فلسفة الثقافة (مصطفى النشار)

• الثقافة هي ما يشكل الوجدان الفردي أو الوجدان الجماعي لمجتمع ما وهي ما يشكل الدافعية لسلوكهم على نحو معين.
• إذا أردت أن تعرف عناصر حضارة شعب فانظر في الثقافة السائدة بين أفراده. فالثقافة هي واجهة الحضارة، وهي الدلالة على مدى التقدرم الذي أحرزه أبناء هذه الحضارة أو على مدى التخلف الذي يعانون منه.
• إن الثقافة المتحضرة هي الثقافة التي يشعر أصحابها بأن مشاركة الآخرين من أبناء الثقافات والأمم والحضارات الأخرى أفراحهم وأحزانهم وآلامهم ضرورة يفرضها على الجميع أنهم يعيشون على أرض واحدة وتظلهم سماء واحدة ويتمتعون بشمس واحدة، وبضوء قمر واحد.
• حرية العقيدة وحرية التفكير من الآليات المهمة في أي ثقافة متحضرة، فليس ممكناً أن نكون متحضرين إذا لم نكن نؤمن بأن للجميع نفس الحريات التي نتمنى أن نتمتع بها وأن نمارسها.
• إن الثقافة المعولمة لا تستطيع النفاذ إلى الأفراد والشعوب إلا عبر عقولهم وضمائرهم الأخلاقية وعبر إرادتهم الواعية الحرة.
• من سمات ثقافة التخلف أنها ثقافة غوغائية جمعية فوضوية يتساند فيها الجميع على الجميع دون أن يجرؤ أحدهم على تحمل مسئولية أي شيء وحده، إنها ثقافة لا تؤمن أن يكون للفرد دوراً محدداً يؤديه ويلتزم به ويبدع فيه منفرداً، فهي ثقافة القطيع.
• استيراد التكنولوجيا كاستيراد القيم الأخلاقية والثقافية مرفوض إذا تعارض مع ضرورات البيئة المحلية المستوردة، وإذا لم يتوافق مع معتقدات أبنائها وحاجاتهم الملحة.
• إن التغريب في حقيقة الأمر لا يحدث نتيجة ترجمة إبداعات الغربيين الثقافية عامة والعلمية خاصة، وإنما يأتي نتيجة انبهارنا بمل ننقل وحرصنا على أن نتلون ونتشكل تشكلاً ظاهرياً وفقاً له لغة واصطلاحاً ومضموناً.
• إن ثقافة التقدم وتأصيلها وتجذيرها في الواقع العربي وامتلاك أبنائه لها ليست غاية في ذاتها، وإنما هي وسيلة لتنمية المجتمع والاقتصاد المحلي وصولاً إلى الرخاء والسعادة وهما غاية أي فعل إنساني.

=============================
▬ إن الثقافة المنفتحة على الثقافات الأخرى دون تعال أو دون غرور هي الثقافة القابلة للتجدد والقابلة للاستمرار بعكس الثقافة المتعصبة التي ينظر أصحابها إلى أنفسهم على أنهم الأفضل والأعظم والأعلى قدرة وقوة، فإنها تعد ثقافة جامدة جاحدة لما أخذته بالتأكيد من عناصر من الثقافات الأخرى. ومن ثم فهي ثقافة مؤهلة لأن تنتحر ذاتياً؛ إذ لم توجد بعد الثقافة القادرة على أن تظل جامدة بعناصر ثابتة لا تتغير فمآل عناصرها الثابتة إلى الجمود والتحجر ومن ثم الموت. صــ 15

▬ ثنائية العقل والوجدان في اعتقادي من آليات الثقافة المتحضرة. وليس معنى الثنائية الانفصام أو الازدواجية في المعايير القيمية أو خلافه. بل معناها أنه على الإنسان أن يعيش حياة تلبي مطالب عقله كما تلبي مطالب وجدانه. وآلية الحياة العلمية - التقنية هي العقل وإبداعاته باستخدام الطريقة العلمية في التفكير... وآلية الحياة الروحية هي القلب أو الوجدان وتلك الحياة الرحية قد يقصد بها الشعور الديني أو الاستمتاع بالفنون والآداب المختلفة وأداة هذا الشعور الروحي هي الوجدان أو القلب ولا شك أنه كما قال باسكال أن للقلب منطقاً هيهات للعقل أن يفهمه. صــ 23

