‏إظهار الرسائل ذات التسميات إسلام. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات إسلام. إظهار كافة الرسائل

الفلسفة الإسلامية (رجاء أحمد علي)

• صحيح أن الفلسفة الإسلامية تأثرت بأرسطو إلا أن لها خصائصها التي تميزها وتجعلها تختلف عن غيرها فهي وليدة ظروف خاصة بها.
• حاول المعتزلة تأويل كل الآيات القرآنية التي تفيد التجسيم بما يتوافق مع تنزيه الله، كذلك أنكروا رؤية الله بالإبصار لاقتضائها الجسمية والجهة.
• هكذا كانت معركة الجمل هي نقطة البدء لكل تطور سياسي ديني لاحق بالنسبة إلى عدد كبير من المسلمين، لأن موقعة الجمل ومن بعدها صفين أثارتا المشكلة العقلية الأولى والتي تتمثل في الحكم على مرتكب الكبيرة.
• مصدر المعرفة عند النبي والفيلسوف واحداً، وإن كان يختلف طريق كل منهما في الوصول لهذا المصدر. (الفارابي)
• إن الاهتمام بالجانب السياسي عند مفكري الإسلام يظهر جلياً في أول مسألة ظهر فيها الصراع القديم القائم حول مسألة الإمامة أو الخلافة، هذا الصراع الذي حُوِّل مساره وبعد أن كان فيها صراعات سياسية أصبحت تلك الأحزاب السياسية فرقاً دينية..

===============================
▬ المعتزلة هم الواضعون الحقيقيون لعلم الكلام، ولا تكاد توجد فكرة هامة فيه إلا ولها أصل لديهم، عرضوا لبعض مشاكله في أوائل القرن الثاني الهجري وشغلوا به نحو قرن ونصف في دراسة جادة ومتنوعة والحق أن مدرسة المعتزلة من أخصب المدارس العقلية في الإسلام فكراً ورجالاً، فلسفت أمور لم تُفلسف من قبل وعالجت مشاكل فيها عمق دقة وكالكمون والطفرة والتولد وابتكرت حلولاً جديدة فهي بحق فلسفة الإسلام. صــ 18

▬ نفى المعتزلة أدنى مماثلة بين الله والإنسان ولجأوا إلى وصفه بصفات السلب ذلك لأن كل ما يرد على خاطر الإنسان من صفات لابد أن يكون الله خلاف ذلك. أيضاً نظر المعتزلة إلى الصفات على أنها اعتبارات ذهنية عقلية تمثل وجوهاً مختلفة  فالتنزيه المطلق الذي يفهم من موقف المعتزلة في وصفهم الله بصفات السلب فقط قد تبعه خطوة أخرى ذهبوا فيها إلى ضرورة وصف الله بمجموعة من الصفات الإيجابية التي وصف بها نفسه بشرط أن لا نفهم من هذه الصفات أنها معاني قديمة قائمة بالذات، لأننا لو فعلنا ذلك فقد أثبتنا إلهين أو أكثر ووقعنا في التعدد، فالصفات عندهم ليست مستقلة عن الذات، وإنما هي عين الذات، فالله حي بذاته لا بحياة، عالم بذاته لا بعلم، قادر بذاته لا بقدرة.. صــ 23

▬ لقد أراد الأشعري التوسط بين طرفين كلاهما متطرف فخشى أن يذهب دين الله وسنة رسوله ضحية الآراء المتطرفة من يمين أو يسار فحاول أن يوفق بين هذه الآراء وانتهى إلى ألا يجعل العقل كل شيء كما أراد المعتزلة وألا يجعل الإيمان بالنص وحرفيته كل شيء كما أراد المتطرفون من أهل السنة وإتباع السلف، فمن جهة رأى أن العقل وحده لا يكفي الدعم الدين إذ لو كان أمره كذلك بماذا تكون قيمة الإيمان بالله وبالكتاب المنزل أليس الإيمان بالغيب مبدأ أسياسياً في الحياة الدينية؟ صــ 30

▬ ترتبط الحرية الإنسانية عند الفرق الكلامية بموضوع غاية في الأهمية هو موضوع الجبر والاختيار وخلق الأفعال، تلك المشكلة التي أخذت اتجاهين متباعدين كلاهما نقيض الآخر، فأصحاب الاتجاه الأول نظروا إلى هذه المشكلة على أنها مشكلة ميتافيزيقية بحتة، أي مشكلة تمس صميم الاعتقاد كالجبرية والأشاعرة والمتصوفة، أما أصحاب الاتجاه الآخر فقد نظروا إلى هذه المشكلة على أنها مشكلة تتصل بالعمل لا صلة لها بالميتافيزيقا، فهي تدخل في مجال الأخلاق، فالقول بحرية الإرادة مسلمة ضرورية لدواعٍ أخلاقية عملية، فحرية الإنسان ليست موضوع اعتقاد، لأن العقائد تتعلق بحقائق الوجود مستقلة عن كل فعل إنساني كالإيمان بوجود الله. صــ 39

▬ [...] من هنا نستطيع القول أن العالم عند الفارابي قديم بمعنى أنه لا يوجد زمان سابق على وجوده، لكنه محدث، أي أنه ممكن بذاته وواجب بغيره، فهو تابع لغيره، بمعنى أنه يحتاج في وجوده إلى علة تخرجه من الإمكان إلى الوجوب أو باصطلاح أرسطو من القوة إلى الفعل، وهنا قد لا نجد خلافاً بين هذا القول وبين ما جاء به الشرع، من أن العالم حادث، فالحدوث هو حدوث ذاتي وليس حدوثاً زمانياً. صــ 84


▬ إذا كان علم أصول الدين هو أول العلوم النقلية العقلية التي نشأت حول القرآن الكريم فإن علم أصول الفقه هو العلم الذي يدرس التنزيل، يدرس كيف ينزل الوحي وكيف أستفيد منه فهو منهج تحويل الوحي إلى واقع عملي وعلى ذلك فعلم أصول الفقه علم عقلي منطقي لا دخل له بالعقائد فهو علم لا يتأسس على الله ووجوده فهو يهتم بالمحور الأفقي الذي يشمل الرسالة والمُرسل إليهم ولا يشمل أي من الغيبيات، وهذا على خلاف علم أصول الدين (علم الكلام) الذي يبحث في العقائد وأيضاً التصوف الذي هو علم التأويل ونعني به التأويل الروحي الباطني الذي يختلف بل ويتعارض مع تأويل الفلاسفة والمتكلمين الذين يؤولون تأويلاً مجازياً وعقلياً أما تأويل المتصوفة فهو تأويل قلبي. صــ 196

  • Digg
  • Del.icio.us
  • StumbleUpon
  • Reddit
  • RSS

الحقيقة والوهم في الحركة الإسلامية المعاصرة (فؤاد زكريا)


• إن دعاة تطبيق الشريعة يرددون عبارات ذات تأثير عاطفي هائل على الجماهير، ونتيجة لهذا التأثير العاطفي تمر هذه العبارات دون أن يتوقف أحد لمناقشتها، وتتناقلها الألسن محتفظة بمحتواها الهلامي، حتى تشيع بين الناس وكأنها حقائق نهائية ثابتة، مع أنها في ضوء التحليل العقلي عبارات مليئة بالغموض والخلط.
• إن الرجوع إلى نصوص إلهية لا يحول دون تدخل العنصر البشرية في اختيار النصوص الملائمة وتفسيرها بالطريقة التي تُرضي مصالح الحكم، على نحو ما كان يحدث طوال معظم فترات التاريخ الماضي والحاضر.
• إن الدعوة إلى تطبيق الشريعة، التي تعلو أصواتها في الآونة الاخيرة الراهنة، ترتكز بلا شك على قاعدة جماهيرية واسعة. وكثير من أنصارها يتخذون من سعة الانتشار هذه حجة لصالحها، ويستدلون على صحة اتجاههم من كثرة عدد أشياعهم وأنصارهم.
• إن العقل الذي اعتاد أن يسير في اتجاه واحد، والذي يعجز عن فهم حقيقة النسبية وتعدد طرق الوصول إلى الحقيقة، لابد أن يوصل أصحابه، دون أن يشعروا، إلى هذه النتائج الخطيرة. وهكذا يصبح من بديهاتهم التي لا تناقش، الاعتقاد بأن الشك خطيئة، والنقد جريمة، والتساؤل إثم وجريرة.
• الإسلام البترولي يُبعد أذهان الشعوب التي تدين به عن المشاكل الداخلية والخارجية لمجتمعاتها، ولكنه لا يمس مصالح الدول الرأسمالية الكبرى في البترول.
• إن المراة يجب أن تكون مستورة حتى لا يشك الرجل في بنوة أبنائه منها! (الشيخ الشعراوي) صـ 30
• إن علوم الفضاء وتكنولوجيا الأقمار الصناعية كلها لا تساوي شيئاً، وإن الإنسان الذي اخترع "ورقة الكلينكس" أو عود الكبريت قد أفاد البشرية بأكثر مما أفادها الذي اخترع صاروخاً يصل إلى القمر! (الشيخ الشعراوي)
• إن الهجوم على العقل البشري واتهامه بالقصور أصبح سمة من أبرز السمات المميزة للدعوات الإسلامية المعاصرة.
• إن أكبر ما يُلحق الضرر بالدعوات الإسلامية المعاصرة، على اختلاف دروبها واتجاهاتها، هو حالة الجهل التي تنشرها بين أنصارها، والأدهي من ذلك أن هذا الجهل يبدو لأصحابه علماً واسعاً يرد على جميع التساؤلات ويبدد كل الشكوك. صــ  44
• إن الصدام بين ثورة يوليو وبين الجماعات الإسلامية كان في جوهره سياسياً لا عقائدياً، وكان صراعاً للقوى لا صراعاًً بين الأفكار. صـ 128
• إن دعاة الإسلام الشامل ينادون بتطبيق منظور واحد في ميادين الفكر والاقتصاد والسياسية والفن والأدب. صــ 164
• إن التجارب المعاصرة في تطبيق الشريعة كانت كلها فاشلة.. ألم يكن ذلك وحده كافياً لكي يتريث دعاة تطبيق الشريعة، ويتفرغوا لوضع برنامج مدروس دون تكرار المآسي والمهازل التي ارتطبت بتطبيق الشريعة في الآونة الأخيرة بين جيراننا الأقربين ؟

==============================
▬ الواقع أن التجاهل التام للتاريخ، وإغماض العين عن الدروس التي يقدمها الواقع الفعلي، لا يميز موقف الحركات الإسلامية من التجارب المعاصرة لتطبيق الشريعة فحسب، بل إنه هو السمة البارزة التي تميز موقفها من كافة التجارب السابقة، على مر التاريخ الإسلامي. فهذه الحركات الإسلامية ترسم لنا صورة للتاريخ الإسلامي مستمد من النصوص الدينية فحسب. فإذا تحدثنا مثلاً، عن موقف الإسلام من العدالة الاجتماعية، جاء حديثها مليئاً بالآيات والأحاديث النبوية التي تدعو إلى تلك العدالة، أو التي تقبل التفسير في هذا الاتجاه. وهي تقف عند هذا الحد، وتتصور أنها قد أثبتت بذلك قضيتها الرئيسية، وهي أن الإسلام يدعو إلى العدالة الاجتماعية، وأن هذه العدالة الاجتماعية تتحقق في الإسلام خيراً مما تتحقق في أي نظام آخر. ولكن، هل تعد الإشارة إلى النصوص وحدها كافية لإثبات هذه القضية؟ لنضرب مثلاً مأولوفاً لنا جميعا: إن لغالبية الساحقة من دساتير بلاد العالم الثالث تمتليء بنصوص رائعة عن تحقيق العدالة والمساواة وضمان الحريات واحترام حقوق الإنسان، إلخ... ولكن هل يكفي أن نتناول النصوص الدستورية، في بلد بأمريكا اللاتينية تعبث بمصيرها دكتاتورية عسكرية دموية، فنقول أن العدالة والحرية مستتبان في هذا البلد لأن المادة كذا من دستوره تنص على إقرار العدالة الاجتماعية والاقتصادية وإقرار الحريات الأساسية؟ أليس من الواضح أن الرجوع إلى النصوص وحدها لا يسمح على الإطلاق بالحكم على أوضاع مجتمع مان أو حضارة ما ؟ صــ 8 ، 9

▬ إن التصعب لوجهة نظر دينية واحدة، بل لاتجاه طائفة أو جماعة معينة داخل وجهة النظر هذه، يُلحق بالعقل تشويهات خطيرة، ليس أقلها ذلك الإنغلاق الفكري الذي يوهم المرء بأنه هو الذي يملك الحقيقة كاملة، وبأن كل من لا يسيرون في طريقه على باطل. هذا الإحساس باليقين المطلق شديد الخطورة على التكوين العقلي للإنسان، وخاصة إذا تملكه وهو ما يزال في شبابه المبكر. ومن المؤسف أن هذا الإحساس لا يقتصر تأثيره على المسائل الدينية وحدها، بل إنها يمتد إلى كافة جوانب حياة الإنسان. وهكذا تجد الشاب الذي يخضع لمثل هذه المؤثرات ميالاً إلى الجزم والتأكيد القاطع في كل شيء، لا يؤمن بتعدد طرق الوصول إلى الحقيقة، بل يريد في كل الأمور رأياً واحداً وإجابة نهائية يرتاح إليها ويتوقف عندها ويكف بعدها عن التساؤل. وحين تصبح هذه عادة عقلية مستحكمة فإنها تطمس الروح النقدية وتهدم القدرة على الابتكار وتجعل من التجديد آفة ينبغي تجنبها، ومن الإبداع بدعة لابد من محاربتها. صــ 17

