الغيبوبة العربية (نبيل راغب)


• كأن من الطبيعي أن يقع العقل العربي صريعاً في الهوة العميقة والواسعة بين الضغوط الواقعية المتصاعدة والمتزايدة وبين الحتميات الفكرية التي يستحيل الهروب منها.
• الثروة العقلية لأية أمة؛ بصرف النظر عن حجمها، تمثل عملية إستثمار لجميع أنواع الثروات المادية، والتي لا تتم إلا من خلال العقل البشري بصفته الوسيلة الوحيدة التي يوظفها الإنسان في هذه العملية الإسثمارية القومية.
• إن معركة العرب الحقيقية ليست مع الآخر، ولكنها أولاً وقبل أي شيء آخر، مع الغيبوبة التي تجعل المنطقة العربية سفينة بلا دفة ولا بوصلة.
• إنها معركة لابد من أن نخوضها لتحرير العقل العربي من سجنه المعتم الخانق..
• إنها معركة لا مفر منها لأنه بدونها لن يستعيد العقل العربي منطقه الغائب المغيب..
• إن الغيبوبة العلمية ليست مجرد غيبوبة عن التعليم والعلم والتكنولوجيا، بل هي في حقيقتها غيبوبة عن العصر والحياة والوجود نفسه.
• من الطبيعي أن تؤدي الغيبوبة الإعلامية إلى غيبوبة ثقافية، لأن الإعلام هو القناة الكبرى لتوصيل الثقافة.
• وعن الغيبوبة السياسية وغياب الوعي السياسي فحدث ولا حرج..
• الديمقراطية في جوهرها هي تربية أولاً وأخيراً، وليست مجرد ممارسة سياسية كما يتصورها كثيرون.
• إذا كانت الدول العربية قد تخلصت من الإستعمار التقليدي المباشر والتبعية السياسية، فإنها ما تزال تعاني من التبعية الإقتصادية، وهي الإستعمار المُقّنَّع الجديد الذي تزداد ضرواته وخبثه وتعقيده بمراحل على الإستعمار التقليدي المعروف..
• الأمن العربي مهدد تماماً سواء من ضغوط خارجية أو صراعات داخلية..
• نظراً للغيبوبة الإدارية المطبقة على المنطقة العربية، لم يعد العرب يملكون تصوراً للمستقبل وملامحه وإمكاناته.
• تحت وطأة الديكتاتورية والقهر، تتجلى صور النفاق والكذب والإدعاء والإنتهازية والتملق والتسلق والخداع والمراوغة والزئبقية والزيف وغيرها.
• من المعروف أن الإنسان الحر الحقيقي يسعد بأن يرى كل الناس أحراراً مثله، وفي مقدمتهم رفيقة عمره بطبيعة الحال، أما الإنسان الذليل المقهور فلا يتوانى عن إهتبال أية فرصة سانحة لممارسة الإذلال والقهر على أي باس تلقى به المقادير في طريقه.
• إن الصراع العربي/الإسرائيلي هو صراع كيف وليس صراع كم، ومن هنا كان عنصر المبادرة في يد إسرائيل في معظم الصراعات التي خاضتها مع العرب إبتداء من عام 1948 على وجه التحديد.
• تتجلى الغيبوبة العقلية العربية في أن معظم الدول العربية تصر على توجيه الطالب التعليمية التالية أو للداراسات والتخصصات المهنية في المدارس الثانوية والكليات الجامعية والمعاهد العليا بناء على المجموع الكلي للشهادات العامة.
• من الواضح أن هذه الغيبوبة العربية العقلية كانت نتيجة مباشرة لإهدار الثروة العقلية على مستوى المنطقة العربية بأسرها، بحيث دخل العقل العربي في متاهات شاسعة وكهوف معتمة، لا يعلم احد متى يخرج منها سوى الله عز وجل.
• لعل من أهم سمات الغيبوبة العقلية عند العربي أنه اعتاد أن يبرر كل خيبة أمل أو حتى كارثة تحيق به، بمؤامرات ضده من أطراف مباشرة معروفة أو غامضة مجهولة.
• لعل من أخطر سلبيات العقل العربي أنه اعتاد ألا يجهد صاحبه، ولذلك فهو يستكين للأقوال المعسولة والشعارات الطنانة في غيبوبة متكاسلة لذيذة.
• كثير من المفكرين والمثقفين العرب لا يطيقون أن ينتقدهم أحد، برغم أنه يفترض فيهم أن يكونوا أول المرحبين بالنقد وتصحيحه إذا كان مُخطئاً أو الإستفادة منه إذا كان في محلة..
• إن النقد هو جوهر الفكر، والمحك أو الإختبار الحقيقي لموضوعية العقل ويقظته.
• العقل بدون ممارسة للنقد، هو مجرد مخزن للمعلومات والمعارف التي تظل كما هي إلى أن يعفو عليها الزمن وتتحول إلى حفريات أو قوالب صماء على أحسن الفروض.
• إن معركة العرب الحقيقية ليست مع الآخر، ولكنها أولاً وقبل أي شيء آخر، مع الغيبوبة التي تجعل الأمة كلها سيارة بلا محرك.
• الغيبوبة العلمية هي الوجه الآخر للغيبوبة العقلية، لأنه إذا غاب العقل عن الإدارك الواعي السليم، فإن الإنسان يعجز بالتالي عن تحصيل العلم أو استيعاب المعرفة أو ممارسة التكنولوجيا، أي الشروط اللازمة لأي تقدم حضاري وإزدهار ثقافي.
• المدرس الجيد، طبقاً للمفهوم العربي الشائع والراسخ، هو الذي يحضر درسه تحضيراً جيداً ويهضمه ويرتبه ويقدمه للتلميذ بطريقة واضحة سهلة وكأنه يحفظه إياه حتى لا يُبذل التلميذ أي جهد بعد ذلك. هذا هو التعريف العربي للمدرس الجيد حتى اليوم.
• إنها المدرسة التي تُخرِّج في أغلب الأحيان الموظف المطيع الروتيني الذي لا يجدد ولا يبتكر ولا يتعاون ولا يتفاهم ولا يتحمل المسئولية، وإنما يحافظ على التقاليد المتبعة ويحتمي بها في مواجهة أبسط المسئوليات.
• الثورات السياسية والإنقلابات العسكرية التي كانت بمثابة نكسات ونكبات متلاحقة اصابت المنطقة العربية في الصميم..
• وبصرف النظر عن أنظمة الحكم الرأسمالية أو الإشتراكية، فإن نجاح هذه أو فشل تلك، يتمثل في علوم الإدارة الحديثة ومدى الإستفادة العملية في مجال تطبيقاتها.
• لقد أدركت اليابان أن الإنسان هو الثورة القومية الحقيقية في نظر الثورة العلمية المعاصرة، وأن عقله هو خير مطور ومستثمر لهذه الثورة، وأن سلاحه في هذا الإستثمار هو أحدث ما بلغله العلم التكنولوجيا.
• إن هجرة العقول تعد من أخطر القضايا التي تواجه عملية البناء الحضاري في المنطقة العربية.
• العرب لا يقدرون العلماء إلا بالكلمات المعسولة، لكنهم لا يهتمون كثيراً بمستوى المعيشة اللائق بهم. ومن الصعب بل ومن المستحيل أن يواصل العالِم إنتاجه بل وإبداعه في حين أن ضرورات الحياة اليومية تستهلك أكبر قدر ممكن من جهده وفكره..
• لا يتبقى في المنطقة العربية سوى كائنات غريبة تتحرك على غير هدى وتواصل الوجود برغم أنها أتت من عصر انقرض.
• إن علاقة العرب بالتكنولوجيا علاقة شائكة وحرجة للغاية، خاصة في زمن تتطور فيه التكنولوجيا بسرعة قياسية لم يعرفها أي عصر من قبل.
• إذا كانت العبودية بكل أشكالها التاريخية القديمة قد اندثرت مع ثورات التحرير عبرا لعصور، فإن هذا العصر الإلكتروني ينذر بأنواع أخطر وأكثر تعقيداً من العبودية التقليدية، وفي مقدمتها العبودية التكنولوجية.
• إن شر البلية ما يضحك عندما ندرك أن العرب صدروا إلى خارج منطقتهم علماء من طراز أحمد زويل وفاروق الباز ومجدي يعقوب. وغيرهم ليستوردوا في الوقت نفسه تكنولوجيا قد لا يلائم خصوصيتهم  الأقليمية والثقافية.
• إن معظم كليات ومعاهد العلوم تركز على تدريس العلم في حد ذاته بحيث يغلب الجانب النظري على الجانب العملي، مما يعزلها عن التكنولوجيا التي تدرس بدورها في معاهد خاصة.
• لا يزال العرب يظنون أو يعتقدون أن المثقف هو مجرد جامع أكبر قدر ممكن من المعلومات، وهذا ليس بالشيء الغريب على بشر لا يزال بعضهم يعتقد أن التكنولوجيا هي المهارة اليدوية التقليدية كما كان الإعتقاد السائد في العصور السالفة.
• إن الإعلام المتحضر الناضج يتجاوز عملية الإختيار بين الأبيض والأسود لأن بينهما درجات من الألوان والظلال لا حصر لها، ومتداخلة فيما بينها بحيث تحتاج إلى رؤية علمية وعقلانية وموضوعية لتحديد المسارات التي يمكن أن تؤدي إلى تحقيق أهداف.
• بالرغم أن فضيحة الإعلام العربي في حرب يونيو 1967 كانت مدوية، إلا أن الصدأ الإعلامي ظل على ما هو عليه، كأن الدروس المستفادة لم تكن.
• إنه وبلا جدال فإن الإعلام الأمريكي أصبح الرائد الذي لا يشق له غبار في مجالات التضليل الإعلامي سوا للشعب الأمريكي على وجه الخصوص أو الشعوب الأخرى على وجه العموم.
