فلفسة القانون (رجاء احمد علي، علي محمد مبروك)

• القانون الطبيعي هو ذلك القانون الذي لم يضعه بشر، فهو فوق القوانين البشرية، إذ أنه موجود في طبيعة الأشياء وفي فطرة الإنسان، ومع ذلك فهو يحتاج إلى من يكتشفه، فهو في حاجة إلى التأمل والتفكر لاكتشافه والعمل به.
• قد يكون هناك فرقاً بين العرف والعادة، هذا الفرق يرجع إلى الركن المعنوي للعرف، فالإلزام هو الذي يميز العرف عن غيره من العادات الاجتماعية، على سبيل المثال المجاملات التي تقوم على مجرد الاعتبارات الأدبية دون أن يكون شرط الإلزام متوافر فيها.

▬ قد يكون ثمة علاقة بين القواعد الأخلاقية والقانونية إلا أن هناك خلافاً بينهما، فالدائرة الأخلاقية أوسع نطاقاً من الدائرة القانونية في أشبه بقواعد الدين، حيث أن كلاهما (الدائرة الأخلاقية والدائرة الدينية) يحدد العلاقة بين الإنسان ونفسه وربه والآخرين، أما القانون فهو ينحصر في دائرة الآنا والآخر فحسب ولا يهم بالنوايا، بل بالظاهر فقط، فهي تهدف إلى ضبط السلوك الخارجي. وهذا خلاف واضح بين القاعدة الدينية والقاعدة القانونية، ومن ثم فالأحكام الإلهية هي أحكام ملزمة لأنها أحكام العقيدة، فالدين أوسع نطاقاً من القانون، فالعلاقات التي ينظمها الدين تشمل السلوك والنوايا. أما من حيث الجزاء فسوف نجد الجزاء الديني يختلف عن الجزاء القانوني، فالأول جزاء مؤجل والذي يصدره الخالق ويقوم بتنفيذه، أما الجزاء القانوني فهو معجل وتوقعه الدولة. صـ 15

▬ إشكالية أساس الحق: أعتقد أن هذا الإشكال يتمثل بكل بساطة ووضوح في البحث عن أساس للحق؛ بين ما هو طبيعي وأخلاقي من جهة وما هو قانوني ووضعي من جهة أخرى. إنطلاقاً من هنا يمكن في نظري أن نتحدث عن أطروحتين رئيسيتين؛ أطروحة تؤسس الحق على الطبيعة يمثلها فلاسفة الحق الطبيعي من جهة، مثل روسو وهوبز، ويمثلها شيشرون من جهة أخرى، وأطروحة أخرى مخالفة يمثلها بصفة خاصة أنصار النزعة الوضعية التي يعتبر هانز كيلسن أحد ممثليها. والاختلاف الأساسي الموجود بين الأطروحتين؛ هو أن الأولى ذات نزعة مثالية وتؤسس الحق على افتراضات ميتافيزيقية تتمثل في تصور معين للطبيعة الإنسانية كما هو الشأن عن روسو أو هوبز مثلاً، كما تؤسس هذه الأطروحة الحق على اعتبارات أخلاقية؛ أي على الطبيعة الأخلاقية للإنسان المتمثل حسب شيشرون فيما سماه بالعقل القويم أو الميل إلى حب الناس الذي هو أساس الحق. أما الأطروحة الثانية فهي ذات نزعة واقعية تجريبية تنسجم مع روح النزعة الوضعية التي تنتقد كل تصورات ميتافيزيقية ومثالية، وهذه النزعة تؤسس الحق طبعاً على الأوضاع السائدة في كل مجتمع، وعلى موازين القوى المتصارعة فيه... صـ 105


