عن فهمه لأنه عاجز أن يهضمه عقلياً أو أخلاقياً، ولأنه غير متكافيء معه بمستوياته المختلفة.
• إن مأساة عقل المؤمن أنه لا يستطيع أن يثبت وجود إله إلا إذا استطاع إثبات عدم الكون.
• إن الكون بكل ما فيه ليس إلا حروفاً وأرقاماً ومواد بناء تلقى إلقاء بلا تدبير ثم نقرؤها مغلوطة، كما هي، ونحول قراءتنا المغلوطة لها إلى أفكار وقوانين بل إلى آلهة وأنبياء وصلوات، بل ليس الكون حروفاً وأرقاماً وإنما هو كتل فقط تلقى إلقاء.
• إنه لا يوجد أي خالق يمكن أن يفتخر بانتساب هذا الوجود إليه.
• إن كل ما في الكون من جمال لا يستطيع أن يكون غفراناً أو اعتذاراً عن أية دمامة يعاني منها أي إنسان، لأن كل ذلك الجمال لن يستطيع أن يجعل دميماً واحداً يشفى من دمامته، أو من شعوره بها، وأن يكون عزاءً أو تعويضاً له عنها.
• إن ألف ابتسامة تواجهنا بها الطبيعة لن تستطيع أن تستر عاهة واحدة توقعها بشيخ أو يتيم أو حيوان بريء.
• إن المؤمنين جداً يمكن أن يتحولوا كافرين جداً تحت الظروف الأخرى المناقضة. والذين يجعلون الناس يؤمنون أو يكفرون بالأرباب والمذاهب والنظم والحماقات أو بنقيضها هم الأنبياء والدعاة والقادة والمعلمون، إن هؤلاء وحدهم هم العارضون في الأسواق لهذه السلع الشريرة.
• إن الإنسان دائماً مصلوب العقل والحرية والشرف تحت أقدام أربابه وعقائده ومذاهبه مهما صلبت مذاهبه وعقائده وأربابه تحت أقدام رذائله وتلوثه النفسي والسلوكي.
• إن العبقرية لا تساوي كل إنسان، بل تساوي أفراداً قليلين يجيئون على غير حساب أو تقدير أو قانون أو منطق، إنهم يجيئون وكأنهم تركيز أو تجميع فذ لملايين الناس أو لعشرات الملايين في فرد واحد.
• إن من أردأ الغباء والطغيان والتوقح أن نجعل تفكيراً ما هو المقياس دون كل الأفكار المخالفة له، وهو المقياس لها جميعاً.
• إن النصوص لغة يفهمها الناس كما يريدون لا كما هي، لأنها لا دلالات ولا تفاسير لها في ذاتها، فهي إذن لا يمكن أن تُعطي معاني محددة أو قاطعة. وإذا كانت النصوص لا يمكن فهمها فالدين كذلك لا يمكن فهمه.
• إنك أيها المؤمن الورع جداً لا تعادي أوتكره المخالفين لك في الدين أو المذهب بقدر تدينك أوإخلاصك لمذهبك أو إلهك، بل بقدر عجزك عن التلاؤم  مع نفسك وظروفك ومع الطبيعة.
• الذين لا يشكون هم الذين لا يرون، ولا يقرؤون، ولا يتحدثون مع أنفسهم ولا مع الآخرين.
• إن اليقين هو الغطاء الذهبي الكثيف الساتر للدمامات.
• إن الرغبة في الشيء - لا الرغبة عن الشيء - هي أحياناً كثيرة سبب تحريمه ومعاداته وتحويل الذم له، والخطابة ضده إلى فضيلة دينية أو إنسانية.
• إن الله لم يهزم في أي مكان، أو أمام أي خصم أكثر مما هزم في العالم العربي، أما زعمائه وحكامه المتألهين.
• إن استهلاك الضعفاء لحضارة الأقوياء يعني الهبوط بها، لأن المستهلك لها يكون حينئذٍ أقل منها في جميع مستوياته وتعبيراته، فيشوهها، ويعني كذلك الهبوط بالمستهلك لها، لأنها لتفوقها عليه ترهقه وتفقده التوازن والوقار، إنها تلزمه بما لا يتقن ولا يستطيع، حينئذٍ يصبح شاذاً عدوانياً صارخاً صاحب اداعاءات عريضة.
• إني لأشعر أحياناً بأني محتاج إلى أن أوهب كل ما في الكون من بلادة حس لكي أستطيع أن أبتلع كل ما في العالم العربي من طغاة ومن طاعة لهم وصبر عليهم، ومن غباء وغرور واعتزاز بهما، ومن عجز وتفاهة وإعلان عنهما، ومن أكاذيب وإهانات ومن استسلام، وهض لكل عذاب وغباء!
• إنه لعجز مذهل أن نحاول تحضير أرضنا بإدخال الحضارة إليها، ثم لا نحاول تحضير أنفسنا أو تصنيع مواهبنا.
• إن جميع المتخلفين الذين فُرضت عليهم حضارة الأقوياء قد أصبحوا يتكلمون اليوم بلغتها وشعاراتها، ويعبرون بموهبتهم العاجزة غير المتحضرة عنها لكي يشوهوها.
• إن الاستعمار لا يمكن أن يُفسر به التخلف أو العيوب، وإنما يُفسر هو بالعيوب والتخلف، إنه نتيجة لتخلف وعيوب سابقة لا خالق لها.
• إن التعليم يجب أن يكون تحويلاً للذات المتعلمة، يحول تفكيرها وأحاسيسها وقدرتها وأخلاقها ورؤيتها للأشياء والناس والآلهة والمذاهب والكون وأحكامها، يحولها إلى وجود إنساني جديد بمقاييسه ونشاطه وكل مستوياته، أي إلى تغيير.
• إن الذين كانوا يتلقون عقائدهم بالتسليم والعجز من غير تجديد أو مقاومة أونقد في عصر الاعتقاد، قد أصبحوا في عصر العلم يتلقون التعليم بالعجز والتسليم أيضاً دون ابتكار أو موهبة أو اجتياز.
• ما أخطر كل من يتعلمون دون أن يصبحوا علماء إذا كان مطلوباً منهم أو مفروضاً فيهم أن يتصرفوا كالعلماء، وأن يواجهوا المشاكل والناس كما يواجهها ويواجههم العلماء.
• إن بضعة علماء مغيرين للحياة، وواهبين لها شيئاً جديداً لأفضل من جميع المعاهد والجامعات التي تعد لتعطي أفواجاً هائلة متلاحقة لتجعلهم من القارئين والمفسرين والمعتقدين الذين يتكلمون ويجادلون ويرفعون أصواتهم كثيراً دون أن يعرفوا أن الكلام لا يساوي دائماً الفهم والذكاء - أن الكلام الكثير لا يساوي دائماً الفهم أو الذكاء الكثير، وأن الكلام بلغة العلماء لا يساوي العلم دائماً.
• ما أسوأ الحمل الذي لا ينتهي بولادة، وأسوأ الولادة التي لا تنتهي بحياة فيها صحة وجمال وذكاء وظروف اجتماعية وإنسانية جيدة، وما أسوأ التعليم الذي لا يكون فيه علم، وأسوأ العلم الذي لا يكون فيه خلق وتغيير ورفض وتجاوز.
• إن التعليم بلا موهبة عملية تشويه للمتعلم، وتشويه للأشياء التي يمارسها المتعلم الذي لا يملك الموهبة ولا الجرأة أو القدرة على الرفض والنقد.
• إن الأقوياء يتمردون على أنفسهم بقدر ما يتمردون على الآخرين وعلى ظروفهم، بل يتمردون على أنفسهم أكثر.
• إن التعبير عن المأساة هو أعمق الفنون الإنسانية، كما أن نفس المأساة هي أعمق فنون الحياة. ولقد كان البشر في كل التاريخ يحولون الدموع والأحزان إلى صلوات، ولم تكن المعابد إلا بيوتاً لمن يريدون أن يبكوا ويحزنوا، لمن يريدون أن يبحثوا عن السرور ممارسة في الحزن والبكاء.
• إني متشائم لأني أحب الأشياء وأصادقها بعذاب، فالذين يحبون ويصادقون بعذاب، يتشاءمون .. إني أحتج حينما يبدو أني أتشاءم!
• اقتلوا هذا الفنان، اقتلوا الفنان الذي يبدع ثم يُعاقِب ما أبدع بالتشويه والتعذيب!