• أصبح العرب في حاجة ملحة لما يمكن تسميته بثورة ثقافية حقيقية، وهو حلم يبدو بعيد المنال، لأن مفهوم العرب للثورة لم يتعد الإنقلابات العسكرية التي مزقت المنطقة العربية والتي أطلق عليها مصطلح "الثورة" في حين أنها لا تمت إليه بأدنى صلة.
• إن معظم إشكاليات وتخبطات وتناقضات المثقفين العرب ترجع في الأساس إلى الإختلاف حول المصطلحات والمفاهيم بحيث تختلف معانيها أو دلالاتها من جماعة إلى أخرى، بل ومن فرد إلى آخر، سواء بشكل واع أو لا واعٍ.
• المثقف هو الذي ينشيء المفاهيم والنظريات والمداخل التي من خلالها يتمثل الواقع أو الخلفية التي برزت فيه الأزمة، والتي تنتقل إلى الذهن بصورة مجردة وبالتالي يمكن التعامل الموضوعي المتسق معها على هذا الأساس.
• إن هؤلاء العرب المستغربين الكارهين للغرب يشنون على الغرب حملة شعواء على المستوى الثقافي والعلمي نتيجة لدوافع سياسية في المقام الأول وليست لها علاقة بالمستويات الثقافية والعلمية.
• ان المشكلة المزمنة في المنطقة العربية مشكلة تعليلمية وعلمية وثقافية بالدرجة الأولى.
• إن الغيبوبة الحضارية أصبحت من الأمراض المزمنة التي يعاني منها العقل العربي، بدليل أنها تعاوده من عصر لآخر بحيث تبدو فترات الصحوة أو اليقظة ومضات عابرة لا تلبث أن تنطفيء.
• إنه من أجهل الجهل وأخطأ الخطأ أن يُقال إن هذه الحضارة (الغربية) المادية قد صدرت عن المادة الخالصة. إنها نتيجة العقل. إنها نتيجة الخيال. إنها نتيجة الروح. (طه حسين - كتاب مستقبل الثقافة في مصر).
• سواء أكانت الغيبوبة العربية سياسية أم اقتصادية أم أمنية أم إعلامية أم علمية أن تكنولوجية أم قومية أم مستقبلية، فكلها تصب في النهاية في مجرى الغيبوبة الحضارية التي تغرق المنطقة بين طياتها.
• إستيعاب التاريخ ليس مجرد معرفة واستذكار أحداثه ومواقفه ومراحله، ولكنه الوعي بقوانينه وفي مقدمتها قانون السبب والنتيجة.
• لقد ثَبُتَ لعلماء الحضارة وكبار المؤرخين أنه لا يوجد عبر التاريخ بما يسميه صامويل هانتنجتون "صدام الحضارات"، لأن العلاقة بين الحضارات كانت دائماً علاقة تقبل واستيعاب وهضم...
• العقلية العربية تعشق النمطية والتوحد والتماثل والطاعة العمياء وروح القطيع على كل المستويات التعليمية والثقافية والفكرية والسياسية والإجتماعية والأخلاقية والإدارية والإعلامية، برغم تشدق العرب بحكمة المثل العربي الشهر:" الإختلاف لا يفسد للود قضية".
• كل شعوب العالم تعيش حاضرها وتكافح من أجله،  إلا الشعوب العربية التي تعيش حاضرها بأحلام ماضيها..
• من الخطأ الشائع أن يميل الكُتَّاب والمفكرون والمثقفون إلى تصوير المواطنين على أنهم ضحايا السلطة، وكأنهم قطيع يتحرك ويسلك طبقاً للإرشادات الواردة من عصا الراعي.
• لقد حل القرن الحادي والعشرون ولا يزال العرب يستمعون إلى الشعراء الذين يتشنجون ويصيحون بقصائد الفخر والحماسة وجنون العظمة وأوهام الغرور وأكاذيب الرضى عن النفس...
• العرب لا يحاولون دراسة الطرف الآخر وفهمه على حقيقته، بل يهرعون دائماً إلى رسم صورة له على هواهم، ثم يتعاملون معه بناء على هذه الصورة المفتعلة أو الوهمية فتطيش سهامهم.
• إن من أخطر العقبات والعوائق التي تقف بالمرصاد لأية محاولة للإصلاح، الفجوة أو الهوة الواسعة والعميقة التي تفصل بين النخب السياسية والوقاعد أو القوى الشعبية.
• إن مشكلات المنطقة العربية عويصة، ومزمنة، ومع ذلك لم يحدث أن وضع حزب برنامجاً ضخماً لحل إحداها والتخلص منها.
• إن الشهادة الجامعية أصبحت من مستلزمات الوجاهة الإجتماعية، وليست أسلحة الدراية العلمية وأدوات الخبرة العملية.
• إن الإصلاح السياسي بكل أنواعه يبدأ بالإنتقال من المجال النظري المريح إلى الميدان العملي المرهق، فالأمم لا تُبنى بالأقوال لأنها تنهض على الإنتاج في شتى المجالات.
• إن المنطقة العربية تُعاني من ثغرات خطيرة تتمثل في نقص الحريات السياسية، وهزال القدارات والمعلومات والمعرفة، وغياب المرأة المساهمة في بناء مجتمعها...إلخ.
• إنهم (العرب) اعتادوا أن يضعوا الخنجر المسموم في يد عدوهم ثم يستديرون ليطعنهم في ظهرهم لأسباب لا يمكن تبريرها إلا بالغيبوبة التي طمست عقولهم وقلوبهم لدرجة أنهم فقدوا القدرة على التميز بين تدمير أعدائهم وتدمير أنفسهم.
• من الواضح أن قضية التعليم كبنية أساسية وضرورية لإقامة النظام الديمقراطي الصحيح عليها، كانت هي بيت الداء الذي أدى إلى كل أنواع الغيبوبة الديمقراطية المستمرة حتى الآن.
• إن جوهر الديمقراطية يتبلور على حقيقته الناصعة عندما تصبح الدولة تعبيراً عن إرادة المواطنين، ولذلك توفر لهم المجتمع السياسي الذي يتيح لهم فرصة المشاركة بالفكر والفعل في بنائه وترسيخه وتطويره.
• تتجلى محنة المواطن العربي في معظم الدول العربية في أنه مطالب بتأدية ما عليه من واجبات، وإذا تقاعس عنها فالعقاب في إنتظاره، أما حقه في الحصول على مقابل لهذه الواجبات فمؤجل دائماً، حتى لو سعى في سبيل ذلك.
• إن الحضارة هي التي تصنع الثروة، وليست الثروة هي التي تصنع الحضارة، ولذلك فإن أغنياء الصدفة أو الثروة القدرية يأخذون من الحضارة مظاهرها البراقة الخادعة التي تزول بمجرد زوال الثروة.
• إن ما يفعله قادة العرب اليوم شبيه بما فعله ملوك الطوائف في الأندلس بالأمس، في حين تتربص بهم إسرائيل في يقظة لا تعرف الغفلة لحظة واحدة.
• إن تخلف الأغنياء كارثة، هم أول من سيدفع ثمنها، أما تخلف الفقراء فيمكن أن يكون حافزاً لهم على التخلص من الفقر.
• الغيبوبة الإقتصادية أدت بالعرب إلى إدمان الإعتماد على الغير، فلم يدركوا لذة الكفاح على كل الجبهات من أجل الإزدهار الإقتصادي، طالما أن باطن الأرض لا يتوقف عن التدفق عليهم بثرواته.
• لقد أصبحت قدرة العرب على المواجهة بالجيوش شبه معدومة منذ الربع الأخير من القرن العشرين، حين تقدمت التكنولوجيا العسكرية إلى آفاق لم تكن في الحسبان.
• تدل تجارب الشعوب في التاريخ على أن النجاح العلمي والإقتصادي في شتى مجالات الإنتاج والإستثمار هو الركيزة الأساسية للوصول إلى الثقة بالنفس وبالتالي الثقة بالهوية الجماعية.
• إن الغيبوبة القومية العربية هي التي جعلت الجامعة العربية مجرد مبنى وإجتماعات وقرارات لا تنفذ، وبيانات ليس لها أي صدى على المستوى المحلي والعالمي..
• لقد أثبتت التجارب العلمية والسياسية والإقتصادية والفكرية والثقافية والحضارية التي مر بها البشر في العصور الحديثة، أن الإدارة كعلم وفن ومنهج وتقنية تشكل منظومة أيديولوجية وحضارية شاملة قادرة على استيعاب كل طموحات وأفكار وخطوات الإنسان بصفة فردية والمجتمع بصفة عامة.
• الإدارة في معناها الجوهري هي إعمال العقل في تسيير دفة الأمور، وعندما تتوقف عن القيام بهذا الدور الضروري والمصيري والحضاري، خاصة إذا كانت على مستوى القمة السياسية، فإن الأمة كلها تصبح بلا عقل ويمكن حينئذ أن تقع أية كارثة أو نكبة.
• تصل الغيبوبة النسوية إلى ذروتها عندما تسلم المرأة بهذه المفاهيم (أي التي تروج لها الشعوب العربية المتخلفة) دون مناقشتها أو تحليلها أو الرجوع إلى أصولها وأسبابها. والمرأة بهذا النمط المغيب والسلبي لا يمكن أن نتوقع منها أية مشاركة في الحياة السياسية.
• لقد آن الأوان لكي يدرك العرب أنهم فشلوا في امتلاك ماضيهم كما فشلوا في امتلاك حاضر الآخرين، لأن التخلف والتقدم لا يقاسان بما يملكونه من أدوات قديمة أو حديثة، وإنما يقاسان بإمتلاك المعارف والمواهب التي أنتجت هذه الأدوات، أي بإمتلاك روح الخلق والإبتكار.
• لم يتوقف الحراك اليهودي عبر التاريخ، إذ كان ينتقل من مرحلة إلى أخرى، وكأن هناك استراتيجية خفية تحكمه، لأنه كان أبعد ما يكون عن أية عوامل عفوية أو تلقائية.