▬ الفناء قدر محتوم يصيب الأفراد والديانات والدول. وكما كان إسحق نيوتن يبحث عن القوانين التي تحكم الطبيعة، كان مونتسكيو يبحث عن القوانين التي تحكم حركة التاريخ وتسبب نهوض وفناء الدول. أحداث التاريخ لا يسيرها الحظ أو القدر وحدهما. لكن هناك أسباب مادية ومعنوية هي التي تسير التاريخ. الفرد ما هو إلا أداة للحركة العامة للتاريخ، أو لروح العصر كما أسماها هيجل. القدر ليس قوة ميتافيزيقية، إنما هو محصلة عدة عوامل. وعلى المؤرخين والفلاسفة، الكشف عن هذه العوامل ودراستها. لماذا سقطت روما؟ لأنها تحولت من جمهورية إلى دكتاتورية. الجمهورية تتوزع داخلها السلطات وتتوازن. لكن الدكتاتورية لا تصلح إلا للإعتداء على الجيران واستعمار الدول الأخرى. الدكتاتورية تدمر الحرية وتشل نشاط المواطنين. هذا يؤدي بمرور الزمن إلى انتشار الخنوع والخمول والذل بين الجماهير. ويجعل الفقراء عالة على الدولة، ويضعف الأخلاق بسبب سوء توزيع الثروة وانتشار الفسق الفجور. وتسبب الدكتاتورية وحكم الفرد أيضاً فساد رجال الإدارة وزيادة الضرائب، وهجر المزارع والحقول. وهي أيضاً تستنزف الحيوية العسكرية للدولة وتجعل الجيش يسيطر على الحكومة المدنية. ويصبح اهتمام الجيش بتنصيب الحكام وخلعهم بدلاً من حماية أمن البلاد. صــ 179 ، 180

  • Digg
  • Del.icio.us
  • StumbleUpon
  • Reddit
  • RSS

فلسفة العقل (صلاح اسماعيل)

• إن أي تقدم في فهم قضايا العقل لابد من أن يضرب بجذوره في الميتافيزيقا ويلتمس العون منها.
• كيف نلائم بين الوعي باعتباره ظاهرة خاصة غير مادية وهذه الرؤية العلمية المادية للعالم؟ وكيف نفسر الوعي غير الطبيعي في حدود الطبيعة؟ وكيف استطاع الوعي أن ينشأ من المادة؟
• دراسة المخ من غير دراسة الوعي تشبه دراسة المعدة من غير دراسة الهضم، ودراسة علم الوراثة من غير دراسة وراثة الصفات.
• الوعي هو مجموع حالات الإدراك والإحساس التي تتميز بكونها داخلية وكيفية وذاتية.
• هل العقل برنامج كمبيوتر ؟
• سلوك المرء لا يمكن تفسيره فقط في حدود المثيرات والاستجابات، وإنما هو أمر معقد تتشابك فيه جملة من الحالات العقلية التي يكون بعضها واضحاً وبعضها خفياً أو مضمراً.
• الذكاء الإصطناعي هو العلم الذي يجعل الآلات تفعل أشياء سوف تتطلب ذكاء إذا فعلها الإنسان. (مارفن منسكي)
• رغم أن السلوكية كانت تمثل محاولة جيدة لمحاكاة المنهج العلمي فإنها جانبت الصواب كثيراً عندما نظرت إلى الإنسان نفس النظرة تقريباً التي نظرتها إلى الحيوان والآلة، ومن ثم فاتها إدراك أن أهم ما يميز الإنسان هو الخاصية العقلية، والعقل الواعي.
=============================

▬ الثنائية في فلسفة العقل هي المذهب القائل إن العقل والجسم يتألفان من طبيعتين مختلفتين وتتخذ الثنائية عدة صور أبرزها ثنائية الجوهر عند ديكارت وأتباعه، وخلاصتها أن الإنسان مكون من جوهرين متميزين: جسم مادي وعقل لا مادي. وثنائية الخاصية عند فرانك جاكسون وديفد شالمرز وهما من الفلاسفة المعاصرين. وتقول ثنائية الخاصية أن الكائنات البشرية كائنات فيزيائية، أي أنها جوهر واحد، ولكنها تملك فئتين متميزتين من الخواص: خواص فيزيائية (أو جسدية) وخواص عقلية. ص8