=========================================
▬ إن الإنسان لا يناضل ليكون حرية وجداً وصدقاً، ولكن ليكون قيداً وعبثاً وكذباً ولكن بأسلوب آخر وعلى نحو آخر. والذين يقولون لنا: كونوا بلا قيود أو كونوا صدقاً وجداً إنما يعنون - دون أن يدروا - أن يقولوا: كونوا بلا بوجود. إن القيد والعبث ليسا شيئاً أكثر أوأقل من الوجود، وهما - أي القيد والعبث - لا يفرضان على الوجود، ولا يزيدان أو ينقصان فيه، إنه ليس شيئاً غيرهما وليسا شيئاً غيره، فلا قيد أو عبث بلا وجود، ولا وجود بلا قيد وعبث، بل لا فرق بين وجود ووجود في أنهما لا يكونونا إلا قيوداً وعبثاً. صــ9 

▬ إن برهان الوجود قائم على افتراض العدم، أي عدم الوجود، إننا نذهب نعاني لكي نثبت العدم، ولكن يكون إثبات العدم إثباتاً للوجود. وكيف نستدل على أكبر قضية وجودية بأكبر قضية عدمية أو افتراضية - كيف نستدل على أكبر موجود أو وجود؟ وهل يمكن أن يكون العدم أو افتراض العدم أكبر موضوع من موضوعات الإثبات العلمي؟ وكيف ينحدر منطق الإنسان إلى إثبات أن الكون كان معدوماً، لكي يثبت بذلك أن الله كان موجوداً، أو أنه لا يزال موجوداً؟ إن الله على هذا التقدير لا يمكن أن يكون موجوداً، إلا إذا ثبت أن الكون كان معدوماً، فوجود الإله مشروط بعدم الأشياء التي هي الدليل عليه! وأي تصورلأخلاقية هذا الإله العظيم الذي لا يستطيع أن يكون موجوداً وطيباً إلا إذا كان ما سواه غير موجود؟ صــ32

▬ يقول المؤمنون-والمفروض أنهم ميقتنعون-: إن الكون محكوم بالنظام على أدق وأذكى الأساليب والاحتمالات. ولعل الاقتناع بالنظام الكوني من المعتقدات التي يعد الاختلاف عليها أو الشك فيها من أول ما يرفضه العقل المؤمن، بل ويجفل من مناقشته أو التفكير فيه كموضوع يحتمل الشيء ونقيضه... ما هو النظام ؟ إنها كلمة، وقد تبقى دائماً كلمة فقط مثل أكثر الكلمات الضخمة التي تنطق بحماس وجهر دون أن يبحث لها عن تفسير، ودون أن يكون لها أي تفسير. ولعل الناس لا يبحثون لكلماتهم وشعاراتهم، ولا يريدون أن تكون لها هذه التفاسير، بل لعلهم يرفضون أن تكون لها، ولعلهم لو وجد لها-أي لكلماتهم وشعاراتهم-تفاسير لرفضوها وعجزوا عن الحماس لها والإيمان بها. إن معاني الكلمات والشعارات قتل لها وقيود عليها، وإبطال للسحر القوي فيها، والناس لا يريدون أن تقتل كلماتهم وشعاراتهم، وتوضع عليها القيود، ويبطل سحرها، بأن تكون لها تفاسير، ومعان محددة مفهومة. بل لعل الناس لو فهموا كلماتهم ومذاهبهم التي تحركهم، وتخلق فيهم النشاط والقوة، لقتلوا أنفسهم ووضعوا على خيالهم وحياتهم القيود، وفقدوا السحر الغامض القوي الذي يعيش فيهم، ويعيشون فيه، إذن هم لا يريدون أن يفهموا كلماتهم أو الكلمات التي تُقال لهم، وأعداؤهم هم الذين يحاولون أن يفهمومهم تفاسير ما يقال لهم، أو ما يقولون من شعارات وتعاليم ومذاهب، بصدق وأمانة وذكاء. وإذن هم لا يريدون أن يفهموا لكلمة نظام أي تفسير، ولا يريدون أن يبحثون لهم عن هذا التفسير، بل يريدون أن ينطقوا به، وأن يعتقدوا أنه مفهوم وواضح إلى المدى الذي يجعلهم غير محتاجين إلى فهمه، ولعل أكثر الكلمات وضوحاً في السوق هي التي لا يمكن فهمها، أو هي التي لا معنى لها لتُفهم! صــ36

▬ [...] والتفسير المشهور لهذا التخلف، الذي يكرره دائماً الزعماء والمعلمون والمفكرون والخطباء من فوق جميع المنابر، راضين عنه، مقتنعين به كأحد الاكتشافات العظيمة هو الزعم أن العرب لم يستطيعوا أن يجيئوا في ذكائهم، أو نضالهم متكافئين مع احتمالاتهم وظروفهم المواتية الكبيرة، لأن ظروفاً مضادة معوقة تخنق وتعوق مواهبهم وتعتقل محاولاتهم. ولكن ما هي هذه الظروف التي قهرت أقوى الاحتمالات وأفضل الظروف؟ ما هذه الظروف الشريرة العبقرية التي استطاعت أن تهزم ذكاء العرب وقدرتهم وأخلاقهم، وأن تشوه وجودهم كل هذا التشويه، وان تجعلهم يعيشون وكأنهم لا يحملون أي احتمال لأية موهبة غير موهبة التخلف، غير الموهبة التي تحول أفضل الظروف والإمكانيات إلى هباء؟ أليست القدرة على تحول الشيء الجيد جداً إلى شيء رديء جداً موهبة أيضاً؟ إن هذه الظروف كما اعتادوا أن يعددوها هي الآفات المعروفة على نحو ما في كل مجتمع قديم وحديث. هي الفقر والجهل، وحب الذات والأنانية وفساد الحكام، والاختلافات، والأحقاد المتبادلة، والضلال الروحي، وغير ذلك مما تردده مكرراً المنابر والواعظ بحماس كحماس الخرافة، وإصرار كإصرار الشهوة، وغباء مثل غباء الثوار. وهم يذكرون دائماً الاسعمار الغربي كزعيم شرير لهذه القائمة السوداء من الأسباب والتفسيرات. ولكن أليس هذا كله مظهراً من مظاهر التأخر، وصورة من صوره، وليس سبباً أو تفسيراً من أسبابه أو تفسيراته؟ فالتأخر هو وجود هذه القائمة، أما التقدم فهو الانتصار عليها. فقوم متخلفون لوجود هذه النقائص فيهم، وآخرون مقدمون لأنها ليست فيهم، أي أن قوماً يعيشون بمستويات أقل، فلماذا حدث هذا الاختلاف وما أسبابه...صــ215

▬ هل يجعلنا متحضرين أن يوجد بيننا من يقودون السيارات والطائرات ويدسون أيديهم بين الأجهزة والأزرار المتحضرة، ويديرون أو يملكون المصانع المستوردة، ويطلقون الأسلحة الحديثة على المطالبين بالحرية أو الهاتفين ضد الطغيان والفساد والكذب، أويختزنون مثل هذه الأسلحة، أو يستعرضون الجيوش بالأزياء والأساليب المستعارة التي علمهم إياها أقوام آخرون بارعون جاؤوا إلينا مستوردين مثل السلع، المستوردة، أو ذهبنا إليهم لنتفضل عليهم بأن نقبل أن يعلمونا حضاراتهم، وفنونهم، وبراعاتهم، وكأننا نتصدق عليهم بما يفعلون لنا أو بنا؟ أو بأن يوجد بيننا زعماء يخطبون بلغة وغرور من يملكون كل الحضارة والقوة والعلم والوقاحة؟ إننا لو أدخلنا إلى بلادنا جميع مصانع العالم، واستوردنا كل ما في المادة من طاقة وأسرار، وأصبحنا كلنا جنوداً يحملون أفتك وأحدث الأسلحة المصنوعة لنا أو المستوردة، وأطلقنا أقوى الصواريخ من أرضنا إلى أرضنا، أو من أرضنا إلى سمائنا أي أطلقها لنا قوم آخرون مستوردون، لما ازددنا إلا فقراً وانهزاماً وجهلاً ما لم نتحضر نفسياً وأخلاقياً، أي ما لم تصبح الحضارة فينا قدرة وإلزاماً ومستوى إنسانياً لا نستطيع الانفصال عنه، أو التحرر منه، نعيها ونتكافأ معها ونعانيها ونستطيعها ونعيشها بذكائنا وظروفنا وموهبتنا. إن استيراد الحضارة أو استهلاكها ليس حضارة، بل الحضارة طاقة إنسانية تتفاعل مع الظروف والاحتياجات لتصبح خلقاً من أخلاق مبدعيها. إن الحضارة ولادة وليست تبنياً، إنها ولادة عقلية ونفسية وأخلاقية. نحن في أفضل أحوالنا مستوردون للحضارة مستهلكون لها. صــ221