====================================================
▬ لقد تكالبت على العقل العربي سلبيات ثقافية وحضارية وإعلامية وعلمية وسياسية واقتصادية وأمنية وإدارية وأخلاقية وقومية، شكلت منظومة مدمرة لمعظم طاقاته، ففقد القدرة على التحليل الموضوعي، والتفكير المنطقي، والمنظور النقدي، والإستيعاب المتأني، وأصبح نهباً للإنفعال الطائش، والتعصب الأعمى، والأفق الضيق، والطاعة العمياء، والوعي الزائف، وغير ذلك من السلبيات والتناقضات التي تجعل المجتمع بمثابة خلية من الشخصيات التي يتسم فكرها وسلوكها بالخضوع والخنوع والعجز والسلبية والخوف والتردد والإنسحاب والكذب والنفاق والرياء والتواكل والتكاسل وعدم الثقة في النفس أو القدر على إتخاذ القرار وسهولة الإنقياد، خاصة في مواجهة المسئول الكبير القوي. أما في مواجهة الأضعف أو الأقل في الدرجة الوظيفية أو الطبقة الإجتماعية، فهي كتلة من التحجر والتصلب والتسلط بل والبطش إذا سنحت الفرصة. صــ14

▬ إن معركة العرب الحقيقية ليست مع الآخر، ولكنها أولاً وقبل أي شيء آخر، مع الغيبوبة العقلية التي تجعل المنطقة العربية سفينة بلا دفة ولا بوصلة، إنها معركة مصيرية مع العدو الخبيث المراوغ القابع في أعماقنا، مع العقل الذي فقد الإتجاه والرؤية والمنطق، وقادنا إلى السراب والوهم والضياع، فأصبحنا في عيون العالم مجرد مخلوقات غريبة تسير على غير هدى، تتراوح صرخاتها بين جنون الإضطهاد وجنون العظمة. إنها معركة لابد أن نخضوها لتحرير العقل العربي من سجنه المعتم الخانق، وتؤسس لأجهزة التربية والتعليم دورها التنويري والحضاري المنشود، وتعيد للفكر والفن والسياسة والإقتصاد والإجتماع والإعلام وغيرها من مجالات الحياة المعاصرة أدواراً ومسئوليات أصبحت ضائعة، ومتميعة، ومبعثرة، وشائهة، بحيث صرفت نظر الدارسين أو المحللين العرب عن أن يبلوروا ملامحها الهلامية يأساً من صعوبة المهمة التي تبدو مستحيلة في حالات كثيرة. ومع ذلك فهي معركة لا مفر منها لأنه بدونها لن يستعيد العقل العربي منطقه الغائب المغيب. صــ19