▬ لقد أخطأ ديكارت عندما زعم أن العقل جوهر وشيء، ووضعه في نفس مقولة الجسم، ولكنه أضفى عليه مجموعة مركبة من السمات غير الفيزيائية. أما رايل "فالعقل" عنده لا يدل على شيء من أي نوع، سواء كان فيزيائياً أو غير فيزيائي. إنه اسم جمعي نستعمله للدلالة على نماذج للسلوك. واللغة تخدعنا أحياناً، فنظن أن كل اسم لابد من أن يدل على شيء ما، وهذا من عيوب النظرية الإشارية في المعنى التي تقول إن معنى الكلمة هو ما تشير إليه في الواقع. فهناك أسماء تشير إلى أشياء مثل أسماء الأعلام محمد واحمد، وهلم جرا، وهناك أسماء لا تشير إلى أشياء، مثل الكلمات المجردة "الشجاعة" و "التقوى" و "العدالة". فالعقل اسم، ولكن هذا لا يقتضي أن يكون اسماً لشيء ما. العقل لا يُسمى شيئاً على الإطلاق، وإنما هو كلمة عامة نستعملها للدلالة على نماذج السلوك، والميول، والاستعدادت للسلوك بطرق معينة. عندما نقول أن الناس لهم أجسام وعقول، فمن الخطأ أن نفسر ذلك على أنه يشبه القول إن الطيور لها مناقير وريش أو أن القطط لها أرجل وذيول. ص11

▬ هناك من يعبرون صراحة عن نزعة شكية تجاه الوعي، وينكرون وجوده بوصفة ظاهرة حقيقية. وهناك من ينظرون إلى الوعي على أنه "لغز" وسر يتجاوز الطبيعة. وهناك من يقولون بأن الوعي ظاهرة طبيعية ولكن تفسيرها النظري بعيد المنال. وهناك من يحاولون تفسير الوعي عن طريق رده إلى حدود مألوفة. وهناك مجموعة من الفلاسفة الأحياء يعتقدون أن الوعي ظاهرة حقيقية ويمكن تفسيرها في حدود الطبيعة. ص26

▬ انتهي السلوكيون مثل سكنر إلى أن علم النفس هو علم الاستجابات السلوكية للمثيرات التي تقدمها للكائن الحلي بعامة والإنسان بخاصة. وفيما يتعللق بدراسة العقل والحالات العقلية، تجلت السلوكية في صورتين إحداهما متطرفة والأخرى معتدلة. فأما المتطرفة فنظرت إلى الحالات العقلية على أنها متطابقة مع السلوك. ولا شيء أكثر من ذلك، ولا يوجد شيء داخلي أو خفي أو ملغز. وتسمى الصورة المتطرفة "السلوكية الميتافيزيقية" وسر ذلك أنها تقدم زعماً ميتيافيزيقياً حول طبيعة العقل، وذلك عندما تنكر وجوده وتثبت السلوك. وأما الصورة المعتدلة فتسمى "السلوكية المنهجية"، وهي معتدلة لأنها لا تنكر وجود الحالات العقلية التي ربما تكون معرفتها متاحة لأصحابها فقط، ولكنها ترى أن تعذر خضوع هذه الحالات العقلية الخاصة بأصحابها للملاحظة العلمية، يجعلنا نتمسك بأن السلوك هو البيان الكافي لكل ما يوجد من حالات عقلية. ص67،68


