//الكتاب وجهه المؤلف في وقته إلى الملك عبدالعزيز كي
يتبناه ، وكان يركز في كتابه على أن عظمة الشعوب ليست في ثروات البلاد الطبيعية ،
ولافي الوطنية الباسلة ، ولا في الحماسة المتوقدة ، ولافي الإتفاقيات وقيام
الوحدات … بل في قدرة الشعب الذاتية على الإنتاج العقلي والمادي من ناحية
الأفراد..ويعد هذا الكتاب بمثابة بداية التحول عنده بعد الحقبة السلفية
الوهابية..//
---------------------------------------------------------------------
• إن الدين إذا فسد العمل به صار آلة ضعف وإنحطاط (أحد فلاسفة الغرب)
• طلاسم هذا الذل دقت وإنما..تفك بسر العلم هي الطلاسم ، يقولون حظ
اليعربيين نائم..لقد وهموا فالسعي لا الحظ نائم (أحد شعراء العصر)
• إن الشيخ محمد بن عبد الوهاب كان أحد أولئك الرجال القليلين الذين تتكافأ
قواهم العقلية والعلمية والخلقية فيصيبون النجاح الذي يبتغون.
• ما الذي أعطى الطوائف اليهودية هذه المكانة الدولية وهذا الإعتبار الدولي
اللذين لم ينلهما كثير من الشعوب المستقلة سياسياً ؟ إنه مقدرة هذه الطائفة
العجيبة على الانتاج الفردي .
• التفاوت الذي هو واقع بين المسلمين وبين الأجناس والأمم الأخرى لا بد له
من أسباب وعلل..
• إن الدعاء أضعف وسيلة يلقي بها عدو عدوه، بل إنه ليس بوسيلة وليس له من
فائدة سوى أنه يقوم بعملية تعويض وتصريف خبيثة ضارة.
• إن الإنسان كلما تقدم وكلما إزدادت علومه تضاعفت قدرته على التقدم وعلى
السير في سبيله وعلى إدراك العلوم تضاعفاً مقدراً بمكاسبه العلمية والكشفية
تقديراً رياضياتياً لا تختلف نتيجته.
• النفوس كنوز مدفونة كما دُفِنت جميع الكنوز، تحتاج إلى الإخراج
والإستثمار وإلا بقيت في مدافنها كأنها غير موجودة كما يبقى الأموات في أجداثهم
حتى يؤذن لهم بالبعث والخروج.
• لقد عدوا من شلغوا بعلوم الإغريق - سواء أكانت طبيعية أم رياضياتية أم
فلكية أم فلسفية أم طبية - ملاحدة، وألفوا كتباً في ذمهم وإكفارهم وتبيان أضرارهم!
• أمثال الحسن بن الهيثم وجابر بن حيان وأبي بكر الرازي والكندي وسواهم -
ممن قاموا بتجارب ودراسات لها قيمة صادقة في الكيمياء والطبيعة والرياضة والفلك
والطب والفلسفة - محاربون مكروهون متهمون في دينهم وأخلاقهم..
• هؤلاء المشايخ الذين دعوا إلى الجهل، ومدحوا الجنون ونقصان القوى المدركة
قد عملوا على إبقاء من ابتلوا بالإيمان بأقوالهم في شرك الجهل وأغلال الغفلة دون
أن يستطيعوا النجاة والهرب إلا بقوى أخرى أدبية تنتزعهم إنتزاعاً..
• كيف نصبر بعد اليوم على قوم يذمون لنا العلوم الرياضياتية والطبيعية
والكيميائية والفلكية والطبية والفلسفية، وينشدون الأناشيد في مدح التصوف والزهد
والدجل والشطح والرقص الديني ومدح القذارة والأمراض والجهالة والجنون والبله ؟
• يجب أن تكون تعاليمنا وثقافتنا كلها قائمة على أنه لا يوجد علم يضر ولا
جهل ينفع، وأن كل شر إنما يرجع إلى الجهل، وكل خير إنما يصدر عن العلم.
• ومن اللازم هنا أن نعلم أن القرآن قد أشاد بفضل العلم والعقل أعظم إشادة،
وعلق عليهما الخير والسعادة والفلاح، وامتدحهما بكل أساليب الإمتداح، وذم الجهل
والضعف العقلي بكل عبارة، وجعلهما شعار الخيبة والفساد والفسوق والكفر والضلال...