▬ إن الثقافة المتحضرة ذات بنية داخلية ديناميكية قابلة للتجدد وللتفاعل مع الثقافات الأخرى. وهي بنية ذات عناصر أصيلة ثابتة لا تتغير وإن استفادت من عناصر الثقافات الأخرى واستلهمت بعض عناصرها الإيجابية في تجديد شبابها وفي إعادة التوازن إلى عناصرها التي خبت جذوتها أو التي لم تعد تتلاءم مع أي عنصر من العصور المستحدثة التي تعيشها... فهي ثقافة تعطي بقدر ما تاخذ وتشارك بقدر ما تستلهم أو تستعير من عناصر الثقافات الجديدة. صــ 26

▬ إن آليات العولمة الثقافية كما نعرف كثيرة ومتعددة و قد تكون بالفعل عظيمة التأثير على المتلقي وليس أدل على ذلك من أن الكثيرين من أبنائنا المعولمين قد يجلسون أمام شاشات التليفزيون العالمية أو أمام شبكات الإنترنت العالمية معظم وقتهم يتلقون بانبهار كل ما يُبث ويتفاعلون مع ويتأثرون به بلا شك لكن هذا التلقي لا يحدث تأثيره في نفس الفرد أو بالأحرى في عقليته إلا إذا رغب الفرد في ذلك، وبعبارة أخرى إلا إذا أراد الفرد ذلك بالفعل وتفاعل مع هذه المواد التي يتلقاها بإيجابية. صــ 45

▬ إن الخلط بين التوجه الإيجابي والتوجه السلبي هو السمة السائدة بين شبابنا؛ فقد اختلطت لديهم القيم الإيجابية بالقيم السلبية لعصر العولمة نتيجة انعدام الوعي بالمعني الحقيقي للعولمة ونتيجة لعوامل اقتصادية وسياسية واجتماعية عديدة في مجتمعاتنا العربية تؤدي دوماً إلى احباط الشباب وفقدانه للهدف مما يؤدي إلى ذلك التوهان وتلك الحيرة التي يعاني منها بين أن يكون غربي الثقافة والهوى قاطعاً صلته بثقافته القومية وقيمه الأخلاقية والدينية. وبين أن يتحصن في ثقافته القومية ويتمسك بقيمه الدينية والأخلاقية رفضاً الثقافة الغربية ومستجدات العصر كلها. صــ 65

▬ إن ثقافة التقدم يقدر فيها الناس لكل واحد منهم إبداعه وتفوقه بصرف النظر عن مهنته أو نوع العمل الذي يقوم به، إنهم يقدرون العالم أو المفكر ويقدسون حريته في البحث أو في التأمل والإبداع، بنفس درجة تقديرهم للعامل الذي يكد ويجتهد في الحقل أو في المصنع فكل فرد سواء انتمى إلى هؤلاء أو إلى أولئك إنما هو نجم في عمله ويستحق الإشادة والتكريم طالما يقوم بعمله على خير وجه. صــ 98

▬ إن الفرد قد خُلق في الأساس فرداً متميزاً وهو وإن كان قد وُجد في بيئة متخلفة لا تسمح له بالتميز والتفرد على صعيد الإبداع الفكري أو الإنتاجي أو العلمي...إلخ فإنه يحاول ان يحقق فرديته على صعيد آخر بانكفائه على ذاته ومحاولة تحقيق ذاته في أرذل صورة، وهي الصورة الشهوانية بدءاً من شهوة الجنس وانتهاء بشهوة تكديس الأموال مروراً بتحطيم قيم الصدق والولاء والإخلاص والوفاء سراً ودون أن يشعر بذلك الآخرون. إن الفرد في ظل هذه الثقافة مصاب بازدواجية الشخصية؛ فهو أمام أسرته ومجتمعه ذلك الفرد المثالي المحافظ على كل التقاليد والأعراف المتحلي بكل الفضائل الخاضع لكل القيم المتعارف عليها، بينما هو ودون أن يعي ذلك يحاول بكل السبل أن يحقق ذاته الفردية في الخفاء بممارسة ما يستطيع من رذائل ومتع حسية وجسدية بعيداً عن أعين الآخرين. صــ 109


▬ لا يجب أن نستهين بهذه القضية الهامة؛ فنحن أمة تميل دائماً إلى العيش بين الكلمات ويميل أفرادها إلى الكلام والرغي بدون هدف محدد أو بدون الوصول إلى نتيجة محددة بصدد شيء ما وهذه آفة لابد أن نتخلص منها للتحول إلى الاستخدام العلمي للغة، وذلك الاستخدام العلمي للغة في اعتقادي لن يكون، ولن يشيع بين أفراد المجتمع إلا بالحرص على الثقافة العلمية التي قوامها تشجيع البحث العلمي بمختلف صوره وفي كل المجالات [..] إن مجموع إنفاق الحكومات العربية على البحث العلمي لا يتعدى 0.3%، وبمقارنة بسيطة نجد أن إنفاق الدول المتخلفة ومنها دولنا العربية بالطبع لا يمثل أكثر من 1.6% من مجموع إنفاق دول العالم على عمليات البحث العلمي وتوظيفه في تطوير التنمية. صــ 128 - 129