▬ إن التمثيل يحدث بيننا بصورة هينة وتلقائية ومباشرة وألفنا الشديد له يدفعنا إلى الظن بأننا نفهمه فهماً حسناً. ولكن إذا توقفنا على مهل وتساءلنا عن طبيعته وماهيته وكيف يحدث، وجدنا الأمر عسيراً وملغزاً حقاً. خذ الكلمات مثلاً، تجد أن استعمالها يجري بين الناس صباح مساء بصورة طبيعية. ولكن انظر إلى الكلمات في ذاتها. ألست ترى معي أنها مجرد نماذج فيزيائية. فالكلمات وهي منطوقة مجموعة من الأصوات، والكلمات وهي مكتوبة مجموعة من ترقيمات على الورق أو نقوش على الحجر أو أي مادة أخرى. والكلمات بهذه الصورة لا تملك في ذاتها ما يجعلها تمثل ما تمثله. والفارق بين الكلمات من حيث طبيعتها وهي أصوات منطوقة أو ترقيمات مكتوبة وبين الحالات التي تمثلها هو فارق بعيد جداً بعد الثرى عن الثريا. وأبسط الأدلة على ذلك أنك إذا نظرت إلى كلمات لغة أجنبية لا تعرفها، وجدت أنها لا تملك معاني في ذاتها. ص120

  • Digg
  • Del.icio.us
  • StumbleUpon
  • Reddit
  • RSS

معالم التاريخ الإنساني (أحمد الشربيني السيد)

• كما أن الإبدان تمرض بفقدان الذاكرة أو اضطرابها، فإن الشعوب تمرض لضياع تاريخها أو دخول التشويه والتشويش عليه.
• تكتمل النزعة الطبيعية في التاريخ بالاهتمام بالتعليل، ذلك أن تاريخاً بلا تعليل مجرد تقويم، فدراسة التاريخ هو دراسة أسباب، إذا كان جمع المادة التاريخية يشكل الخطوة الأولى، فإن التعليل يشكل الخطوة الأخيرة الحاسمة في كتابة التاريخ.
• لقد أدى الانقلاب الصناعي إلى تحول الصناعة من النظام المنزلي إلى نظام المصنع، وسيطرة الآلة على الصناعة، وزيادة كمية الإنتاج وسرعته، وظهور التسويق والتوزيع بالجملة...
==========================

▬ إزاء اعتماد التاريخ في استرداده لوقائعه بشكل غير مباشر على ما خلفه الإنسان عبر مسيرته من آثار، فإنه لا يمكن بأي حال من الأحوال الإلمام بكل الآثار التي تعكس أفكار، وأفعال الإنسان بأي مكان أو زمان. ومن ثم فالتاريخ لا يتناول الماضي الإنساني، بقدر ما يتناول الوقائع التي استرعت الانتباه صدفة أو عن عمد، وذلك إذا ما سلمت وثائقها من عوادي الزمن، لا سيما أن قدراً فقط مما لوحظ في الماضي قد تذكره أولئك الذين لاحظوه، وأن جزءاً فقط مما تذكر تم تسجيله، بل وأن جزءاً فقط مما قد سجل حفظه التاريخ، وأن جزءاً من ذلك وصلنا مما ترك يمكن تصديقه، وأن جزءاً من ذلك الذي يمكن تصديقه هو الذي حفظ، وأن جزءاً من ذلك الذي حفظ يوسعه المؤرخ أو يقصه، لا سيما أن التاريخ يصنع أربع مرات على الأقل ما بين حده الأول، الذي هو الحدث أو الواقعة التاريخية، وما بين شكله الأخيرة الذي هو التاريخ، وما من أحد بالطبع يستطيع أن يؤكد أن "ألحقيقة" التاريخية قد حافظت على صفائها وذاتها عبر هذه المراحل. ص7