• ومن الأحاديث المشهورة الدالة على أن العلم في إطلاق الشرع غير ما ذهب
إليه هؤلاء، قوله عليه السلام في قصة تلقيح النخل (أنتم أعلم بأمور دنياكم.)
• إن تاريخ قضية المرأة مع الرجل تاريخ طويل مملوء بالظلم والأنانية
والجهل..
• إن كل تلقين - إن لم يكن للملقن ملكة ناضجة - لقليل الجدوى بل قد يكون
ضاراً.
• كراهية الحياة الدنيا: إمتداح الجوع والفقر والمرض..الدعاية الواسعة
للزهد المخدر، هل جاء الدين لمحاربة العمران؟
• إن الفقر والمرض والجهل هي أعداء الإنسان منذ وجد، وستبقى كذلك ما بقي.
• العقل الباطن شديد الإحساس، قوي الأخذ عما أمامه، مُحافط على خزانته
محافظة صادقة ليرجع إليها وقت الحاجة، فينفقها على الأعمال والأزمان المقبلة
إنفاقاً منظماً.
• لقد أُريد أن تؤدي المنابر والمساجد أعظم المنافع للإنسانية فأدت شر ما
يؤدى: أريد منها أن تُحيي فأماتت، وأن تعز فأذلت، وأن تهدي فأضلت..
• الأمم التي لا تؤمن بالقضاء والقدر بمعنيهما الصحيحين أمم لا يمكن أن
تُحسن في حياتها سوى التخبط والفوضى والإرتباك في شؤونها الخاصة والعامة، صغيرها
وكبيرها...
• إن الأوهام تأكل العقول، وكل وهم يأخذ من العقل بقدره. ولا تزال الأوهام
تتوالى عليه حتى يصبح عاجزاً عن التمييز ويتخلى في النهاية عن وظيفته...
---------------------------------------------------------------------
▬ إن الجهل الإعتقادي قد ضرب على قومنا عقد فوق عقد، وإن أفضل ما يعمله
المرء أن يحل عقدة من هذه العقد...إن للوهم الواحد في الحياة ثلاث نتائج: أولاها
أن يعوق عن السير إلى الغاية المنشودة، وثانيها أن يوجه جهة أخرى مضادة، وهذا فيه
الإبعاد عن الغاية وضياع الجهد المبذول سدى، وثالثها إفساد العقل، فإن الأوهام
تأكل العقول، وكل وهم يأخذ من العقل بقدره. ولا تزال الأوهام تتوالى عليه حتى يصبح
عاجزاً عن التمييز ويتخلى في النهاية عن وظيفته... صــ5
▬ إن الله جلت قدرته وضع لهذا الوجود سنناً لا تبديل ولا تحويل لها، وأن
هذه السنن تسير - وفق حكمته وعدالته - سيراً دقيقاً موزوناً مقدوراً لا تشويش فيه
ولا اضطراب كأنه مسألة رياضياتية لا يختلف في حلها العلماء ولا تختلف نتيجتها
لإختلاف العلماء الحاليين. فالنتيجة هي هي واحدة سواء أقام بحلها المسلم أم قام
بحلها الكافر، وسواء أحلها الشرقي أم حلها الغربي، فإن الحقائق المجردة لا تتغير
لإختلاف المتناولين لها أو لإختلاف أديانهم ومبادئهم... صــ24
▬ إن أولئك يريدون كل شيء من السماء ومن الآلهة المتعددة الأخرى. أما هؤلاء
فيعلمون أن عليهم أن يرجعوا إلى أنفسهم وأن يعولوا عليها وأن يطلبوا منها كل شيء
وأن في إستطاعتها أن تهبهم ما فقدوا وما احتاجوا إليه... فيبدعون في الأعمال
ويسيرون في الطريق، أما أولئك فقصاراهم النحيب والدعاء المذل، ثم الإنتظار الطويل
الممل، ثم التسلي والإشتغال بذلك كله عن العمل وعن إقتحام الصعاب. وإن أبشع صورة