▬ [...] ولكن الظاهرة المؤلمة هي أن الدعاة الإسلاميين عندنا، حين يتحدثون عن ثقافة الغرب ويوجهون إلينا هجومهم، يرددون عبارات محفوظة وأحكاماً مكررة وكلاماً غير علمي، ويظل هذا الكلام يزداد ويعاد من فوق المنابر وفي أوسع أجهزة الإعلام، فتأتي الأجيال الشابة التي تثق في كلام شيوخها ثقة مطلقة، لتحفظ  هذه الجمل والأحكام المتهافتة وتكررها حرفياً في كل مناسبة، وتتصور أنها بذلك قد أحاطت بكل جوانب الموضوع علماً. وهكذا تسمع أحكاماً فجة عن نظرية التطور، يؤكد فيها أكثر من كاتب أن داروين كان يهودياً (مع أنه كان مسيحياً مخلصاً)، وأن هناك عصابة ثلاثية يهودية تريد نشر الإلحاد والإباحية في العالم، تتألف من داروين وماركس وفرويد، وتشكل أهم عنصر في مؤامرة عالمية يهودية. هؤلاء السادة يختزلون النظريات التي أقامت الدنيا وأقعدتها وهزت العالم، في جملة أو جملتين سخيفتين لا فهم فيه ولا عمق، يرددها الداعية ثم يبتسم ابتسامة الثقة والعلم والرضا عن النفس، كأنه أجهز على هذه النظريات وطرح أصحابها أرضاً بعباراته الفجة [..] انتقدوا ما شئتم، أيها السادة، فهذه النظريات كانت بالفعل، وما زالت، تتعرض لنقدٍ شديد، ولكن ليكن نقدكم مبنياً على فهم ومعرفة وتعمق، لا على جهلٍ وسطحية وغثاثة [..] ولكن، كيف يأتي العلم في ظل المنهج السلطوي الذي تطرح به هذه الدعوة الدينية في زمننا التعيس ؟ صــ 42 ، 43

▬ [..] ولما كان التطبيق الكامل للشريعة الإسلامية هو الهدف الأكبر، فإن من أهم أسباب حكمهم بإعدام السادات، كما قلنا من قبل، أنه اقترب بهم كثيراً من تحقيق هذا الهدف، ثم تراجع عنه في اللحظة الأخيرة. ويعبر الكثيرون عن ذلك أصدق تعبير حين يعربون عن تلك الآمال العريضة التي انتعشت لديهم بفضل وجود وعود صوفي أبو طالب، رئيس مجلس الشعب، ثم شعورهم بالإحباط الشديد حين لم تتحقق هذه الآمال. وكمثال على ذلك، نستمع إلى عبد الحميد عبد السلام وهو يقول "وكان أملنا في مجلس الشعب عند تعين صوفي أبو طالب رئيساً له، وإصدار قرارات بتقنين الشريعة الإسلامية، وحتى الآن لم يحدث أي تقدم أو جديد في هذا الأمر". صــ 87

تبرز أمام المفكر السياسي مشكلة حقيقية يصعب إيجاد حل لها: إذ يبدو أن بلادنا أصبحت الآن أمام خيارين كليهما أتعس من الآخر: فإما أن نكتفي بفكر متقدم مستنير قادر على الفهم والنقد والتحليل، ولكنه عاجز عن الحركة، وإما أن نسير وراء فكر متخلف، قاصر في فهمه ونقده وتحليله، ولكنه هو وحده القادر على التحرك. لقد أصبح المأزق الحقيقي الذي تعاني منه مصر، في تطلعها إلى المستقبل، هو اضطرارها إلى أن تختار بين فكر بلا فعل، وفعل بلا فكر. وأحسب أنه لن يكون لنا خلاص إلا في اليوم الذي يصل فيه الذين يفكرون إلى المستوى الذي يتيح لهم أن ينقلوا فكرهم إلى حيز الفعل المؤثر والفعال، أو يصل الذين يفعلون إلى المستوى الذي يدركون في قيمة الفكر المتفتح والعقل المستنير. صــ 116


▬ إن أنصار تطبيق الشريعة يداعبهم حلمٌ ورديٌ رائع، ولكن مشكلتهم أنهم لا يبذلون أي جهد لترجمة هذا الحلم إلى لغة الواقع. وهذه الترجمة تحتاج إلى استعياب كافة دروس الماضي والحاضر واستخلاص دلالاتها، وتحتاج إلى وضع ألوف التفاصيل الدقيقة والضوابط المحكمة بحيث لا يسمح للمنحرفين باستغلال مرونة العموميات في تحقيق مآربهم الخاصة، وتحتاج قبل هذا وذاك إلى التفكير في مدى ملاءمة هذه الدعوة للحظة الزمنية الحاضرة، وفي الأسباب التي تؤدي إلى التركيز على أهداف لا علاقة لها بالمشكلات الطاحنة التي يعانيها الإنسان المصري في كل لحظة من لحظات يومه. وأهم عناصر هذا الحلم الوردي هو الاعتقاد بأن تطبيق الشريعة سيؤدي آلياً إلى تبخر كل ما نعانيه من مشكلات. كيف ؟ لا أحد يدري، وأغلب الظن أن معظمهم يعتقد في قرارة نفسه بأن العناية الإلهية سترعانا بمجرد أن نطبق الشريعة، ومن ثم فإن قوى السماء ستتدخل من أجل حل مشكلاتنا دون أن يبذل الإنسان جهداً يذكر.. وفي غمرة النشوة التي تبعثها العبارات الساحرة الخلابة، لا يخطر ببال أحد أن يتساءل: هل حدث شىء من ذلك في تجربة تطبيق الشريعة في السودان أو باكستان أو غيرهما؟ ألم تستفحل مشاكل هذه البلاد في ظل أنزمة تزعم بأنها لا تطبق سوى أحكام الإسلام؟ صــ  176

  • Digg
  • Del.icio.us
  • StumbleUpon
  • Reddit
  • RSS

الإسلام والعلم .. الأصولية الدينية ومعركة العقلانية [برويز بيود - ترجمة (محمود خيال)]


• يرتبط التقدم العلمي ارتباطاً وثيقاً بالمعتقدات ولا يمكن الفصل بينهما.
• دفعت الحضارة الإسلامية ثمناً فادحاً على مر التاريخ، بسبب فشلها في الاستحواذ على مقاليد العلم، مما تسبب في تراجعها وتخلفها، مقارنة بتقدم الغرب وارتقائه.
• إن الاستعمار الجديد كان قد أخذ العزم في مخططه، على إدخال المدنية والحضارة إلى المجمعات البدائية، مدمراً في طريقه الحضارتهم التقليدية، ومحدثاً بذلك جراحاً عميقة لم تلتئم آثاراها حتى الآن.
• لمباشرة البحث في فهم للعملية العلمية وتطورها، يحتاج الإنسان إلى تفهم أساسي للبناء العلمي، وماهية الفلسفة العلمية، وآليات عمل العلم الحديث، ومدى اعتماده على طبيعة ونوعية النظام التعليمي، وماهية الأفكار والقيم التي ينتجها، حيث تعد هذه العوامل بدورها، مسألة حيوية، لا غنى عنها إذا قُدر للعلم أن يزدهر.
• يجوز تشبيه العلم، بمبنى دائم التطور، لا تنقطع فيه أعمال التجديد، فالبناء دائماً في اتساع، مضيقاً إلى نفسه أجزاء وملحقات كثيرة. ناقداً لنفسه، ومهدماً لنفسه أحياناً.
• أطاحت الثورة العلمية في طريقها لهدم نظام القرون الوسطى، بالتسلط المركزي وهيمنة الكنيسة. ليس هذا فقط، بل إنها غيرت أيضاً مفهوم الإله في العقيدة المسيحية بشكل جذري.
• طالما يؤمن المؤمنون باستحالة وجود أي خطأ في القرآن بأي طريقة كانت، فكل المحاولات الهادفة لإثبات طبيعته الإلهية فهي محاولة مغرضة من الأساس.
• من الخطورة بمكان تعليق الإيمان بالحقيقة الأزلية، بنظريات العلم المتغيرة، فمفهومنا للكون قد يتغير جذريا مع الوقت، كما أن العلم لا يستحي من هجر نظرياته القديمة واعتناق ما هو أحدث. أليس مثيراً للخراب، إرساء المسألة العقادئية على تلك الرمال المتحركة ؟
• وقعت في شوارع البصرة وبغداد، خلافات دموية بين أنصار القدرية من ناحية وأنصار الجبرية من ناحية أخرى، ظهرت المعتزلة من وسط تلك الخلافات كفرقة من العلماء العقلانيين التحليليين، كان تأثير هذه الحركة قوياً على الفكر والمجتمع الإسلامي، وترددت أصداؤها عبر القرون..
• يبدو واضحاً أن الفكر العقلاني والميول المدنية ذات الجذور اليونانية، التي أشعلت جذوة العلم والتعليم في المراحل الأولى للإسلام، قوبلا بالمعارضة والتحدي في نهاية الأمر. لم يمض وقت طويل، حتى ساوت الأصولية بين "علوم الأوائل" والزندقة، كما أدينت الفلسفة.
• بالرغم من أن العرب أدخلوا الورق إلى أوروبا، إلا أنهم تجنبوا استخدامه في طباعة الكتب لمدة حوالي ثلاثة قرون. حيث صورت لهم الوساوس أن نسخ لفظ الله بطريقة آلية، يشوبه الكثير من عدم الاحترام (أنظر مرجع 10  اللاحق لـ صــ 219 .. يشير طيباوي إلى..).
• يا فتى، كم سهرت الليالي، مردداً العلم، منكباً على الكتب، ناكراً للنوم على نفسك. لا أدري السبب في هذا كله، فإن كان لإدراك غايات دنيوية، وضمان زهوها، والحصول على شرفها وجلالها، أو للتفوق على زملائك وما ماثل ذلك، فالويل لك، الويل لك". (أبو حامد الغزلي - مرجع 25 اللاحق لــ صــ 226)
• من الحقائق المدهشة - مع استثناء بعض الحالات القليلة - أن معظم الأساتذة سواء في الدين أو في العلوم الثقافية، كانوا من غير العرب، فإذا تصادف أن كان منهم من له أصول عربية، فيلاحظ أنه غير عربي اللسان والنشأة وحتى معلميه كانوا من غير العرب. هذا بالرغم من أن الإسلام دين عربي ومؤسسه كان عربياً. (ابن خلدون)
• الحداثة في حد ذاتها هدف، يجب الكفاح من أجله، فهي جزء لا يتجزأ من طبيعة الإنسان العقلانية الفطرية، وليست من المستوردات الاستعمارية.

=======================================
[جزء من مقدمة المترجم]

• لماذا لم تحدث ثورة علمية في العالم الإسلامي ؟
• هناك علم واحد عالمي، ومشاكله وأشكاله عالمية، ولا يوجد ما يُسمى بالعلم الإسلامي، كما لا يوجد ما يُسمى علم هندي، ولا علم يهودي، ولا كونفوشيوسي، ولا مسيحي.
• لقد كان على العرب الخليجيين، الغارقين في الثراء الكبير، أن يأخذوا على عاتقهم استثمار تلك الثروات في دعم بناء العلم في كل العالم الإسلامي، وما زال بإمكانهم فعل ذلك لكنهم لم يفعلوا، ولا حتى مع أشقائهم المسلمين العرب.

▬ يأتي هذا الكتاب في وقت يعاني فيه العلم في مجتمعاتنا من أزمة طاحنة، فالمدارس محشوة بالتلاميذ، والجامعات والمراكز البحثية مكتظة بأصحاب ألقاب الدكترة والأستذة، وأما الإنتاج العلمي الفعلي فحدث ولا حرج. يلاحظ في ذات الوقت تصاعد أسهم التيارات الإسلامية الأصولية وتغلغلها في مختلف قطاعات المجتمع وسيادة خطابها على أجهزة الإعلام الرئيسية في كثير من الدول العربية. تخرج مناقشة هذا الموضوع وما يتعلق به على نطاق هذا الكتاب اللهم إلا فيما ترفعه تلك التيارات وأتباعها من مقولات عن أسلمة العلوم (وتعريبها) وكثر الحديث عن المعجزات العلمية في التراث وغير ذلك من عقد مؤتمرات لا تنتهي عما يسمونه بالإعجاز العلمي في القرآن والسنة والعلاج ببول الجمال..إلخ. وهو ما أصبحت كبرى الصحف وقنوات الإذاعة والتليفزيون تفرد له مساحات واسعة من صفحاتها ووقتها ولا تخصص في المقابل إلا أقل القليل لعرض الآراء العلمية السليمة الأخرى، التي لا ترى في هذه الفوضى إلا نوعاً من الدعوة للتخلف المدمر لحاضر ومستقبل أي مجتمع معاصر. صــ9
=======================================
الكتاب...

إن العلم الحديث، لم يسمح للكنيسة الكاثوليكية الرومانية، بنسيان فظائعها الماضية، ولعل أكثرها تعبيراً هي محاكمة جاليليو وإدانته، وإجباره على التنازل عن آرائه العلمية. ولقد كان حقاً حدثاً مشهوداً، ذلك الذي وقع في التاسع من مايو 1983، ففي احتفال خاص بالفاتيكان، أصدر البابا يوحنا الثاني، ما يفيد بالتأكيد، بأنه أول اعتذار رسمي: "إن تجربة الكنيسة، في أثناء، وبعد مسألة جاليليو، قد أدت إلى موقف أكثر رشداً...فقط من خلال الدراسة الدءوبة، المتواضعة، يتسنى لها (الكنيسة) أن تتعلم كيف تفصل ما بين لزوميات الإيمان، ومعطيات الأنظمة العلمية في وقت ما". جاء الاعتذار متأخراً 350 عاماً، كما أنه يغفل أكثر مما يُبدي ويقر. وعلى أية حال، فمن أجل إعلان نوايا قداسة البابا الطاهر، يمكننا جميعاً أن نقول بإخلاص عميق: آميــــن. صــ78

▬ عُقُد مؤتمر في الكويت في عام 1983 وحضره رؤساء 17 جامعة عربية. كان الهدف المزعوم للمؤتمر، تحديد وإزالة المعوقات التي تواجه تطوير العلم والتنكولوجيا في العالم العربي. لكن نقطة واحدة هيمنت على أعمال المؤتمر، وهي: هل العلم إسلامي؟. كانت وجهة نظر السعوديين أن العلم يتعارض مع المعتقد الإسلامي، حيث أن العلم يميل إلى إفراز نزعات مثل المعتزلة، كما أنه مخرب للعقيدة، وهو دنس لأنه مدني (علماني، Secular)! وبهذا في رأيهم، فإنه يتعارض مع المعتقدات الإسلامية. وعلى ذلك أوصى السعوديون بأنه، بالرغم من أهمية تنمية التكنولوجيا، لمنافعها الواضحة، إلا أن العلم الخالص، فيجب عدم الإلتفات إليه. صــ84