▬ هناك إجماع ليس بين مؤرخي اليوم فحسب، بل بين كل أهل الفكر، على أن ترديد مقولة التاريخ يعيد نفسه، وهم كبير وخطأ محض، وسوء فهم للتاريخ، الذي يقوم على الزمن، المرتبط بالاستمرار والتغير، ومن ثم فالوقائع أو الحوادث التاريخية للأفراد والمجتمعات بل والحضارات لا يمكن بأي حال أن تتماثل أو تتطابق، أو تتكرر، وهذا ما انتهى إليه المؤرخ وعالم الاجتماع والفيلسوف العربي ابن خلدون منذ قرون، بفضل ما أوتي من عبقرية، ونفاذ ملاحظة، ودقة بصيرة، وقدرة نادرة على التأليف والتحليل حتى أنه أوضح ذلك إيضاحاً لا لبس فيه عندما كتب في هذا الصدد ما نصه" ومن اللغط الخفي في التاريخ الذهول عن تبدل الأحوال في الأمم والأجيال، بتبدل الأعصار ومرور الأيام، وهو داء دوي، شديد الخفاء، إذ لا يقع إلا بعد أحقاب متطاولة، فلا يكاد يتفطن له إلا الآحاد من أهل الخليقة، وذلك أن أحوال العالم والأمم، وعوائدهم ونحلهم، لا تدوم على وتيرة واحدة ومنهاج مستقر. إنما هو اختلاف على الأيام والأزمنة، وانتقال من حال إلى حال، وكما يكون ذلك في الأشخاص والأوقات والأمصار، فكذلك يقع في الأفاق والأقطار والأزمنة والدول، سنة الله التي قد خلت في عباده. ص15

▬ انفصال ذات المؤرخ عن الموضوع يعني إلغاء الموضوع، لأن التاريخ ليس مجرد نسخ حرفي لأقوال الآخرين، وليس مجرد سنوات ولادة ووفاة وحروب متفق عليها. وقد بلغ تأثير الذات في كتابة التاريخ حداً أن سلم جميع المؤرخين مؤخراً بأن المؤرخ مهما فعل فهو لا يرى الماضي إلا من وجهة نظره، ومن خلال عصره، أي أنه لا يستطيع التخلي عن مفاهيم مجتمعه، والآراء السائدة فيه، ورأوا أن في هذا خير للتاريخ والمؤرخين، لأن المؤرخ بصفته خادماً للجماعة الإنسانية ينبغي أن يكتب تاريخه في صورة ذات معنى وأهمية لأبناء عصره، وأن الحادث التاريخي ما لم يكن ذا أثر في الحاضر فلا قيمة حقيقية له، ومن ثم يصبح أشبه بإناء قديم في البيت، كانت له أهمية في حينه أيام كان نافعاً، ثم تقادم به العهد وتحطم، فلم يعد أكثر من مجرد ذكرى ماضية، ومن الصالح التخلص منه. ص26

▬ استفاد التاريخ كثيره من العلوم الإنسانية من التقدم الذي أحرزته العلوم الطبيعية منذ القرن السابع عشر، والذي كان من أسبابه انتهاج العلوم الطبيعية للمنهج التجريبي، وظهور فلاسفة شغلوا بالمنهج وعلى رأسهم فرانسيس بيكون، ولوك، وهيوم، وكذا علماء اهتموا بالموضوع وعلى رأسهم جاليليو وكبلر ونيوتن [...] وقد انعكس هذا التطور المنهجي على العلوم الإنسانية وبخاصة التاريخ الذي أصبحت دراسته من حيث المنهج تقوم على جمع أكبر عدد ممكن من الوقائع التاريخية بهدف الوصول إلى أحكام كلية على غرار ما هو حاصل في العلوم الطبيعية، كذلك أصبحت غاية التاريخ في ظل هذا التطور المنهجي تتمثل في تزويد الإنسان بأحكام تمكنه من أن يفهم معنى الأحداث الحاضرة في ضوء خبرته بالماضي، بل وإلقاء الضوء على المستقبل، وذلك على غرار الغاية البرجماتية "العملية أو النفعية" في العلوم الطبيعية التي تهدف إلى تسخير الطبيعة لصالح الإنسان، وأخيراً ساهم تأثر التاريخ بتطور مناهج العلوم الطبيعية في فصل العلم عن الدين، باستبعاد المؤرخون النظرة الأخروية التي تجعل غاية التاريخ خارج نطاق العالم دائماً إلى العالم الآخر، والبحث عن مساره في نطاق العالم الحاضر ممثلاً في أفعال الإنسان، وليس لأية قوة غيبية، وهذا على غرار العلوم الطبيعية التي لم تعد غايتها أغراض لاهوتية. ص28،29