لهذه الحالة النكراء هؤلاء الخطباء الذين يقرعون مسامعنا كل يوم جمعة بهذه
الضراعات الكاذبة والإبتهالات الوقحة الذليلة - داعين على الآخرين - سائلين الله
أن يسقط عليهم السماء أو يخسف بهم الأرض أو يجعلها ناراً، وأن يدمرهم وأن يجعلهم
هم وأموالهم ونساءهم وذراريهم غنيمة باردة لهم ولأمثالهم من المسلمين العاجزين عن
الحياة. ولكن الله لن يصنع ذلك أبداً ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السموات والأرض،
وإن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، لا حتى تمتد ألسنتهم بالسوء
والسباب وتفيض قلوبهم بالحقد على المتفوقين العاملين والحسد لهم. صــ32
▬ إن من السخف المبين أن يظل خطباؤنا وعلماؤنا ووعاظنا وجميع رجال الدين
وغير رجال الدين ينشدون الأناشيد ويقذفوننا بالخطب تلو الخطب وبالمقالات إثر
المقالات، مؤكدين لنا بأن الإنسان ما خُلق ليكون عالماً، ولا ليكون شيئاً كبيراً،
ولا ليغالب الطبيعة والحياة، ولا لينازع الله في علمه وقوته وقدرته، ولا ليخرج من
طبيعته... وإنما خُلق عبداً ضعيفاً جاهلاً ليبقى أبداَ ضعيفاً جاهلاً. وإنما خُلق
من تراب وسيبقى أبداً في التراب! وإنما خُلق ليثبت له ويبين أنه لن يستطيع أن يكون
عالماً كما يقول أحد الشيوخ الذين أوردنا كلامهم!...صــ75
▬ جاء في كتاب مطبوع حديث التأليف أن أحد العلماء المشهورين جداً قال:
"كل ما يُسمى علماً مما ليس في الكتاب ولا في السنة ومما ليس من علوم
المسلمين فهو لا يخلو من أحد إحتمالين: أحد الإحتمالين أن يكون غير علم وأن تكون
تسميته بالعلم من تسمية الجهل بالعلم الخطأ، وثانيهما أن يكون علماً حقيقة ولكنه علم
ضار غير نافع. فلا يجوز للمسلمين تعلمه ولا قبوله.". صــ78
▬ إن طريق العلم ليس بالطريق القصير ولا بالسهل الإجتياز. وإن ما ركب في
الإنسان من طباع مختلفة متباينة ليعمل من جهة على جذبه إلى أرض الجهل وحضيض الغباء
إن لم توجد من جانب آخر قوى أدبية ومباديء جليلة إنسانية تعمل بقوة على رفعه إلى
أفق العلم وسماء المعرفة. فالإنسان تتنازعه أشياء كثيرة طبيعية ومباديء أخرى أدبية
بينهما إختلاف. فإذا وجدت الطباع المثبطة المعوقة من التعليم والتلقين ما يعينها
على تثبيطها وتعويقها إنتصرت على المباديء والميول الأخرى الداعية للنهوض والوثوب
والإقدام، وإن وجدت هذه الأخيرة وما يعنيها كانت هي المنتصرة الظافرة بالإنسان.
صــ87
▬ هؤلاء المشايخ الذين دعوا إلى الجهل، ومدحوا الجنون ونقصان القوى المدركة
قد عملوا على إبقاء من ابتلوا بالإيمان بأقوالهم في شرك الجهل وأغلال الغفلة دون
أن يستطيعوا النجاة والهرب إلا بقوى أخرى أدبية تنتزعهم إنتزاعاً..فالواجب علينا
إذن أن نحطم هذه الأقاويل وأن نحطم أصحابها إن كان لابد من تحطيمهم بلا شفقة، وأن
نضع من جديد أقوايل صارمة ومباديء قوية تدعو إلى العلم المطلق بلا قيد أو شرط،
وتمدح العلوم كلها وتمزق الجهل وكل ضعف فكري تمزيقاً لا يُبقي باقية...يجب أن تكون