▬ إن القراءة نوع من العبودية، فالذي يقرأ ليؤمن ويطيع هو عابد مستسلم، وعابدو الأصنام هم قوم قارئون، لقد اكتسبوا آلهتهم وأصنامهم، وفهموا مزاياها وصفاتها بالقراءة والاستماع، وبالتعليم الذي هو قراءة. لقد أعطت القراءة المؤمنة للبشر جميع وثنياتهم، فليس الوثني إلا إنساناً قارئاً، أي متعلماً، والرافض للقراءة والتعليم لا يمكن أن يكون وثنياً لو كان يمكن أن يوجد من لا يقرأ أو يتعلم شيئاً. والقراءة ليست نشاطاً علقياً، بل هزيمة علقية، والعبادة نقل واستجابة وقراءة. ومن عبد صنماً أو شيئاً، فما هو إلا إنسان يحاول باستسلام أن يقرأ رغبة معبوده المنزلة أو الملهمة، ويفرضها على سلوكه ومشاعره وذكاءه. والتحرر من القراءة - أي التحرر من الغباء والتصديق ومشاعر العبادة أمام ما نقرأ - تحرر من الوثنية. إن الوثني يجهل الشمس فيخافها ويركع لها، إنه يقرؤها فقط دون أن يعلمها. إن الذي يشاهد الشمس بانبهار ديني هو كالذي يقرأ كتاباً بمثل هذا الانبهار، أما المتحرر فإنه لا يقرأ الشمس وإنما يفسرها ويسخرها. إن الأغبياء يعبدون الزلازل والأوثان والكتب لأنهم يقرؤون فقط، أي يتعلمون فقط، أما المبصرون فإنهم يقرؤون ويفهمون ويفسرون ثم ينكرون ويغيرون ويتجاوزون ويسيرون فوق التعاليم والعقائد والأموات والكتب إلى ذواتهم. أليس الذي يعبد كتاباً كالذي يعبد قبراً، كلاهما يمجد الموت بالهرب من الحياة؟ إن التعصب للقراءة يعني التعصب للتاريخ، يعني التعصب ضد الحياة والذكاء والحرية. صــ244

▬ إن الشمس - هذا الكائن الأبله الذي هو أكبر وأضخم وأجمل كائن دميم نراه - لو أنها كانت تستطيع الاحتجاج على نفسها، على كينونتها، وعلى سلوكها المثير في بلادته لكان من المحتوم أن تبحث عن بحر كوني يتسع لبدانتها الجوفاء لكي تموت فيه منتحرة غرقاً. لقد ظلت الشمس - مجد هذا الكون الذي نراه - في وقفتها الطويلة الخرساء، وفي دوراتها الغبية المتسكعة، تعرض جسدها المزخرف بيد غير فنان، مثلما تفعل أجهل غانية رخيصة مستهترة، وتبدد طاقاتها التي لا تعرف كيف ولا لماذا ملكتها بلا حساب أو ذكاء أو تدبير، وتواجه الكون والناس والآلهة والحشرات والفراغ الرهيب العقيم، دون أن ترفض، أو تغضب، أو تبكي، أوتحزن، أوتمرض، أو تقاوم، أو تسأل: لماذا أنا، إلى أين أساق، من فعل بي ذلك، لمصلحة من، ما الهدف، ما البداية، ما النهاية، متى الاستراحة، من أين، إلى أين. لقد ظلت الشمس كذلك دون أن تقول شيئاً، أو تفعل شيئاً مضاداً لأنها لم تكن تستطيع، أوتعرف، الاحتجاج والرفض. صــ 300


▬ أيها الواعظون، أيها الواعظون: نعم، إن كل ما في الكون من جمال، ولذات وغناء، ومجد، وصحة، وشباب، وضخامة، ونجوم، وليل، ونهار، لا يمكن أن يكون غفراناً أو اعتذاراً عن أية دمامة، أو عن أي ألم، أوعن أي موقف هوان أو بكاء، أو عن أي مرض، أوعن أية شيخوخة، أو عن أي عبث في هذا العالم. لأن كل ما في العالم من أشياء طيبة أو ضخمة أو ملائمة لن يستطيع أن يجعل دميماً واحداً، أومعذباً واحداً، أو محتقراً واحداً، أومريضاً واحداً، أو شيخاً واحداً، أو باكياً واحداً، يشفي من آلامه أو من شعوره بها، أو يخفف منها. لأن كل ما في العالم من ذلك لن يستطيع أن يكون عزاء أو تعويضا عما يلقى المتألمون. لأن كل سعادة وغناء وجمال وصحة تتحول إلى حد لم فقدوا ذلك، وإلى عدوان عليهم، وتذكير لهم بآلامهم! إن جميع الشموس المضيئة لن تكون تكفيراً عن ظلمة في عين. إن جميع القصور الباذخة لن تكون عذراً عن حقارة في كوخ. إن كل شيء ملائم لنا هو عدوان على نقيضه وحامل لنقيضه. إن الجمال عدوان على الدمامة، وحامل لنقيضه أي لنقيض الجمال أي حامل للدمامة. إن الصحة والشباب والمجد والقوة وكل شيء يلا ئمنا، هو عدوان على نقيضه وحامل لنقيضه. إن الجمال هو أكثر الأشياء الطيبة عدواناً، إنه عدوان على نقيضه وعلى كل المواجهين له والمتعاملين معه! أيها الواعظون، أيها الواعظون: خذوا نصائحكم واعطوني مشاعركم، خذو ذاتي واعطوني ذواتكم. إنكم حينئذٍ لن تعطوني. وإني حينئذٍ لن أكون محتاجاً إلى مواعظكم لكي أكون متفائلاً، لا يجد في الكون أو الحياة أو في الناس ما يصدم منطقه أورؤيته أو يثير أحزانه واحتجاجه! ليتكم أيها الناصحون تجربون معاناه الأحاسيس التي يعانيها من تقسون عليه بنصائحكم. ليتكم ترون آلام الآخرين وأحزانهم، وترون عبث الأشياء وأخطاءها وقسوتها، ليتكم تحسون هذه الآلام والأحزان والأخطاء والعبث والقسوة من داخلكم وبأعماقكم، كما يراها ويحسها من داخله وبأعماقه من تظلمون بنصائحكم وتفاسيركم! ليت هذه الآلام، والأحزان، والعبث، والأخطاء، والقسوة تنصب في عيونكم، وأعصابكم بالعنف الذي تنصب به في عيون وأعصاب من تنصحون! إن الذين يتعذبون باحتجاجاتهم لم يتعلموا عذابهم بالنصائح، إذن كيف يشفون من عذابهم بالنصائح؟ إنهم لم يتعلموا الاحتجاج ضد الآلام والعبث لأنه قيل لهم: احتجوا، إذن كيف يتركون الاحتجاج ضد الآلام والعبث إذا قيل لهم: لا تحتجوا؟ ليته كان ممكناً أن ينتقل كل ما وراء بعض الكلمات من رؤية وحماس وروعة عذاب إلى نفوس وعقول من يتلقون تلك الكلمات، ليته كان ممكناً أن تؤثر فيهم الكلمات الصادقة في عذابها وبلاغة ارتجافاتها تأثيراً مساوياً لما في نفوس وعقول من يطلقونها. ليته كان ممكناً أن ينقل الناس بعضهم إلى بعض! ليت تبادل العيون والأعصاب والرؤية كان ممكناً. ولكن كلا. فالذين يتعذبون بكل عذاب كل الآخرين هل يمكن أن يتمنوا العذاب الأحد، هل يمكن أن يتمنوا للآخرين العذاب الذي يعانون؟ صــ 326 : 328