▬ لعل الدليل القوي على الارتباط بين ظهور البرجوازية والنهضة الأوربية أن المدن الأوربية، ولا سيما الإيطالية وتحديداً المدن الشمالية - البندقية، جنوة، قسطانيا - ، التي سيطرت على أسواق التجارة، وحصدت فائض الحركة التجارية النشطة بين الشرق والغرب بعد الحروب الصليبية، هي المدن التي تحررت من سيطرة الإقطاع قبل غيرها من المدن الأوربية الأخرى، وهي المدن التي بزغ منها نور النهضة الأوربية. نظراً لاهتمام البورجوازية بالتعليم، لحاجتها إلى كوادر تقوم على أعمالها الحسابية والمالية وغيرها من المعاملات، كما اهتمت بتغيير ثقافة المجتمع الأوربي بما يتماشى مع مصالحها، مما أدى إلى انتشار التعليم العلماني إلى جانب التعليم الديني، واختراع آلة الطباعة. ص74

▬ مما لا شك فيه أن العمال كانوا من أكثر شرائح المجتمع معاناة من سرعة الانقلاب الصناعي في انجلترا على الأقل في مراحله الأولى، لأن كل اختراع، كان يترتب عليه مزيد من التطور الذي يطرأ على الآلة الصناعية، كان يقابله استغناء عن العمالة. ولهذا، كانت المخترعات وأصحابها في تلك المرحلة محل كره الجمهور، واضطهاده حتى أن بعض العمال طاردوا بعض رجال الاختراع أمثال هرجريف، الذي لحق به كثير من الإهانة، والضرب من الجمهور، حتى اضطر إلى ترك لانكشير بحثاً عن مكان آخر لتجربة آلته. ولم يتوقف الجمهور عند هذا الحد بل أن بعض العمال هاجم مصانع للنسيج وحطم آلاتها. بيد أن هذه المقاومة لحركة الاختراع لم تستطع إيقاف تحول الصناعة اليدوي إلى النظام الآلي، حتى اضطر الجمهور في النهاية إلى قبول الواقع الجديد، وتهيئة حياتهم وموارد رزقهم بطريقة تتفق مع الظروف المتغيرة. ص196،197

▬ على الرغم من أن الثورة الصناعية قللت أهمية العامل في الإنتاج وزادت في أهمية الآلات ونفوذ أصحاب الأعمال، فإنها استلزمت حشد كبيرة من العمال في المصانع ومهدت بذلك الطريق أمام العمال إلى تنظيم صفوفهم وزيادة اتحادهم وقوتهم. بمعنى أنها إذا كانت قد أنقصت أهمية العمال كأفراد فإنها عظمت أهميتهم كطبقة كبيرة في المجتمع، فأصبحوا أقدر على المساومة وعلى استخدام الضغط لتحسين حالهم عن ذي قبل. ص198


▬ أتاحت الثورة الصناعية للمرأة الإنجليزية فرصة كبيرة لتحسين وضعها بعد أن أتاحت لها فرصة العمل في المصانع والكسب المستقل عن الرجل، فأخذت سبل العمل تتسع أمامها تدريجياً حتى صارت منافساً خطيراً للرجل في جميع ميادين العمل. وكان ذلك سبباً في سعادة الرجل وشقائه في آن واحد، نظراً لزيادة دخل الأسرة وتقليل أعباء الرجل المالية من جهة. ومن جهة أخرى لانتشار البطالة بين الرجال وانخفاض أجورهم من استمرار تحملهم مسؤولية رعاية الأسرة وسداد حاجاتها. فعمل المرأة في المصانع زاد من استقلالها اقتصادياً، ووسع مداركها، وصارت تعتد بنفسها، وأصبح القانون يعترف لها بالمساواة الفعلية مع الرجل من الوجهة السياسية والاقتصادية والاجتماعية. ص199

  • Digg
  • Del.icio.us
  • StumbleUpon
  • Reddit
  • RSS

فلسفة الدين (محمد عثمان الخشت)

