▬
فلسفة الدين هي التفسير العقلاني لتكوين وبنية الدين عبر الفحص الحر للأديان،
والكشف عن طبيعة الدين من حيث هو دين، أي عن الدين بشكل عام من حيث هو منظومة
متماسكة من المعتقدات والممارسات المتعلقة بأمور مقدسة، ومن حيث نمط للتفكير في
قضايا الوجود، وامتحان العقائد والتصورات الدينية للألوهية والكون والإنسان،
وتحديد طبيعة العلاقة بين كل مستوى من مستويات الوجود، والبحث في الطبيعة الكلية
للقيم والنظم والممارسات الدينية، ونمط تطور الفكر الديني في التاريخ، وتحديد
العلاقة بين التفكير الديني وأنماط التفكير الأخرى؛ بغرض الوصول لتفسير كلي للدين،
يكشف عن منابعه في العقل والنفس والطبيعة، وأسسه التي يقوم عليها، وطبيعة تصوره
للعلاقة بين المتناهي واللامتناهي، والمنطق الذي يحكم نشأته وتطوره واضمحلاله.
وتستعين فلسفة الدين على تحقيق ذلك بمنجزات العلوم الإنسانية والاجتماعية، مثل: علم
النفس الديني، وتاريخ الأديان، وعلم الاجتماع الديني، والأنثربولوجيا الدينية. صــ
27
▬ فلسفة
الدين تختلف عن علم الكلام أو اللاهوت؛ فهي ليست دفاعية، ولا مشغولة بدين دون آخر،
بل هي معنية بالدين ككل من حيث هو دين، وليس بدين محدد، وهي تسعى لتفسير الشعور
والتفكير الديني، وتبدأ من نقطة بدء موضوعية وعقلانية خالصة، أي تبدأ بداية غير
منحازة، لكنها ربما تنحاز في نهاية التحليل لدين ما؛ بناء على أسس عقلانية محضة؛
لأنها تنتهج الأسلوب البرهاني وتتجنب المنهج الجدلي أو الانفعالي. كما أن العقل
الواضح والواقع المتعين هما المعيار فيها للتمييز بين الحق والباطل، وتبدأ ــ أو
هكذا ينبغي أن تكون ــ من مقدمات يقينية بحكم التجربة أو بحكم العقل. أما علم
الكلام أو اللاهوت فهو منحاز من البداية إلى النهاية، وينتهج أساليب تبريرية
وجدلية في أكثر الأحيان، وهذا ما لا تفعله فلسفة الدين إلا استثناء.. أو هكذا
ينبغي أن تكون. صــ 39 ، 40
▬ روسو هو
الذي فتح مجرى جديداً أمام النزعة التقوية التي تؤكد على أسبقية الضمير والشعور
الأخلاقي على المعرفة النظرية العقلية المحضة [..] فجاءت النزعة الرومانطيقية التي
كان على رأسها روسو، وقالت بأننا نملك خبرات أخرى: خبرات الضمير، والجمال، والدافع
الديني.. وهي خبرات - رغم أنها ليست فقط علمية وعقلية نظرية بالمعنى الصحيح، ورغم
استحالة إدخالها ضمن إطار الفيزياء الميكانيكية - هي خبرات قوية إلا حد لا يمكن معه إهالها واعتبارها مجرد
تصورات وهمية، كما أنها تظل مستعصية على الفهم، إلى أن نفترض بأن العالم في
الحقيقة هو شيء مختلف عما يستطيع العلم البرهنة على وجوده. ولما كنا لا نستطيع أن
نعرف علمياً حقيقة الوجود، فلدينا ما يبرر أن نعتقد لأسباب عملية أخلاقية أن
الطبيعة البشرية تتألف من العقل والشعور، وأنه لا غنى لنا عن العمل بوحي من واجب
أخلاقي. إننا نستعر احتراماً دينياً في الكون أعظم، وإننا نعجب - ولا مندوحة لنا
من الإعجاب - بجمال في الأشياء لا يمكن تعليله علمياً. صــ 89
▬ يؤكد
