• البناء الرياضياتي يُحكم عليه "داخليا" على أساس سلامة
الإستدلال، لا "خارجياً" على أساس مطابقته للواقع.
• لا يكون مدار التسليم بالرسالة (يقصد الرسالة
الدينية) برهاناً عقلياً على صدق الفكرة ونتائجها المستدلة منها، بل يكون
مدار التسليم هو الإيمان.
• الميتافيزيقا المرفوضة هي مجموعة العبارات التي تتحدث عن كائنات لا تقع
تحت الحس.
• إن معظم أسئلة الفلاسفة وقضاياهم ناتجة عن عدم فهمنا لمنطق لغتنا... فلا
عجب إذن أن تكون أعمق مشكلاتهم ليست بمشكلات.
• الجواب الذي لا يمكن التعبير عنه، سؤاله كذلك لا يمكن التعبير عنه، فاللغز
[الذي يستحيل الجواب عنه] ليس له وجود. (فتجنشتين)
• سواء تفلسفنا أو لم نتفلسف، فلا بد لنا من التفلسف. (أرسطو)
• إن كل مشكلة فلسفية، إذا ما أخضعتها للتحليل وللتنقية الضروريتين،
ألقيتها إما ألا تكون مشكلة فلسفية بالمعنى الصحيح، وإما أن تكون مشكلة منطقية،
بالمعنى الذي نقصد إليه بكلمة منطق. (بيرتراند رسل)
• التفكير العلمي هو تفكير مرتب، والترتيب معناه أن تضع عناصر المشكلة في
وضعها النطقي سابقاً فلاحقاً، ولا يتيسر ذلك بغير إخراج جميع العناصر الكامنة في
المشكلة التي نكون بصدد بحثها لكي نضع الخطوة المفترضة قبل الخطوة التي تنبني على
افتراضها.
• إن اليونان قد جعلوا الرياضيات علماً قائماً على أساس صحيح، حين جعلوها
بناء قائماً على فروض فيفرضون الفروض أولاً، ثم يسألون أسئلة محاولين الإجابة عنها
على أساس تلك الفروض.
• إن كانت كلمة "ميتافيزيقا" معناها "تحليل القضايا العلمية"
كان موضوعها هو الذي قَبِلنا أن يكون عمل الفيلسوف.
• الميتافيزيقا إن هي في حقيقة الأمر إلا "نتيجة الزعم الساذج بأن
العبارات الوصفية الخاصة (أو العامة) رموز للإشارة (مثل "هذا" و
"ذلك" مما يترتب عليه حتماً وجود الأشياء المشار إليها).
• إن مهاجمة الميتافيزيقا التأملية لا تكون بمناقشة "نظرياتها"،
إذ لا "نظرية" هناك تناقش، بل المهاجمة تكون بتحليل عباراتها، لبيان
خلائها من المعنى.
==================================================
▬ كان أوجع نقد وأبشعه، هو أن اختلط الأمر على الناقدين فخلطوا بين فلسفة
ودين، حتى خيل إليّ يومئذ أن بعض هؤلاء الناقدين-على الأقل-لم يقرءوا من الكتاب
شيئاً، وهم إما أن يكونوا قد اكتفوا بقراءة عنوانه-في طبعته الأولى-"خرافة
الميتافيزيقا"، قائلين لأنفسهم شيئاً كهذا: الميتافيزيقا هي ما وراء الطبيعة.
وما وراء الطبيعة، هو الغيب، وأيضاً هو الله سبحانه وتعالى، واذن فهذه الجوانب
الهامة من الإيمان الديني خرافة عند مؤلف هذا الكتاب؛ أقول إن بعض الناقدين إما أن
يكونوا قد اكتفوا بقراءة عنوان الكتاب ثم أخذت خواطرهم تتسلسل على النحو المذكور،
وإما أنهم كانوا أقل من ذلك درجة، وطفقوا يرددون ما يسمعونه من غير وعي ولا دراية.