تعاليمنا وثقافتنا كلها قائمة على أنه لا يوجد علم يضر ولا جهل ينفع، وأن كل شر
إنما يرجع إلى الجهل، وكل خير إنما يصدر عن العلم. والعلم هو العلم المطلق، العلم
بكل شيء، وأننا لا يمكن أن ننال بالجهل شيئاً، ولا أن يفوتنا بالعلم شيء وأنه لا
رجاء في أخلاق ولا في دين ولا في من الأشياء الجميلة إلا بالمعرفة، وأن ضعف
المسلمين وتأخرهم وفقدهم كل أنواع الإستقلال والسيادة لا يعود إلى فساد في
الأخلاق، ولا إلى خلاف في الرأي والقلوب، ولا إلى شيء مما يحسبه الجاهلون... وإنما
يعود إلى شيء واحد فقط: يعود إلى الجعل بما به قوة الآخرين، أي إلى الجهل بقوى
الطبيعة ونواميسها...صــ88
▬ أما فضية تحريم التعليم على المرأة فهي من أغرب القضايا التي تمر
بالتاريخ البشري. وهذا التحريم يشبه في معناه ومرماه تحريم النظر عليها بإنتزاع
آلته منها. بل لا ريب أن عمى الجهالة أفتك وأشد ضرراً من عمى الحس. ولو أن قائلاً
قال: إنه يجب إبطال الحواس كلها وغيرها من أعضاء المرأة، فلا ترى ولا تسمع ولا تشم
ولا تذوق ولا تلمس ولا تمشي ولا تفكر ولا تعمل - أي بأن تبطل فيها جميع الأعضاء
التي تكون بها الرؤية والسمع والشم والذوق والمس والمشي والتفكير والعمل والحركة
لئلا تستعمل إحدى هذه الحواس والأعمال في فساد أو فجور أو خروج على الآداب
المحترمة في عين الرجل: لو أن قائلاً قال هذا لما كان مبعداً في هذا القول ولا
ظالما أكثر من إبعاد وظلم هؤلاء الذين يقولون بتحريم تعليم المرأة وتحريم الكتابة
عليها، لأن هذا التعليم في زعمهم قد يكون سبباً في فسادها أو فجورها أو شرورها أو
عملها شيئاً يُغضب أنانية الرجل الظالم المستبد الأناني. صــ95
▬ إن الإنسانية تحمل في جوانبها وفي طيات وجودها جميع الخرافات والسخافات
التي مرت بها في تاريخها الطويل، وفي تعاقب أجيالها الجاهلية... وإن سلطان هذه
الخرفات والسخافات متمكن راسخ، وإن كل مولود يولد وهو يحمل معه جذورها وذورها بين
لفائفه ليستنبتها في بيئته... ولا يوجد شيء على إبادة هذه الجذور يمنع نباتها
وإستنباتها سوى التعليم العالي، وسوى العقل الذي يصنعه العلم. صــ125
▬ من المحقق الذي لا خلاف فيه بين علماء النفس أن الجاهلة الساذجة التي فرغ
رأسها من المعارف ومن التفكير الجدي، وفرغت أوقاتها من الأعمال الجسمية المجدية،
أقرب جداً من المتعلمة المثقفة ذات الأفكار والآمال إلى الركوع أمام سلطان الشهوات
والغرائز الصغيرة. فالشهوات الجنسية تستبد جداً بالجاهلين الفارغين المنوطين على
أنفسهم لجهلهم وضآلة تفكيرهم، وتنأى بقدر ما عن المتعلمين المفكرين، ذوي الطموح
الإصلاحي الإنساني البعيد، وذوي الآمال العظيمة الجليلة التي يولدها العلم الواسع
ويخلقها الخيال الممتاز الوثاب. صــ128
الفرة التالية عن بعض الشيوخ الذين يدعون إلى حياة الزهد
والفقر وفضائل الأمراض وما إلى ذلك، وفي الغالب حديثهم لا يكون موجه إلا للفقراء
الكادحين..