  • Digg
  • Del.icio.us
  • StumbleUpon
  • Reddit
  • RSS

المنطق التطبيقي (إسماعيل عبد العزيز)

• يستطيع الإنسان أن يفكر بالفطرة على نحو منطقي دون إلمام بعلم المنطق وأساليبه، فهو يفكر بفطرته مثلما يأكل ويشرب ويتحرك.
• إذا كان موضوع المنطق هو الفكر، فإن الفكر نفسه إنما هو في حاجة ماسة إلى الألفاظ لكي يتم انتقاله بين الناس فضلاً عن استخدام الألفاظ على نحور سليم، إنما يساعد بلاش شك على التفكير بطريقة أكثر دقة ووضوحاً.
• إن الحجج الاستقرائية تحتمل درجات من القوة تعتمد على مقدار التأييد الذي تمنحه المقدمات للنتيجة.
• من الخطأ أن نطلق على استدلال ما إنه مغالط لا لسبب إلا كونه يشتمل على مقدمة كاذبة أو أكثر. لأن مشكلة الخطأ التي تهم المنطق إنما هي صورية Formal problem.
• القياس هو قول مؤلف من قضيتين يلزم عنهما قضية ثالثة. وتسمى القضيتان اللتان توجدان في البداية بالمقدمتين بينما تسمى القضية اللازمة عنهما بالنتيجة.
• على حين ترتبط المغالطة بالتضليل والخداع، فإن الأغلوطة تخلو تماما من هذا الغرض، حيث يقع المرء فيه عن غير قصد، ودون توجه واع إلى تضليل غيره.
• على الرغم من النجاح الكبير الذي حققه المنطق المتعدد القيم على صعيد التطبيقات العلمية المختلفة، إلا أنه لم يسلم من الانتقادات العنيفة، نتيجة لوجود بعض الاعتبارات غير المبررة، مما أوقعه في كثير من الأحيان، في قفزات استدلالية غير مأمونة من وجهة نظر الكثيرين.
===============================

▬ لقد جرت العادة على تعريف المنطق بأنه علم التفكير الصحيح أيا كان الموضوع الذي يتم حوله التفكير فهو العلم الذي يضع لنا القوانين التي تجنب الإنسان الوقوع في الخطأ بما يضعه من قوانين عامة ليتبعها العقل الإنساني في تفكيره، وبالتالي فما كان من التفكير موافقا لهذه القوانين كان صحيحا، وما كان مخالفا لها كان فاسدا، ولهذا يعرف المنطق أحيانا بأنه علم قوانين الفكر. ومع أن هذا التعريف يقدم لنا مفتاحا لطبيعية المنطق إلا أنه غير ملائم للبعض، لأن الفكر - وهو موضوع المنطق إنما هو عملية نفسية من بين العمليات التي يهتم بدراستها علم النفس، بينما المنطق ليس فرعاً من فروع علم النفس، إنما هو مجال دراسة مستقل ومميز. ولهذا فإنه إذا كان الفكر يشير إلى آية عملية مما يحدث في عقول الناس، فإنه ليس كل تفكير يعد موضوعا لدراسة المنطق. نظراً لأن المنطق يهتم بنوع خاص من التفكير وهو التفكير الاستدلالي، والذي تكون فيه النتائج مستمدة من المقدمات، بينما ليس كل تفكير يعد استدلالاً. إذ ربما يكون التفكير مجرد تخمين أو تخيل أو تذكر دون أن يكون استدلاليا، ولهذا كان التعريف الشائع للمنطق هو أنه علم الاستدلال. صــ 16 ، 17