▬ يمتد النظام الفلكي البطليموسي، ليستلهم منه الشيخ عبد العزيز بن باز، من السعودية، وهو الرئيس المشهور بجامعة المدينة، الحاصل على جائزة الملك فيصل الدولية لخدمة الإسلام في عام 1982، وهو الذي ألف كتاباً بعنوان "جريان الشمس والقمر وسكون الأرض". يقول الشيخ الموقر: إن الأرض مركز الكون، وإن الشمس والقمر يدوران حولها. جدير بالذكر، أنه قام في كتاب سابق له، بتهديد المختلفين معه في الرأي، بفتاوى التكفير المفزعة، إلا أنه، في الحقيقة، لم يكرر دعاوى التكفير في كتابه الأحدث. والآن يعد الشيخ بن باز من الشخصيات المرموقة في المملكة العربية السعودية، حيث تؤخذ آرائه هناك بمنتهى الجدية. صــ116

▬ [...] كذلك ينقد مولانا أبو العلاء مودودي مؤسس الجماعة الإسلامية ومن أكثر المفكرين الإسلاميين تأثيراً في أيامنا هذه، حيث ينتقد العالم الغربي بمرارة فيقرر في محاضرة  له عن التعليم الإسلام أن الجغرافيا والفيزياء والكيمياء وعلم الأحياء وعلم الحيوان وعلم الجيولوجيا وعلم الاقتصاد، تُدَرس بدون مرجعية إلى الله ورسوله، وعليه فهي (تلك العلوم) مصدر الشطط والانحراف عن الحق: "بتأمل طبيعة التعليم الحديث وعاداته، يتضح على الفور تعارضه مع طبيعة التعليم الإسلامي وعاداته، فأنتم تُعلّمون العقول الشابة الفلسفة وتهدفون لشرح الكون بدون إرجاع الأمور إلى الله، تعلموهم العلم الخالي من المنطق والعابد للحواس. تعلموهم الاقتصاد والقانون وعلم الاجتماع وكلهم مختلفون عن تعالم الإسلام في الروح والمادة، ثم تتوقعون منهم بعد ذلك أن يكون لهم وجهة نظر إسلامية ؟" ولتجنب هذا الشر يقدم مولانا حلاً مثالياً بتحويل كل التعليم إلى التعليم الإسلامي فيكتب: "يقع اللوم - لهذه الحالة المؤسفة - على الفصل بين الديني والدنيوي في التعليم، وكما سبق وأشرت فهذا الفصل غير إسلامي برمته. وفي ظل النظام الجديد فليس مطلوباً إضافة منهج جديد عن الدين، وبدلاً من ذلك فإن جميع المقررات يجب أن تتحول إلى مقررات دينية". صــ 128

 ▬ [...] وبوحي من حكمة مولانا، قام معهد الدراسات السياسية في إسلام أباد - وهو بمثابة إشعاع ثقافي للجماعة الإسلامية - بمهمة إعادة تعريف العلم، ووضع خطوطاً إرشادية عامة لكتابة المراجع المناسبة للعلوم المؤسلمة. وفيما يلي عينة من توصيات المعهد: 1- لا تُذكر ظاهرة أو حقيقة دون إرجاعها إلى المشيئة الإلهية، فمثلاً في كتاب العلوم لتلاميذ الصف الثالث لا يجب سؤال الطفل عن: ماذا يمكن أن يحدث إذا لم يتناول الحيوان الطعام؟ وبدلاً عنه يكون السؤال: ماذا يمكن أن يحدث إذا لم يعطِ الله الطعام للحيوان؟ 2- يجب قصر تأليف مراجع العلوم على من يؤمن بقوة بأن الإسلام هو الشفرة الوحيدة للحياة وممن لهم دراية واسعة بالقرآن والسنة ولهذه لنقطة أن تحظى بكل الاهتمام. 3- لا يجب إرجاع "التأثير" إلى أي مسبب مادي؛ فهذا الطريق يقود إلى الإلحاد، فمثلاً تقول التوصيات: يكمن السم في بعض العنواين الفرعية في الكتب مثل "الطاقة تُحدث تغيرات" لأنها تُعطي الانطباع بأن الطاقة هي المصدر الحقيقي بدلاً من الله. كذلك فليس من الإسلام أن نقوم بتعليم أن الماء ينتج بطريقة أوتوماتيكية من خلط الأوكسجين والهدروجين. فالاسلوب الإسلامي يقول: يتولد الماء بمشيئة الله، عندما تقترب ذرات الهيدروجين من ذرات الأوكسجين. 4- الفصل الأول من أي كتاب وليكن كتاب الكيمياء، فلا بد وأن يكون عنوانه "القرآن الكريم والكيمياء" وكل فصل بعد ذلك يجب أن يبدأ بما يناسبه من آية قرآنية أو حديث. 5- لا يجب تسمية أية قوانين أو قواعد باسم أشخاص (علماء) فمثلاً يعتبر ذكر قوانين نيوتن أو بويل..إلخ، ممارسة غير إسلامية، لأن هذا مساو للشرك فتسمية القوانين بهذا الشكل يعني الإنطباع أن القوانين خُلقت بالعلماء بدلاً من مجرد اكتشافها. 6- يجب إدخال الله في حصص تعليم العلوم "يجب على مراجعنا العلمية أن تعرض مسألة الوجود الأزلي والآخرة، فدراسة هذه المواضيع يجب النظر إليها كدراسات علمية وليس على أنها من الإسلاميات". 7- يجب استعمال كتاب مولانا مودودي "تفهيم القرآن" في بداية مقرر علم الحيوان للاسترشاد به.. 8- يجب إسناد مولد كل العلوم إلى الحقبة الإسلامية، فالفيزياء النووية دين بجذورها إلى ابن سينا، وكيمياء جابر بن حيان إلخ وأما اليونانيون فلا يستحقون أي تقدير فهم لم يعرفوا شيئاً عن العلن التجريبي. صــ 129 - 130

▬ تؤدي الرغبة الشديدة في إرجاع كل نواحي العلم إلى مختلف النصوص الدينية، إلى الاضطرار للقيام ببعض التمارين العقلية الطريفة. فها هو ذا، ج.ف. نارليكار الفلكي الهندي المحترم يسجل ما حدث في الوقت الذي شاعت فيه نظرية خلق الكون في حالة ثابتة مع الزمن (Steady state theory of creation) حيث قام رجال الدين الهندوس بجمع أدلة نصية مقدسة عديدة لإظهار التوافق الكامل بين النظرية ونصوص الـ "فيدا" المقدسة. على أية حال لم تصمد النظرية طويلاً وتم الاستغناء عنها وحلت محلها نظرية الانفجار الكبير. وبلا أي شعور بالخجل أو الهزيمة، سرعان ما وجد رجال الدين الأصوليون عبارات أخرى من الفيدا تتماشى مع نظرية الخلق الجديدة ليعلنوها مرة أخرى بكل زهو واعتزاز باعتبارها انتصار آخر للحكمة القديمة. حاول بعض المفسرين والمؤليين للقرآن القيام بمحاولات مشابهة لما سبق ومن أبرز هؤلاء وأكثرهم شهرة نجد موريس بوكاي...صــ152

▬ بدأت التصفية المادية الجادة للمعتزلة، بالإضافة إلى الشيعة، بتولي المتوكل للخلافة، كان المتوكل من السنيين المحافظين، وكان كما وصفه أمير علي "كان سكيراً فظاً، متحالفاً مع القضاة والفقهاء". من ثم تم ابعادهم من جميع المناصب الحكومية كما تم اتهامهم بالهرطقة كما تعرضوا للتعذيب والإبادة الجماعية. فر الأساتذة والعلماء من بغداد نظراً لأن معظمهم كانوا من العقلانيين. وهكذا انتهت أكبر محاولة في الإسلام للتوفيق بين الوحي والمنطق. باستثناء بعض المحاولات الفردية في القرن التاسع عشر، على أيدي دعاة الإصلاح في الإسلام، فقد تم الفصل الكامل بين ما هو ديني، وما هو مدني (علماني) منذ ذلك الحين. صــ216

▬ عندما سُئل أبو الصلاح (المتوفى 1251) عن مدى السماح بدراسة أو تدريس الفلسفة والمنطق، أصدر الفتوى التي يصف فيها الفلسفة بأنها: "مؤسسة الحماقة، وسبب كل الخلط، وكل الأخطاء، وكل الهرطقة. فالشخص الذي يشغل نفسه بها - وهي مدعومة بالبراهين البراقة - يصبح كأعمى الألوان، فلا يرى جمال قانون العقيدة. أما فيما يتعلق بالمنطق، فهو وسيلة للوصول إلى الفلسفة. على ذلك، فإن الوسائل المؤدية إلى شيء فاسد، فهي أيضاً فاسدة... على كل من يحاول أن يبرهن على تتبع تعاليم الفلسفة، أن يواجه أحد الاحتمالين "فإما القتل بالسيف، أو التحويل إلى الإسلام، ذلك حتى يمكن حماية الأرض واستئصال آثار هؤلاء الناس وعلومهم". صــ 221

▬ أصيب ابن خلدون، المحافظ في بعض نواحي معتقداته، بالفزع من ميول المسلمين السلبية نحو التعليم، فكتب: ".. ولما فُتحت أرض فارس ووجدوا فيها كتباً كثيرة، كتب سعد بن أبي وقاص إلى عمر بن الخطاب ليستأذنه في شأنها وتلقينها للمسلمين. فكتب إليه عمر أن اطرحوها في الماء، فإن يكن فيها هدى فقد هدانا الله بأهدى منه، وإن يكن ضلالاً فقد كفانا الله، فطرحوها في الماء أو النار، وذهبت علوم الفرس..". صــ222

▬ رأى الغزالي عدم الاعتقاد بأن العالم يجري حسب قوانين الفيزياء، فإن الله يُفني العالم ثم يعيد خلقه في كل لحظة من الزمن. على ذلك فلا يمكن وجود تواصل بين أية لحظة وأخرى، بالتالي لا يمكن افتراض أن أي فعل سيؤدي بالتأكيد إلى إحداث أثر معين. على العكس أيضاً فمن الخطأ إرجاع أي ظاهرة إلى أسباب فيزيائية، ففي رأيه أن كل الظواهر والأحداث إنما تحدث كنتيجة مباشرة للتدخل الإلهي الدائم في العالم. يضرب الغزالي مثلاً فيقول خذ قطعة قطن تحترق بالنار، يستنتج الفلاسفة العقلانيين، المهرطقين أن النار هي التي تحرق القطن، ولكن: "نحن ننفي ذلك بقولنا: أن الفاعل في الاحتراق هو الله بخلقه السواد في القطن وفصله لأجزائه، كما أن الله هو الذي جعل القطن يحترق، وصنع ردماده، إما بواسطة ملائكته أو بدونهم. ذلك لأن النار في حد ذاتها جسم ميت وليس لها فعل، ثم ، أين الدليل على أنها السبب؟. حقاً، ليس للفلاسفة دليل سوى ملاحظة حدوث الاحتراق عند ملامسة القطن للنار. تثبت تلك الملاحظة فقط تزامن الأحداث، لا سببيتها، وفي الحقيقة فلا سبب إلا الله". صــ 223، صــ224

▬ فيما يتعلق بحكم الأساتذة والعلماء المسلمين، فلا تختلف فظاظة وخشونة الأصوليون في الأزمنة الغابرة، عنها في أيامنا هذه، حيث نشرت إحدى المجلات الصادرة في لندن بتمويل سعودي، مقالاً عاصفاً جاء فيه: "إن قصة مشاهير العلماء المسلمين من القرون الوسطى، كالكندي والفارابي، وابن الهيثم، وابن سينا، توضح أنه إذا وضعت مسألة كونهم من المسلمين جانباً، فلن يبقى فيهم ولا في أعمالهم شيء يمت للإسلام بصلة. على العكس، فقد كانت حياتهم - على وجه الخصوص - لا إسلامية. أما إنجازاتهم في الطب والكيمياء والفيزياء، والرياضيات والفلسفة، فما هي إلا امتداد طبيعي ومنطقي للتعاليم اليونانية. (مرجع9). كتب محمد كاليمار رحمن، وهو هندي مسلم في إحدى المجلات المتخصصة في العالم الإسلامي، شيئاً مماثلاً: "كان معظم الفلاسفة إما من المعتزلة أو من الملاحدة. كثير منهم مارس الموسيقى، والتنجيم والسحر، وكلها إما محرمة أو مكروهة في الإسلام.... الرازي لم يؤمن بالوحي، والفارابي اعتمد على المنطق وحده - لا الشريعة - للتفرقة بين الخير والشر. أما الكندي فلم يعترف بصفات الله، وأخيراً ابن سينا الذي لم يؤمن بالبعث... هكذا حدثت خسارة المجتمع تدريجياً للقيم الإسلامية. (مرجع 10). إن تواصل الخط الفكري بين الأصولية الحديثة والقديمة، واضح تماماً. إذ يُلاحظ أن مرور كل تلك القرون، لم يسفر عن العفو عن أي من فلاسفة الإسلام. كذلك يلاحظ أسلوب رفض إنجازاتهم باعتبارها كلها " امتداد طبيعي ومنطقي للتعاليم اليونانية"، وهو موقف في الحقيقة، مشابه إلى حد كبير لازدراء أبناء الغرب للإنجازات العلمية الإسلامية. على فرض أن أحداً من غير المسلمين، زعم بأن العلم ما هو إلا استرجاع للعلوم اليونانية، فكان يُتوقع أن يهاجمه المسلمون بغضب شديد، أما وأن الزعم قادم في الأساس من زعماء حماة العقيدة، فلا عجب إن حظيت إهاناتهم للعلم الإسلامي، بأقل قدر من الاهتمام. صــ 239

▬ من الأفضل، بدلاً من التخطيط لمجتمع وهمي فاضل، الاهتمام بحل جزئيات المشاكل المطروحة على الساحة، واحدة تلو الأخرى، بطريقة مرتبة وعقلانية، وواقعية. يتطلب الوعي باستحالة وجود حلول مثالية شاملة، درجة عالية من النضج على مستوى المجتمع وعلى مستوى الأفراد. حيث أن السماحة الفكرية والعقائدية، لا يمكن وجودها إلا في المجتمعات الناضجة، التي تستطيع أن تمنح مواطنيها القدر اللازم من الحريات... لا بد من محاربة الميول التي تخلط بين التحديث والتغريب (نسبة إلى الغرب) حيث كثر الاستخدام الخاطيء للفظين، باعتبارهما مترادفين يحملان نفس المعنى، فليس من الضروري أن يكون غربياً كل ما هو متمدين وحديث. كذلك ليس من الضروري الفصل بين الحداثة والتقاليد. صــ 277