▬ لا يزال العرب يعانون من لبس أو خلط شديد بين مفهوم الحضارة ومفهوم الثقافة، وتضاعف هذا الخلط مع إنتشار تيارات العولمة التي إستخدمتها القوى العظمى في فرض ثقافتها على العصر بإعتبارها الثقافة العالمية السائدة، وبالتالي في مواكبة أو متجانسة مع عالمية الحضارة المعاصرة، خاصة في إطار أكذوبة صدام أو صراع الحضارات التي نادى بها المفكر الأمريكي صامويل هانتنجتون في كتابه الشهير الذي يحمل نفس الإسم. وهي أكذوبة لأنه لا توجد سوى حضارة إنسانية واحدة، قد تُسمى بالحضارة الغربية أو العلمية أو التكنولوجية أو الإلكترونية أو الرقمية أو أي إسم آخر، لكنها في النهاية حضارة واحدة ملك البشر جميعاً...صــ22

▬ كانت الغيبوبة النسوية نتيجة للغيبوبة الديمقراطية لأنه تحت وطأة الطغيان والبطش والديكتاتورية، يتساوى الرجل مع المرأة في تجرع كؤوس الذل والهوان. لكن نظراً لأن المجتمع يعتبر ممارسة الرجل لحق السيادة أو السطوة على المرأة أمراً بدهياً لا يحتاج إلى تأكيد أو جدل، فإنه يحرص عليه ولا يفرط فيه أبداً لأنه يمنحه تعويضاً مجانياً عن الذي الذي يواجهه خارج المنزل. وخاصة أن المرأة في معظم الأحيان لا تملك السلاح أو القدرة التي تحافظ بها على كيانها وكرامتها في مواجهته. صــ26

▬ تتجلى الغيبوبة العقلية العربية في أن معظم الدول العربية تصر على توجيه الطالب التعليمية التالية أو للداراسات والتخصصات المهنية في المدارس الثانوية والكليات الجامعية والمعاهد العليا بناء على المجموع الكلي للشهادات العامة. وهذا أسلوب متخلف وضيق الأفق وغير تربوي إذ أثبتت الأبحاث العلمية فشله وعجزه عن تحديد مسارات التفوق التي يمكن أن تصل إلى مستوى العبقرية، وذلك بالإضافة إلى تسببه في تبديد عائد تكلفة العملية التعليمية التي تعد عملية استثمارية قومية وحضارية من الطراز الأول، وليست مجرد حشو العقول بمعارف ومعلومات قد تكون منفصلة تماماً عن الوظيفة التي يؤيدها حاملها في حياته العملية. ذلك أن المواهب والميول هي المؤشرات التي تحدد للفرد طبيعة المجالات العامة والخاصة التي يحبها والتي قد تكون خافية عليه شخصياً نتيجة للضغوط الإجتماعية التي تشوش عقله وفكره، خاصة عندما تصل الغيبوبة العقلية قيمتها بربط الشهادة العلمية أو الجامعية بالطبقة الإجتماعية التي يحلم صاحبها بالإنتماء إليها، أي أنها في حقيقتها شهادة جدارة إجتماعية أكثر منها شهادة جدارة علمية. صــ35

▬ يجب أن تتعلم الشعوب العربية أن الحكومات لا تملك خاتم سليمان أو مصباح علاء الدين، ولو لجأ إليها العلماء والمفكرون والمثقفون لإنجاز مهمتهم الحضارية، فسوف يضلون الطريق في دهاليز البيروقراطية، وقد يعجزون عن الخروج منها، ذلك أن البيروقراطية هي في جوهرها مجرد تعويق وتعجيز. والشعوب والمجتمعات المدنية والجمعيات الأهلية هي التي تصنع النهضة وليست الحكومات التي تنهض أبنيتها على الموظفين البيروقراطيين، والتي تتغير وتتبدل لأنها مجرد أدوات في أدي الشعوب التي تخرجها من السلطة إذا وجدتها عاجزة عن تلبية احتياجاتها. صــ51

▬ يبدو أن الغيبوبة التي أصابت العقل العربي بضيق الأفق، قد عودته على النظرة الجزئية للأشياء، أي أنه أصبح عاجزاً عن ممارسة "نظرة الطائرة"، وهي النظرة أو الرؤية التي تجعل الطائر يرى تفصيلات الأشياء في مجملها من أعلى الشجرة، بحيث يستطيع أن يختار الجزء المناسب لما يريد، وينقض عليه ليقتنصه في المكان والوقت المناسبين. أما العقل العربي فمحروم من هذه الرؤية الشاملة التي تمكنه من استيعاب الموقف في كليته، سواء على مستوى المكان أو الزمن، لأنه يبدأ بالجزء ثم يدور في فلكه لأنه لا يدرك سواه.. صــ73

▬ إن تربية العقل النقدي ليست سهلة وفي حاجة إلى جهد كبير ووقت طويل على مستويات عديدة، لكنها ضرورة حتمية لا مهرب منها حتى يستطيع العرب أن ينضموا إلى عصرهم بدلاً من الحياة الباهتة على هامشه، وأن يصبحوا قوة لها وزنها في الحسابات الإستراتيجية الدولية. فهذا العقل النقدي ليس أسير اللحظة الراهنة مثل العقل التبريري، لأن خلفيته الفكرية والثقافية تسلحه بالرؤية التاريخية التي تضع الواقع الراهن في مساره الصحيح، وبالموضوعية في رصد الحقائق والمواقف والأحداث، وبالقدرة على استخلاص الدلالات وتلمس التوقعات والإحتمالات التي قد ينطوي عليها المستقبل، وإدارك العلاقات الجدلية والتفاعلات الجارية بين الأسباب والنتائج، بين الوسائل والغايات، بين الوثابت والمتغيرات، بين الدوافع والظواهر. إنه عقل يعتمد أساساً على التحليل ثم التركيب والتأليف بهدف الإبتكار، ويرفض أية منظومات فكرية تنهض على المحاكاة أو التلفيق أو التبعية. صــ77

▬ وما جرى لألمانيا وفرنسا وغيرهما من الدول الأخرى، هو قاعدة حضارية وفكرية قابلة للتكرار إذا ما توافرت لها الظروف. وقد قننها المؤرخ البريطاني أرنولد توينبي، في كتابه الموسوعي الشهير "دراسة للتاريخ"، وفي نظرية عرفت بإسم نظرية "التحدي الحضاري"، أثبتت فيها أن كل التحولات الحضارية والفكرية التي مرت بالبشرية كانت نتيجة لتحديات غير عادية، كان عليها أن تواجهها وتقهرها ثم تتجاوزها إلى آفاق  عصور جديدة. ولم تكن نتيجة للرخاء أو الثراء أو الرفاهية الغامرة التي يمكن أن تؤدي إلى التراخي والتكاسل والدعة، ومما يؤدي إلى نتاج قد تكون سلبية أو حتى مدمرة. ولذلك كانت أهم النظريات والأفكار، والدراسات السياسية والإجتماعية، والمدارس الفكرية والفنية والأدبية، تجليات جديدة انصهرت في بوتقة المحنة القومية التي فتحت أذهان المفكرين والمثقفين والفنانين على حقائق مذهلة، وجعلتهم يتساءلون عن جدوى العقل السائد الذي قادهم إلى المحنة. صــ79