▬ فلسفة الدين هي التفسير العقلاني لتكوين وبنية الدين عبر الفحص الحر للأديان، والكشف عن طبيعة الدين من حيث هو دين، أي عن الدين بشكل عام من حيث هو منظومة متماسكة من المعتقدات والممارسات المتعلقة بأمور مقدسة، ومن حيث نمط للتفكير في قضايا الوجود، وامتحان العقائد والتصورات الدينية للألوهية والكون والإنسان، وتحديد طبيعة العلاقة بين كل مستوى من مستويات الوجود، والبحث في الطبيعة الكلية للقيم والنظم والممارسات الدينية، ونمط تطور الفكر الديني في التاريخ، وتحديد العلاقة بين التفكير الديني وأنماط التفكير الأخرى؛ بغرض الوصول لتفسير كلي للدين، يكشف عن منابعه في العقل والنفس والطبيعة، وأسسه التي يقوم عليها، وطبيعة تصوره للعلاقة بين المتناهي واللامتناهي، والمنطق الذي يحكم نشأته وتطوره واضمحلاله. وتستعين فلسفة الدين على تحقيق ذلك بمنجزات العلوم الإنسانية والاجتماعية، مثل: علم النفس الديني، وتاريخ الأديان، وعلم الاجتماع الديني، والأنثربولوجيا الدينية. صــ 27

▬ فلسفة الدين تختلف عن علم الكلام أو اللاهوت؛ فهي ليست دفاعية، ولا مشغولة بدين دون آخر، بل هي معنية بالدين ككل من حيث هو دين، وليس بدين محدد، وهي تسعى لتفسير الشعور والتفكير الديني، وتبدأ من نقطة بدء موضوعية وعقلانية خالصة، أي تبدأ بداية غير منحازة، لكنها ربما تنحاز في نهاية التحليل لدين ما؛ بناء على أسس عقلانية محضة؛ لأنها تنتهج الأسلوب البرهاني وتتجنب المنهج الجدلي أو الانفعالي. كما أن العقل الواضح والواقع المتعين هما المعيار فيها للتمييز بين الحق والباطل، وتبدأ ــ أو هكذا ينبغي أن تكون ــ من مقدمات يقينية بحكم التجربة أو بحكم العقل. أما علم الكلام أو اللاهوت فهو منحاز من البداية إلى النهاية، وينتهج أساليب تبريرية وجدلية في أكثر الأحيان، وهذا ما لا تفعله فلسفة الدين إلا استثناء.. أو هكذا ينبغي أن تكون. صــ 39 ، 40

▬ روسو هو الذي فتح مجرى جديداً أمام النزعة التقوية التي تؤكد على أسبقية الضمير والشعور الأخلاقي على المعرفة النظرية العقلية المحضة [..] فجاءت النزعة الرومانطيقية التي كان على رأسها روسو، وقالت بأننا نملك خبرات أخرى: خبرات الضمير، والجمال، والدافع الديني.. وهي خبرات - رغم أنها ليست فقط علمية وعقلية نظرية بالمعنى الصحيح، ورغم استحالة إدخالها ضمن إطار الفيزياء الميكانيكية - هي خبرات قوية  إلا حد لا يمكن معه إهالها واعتبارها مجرد تصورات وهمية، كما أنها تظل مستعصية على الفهم، إلى أن نفترض بأن العالم في الحقيقة هو شيء مختلف عما يستطيع العلم البرهنة على وجوده. ولما كنا لا نستطيع أن نعرف علمياً حقيقة الوجود، فلدينا ما يبرر أن نعتقد لأسباب عملية أخلاقية أن الطبيعة البشرية تتألف من العقل والشعور، وأنه لا غنى لنا عن العمل بوحي من واجب أخلاقي. إننا نستعر احتراماً دينياً في الكون أعظم، وإننا نعجب - ولا مندوحة لنا من الإعجاب - بجمال في الأشياء لا يمكن تعليله علمياً. صــ 89