▬ تقول الحقيقة التي لا خلاف عليها إن العلم الحديث، علم مدني (علماني) في طبيعته، سيان إذا قبل بعض الناس بذلك أو رفضوه، ثم إن التيقن من الحقائق العلمية لا يحتاج إلى اللجوء إلى السلطة المقدسة، فوجود هذه السلطة لا يتأكد ولا ينتفي. على أية حال، لا يمكن إنكار وجود بعض فرادى العلماء من المتدينين بشدة ممن تذهلهم أسباب الوجود، ودقة الكون ونظامه، ويكفي أن نذكر هنا، رجالاً، المفترض أنهم من مؤسسي العلم الحديث، مثل جاليليو ونيوتن الذين كانوا من المتدينين بشدة. وعلى الرغم من ذلك فقد ذهب كلاً من العلم، والدين في طريقه منذ بداية إعلان الفرقة على أيدي الثورة الكوبرنيكية في القرن السابع عشر. صــ 291


  • Digg
  • Del.icio.us
  • StumbleUpon
  • Reddit
  • RSS

كبرياء التاريخ في مأزق (عبد الله القصيمي)


• إن البشر لا يرفضون أي شيء، ولكن الأشياء تتعاقب عليهم لأن الذين يفرضونها عليهم يتعاقبون. إن شيئاً ما لم يتغير لأن الناس رفضوه، بل لأن نقيضه فرض عليهم.
• أقسى العذاب أن توهب عقلاً محتجاً في مجتمع غير محتج، أوأن يسقط على حياتك وثن إنسان كريه لا تستطيع تحمل وثنيته ولا تستطيع التخلص من مواجهته.
• إن الطاغية هو أشهر مبصوق عليه في التاريخ: يبصق عليه الضعفاء والمتملقون عفوناتهم النفسية والأخلاقية بأسلوب الامتداح له!
• ما أبشع قوماً لا بد أن تكون لهم لعب ثم لا بد أن تكون هذه اللعب هي الشعوب والأرباب والمذاهب والعداوات والحروب والمؤامرات والآلام ــ ما أبشع إذن القادة والزعماء والثوار والمعلمين والكتاب لأنهم هم هؤلاء القوم؟
• ما أصعب موقفك حينما تكون محتاجاً إلى أن تكون غبياً جداً لكي تستطيع أن تفهم إلهك وتتناسق معه وتغفر له ما لا يمكن أن تعقل من تصرفاته، وحينما يكون مستواك الأخلاقي متفوقاً على مستوى إلهك الأخلاقي.
• إن المذهبية الشاملة القوية هي أحد الأجهزة التاريخية التي ظلت تحت كبرياء الإنسان وذكاءه، والتي ظلت حليفاً ممتازاً للطغاة والطامحين واللصوص والأغبياء ليتكبروا ويسرقوا ويخدعوا ويجهلوا بحماس وضجيج وتأله.
• ما أكثر الذين انتصروا بالحركات القوية الطائشة، ولكن هل انتصر أحد بالتفكير الصائب العميق ؟
• المغامرون لا يحتاجون إلى تلقي النصيحة من أحد لكي يتقدموا، إن النصيحة هي عملية تعويق وتخويف، وإنه لا يقبل النصيحة إلا الجاهل أو العاجز، ولا يسديها إلا الموظف والمتعب والعارض لذاته.
• القادة لا يحتاجون إلى الأفكار بل إلى الجنون والأكاذيب والأمراض والآلام والطموح العدواني. إن الجنون في القائد أبلغ وأفضل من كل تفكير وعقل ووقار، فالعقل يقتلان في القائد موهبة الإقدام والإنتصار.
• حماقات القادة تتحول إلى أفكار، ولكن أفكار المفكرين لا تتحول إلى قادة.
• عجباً! إن قائداً واحداً مصاب بالجنون أو بالتوتر أو بالحماقة يستطيع أن يحول عشرات الملايين بل مئات الملايين إلى مجانين أوحمقى أو متوترين، يموتون باستبسال في معارك الجنون والحماقات بلا إيمان ولا فضيلة، بل بخضوع للمجانين الحمقى المتوترين، بل بخضوع للمجنون الواحد الأحمق المتوتر!
• إن الحضارة تتحدى اليوم ضميرها، إنها بانتهازية وغواية دولية تتنافس كتلها المذهبية المتعادية على صناعة الصراصير، وتحولهم إلى زعماء مذلين لشعوبهم الناشئة.
• المنهزمون المتخلفون لا يكفيهم أن يكونوا مهزومين متخلفين، بل لا بد أن يحولوا هزيمتهم وتخلفهم إلى مزايا وانتصارات لهم، ثم لا يكفيهم بأن يثنوا على أنفسهم مرة واحدة بل لا بد أن يثنوا عليها مرة أخرى بأن يحولوا انتصارات الآخرين وتفوقهم إلى رذائل..
• لقد أصبح النفط العربي مجداً عربياً هائلاً وتعويضاً عظيماً عن تخلف الموهبة العربية.
• إن جميع مدرسي الأخلاق وجميع الوعاظ والمادحين في كل العصور في جميع ما قالوه وكتبوه وفي جميع مدائحهم وأوصافهم لم يكونوا يسجلون موضوعات أخلاقية، بل يعبرون عن ظواهر نفسية. فالظاهرة الأخلاقية هي تحويل الحالة النفسية الأنانية إلى سلوك.
• أغلب الناس يعيشون كل حياتهم في رضاعة عقلية ونفسية وأخلاقية لا يريدون الفطام منها ــ وإنهم ليفضلون الرضاعة من الأثداء الميتة!
• لقد خدعت الإنسان الكلمة ــ ولا تزال تفعل بأساليب أقوى وأشمل ــ وقاتلته وكذبت عليه وظلمته أكثر مما قاتلت دونه أو صدقته أو أرشدته أو انتصرت له.
• إن الإنسان قد يستطيع أن يعيش بلا حرية ولا تفكير ولا نقد، كما يستطيع أن يعيش بلا عدالة أو صحة أو ذكاء أو تعليم أوحضارة، ولكن كم في ذلك من القبح والبشاعة.
• إن الذي يفرض على الناس فضيلة جاهزة بلا شهوة أو رغبة فيها هو أقوى عميل للرذيلة، كما أن الذي يفرض على العقول الإيمان أو بمذهب نهائي مطلق يقيني هو أفضل معلم للخطأ والغباوة.

====================================
▬ أيتها النجوم تحولي إلى رجوم. أيتها الشموس تحولي إلى حرائق. أيتها الحقول تحولي إلى أشواك من الجحيم. أيتها الجبال تحولي إلى سياط. أيها الرجال تحلوا إلى نمال. أيتها النساء تحولن إلى صحارى لا تنبت. أيتها البراكين الخامدة تفجري. أيها الكون لتتساقط غضباً واشمئزازاً، أو رثاء وحزناً، لتتساقط أيها الكون على مجتمع قد غزاه ذباب بذيء كئيب متوحش فتحولت كل الجباه والهامات فيه، وكل الذكاء والكلمات، وكل الرجال والشموخ إلى هزائم وعار وصلوات وعبيد ونشيد لمجد الذباب، وإلى تفاسير لما في طنينه من عبقريات ومذاهب ثورية، ومن تحدٍ وهزائم لكل موسيقى رجعية! أيها الغضب أريد أن ارى غضباً، أريد أن أرى قبر الغضب، حتى قبره أخشى أنه قد مات! أيتها الآلهة مارسي كل غضبك أو كل حبك، مارسي كل صفاتك وإلا فهبيني كل قوتك! أيتها البحار. أيتها الأنهار تحولي إلى دموع تذرفها عيون السماء حزناً على كبرياء الأرض، وتذرفها عيون الأرض حزناً على شرف السماء. أيتها البحار. أيتها الأنهار تحولي إلى دموع. أيها الكون تساقط غضباً واشمئزازاً، أو رثاءً أوحزناً. أيتها الآلهة مارسي كل غضبك وكل حبك، مارسي كل صفاتك وإلا فهبيني كل قدرتك! ليتحول كل شيء إلى غضب ودموع وعقاب، فلقد انتصر ذباب على تاريخ الإنسان، ليتحول كل شيء إلى هجاء للبشر! صــ13 : 14

▬ أيتها الآلهة، أيتها النجوم، أيتها الكرامة الإنسانية، أيتها الشجاعة الإنسانية، أيتها المذاهب والحضارات ــ إنسان واحد يحول كل آلامه وهمومه ونقائصه وتفاهاته، وتاريخيه الكئيب ومشاعره المغيظة ــ إنسان واحد يحول كل ذلك إلى آلهة ومذاهب ونظم مخابرات ومباحث ودعايات ضاجة، وإلى جيوش وحروب وتهديد وتآمر، وإلى حكم لا مثيل له في القسوة والشمول والغباء، تخضع له عشرات الملايين أومئات الملايين من البشر، ويحول كل هذه العشرات أوالمئات من الملايين البشرية، وكل تلك الآلهة والمذاهب والنظم والمباحث والمخابرات والدعايات والجيوش والحروب والتهديد والتآمر والحكم ـــ يحول كل ذلك إلى قصائد هاتفة لجنونه وهمومه ونقائصه وتفاهاته وتاريخه الكئيب ومشاعره الجريحة المغيظة..صــ85

▬ أيها التاريخ، إنك تستحق كل ما في الكون من رثاء، فحكم تحتوي في جوفك من صعاليك، فيهم كل بذاءات السلوك والأفكار والمشاعر، سلبوك كل وقارك وشجاعتك وغاصوا بشرفك وذكائك إلى حضيض بذاءتهم وفسقوا بكل ما فيك من عفة ورصانة ونظافة وسمت ــ إنهم ألئك الصعاليك المنتصرون عليك، الذين وضعوا أنفسهم في سجل مواليدك باسم الثوار، أولئك الثوار الذين أرادوا أن يهربوا من آلامهم الطبقية أو الإجتماعية أو النفسية أو التاريخية أو الجسمية بالعدوان عليك ــ لقد أرادوا أن ينتقموا من عذابهم فانتقموا منك، وأن يصعدوا فوق أنفسهم وفوقك وفوق كل الذكاء الإنساني فاقترفوا الثورات والمذاهب والنظم التي تنادي بمحبة قوم، ولكن لم يكن قصدها إلا كراهة قوم آخرين، لم يكن قصدهم أن يحولوا الأرض إلى سماء بل أن يحولوا السماء إلى أرض، بل أن يكونوا هم سماء ويكون كل شيء أرضاً لهم! صــ89

▬ إن غير المفكرين مفتوحة حدودهم لكل الدعايات والأكاذيب الكبيرة، تغزوها بلا حراسة ولا أبراج مراقبة. نعم، وأحياناً كثيرة يصبح المفكرون أكثر إنفتاحاً أمام غزو الدعايات ــ إنهم قد يحولون أفكارهم إلى أجهزة استقبال وفرق ترحيب بالغزاة القادمين ــ بالأكاذيب والدعايات الزائفة، بل قد يكون المفكر خالق اكاذيب ودعايات سخيفة وليس مروجاً لها فقط. إن أنبياء الطغيان والظلام هم في كثير الأحيان مفكرون، وقد يكونون مفكرين كباراً. [..] المجتمع القوي يستطيع أن يتحمل الصدمات الفكرية المناقضة لأنه قادر على التكيف والأخذ والهضم والمقاومة، أو هو أقدر على ذلك. وليس كذلك المجتمع الضعيف. صــ109

▬ إن الحشرات هي أسعد الكائنات في المجتمعات المتخلفة، وأسعد هذه الكائنات السعيدة هو الذباب، إن الذباب في كثير من المجتمعات لأفضل حظاً من الإنسان وأعلى مستوى منه. إن الذباب هو سيد الإنسان في هذه المجتمعات، إنه  قيصر، حاكم مطلق، إنه أسعد وأقوى مواطن، له أضخم الحقوق والإمتيازات والحريات، له كل البيوت والحدائق والموائد والوجوه الجميلة والأنوف الشامخة، ينتقل بينها ويستقر فوقها بلا حظر أو خوف أو زجر . كم هو خليق بأن يُحسد الذباب ويحقد عليه ويتمنى أن يكون مكانه في المجتمعات المتخلفة كل الجائعين والمحرومين والمطاردين حينما يرونه متربعاً ومتنقلاً بين وفوق أشهى الأطعمة وأجمل الوجوه كدكتاتور ساحق متربع فوق كل العقول والكرامات بعد أن قتل في مجتمعه كل غضب واحتجاج، وبعد أن فقأ كل بصر فيه، حتى لا يستطيع أن يرى أو يكره أية دمامة أو بذاءة. صــ255

▬ إن وظيفة العلم غير وظيفة الفلسفة والتفكير، لهذا فقد يكون العالم الكبير جداً ضعيف جداً في تفكيره ومنطقه، وقد يؤمن بأتفه وأصغر الخرافات. وليس لنا أن ننتظر من العالم الكبير أن يكون مفكراً كبيراً أو أن يرتفع في عقائده ومنطقه وتفاهاته الذهنية فوق مستوى الجماهير كثيراً. وقد يكون التخصص العلمي عائقاً عن كل المستويات الفكرية، بل قد يكون المتخصص في أحد الفروع العلمية مغفلاً جداً لا يستطيع أن يتكون فكرياً أي تكوُّن. وقد يكون العالم مفكراً كما قد يكون غير مفكراً، وكون العالم مفكراً لا صلة له بأن يكون عالماً. صــ287

▬ إن جميع الناس يخطئون ويكذبون ويحتاجون إلى الأكاذيب والأخطاء ولكنهم يختلفون في أساليب التعبير، إنهم جميعاً يحتاجون إلى الخطأ لأنهم أحياء بل لأنهم موجودون، فكل حي، بل كل موجود يحتاج إلى أن يُخطيء كما يحتاج النهر والحجر والنبات إلى الخطأ والظلم والتصادم مع الأشياء والرغبات الأخرى. فإذا كنت في مجتمع يمنعك من أن تفكر وتحتج وتخطيء، وتعلن عن تفكيرك واحتاجحك وخطئك بأسلوب حر لا خوف فيه فهل هذا المجتمع يستطيع أن يمنعك من أن تحتج وتخطيء عن ذلك بأسلوب آخر من أساليب التعبير على نحو من الأنحاء؟ في مثل هذا المجتمع هل تعجز عن التفكير أم عن الخطأ في التفكير مع التفكير، أم تعجز عن التعبير؟ إن كان العجز عن التفكير فما أبشع هذا، وإن كان الخطأ في التفكير مع التفكير فما أعظم استحالة هذا، وإن كان العجز عن التعبير فما أسخف هذا، أي ما أسخف أن يكون الخطأ موجوداً في تفكيرك ثم تُمنع من التعبير عنه! صــ309