▬ وإن أعظم برهان نضعه في يد القاريء على أن الجنون قد بلغ بهؤلاء الشيوخ
كل مبلغ أن نذكر أن الشيخ الأسيوطي ألف كتاب عنوانه هكذا (كشف المعمي في فضائل
الحُمي) وأن الشيخ ابن حجر العسقلاني - وهو من الحفاظ المشهورين - وضع كتاباً
أسماه (بذل الماعون في فضل الطاعون)، وللسيوطي كتاب آخر أمسه (الخبر المبثوث في
فضل البرغوث)
ولمؤلف آخر كتاب أسمه (الطرثوث في
فضل البرغوث). وقد أكثروا جداً من الروايات التي قيل فيها إن المؤمنين والأتقياء
الصالحين يخصهم الله بالأمراض والمصائب وأنه على قدر إيمان المرء ودينه يكون بلاؤه
وعذابه، وأن من يرد الله به خيراً يصبه ويصب معه، والروايات في هذا مشهورة يلوكها
كل لسان وتكذب فوق جميع المنابر. صــ154
▬ ومن الملاحظات الصادقة في هذا الموضوع أن قوماً يولدون وينشأون في هذه
البيئة التي تتوارث أقاويل هؤلاء الشيوخ، تصادفهم ظروف غير عادية، فليحدون إلحاداً
نظرياً صريحاً، بحيث لا يكتفون بإنكار الأفكار الزهدية الحرمانية، بل ينكرون فكرة
الأديان جملة، ويجاهرون بهذا الإنكار ويعتقدونه، ولكنهم - وهذا عجيب في الظاهر -
يبقون متعلقين متأثرين بالشيء الكثير من هذه الخرافات في كراهة الدنيا وغيرها،
دائنين لها، عاجزين عن الخروج من ربقتها خروجاً شاملاً! صــ176
▬ ومن العجيب - بل من غير العجيب - أن البائسين الذين يُخدرون بهذه الخطب
كل أسبوع وتقيد بها غرائزهم وطباعهم وتمنع العمل والإحساس بالحياة يجدون لذة مسكرة
في سماع هذه الخطب وترديدها! وليس هناك شك في أن شعورهم بهذه اللذة يشبه شعور مدمن
المخدرات عندما يتناول منها شيئاً بعد حرمان طال أو قصر! وذلك أن هذا التناول
للمخدر، وهذا السماء للخطبة المخدرة يؤديان عملية التسكين في الحالتين، فحرمان
الإنسان من الحياة الصحيحة الجميلة يؤلمه ويؤذيه لو ترك سليماً معافى، ولن يستطيب
ذلك إلا إذا خدر، فالخطب تقوم بهذا التخدير، فيجد البائس المسكين فيها تسكيناً
لآلامه، ويجد فيها عزاءه، ويجد فيه آماله الضائعة المشتتة المحرومة! فيظل مستكيناً
راضياً، وينعم عيناً بكل ألون الشقاء، ويظل يتدلى ويهوي عليها وحياته معها! كما أن
مدمني المخدرات يبلغون حالة من الإنهيار المادي والمعنوي لا يتصورها العقل - مع
رضاهم بها - فكذلك الذين يخدرون بهذه المواعظ المتكررة يبلغون هذه الحالة من
الإنهيار مع رضاهم بها ولذتهم بإعطائهم هذه النوبة الأسبوعية. صــ194
▬ إن القوانين تُعاقب من تناول المخدرات مرة في خفية وعلى حذر، ولكنها
تُبيح تخدير الآلاف! بل مئات الآلاف، بل مئات الملايين في المساجد والجمعيات كل
أسبوع بل كل يوم أحياناً، ثم تحث هؤلاء المخدرين على أن يخدروا، بل وتجازيهم
وتوظفهم وتقتطع لهم من أموال الدولة المكافأت الشهرية! وهذا بلا ريب من أعجب
مناقضات القوانين وغارئبها. لقد أُريد أن تؤدي المنابر والمساجد أعظم المنافع
للإنسانية فأدت شر ما يؤدى: أريد منها أن تُحيي فأماتت، وأن تعز فأذلت، وأن تهدي
فأضلت ، وأن تبعث على العمل فبعثت على الكسل،و أن تمتدح الحياة فأمتدحت الموت، وأن
ترفع من شأن الجمال وتحببه إلى النفوس فرفعت من شأن الدمامة وحببها إليها، وأن
تملأ الرؤوس بالحقائق فملأتها بالأوهام، وأن تخلق شعوباً متوثبة فخلقت شعوباً
خاملة عاجزة - تنتظر وجودها وحياتها وحاجاتها من خارجها لا من نفسها، معلقة
أبصارها دائماً بالسماء، منتظرة أن تُمطر عليها الذهب والفضة والسيادة والوجود