هيجل على ضرورة الدين من حيث هو دين، فمن المغالطة الظن بأن الكهنة - كما يقول هو
هنا - اخترعوا الأديان لكي يخدعوا الشعوب؛ فالأديان في جوهرها تشترك مع الفلسفة في
موضوع واحد هو الله وعلاقة الإنسان به. وخلاصة الأمر أن موضوع الدين هو موضوع
الفلسفة نفسه، فالإثنان يبحثان في العقل الكلي الذي هو بذاته ولذاته، الجوهر
المطلق. ويحاولان أن يستبعدا التعارض بين المتناهي واللامتناهي، بين الإنساني
والإلهي.. غير أن الدين يجري هذه المصالحة بواسطة الخشوع، بواسطة العبادة، بواسطة
الشعور والوجدان والتمثل. بينما الفلسفة تريد إجراءها بواسطة الفكر الخالص، لكن
رغم وجود هذا الخلاف بينهما في الوسيلة، فإن القرابة بينهما قائمة، إذ أنهما
بتوحدان في مضمونهما وغايتهما ولا تميزان إلا في الشكل. صــ 102
▬ جاء مذهب
الربوبية كأقوى اتجاه معارض للمعجزات؛ حيث كان هذا المذهب من آثار تقدم الطريقة
العلمية في النظر إلى الطبيعة باعتبارها محكومة بقوانين ثابتة، لا يمكن خرقها؛ ومن
ثم لا مجال للمعجزات، ولا للكتاب المقدس ليكون إعلاناً عن الله، ولا النبوة، ولا
للعناية الإلهية التي تحتم أن يكون فيها المسيح هو الله الظاهر في الجسد؛ فالمسيح
لم يكن سوى معلم أخلاقي، والعبادة لا ينبغي أن تكون إلا لله، والله نفسه إله
متسامٍ ترك خليقته بعد أن خلقها لتحكمها القوانين الطبيعية التي يمكن للعقل البشري
أن يكتشفها ويفهمها، ولقد وضع كذلك مبادئه الأخلاقية في الطبيعة البشرية التي يمكن
اكتشافها كذلك، ويجب الحياة وفقاً لها؛ حيث إن هناك خلوداً، وعلى كل إنسان أن
يلتزم بالأخلاق حتى ينعم بالثواب ويتجنب العقاب. ولم يكن إنكار المعجزات استناداً
إلى الطريقة العلمية في النظر إلى الطبيعة مقصوراً على مذهب الربوبية القائل
بالدين الطبيعي، بل كان أمراً يجد له أنصاراً من اتجاهات فلسفية شتى.. ومن هؤلاء
الفلاسفة ديفيد هيوم الذي هاجم مفهوم المعجزة، إذا يرى عدم إمكانية حدوث معجزات خارقة
لقوانين الطبيعة، ومن ثم فهو يرفض برهاناً أساسياً من البراهين التي تقدمها
الأديان كعلامة على كونها من عند الله. صــ 194، 195
▬ إن الدين
العقلي المحض عند كنت دين خالي من الدعاء والطقوس أو الشعائر والمناسك، لأنه في
جوهره عمل بالقانون الأخلاقي، إذ أن السلوك الأخلاقي النابع من أداء الواجب الذي
شرعه العقل لذاته بذاته هو العبادة الحقيقية. بينما الخضوع لطقوس وشعائر ولوائح
كنسية، يقضي على حرية الإنسان، لأنها غير متضمنة لقيمة أخلاقية. كما أن الإيمان
بشيء غير مستنبط من العقل، ومنتمٍ إلى عقائد تم إبلاغها إلينا بالرواية التاريخية،
لا يستند إلى برهان كلي ودائم، لأن حجية مثل هذه العقائد مؤقتة بزمن ظهور ذلك
الدين بالنسبة لأولئك الذين عاصروه وشاهدوا معجزاته. أما الذين لم يعاصروه فليسوا
ملزمين بذلك، ومحاولة إلزامهم بإيمان تاريخي فيها قضاء على حريتهم العقلية
والأخلاقية. ومن الواضح تأثر كنت بهيوم في هذا الصدد. صــ 223 ، 224
1 التعليقات:
شكراً
إرسال تعليق