  • Digg
  • Del.icio.us
  • StumbleUpon
  • Reddit
  • RSS

الدين والعلم (برتراند رسل) - ترجمه (رمسيس عوض)

• إن العلمَ يُشجعُ التخلي عن البحث عن الحقيقة المطلقة ويستبدل بها ما يمكن تسميته بالحقيقة التقنية المنتمية إلى أية نظرية يمكن استخدامها بنجاح في الاختراعات أو التنبؤات بالمستقبل.
• إن الكفرة يقولون أن المذنبات ترجع إلى أسباب طبيعية. ولكن الله لا يخلق شيئاً لا يكون سلفا نذيرا بحدوث كارثة مؤكدة. (مارتن لوثر)
• لقد سدد مذهب داروين إلى علم اللاهوت ضربة قاسية تماما كما فعل كوبر نيكوس في علم الفلك.
• إن الضرر الذي ألحقه اللاهوت لا يتلخص فقط في خلق نوازع القسوة بل أيضا في إضفاء الشرعية على التظاهر بالأخلاق السامية وإضفاء ما يبدو أنه قداسة على ممارسات ترجع إلى عصور أكثر جهلاً وبربرية.
• إن العلم يعتمد على الإدراك والاستدلال وترجع مصداقية العلم إلى حقيقة مفاداه أن مدركاته من النوع الذي يمكن لأي مراقب أن يضعها موضع الاختبار.
• قد يبدو غريباً أن تكون الحياة قد حدثت بالصدفة ولكن يمكن للمصادفات أن تحدث في كون في مثل هذا الاتساع.
• إن المزاج العقلي العلمي يتسم بالحرص والحذر فهو لا يقطع بشيء ويخطو إلى الأمام  خطوة بخطوة. وهو لا يزعم أنه يعرف الحقيقة بأكملها أو حتى يتخيل أن أفضل ما يتوصل إليه من معرفة صائب صواباً كاملاً.

===========================================
▬ العقائد هي المصدر الفكري للصراع المحتدم بين الدين والعلم. ولكن الحدة التي اسمت بها معارضة الدين للعلم ترجع إلى الصلة التي تربط العقيدة بالكنيسة كما تربطها بنظام الأخلاق. فالذين يعبرون عن شكوكهم في العقيدة يُضعفون سلطة رجال الكنيسة وقد يقللون دخلهم. أضف إلى ذلك الاعتقاد بأنهم يدمرون الأخلاق لأن رجال الكنيسة درجوا على استخلاص الواجبات الأخلاقية من العقائد. ومن ثم فإن الحكام الزمنيين ورجال الكنيسة يشعرون بأن هناك من الأسباب ما يجعلهم يخشون التعاليم الثورية التي يقدمها رجال العلم. صــ6

▬ إن العقيدة الدينية تختلف عن النظرية العلمية في أنها تزعم أنها تجسد الحقيقة الخالدة واليقينية بصورة مطلقة في حين أن العلم غير نهائي على الدوام ويتوقع ضرورة إدخال التعديلات على النظريات الحالية إن عاجلاً أم أجلاً. فضلاً عن أنه يدرك أن طريقته من الناحية المنطقية غير قادرة على الوصول إلى براهين كاملة ونهائية. غير أننا نجد في العالم المتقدم أن التغييرات المطلوبة هي في العادة تلك التي توفر له بصوره طفيفة درجة أكبر من الدقة. والنظريات القديمة تظل صالحة للوصول إلى نتائج تقريبية. ولكنها تبقى عاجزة عندما تطرأ بعض مناحي التدقيق على الملاحظة. أضف إلى ذلك أن الاختراعات التقنية التي توفرها النظريات القديمة تبقى دليلاً على تمتعها إلى حد ما بنوع من الحقيقة العملية. صــ10

▬ لقد كان اكتشاف التخدير مناسبة أخرى تدخل فيها اللاهوتيون للحيلولة دون التخفيف من المعاناة الإنسانية. ففي عام 1847 اقترح سيمسون استخدام التخدير في حالات الولادة. ولكن رجال الدين اعترضوا على ذلك وذكروه على الفور بأن الله قال لحواء في الإصحاح الثالث أية 16 من سفر التكوين :"بالوجع تلدين أولادك." فكيف إذن يتحقق ذلك إذا كانت المرأة تحت تأثير مخدر الكلورفورم ؟ غير أن سيمسون نجح في إثبات أنه ليس هناك ثمة ضرر في تخدير الرجال نظراً لأن الله وضع آدم في نوم عميق عندما نزع ضلعه. ولكن رجال الاكليروس - وهم ذكور - رفضوا الإقتناع بتخفيف ألام المرأة وهي في حالة الولادة على أقل تقدير. صــ102

▬ إن الإنسان - وهو صدفة غريبة حدثت في مكان مهمل - واضح ومفهوم فالخليط من الخير والشر الذي يتكون منه الإنسان يجعلنا نتوقع أن يكون قد نشأ بمحض الصدفة، ولا يوجد سوى الرضا المروع عن الذات الذي يرى في خلق الإنسان سببا يعتبره العليم بكل شيء باعثا قويا يدفع الخالق إلى خلق هذا الإنسان. إن ثورة كوبرنيكوس لن تؤت ثمارها حتى يتلقى الإنسان درساً أكبر في التواضع عما نراه في الذين يظنون أن الإنسان دليل كافٍ على وجود غاية في الكون. صــ222

▬ إن الحرب بين العلم واللاهوت كادت أن تنتهي. ولكن هذا لم يمنع دون اندلاع المناوشات بين حين وآخر في المناطق الواقعة على الأطراف، ويعترف المسيحيون أن دينهم أصبح أحسن حالاً بعد انتهاء هذه الحروب تقريباً. وتطهرت المسيحية من عناصرها غير الجوهرية الموروثة من عصر البربرية كما أنها تطهرت من الرغبة في اضهاد المخالفين لها. ويتبقى لدى المسيحين الأكثر ليبرالية مذهب أخلاقي له قيمته يتلخص في قبول تعاليم المسيح المنادية بضرورة حب الجار والإيمان بأنه يوجد في كل فرد شيء يستحق الاحترام حتى وإن لم يعد هذا الشيء يُسمى بالروح. صــ247


▬ قد يصر البعض على أن الاضهاد في زماننا يختلف عن الاضطهاد في الماضي في أنه اضطهاد سياسي واقتصادي أكثر من كونه اضطهادا لاهوتياً ولكن مثل هذا الدفاع يجانبه الصواب من الناحية التاريخية. فهجوم مارتن لوثر على صكوك الغفران سبب للبابا خسارة مالية ضخمة، وثورة هنري الثامن ضده حرمته من الدخل الكبير الذي كان يتمتع به منذ أيام هنري الثالث. وقد اضطهدت الملكة اليزابيث الكاثوليك الرومان لأنهم أرادوا استبدالها بماري ملكة اسكتلندا أو بفيليب الثاني. لقد أضعف العلم من قبضة الكنيسة على عقول الناس، الأمر الذي أدى في النهاية إلى مصادرة كثير من أملاك الإكليروس في بلاد كثيرة. صــ250

  • Digg
  • Del.icio.us
  • StumbleUpon
  • Reddit
  • RSS

وُعّاظ السلاطين (علي الوردي)