▬ يؤكد هيجل على ضرورة الدين من حيث هو دين، فمن المغالطة الظن بأن الكهنة - كما يقول هو هنا - اخترعوا الأديان لكي يخدعوا الشعوب؛ فالأديان في جوهرها تشترك مع الفلسفة في موضوع واحد هو الله وعلاقة الإنسان به. وخلاصة الأمر أن موضوع الدين هو موضوع الفلسفة نفسه، فالإثنان يبحثان في العقل الكلي الذي هو بذاته ولذاته، الجوهر المطلق. ويحاولان أن يستبعدا التعارض بين المتناهي واللامتناهي، بين الإنساني والإلهي.. غير أن الدين يجري هذه المصالحة بواسطة الخشوع، بواسطة العبادة، بواسطة الشعور والوجدان والتمثل. بينما الفلسفة تريد إجراءها بواسطة الفكر الخالص، لكن رغم وجود هذا الخلاف بينهما في الوسيلة، فإن القرابة بينهما قائمة، إذ أنهما بتوحدان في مضمونهما وغايتهما ولا تميزان إلا في الشكل. صــ 102

▬ جاء مذهب الربوبية كأقوى اتجاه معارض للمعجزات؛ حيث كان هذا المذهب من آثار تقدم الطريقة العلمية في النظر إلى الطبيعة باعتبارها محكومة بقوانين ثابتة، لا يمكن خرقها؛ ومن ثم لا مجال للمعجزات، ولا للكتاب المقدس ليكون إعلاناً عن الله، ولا النبوة، ولا للعناية الإلهية التي تحتم أن يكون فيها المسيح هو الله الظاهر في الجسد؛ فالمسيح لم يكن سوى معلم أخلاقي، والعبادة لا ينبغي أن تكون إلا لله، والله نفسه إله متسامٍ ترك خليقته بعد أن خلقها لتحكمها القوانين الطبيعية التي يمكن للعقل البشري أن يكتشفها ويفهمها، ولقد وضع كذلك مبادئه الأخلاقية في الطبيعة البشرية التي يمكن اكتشافها كذلك، ويجب الحياة وفقاً لها؛ حيث إن هناك خلوداً، وعلى كل إنسان أن يلتزم بالأخلاق حتى ينعم بالثواب ويتجنب العقاب. ولم يكن إنكار المعجزات استناداً إلى الطريقة العلمية في النظر إلى الطبيعة مقصوراً على مذهب الربوبية القائل بالدين الطبيعي، بل كان أمراً يجد له أنصاراً من اتجاهات فلسفية شتى.. ومن هؤلاء الفلاسفة ديفيد هيوم الذي هاجم مفهوم المعجزة، إذا يرى عدم إمكانية حدوث معجزات خارقة لقوانين الطبيعة، ومن ثم فهو يرفض برهاناً أساسياً من البراهين التي تقدمها الأديان كعلامة على كونها من عند الله. صــ 194، 195

▬ إن الدين العقلي المحض عند كنت دين خالي من الدعاء والطقوس أو الشعائر والمناسك، لأنه في جوهره عمل بالقانون الأخلاقي، إذ أن السلوك الأخلاقي النابع من أداء الواجب الذي شرعه العقل لذاته بذاته هو العبادة الحقيقية. بينما الخضوع لطقوس وشعائر ولوائح كنسية، يقضي على حرية الإنسان، لأنها غير متضمنة لقيمة أخلاقية. كما أن الإيمان بشيء غير مستنبط من العقل، ومنتمٍ إلى عقائد تم إبلاغها إلينا بالرواية التاريخية، لا يستند إلى برهان كلي ودائم، لأن حجية مثل هذه العقائد مؤقتة بزمن ظهور ذلك الدين بالنسبة لأولئك الذين عاصروه وشاهدوا معجزاته. أما الذين لم يعاصروه فليسوا ملزمين بذلك، ومحاولة إلزامهم بإيمان تاريخي فيها قضاء على حريتهم العقلية والأخلاقية. ومن الواضح تأثر كنت بهيوم في هذا الصدد. صــ 223 ، 224


  • Digg
  • Del.icio.us
  • StumbleUpon
  • Reddit
  • RSS