▬ هذا الواقع العربي البائس، أفرزته غيبوبة عقلية مسحورة، عمياء، لا بصر لها ولا بصيرة، تلفيقية لا تنطوي على أي اتساق منطقي، ترى ما تود أن تراه، وليس ما يتجلى للعيان، وتبصره الأبصاء، وتدرك كنهه البصائر. إنها عقلية ليس لها مثيل في التاريخ المعاصر في إصرارها على تجاهل الفساد، والتخلف، والجهل، والأمية، والتسلط، وغياب المجتمع المدني، والتبعية، وحاجتنا الماسة إلى الغرب، وإعتمادنا الكلي عليه. نتجاهل كل هذا بمنتهى البساطة، ونطلب من الآخرين العون كل صباح، لنشتمهم في المساء والسهرة، ونحن نظن أننا نخدعهم ونستهين بذكائهم على سبيل الإستمرار في أوهامنا التي أدمناها. إنها مفارقة كريهة وليدة هذه العقلية المريضة القادرة على طمس معالم الواقع وإنكاره كأنه غير موجود لنفسح مكانه لأوهامنا التي تزين لنا أننا أنداد للآخر لدرجة تحديه والإختلاف معه برغم تبعيتنا الفعلية له في معظم مناحي حياتنا. صــ84

▬ لقد أصبح العرب أهل الكهف الجدد وهم يتفرجون على ما يجري في الدنيا من تغيرات وتحولات مذهلة، خاصة في مجالات العلوم والتكنوجيا الحديثة، دون أن يكونوا شركاء في إنتاجها، أو حتى مجرد جزء من البيئة التي اندلعت فيها هذه الثورة العلمية. ولكي يغري العرب أنفسهم كعادتهم، فإنهم أكثروا الحديث عن توطين التكنولوجيا الحديثة في المنطقة العربية، لكن مفهومهم لهذا التوطين اقتصر على أن هذا التطور العلمي المذهل ليس سوى "صيغة" أو "صفة" لا تحتاج منهم إلا أن ينسخوها من أصحابها، ثم يعودوا بهذه النسخة إلى بلادهم لتطبيقها. وهكذا بهذه البساطة الساذجة، يتصورون أو يتوهمون في غيبوبتهم أنهم أصبحوا جزءاً من العالم المنطلق علمياً وتكنولوجياً إلى آفاق عصر جديد وختلف تماماً عما سبقه. صــ93

▬ كأن العرب ألعوبة أو كرة تحاول كل قوة اقتناصها من الأخرى في ملعب السياسة الدولية، مما منحهم وهماً كاذباً بأهمية متزايدة لوزنهم السياسي والإقتصادي الذي تتكالب عليه القوتان، ولم يدركوا أنهم كانوا مجرد أدوات أو وسائل لأهداف استراتيجية خفية لا تخطر لهم ببال. وكعادتهم تابعوا السباق بين القوتين كمتفرجين بين شد من هذه وجذب من تلك، مما صور لهم أنهم لاعبون مشاركون في المباراة في حين أن دورهم لم يتعد دور الكرة التي تتبادلها أقدام الفريقين الكبيرين. صــ99

▬ لم تدرك الدول العربية - كعادتها في غيبوبتها المزمنة - أبعاد الثورة العلمية التي يخوضها العالم المتحضر الآن، لأن مفهومها عن الثورة مازال محصوراً في إطار الإنقلابات والشعارات والهتافات والتشنجات والصراعات العقيمة التي تنحدر بها إلى هاوية لا قرار لها. إن عالم اليوم يعيش عصر الثورة العلمية، وثوار اليوم هم العلماء في معاملهم، والخبراء في مراكز أبحاثهم، والاساتذة في قاعات محاضراتهم، والمؤلفون في كتبهم ودراساتهم، والفنانون والأدباء في إبدعاتهم، والمفكرون والنقاد والمثقفون الذين يطورون عقل أمتهم بالفكر والفن والثقافة. صــ101

▬ أما الكفاح السياسي العربي فقد اقتصر على إجترار الماضي والتغني بأمجاده، والإشادة بإنجازات السلطة التاريخية في أجهزة الإعلام الحكومية، وإيراد الحجج الدامغة والبراهين الساطعة التي لا يجرؤ أحد على دحضها لتأكيد صحة توجه هذا البلد أو ذاك، وكأن تقدمنا العلمي والحضاري كلام في كلام دون بادرة مبشرة بعمل إيجابي حاسم. وهي كلها قضايا وهمية يمكن أن يصل الخلاف حولها إلى آفاق قد لا يمكن التنبؤ بها، مما يبرر وجود الحسم السلطوي الديكتاتوري الذي يوقف تطور الخلاف عند حد معين. صــ106

▬ إن إنتشار روح الخرافات والخزعبلات والدجل والشعوذة في المجتمع كفيل بأنه يجعل مركز العلماء والمفكرين حرجاً للغاية ومحبطاً لهم، إذ يشعرون أن وجودهم نشاز في مواجهة النغمة العامة التي يعزفها المجتمع المتخلف الذي تساعد أجهزته الإعلامية على ارتفاع نغمة الخرافات والخزعبلات بلا حرج أو حساسية أو خجل. فكثيراً ما نسمع أو نقرأ عن الأرواح التي تحطم أثاث الشقق المغلقة لسفر ساكنيها، والأشباح التي تطير في الخفاء وتفعل الأعاجيب، والعفاريت التي تأتي من الماضي السحيق لكي تظهر سرها الباتع في الحاضر. وإذا كان العالم المتحضر يصدر كتباً عن هذه الموضوعات، فذلك من باب التسلية والطرافة والإثارة لأن كيانه الحضاري ينهض أساساً على منهج علمي عقلي راسخ. صــ113

▬ لقد بلغت بنا العتاهة حداً جعلنا نطلق على بعض الكليات مصطلح "كليات القمة" مثل الطب والهندسة والصيدلة والإعلام لمجرد ارتباطها بالقيمة الطبقية أو الإجتماعية التي تضيفها على خريجيها. وهذا المصطلح يعني ضمنياً أن هناك معاهد أو "كليات القاع" مثل العلوم والزراعة والتكنولوجيا والحقوق والآداب!! وهي مصطلحات تتناقلها أجهزة الإعلام والصحافة العربية كما لو كانت من حقائق العصر، إذ حتى العلم أصبح رهين الوجاهة الإجتماعية والمظاهر الكاذبة!!. صــ128

▬ إن التقدم في العلم والتكنولوجيا لا يتحقق بمجرد إنشاء مؤسسات للتعليم أو مراكز للبحث العلمي أو إرسال بعثات إلى الخارج، وإنما يزدهر العلم والتفكير العلمي والإنجاز التكنولوجي في مناخ من الحرية: حرية البحث، وحرية تبادل الأفكار والخبرات والتجارب، ودراسة المشكلات في مراكز البحث العلمي بغير قيود، وتوفير الإمكانات والإحتياجات الضرورية للمنظومة العلمية والتكنولوجية بمختلف فروعها، وإتاحة الإستقرار المادي للعاملين فيها، والحرص على إستقلال مؤسسات هذه المنظومة من خلال إستيعاب علوم العصر والإستفادة من العملية منها في تطبيقاتها على الواقع. فلم تعد المعرفة عي القدرة على التخزين، بل هي القدرة على الوصول إلى المعلومات المجمعة وإستخراج المطلوب منها، تليها مرحلة التدريب على الفهم ثم التحليل فالشرح. صــ132