[جزء من الطبعة الثانية]
▬ ألِفَ الناس أن ينظروا بالمنطق ذي القيمتين إلى القول يقوله القائل ليخبر
به خبراً؛ أي أنهم قد ألِفوا أن يحكموا على الخبر يأتيهم به المتكلم، بأحد شيئين:
فهو عندهم إما صواب أو خطأ، ولا ثالث لهذين الفرضين؛ حتى جاء المناطقة المحدثون،
فأضافوا إلى هذين الحكمين التقليديين حكماً ثالثاً، هو أن يكون القول كلاماً
فراغاً لا يحمل إلى السامع معنى، فلا يجوز وصفه عندئذ بصواب أو خطأ، وبالتالي لا
يجوز أن يكون موضع أخذ وردٍ وبحث ومناقشة؛ فقولنا عن العدد 2 - مثلاً - أنه عدد زوجي
قول صحيح، وقولنا عنه إنه فردي قول خاطيء، وأما قولنا إنه "عدد أبيض"
فكلام فارغ لا يكون صواباً ولا خطأ..صــ1
▬ الفلسفة تحليل للألفاظ والقضايا التي يستخدمها العلماء والتي يقولها
الناس في حياتهم اليومية؛ فليس من شأن الفيلسوف أن يقول للناس خبراً جديداً عن العالم،
ليس من مهمته أن يحكم على الأشياء، لأن الحكم يقوم به فريق آخر، هم العلماء، كل في
علمه الذي اختص به؛ فعالم الطبيعة أولى منه بالتحدث عن قوانين الطبيعة، وعالم
النفس أولى منه بالتحدث عن قوانين السلوك، وهكذا. بل مهمة الفيلسوف هي أن يحلل
ويوضح المعاني، حتى لقد عرَّفت "سوزان لانجر" الفلسفة بأنها "علم
المعنى". صــ19
▬ إن الرأي الذي أخذ به أنصار المدرسة التحليلية الحديثة، ينتهي بهم إلى أن
المعرفة العلمية نوعان لا ثالث لهما: وهما الرياضيات والعلوم الطبيعية؛ وهم في ذلك
أتباع لأب أصًيل من آباء المذهب الوضعي، وأعني به "هيوم" وله العبارة
المشهورة التي نصها بالترجمة هو ما يأتي:"إذا تناولتْ أيدينا كتاباً - كائناً
ما كان - في اللاهوت أو في الميتافيزيقا الاسكولائية مثلاً، فلنسأل: هل يحتوي هذا
الكتاب على أي تدليل يدور حول الكمية والعدد؟ لا؛ هل يحتوي على أي تدليل تجريبي يدور
حول الحقائق الواقعة القائمة في الوجود؟ لا؛ إذن فاقذف به في النار لأنه يستحيل أن
يكون مشتملاً على شيء غير سفسطة ووهم." صــ25
▬ [..] أما الميتافيزيقا...فلم يواتها الحظ السعيد بعد، لتبدأ سيرها في
طريق العلم المأمون...فترى الباحثين في الميتافيزيقا أبعد ما يكونون عما يشبه
إجماع الرأي، مما يجعل الميتافيزيقا توشك أن تكون ميداناً للقتال...ولم ينجح أحد
من المتقاتلين في كسب شبر واحد من الأرض...وهذا يدل بغير شك على أن الطريقة التي
أتبعتها الميتافيزيقا إلى الآن، قد كانت مجرد خبط عشوائي...فما الذي اعترض سبيل الباحثين دون الكشف عن الطريق
العلمي في هذا الميدان [ميدان الميتافيزيقا]؟ أيكون هذا الطريق مستحيلاً كشفه على
الإنسان؟...أم أننا أخفقنا حتى الآن، ولكن هنالك من الدلائل ما يبرر لنا الأمل في
أننا إذا بذلنا جهداً جديداً، فربما كنا أحسن حظاً من أسلافنا في ذلك؟. صــ47
▬ فإستحالة المعرفة الميتافيزيقية عنده (كانط)
نفسية وليست هي بالإستحالة المنطقية كما يرى المذهب الوضعي المنطقي؛ هي عند
"كانط" حقيقة نفسية بمعنى أنه لو كان الإنسان على غير ما هو عليه في
إدراكه للأشياء، لأمكن ألا تكون المعرفة الميتافيزيقية مستحيلة؛ هي مستحيلة الآن
لأن العقل الإنساني لم يخلق لإدراكها، كما لم تخلق العين لسماع الأصوات؛ أما أصحاب
المذهب الوضعي المنطقي فيبنون استحالة الميتافيزيقا على أساس أن أقوالها فارغة من
