أسس وقواعد صنعة الترجمة (حسام الدين مصطفى)


• الكلام في أي لغة يتكون من وحدات هي الكلمات، التي تتراص إلى جوار بعضها وفق نسق تركيبي محدد، وتتخذ أشكالاً صرفية ونحوية وفق قواعد كل لغة.
• اللغة عبارة عن نظام صوتي وتركيبي ترتبط مكوناته بعلاقات استبدالية وترابطية.
• جوهر اللغة هو توصيل المعنى، وهذا العنى مهما كانت أداة توصيله هو الجزء الأساسي والأولي الذي ينبغي على المترجم ان يضعه نصب عينه.
• إن أنجح الترجمات هي ما تتم فيها "أنسنة النص"، أي التعامل مع النص من منظور كونه عملاً إنسانياً، فلا تقتصر الترجمة على ترجمة المعلومات فحسب، أو الأفكار وحدها، بل تنطلق إلى مجال أوسع هو ترجمة النص كعمل إنساني يعكس الفكر والتركيب النفسي البشري في كل جوانبهما.
• يُعد التحليل النفسي للكاتب واحداً من العمليات الأولية للترجمة..
• واقع الحياة البشرية يوفر نوعاً من الثقافة الإنسانية الكونية الجمعية يمكن من خلاله التغلب على هذه العراقيل التي تحول بين إتمام عملية الترجمة بصورة كاملة.
• إن عملية الترجمة تقوم على ركيزة أساسية وهي المواءمة بين المكونات اللغوية والثقافية في لغتي المصدر والهدف، وفي سبيل تحقيق تلك المواءمة قد يضطر المترجم إلى التضحية بأحد مكونات النص، أو قد تدفعه إلى التصرف في النص الاصلي بما يضمن إحداث نفس التأثير الذي سعى صاحب النص الأصلي لإحداثه لدى المتلقي.
• إن المعنى هو القضية الرئيسية التي تقوم عليها صنعة الترجمة.
• المترجم لا يقرأ من أجل نفسه، بل من أجل معرفة سمات رؤية المؤلف، لكي يمكن للمترجم نقل هذه الرؤية من خلال لغة الهدف.
• إذا حصر المترجم مفهوم ومعنى النص الذي يقوم بترجمته في دائرة معرفته الخاصة، فإننا لا نحصل على نص مترجم وإنما نص "مقولب" وفق خبرته ومعرفة المترجم.
• إننا لا نغالي إذا قلنا بأن المراحل الأولى للترجمة تتضمن أنشطة عقلية عصبية جسدية rotino-neuro-muscular activities ويتمثل ذلك في الأنشطة المرتبطة بالرؤية أو السمع، وبعدها الفهم والتحليل، ثم التفاعل..
• لا تترجم إلا ما تعرف، وتحب، وترغب في ترجمته.
==================================================
▬ [..] ومن ثم فلم يتفق علماء اللغة على تعريف واحد للغة! وذلك نظراً لإرتباط علم اللغة بعلوم عدة، منها علم النفس، وعلم الإجتماع، وعلم المنطق، والفلسفة، وغيرها، فكان كل عالم ينظر إلى اللغة من زاوية العلم الذي يعمل في ميدانه، ولعل من أشمل تعريفاتها التعريف القائل:"اللغة ظاهرة سيكولوجية - نفسية - اجتماعية ثقافية مكتسبة، تتألف من مجموعة رموز صوتية لغوية، اكتسبت عن طريق الإختبار، ومعاني مقررة في الذهن، وبهذا النظام الرمزي الصوتي تستطيع جماعة ما أن تتفاهم وتتفاعل"، ومن التعريفات التي لاقت نصيباً كبيراً من الإجماع ما يشير إلى أن الغة هي: (نظام من العلامات المتواضع عليها اعتباطاً التي تتسم بقبولها للتجزئة، ويتخذها الفرد عادة وسيلة للتعبير عن أغراضه، ولتحقيق الإتصال بالآخرين، وذلك من خلال الكلام، والكتابة). صــ12