▬ لم يعد أمام العرب سوى أن يختاروا بين خيارين لا ثالث لهما، بين اليقظة والغيبوبة، بين التقدم والتخلف، بين العلم والجهل، بين التعلم والأمية، بين المصداقية والخداع، بين الإنطلاق والتراخي، بين التخطيط والعشوائية، بن التوكل والتواكل، بين الصراحة والمراواغة، بين كل السلبيات التي اعتادوها وأدمنوها والإيجابيات التي تؤكد دائماً أنه في النهاية لا يصح إلا الصحيح. صــ136

▬ بالرغم أن الإعلام يمثل ذروة اليقظة العقلية والفكرية والثقافية، سواء على المجتمع أو الفرد، وهي يقظة قد تكون مقصورة على القائمين عليه أو الموجهين له، أو على المثقفين الواعين بمعطيات العصر، إلا أن الإعلام العربي بصفة عامة يشكل استثناء من هذه القاعدة، لأن الغيبوبة التي يعاني منها وتمسك بخناقه، لا تقتصر على عامة المتلقين من ذوي الثقافة الضحلة أو المعرفة العابرة، بل تمتد لتفرض نفسها على أداء القائمين عليه والموجهين له ونظراتهم التي فقدت اتساقها تجاه مجريات الأمور، سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي، خاصة في عصر العولمه الذي انقلبت فيه القيم والمعايير التقليدية رأساً على عقب، والذي أصبحت فيه المعلومات بمثابة الأسلحة أو المفاتيح الكفيلة بفض مغاليقه وأسراره، والتي لم تعد مجرد مواد أو عناصر أو أفكار أو آراء يتم تخيزنها، بل أصبح من أهم شروطها أن تتحول إلى منظومة حية ومتفاعلة من الأفكار والرؤى والمناهج الكفيلة بتغيير الواقع والإنطلاق إلى آفاق المستقبل. صــ137

▬ على الرغم من انتشار الفضائيات العربية التي تبث برامجها على أعلى مستوى تكنولوجي حديث، فإن الغيبوبة الإعلامية، المعتادة أو المصطنعة، لا تزال تسيطر على توجهات هذه البرامج بأساليب مبتكرة من النفاق والخداع وشغل الرأي العام العربي بعيداً عن السلبيات التي تعتور أنظمة الحكم في بلد المنشأ. فإن كان دور قناة "الجزيرة" أو "العربية" أو حتى صحيفة "الشرق الأوسط" أو غيرها هو مراقبة أداء الحكومة الأمريكية، فيمكن بالتالي اعتبارها سلطة رابعة في المفهوم الأمريكي، وتصبح بهذا قناة أمريكية تمارس سلطتها على الحكومة الأمريكية، ولا علاقة لها بالحكومة القطرية. لكنها يمكن أن تصبح قناة قطرية إذا غطت لجمهورها أي شيء عن قطر، أو أن توضح لهذا الجمهور المغيب عربياً أن كل شيء على ما يرام في قطر، وليس هناك ما يستدعي التغطية. لكن هناك شيئاً قبعاً على أرض قطر كأنه الهرم الأكبر أو الشمس التي لا يمكن أن يتجاهلها أحد، ومع ذلك لا يرد ذكره على الإطلاق في قناة "الجزيرة" أو أية صيحفة قطرية، وكأنه لا يمثل أخطر بؤرة للأحداث في منطقة الشرق الأوسط ومنطلقاً لتغيير خريطته. هذا الشيء الغامض والمهول هو قاعدة "العديد" التي يقع فيها مقر القيادة المركزية الأمريكية، والتي شنت منها الحرب على العراق. ولم يحدث أن ألمحت إليه قناة "الجزيرة" ولو مجرد تلميح، برغم أنها تهتم بالشئون الأمريكية اهتماماً بالغاً، وهو شأن أمريكي لا يمكن تجاهله. صــ151 : 152

▬ لقد أصبح العقل البشري هو ساحة المعركة الرئيسية التي تتصارع القوى الكبرى على إحتلالها. وغني عن الذكر أن العقل العربي بالذات يشكل هدفاً استراتيجياً للقوى الطامعة في ثورات المنطقة العربية وموقعها في قلب العالم، وربما كان الغزو الأمريكي البريطاني للعراق هو مجرد مقدمة أو افتتاحية لتغييرات جذرية تعيد رسم خريطتها من جديد. ففي عام 1996 صرح جون دويتش رئيس المخابرات المركزية الأمريكية في ذلك الوقت قائلاً: "إن الإلكترون أصبح السلاح المثالي لإصابة الأهداف بدقة مذهلة، نظراً للكيفية التي تستخدم بها المعلومات والإتصالات لكسب المعارك العسكرية فضلاً عن السياسية والحضارية، حتى أصبح مصطلح "الغارات الإلكترونية" متداولاً بين الخبراء والباحثين، وهو يعني تنظيم حملات تشويه أو اغتيال أو إبادة دون إطلاق رصاصة واحدة، وإنما فقط عبر استخدام وسائل ثورة المعلومات والإتصالات. صــ166

▬ العرب يجهلون أو يتجاهلون أن كل مراحل التحولات الثقافية في تاريخ البشرية كانت نتيجة تصادم بين القديم والجديد، إلا أن تداعياتها سرعان ما كانت تندثر وتتلاشى أمام الأوضاع المستجدة التي تأخذ شكل المنظومات والآليات التي تغير شكل الحياة في المجتمعات المختلفة التي تأخذ بها. وهذا التغير ضروري بل وحتمي لأنه يوفر للمجتمعات التقبلة له إمكانية الإستمرار في سباق التقدم. ومن الطبيعي أن يحل الجديد محل القديم طالما أنه من صنع بشر عاشوا في ظروف سابقة مختلفة ثم طواها التاريخ الذي لا توقف عن التقدم، إذ ان كل جديد يغربل الماضي وإن كان لا يرفضه برمته، لأأنه يلفظ مالا ينصهر فيه ويحاول أن يقف حجر عثرة في طريقه نحو المستقبل. صــ182

▬ يقول جان بول سارتر :"إن المثقف هو ذلك الإنسان الذي يدرك ويعي التعارض أو التناقض الكامن فيه وفي المجتمع بين البحث عن الحقيقة العملية وبين الأيديولوجيا السائدة. وما هذا الوعي سوى كشف النقاب عن تناقضات المجتمع الجوهرية. إن المثقف هو الشاهد على المجتمع الممزق الذي أنتجه، لأنه يعري تمزقه بفكره الثقاقب، وهو بالتالي ناتج تاريخي. وبهذا المعنى ليس من حق أي مجتمع أن يتذمر من مثقفيه دون أن يضع نفسه في قفص الإتهام، لأأن مثقفي هذا المجتمع ما هو إلا من صنعه ونتاجه." صــ188

▬ تكمن الخطورة أو الغيبوبة الحضارية التي يعاني منها العرب في أنهم لا يزالون أسرى رؤى أو نظرات أو معايير تجاوزها الزمن، وثبت عجزها في مواجهة قوى العصر وفي مقدمتها الولايات المتحدة، ولذلك كان تاريخهم خلال القرون الخمسة الأخيرة، سلبياً لدرجة أنهم ظلوا يتراجعون إلى أن بلغوا ذيل قائمة الدول الفعالة المؤثرة بعد أن كانوا على رأسها في عصور قديمة. لم يحاولوا النظر العلمي والموضوعي إلى تاريخهم وتاريخ العالم خلال تلك القرون، وبالتالي لم يروا أن الجانب الأكبر منه كان ثمرة مباشرة لقرارات دول الغرب وإختياراتها وثوراتها واكتشفافاتها وتحولاتها وأطماعها وحساباتها الخفية والظاهرة، كما أنهم لم يروا خريطة العالم السياسية كيف رسم الغرب معظمها بنفسه، ولا يزال طرفاً أساسياً في رسم ما تبقى منها. صــ233