▬ على الرغم من معرفة أرسطو بقانون ثنائية التكافؤ، والذي ينص على أن القضية إما أن تكون صادقة أو كاذبة، إلا أنه لم يقبل صحة هذا المبدأ بالنسبة للقضايا المتعلقة بالأحداث المستقبلية الممكنة. ولهذا يرى أن أي قول يتعلق بحادثة مستقبلية يثبت أن ينكر ما سوف يقع ليس بصادق ولا بكاذب [...] إلا أنه على الرغم من أن الحجج التي أوردها أرسطو فيما يتعلق بمناقشته للمستقبلات الممكنة لم تتضح عبارتها تمام الوضوح، ولم تبلغ تمام تكوينها في الفكر، إلا أنها تحتوي على فكرة هامة وعلى قدر كبير من الخصوبة حيث إنها تمدنا بالباعث لأحد البحوث الرائدة للمنطق المتعدد القيم [...] إلا أن لوكاشيفتش يرى أنه من غير الملائم تسمية المنطق المتعدد القيم بالمنطق اللا-أرسطي نظراً لتشكك أرسطو نفسه في صحة مبدأ الثالث المرفوع في ميدان المستقبلات الممكنة، ولهذا فضل لوكاشيفتش تسميته بالمنطق اللاكريسبي على أساس أن كريسبوس كان أول من أعلن صراحة أن كل القضايا إما أن تكون صادقة أو كاذبة [...] ومعنى هذا أن المنطق الثنائي  أو المتعدد القيم لا يكمن في هذه النظرية أو تلك، بل يكمن أساساً فيما بعد المنطق، حيث يتحدد شكل خاص عن طريق قبول أو رفض مبدأ ثنائية التكافؤ. بمعنى أن كل من يقبل صحة مبدأ ثنائية التكافؤ، كما فعل كريسيبوس، سيقبل بالمنطق الثنائي، بينما كل من يرفض بالمثل ولو بصورة جزئية هذا المبدأ، كما فعل أرسطو، فإنه سيفتح الباب بذلك للمنطق المتعدد القيم. صــ 129 - 131

▬ على الرغم من كل ما يقال من أن التهديد الكبير لقانون الثالث المرفوع في الأزمنة الحديثة إنما جاء نتيجة لتطور المنطق المتعدد القيم وبشكل خاص من نسق لوكاشيفتش الثلاثي القيم، إلا أن تشارلز بيلز لا يوافق على هذا حيث أثبت أن وجود المنطق المتعدد القيم ليس له علاقة إلى حد بعيد بمبدأ الثالث المرفوع على أساس أن هذه الأنساق إنما هي في الحقيقة مخططات غير مفسرة، ولا تدعي التوافق مع المعاني المعروفة لكلمة صادق وكاذب، بل والأكثر من هذا أن نسق لوكاشيفتش، فيما يبدو، لم يُخترع في الأصل كمخطط غير مفسر فحسب، بل إنه نشأ ضد النقاش الموجود في كتاب العبارة فيما يتعلق بتطبيق المبدأ على المستقبلات الممكنة. صــ 135


  • Digg
  • Del.icio.us
  • StumbleUpon
  • Reddit
  • RSS

الفلسفة اليونانية بعد أفلاطون (مصطفى النشار)


• لقد نجح أرسطو في التمييز بين التخيل والإحساس؛ فالإحساس إما قوة وإما فعل مثل البصر والإبصار، أما الخيال فهو صورة قد توجد في غيبة البصر والإبصار مثل الصور التي نشاهدها في النوم.
• إن الخبير عادة ما يكون عارفاً عن طريق الخبرة وتكرارها بالأمور الجزئية لكنه لا يستطيع أن يستنبط من هذه الخبرات القوانين العامة لأن من يملكها هو العالم الذي يملك العلم النظري بهذه القوانين وبتلك المباديء والعلل الكلية للأشياء والظواهر التي تقع في نطاق تخصصه العلمي.
• إن الضرورة في الميتافيزيقا يجب أن تكون بحثاً في الجوهر وفي الرياضيات هي بحث في المسلمات أو المصادرات أما في الطبيعيات فهي بحث في المادة.
• لقد اختص أرسطو النفس بداية بأنها ما يحول الحياة بالقوة في الجسم الطبيعي إلى حياة بالفعل وهذا هو ببساطة ما قصده بأن النفس هي صورة الجسم فالنفس صورة الجسم الطبيعي نظراً لأنها ما يحول الحياة بالقوة فيه إلى الحياة بالفعل.
• إن الأبيقوريين كانوا يعتقدون أن العلم ليس من أجل العلم، وإنما من أجل تحقيق السعادة للإنسان.
• يتألف الكون عند أبيقور من أجسام ومن خلاء، والإحساس هو ما يثبت لنا في كل المناسبات وجود الأجسام كما أن ما يقودنا إليه الاستدلال من تخمينات حول اللامرئي إنما يحصل بالضرورة بمقتضى هذا الإحساس... ومن جهة أخرى لو لم يوجد ذلك الشيء الذي نسميه الخلاء أو الفضاء لما أمكن للأشياء أن تحتل حيزاً ولا أن تتحرك.
• إن الحكيم الحق عن أبيقور هو من يدرك أن السكينة Ataraxia التي يحققها بمعارفه وتأملاته الفلسفية تجعله إلهاً حقيقياً يعيش وسط الخيرات الخالدة رغم وجوده بين الآدميين.
• الفلسفة عند أبيقور تلعب دوراً شبيهاً بدور الطب؛ فمثلما يخلصنا الطب من ألم الجسم، كذلك يجب أن تخلصنا الفلسفة من ألم النفس.
• إن ثمة خيطاً رفيعاً عند أبيقور بين مصلحة الفرد ومصلحة المجتمع، فالمتجمع هو مجموع الأفراد، وإذا آمن كل فرد بأن سعادته تكمن في عدم الإضرار بالآخرين والحفاظ على صداقته معهم كلما أمكنه ذلك، لساد المجتمع ككل نوعاً من العدل وهو العدل المفيد للعلاقات الاجتماعية.
• إن الإحساس عند الرواقيين هو أول مراتب المعرفة لكنهم يعتبرونه ليس إلا مادة تتناولها النفس وتكيفها كيفما تشاء من خلال العقل حيث تستخرج منها التصورات الحسية مميزة فيها بين التصورات الحسية الحقيقية والتصورات الحسية الزائفة.
• إن أول المباديء التي تقود الإنسان إلى المثل الأعلى للإنسان الكامل في نظر الرواقيين هو: مبدأ الخلو من الانفعالات وهذا ما يسمى عند الرواقيين حالة الأباثيا Apathy فالحكيم رجل لا انفعالات له لأنه لا يترك نفسه يسقط فيها.