▬ هناك من يظن أن اللغة إنما هي ذلك المحتوى اللفظي الذي يتضمنه الكلام الشفوي أو الكتابة التحريرية، لكن حقيقة الأمر أن اللغة هي كل معنى يقوم الإنسان بتوصيله إلى إنسان آخر بأي وسيلة من وسائل الإتصال، سواء كان النطق أو الكتابة أو الرسم او الإشارة، بل أحياناً قد يعبتر لغة حين يوصل الساكت من خلال سكوته وصمته معنى معين، لذا فإن وعاء اللغة أوسع بكثير مما قد يتخيل البعض، وجوهر اللغة هو توصيل المعنى، وهذا العنى مهما كانت أداة توصيله هو الجزء الأساسي والأولي الذي ينبغي على المترجم أن يضعه نصب عينه. صــ19

▬ [..] ويتضح لنا هذا بصورة جلية في الترجمة الشفوية، فحين يقوم المترجم بترجمة حديث منطوق، فإن تركيزه كله يكون منصباً على الصوت المنطوق، والذي يرسم صورة الكلمة في عقل المستمع، ويتحكم في اللفظ المنطوق عوامل عديدة منها: النبرة، ومستوى الصوت، وسرعة الإلقاء، والإيقاع والجرس، ونغمة الصوت، هذا فضلاً عن التعبيرات الوجهية، وفترات التوقف عن الكلام، وحركة اليدين والجسد، فكل هذه العوامل لها دور في صياغة معنى الكلمة، وأي خلل في إدراك هذه العوامل يؤدي إلى إحداث خلل ترجمي، وبفضل هذه العوامل يمكننا أن نستبين القصد والمعنى الحقيقيين للكلمة. صــ41

▬ لابد للمترجم أن يدرك أن هناك بُعداً نفسياً يكتنف الترجمة، وأن التعامل مع النص يتضمن تناولاً نفسياً، فعملية الترجمة ليست عملية مجرد نقل آلي يغيب عنه التفاعل النفسي بل إننا لو نظرنا إلى الإرتباط بين عملية الترجمة والنشاط النفسي المصاحب لها لوجدنا أن يتحقق على وجهين أولهما ما يتعلق بترجمة المحتوى النفسي للنص، وثانيهما التحليل النفسي للترجمة. إن هذه النقطة بالغة الاهمية وتعكس ضرورة تعاملنا مع النص، فمهما كانت طبيعة أو محتوى أو تخصص النص الذي نريد ترجمته، إلا أنه في البداية والنهاية عمل بشري يعكس التكوين النفسي لصاحبه، وقد يتعجب البعض من أن هناك علوم كالرياضيات مثلاً ينطبق عليها هذا القول، وهؤلاء يختصرون ترجمة النصوص العلمية - في الرياضيات مثلاً - إلى أرقام وعمليات حسابية، ويتساءلون أين تكمن النفس البشرية في الأرقام والعمليات؟!! وهؤلاء ينظرون إلى الأمر من أضيق جوانبه، فالترجمة ليست استبدال الأرقام الأعجمية بأخرى عربية، وإنما حقيقة الترجمة تكمن في تناول فكر واضع النظرية، وكيف وضعها، وتناول البعد الإنساني في إبداعه. صــ42

▬ قد يدور بخلد البعض أن حفظ كلمات، وتراكيب أجنبية هو أساس صنعة الترجمة!! وهذه الفكرة إنما تعكس سذاجة المنطق، وضيق الأفق، وعدم فهم حقيقة الترجمة، فلو أن الأمر بعدد ما يحفظ المرء من كلمات، لما احتجنا للبحث في علم الترجمة، ولا السعي لإكتساب مهارات صنعتها، واكتفينا بالقواميس والمعاجم، كذلك لو أن الأمر بعدد الكلمات والتراكيب التي يحفظها المرء، لاقتصر دور المترجم على استبدال الكلمات، والتراكيب في لغة المصدر بما يحفظه من كلمات وتراكيب بلغة الهدف، وهذا يدفعنا بعيداً عن المحتويات الأخرى التي يضمنها النص كالأفكار والسياق والأسلوب، بينما نجد أن دارس اللغة أو مستخدمها يهتم بإنشاء عبارات يمكن تقييم محتواها اللفظي والبنائي والنحوي، فإن المترجم معني بترجمة نصوص يمكن فهم محتواها ومضمونها، ودارس اللغة ملتزم بقواعد لغوية، بينما المترجم مقيد بسمات أسلوبية يسعى من خلالها توصيل مضمون النص بنفس الأسلوب الذي تمت صياغته به..إن مجرد حفظ الكلمات والتعبيرات الأجنبية لا يصنع مترجماً!! صــ51