المعنى بحكم ما اتفقنا عليه في طرائق استعمال اللغة؛ إنها أقوال لا تصف شيئاً هنا
أو هناك، بحيث يجوز لنا أن نسأل أيمكن حقاً أن يدرك الإنسان هذا الشيء أم أن
إدراكه مستحيل عليه. صــ51
▬ إننا إذ نقول عن فلسفة "كانط" أنها "نقدية" فإنما
نعني بذلك أنها تحليلية، فماذا تحلل؟ هي تتناول أحكام الناس الكلية التي يقولونها
في العلوم -أو في حياتهم اليومية- محاولة حلها إلى عنصريها: ما هو مستمد من
التجربة الحسية فيها، وما هو قبليٌّ لم يعتمد على تجربة بل يستند إلى مباديء
عقلية. وحين نصف فلسفته بأنها "ترانسندنتالية" فإنما نعني أنها تتناول
القضية الكلية من هذه القضايا التي يقولوها الناس في علومهم وفي حياتهم اليومية،
فتوغل في باطنها لتستخرج ما يكمن فيها من مباديء عقلية؛ أو قل إنها تحفر البناء
التجريبي المتمثل في القضية لعلها تصل إلى الأساس الخفي من مباديء العقل، الذي
يقوم عليه هذا البناء، فإذا اصطدمت كرة بأخرى فحركتها، ثم قلنا إن الكرة الأولى
سبب في حركة الكرة الثانية، كان قولنا هذا معتمداً على الحس من جهة، لكنه معتمد
على مبدأ عقلي من جهة أخرى هو مبدأ السببية، وطريقة "النقد" هي أن أحاول
أستخرج هذا المبدأ من وراء الخبرة الحسية. صــ56
▬ إن من حقك أن تشك في قضية معينة، ثم يزول شكك هذا بإرجاع القضية إلى
السند الذي يؤيدها، فإن وجدته زال الشك، بالحكم بالصدق على القضية، وإن لم تجده
زال الشك أيضاً، بالحكم بالكذب عليها، وهذا السند نفسه إما نسبي أو مطلق، فهو نسبي
إذا كان بدوره مستنداً إلى سند وراءه، وهو مطلق إذا لم يكن وراءه سند، فهو مفروض الصدق
بغير برهان، ومثل هذا السند المطلق هو المبدأ العقلي القبلي الذي تحاول الطريقة
النقدية أن تلمسه في الحكم الذي تختاره من كلام الناس لتحلله. صــ61
▬ نشأت الميتافيزيقا من غلطة أساسية، وهي الظن بأنه ما دامت هناك كلمة في
اللغة، فلابد أن يكون لها مدلول ومعنى؛ وكثر تداول اللفظة، ووجودها في القواميس
يزيد الناس إيماناً بأنها يستحيل أن تكون مجرد ترقيم أو مجرد صوت بغير دلالة؛ ولكن
التحليل يبين لك أن مئات من الألفاظ المتداولة والمسجلة في القواميس هي ألفاظ
زائفة، أو هي "أشباه ألفاظ" كما يسميها رجال الوضعية المنطقية؛ وما أشبه
الأمر بظرف يتداوله الناس في الأسواق مدة طويلة على أنه يحتوي على ورقة من ذوات
الجنيه، حتى يكتسب الظرف قيمة الجنيه في المعاملات، وبعدئذ يجيء متشكك ويقض الظرف
ليستوثق من مكنونه ومحتواه، وإذا هو فارغ وكان ينبغي أن يبطل البيع به والشراء، لو
تنبه الناس إلى زيفه من أول الأمر. صــ105
▬ إذا قال لنا قائل مشيراً إلى شيء معين: "هذا خير" أو "هذا
جميل"؛ كان لنا أن نسأله: هل تعبر بذلك عن ميلك أنت، أم هل تصف ميول الناس
عامة؟ إن كانت الأولى فعبارته فارغة من المعنى، لأنه لا سبيل إلى تحقيقها، وإن
كانت الثانية فهي عبارة مقبولة، إذ يمكن الرجوع إلى ما نلاحظه في ميول الناس كي
نحقق صدق المزاعم فيما زعم. صــ118
▬ الجملة الأخلاقية أو الجمالية ليست بذات معنى، لأنها لا تشير إلى عمل
يمكن أداؤه للتحقق من صدق معناها المزعوم، ولا تكون الجملة بذات معنى إلا إذا أمكن
تحويلها إلى عمل؛ فكل جملة لا تدلك بذاتها
على ما يمكن عمله، بحيث يكون هذا العمل هو معناها الذي لا معنى لها سواه، تكون