▬ إن العرب عندما يتحدثون عن موت الحضارة الغربية أو عن ماديتها وإنهيارها إما أنهم يخدعون أنفسهم، وإما أنهم يخدعون شعوبهم، وربما كانوا يمارسون هذين النوعين من الخداع، وتكمن خطورة هذا التوجه الفكري والوهمي في أن الذين يرددونه ليسوا قلة من الناس، بل هم كثرة، وليسوا كلهم جهلاء أو تافهين وحمقى، لأن فيهم المثقفين والعلماء، وربما كان بعضهم من راكبي الموجة أو السائرين مع القطيع، لكن فيهم الكثير الذين يصدقون ما يتوهمون ويتحدثون عنه بثقة وإصرار شديدين. صــ238

▬ إن العرب الذين يدعون مواطنيهم لمقاطعة الحضارة الغربية إنما يعتمدون في دعوتهم على دعاية غربية لا تمت للعلم بصلة، وإنما هي سياسة خبيثة تفتعلها بلاد الغرب حتى يظل العرب في غيبوبتهم ونشوتهم بأنهم قوم روحانيون يملكون من الرفعة والسمو ما لا يملكه الغربيون الذين لم يُعد لهم سوى الأمور المادية والدنيوية التي استغرقتهم تماماً. فمثلاً ذكر عبد الرحمن الجبرتي في موسوعته التاريخية "عجائب الآثار في التراجم والأخبار" كيف أن نابليون دعا هيئة العلماء من أمثال الشيخ الشرقاوي والبكري والسادات إلى مشاهدة المعمل الكيميائي الذي أتى به العلماء الفرنسيون المصاحبون للحملة الفرنسية على مصر، وكان مقره الأزبكية. وبعد مغادرتهم المعمل علق الشيخ الشرقاوي بقوله: "الحمد لله الذي أعطى الفرنسيس مثل هذه الألاعيب، وأعطانا نحن هبة الصلاة والصوم". صــ242

▬ تكمن الغيبوبة السياسية في أنها محور لكل أنواع الغيبوبة: الديمقراطية والإقتصادية والأمنية والإدارية والقومية والنسوية والمستقبلية والأخلاقية، ذلك أن السياسة سواء على مستوى التنظير أو التطبيق تسري في جميع الأنشطة البشرية في الحياة اليومية. ينطبق هذا على الحكام سواء أكانوا رؤساء أم ملوكاً أم رجال دولة كما ينطبق على المواطنين العاديين الذين يسعون في الأرض بحثاً عن لقمة العيش. صــ277

▬ من الخطأ الشائع أن يميل الكُتَّاب والمفكرون والمثقفون إلى تصوير المواطنين على أنهم ضحايا السلطة، وكأنهم قطيع يتحرك ويسلك طبقاً للإرشادات الواردة من عصا الراعي. وإذا ارتضى الشعب لنفسه أن يكون مجرد قطيع من الخراف، فلا يلوم إلا نفسه إذا لمح وميض سكين الجزار. لكنه أو استطاع بالوعي الناضج وبشتى الوسائل أن يصنع لنفسه كياناً ومكانة مهابة ووزناً ثقيلاً فإن وزنه يمكن أن يعادل وزن السلطة وربما رجحت كفته أكثر منها كما يحدث في دول الديمقراطية والتقدم والحضارة. صــ301

▬ إن ما فعلته الغيبوبة السياسية في العراق الذي ربما أصبح بلداً آخر مختلفاً تماماً عن بلد الحضارة والتاريخ العريق الذي عرفه العالم منذ عصور ما قبل الميلاد، يمكن أن تفعله في أي بلد عربي آخر، وخاصة أن هناك من الدول العربية ما يعاني من هشاشة وهزال وتهافت، أضعاف ما كان العراق يعاني منه. لقد تغير العالم ومعه كثير من قواعد اللعبة السياسية، فلم تعد هناك دولة على استعداد لتتجمع أو تدعم أو تساند دولة صغيرة وقعت بين فكي دولة كبيرة، غاية ما هناك أن يسمع العالم بعض التصريحات العابرة، أو يتابع بعض المظاهرات الحماسية الرافضة للعدوان، ثم يذهب كل إلى حال سبيله لتواصل الدول الكبرى إبتلاع الدول الصغرى. صــ329

▬ من الظلم البين وصم العرب بأنهم بشر غير ديمقراطيين بطبيعتهم، فليس هناك بشر ولدوا ديمقراطيين وآخرون غير ذلك، ولكن هناك بيئة ديمقراطية تتشربها الأجيال الجديدة منذ نعومة أظافرها، وتتحول بعد ذلك إلى منهج فكري وسلوكي في شتى خطواتها وتعاملاتها اليومية، إذ ان الديمقراطية في جوهرها هي تربية أولاً وأخيراً، وليست مجرد ممارسة سياسية كما يتصورها كثيرون. صــ334

▬ هناك أيضاً نظام آخر منتشر في المنطقة العربية، وهو حكم البطانة أو الشلة أو العُصبة التي تلتف حول القائد تكيل له النفاق ليلاً ونهاراً وتضع نفسها في خدمته وتلبية أوامره في أية لحظة بحيث يصبح عاجزاً عن التخلص منها والإستغناء عنها مع الأيام. فهي تتفنن في حجب المعلومات الحقيقية عنه فلا يلم بالأوضاع الفعلية التي بلغتها البلاد، وبذلك تشكل حاجزاً سميكاً وعالياً يعزله عن أبناء وطنه والتيارات السياسية والإجتماعية والفكرية التي تسري بينهم. صــ349

▬ يرجع عجز المجتمع المدني في المنطقة العربية عن ابتكار أو توليد أو امتلاك رؤية واضحة للإصلاح الديمقراطي، إلى الدور المحوري الذي تلعبه السلطة الحاكمة في المجتمع الذي يدور في فلكها ليل نهار ولا يستطيع الفكاك منها لحظة واحدة، وكنا من الطبيعي أن تنشأ معظم منظمات المجتمع المدني في الدول العربية بقرارات سلطوية لحاجته الملحة إليها. ولذلك من الصعب اعتبار معظم منظمات المجتمع المدني امتداداً أو افرازاً لحركات أو إرهاصات إجتماعية وسياسية وفكرية في البلاد العربية. صــ360

▬ إن غياب المجتمع السياسي لحساب التجمعات التوعية والعرقية والطائفية، يعني بقاء الأفراد في حكم الأتباع أو الرعايا لمن يحكمون هذه التجمعات، في حين أن بروز المجتمع السياسي وتبلوره يعني أن الأفراد ارتقوا من درجة الأتباع أو الرعايا إلى درة المواطنين. وبناء على هذا الإرتقاء أصبح المواطن هو محور الحركة الإجتماعية والسياسية في إطار القانون الذي ينظم واجباته وحقوقه في وظن تخطى وتجاوز كل الحدود أو الحواجز الطائفية أو العنصرية أو العرقية أو المذهبية...إلخ، إذ أصبح المواطن قيمة في حد ذاته ومصدراً لكل تقدم وإزدهار. صــ386