والعز وكل ما يُؤمل، ولا تنظر إلى نفسها وطبيعتها...فأقبح بها من منابر أشاعت
الموت والدمار والظلام والجهل!! صــ194 : 195
▬ الواجب علينا أن نُشيد ثقافتنا وتربيتنا على تحبيب الحياة وتحبيب العمل
من أجلها، وأن نمقت بكل قوانا أمثال حكمة ذلك السفيه القائل: (زيادة المرء في
دنياه نُقصان) وأن نؤمن بذلك القول الجديد الجميل في تعريف معنى السعادة: (إنها هي
القدرة على العمل) نعم، وإن السعادة هي القدرة على العمل، وليست هي العمل بدون
القدرة عليه، وليست أيضاً هي البطالة والكسل ذهاباً وراء ذلك المُخدر القديم
الشنيع: الزهادة أو القناعة. صــ204
▬ يوجد الآن في المكتبات العامة ألوان مختلفة من الكتب والرسائل التي زُعِم
أن قراءتها كتعاويذ، وأن حملها كتمائم، وأن الإحتفاظ بها ككنوز، يُغني من فقر،
ويُشفي من سقم، ويحمي من عدوان، ويبلغ كل مأمول... حتى المرأة العقيم والرجل
العقيم قيل لهما: إن هذه الكتب تهبكما الأولاد- وحتى من يرد الزواج، أو تريده،
يلقيان فيها ما يرجوان. صــ214
▬ إن الشعوب التي تُلقن منذ وجودها أنه لا يصح لها أن تعتمد فيما تحتاج
إليه على قواها وسواعدها، وتُلقن أن هناك قوة عليا مستعدة أبداً للقيام بكل ما
يراد منها إستقلالاً، فما عليها إلا الضعف والإستسلام والإنتظار - وتُلقن أنها
عاجزة عن أن تعمل أو أن تستقل بالعمل لنفسها - وتُلقن وجوب الإتكال بالمعنى السخيف
الذي فهموه:ــ إن الشعوب التي يٌقضى عليها بأن تُلقن هذه الخرافات والمحالات لهي
شعوب غير جديرة بالحياة ولا بالإستقلال في جانب واحد من جوانبها... صــ283
▬ قد يُعجب المرء إذا ما أدار نظره حوله فوجد أن أكبر جامعة إسلامية قد
بلغت من العمر أكثر مما بلغه نوح عليه السلام، قد عَقِمَت في عددها العديد، وعمرها
المديد عن أن تلد مولوداً واحداً حتى ضرب المثل بقدمها... إن هذه الجامعة في كل
هذه المدة وفي جميع هذه الأعداد الهائلة من الطلبة والأساتذة، وفي ذلك الثراء
الوفير الذي أرصده لها الواقفون، قد عجزت عن أن تؤلف كتاباً واحداً في نوع من
أنواع العلوم التي اختصت بها وبدراستها... والكتب القديمة العقيمة التي جعلت مادة
للدراسة فيها ليست من وضعها ولا من تأليفها ونقلها، إنما هي إستعارة خارجية،
وأكثرها من وضع قوم ليسوا عرباً لا في ألسنتهم ولا في أفكارهم ولا في أذواقهم...
صــ324
▬ إن العاقل لتأخذه الحيرة البالغة متى أُتيح له أن ينظر في هذه الكتب
المُسِنّة التي تخرجها المطابع تباعاً ليلتهمها القراء بشدة ولذة، وأُتيح له أن يرى
ما تحمل من جهالات بل من جنون وخبل ومن كفور ومروق، ثم رأى كيف يقبل عليها ويقبلها
قوم قيل: إنهم عقلاء، وقيل إنهم مؤمنون، وقيل إنهم خيرون، بدون أن يجدوا فرصة للشك
فيها، وبدون أن يجدوا أنها تصيح لنقدها والإعتراض عليها، بل بدون أن يتركوا لغيرهم
أن ينتقد أو يعترض أو يشك... صــ329
▬ إني لأنظر إلى هذا الميراث الثقيل الباهظ الملغي في طريق المسلمين، وإلى
هذه الأسفار التي تروع أعدادها ويعجز تعدادها - وما فيها ما لا يستقيم لأمة أمرها
ووجودها معه، فأفزع وتذهب الأفكار في كل وجه، ثم تؤوب بي مجتمعة مجمعة على أنه لا
خلاص إلا إذا استطعنا أن نكفر بهذا الميراث، وعلى أنه لا يمكن الكفر به إلا إذا
عرفنا كيف ننزل موروثينا إياه هذه العروش السماوية التي صنعناها لهم على حساب