▬ عجباً! كيف لا تموت الآذان في عهد الثوار والطغاة؟ إن الأذن هي أشهر جهاز في التاريخ لاستقبال الفحش والتحقير والسباب والادعاء والأكاذيب، إنها أكبر وأشهر وعاء ومصب يلقى إليه كل ما في الحياة والكون والإنسان من تفاهات وضعف وكذب، متحولاً إلى كلمات، إنه ليست للأذن أية وظيفة أخلاقية أو دينية أو إنسانية. ماذا نجد لو أن جميع ما أُلقي في أذني إنسان واحد كل حياته من فُحش وسوء قد تجمع وتحول إلى وجود مرئي؟ إنه لتصور بشع مخيف. لعل أسوأ أعضاء الإنسان حظاً أذناه، إنهما أسوأ حظاً من عينه وقدميه ويديه وكل أعضائه، إن الأذنين هما الممر الكريه الذي تمر منه كل التفاهات والوقاحات والآلام إلى الإنسان لتصب فيه بكل وحشية، إن حاسة السمع هي أفظع مستنقع في العالم تتساقط فيه جيف الكلام والأخلاق، ويتزاحم عليه أضعف ما في البشر من خبث وقذارة وغباء، وإن الإنسان لهو أكبر جهاز مرور في الكون ــ إن جميع الأشياء الكونية والإنسانية بل والأشياء التي ليست كونية ولا إنسانية تمر بقسوة وتعذيب من خلال ذاته في صور أفكار وعواطف..صــ315

▬ للشعوب دائماً في كل تاريخها ثلاثة أعداء : قوة التقاليد وقوة العقائد وقوة الحكم، وهؤلاء الأعداء أوالخصوم الثلاثة يؤلفون دائماً معسكراً واحداً متحالفاً يواجه الإنسان ليحطم قوته وذكاءه ومقاومته، ولكي ينتصر ويتفوق عليه، وحياة الإنسان محكوم عليها أن تخوض معارك نضالية دائمة ضد عقائده و آلهته وتقاليده لتضعفها وتكبح من طغيانها أو لتنتصر عليها، ولكنها قد تكون معارك غير منظورة. ومهما بدا الإنسان محترماً جداً لآلهته وتقاليده وحكامه وعقائده ومطيعاً لها جداً فإنه في الحقيقة يخوض ضدها المعارك المختلفة المستويات في عنفها، إن الإنسان أبداً يخوض هذه المعارك مهما جهل ذلك، ومعارك البشر التي يجهلونها أكثر وأدوم من معاركهم التي يعرفونها أو يشعرون بها. صــ322

▬ الناس لا يصرون على الإيمان احتراماً لإيمانهم بل عجزاً عن الإنتقال أوتهيباً، ففقد حرية التفكير في ذنوب الآلهة والعقائد والمذاهب وحرية التخطي لها هو حالة من حالات العجز، والعجز قد يكون رهبة أو خمولاً أو كسلاً. إن رفض الحرية نوع من الرفض للحركة والإنتقال، والرفض للحركة والإنتقال عجز، أوعجز عن دفع ثمن الحركة والإنتقال، أو رهبة، والرهبة عجز. إن المؤمن لا يؤمن لأنه يحب أويحترم الأرباب والمعتقدات، أو لأنه يقدرها أويعرفها أو مزاياها الإنسانية أو الأخلاقية أو الكونية، بل يؤمن لأنه لا يستطيع ــ ولو نفسياً أوفكرياً ــ أن ينكر ويقاوم ويصنع لنفسه أرباباً وعقائد أخرى، ولهذا فإن العاجز مثل هذا العجز بهذا المعنى من العجز وبأسبابه لا بد أن يؤمن بأي رب وبأية عقيدة تلقيان عليه، أو يجدهما في قبور آبائه وفي ملابسهم البالية، غير مشترط  فيهما ــ أي في الرب والعقيدة ــ أي شروط من أي نوع وعلى أي مستوى. وإذا تخطى الإنسان العجز عن اختيار الأرباب والعقائد وعن إبداعها فلن يهاب تحطيم أي إله وأية عقيدة مهما علم فضائلها وخلودها، ومهما ورثها عن أمجاد التاريخ وأمجاد الآباء المحترمين أو المخيفين. صــ332

▬ كم هي الأهوال والآلام التي أوقعها بالإنسانية في كل العصور والمجتمعات أبطال متألهون غاضبون لكرامتهم التي وضعوا حدودها وحساباتها هم، مستسلمون لمشاعرهم الغلامية التي لا ترى أن شيئاً في الكون يساوي أكثر من رضاهم وغضبهم؟ إن البشر مستعدون في أكثر أوقاتهم لأن يموتوا ويدمروا أوطانهم ويخربوا كل شيء ليكونوا وقوداً لشهوات البطل ولإنفعالاته التي أرهقها التوتر والحساسية وإدمان النظر إلى الذات بتدليل وعشق، ولكي يتحولوا إلى إعلان ضخم أليم عن جنون البطل..صــ357


▬ إن كتب التعاليم والأوامر والنواهي التي تطلب من الناس ان يكونوا أو لا يكونوا، والتي تحاول أن تصنع للإنسان سلوكاً وأخلاقاً وشهوات لم تكن إلا لغواً يفعله الكبار جداً ويتناقلونه بعضهم عن بعض دون أن يسأل بعضهم بعضاً عن جدوى ما يفعلون. لقد كانوا يفعلون اللغو وهم عابسون متجهمون كأنما يصنعون للكون ثوباً أوخلقاً جديداً وللبشر طبيعة مبتكرة تخيلوها وأرادوها لهم بمحبة وعناية ورشاقة وذكاء. إنه لغو عجيب، لغو عظيم الحظ، لهذا كان يقرؤه ويسمعه كل الناس في كل العصور دون أن تقرأ أو تسمع أوتفهم منه أهواؤهم او أخلاقهم أو مصالحهم أو أعضاؤهم حرفاً واحداً..صــ376

  • Digg
  • Del.icio.us
  • StumbleUpon
  • Reddit
  • RSS

لئلا يعود هارون الرشيد (عبد الله القصيمي)


• لو أن العرب يملكون موهبة، لصنع طغاتهم من موهبتهم قوة وانتصارات وابداعا، كما صنع آخرون من مواهب شعوبهم.
• الإنسان العربي لا يتغير. عار ان يتغير. ذنب أن يتغير. عقوق للأرباب والآباء والأوطان أن يتغير. لهذا لم يتغير.
• هل يستطيع شيء، هل يستطيع أي شيء، مهما عظم، أن يكون كفارة أو اعتذاراً عنك أيتها المواجهة العربية الإسرائيلية، أيتها الوحش المبتلع لكبرياء الإنسان العربي، المذل لقبور آبائه.
• يا دولة العرب الواحدة الكبرى، إني أخاف مجيئك لأني أخاف مجيء هارون الرشيد الجديد.
• ماذا يمكن أن يربح العرب لو كانت إسرائيل غير موجودة إن كانوا سوف يظلون باعدادهم البشرية وبمواردهم الطبيعية خمولاً وخموداً وعجزاً رائعاً، رائعاً ؟
• انتم أيها الزعماء والخطباء المتحدثون عن أخطار إسرائيل على مستقبل أمتكم، أنتم تزعمون أنه محكوم على احتمالات تطور امتكم وتحضرها بالإعدام. فهل تعون ذلك أيها الزعماء الخطباء البلغاء؟
=======================================
▬ إني أخاف مجيء هارون الرشيد الجديد لأني قرأت عن هارون الرشيد القديم. كان يقاتل بآبائي ويقاتلهم بالسيوف والرماح والسهام والنبال. كان ينفق قوت آبائي على الجواري والشعراء والمغنين. كان يعرض ذاته وهيبته ووحشيته وكبرياءه فوق المنبر وفي المسجد وفي مواكبه البدوية المنطلقة من القصر إلى المصلّى، ومن المصلى إلى القصر، ومن هذا القصر إلى ذلك القصر، ومن مخدع هذه الجارية إلى مخدع الجارية المنافسة الآخرى. كان يحارب ذكاء آبائي وحرياتهم بالمشايخ وبالآيات والأحاديث، وبالأنبياء، وبالسلف، وبالقبور..صــ27

▬ الطغاة يجدون شهوة في أن يكونوا فوق إمبراطوريات ودول كبرى كما يجد صاحب المال شهوة في ان يكون ماله كثيراً، وصاحب القطعان شهوة في أن تكون قطعانه كثيرة، وصاحب العبيد والجواري والمحظيات شهوة في أن يتعاظم عدد عبيده وجواريه ومحظياته. وكما يجد الطفل المدلل شهوة في أن يكون له أكبر العدد من اللُعب وأن يتفوق على كل انداده واصحابه في عدد لعبه. صــ30


▬ إن كان ممكنا أن يتحضر العرب ويتطورا وأن يحولوا الإحتمالات الكبيرة إلى واقع كبير فإن وجود اسرائيل قد يكون أو لا بد أن يكون تحريضاً ممتازاً على الإسراع في هذا التحضر والتطور والتحويل والتحول من إحتمال إلى كينونة. قد تكون إسرائيل هي أنفع هدية من الجحيم يهديها الشيطان ويهديها الظلم الدولي إلى العرب لكي تصفع جمودهم وركودهم وخمولهم المستلقي على تاريخهم، على تاريخهم المستلقي على أربابهم وعلى قبورهم وعلى بدواتهم وعلى قصائدهم وعلى رواياتهم عن أنفسهم المصابة بكل كبرياء البدواة وبكل اتضاع الحضارة... بكل ضخامة القول وبلاغته وحماسته، وبكل ضآلة الفعل وعجزه وخموده. صــ57

  • Digg
  • Del.icio.us
  • StumbleUpon
  • Reddit
  • RSS

يكذبون كي يَروا الإله جميلاً (عبد الله القصيمي)


• لولا أفراد عباقرة قليلون يجيئون كولادة الشيء من غير أبويه أو كولادة الشيء بلا أبوين أو كولادة الشيء نقيضاً لأبويه ليهبوا الحياة جميع قفزاتها الجديدة المتتابعة لما كان الإنسان فقط أردأ الكائنات حظاً بل ولكان أكثر الكائنات بلادة وتعاسة وهوانا..
• ما أفظع أخلاق التراب حينما يتحول إلى تيجان، حينما يتحول، أي التراب، إلى قادة وابطال وأنبياء. أيها التراب، إني لا أرهب شيئاً مثلما أرهبك حينما تتحول إلى قادة وأبطال وأنبياء لتتحدث بلغة السماء من فوق هامات النجوم.
• إن أكثر الناس إذلالاً واحتقاراً للطبقات المغلوبة هم أبناؤها إذا ارتفعوا فوقها وانفصلوا بانتصارهم وقوتهم عنها.
• إنه إذا كانت الآلهة هي دائماً طاغية ومعادية للإنسان فإن أكثرها طغياناً ومعاداة للإنسان هي الآلهة التي ولدت في الأرض، وليست التي ولدت في السماء. إن الولادة في السماء تعلم التواضع والتسامح والرفق والإحساس بالامان أكثر مما تعلم ذلك الولادة في الأرض. إن الأرض لتصنع الآلهة المتوحشة الحاقدة أكثر مما تصنعهم السماء.
• هل توجد مناشدة منتظرة مثابرة كمناشدة المؤمنين، وهل يوجد رفض مثابر مقنط كرفض الإله ؟
• أليس الملائكة هم وحدهم القائمين على أجهزة المباحث والمخابرات والجاسوسية لهذا الطغيان الذي هو أبشع وأشهر طغيان في الكون ؟
• لقد علمتمونا ايها المبلغون المفكرون عن السماء أن الله قد وهب الشيطان الخلود ووهبه كل إحتمالات ومزايا القدرة على جعل الناس جميعاً، في كل أجيالهم زنادقة وفساقاً وطغاة ولصوصاً وملوثين.
• إني لست نبياً أو معلماً يضع أمام كل سؤال جواباً يكون الموت والإتهام بالزندقة أو الخيانة هما بعض جزاء من يشك فيه أو من لا يجن للإقتناع به والدعوة إليه.
• ان الاقتناع بالأجوبة المصنوعة اسلوب تاريخي عالمي من اساليب البحث عن السلامة والامان .
• ما أقبح وأنذل كل الأشياء لولاك أيها الكذب...أيها المناضل لتستر عار الآلهة ودماماتها، ولتستر عار الطبيعة ودماماتها، ولتستر عار الإنسان وضآلاته وفضائحه وآلامه.
• إن أضخم الأكاذيب وأكثرها بشاعة وافتضاحاً قد تكون هي أقوى الأكاذيب في كل أسواق التاريخ. لأن أضخمها هي أكثرها إغراء للسوق واستجابة لإحتياجاتها وتوافقاً مع أخلاقها وشهواتها.
• إن الصدق هو واقع الطبيعة، وإن الكذب هو واقع الإنسان ــ إنه واقعه النفسي والفكري والمثالي والنموذجي والديني والمذهبي والأخلاقي..
• إن الكذب مغازلة للأشياء البعيدة أو غير الموجودة بالأماني والتحديق وبالحب المتلهف المصدوم.
• إن قوة التلقين ليست إلا تعبيراً عن قوة الحاجة إلى التلاؤم والتوحد مع الجماعة في تفاهتها.