▬ إن الإختلاف بين الترجمة الأدبية والترجمة العلمية إنما نتج عن الإختلاف بين طبيعة النصوص الأدبية والنصوص العلمية وطبيعة عمل ودور وغاية المترجم العلمي، فالمترجم الأدبي يسعى إلى خلق تأثير شعوري من خلال بيئة لغوية ذات صبغة جمالية، أما المترجم العلمي فيسعى إلى نقل عقلي لمفاهيم مجردة من العاطفة، والمترجم الأدبي يهتم بمحاكاة أسلوب المؤلف الأصلي أما المترجم العلمي فيهتم بترتيب أفكار النص حتى وإن أدت الصياغة إلى الإبتعاد عن الأسلوب الجميل. صــ73

▬ وفقاً لمعيار طريقة الترجمة: حيث تتنوع الترجمة بين ثلاث أنواع هي: 1) الترجمة الحرفية أو ترجمة اللفظ (word) : وهي هنا لا تعني استبدال كل لفظ في اللغة المصدر بلفظ آخر في اللغة الهدف (literal translation) ، بل تعني الإهتما بإيجاد ألفاظ في اللغة الهدف تعطي نفس معنى الألفاظ في اللغة المصدر مع الحفاظ على أسلوب الكلام، فيقوم على نقل نص من النصوص بحذافيره وحرفيته بدون تصرف في صيغه ومفرداته ومعانيه. 2) الترجمة التفسيرية أو ترجمة المعنى (meaning): وفيها لا يتم التركيز كثيراً على الألفاظ، وإنما على المعاني التي عبرت عنها ليقوم المترجم بعد ذلك بإعادة صياغة المعنى بإستخدام اللغة الهدف. 3) الترجمة المحاكية أو الترجمة الحرة (free): وهي ترجمة لا تهتم بالفاظ النص ولا المعنى الذي يعنيه، وإنما تعبر عن فهم خاص ومختلف، وبالتالي لا يجوز أن نطلق عليها ترجمة للنص الأصلي، بل الأولى أن نصفها بأنها تأليف. صــ74

▬ إن أولى المشكلات التي تواجه صنعة الترجمة أن يتم إسناد الأمر إلى غير أهله، وأن يدخل عالم الترجمة من لا درهم له فيها ولا دينار سوى بعض إلمام بلغة أجنية، والأمر لا يقتصر عند ذوي المعرفة السطحية والذين يفتقرون إلى المعرفة اللغوية الكافية، بل هناك أيضاً من يعمدون إلى الترجمة في صنوف من العلوم والفنون، أو لا علم لهم بها على الإطلاق مكتفين بقدرتهم على البحث في المعاجم والقواميس عن معنى الألفاظ، فيقومون بإستبدال الألفاظ في اللغة الأصل بما يرادفها من اللغة الهدف، فيكون الناتج نصاً مشوهاً يعكس جهل القائم بالترجمة، ومن بين الصعوبات التي قد يواججها المترجم عدم القدرة على فهم الدلالات اللفظية، وهناك أيضاً من المترجمين من يعانون من مشاكل أسلوبية، فتغلب على ترجماتهم ركاكة الأسلوب أو عدم توازنه مع أسلوب النص الأصلي، وهناك أخطاء تنتج عن ضعف الإلمام باللغة سواء كانت اللغة الأم أو اللغة الأجنبية، وهناك أيضاً من لا يفرق بين خصوصية أسلوب كل لغة، فنجده يخلط بين الأساليب المختلفة. صــ91

