▬
وكما جعل أوغسطين التأريخ يفيد العقيدة، جعلها هي أيضاً تفيده. فهي تقدم له
تفسيراً كلياً، أي تفسير بدايته وتوضح صيرورته وتحدد نهايته أو غايته. وهي تفعل كل
هذا بفضل مفاهيمها، ولولا هذه المفاهيم لظل التاريخ بلا دلالة وبلا رابط بين
أجزائه، فالعقيدة وحدها هي التي تخبرنا بأن العالم بدأ بالخلق وبأنه سينتهي باليوم
الآخر، وبأن أهم الأحداث في هذا التاريخ هو السقوط (سقوط آدم من الجنة)، بأن الله
تجسد في يسوع، وبأن الكنسية لا بد وأن تنمو، وبأن المسيح سيعود، وبأن كل هذه
الأحداث تدور في ظل العناية الإلهية، ويحركها الصراع بين الخير والشر الذين يرمز
لهما بالمدينتين، مدينة الله ومدينة الأرض... نستطيع أن نقول بأن أوغسطين قدم لنا
لاهوتاً للتاريخ وليس فلسفة له، لأن مباديء تفسير التاريخ في مذهبه لا تستمد من
التاريخ البشري نفسه وهو الشرط الضروري لقيام فلسفة التاريخ، بل تستمده من مجال
مغاير له هو العقيدة. صــ 23
▬ يؤكد ابن
خلدون على أن حقيقة التاريخ مرتبطة بمعرفة جميع الأخبار عن المجتمع الإنساني
ومعرفة أحوالها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والدينية والثقافية وهل هي
مجتمعات بدوية أم زراعية...إلخ وكذا معرفة العصبيات للبشر، فمثلاً المجتمعات
البدوية تتحكم فيها العصبيات أما المجتمعات المدنية فيتحكم فيها الاقتصاد وغير ذلك
من العلوم والصنائع، ويحلل ابن خلدون نفسية الشعوب فالشعوب إذا كانت على حال
الاعتدال فإنها تقوم بالتمييز بين الصدق والكذب من الأخبار، أما إذا كانت غير
معتدلة فإنها تقع في التشيع والغلط والكذب في الأخبار التي تنقلها، ويرى ابن خلدون
أن هناك أسباب تؤدي إلى الكذب في الروايات والأخبار ومنها أيضاً الثقة المطلقة
بالناقلين وعدم نقدهم نقداً علانياً ومنهجياً ومن أسباب الكذب في الروايات
التاريخية عدم معرفة مقاصد الناقلين فينقل الأخبار على نحوٍ غير موضوعي لأنه لا
يعرف حقيقة وقصد الناقل ومن الأسباب الكذب أيضاً في الروايات التاريخية الجهل
بتطبيق الأحوال على الوقائع، أي عدم معرفة الأحوال في العمران والمجتمع. ويرى ابن
خلدون أنه لا بد من تحقيق المطابقة في الأخبار والوقائع بحيث تتطابق الأخبار مع
الوقائع وبهذا يتحقق الصدق والصواب. صــ 66 ، 67
▬ يؤكد
روسو احتياج الأغنياء لإقامة عقد اجتماعي للقضاء على الصراع مع الفقراء، في حين
يحتاج الفقراء إلى العمل للحصول على ما يكفي احتياجاتهم وأولادهم وعائلاتهم. ويفسر
روسو أن هذا العقد قد كبل الفقراء بقيود جديدة ومنح الغني قوة جديدة، مما أدي إلى
القضاء على الحرية الطبيعية وأدت الملكية إلى اللامساواة إلى الأبد. وأغتصب
الأغنياء حقوق الفقراء وسخروهم لخدمتهم، وواجه الفقراء بعضهم البعض. بعد أن اتخذ
الأغنياء من الفقراء خدماً للدفاع عنهم، وهكذا خدع الأغنياء الفقراء واستعبدوهم
وتم القضاء على الحرية والمساواة للأبد وظهرت المدنية والحكومات. صــ 164
▬ يرى
أرنولد توينبي أن بدء الحضارة كان مع سقوط آدم والتحول من الين Yin
(السكون) إلى اليانج Yang (الحركة). كما يرى أن الحاجة هي أم
الاختراع، والاستجابة للتحديات هي التي تحدث التقدم في الحضارات. إن العامل
الإيجابي في تحول البشرية في الستة آلاف سنة الماضية هو فكرة التحدي والاستجابة
وليس نظريتي الجنس والبيئة. بل إن نشأة حضارة مصر والعراق كانت في أثناء جفاف
إفريقيا وآسيا نتيجة قائمة بسبب التحدي والاستجابة. وكذلك نشأت الحضارة الصينية
بسبب التحدي والاستجابة وليس لأسباب أخرى. وكذلك الحال بالنسبة للحضارة المينووية.
إذن فالتفاعل بين التحديات والاستجابات هو العامل الذي يعتد به قبل كل شيء آخر في
بدء الحضارات. صــ 220 ، 221
0 التعليقات:
إرسال تعليق