======================================
▬ ... إن إنتصار النبي هزيمة لنبوته. إن نبوته حينئذ لا بد أن تتحول من نبوة مسالمة إلى نبوة محاربة، ومن نبوة واعظة ومتسامحة وغافرة إلى نبوة باطشة لاعنة معاقبة. إن النبي إذا انتصر فلا بد أن ينتقل من نبي حزين باكٍ مصل من أجل الخطايا والآلام والصغائر والتفاهات التي يعيشها جميع الناس وجميع الأشياء إلى نبي زعيم أو إلى نبي حاكم باطش غاضب فظ معير بالخطايا والأخطاء والآلام والصغائر بل وبالجوع والعجز. إن المهزوم المهان المولود في الهزيمة والهوان لا بد أن يصبح أقسى الجبارين إذا انتصر ... إن الحيوان الضعيف المقهور الخائف لا بد أن يتحول إلى أقسى الوحوش وحشية لو إنه تحول إلى حيوان قوي غالب، لو أن أظفاراً وانياباً قوية نبتت في جسمه... إن تغير الذات والوضع تغير في المذهب والتدين والأخلاق والفكر. صــ5

▬ لقد كان جميع الأنبياء والقديسين والقادة الإنسانيين وجميع المؤمنين الأتقياء ــ لقد كانوا جميعاً من المحرومين أو المعذبين أو المشوهين أوالمحزونين أو المظلومين أو المقهورين أو المعتدى عليهم أو الضعفاء، أو من الذين لا يملكون أي تفوق عقلي أو فني أو ذاتي. إن التفوق العقلي والذاتي قد ظل في كل التاريخ يحسب ذنباً أو زندقة. لقد ظل هذا التفوق يحسب كفراً بالأرباب وبالأنبياء وبالزعماء وبالمعلمين وبالمذاهب والأديان. صــ7

▬ إني لست نبياً أو واعظاً أو معلماً او زعيماً مذهبياً يسكت أو يرهب أو يقتل كل شجاعات كل العقول وكل تساؤلاتها بسطوة الآلهة، أو بسطوة المذاهب، أو بسطوة التعالم والتاريخ، أو بسطوة الجيش. ما أوقح وأقبح سطوة الجيوش... ما أوقح وأقبح الجيوش حينما تذهب تعلم العقول ذكاءها وإيمانها... حينما تذهب تعلم العقول الإقتناع بالإله أو المذاهب أو بالنظام أو بالزعيم أو بالمعلم... وحينما تذهب تفسر مزايا الإله أو المذهب أوالنظام أو المعلم أوالزعيم، وتدلل على صدقه. وهل يوجد جيش لا يعلم ذلك؟ وهل وجد أويوجد جيش لا يتحول إلى معلم ومفسر للآلهة وللأديان وللمذاهب وللعقول وللنبوات وللانبياء ؟ صــ29

▬ [..] لهذا فإن جميع الآلهة والطغاة والأنبياء والمعلمين يحرمون عليك أن تكون سائلاً أو متسائلاً ... إنك إذا تسائلت عن شيء أو عن أحد، أو سائلته فلا بد أنك قد حدقت فيه، أو انكرته، أوفكرت او شعرت ضده، أو تناقضت معه، أوكرهته، أو عجزت عن فهمه وعن تسويغه، أو اشمأززت منه، أو حسدته، أو نافسته. إنك إذن قد اعتديت عليه بأسلوب ما من أساليب العدوان. إنك حينما تحدق بنظراتك إنما أنت محدث بنفسك، والتحديق النفسي هو أشمل أساليب العدوان. إن إطلاق السلاح ليس إلا بعض التعبير عن التحديق النفسي. إن السلاح بعض ممارسة النفس لتحديقها. صــ84

▬ إن الأذكياء والأغبياء يتساوون أو يشتركون في تصديق الأكاذيب، بل قد يتفوق الأذكياء في هذا التصديق، لأن سلوكهم الذهني قد يكون أكثر وأقوى حماساً واستقبالاً وتلمساً، وأكثر حركة، وأقدر على الحركة. وتصديق الأكاذيب المعروفة قد يكون تعبيراً عن قوة الحماس والإستقبال والتلمس، وعن سرعة الإستجابة والحركة، وعن قوتهما، وعن القدرة على ممارستهما. إن الأذكى قد يكون هو الأسرع إلى الوقوع في الغباء وفي الأكاذيب الغبية. إنه قد يكون هو الأجرأ على ذلك والأكثر وقوعاً في طريقه. صــ103

▬ إن الزعيم أو القائد أو النبي أو المعلم الذي يريد أن يكون صادقاً ويستطيع أن يكون صادقاً ويصدق ــ إن مثل هذا الزعيم أو القائد  أو النبي أو المعلم ـــ لو وجد، لوكان ممكناً أن يوجد ـ لا بد أن يخسر كل صدقه وإغرائه وكل قدرته على الإقناع. إنه يصبح كائناً كريهاً وثقيلاً ودميماً وذميماً وجلفاً وقحاً مرفوضاً. إنه لا بد أن يحرض على نفسه كره الجماهير ورفضها ومشاعرها الجبانة الأنانية بلا ذكاء أو وقار. إنه لا بد أن يحرض ضد نفسه احتياجات الجماهير وتفاؤلها البليد الكسول ـــ هذه الجماهير التي لا تستطيع ان تعرف الصدق او تحترمه أوتريده أو تبحث عنه، أويكون شوقاً أو أملاً من أشواقها أو آمالها...صــ107

▬ إن الكاذب هو إنسان يتحدث عما يريد ويتمنى ويحب وعما يشترط للأشياء وعلى الأشياء ولنفسه وعلى نفسه...إنه لا يتحدث عما يجد أو يرى أو يعلم أو يكون. إن الكاذب يتحدث عما في نفسه أي عن واقع في نفسه أو عن واقع نفسه. إنه حينما يقول: هذا الشيء موجود، وهو غير موجود، أو يقول: هذا الشيء جميل، وهو دميم، فإنه يريد في الحالتين أن يقول: أتمني يكون ذلك الشيء كذلك، أو أشتهي أوأريد أن أتحدث عنه بانه كذلك. إنه حتماً يتحدث عن نفسه لا عن الواقع الذي يراه أو يعلمه أو يجده...صــ119

▬ إن توحد مذهب المجتمع أو توحد دينه أو إلهه أو زعامته أو تعاليمه وتقاليده لا يؤكد حقيقة فكرية، بل يؤكد سلوكاً جماعياً محتوماً مفروضاً. إن هذا التوحد المثير يؤكد أننا لا بد أن نكون ادوات مخلوقة مسحوقة في الجهاز الكبير الرهيب، أي أن نكون بلا حرية مهما كانت الحريات موجودة ومشروعة ومنادى بها وممارسة ومباحة، ومعروضة في جميع الأسواق والمعابد، وفي جميع القوانين، ومن فوق جميع الأجهزة والمنابر، بلا أي ممنع أو محاسبة. إننا لا نعيش الحرية بقدر ما تكون موجودة أو مبذولة أو مطلوبة بل بقدر ما نستطيعها أونريدها أو نستعد بها، إن الحرية ليست دائماً ربحاً أوشهوة.صــ129


▬ إن الزعيم المحول لأمجاده وانتصاراته الصادقة أو الكاذبة إلى اناشيد وإلى دعايات ضاجة ليس اقل وقاحة او بذاءة أو إثارة للغثيان والإشمئزاز والغضب من الذباب المحول لأمجاده وإنتصاراته ولمعاركه ضد الإنسان وضد الحياة والنظافة إلى طنين وإلى سقوط على وجوه الناس وعلى طعامهم وافكارهم واخلاقهم وكبريائهم. [..] وهل يوجد مثل الزعماء سقوطاً ببداءاتهم ووقاحتهم على وجوه الناس وعلى أخلاقهم وذكاءهم وشرفهم بل وعلى طعامهم؟ [..]  إن التحدث عن النفس بإعجاب وإنشاد فن لا يجرؤ عليه أو يرضاه أو يستمع إليه أو يطالب به إلا الإله أو الزعيم أو الذباب أو من كان في مستوى الإله أو الزعيم أو الذباب. صــ143

  • Digg
  • Del.icio.us
  • StumbleUpon
  • Reddit
  • RSS

العالَم ليس عقلاً (عبد الله القصيمي)


|| سيجد القاريء في هذا الكتاب أمثال كلمات : إله ، آلهة، دين ، أديان، نبي ، أنبياء. وقد يشعر أحياناً أنها كلمات لا تحمل الإحترام الواجب لهذه الأسماء، أو أن فيها شيئاً من التهوين والمساس. لهذا ظننت أني ملزم بوضع تصحيح صغير لهذا الذي قد يعد لدى فريق من القراء التباساً. اني لا يمكن أن أعني بالإله أو الآلهة إله الكون وخالقه وواهبنا الحياة  والعقل والنور والخيرات الجمة. وإنما أعنى بذلك الطغاة أو الأصنام أو الأوهام أو النظم الإجتماعية المتأخرة الظالمة المنسوبة إلى الإله. وكذلك أعني بالأنبياء والأديان حيثما جاءت في كلامي غير أديان الله وأنبيائه. هذا تصحيح أسجله على نفسي كاحتياط مبالغ فيه جداً. صــ6 ||
=========================================
• الثوار والدعاة والقادة والفنانون والمفكرون، قوم من المرضى والمتعبين، يعالجون آلامهم بتطبيب الآخرين.
• الذين يخافون على إيمانهم من الكلام، قوم لا يثقون بإيمانهم.
• إن دموع البشر تنصب في عيوني وأحزانهم تتجمع في قلبي وآلالمهم تأكل أعضائي. ليس لأني قديس بل لأني مصاب بمرض الحساسية.
• إني أنقد لأني أبكي وأتعذب، لا لأني أكره أو أعادي. أنقد الإنسان لأني أريده أفضل، وأنقد الكون لأنه لا يحترم منطق الإنسان؛ وأنقد الحياة لأني أعيشها بمعاناه ـــ بتفاهة، بلا شروط، بلا اقتناع، بلا نظرية.
• إن عبقرية الإنسان كلها لا تعني أكثر من تسديد احتياجات وجوده، ووجوده لا يُعني شيئاً. فماذا تعني عبقريته إذن ؟
• إن رغباتنا هي التي تصنع أخلاقنا وأفكارنا، ولكن أخلاقنا وافكارنا لا تصنع رغباتنا. اننا بلا رغبات لا يمكن أن نعمل شيئاً، ومع الرغبات لا يمكن أن نكون أخلاقيين فيما نعمل أو نريد.
• لكي نسلك سلوك الفضلاء لابد أن نكون غير فضلاء. فالفضيلة لا تنتج عن فضيلة! الفضيلة الخالصة ليست شيئاً بل لا توجد فضيلة وإنما توجد تعبيرات فاضلة وأبعد الناس عن الإحساس بالفضائل واحترامها هم أكثرهم اعطاءً لها!
• الذين يرون الكون معقولاً وعظيماً هم يرونه كذلك في جميع احتمالاته. اذن هم في الحقيقة لا يرون شيئاً. انهم كالذين يرون أي بناء عملاً هندسياً عظيماً كيفا كان.
• العقل والأخلاق ليسا غير الإنسان. فإذا قيل العالم أو الكون ليس عقلاً ولا اخلاقاً كان المعنى أنه ليس انساناً. وهو حتماً ليس شيئاً آخر غير الإنسان أنه هو نفسه. انه القصة التي ليس لها مؤلف ولا نموذج ولا مقاييس نقدية، والتي لم يقصد أن يكون لها قراء.
• إن الناقدين لغباء الكون والحياة هم أكثر الناس رؤية لهما واحساساً بهما وتطلعاً اليهما.
• إن عصر الثورات هو عصر الشخصيات المشوهة الخانعة والأخلاق الشاحبة والنفسيات الكئيبة المذعورة العدوانية.
• إن أي تغير أو تقدم في هذا العالم لم تصنعه أو تشارك في صنعه الثورات. فالتقدم كائن سلمي، وهو لا يمكن أن يكون غير سلمي.
• الثائر يحاول أن يغير وضعه بحجة المحاولة لتغيير أوضاع الآخرين. انه يغار لنفسه وينتقم لها ثم يزعم أنه إنما يغار وينتقم للإنسان المظلوم.
• إن قيام ثورة عسكرية في أي مكان يُعني أن يصدم العالم كله بالنبأ الكبير المذهل وهو أن حشرات وذئاباً مدربة على القتال قد استولت على بلد ما لتحكمه نيابة عن الانبياء والعلماء والفلاسفة، أي بأخلاق الأنبياء وعبقرية العلماء وحكمة الفلاسفة!
• الكتَّاب العرب لم يستطيعوا أن يخلقوا مولوداً فكرياً أو أدبياً عربياً، لقد ظلوا مظاهر ولادة ولم يتطورا إلى ولادة!
• إن فرارنا من الفكر المخالف يعني الفرار من مواجهة أنفسنا ومن التعامل بذواتنا ومن النظر إلى عقولنا.
• إن الكاتب يكتب للناس ويتحدث اليهم كما يعاديهم ويسبهم، لا يفعل هذا أو هذا بحثناً عما يريدون أوعما ينفعهم بل استجابة لذاته. وكل انسان يتحرك من ذاته إلى المجتمع لا من المجتمع إلى ذاته!
• إن أية نظرية تجيء من خارج الكون فلا بد أن تكون باطلة في رأينا نحن سكان هذا الكون وفي سلوك الكون نفسه مهما كانت عبقرية، مع أن هذا مستحيل اذ لا يمكن أن نفكر خارج الكون ولا أن توجد أفكار خارجه.
• إن التدين عملية قذف ذاتي، والذين يؤدون أعمالاً دينية يشعرون بالراحة والإرتواء ويظفرون بنوع من الطمأنينة السعيدة، وهم يفسرون هذه الطمأنينة بأنها راحة الضميرالمستقيم ولذة العبادة، مع أن ذلك ليس سوى الإسترخاء الذي يعقب كل عملية إفرازية!
• تغير الطبيعة نفسها دون أن تستطيع نقدها، والإنسان وحده هو الذي ينقد نفسه لأنه ارقى، فنقد الذات هو أعلى مراحل الوجود ــ هو الوجود الإنساني ــ ولعله اسمى فضائله. وتغيير الطبيعة لنفسها نوع من النقد الذاتي، ولكنه نقد عملي. انها تفعل ما لا تستطيع أن تقول!
• كم هم تافهون اولئك الذين لا يجدون من ينقدونهم ولا من يصوبون اليهم الحملات القاسية الغاضبة!
• اللغة مثل الغناء والبكاء، ليست تعبيراً عن الواقع، ولكنها تعبير عن الإنسان، عن أسلوب الإنسان لا عن واقعه. وأية لغة أو توكيدات لغوية لا يمكن أن تكون وسيلة تعارف او ذات دلالة مباشرة على نية القائل وأهدافه. فاللغة أداة توصيل كاذبة دائما!
• لقد ظل البشر دائماً محتاجين إلى آلهة وشياطين وقديسين وفسقة ليكونوا شيئاً يعلقون عليه مشاعرهم المتناقضة المتوترة.
• إنه لولا الحكام والزعماء والمعلمون الخالدون لفقدت الخصومات بين الشعوب أعظم أسبابها.
• إن السعادة هي مقدار التوافق مع الظروف ومع النفس !
• إن الناس لا يقتنعون بالفكرة لأنها صحيحة بل لأنها قد وجدت ظروف الإقتناع، وهم لا يحولون الفكرة التي يقتنعون بها إلى سلوك لانهم اقتنعوا بها بل لأنهم ارادوا ذلك واستطاعوه.
• إن المنطق يُعرف بالحقيقة ولكن الحقيقة لا تُعرف بالمنطق ـــ أي ان الوجود هو الذي يضع  قوانين المنطق وليس المنطق هو الذي صنع قوانين الوجود.
• من الكلام الشائع أن الناس يعتقدون ثم يفكرون، وهذا غير صحيح حتماً، والصحيح أن الناس يعتقدون ثم لا يفكرون، أو يفكرون فيما يجعلهم لا يفكرون، لأنهم بعد الإعتقاد لا يعرضون عقائدهم على الفكر للنقد والإختبار والدراسة.
• الرواية ليست مصدراً من مصادر المعرفة عند المتحضرين. والذين يشيدون معارفهم من الروايات (رواية الحديث مثلاً) المحفوظة لن يشاركوا في بناء الحضارة.
• إن تاريخ الإنسان وحياته في جميع مراحل وجوده تدلل على أن روايات الآحاد وآراءهم  أصدق من روايات الجماهير وآرائها.
• التفكير العربي تفكير لاهوتي ـــ يفسر كل شيء سواء أكان ساراً أم فاجعاً تفسيراً لاهوتياً ثم يحاول أن يعالجه علاجاً لاهوتياً أيضاً !
• المفروض أن يكون الغرض من التعليم أن يُعطي فكراً مناضلاً، يستطيع أن يفهم وينقد ويوازن ويخلق ـــ المفروض أن نقرأ لنفكر وننقد، لا لنؤمن ونختزن، ليست القراءة تسليماً ولكنها مفاوضة، لقد ظلت رسالة التعليم أن تقدم قارئين لا مفكرين ولا ناقدين أومثقفين!
• إن الذين يدافعون عن تخلفهم وهوانهم ومساوئهم الكثيرة بالأعداء الأجانب وبالمؤامرات والغزوات الخارجية هم مخطئون، وما يزعمونه ليس إلا عملية تبرير سخيفة!