▬ ترتبط اللغة إرتباطاً وثيقاً بثقافة أهلها، وتعد مكوناً من ثقافة المجتمع، فاللفظ الذي يتضمنه النص يحمل دلالات ذات معنى محدد وفق لثقافة أهل اللغة، فمثلاً لفظ الرب والذي يُترجم إلى الإنجليزية بلفظ God ،فكثيرون لا ينتبهون إلى ضرورة التفرقة بين ألفاظ (رب) ، و (الله) و (إله)، وليس ذلك نابعاً من الدلالات الدينية لهذه الألفاظ فحسب، بل يمتد أيضاً للدلالة الثقافية التي فرضها الدين على اللغة، فالرب والإله عند أهل الإسلام عموماً والعرب خاصة له دلالات تختلف عن دلالات الرب والإله عن أهل المسيحية، أما لفظ الجلالة (الله) فلا مكافيء له في أي لغة أخرى غير عربية، لذا فإن ترجمته تتم من خلال الرسم الصوتي لمنطوقه. Allah، وهناك أيضاً لفظ "الخليفة" الذي يُترجم إلى Caliph بالإنجليزية وهو رسم لمنطوق اللفظ بحروف إنجليزية وذلك لأن مفهوم الخلافة غير معروف في الثقافة الغربية، ومثال ذلك أيضاً لفظ "الإمام" الذي يترجم إلى Imam وغير ذلك من الألفاظ المستمدة من الثقافة العربية والدين الإسلامي والتي لم يعرفها الغرب ولم يألفها في مجتمعه، والأمر هنا لا يقتصر على الابعاد الثقافية الدينية فحسب، بل يمتد إلى كافة النواحي المتعلقة بطبيعة الحياة والمأكل والملبس فأسماء الأطعمة والملابس وأجزائها تختلف - ولا شك - من ثقافة إلى أخرى. في المقابل فهناك مصطلح غربي صيغته الإنجليزية هي Girlfriend وهذا المصطلح غير معروف في أوساط الثقافة العربية، ولا يمكن ترجمته على أنه (صديقة أو خطيبة، أو عشيقة، أو خليلة) وذلك أن مضمون هذا المصطلح في الثقافة الغربية يتخطى علاقة الصداقة المعنوية إلى علاقة عاطفية جنسية في غالب الأحيان، وهذا بالطبع مستهجن وغريب في وصف علاقة بين شاب وفتاة في مجتمع تحكمه قواعد الدين الإسلامي والقيم والأخلاق العربية..صــ95

▬ هناك فرق بين الكلمة المنطوقة والتركيب النحوي للكلمة، فعلى سبيل المثال عند قولنا (القاموس) فهي تنطق كلمة واحدة، أما بالنسة للتركيب اللغوي فهي تتكون من كلمتين هما (ال) التعريف، و (قاموس)، والكلمة مستقلة في النظام اللغوي، فالكلمة لها قواعد صوتية تتعلق باول الكلمة كمنع الإبتداء بساكن، ويستخدم معها علامات الإعراب التي تقع في أواخر الكلمات، بينما الكلمة من الناحية الدلالية لا معنى لها على الإطلاق خارج مكانها في النظم والسياق. صــ109

▬ تتغير دلالة اللفظ وتتطور تبعاً لما يؤثر في اللفظ من عوامل تاريخية ونفسية وإجتماعية، فتكتسب ألفاظ معان ٍ جديدة، وتفقد ألفاظ أخرى دلالات أصلية فيها، أو تظهر الفاظ مستحدثة لتعبر عن دلالات لم تكن موجودة من قبل، وذلك لأن اللغة - كما أوضحنا سابقاً - كالكائن الحي في ذاتها، وترتبط بالإنسان وهو كائن حي ينمو ويتطور ويتغير وفق لعوامل الحياة المحيطة به، وهذا التغير قد يكون متسارعاً أو بطئياً وفق تسارع حركة التفاعل المعرفي واللغوي، فالمجتمعات تطرح ألفاظاً معينة في محتوى لغتها، وحين تتطور التفاعلات الإجتماعية تظهر دلالات جديدة، وكذلك عندما تختلط المجتمعات ببعضها البعض نتيجة لإنتقال الأفراد، كما أن الحاجات الإجتماعية والإقتصادية والسياسية تدفع إلى تكوين الفاظ جديدة، والتغير الزمني له دور هام في تغير وتطور الدلالة. صــ110