• إن الطبيعة البشرية لا يمكن اصلاحها بالوعظ المجرد وحده. فهي كغيرها من ظواهر الكون تجري حسب نواميس معينة. ولا يمكن التأثير في شيء قبل دراسة ما جُبل عليه ذلك الشيء من صفات أصيلة.
• الغريب أن الواعظين أنفسهم لا يتبعون النصائح التي ينادون بها. فهم يقولون للناس : نظفوا قلوبكم من أدران الحسد والشهوة والأنانية، بينما نجدهم أحياناً من أكثر الناس حسداً وشهوة وأنانية.
• دأب وعاظنا على تحبيذ الحجاب وحجر المرأة، فنشأ من ذلك عادة الانحراف الجنسي في الرجل والمرأة معاً. فالإنسان ميال بطبيعته نحو المرأة، والمرأة كذلك ميالة نحو الرجل. فإذا منعنا هذه الطبيعة من الوصول إلى هدفها بالطريق المستقيم لجأت اضطراراً إلى السعي نحوه في طريق منحرف.
• إنهم يتركون الطغاة والمترفين يفعلون ما يشاؤن. ويصبون جل اهتمامهم على الفقراء من الناس فيبحثون عن زلاتهم وينغصون عليهم عيشهم وينذرونهم بالويل والثبور في الدنيا والآخرة.
• إن الطبيعة البدوية هي طبيعة الحرب. فالبدوي لا يفهم من دنياه غير التفاخر بالقوة والشجاعة والغلبة، وهذه تؤدي عادة إلى حب التعالي والرئاسة والكبرياء.
• إن الواعظ يجعل الناس شديدين في نقد غيرهم، فالمقاييس الأخلاقية التي يسمعونها من أفواه الوعاظ عالية جداً. وهم لا يستطيعون تطبيقها على أنفسهم فيلجأون إلى تطبيقها على غيرهم، وبذا يكون نقدهم شديداً.
• إن الإنسان بوجه عام يحب مصلحته قبل أن يحب مصلحة الغير. فهو إذا رأى المصلحتين متناقضتين آثر طبعاً مصلحته الخاصة، وأهمل المصلحة الاخرى، فالإنسان الفاسد هو كالصالح في ذلك. الفرق بينهما آت من كون أحدهما قد أتاحت له الظروف أن تكون مصلحته مطابقة للمصلحة العامة، فسعى في سبيلها وظن الناس أنه يسعى في سبيلهم فقدروه وكافاوه فانتفعوا به بمثل ما انتفع هو بهم.
• مشكلة الوعاظ عندنا أنهم يحاولون تقويم السلوك بمجرد قولهم للإنسان : كن .. ولا تكن .. كأنهم يحسبون السلوك طيناً يكيفونه بأيديهم كما يشاؤون.
• إن من مفارقات الإسلام أن قد ظهر فيه رجلان متناقضان في كل وجه : أحدهما أسس فيه مُلكاً عظيماً والآخر أسس ثورة طاحنة - هما معاوية وعلي.
• إذا تكاتف السيف والقلم على أمر، فلابد أن يتم ذلك الأمر عاجلاً أو آجلاً.
• لقد افتتح المتوكل عهداً جديداً في تاريخ الإسلام حيث صار الدين والدولة نظاماً واحداً. وأخذ الدين يؤيد الدولة بقلمه، بينما أخذت الدولة تؤيده بسيفها. ورفع الناس أيديهم بالدعاء هاتفين: "اللهم انصر الدين والدولة".
• لعلنا لا نبعد عن الصواب إذا قُلنا بأن النزاع بين الشيعة وأهل السنة اتخذ شكل التعصب لآل النبي من جهة ولأصحاب النبي من الجهة الأخرى. فاهل السنة تعصبوا للأصحاب. بينما تعصب الشيعة للآل. وأخذ كل فريق يُغالي في تمجيد من تعصب لهم.
• كان سلاطين الصفويين لا يختلفون اختلافاً أساسياً عن سلاطين العثمانيين - كلهم كانوا يعبدون الله وينهبون عباد الله. ولم يكن الفرق بينهم إلا ظاهرياً. إذ كان جل همهم منصباً على تشييد المساجد وعلى زخرفة جدرانها وتذهيب منابرها...
• إن الصفويين خدّروا مذهب التشيع وروّضوه كما يُروض السبع الضاري. فأصبح التشيع بهذا الاعتبار كأنه "ثورة خامدة". ولعلنا لا نبعد عن الصواب إذا شبهمنا التشيع في وضعه الحاضر بالبركان الخامد-يخرج منه دخان ضئيل إشارة إلى ما كان عليه في العهود الغابرة من انفجار هدام.
• لقد ذهب علماء الإجتماع الذين بحثوا تاريخ الثورات إلى أن الطبقات المضطهدة كثيراً ما تلجأ إلى اعتناق بعض الخرافات لتحارب بها الحكام الظالمين. ويُطلق على هذه الخرافات اسم الأساطير الإجتماعية Social myths.
• إن الخطر كل الخطر من الخرافة التي يؤمن بها المجتمع ويبذل جهده في سبيل تحقيقها.
• كل حاكم محاط بحاشية تحجب الناس عنه. وهو قد يُخادع نفسه فيخرج إلى الناس يستمع إلى شكواهم. ولكنه لا يستطيع رغم ذلك أن يفهم عن حقائق المجتمع أكثر مما يستسيغه إطاره الفكري الذي صنعه له حاشيته والحافون به.
• ويعم البلاء حين يحف بالحاكم مرتزقة من رجال الدين. فهؤلاء يجعلونه ظل الله في أرضه، ويأتون بالملائكة والأنبياء ليؤيدوه في حكمه الخبيث. وبهذا يُمسي الحاكم ذنباً في صورة حمل وديع.
• إن نظام التصويت الذي تقوم عليه الديمقراطية الحديثة ليس هو في معناه الإجتماعي إلا ثورة مُقنّعة. والانتخاب هو في الواقع ثورة هادئه. حيث يذهب الناس اليوم إلى صناديق الانتخاب، كما كان أسلافهم يذهبون إلى ساحات الثورة، فيخلعون حكامهم ويستبدلون بهم حكاماً آخرين.
• كان السلطان المسلم يأتي إلى العرش عن طريق المرحوم أبيه. فهو لا يعرف من أمور الدولة سوى أن يتمتع بميراث أبيه، ويداري الجلاوزة والجلادين الذين يؤديونه في تدعيم هذا الميراث.
• لقد آن الأوان لكي نحدث انقلاباً في أسلوب تفكيرنا. فقد ذهب زمان السلاطين وحل محله زمان الشعوب. وليس من الجدير بنا، ونحن نعيش في القرن العشرين، أن نفكر على نمط ما كان يفكر به أسلافنا من وعاظ السلاطين.

=========================================
▬ لقد ابتلينا في هذا البلد بطائفة من المفكرين الأفلاطونيين الذين لا يجيدون إلا إعلان الويل والثبور على الانسان لانحرافه عما يتخيلون من مثل عليا، دون أن يقفوا لحظة ليتبنوا المقدار الذي لائم الطبيعة البشرية من تلك المُثل. فقد اعتاد هؤلاء المفكرون أن يعزوا علة ما نعاني من تفسخ إجتماعي إلى سوء أخلاقنا. وهم بذلك يعتبرون الاصلاح أمراً ميسوراً. فبمجرد أن نصلح أخلاقنا، ونغسل من قلوبنا أدران الحسد والأنانية والشهوة، نصبح على زعمهم سعداء مرفهين ونعيد مجد الأجداد. إنهم يحسبون النفس البشرية كالثوب الذي يُغسل بالماء والصابون فيزول عنه ما اعتراه من وسخ طاريء. وتراهم لذلك يهتفون بملء أفواههم : هذبوا أخلاقكم أيها الناس ونظفوا قلوبكم! فإذا وجدوا الناس لا يتأثرون بمنطقهم هذا انهالوا عليهم بوابل من الخطب الشعواء وصبوا على رؤوسهم الويل والثبور. وإني لأعتقد بأن هذا أسخف رأي وأخبثه من ناحية الإصلاح الاجتماعي..صــ5

▬ لقد صار الوعظ مهنة تدر على صاحبها الأموال، وتمنحه مركزاً اجتماعياً لا بأس به. وأخذ يحترف معنة الوعظ كل من فشل في الحصول على مهنة أخرى. إنها مهنة سهلة على أي حال. فهي لا تحتاج إلا إلى حفظ بعض الآيات والأحاديث ثم ارتداء الألبسة الفضفاضة التي تملأ النظر وتخلبه. ويستحسن في الواعظ أن يكون ذا لحية كبيرة كثة وعمامة قوراء. ثم يأخذ بعد ذلك بإعلان الويل والثبور على الناس، فيبكي ويستبكي - ويخرج الناس من عنده وهم واثقون بأن الله قد رضي عنهم وبنى لهم القصور الباذخة في جنة الفردوس. ويأتي المترفون والأغنياء، والحكام فيغدقون على هذا الواعظ المؤمن ما يجعله مثلهم مترفاً سعيداً.. صــ47