========================================
▬ لو ان الإنسان جاء في أحقر حشرة ثم استطاع أن يؤلف لنفسه منطقاً لرأى أنه في صورته هذه قد جاء موهوباً كل ما في الآلهة من قدرة ومن احتمالات عقلية وأخلاقية، وأن القدر قد أشرف بكل خبرته وعبقريته وتجاربه على اخراج هذا الكائن المحظوظ المدلل ليجيء في احسن تقويم. لقد خلقه في ليلة عرس، بعد أن اكتملت فيه كل أدوات الخلق! بل لو أن الإله نفسه جاء نقيض ما هو في تصورنا لما اختلف رأينا فيه. انه اذا ً وهب الموت او الحياة، الفقر أو الترف، الصحة أوالمرض، أنزل علينا المطر أو الصواعق، عاقب المظلوم وحابى الظالم، فعل الشيء ونقيضه. فهو في الحالتين بالغ أوج الكمال والعدل والحب والرحمة. اذن مهما اختلفت صورة الإله في أذهاننا أوسلوكه معنا أو في الكون فحكمنا عليه لن يتغير. اذن فالله نفسه ليس عقلاً ولا أخلاقاً في تصورنا. انه وجود بلا مستوى. صــ22

▬ الكلمات ليست لها في ذاتها دلالة وإنما دلالتها هو ما يعنيه البشر بها. ولهذا فإن الناس قد يعنون بالكلمة الواحدة الشيء ونقيضه. فالحرية قد يعنى بها أضرى صور الاستبداد،والعدل قد يُعنى به أعلى درجات الظلم، والله والدين قد يعنيان في سلوك المتحدثين عنهما وفي تصورهم الخروج على تعاليمهما وارتكاب جميع ما ينهيان عنه باسمهما، والنظام الجمهوري قد يجمع كل ما في النظم الملكية وغير الملكية من كبرياء وفسوق وبلادة ورجعية. ورب رئيس ملكاً هو أكثر من ملكية من جميع الملوك في جميع العصور. صــ31

▬ الثوار دائماً يتحدثون عن نقيض ما يعطون. فهم يتحدثون عن الحرية والإستقامة وهم أقوى أعدائها، وعن الصدق وليس في البشر من يعاقبون الصادق ومن يمارسون الكذب ويجزون الكاذبين مثلهم، وعن مساويء النفاق وهم أحسن من يزرعونه ويستثمرونه ويتعاملون عليه، وعن الرخاء مع أنهم يبتدعون جميع أسباب الأفقار والأزمات والحرمان. ويتحدثون عن العدل والحب وهم يعنون بها تخويف كل الطبقات وتسيخرها وقهرها وسوقها لمصلحة كبريائهم واحلامهم، ويعنون بها كذلك أن يخضعوا جميع تصرفاتهم لإنفعالات الرضا والغضب ولأغراض الطموع والخوف! صــ50

▬ الثورة - أية ثورة - قد تزيل قيوداً لتصنع مكانها قيوداً اخرى جديدة، قد تهدم أصناماً متداعية لتشيد أصناماً فيها قوة واغراء وبريق - تسقط رجالاً قد شاخوا ووهنوا وفقدوا القدرة على الإفتراس والرغبة فيه ليأتي رجال هم أعظم جبروتاً وفتوة وقدرة على الإفتراس ورغبة فيه ـــ رجال فيهم كل معاني الجوع التاريخي الباحث عن الطعام بأقوى شهية وأخبث وأشره معدة! ان كل ثائر يتحول إلى أقسى خصم للثورة والحرية بمجرد انتصاره. فالثورة في ما قبل الثورة فقط. صــ51

▬ إن العقل في ذاته فراغ ليس امراً أو نهياً او قانوناً اوخروجاً على القانون، ليس ذكاء او غباء أو مستوى انسانياً، وهو لا يعرف ما هوالخطأ والشر او الخير والصواب. العقل لا يوجد في ذاته ولا لها ولا يعمل من اجلها ولا يتحدد بها، فحدوده دائماً ليست فيه، وهو لا يفسر اعماله ولا يقومها ولا يوجهها ولا يستهلكها بل، لا يستطيع تصحيحها! وليس الخير والشر أو الحق والباطل هوما نفعله أوما نعلقه، ولكن هو ما نجده ونفعله ونريده او ما لا نجده ولا نفعله ولا نريده. من الممكن دائماً ان يصبح ما هو معقول غير معقول وما هو غير معقول معقول...صــ117

▬ لقد جرب البشر آلهتهم منذ أقدم العصور، وجربوا عقائدهم. وبعد تجاربهم الطويلة وجدوها لا تستجيب لهم ولا تفهمهم ولا تغير من حالهم شيئاً، ولكن مع هذا ظلوا يؤمنون بها ويجربونها ويصلون لها. فلماذا ؟ السبب أنهم لا يجربونها أو يصلون لها لأنهم ينتظرون منها أن تفعل لهم، لقد علموا أنها لا تفعل شيئاً، ولعلها لو كانت تفعل، لكان هربهم منها ومصيبتهم بها أعظم. فمزايا الآلهة في أنها لا تفعل. وهذا هو سبب إيمان المؤمنين بها ورضاهم عنها وتنزيههم لها! صــ174

▬ أنا لا أحب الحقيقة ولا أكرهها، وإنما أحب ما يلائمنى واكره ما سواه. لست أحترم شيئاً أو أدافع عن شيء لأنه عدل أو حق، ولكن لأني أهواه أواستفيد منه أو اعيش فيه أو أدافع عن نفسي وأثني عليها بالدفاع عنه والثناء عليه، أولأني عاجز نفسياً أو اجتماعياً عن الخروج عليه وعن التلائم مع نقيضه! ولهذا فإني لن أعاني اية صراعات نفسية وأخلاقية لكي اختار موقفي حينما تكون نظرياتي وعقائدي وتعاليمي في طريق غير طريق مصالحي وأهوائي! ان افضل انسان لن يجد اية معاناة لكي يطيع ذاته ويعصي مثله! اذا اتبعت الحق أو احترمته فليس لاني فاضل، وإذا اتبعت الباطل أو أحببته فليس لاني شرير، ولكن لأني في الحالتين انسان. أنا أفعل الخطأ بالإصرار والحماس اللذين أفعل بهما الصواب، ولست في الحقيقة افعل هذا ولا هذا، بل أفعل دائماً ذاتي لأني أناني. ومجموع أنانيات البشر الفردية يساوي مجموع فضائلهم الإجتماعية! الحقيقة لا تكون هدفاً، ولكنها قد تكون الطريق إلى الهدف! صــ183

▬ إن الذين يفعلون الصواب لا يفعلونه لأنهم يحترمون المنطق، وان الذين يفعلون الخطأ لا يفعلونه لأنهم يحتقرون المنطق.وليست الحضارة والأخلاق أو فقدهما منطقاً او فقداً للمنطق، ولكنها قدرة وفقد للقدرة! وليس اعظم الناس ابداعاً للحضارة وأخلاقاً هم دائماً اعظمهم منطقاً! ولم يزل الناس مختلفين ويزدادون خلافاً مع انهم يتناقشون ويحتكمون في نقاشهم إلى العقل وإلى الأخلاق في جميع ما يختلفون فيه، ولم يستطع الإحتكام إلى المنطق والأخلاق ان يحسم أو يضعف الخلاف بينهم، بل مظنون جداً ان لم يكن محتوماً حتماً ان هذا الخلاف قد يقل أو يضعف لولا احتكامهم إلى المنطق وتراشقهم به ! وقد كان محالاً دائماً أن يؤدي الصراع الحر بين الأفكار إلى خير أو إلى اية نتيجة طيبة، لا يمكن ان يؤيدي إلى تقارب أو اتفاق أو محبة أو إلى معرفة أو جلاء للحقيقة. ولو أن الناس عقدوا هدنة دائمة بين مذاهبهم وعقائدهم فلم يدخلوها في أية صراعات فكرية او مذهبية، لكانت الإحتمالات أكبر لرؤية الحق واحترامه والإلتقاء عنده، ولكي تهدأ وتتوازن خصوماتهم وتعصبهم لحماقاتهم وأوهامهم، وتشفى نفوسهم من جراحاتها! ان المنطق لا يمكن ان يُعطي حقيقة ولا سلاماً. وكل أنواع السلام والحقائق التي نعيشها ونملكها اليوم لم يصنعها الصراع بين الآراء، وإنما صنعتها الحاجة والعجز والآلية والقانون والتكيف والتجربة! صــ 201 : 202

▬ [..] أما الضعفاء والمتخلفون فلا يريدون أن يسمعوا غير المديح والتدليل، لأنهم يخافون النقد ـــ يخافون النقد لأنهم يخافون التغيير لأنه تعب ومعاناة وخطر. فالذي يقول: أنا كامل ومنزه كأنما يقول: أنا لا أريد أن أتغير لأن التغير ارهاق وخوف، والذي يقول: أنا ناقص كالذي يعترف بأنه في حاجة إلى مزايا أكبر، وأنه شجاع وقوي لا يهاب ولا يحاول ويجرب أن يكون! [..] إرادة النقد مرتبطة بإرادة التغيير، والخوف من التغيير ليس فكرة بل عجز . فالذين يرفضون أن ينقدوا انفسهم اويتغيروا ليسوا فضلاء وإنما هم عاجزون. صــ215 : 216

▬ إني أطلب من المؤمن ألا يرضى عن نفسه كثيراً أو يحتقر من يخالفونه بكبرياء، وأطلب اليه أيضاً أن يعرف أنه لا فرق بينه وبين الزنديق، فكلاهما لا يفعل إلا إرادته. فليس المؤمن فاضلاً أو عاقلاً أو مخلصاً أوخادماً للإله أكثر من الملحد، بل ان الذين ينكرون الآلهة يفهمونها ويحترمونها دون الذين يؤمنون بها! إذ الذين يؤمنون بها لا ينزهونها عن شيء، ويتهمونها بكل اخطائهم ونقصائهم وبما في الكون من أخطاء ونقائص ويلقون عليها بمتاعبهم وعجزهم، فهم يؤمنون بها ليلوثوها لا ليتطهروا بها، وليستخدموها لا ليكونوا لها عبيداً. صــ220

▬ أكثر الناس بعداً عن الصدق اللغوي هم أصحاب المُثل والدعوات، فالمعلمون والدعاة  والكتاب لا يريدون بدعوتهم أن يقولوا الحق أو ينصروه، وإنما يريدون ان يقولوا ما يلائمهم ويريحهم، أو ما يعتقدون أنه يؤثر في الآخرين. وليس في قصدهم ما يلائمهم ويريحهم، أو ما يعتقدون أنه يؤثر في الآخرين. وليس في قصدهم أن يتحروا الصدق، فإذا صدقوا، فلن يكون الصدق هدفهم، ولكنه وسيلتهم إلى هدفهم. فالصدق ضرورة لا رسالة، والكلام بحث عما نحن، لا عما هو واجب أو عما هو أخلاقي. اذا نطق أي قاضٍ في أي محكمة بكلمات الحق أو ما يراه حقاً، فلا ينبغي أن يختلط علينا الأمر، فهذا القاضي حينما حكم، لم يحكم  إلى الحق ولا إلى من يستحقونه، ولم يخطر ذلك على باله، وإنما نظر إلى نفسه، لقد كان يعبر عن ذاته ووضعه، لا عن القانون أو الأخلاق، وكان هذا هو شعوره. ويقول في أسباب حكمه: هذا هو العدل. ولو قال الحقيقة بلغتها لقال: هذا هو أنا أو هذا هو ما لا بد منه بالنسبة لمن هو في مكاني، فالإنسان لا يمكن أن يكون معبراً إلا عن نفسه فقط. صــ237

▬ الذين يقولون لنا أحبوا الناس أواحبوا اعداءكم واخوانكم كما تحبون أنفسكم أو احبوا العدل والحق والصدق ــ هم خطباء ومغنون فقط، إلا إذا كانوا يريدون ان يقولوا لنا كونوا منافقين وتكلفوا الفضيلة تكلفاً وتظاهروا بغير ما في أنفسكم. فالاخلاق في كل العصور، هي اتقان فن التكلف، هي مجموعة أساليبنا المختلفة المتكلفة للتعبير عن أشياء لا نعنيها. حتى الإحسان إلى الآخرين أو الإشفاق عليهم، هو عطف على الذات، لا على الآخرين.! صــ246