▬ إن المترجم الحصيف هو من يتعامل مع النص بالعناية الكافية، فأي تجاهل سيؤدي إلى قصور في الوصول إلى حقيقة المعاني والافكار التي يتضمنها النص المقروء، مما يؤثر سلباً على عملية الترجمة، وهو أيضاً من يدرك متى عليه أن يتوقف في رحلة البحث عن المعنى الظاهرة والخفي المحتوى النص المقروء، وأن لا يسعى إلى إحتواء المعاني التي حواها النص وفقاً لتجاربه الذاتية التي مر بها، وفي الوقت ذاته فإن طبيعة عمل المترجم تفرض عليه أن يكون قارئاً متعمقاً، وليس مجرد قاريء سطحي يكتفي بقشور الكلام، وإصدار الأحكام وتخيل المحتوى والأفكار وفق هواه، والمترجم الجيد قاريء جيد - ومستمع جيد - يتعامل مع النص حتى وإن كان مكتوباً، وكأنه صوت المؤلف ينقل إليه الأفكار والمعاني والمشاعر، وعليك أن ينصت بجدية وحرص حتى يمكنه فهم الرسالة التي تتضمنها النص. صــ170

▬ إن هناك علاقة وثيقة بين النص - سواء كان مكتوباً أو شفوياً - ومؤلفه - سواء كان كاتباً أو متحدثاً - ، فالنص هو مرآة صاحبه، تظهر من خلاله صورة لأفكاره، وقناعاته ومشاعره وثقافته، وهو آداة يعبر بها عن ذاته، ويوضح من خلالها رسالته التي يسعى إلى توصيلها للمتلقي - القاريء أو المستمع - ، لذا فإنه لا حاجة إلى العيش مع صاحب النص، ودراسة شخصيته وبيئته، بل إن النص يغني في أحيان عن ملازمة المؤلف وقضاء الوقت في دراسة شخصيته، لذا فإن من أهم الفوائد التي يقدمها النص للمترجم، أنه يعرّفه على صاحب النص الأصلي، وينقل له الكثير من صفاته وسماته الفكرية والشعورية. صــ184

▬ على المترجم أن ينتبه أيضاً لما يتعلق بالفوارق بين استخدام علامات الترقيم في لغة المصدر، واستخدامها في لغة الهدف، فكثيراً لا ينتبه المترجم إلى استخدام علامات الترقيم المناسبة عند قيامه بصياغة النص الهدف، فكثير من المترجمين لا ينتبهون إلى أنه ليس بالضرورة الإلتزام بوضع نقطة في نهاية كل جملة عند ترجمتها من اللغة الأوربية إلى اللغة العربية، وأن السياق العربي قد يتطلب استخدام فاصلة (،) بدلاً من النقطة (.) ، والأمر اللآخر يرتبط بعلامات الترقيم في أي لغة هو ملاصقة علامات الترقيم للكلمة الختامية في الجملة التي تنتهي بعلامة ترقيم، فكثير ممن يطبعون على برامج الكتابة الإلكترونية - وليس المترجم وحده - يقعون في هذا الخطأ، وعندما يتغير تنسيق النص تنفصل تلك العلامات عن الجملة المصاحبة لها، ويؤدي ذلك إلى تشوه النص، والتباس القراءة وربما صياع المضمون والقصد
. صــ190

▬ القراءة بوابة الترجمة وقاعدة هرمها، فعندما تقرأ يبدأ عقلك في التعامل مع العديد من المهام بصورة فائقة السرعة حتى أنك قد تظن أنها تتم بشكل تلقائي، فعندما تقرأ تطالع عيناك الأحرف والمقاطع والكلمات والجمل والعبارات، وهذه العملية أشبه بتلقيم البيانات للعقل، ليبدأ في التعامل معها واستيعابها، ومن ثم فإن أول شرط من شروط الترجمة الجيدة أن تقرأ النص بصورة جيدة، لكي تفهمه جيداً، وتسعى بعد ذلك إلى ترجمته عبر نص يمكن للمتلقي قراءته وفهمه جيداً، وهذا ما ينطبق أيضاً على عملية الإستماع حيث يتم تحويل الأصوات المفردة إلى تراكيب صوتية تحدد منطوق الكلمة، وتستدعي معناها المختزن في العقل، أو تدفع المستمع إلى البحث عن معناها، وكما هو الحال في القراءة فإن الأحرف المفردة كالأصوات المفردة لا تحمل أي معنى، وقد يمكنك أن تكون صورة عامة عن محتوى النص ومضمونه من خلال قراءتك - أو سماعك - لللفقرات الإفتتاحية منه أو بدايته. صــ195