قوانا العقلية والدينية ثم أجلسناهم عليها، ثم جثونا تحتهم نسبح بحمدهم ونقدسهم
وننزههم عن كل ما يخطر بالبال من إثم أو نقص أو ضعف! فهل من سبيل إلى هذا؟ على أنه
لا سبيل سواه. صــ330
▬ إن المتدينين عجزوا عن أن يتصورا إلههم تصوراً يسمو كثيراً على ما يعرفون
ويشاهدون من القادرين الآخرين؛ فالله في تقديرهم وتصوريهم-وإن إختلفوا في هذا
وتخالفوا كثيراً-لا يعدو أن يكون- في أفعاله وقضائه وقضاياه وحكمه على الأشياء
وعلى الآخرين وعلى سائر عبيده ورعاياه - بشراً مقتدراً، كالذين يعرفونهم ويفكرون
تفكيرهم. ولهذا فإنه - أي الإله - يغضب عندهم ويرضى وينتقم ويثيب ويجازي ويعامل
على مقتضى إنفعالاته وعواطفه، ويلجأ إلى المحسوبية وإلى الإعطاء والمنع على
الشفاعة، ويتحكم في هذا العالم كله على ما تشير به هذه الإنفعالات والتطورات عنده،
وعلى مقتضى تطورها وتغيرها - لا على مقتضى نواميس شاملة ثابتة... فإذا بلغوا هذا
المكان من الايمان هبوا يلتمسون رضا هذا الإله على ما تصوروا، وهبوا يتملقونه
وينافقونه ويصنوع على ما يسحبون أنه ينيلهم رضاه وعطفه، وأرصدوا جل صواهم وأوقاتهم
وأعمالهم لهذه السبيل، ليدركوا لديه ما يشتهون ويبتغون؛ فشغلوا بذلك عن سلوك
السبيل، وعن محاولة القيام بلأعمال النافعة المجدية. لأن تصورهم للأشياء قد أُيب
بالفساد، وإذا فسد التصور فسدت الأعمال لا محالة. وأصبح مثل هؤلاء كمثل أولئك
الزعانف المتملقين المنافقين الكذابين الذين يحدثنا التاريخ كيف كانوا ينالون
ذهبهم وفضتهم وضياعهم وجواريهم وكل ما يحبون بالتملق والكذب والنفاق والعبودية
والإمتداح وكل تلك المخازي الخلقية التي أثبتتها لنا كتب الأدب والتاريخ وأسمتها
مكارم ومكافآت وأدبيات. صــ338
▬ ومن المعلوم أن أوروبا يوم أن كانت مؤمنة بالكنيسة متدينة كانت في ذلك
الهوان والضعف والعجز الذي نعرفه ونقرأه، فلما أن مرقت من إيمانها وتنازلت عن ذلك
الأمل الأخروي وجعلت الصناعة والتجارة والحياة الكبيرة القوية هي آلهتها التي
وحدتها وأبت الإشراك بها، صعدت بالحياة هذا الصعود الذي أعجز أبصارنا تنوره والنظر
ليه. وقد قال أحد فلاسفة الإنجليز المعاصرين المدرسين اليوم في إحدى الجامعات
البريطانية - وهو ملحد كما هو ظاهر:ــ، إن أوروبا لم تستطع أن تكون أوروبا إلا بعد
أن أعتقت نفسها من رق الإيمان بالآخرة وبالله. صــ341
▬ لقد كانت روسيا القيصرية المسيحية منذ أقل من ثلاثين عاماً مثلاً طيباً
للفقر والضعف والمسكنة والجهل، حينما كانت مسيحية متدينة صالحة! فلما أن مرق بها
البلاشفة وصنعوا لها أرباباً آخرين وعبادة أخرى، صارت هي روسيا اليوم، قاهرة
ألمانيا التي لم تكن تُقهر! ولعل من الطريف أن روسيا هذه قد كفت لهزيمتها وإخراجها
من الحرب العالمية الأولى معركة واحدة رماها بها قائد ألمانيا العبقري، ولقد لخص
أحد أدباء الروس المخضرمين الذين عاصروا العهدين: القيصري والبلشفي، أسباب الفروق
بين ألئك الروس وهؤلاء، وعوامل التحول قائلاً: "لقد شاهدت الزراع والعمال
البائسين اليائسين في الزمان القيصري يوم أن كانوا يشكون بؤسهم وجهلهم وفقرهم
وأمراضهم وسائر فسادهم الإجتماعي إلى القوى الخفية المجهولة، فكانوا يومذاك مثلاً
رائعاً في الإنحطاط، ثم شاهدت هؤلاء أنفسهم وهم شكون ذلك إلى المصنع والمحراث
والمدرسة، فصاروا هم الروس الذين نالوا إعجاب العالم ورضاه سنة 1944 وما بعدها.