▬ لقد احتاج البشر في كل عهودهم إلى ان يؤمنوا بأشياء غائبة، بأشياء فكرية لأنهم محتاجون إلى الإيمان، والإيمان لا يكون إلا بأشياء كاملة منزهة، والاشياء الموجودة لا يمكن أن تكون منزهة ولا كاملة. فعجز الموجود هو الذي أوحى الينا بالإيمان بغير الموجود! ومن اجل هذا فسوف يظل الإنسان دائماً محتاجاً إلى صور شعرية غيبية تهيج خياله وامانيه وتملؤها بالأشباح! صــ297

▬ لو كانت الأديان خاضعة لحكم العقل لضاقت الخلافات بينها وتناقضت أو لتداخلت وتوحدت كلها في دين واحد كالذي حدث في الشئون العلمية والصناعية التي ابتكرها العقل. فالحضارة تتقارب وتتوحد عند سائر الشعوب مهما تباعدت واختلفت في بدايتها. هل اختلف البشر في الرياضيات وفي الكشوف العلمية أو في حجم الشمس أو القمر مثل اختلافهم في اديانهم ومذاهبهم ؟ وكذلك لو كانت الأديان تؤخذ بالعقل والمنطق لوجدنا المؤمنين يخرجون من دين إلى دين بالسرعة والسهولة التي ينتقل بها الناس من فكر إلى فكر ومن فلسفة إلى فلسفة، بل الناس يخشون على أديانهم وعقائدهم من تعريضها للمنطق. وهم يرون الذين يخضعون المعتقدات للتفكير الحر زنادقة، يحاربون ويكرهرون وتجب البراءة منهم! انه توجد معركة واحدة تنتصر فيها الأديان، تلك هي الا تدخل معركة ضد أي خصم من خصومها! صــ330

▬ إن البشر يضعون في اذهانهم صورة للإله لو انها تجسدت كائناً حياً خارجياً مرئياً يعمل في الكون والحياة والمجتمع الذي يعيشون فيه على المكشوف والرؤية، ويعاملهم بالصفات التي تخيلوها وتمنوها له لاصبح لديهم أبشع وأفظع كائن لا يمكن أن يقبلوا التعامل معه ولا ان يكون لهم صديقاً وعليهم حاكماً، ولا أن يكون مجرد مواطن لهم، بل لكان محتوماً ان يحكموا عليه بالإعدام. ولا يوجد بين المؤمنين بهذا الإله على النحو الذي تصوروه من يرضى لنفسه بأن يعيش بالصفات التي اختاروها وألفوها له، أو يرضى بأن يكون إلهاً هذا الإله. صــ366

▬ كل الناس يعبرون عن عقائدهم ومذاهبهم ويفسرونها بإستعداداتهم ورغباتهم لا بنصوص ولا بروح تلك العقائد والمذاهب ـــ بل لا يوجد من يعبر عن دينه أو مذهبه حين يعمل او يفكر وإنما يعبر عن وجوده، فصفات المجتمع هي التي تفسر دينه وتعبر عنه لا روح ذلك الدين ولا نصوصه، كما أنها هي التي تصوغه، اذن فالأديان والمذاهب ليست مذمومة ولا ممدوحة اذا هان اهلها أو عظموا، وكذا اذا انحرفوا أو استقاموا..صــ383

▬ ليس في قوانين الحياة حلال وحرام، جائز وممنوع، وإنما فيها ممكن وغير ممكن، قاتل وواهب للحياة! والفضيلة هي ان يتوافق الإنسان مع الطبيعة لا أن يتجنبها اويخافها أو يعجز عنها أو يحرّمها أو يعبدها! ليست الطبيعة إلها يكون حلالاً وحراماً أو معبوداً، وتقاس فضائلنا وراذائلنا وأخلاقنا بنوع معاملتنا له، ولكنها عمل نتناوله بالقدرة والعجز والرغبة والكره والذكاء والغباء. تحليل الطبيعة وتحريمها واتخاذ نوع التعامل معها مقياساً للإستقامة والضلال ضرب من التأليه لها. فالذين يحللون الأشياء ويحرمونها هم في الواقع مؤلهون لها! وجميع التشريعات التي شرعها الإنسان لنفسه وقسم فيها الحياة إلى محللات ومحرمات وإلى أوامر ونواهٍ بأسلوب الأخلاقية ـــ جميع هذه التشريعات تعبير عن احساس التأليه والعبادة للأشياء! والتحليل اولتحريم ليسا تعبيراً عن فضائلنا ورذائلنا، بل عن خوفنا وعجزنا! واحتياجنا إلى التحريم هو الذ صنع لنا الآلهة والأنبياء والشرائع والكتب المقدسة، لقد أوجدنا الآلهة المحرمة لأننا نريد أن نحرم، ولم نحرم لوجود هذه الآلهة التي تريد أن تحرم. صــ391

▬ ومن المحاكاة التي لا يمكن أن توصف بالذكاء ولا بعمق الدين، ذلك الهوس الإسنادي الذي جعل الكثيرين من عبيد الرواية يحاولون أن يمجدوا أنفسهم بوصلها بأصحاب كتب الحديث المشهورة، فيروي أحد هؤلاء عن شيخه، وشيخه يروي عن شيخه، وهكذا إلى أن تصل مثلاً بالبخاري، والبخاري يروي عن آخر، إلى أن يقول الرواي سمعت أو رأيت الرسول، ويظنون انهم بهذا أخذوا عن الرسول الذي اخذ عن جبريل الذي أخذ عن الله. وهذا نوع من التقليد الذي قد تطير له ألباب الأطفال فرحاً، والطفل يرسل بالونه المملوء بالهواء، فيرتفع فوق راسه، فينفجر بالسرور ويظن أن مجده قد صعد، وأنه قد اتصل بالشمس وبالكائنات العلوية. صــ437

▬ يقول الرواة أنه يوجد حديث متواتر، وأن هذا النوع من الحديث مقطوع بثبوته، ولا يمكن أن يشك فيه، لا على احتمال الخطأ أو الكذب! ولما سُئلوا ما هو الحديث المتواتر قالوا هو الذي يرويه قوم يستحيل أن يكذبوا أو يخطئوا، عن قوم آخرين مثلهم، وهكذا من بداية السند إلى نهايته. وكم ينبغي أو يشترط أن يكون عدد هؤلاء القوم! هذا شيء لا يستطاع تحديده ولا يشترط. أيشترط أن يكونوا عدولا! كلا، بل ولا أن يكونوا مسلمين، اذ لا يشترط غير العدد الذي لم يُفهم ولم يحدد. نعم، وكيف يشترط شرط يشترط الا يكون معلوماً ؟ ان كان الأمر يرجع إلى العدد، فهو غير معروف، وان كان يرجع إلى اطمئنان النفس، فهذا يختلف بإختلاف الناس وإختلاف حالاتهم وتقديراتهم! ان كلمة "يستحيل" ان يكذبوا أو يخطئوا، ليست قانوناً من قوانين الطبيعة، وإنما هي كلمة بشرية تقال وتعتقد تحت ظروف وتصورات بشرية أيضاً...صــ465

▬ [.....] إن تواتر الشيء دليل على أنه خرافة، فالخرافات هي التي تتواتر في الغالب، وهي أكثر تواتراً من الحقائق، لأن الخرافات احتياج للجماهير وهي لا تكلف شيئاً ولا تحتاج إلى عبقرية أو تعب، ثم هي مُرضية لأنها تعبير عن الأماني التي لم تحقق، اذن فالسوق محتاجة إلى الخرافة ومحتاجة إلى تحويل الخرافة إلى تواتر. أما الحقيقة فهي لا تملك هذه المزايا، لهذا لا تَلقى الترحيب الذي تلقاه عدوتها. إن التواتر هو المعنى الكبير للخرافة! انه إحتلام جماعي! والحضارة كلها مناقضة بمتواترات! [..] وإذا رأى أنصار الرواية المتواترة أنه لا بد من الإيمان بها لأنها هي الوسيلة التي عرفنا بها التاريخ وأحداثه وعرفنا بها الأمم والرجال والمدن والمواقع ـــ اذ لا وسيلة أخرى لمعرفة شيء من ذلك غير التواتر ـــ إذا رأى أنصار الرواية المتواترة ذلك: قيل لهم إذا كانت أحداث الحياة والتاريخ لم تُعرف إلا بروايات يرويها قوم بالأسانيد والعنعنات فما الذي يمنع حينئذ من الشك في كل هذ الأحداث أوإنكارها ؟ إذا انكرها منكر فهل نثبتها له بالرواية أو بشيء آخر ؟ إذا كانت الرواية هي الوسيلة الوحيدة لإثباتها فإن الذي ينكرها لن يجد ما يجعله منكراً لحقيقة محتومة، وإذا أمكن إنكار شيء كان الإيمان به جنوناً أو غباء ً. والذي يمكن إنكاره ليس حقيقة، والذين يؤمنون بما يستطيعون أن ينكروه ليسوا عقلاء!. [..] إن التواتر الذي هو موضوع كلامنا هنا يتعلق بأمور غير مرئية ولا موجودة أو حاضرة بل ماضية لا تخضع للتجربة المادية ولا للإمتحان.. [..] والتاريخ ليس كذلك، وإذا كان كذلك فلا آسف على جحوده أو إحتقاره! صــ471

▬ التفكير العربي ينزع إلى التوحيد ـــ توحيد القوى في قوة والتبعات كلها في واحد، وينكر التعدد ويراه ضد الطبيعة والفضيلة. إنه كما وحد الإله وحد كذلك السلطان وجمع لها الحقوق المفرقة وجعله مصدر كل الرغبات والمخاوف، ولم يدع لنفسه شيئاً غير أن يدعو ويرجو، انه يشعر بحاجته إلى أن يظل عبداً أوطفلاً يؤمر وُينهى ويُرعى ويُبسط على ظهره السوط فيبكي ويتألم ـــ هو دائماً في حالة فرار من نفسه. إنه لا يريد ولا يستطيع أن يكون حراً، الحرية صورة أخرى من صور العبودية والعذاب!صــ487

▬ وسوق الفكر العربي أعجب سوق، يوجد فيها كل الناس يروجون ويجيئون ويصرخون ويتساومون ويتعاملون ويبدون كأي قوم في أية سوق، ولكن جميع البضائع التي يتعاملون عليها زائفة! اساطير وأوهام ومبالغات وغرور وتعصب وسباب وحرارة بلا حب، ثم لا شيء يفيد أو يقبض! أحاديث الزعماء والحكام وتعليقات المعلقين من كتاب ومفكرين في الإذاعة والصحافة والكتب، وكل ما يُقال ويُسمع صراخ وأصوات بلا كلام، لا تفسير الموقف، ولا وعي لقضية، ولا احترام لحقيقة، ولا تواضع مع تسامح! نحن، نحن! أما الأعداء، أما الآخرون ! نحن افضل وأقوى وأشرف وأعلم ــــ هكذا نحن دائماً، هكذا كنا، وهكذا كان جدنا وحدنا ــــ جدنا العظيم آدم عليه السلام! أما الأعداء ــــ أما الأخرون فهم تراب في تراب! لم يتغير الطريق ولا السائرون فيه..صــ523

▬ التفكير العربي تفكير اتكالي، هارب من نفسه، وقد كان دائماً يعبر عن هربه بشوقه الأصيل وحماسه المتوتر في بحثه عن الأرباب والخرافات والأكاذيب والعقائد الجاهزة والقياصرة المتألهين ليحكموه ويذلوه ويرهبوه، دون أن يتسامحوا معه أو يحترموا عقله وكرامته، انه يريد أن يؤمن لا أن يفكر ! وهو يهاب الحقيقة، لا يبحث عنها إذا بعدت عنه، ولا يرحب بها إذا واجهته، وأشنع أعدائه هم الذين يبحثون عن الحقيقة أو يحترمونها أو يحاولون أن يدلوه عليها، انهم هادمون خصوم زنادقة! والعرب يرحبون دائماً بمن يبرر لهم أنفسهم وجميع ما لديهم من عقائد وأفكار وأشياء، والخصم البغيض هو الذي ينقدهم أوينقد شيئاً مما يفعلون أو يعتقدون أويملكون.! صــ531

▬ إدراكنا لعبث الوجود أو الحياة لن يقلل من اصرارنا على البقاء، فنحن لا  نبقى ولا نريد البقاء لأننا نعلم شرعية الوجود، بل نبقى بالضرورة كما تبقى النجوم والكوارث، ونحيا بلا حكمة ولا منطق كما نموت كذلك، "لماذا نحيا" يساوي "لماذا نموت" ! نحن نحيا حيث لا نستطيع أن نموت، ونموت حيث لا نستطيع أن نحيا ــــ إننا نحيا بالجاذبية كما نموت بالجاذبية ــــ هكذا قلنا، وهكذا نعيد ما قلناه.! صــ572

محدثاً عن نفسه..


▬ لا تسيئوا فهمه، لا تنكروا عليه أن ينقد أو يتهم أو يعارض أو يتمرد أو يُبالغ أو يقسو. انه ليس شريراً ولا عنيفاً ولا عدواً ولا ملحداً ولكنه متألم حزين، يبذل الحزن والالم بلا تدبير أو تخطيط كما تبذل الزهرة أريجها أو الشمعة نورها! لقد تناهى في حزنه وضعفه حتى بدا عنيفاً. ان كل ما كتبه نوع من الصلاة والبكاء بلغة حزينة صادقة، إنه يصلي ولكن بأسلوب الإنسان المدفون في أعماق نفسه، انه بتمرده وتحديه ليصلي لله صلاة هي أصدق من صلاة جميع المشرعين، وإنه بقسوته على الإنسان ليحترمه ويتعذب له أكثر مما يفعل جميع الشعراء المادحين! انه يصلي لله وللكون وللإنسان ولكن بلغة هي أقوى من كل لغات المعابد، فلا تخطئوا في فهمه، ولا تحقدوا عليه، لا تظلموه، انه باك ٍ وليس لاعناً، انه من ضعفه أمام حبه ليرثي لكل الأشياء، حتى ليرثي للآلهة، انه ليرثي للآلهة ويخجل لها من نفسها! وهذا قمة الضعف أوالحب أو الإيمان، بل قمة العذاب! ليس نقده إلا رثاء للعالم ورثاء لنفسه، بل ليس نقده إلا تمزقاً ذاتياً..صــ578

  • Digg
  • Del.icio.us
  • StumbleUpon
  • Reddit
  • RSS