▬ إن عملية الترجمة هي عملية أكثر تعقيداً مما قد يظن البعض، وهذه العملية تمر بعدد من المراحل هي القراءة، ثم الفهم، ثم المعالجة العقلية الداخلية، ثم الإنتخاب اللفظي، ثم التعبير الكلامي مكتوب أو منطوق، إن المترجم الذي لا يضع نصب عينيه خطة واضحة لترجمة النص، غالباً ما يكون عرضة للتشتت والضياع، بل وأحياناً الإنحراف والخروج عن قالب النص الأصلي لذا لابد للمترجم أن يضع فرضيات وخطط ترشده خلال رحلته مع النص المصدر، وأن لا يختصر مراحل عملية الترجمة، وعندما يشرع البعض في ترجمة نص ما فإنهم لا يستشعرون أن هناك ثم مراحل تمر بها عملية الترجمة، وذلك لأنهم يقومون بها بصورة تلقائية..صــ199

▬ أول نشاط يقوم به المترجم هو القيام بالترجمة البينية أو "البين سيميائية"intersemiotic" والترجمة البين سيميائية هي ترجمة نظام ذو علامات خاصة إلى نظام آخر مختلف في تكوينه وعلاماته، فعندما نقرأ الكلمات بصوت مسموع فنحن هنا حولنا المضمون المرئي (الحروف) إلى نظام منطوق (الأصوات)، أو كما تترجم أحرف الطباعة في جهاز الحاسب إلى لغة الآلة الإلكترونية، وما يحدث عندما نقوم بقراءة النص المراد ترجمته أو الإستماع إليه هو أننا نقوم تلقائاً بتحويل الكلمات المرسومة في الحروف أو الأصوات المسموعة للإلفاظ إلى معانٍ إدراكية مختزنة بعقولنا، ونقوم بتحويل الكلمات إلى مواد عقلية إدراكية، والأمر هنا يختلف عن "التخيل"، فهذه العملية ليست رسم صورة تخيلية، فالخيال قد يجعلنا نرسم شكلاً، أو نتصور حدثاً، أما المواد العقلية التي نقصدها هنا فنادراً ما تكون ضمن عملية التخيل، فنحن لا نتخيل الكلمات ولا الأحرف ولا الأصوات، فنحن هنا نتحدث عن ترجمة صيغة لفظية إلى صيغة عقلية أو العكس، ورغم تعقيد هذه العملية الأولية إلا أننا لا نستشعر حينما نشرع في القراءة كواحدة من مراحل الترجمة، ومهما كانت خبرة القاريء فإنه يمر بالمرحلة التي تحدثنا عنها بنفس الصورة التي يمر بها المترجم، وبعد هذه المرحلة تأتي مرحلة أخرى تتسم بطبيعتها التفسيرية، وذلك بان نسعى إلى تخمين أو استشعار المعنى، وفي ذلك تلعب شخصية الفرد دوراً هاماً في صياغة هذا المعنى. صــ200

▬ إننا لا نحتاج إلى كثرة الحديث عن أهمية المعاجم، والدور الذي تلعبه في حفظ وإثراء اللغة، فللمعاجم أهميتها الواضحة لدى الأمم المختلفة، إذ أنها الوعاء الذي يحوي اللغة وتراثها، ومن خلالها نعرف معنى ودلالات الألفاظ وتاريخ نشأتها، وتعريفاتها وجذورها، وتساعدنا في استنباط العلاقات بين الألفاظ، كما أن المعاجم ثنائية اللغة أو متعددة اللغات توفر لنا المقابلات اللفظية المختلفة، وللمعاجم وصناعتها علم خاص بها جعلها من أهم مجالات الدراسات اللغوية، وقد أسهمت المعاجم في تنشيط حركة الترجمة بين اللغات المختلفة، وكانت هي العون للمترجم في سبر أسرار ومعاني اللغة، والوقوف على دلالات الألفاظ، ومعرفة أوجه التمايز بينهما والفوارق بين استخدامات اللفظ الواحد، وفي ذات الوقت فإن الرتجمة ردت الجميل للمعاجم بأن أثرتها بالجديد من الألفاظ والمصطلحات - وهذا لا يقتصر على المعاجم العربية بل هو الحال في جميع معاجم اللغات المختلفة - ، وأسهمت في تطوير الصناعة المعجمية من خلال نقل أسس علوم هذه الصناعة بين اللغات المختلفة، وقد أظهر العرب تفوقاً في مجال العلوم المعجمية وصناعة المعجم..صــ260