▬ كان من أخبث رواسب الماضي التي مدت جذورها في التربة العربية حتى الآن، قد تمثلت في التبعية الإقتصادية، فإذا كانت الدول العربية قد تخلصت من الإستعمار المباشر والسيطرة السياسية، فإنها ما تزال تعاني من التبعية الإقتصادية، وهي الإستعمار المقنّع الجديد الذي تزداد ضرواته وخبثه وتعقيده بمراحل عديدة على الإستعمار التقليدي المعروف، خاصة بعد أن ارتدت القوى الاقتصادية العظمى أقنعة العولمة الاقتصادية التي تؤكد أن عصر الإقتصاد القومي قد ولى ليحل محله الإقتصاد العالمي الذي اجتاح كل الحواجز المالية والتجارية بين مختلف الدول، والذي جعل من العالم كله قرية كونية صغيرة. صــ390

▬ إن تخلف الأغنياء هم أول من سيدفع ثمنها، أما تخلف الفقراء فيمكن أن يكون حافزاً لهم على التخلص من الفقر. وليست هناك وسائل لإنجاز هذه المهمة الحضارية أفضل من التسمك بقيم العلم والمعرفة والحكمة والجهد والكفاح، وغيرها من القيم التي تبني الإنسان وبالتالي فهي تبني المجتمع. إن الإنسان هو الثروة الحقيقية لأي بلد، وليست الثروات المتدفقة من باطن الأرض أو التي تمنحها الطبيعة بالصدفة. وأشهر دليل على ذلك، اليابان التي لا تملك أي ثروات طبيعية سوى الثروة السمكية، لكنها نجحت في أن تجعل المواطن الياباني طاقة انتاجية هائلة على أعلى وأحدث مستوى علمي وفكري وتكنولوجي ومعرفي وثقافي وحضاري، أما الثروات الطبيعية والمواد الخام التي حرمت منها فقامت بإستيرادها من شتى أنحاء العالم وفي مقدمتها البترول وغيره من المعادن اللازمة لعصر ما بعد الصناعة، ثم أغرقت العالم بمنتجاتها على أرفع مستوى من الجودة والإتقان والإبتكار الذي لا يعرف حدوداً خاصة في مجال الإلكترونيات. وكان هذا الإزدهار الإقتصادي نتيجة متجددة للشعار الذي أعلنته اليابان بعد هزيمتها في الحرب العالمية الثانية وهو "الإنتاج أو الموت" بعد أن كان شعارها حتى هذه الحرب "النصر أو الموت". صــ391 : 392

▬ إن المنطقة العربية تبدو في أحيان كثيرة وكأنها لم تعش القرن العشرين الذي شهد متغيرات وتحولات في تاريخ البشرية جمعاء، وفي مقدمتها قضية التنمية الإقتصادية التي تعني آفاقاً كثيرة وجديدة من أهمها تحسين دخل الأفراد والأسر، وتمكينهم من زيادة الإستهلاك، والإرتقاء بنوعية حياتهم، وإيجاد بيئة صحيحة تليق بالإنسان، وتطوير قدرات البشر للتعامل مع العلم والمعرفة وتكونولوجيا العصر. ولقد تغيرت أمور كثيرة خلال القرن العشرين بحيث تبدلت العادات والتقاليد والمفاهيم والقيم في المجتمعات العصرية في البلاد المتقدمة، وأصبح من الأمور الطبيعية أن تصبح الأسرة صغيرة الحجم وقليل الأفراد نتيجة للتحكم في عدد الأبناء. ومن الطبيعي أن يتواكب تحسن الدخل، في حالة وجود نمو معتدل، مع انخفاض معدل النمو السكاني في البلاد، فلم يعد من الأمور الإقتصادية الإيجابية ارتفاع معدلات الإنجاب وتزايد السكان بشكل سريع، فقد ولى عهد الإقطاع الزراعي الذي كان يتطلب تزايد عدد الأفراد المنتجين، وأصبح الإقتصاد الزراعي يعتمد على تكنولوجيا عالية لا تتطلب سوى أفراد معدودين على الأصابع في حقول تبلغ مساحتها مئات الفدادين. وقد رحل القرن العشرون ولم تستوعب الدول العربية هذه الدروس لأن القيم المتخلفة لا تزال تهيمن على عقليات وسلوكيات أرباب الأسر الذين لا يدركون في غيبوبتهم المزمنة أن الزمن قد فاتهم. صــ409

▬ إن العجز الذي تعاني منه الجامعة  العربية هو صورة مصغرة للغاية من العجز الساري في كل أجزاء المنطقة العربية التي لا تستيقظ من غيبوبتها إلا إذا أصابتها صدمة كهربية من الخارج. وهي يقظة تتخذ شكل رعشة أو تشنج عصبي مصحوب بصراخ وندب وسباب ووعيد كاذب بالويل والثبور وعظائم الأمور، وعندما تنذاح الشحنة الكهربية ويتغير الوضع العربي إلى أسوأ، فإن الجسم الممدد من الخيج إلى المحيط يعود إلى الإسترخاء مرة أخرى ليدخل في غيبوبته التاريخية. صــ535

▬ في هذه الغيبوبة الأخلاقية التي لفظت الديمقراطية التي تحفز الناس على اليقظة والوعي بكل ما يمس كيانهم ومستقبلهم، وجد الديكتاتوريون العرب مجالاً رحباً وواسعاً لكي يصولوا ويجولوا دون أن يجرؤ أحد على محاسبتهم أو مجرد الإستفسار منهم، فإذا كان الديكتاتور يعتمد في حكمه على أسلحة الإرهاب والعنف والعرب والإذلال والخوف، فإن المجتمع تحت وطأته يتحول إلى تربة خصبة ومرتع لكل القيم الأخلاقية الفاسدة مثل النفاق والكذب والخداع والزيف والإنتهازية "ومسح الجوخ". ففي ظل الديكتاتور يتخذ معظم المواطنين مواقف سياسية أو توجهات فكرية لا يؤمنون بها، في سبيل تحقيق أو حماية مصالح شخصية عابرة. صــ595

▬ كتب كمال عبد الرءوف في عموده "قراءات" بجريدة "أخبار اليوم"، 7 فبراير 1981 عن "كدابين الزفة" الذين يصفهم بقوله: "هم أخطر الناس على الحياة السياسية في أي بلد في العالم. إنهم طابور المنافقين والمهللين. إنهم السوس الذي ينخر في عظام أي حزب، وهم الذين يصفقون لحزب الأغلبية بسبب وبدون سبب، ويهتفون بأعلى أصواتهم للفائزين، ويديرون ظهورهم للخاسرين. إنهم دائماً مع السلطة. تراهم في كل مولد، وتسمعهم في كل زفة، لا يفوتهم احتفال أو مناسبة حتى يصفقوا بقوة للمسئولين. الطبل والزمر بضاعتهم، وعبارات المديح الطنانة تسيل دائماً من أفواههم. ينجذبون نحو كل مسئول ترتفع أسهمه مثلما تنجذب برادة الحديد نحو المغناطيس. لا يهمهم رأي الناس فيهم، ولكن الأهم هو رأي المسئول في كلامهم المعسول." صــ620


▬ لم تترك اليقظة الإسرائيلية أية شاردة أو ورادة تغيب عن بصرها أو بصيرتها، وذلك في مواجهة غيبوبة عربية مزمنة تركت الساحة للتواجد الإسرائيلي الملح والفعال لكي يصول فيها ويجول منذ بداية النزاع العربي اليهودي. فقد كان عنصر المبادرة في أيدي اليهود بصفة مستمرة في حين بدا العرب في غيبوبتهم كأنهم يعيشون في كوكب آخر. صــ736

  • Digg
  • Del.icio.us
  • StumbleUpon
  • Reddit
  • RSS

0 التعليقات:

إرسال تعليق