▬ إن الواعظين ينظرون في الأمور بمنظار المنطق القديم - منطق الثبات والتصنيف الثنائي. فالحسن حسن على الدوام والقبيح يبقى قبيحاً إلى يوم القيامة. والمنطق الاجتماعي الحديث يستخف هذا الرأي ويعتبره منطق السلاطين والمعتوهين. فالحسن في نظر المنطق الحديث لا يبقى حسناً إلى الأبد. إنه حركة وتغير مستمر. فما كان حسناً بالأمس قد يصبح اليوم قبيحاً. إن المنطق الحديث يدعى "منطق التناقض". فكل شيء يحمل نقيضه في صميم تكوينه. وهولا يكاد ينمو حتى ينمو نقيضه معه. وبذا يصير الشر خيراً بمجرد نموه وتحركه. صــ72

▬ يزعجني بعض رجال الدين حين أراهم يكتبون ويخطبون معلنين للناس أنهم يطلبون الحقيقة المجردة - غير دارين بأنهم يطلبون الحقيقة كما يشتهونها. والإنسان لا يفهم من الحقيقة إلا ذلك الوجه الذي يُلائم عقده النفسية وقيمه الاجتماعية ومصالحة الاقتصادية. أما الوجوه الاخرى من الحقيقة فهو يُهملها باعتبارها أنها مكذوبة أو من بنات أفكار الزنادقة - لعنة الله عليهم.. لا يستطيع أن يدنو من الحقيقة الكاملة إلا ذلك المشكك الذي ينظر في كل رأي نظرة الحياد. إن الشك هو طريق البحث العلمي. ولم يستطع العلماء المحدثون أن يبزوا أسلافهم في البحث إلا بعد أن اتبعوا طريق الشك. أما أولئك المتحذلقون الذين آمنوا بتقاليد آبائهم ثم جاؤونا يتفيقهون بطلب الحقيقة المجردة فهم لا يستحقون في نظر العلم الحديث غير البصاق. إننا لا نلوم رجال الدين على إيمانهم الذي يتمسكون به. ولكننا نلومهم على التطفل في البحث العلمي وهم غير جديرين به. إن الإيمان والبحث على طرفي نقيض. ولا يستطيع المؤمن أن يكون باحثاً. ومن يريد أن يخلط بينهما فهو لاشك سيضِّيع المشيتين. صــ231

▬ إن رجال الدين من الشيعة وأهل السنة يتنازعون على أساس قبلي كما يتنازع البدو في الصحراء. فكل فريق ينظر إلى مساويء خصمه، وكل حزب بما لديهم فرحون. قد يستغرب القاريء إذا علم بأن كلتا الطائفتين كانتا في أول الأمر من حزب واحد، وإن الذين فرقوا بينهما هم السلاطين ووعاظ السلاطين. ففي عهد الدولة الأموية كان الشيعة وأهل السنة يؤلفون حزب الثورة. إذ كان الشيعة يثورون على الدولة بسيوفهم، بينما كان أهل السنة يثورون عليهم بأحاديثهم النبوية - هؤلاء كانوا ينهون عن المنكر بألسنتهم، وأولئك كانوا ينهون عنه بأديهم [...] إن الثورة، بوجه عام، تحتاج إلى نوعين من السلاح، هما سلاح السيف وسلاح القلم. ولم تنجح ثورة في التاريخ من غير أقلام قوية، أو ألسنة، تدعو إليها وتنشر مبادئها بين الناس. فالسيف وحده لا يكفي لتدعي مبدأ من المباديء الثورية. فإذا لم تتبدل القيم الفكرية ويخلع الناس عن عقولهم طابع الخضوع والجمود، عجز السيف عن القيام بثورة ناجحة [...] قلنا في فصل سابق  أن العباسيين لم يكونوا يختلفون عن أسلافهم الأمويين من حيث الترف والطغيان أو من حيث السفك والنهب. إنما اختلفوا عنهم بالمظهر فقط. أولئك كانوا ينفرون من أهل الحديث ويضطهدونهم، وهؤلاء يبجلون ويذرفون الدموع الغزيرة عند حضورهم.  صــ231 : 233

▬ يقول البرفسور ادواردس : "إن الثوار دائماً يعتقدون بأن فساد المجتمع ناشيء عن فساد حكامه. ولهذا فهم يظنون بأن الصلاح الإجتماعي لا يتم إلا بتولي أناس صالحين مكانهم". يبدو أن نظرية ادواردس هذه تنطبق على ما كان قدماء الشيعة يؤمنون به من عصمة الإمام. إذ كانوا يرون فساد الأوضاع الإجتماعية ناتجاً من تحكم الملوك الفاسدين فيها. يروي الشيعة عن أحد أئمتهم أن الله قال: "لأعذبن كل رعية في الإسلام دانت بولاية إمام جائر ليس من الله، وإن كانت الرعية في أعمالها برة تقية. ولأعفون عن كل رعية في الإسلام دانت بولاية إمام عادل من الله، وإن كانت الرعية في أنفسها ظالمة مُسيئة". صــ251

▬ يزور الشيعة قبر الحسين بمئات الألوف كل عام. ثم يرجعون من الزيارة كما ذهبوا-لم يفعلوا شيئاً غير النواح واللطم. إنهم اليوم ثوار خامدون..فقد خدّرهم السلاطين، وحولوا السيوف التي كان يقاتلون بها الحكام قديماً إلى سلاسل يضربون بها ظهورهم وحراب يجرحون بها رؤوسهم. ومن يدري فقد يأتي عليهم يوم تتحول فيه هذه السلاسل والحراب إلى سيوف صارمة من جديد. إنهم لا يحتاجون في ذلك إلا إلى فرد مشاعب من طراز اللعين ابن سبأ (هذا إن لم يكن شخصية وهمية). صــ255


▬ إن العدالة الإجتماعية لا يمكن تحقيقها بمجرد أن تعظ الحاكم أو تخوفه من عذاب الله. فالحاكم قد يخاف الله أكثر منك وهوقد يعظك كما تعظه ويتضرع بين يدي ربه مثلما تتضرع. وأنت لو وعظته ألف مرة لبقي كما كان - يظلم الناس ويقول ساعدني يارب! العدالة ظاهرة إجتماعية لا تتأتى في مجتمع إلا بعد تنازع الحاكم والمحكوم عليه. إن الحاكم لا يستطيع أن يكون عادلاً من تلقاء نفسه، إذ هو قبل كل شيء إنسان، فيه من نقائص الطبيعة البشرية ما في غيره. وهو مهما كان تقياً في أعماق نفسه فإنه لا يفهم العدل كما يفهمه رعاياه القابعون في الأكواخ البعيدة [..] الإنسان هو الإنسان في كل زمان ومكان. وصديقك الذي تستعذب حديثه وتستطيب مظهره وأدبه، قد يكون من أظلم الناس إذا تولى زمام الحكم. هو الآن طيب لأنه بعيد من مباهج الحكم. وأنت لا تدري ماذا سوف يفعل إذا جلس على الكرسي وحف به الجلاوزة والجلادون من كل جانب. يقول المثل الإنكليزي: "إذا أردت أن تعرف حقيقة إنسان فاعطه مالاً أو سلطة". صــ262

  • Digg
  • Del.icio.us
  • StumbleUpon
  • Reddit
  • RSS

عاشق لعار التاريخ (عبد الله القصيمي)