صوتاً فارغاً مهما قالت لنا القواميس عن معانيها؛ فالفكرة الواضحة هي ما يمكن
ترجمته إلى سلوك، وما لا يمكن ترجمته على هذا النحو لا ينبغي أن نقول عنه إنه فكرة
غامضة وكفى، بل ليس هو بالفكرة على الإطلاق؛ وفيما يلي أمثلة لما نريد:
"الصلابة" في الجسم فكرة واضحة إذا كنت أعرف ماذا أعمل في الجسم لأتبين
فيه ما أسميه بالصلابة، كأن أحاول خدشه بأجسام أخرى كثيرة، فلا ينخدش، فأقول عندئذ
إنه "صلب" وأعد نفسي فهمت فكرة "الصلابة" فهماً
"واضحاً" لأنني عرفت ما نوع السلوك الذي أسلكه حين أريد ترجمة الفكرة
إلى عمل، أما إذا وصفت شيئاً بأنه "خير" أو بأنه "جميل" فلست
أعرف ماذا أعمل فيه بحيث يكون عملي هذا هو نفسه ما أسميه في الشيء
"بالخير" أو "بالجمال" وإذن فهاتان الكلمتان لا تدلان على شيء
إطلاقاً، لمجرد أنهما لا تدلان على سلوك محدد واضح يُعمل ليتبين به المعنى المراد؛
ومن ذلك ترى أن كل مناقشة في هل هذا الشيء خير أو ليس خيراً، جميل أو ليس جميلاً،
لن تؤدي إلى نتيجة، لأنها كلمات ليست دالة على سلوك، وبالتالي دالة على معنى.
صــ122
▬ بالفهم المشترك نعرف أن العالم المادي موجود، وأن فيه أناساً غيرنا، وأنه
قد لبث موجوداً عدة سنين إلخ، فليس بنا حاجة إلى ميتافيزيقا تبرهن لنا على ذلك،
هذا من جهة، ومن جهة أخرى فلو كان هنالك من المعرفة ما ليس يأتينا به "الفهم
المشترك" بفطرته ولا العلم بمشاهداته كالقول بخلود الروح مثلاً، فستعجز
الميتافيزيقا كذلك عن إمدادنا بهذه المعرفة، بعبارة أخرى: ما نعرفه عن طريق الفهم
المشترك والعلوم لا حاجة بنا فيه إلى الميتافيزيقا لتزيد من معرفتنا به، وما لا
نعرفه عن ذلك الطريق ليس في وسع الميتافيزيقا أن تحيطنا علماً به. صــ143
▬ [..] وإذن فنحن إذ نريد استبدال معلوم بمجهول، أعني حين نريد أن نضع اسم
شيء معين مكان الرمز "س" في دالة القضية، لتصبح قضية، فإننا نجد أنفسنا
إزاء حالة من ثلاث حالات ممكنة: (1) فإما أن نستبدل بالمجهول معلوماً يجعل القضية
صادقة. (2) وإما أن نستبدل بالمجهول معلوماً يجعل القضية كاذبة. (3) وإما أن
نستبدل بالمجهول معلوماً يجعل العبارة كلاماً فراغاً من المعنى. ففي دالة القضية
"س إنسان"، إذا وضعنا مكان "س" اسم العقاد، بحيث أصبحت
العبارة "العقاد إنسان" فإننا نحصل بذلك على قضية صادقة؛ وإذا وضعنا
مكان "س" إسماً لأحد أفراد الغوريلا، ولنفرض مثلاً أننا أطلقنا اسم
"شيتا" على فرد معين من أفراد الغوريلا، فقلنا "شيتا إنسان"
كانت القضية الناشئة قضية كاذبة، أما إذا وضعنا مكان الرمز "س" اسماً
لشيء ليس بين طائفة الأفراد التي يصلح وصفها بكلمة إنسان - صدقاً أو كذباً - فقلنا
مثلاً "الفضيلة إنسان" كانت العبارة كلاماً بغير معنى. صــ189
▬ إن قوانين المنطق يستحيل أن تتعارض مع الواقع، لأنها في ذاتها لا تقول
شيئاً عن الواقع؛ إننا بتطبيقنا لقوانين المنطق نستطيع أن نشتق عبارة صحيحة من
عبارة أخرى غير صحيحة، لكن المنطق وحده ليس هو الذي يقول عن العبارة الأولى أنها
صحيحة، لأن ذلك موكول إلى الخبرة وحدها؛ كل ما يستطيع المنطق أن يقوله هو أنه إذا
صدقت عبارة - أو مجموعة عبارات - وصفية، فلا بد أن تصدق كذلك عبارة وصفية أخرى هي
كذا وكذا..صــ214
1 التعليقات:
شكرا على المجهود.
إرسال تعليق