صــ342
▬ إنه قد عُلِم بالتجرية أن المتدينين يفقدون الميزان الفكري الذي توزن به
الأمور في الغالب، ويصبحون من الناحية النفسية أناساً طيبيين خيرين، فاقدين لكل
مناعة عقلية مستعدين إستعداداً غريباً للوقوع في حبائل المشعوذين والدعاة
المضللين، عمين عن كل الحقائق التي يراها ويستفيد منها الآخرون، ويرتفع لديهم سُعر
التهريج والدجل إرتفاعاً عجيباً، وتنفق بينهم سوقه، وتنبت أرضهم الدعاة الكثيرين -
دينيين أو غير دينيين، ويصيخون لكل ناعق، ويهبون-بسخاء نادر- جيبوهم وقلوبهم
وعقائدهم كل سائل، لأنهم بعد أن عزلوا العقل وتنازلوا عن تحكيمه عجزوا عن أن
يعرفوا الحق من الباطل، والصادق من الكاذب، والقائد من الصائد، فصدقوا المستحيلات
والمتناقضات وآمنوا بأشنع الترهات، لأأن العاصم من كل ذلك - وهو العقل - قد أُبعِد
وعُزِل. صــ346
▬ إذن، فهل معنى عجز الإنسان عن أن يفهم التدين والدين فهماً صحيحاً أن
الواجب عليه، أو المستحسن له، أن يتركه وينأى عنه! كلا، وإنما الواجب أن ننفق
القوى والأوقات على محاولة فهمه وإفهامه، وهذا هو عيم ما فعلناه إلى كتابنا هذا.
وقد كانت أعظم رسالات الأنبياء موجهة إلى تصحيح التدين وتصحيح الأديان. وهذا
التصحيح هو إحدى رسالات الإنسان الكبرى. صــ352
▬ أيها القاري الكريم : من الجائز أن أكون قد أخطأت أو بالغت في بعض
المواضع، ولكن أمرين يجب ألا يقع عندهما خلاف ولا يسوء فهمهما فهم؛ أحدهما أني كنت
مخلصاً في جميع ما كتبت، وأني ما أردت إلا خدمة الحق وخدمة أمتنا العزيزة. وليكن
هذا شفيعاً لي عند من يخالفني في بعض المسائل أو بعض الشروح والتفصيلات. وثانيهما
أني لم أحاول إلا أن أكون مؤمناً بالله ورسوله وكتبه واليوم الآخر، ولكني حاولت أن
يكون هذا الإيمان سليماً قوياً، وأن يكون كإيمان عمر بن الخطاب وعمرو بن العاص
وخالد ابن الوليد وأمثال هؤلاء، وأبيت أن يكون مثل إيمان الشعراني والغزالي وابن
عطاء الله والأسيوطي وغيرهم من شيوخ الطريق وحداة الجهالة ورسل الفقر - ممن نكبوا
البشر وانحرفوا عن الغاية التي يجب أن يبلغوها. صــ353
9 التعليقات:
love it !!
ملحد و كفى ، وهل تجني من العنب الشوك
لقد اوجزت ايه الرجل الانسان العظيم
كم كنا نحتاجك في زمننا هذا
ياريت كانت الاغلبيه تفكر مثل استادنا ... ولكن لامر ما في نفس طاغوت الدي اعمته انانيته ان يبقي الشعب في دار غفلون ... ونسوا ان التاريخ يدون ...
كلام يضع الإصبع على الداء...
الشعوب التي لديها ثقافة تمقت الحياة و تهزأ بالعلم لن تترك أثرا يستحق الذكر على الأرض.
لايكفي النظر إلى عين المرأة من وراء عجار ليقال هذه بارعة الجمال
تفكير سليم انى عمر ٥٠ سنه كل الجمعه نفس الخطبه او دعاء ندعو ببقاء الحكومه فاسدة
تحرير العقل من النقل حتمية لابد منها
العقيدة سرطان الفكر الحر
يرحمك الله
إرسال تعليق