• لقد سقط عصر الآلهة التي لا تملك إلا التعاليم المتوحشة، ليجيء عصر الحاكم والمذهبية، والزعامة والدولة الشاملة التي تملك كل أسباب القتل والإذلال والإغواء والحشد.
• إني لا ألعن الإنسان لسقوطه... اني أرثى له... اني أرثى له مخطئاً وملوثاً، كما ارثى له متألماً، ومشوهاً، كما ارثى له حزيناً.
• انه ليس الواقف في صف الثوار، إلا إنساناً لم يجد مكانه الملائم في الصف المقاوم للثورة... ان الثائر ليس إلا إنساناً منفياً إلى الثورة.
• إن من يهجو طاغية وهو راكع تحت أقدام طاغية آخر أعتى، لهو مادح للطغيان بأسلوبين، بلغتين.
• إن المجد الباذج يقتل الرؤية، انه يقتل كل وسائل الإتصال بالأشياء...بالآخرين.
• إني أشعر بعطف شديد على الكلمة، ان جميع الناس يظلمون الكلمة...انهم جميعاً يشوهونها. انهم جميعاً يصنعون منها أجمل النعوش لأقبح الجثث، انهم يضعون كل أكاذيبهم وتشوهاتهم، في توابيت مزخرفة من الكلمات، من الشعارات.
• ان الذي يقول بإسم الإله أفعل، لا يعني إلا ما يعنيه من قال بإسم الشيطان أفعل...إن كليهما يفعل بإسم ذاته، لحساب ذاته، لا بإسم الإله أو الشيطان...ولا لحسابهما...إن كليهما يفعل بلا اله تحت اسم أي إله.
• اني انقد لاني ابكي واتعذب، لا لإني اكره واعادي. انقد الإنسان لاني اريده أفضل، وانقد الكون لانه لايحترم منطق الإنسان, وانقد الحياة لاني اعيشها بمعاناة - بتفاهة, بلاشروط, بلا اقتناع, بلا نظرية.  
• إن كل دموع البشر تنصب في عيوني...ان كل أحزانهم تتجمع في قلبي...إن كل آلامهم تأكل أعضائي..ليس لإني قديس، بل لأني مصاب بمرض الحساسية...بمرض الإنتقال إلى الآخرين...إلى أحزانهم...إلى آلامهم...إلى آهاتهم المكتومة والمنطوقة...إلى عاهاتهم المكشوفة والمستترة.
• ما أفظع أن تكون مبصراً وقارئاً، ثم لا تكون حزيناً ولا ناقداً...
• إن الإنسان إذا عجز عن أن يكون كما يريد، راح يفعل ما لا يريد. انه اذا عجز عن الإنتصار ذهب يصنع الهزيمة.
• إن الحرب في كل صورها وظروفها، ليست إلا تفسيراً لانتصار الطبيعة على البشر. وان السلام هو التفسير المقابل لإنتصار البشر على الطبيعة.
• إن النصوص لا تفسر النصوص، ان الإنسان هو الذي يفسر النصوص...يفسرها بشهواته، وظروفه، ومصالحه، وقدرته..
• ما أوقحك وأكثر ذنوبك أيتها الشعارات...
• إن الحرب لا تعالج شيئاً، ولكنها تدمر أشياء...وهكذا الثورة، فهما أي الحرب والثورة في عصور التأخر لا يجلبان غير الآلام، أما في عصور الحضارات الكبيرة فإنهما تعرضان نفسيهما عرضاً خادعاً، مزوراً بأزياء وأسلحة وعضلات، ليست بأزياءهما ولا عضلاتهما ولا اسلحتهما. إنهما حينئذ تركبان جياداً ليست جيادهما، وتلبسان حللاً ليست من صنعهما.
• إن مزية روسيا ليست في نظامها الإجتماعي، ولا في إسقاط  قياصرتها الطغاة...ان روسيا ليست عظيمة لأنها شيوعية. ولكن لأنها مبدعة.
• إن الثوار قوم كارهون لأنفسهم وظروفهم ومجتمعهم يعبرون عن هذه الكراهة بأسلوب يدعونه ثورة، ولهذا فإن أكثر الثوار ثورية لا بد أن يكونوا أكثر الناس كراهة وتنافراً مع أنفسهم ومع الآخرين.
• ان أشد الناس خوفاً من الحرية والتطور هم الذين انتصروا بالمؤامرات...هم الذين ارتفعوا فوق اكتاف التاريخ بالقفز عليه في الظلام.
• ما أقبحك يا عهد الثورات... ان النفاق يصبح فيك هو أسهل أساليب المقاومة...يصبح هو العزاء في شرف الإنسان.
• إن الناس في زمن الثورات، محتوم عليهم أن يؤمنوا، ومحرم عليهم أن يفهموا.
• إن الثائر يحاول أن يغير وضعه بحجة المحاولة لتغيير أوضاع الآخرين...إنه يغار لنفسه وينتقم لها، ثم يزعم أنه إنما يغار وينتقم للإنسان المظلوم، أو للإله المهجور في سمائه.
• لقد مات الإنسان...مات قبل أن يولد. وانه لا يزال يموت...انه يموت دائماً لأن الطغاة والثوار والمعلمين، يجربون عليه أنفسهم دائماً. انه لا يرفض أن يتعلم، وأنهم لا يملون أو يتعبون مهما استمرت التجارب.
• إني أخاف الثورات، لأني أخاف على مستويات الحرية والذكاء والكرامة...لأني أخاف على المعارضة الشجاعة والتمرد الخلاق...لأني أخاف أن يموتا...أن يقتلهما الثوار.
• إن آفة كل دكتاتور مهما كان صغيرا أنه يريد أن يكون الطبيب العالمي للتاريخ...انه لا يستطيع أن يكون في حسابه لنفسه عظيماً إلا إذا كان كل من كان قبله حقيراً. ان مجده يعني حقارة من سواه...ان حقارة من سواه تعني مجده، تعني تفرده بالمجد.
• الخائفون جداً لا يستطيعون أن يكونوا أذكياء ولا رافضين لأي أسلوب من أساليب الغباء. إن الخائف وعاء مفتوح لإستقبال كل الحماقات والغباوات...لإستقبال كل المجانين والطغاة والأنبياء الكذبة. لعل أكثر مخاوف البشر التاريخية، انما صنعها هؤلاء الذين ابتكروا الخوف من الجحيم والشيطان والآلهة.
• إن الحاكم الذي ينقد نفسه، ثم يعاقب من ينقدونه، لهو مثل من يتعرى في الطريق العام، ويعلن تعريه، ثم يفقأ من ينظرون اليه، أو يفقأ عيون كل الناس لئلا ينظروا اليه.
• إن الدكتاتور لا يعني حينما يتحدث عن أخطائه، إلا ان يتحدث عن اخطاء مجتمعه، عن أخطاء التاريخ، عن أخطاء الكون. فهو إنما يمجد نفسه ــ بأسلوب المتواضع ــ حينما يتهمها بذنوب غيرها..
• إن الدكتاتور يحاول أن يحول الكون كله إلى طبول تدق وتدق...في كل مكان باسمه وبمجده...تدق فوق النجوم وتحت الأرض، وعلى كل اتجاه...تدق في مسامع كل الحاضر وفي مسامع الآتي.
• الحاكم الفاسد يعادي من يعارضون، أما الحاكم الاله فانه يصلب من يفكرون...
• ان الإنتخابات في عهد الدكتاتور ليست سوى عملية بالإكراه للإعتراف بشرعية بقائه...
• إنه لا يوجد في التاريخ محتكر أبشع من الدكتاتور. ان الدكتاتور لا يحتكر الأشياء وحدها، انه يحتكر الأفكار والعقائد، وخلجات النفس، وحرية النقد والرؤية، انه يحتكر البذاءة والجنون.
• أيها المجد، أيها الخلود. كم أنتما قاتلان... كم أنتما لصان. يا مجد الأصنام، يا خلود الأصنام متى يصلبكما الإنسان... متى يحاكمكما على كل ذنوبكما...؟
• أيتها اللغة، يا لغة العرب يا لغة الإعجاز والتحدي، يا لغة الكتاب المتحدي...كم أنتِ مذنبة...كم أنت معجزة...كم أنت معجزة مذنبة يا لغة العرب...يا لغة الإعجاز، يا لغة التحدي.