▬ هناك خلط واضح في استخدام مصطلح (الترجمة الحرفية)، فهناك من يفهمها على أنها استبدال لفظي للكلمات في لغة المصدر بما يقابلها في اللغة الهدف، وأن يتم ذلك بطريقة أشبه بالمقابلة بين الألفاظ، ويرى أن هذا معناه ضرورة أن يكون عدد الجمل بل والكلمات في النص الهدف مساوياً - أو يكاد - لما هو عليه في اللغة المصدر، وهذا محض خطأ، وسوء فهم لمعنى هذا التعبير، والذي يشار به في الأساس إلى عدم التصرف في محتوى النص الأصلي، سواء من حيث ما يتضمنه من معان ٍ وأفكار أو من حيث محتواة الكمي فلا يتم حذف أو إضافة أي جزء للنص الأصلي. إن الترجمة الحرفية (أي الترجمة الكاملة للنص شكلاً ومضموناً)، يقابلها ما يُعرف بالترجمة الحرة، أو التي يقوم فيها المترجم بإجراء تغيير في المحتوى مع الحفاظ على المعنى. لذا فإن الأمانة التي نقصدها عندما نقول بأن المترجم إما أن يكون أميناً أو خائناً للنص الأصلي إنما تعني في جوهرها الدقة في نقل المعنى بما يضمن إحداث نفس الأثر الذي يتضمنه النص الأصلي. صــ305

▬ كذلك فمن بين الأسباب التي تؤدي إلى الوقوع في (خيانة النص)، أن تتم عملية الترجمة من خلال الإستبدال اللفظي أو ما يعرف باسم (ترجمة كلمة بكلمة)، فيقوم الناقل - ولا أقول المترجم - بإستبدال كلمات النص الأصل - كلمة كلمة - بكلمات أخرى باللغة الهدف، وهذه ليست (خيانة للنص) الاصلي بل هي (إهانة للنص) الأصلي، فمثل هذا النوع من أنواع النقل اللغوي لا يصح تسميته ترجمة، وذلك أنه يقوم على الإكتفاء بالإستبدال اللفظي دون الربط بينه وبين المعنى، وهذا يظهر بصورة واضحة عند التعامل مع التعبيرات الإصطلاحية والأقوال المأثورة وما شابهها..صــ307

▬ إن النجاح في أي مهنة مرهون بإخلاص صاحبها وجديته واجتهاده فيها، وصنعة الترجمة تتشارك مع غيرها من المهن في هذه الأسس التي لا غنى عنها لكل مهني، لكن ما يميز الترجمة عن غيرها من الصناعات أنها تقوم على استخدام العقل والذهن أكثر من الجسد والعضلات، فرأسمال المترجم وأدواته هي عقله وعلمه وفكره وشخصيته، لا ضخامته ولا قوته ولا سرعة حركته... لذا فإن طريقة تفكير المترجم وتقييمه لأدواته، وما يملكه لابد وأن تتميز عن غيره من أهل الصناعات والمهن والحرف الاخرى..صــ331

▬ المفتاح الذهبي لكنوز نجاح المترجم هو القراءة، فبها تزداد حصيلته المعرفية، واللغوية، والفكرية، والثقافية.. فالقراءة هي جولة وسط أفكار تأخذ شكل كلمات، وهي زاد لكل باحث عن العلم، ولا يمكن للمترجم أن يرتقي بممارسة ويصل إلى درجات الإجادة والتميز إن لم يكن قارئاً مطلعاً مثقفاً، فثقافة المترجم يستقيها من مصادر مختلفة، والقراءة أول هذه المصادر، وهي تصبغ أسلوبه وعمله بصبغة تجعله محل التقدير والإحترام، أما من يكتفي بما أجبر على تحصيله من علم لغاية دراسية، والحصول على شهادة، فإنه كمن يوثق قدميه بحبال ويريد ان يركض في سباق، ويكتب شهادة فشله كمترجم. صــ333


  • Digg
  • Del.icio.us
  • StumbleUpon
  • Reddit
  • RSS