=======================================
▬ إن قراءة التاريخ لا تجدي في اتقاء الأخطار والآلام، انها لا تجدي في معرفة الأخطاء والآلام. ان أخطاء وآلام من لم يقرأ التاريخ، ليست أعظم من أخطاء من قرأه. ان القراءة ليست وسيلة من وسائل اتقاء الأخطاء والألم. انه لا يمكن أن يرى الإنسان نفسه من خلال التاريخ، أو من خلال الآخرين، انه يرى العكس، انه ليس للتاريخ قوة أخلاقية أو وعظية أو عقلية. ان التاريخ يعيش فينا ولكننا لا نتعلم منه. اننا لو كنا نستطيع ان نتعلم من التاريخ لتحولنا في تفكيرنا وسلوكنا وعواطفنا إلى أجهزة معصومة من الخطأ والألم والفساد. ولكن التاريخ مع ذلك ليس أسلوباً واحداً أو صيغة واحدة، فإذا عرفنا اسلوباً واحداً من أساليبه، أو صيغة واحدة من صيغه المتناهية، فهل يجعلنا ذلك عارفين لكل اساليبه وصيغه؟ صــ45

▬ قد تتحول كل عبقرية العرب ومحاولاتهم للاصلاح والتغيير وآمالهم فيهما، إلى ثورات عسكرية. قد يظلون يرون أن السيف أصدق أنباء من الكتب والعلم، ومن كل المزايا الإنسانية الأخرى...قد يظلون يرونه العلاج الدائم، من كل تخلف وفساد، وظلم وجهل...قد يظلون يرون أنهم كلما عجزوا عن التغيير العظيم، وعن التلاؤم مع الإحتياجات الكبرى الجديدة، فالحل أن يقوموا بثورة عسكرية لكي يهربوا من عجزهم، ليغطوا بالسلاح والضجيج، والمحاكمات والإتهامات الكبرى، ولكي يظلوا زمناً طويلاً ينتظرون أن يتحول السيف إلى حضارة وعبقرية، وانتصار على الجهل والتخلف، ولكي يتحدثوا كل الوقت عن أمجاد ثورتهم، وعن بركتها...صــ53

▬ إنه لا يمكن أن تكون ثورة بدون أصوات عالية. ان الأصوات العالية تستهلك حماس الإنسان وطاقته...انها تفسد قدرته على الرؤية والتفكير والسلوك الجيد. ان الأصوات العالية هي الثمن السخي الذي تهبه الثورات للمجتمعات التي تصاب بها. ان الأصوات العالية هي العقاب الغوغائي الذي تعاقب به كل ثورة اعصاب ووقار مجتمعها، وأحياناً أعصاب ووقار المجتمع العالمي. وان الأصوات العالية هي هدية كل ثورة للمشاكل الصعبة. صــ104

▬ الثوار دائماً يتحدثون عن نقيض ما يعطون. انهم يتحدثون عن الحرية والإستقامة وهم أقوى أعدائها...وعن الصدق وليس في البشر من يعاقبون الصادق، ومن يمارسون الكذب ويجزون بالكاذبين مثلهم...وعن حقارة النفاق وهم أحسن من يزرعونه، ويستثمرونه ويتعاملون عليه...وعن الرخاء، مع أنهم أذكى من يبتدعون جميع أسباب الافقار والأزمات والحرمان... وعن التقدمية وهم أعتق البشر رجعية، انه لا مثيل لهم في الخوف من التغيير الذي لا يهبهم تسلطاً وطغياناً... ويتحدثون عن العدل والحب وهم يعنون بها تخويف كل الطبقات وتسخيرها وقهرها وسوقها لمصلحة كبريائهم وأحلامهم...صــ107

▬ إنني كلما رأيت زياً عسكرياً، أشعر اني لا أرى إلا إعلاناً بذيئاً مربوطاً بإنسان أسمعه ينادي: أنا وحش...أنا  قاتل...أنا مخرب...أنا صانع الأيتام...صانع الأرامل...صانع الدموع...أنا حشرة باهظة التكاليف...أنا حشرة عالمية...أنا كل ذلك...أنا أكثر من ذلك، وأوقح من ذلك...أنا الجميل الدميم...أنا المحترم المحتقر...أنا القوي الضعيف، المنتصر المهزوم...أنا القاتل الذي يمشي متبختراً فوق المجتمع، حاملاً زي القتل، حاملاً أدوات القتل وشعاراته...أنا القاتل الذي تعده كل المجتمعات، وتفاخر به كل المجتمعات...أنا صانع الإنتصارات، التي هي هزائم للإنسان...أنا صانع الهزائم دائماً...أنا صانع الهزائم حينما أنتصر، وصانع الهزائم حينما أنهزم...أنا دائماً الموت، والخراب والخوف، والبذاءة...صــ125

▬ إن المجتمعات في الغالب تؤمن بالذين يعلمونها الكذب والغواية والبغض والحماقات لا بمن يعلمونها الحب والحقيقة والصداقة والعقل: ان الأكاذيب أقوى سحراً من الحقائق...ان المهرجين الصارخين، يعطون الجماعات الفرصة لكي تريح آلامها واعصابها، أوحرمانها اعظم مما يعطيها العقلاء والمتوقرون. ما اسخف العقل حيث يطلب الجنون...ما أسخف الإتزان في مخاطبة الجماهير، في قيادتها. ان الإعتدال والصدق والوقار ، قيود لا تطيقها الجماهير. ان الجماهير تجد في الأكاذيب والمبالغات والتحويمات، تعويضاً لها عن فقدها وعجزها وحاجتها. كل الناس يحتاجون إلى تعويض ولو بالكذب، ولو بالإحتلام، ولو بالشتائم والحقد. صــ132

▬ إن الدكتاتور يلقي بثقل دعايته كله على مخاوف جماهيره وأحقادها، فيملؤها بالأعداء المتربصين، ويملؤها بمؤامراتهم وخياناتهم التي لا تنتهي...إنه يضيق عليها الجو بالأشباح والأبالسة...انه يظل يحدثها بأعلى الضجيج عن أخطار هذه الأشباح والأبالسة...يحدثها عن الخطط الكبيرة التي توضع في الظلام لإغتصاب الحياة والسعادة من الجماهير، وللقضاء على منقذها العظيم...يحدثها عن الإستعدادات المضادة، التي يحكم وضعها لتحقيق الإنتصارات التي لا ريب فيها. صــ140

▬ إن الدكتاتور يعشق التاريخ الذليل المهزوم الملوث. انه يكره التاريخ النظيف العزيز الكريم...ان ذلك تحقير له، ورفض لتفرده...انه لهذا لا بد أن يزور ما كان...انه قد يود أن يحرق جميع الوثائق التي تناقض هذه الغاية، اذا لم يجد وسيلة أخرى...انه يبدأ به التاريخ، ان يبدأ به الإنسان، ان تبدأ به كل عبقرية...انه يريد أن يكون البدء. ان الدكتاتور انسان عاشق لعار التاريخ...انه يريد أن يكون كل شيء، فضائح وهوانا، وخيانه وعفونة...انه يريد أن يكون وحده المعالج المقوم، المدعي لأبوته وأمومته ونسبه. ان آفة كل دكتاتور مهما كان صغيراً وضئيلاً أنه يريد أن يكون الطبيب العالمي للتاريخ...صــ150

▬ لقد كان المفروض أن يكون دعاء المؤمنين: "اللهم لا تنصرنا ولا تنصر علينا...اللهم لا تنصر أحد على أحد...اللهم لا تجعل لنا أعداء لنطلب منك النصر عليهم...اللهم لا تجعلنا أعداء لأحد ليطلب اليك ان تنصره علينا... انه لظلم لا يليق بك... انها الحقارة، تترفع عنها صفات الأرباب أن تخلق الناس لتجعل منهمم منتصرين وتجعل منهم منهزمين... انها هرطقة ووحشية منا أن نتصور ذلك في أخلاقك...انها لهرطقة ووحشية، أن ندخلك في معاركنا الصغيرة الظالمة الوقحة، ذات الأهداف والحوافز السخيفة".إن على البشر جميعاً أن يغيروا من صلواتهم التي يوجهونها إلى الله. لقد تحضروا فعليهم أن يتحضروا في تصورهم للإله، وفي مطالبتهم له، وضراعاتهم اليه. انه لذنب كبير أن يظلوا يدعونه باللغة التي كانوا يدعونه بها أيام بدواتهم.صــ184


▬ لقد كان للعرب إله، لقد كان لهم إله تحول إلى كلام، إلى كلام تنزل على نبي، نبي حوله إلى كتاب. لقد أصبح إله العرب كتاباً، لقد أصبح كلاما... حتى الإله لقد أصبح كلاما... أصبحت قدرته وتعامله معهم كلاماً. ان مجد العرب كلام...ان معجزات نبيهم كلام...ان صفات الههم كلام...ان تقديرهم اذن للكلام تقدير فيه كل معاني التدين، وشطحات الصوفية المتنازلة عن كل حقوقها في المنطق، وفي احترام السلوك، وضبط الذات بأي مستوى من مستويات الضبط.  [...] كأن الكلام عندهم إنما هو مقدرة على الكلام.. صــ209

  • Digg
  • Del.icio.us
  • StumbleUpon
  • Reddit
  • RSS