=================================
▬ [...] ولنسارع هنا إلى القول بأنه ليس معنى أن أرسطو يفضل المعرفة العقلية بشقيها النظري والعملي على المعرفة الحسية، أنه يهمل - كما أهمل سابقه أفلاطون - المعرفة الحسية، بل على العكس من ذلك فهو يعطي أهمية قصوى للمعرفة الحسية من زاويتين هامتين: أولهما: أنها نقطة البداية في المعرفة الإنسانية بالعالم؛ فعمل الحواس من سمع وبصر وخلافهما هو نقطة بداية تعرفنا على العالم الخارجي. وثانيهما: أن أرسطو - على عكس أفلاطون - يرى أن هذه المعرفة الحسية وما تنقله إلينا الحواس من معطيات حسية حول الأشياء الخارجية هو نقطة البداية في عمل العقل. فالعقل لا يبدأ عمله من فراغ بل يبدأ من تحليل ما تنقله إليه الحواس عن صفات هذه الموجودات الخارجية وأحوالهما. صــ 10

▬ [...] قلنا أن الإحساس يتم بانفعال العضو الحاس لا بمادة المحسوس وإنما بصورته ولكي يتم هذا الإنفعال لدى الحواس الخمس لا بد في رأي أرسطو من توافر شروط؛ منها بالطبع سلامة الحاسة، وكذلك وجود المحسوس الذي هو موضوعها وكل حاسة لا تنفعل إلا بصورة محسوسها فقط؛ فالعين لا تنفعل إلا باللون، والأذن لا تنفعل إلا بالصوت وهكذا فلكل حاسة موضوع انفعالها المستقل عن الحواس الأخرى. ومن هذه الشروط العامة أيضاً للإحساس وجود وسط بين الحاسة والمحسوس، فالإحساس ليس عملية تصادمية بحتة عند أرسطو، بل يتم بتوافر وسط معين بين الحاسة والمحسوس كالضوء بالنسبة للعين، والهواء بالنسبة للأذن والأنف. صــ 13

▬ إن أرسطو إذن يميز بين عقل هو هيولي أو هو بالقوة، وعقل هو بالفعل وهو الذي يمثل العلة الفاعلة للمعرفة العقلية، ويؤكد على أسبقية الأول زمانياً، وإن لم يكن هذا التقدم بذي قيمة نظراً لأنه لا معرفة تتم للعقل إلا بوجود القوة الفاعلة التي من شأنها تحويل الاستعداد أو الوجود بالقوة إلا الوجود بالفعل! بمعنى أن كل ما قصده أرسطو هنا هو التأكيد على أن القدرة على التفكير لدى الإنسان تسبق التفكير الفعلي. وبالطبع فلا قيمة لهذه القوة إلا إذا تحولت إلى فعل! [...] إن أرسطو لم يتحدث عن عقلين مستقلين كما صور ذلك بعض شراحه ممن أساءوا فهمه بل تحدث عن عقل واحد وميز بداخله بين قوتين، وقد وصف العقل بالقوة بصفة الهيولانية ليعبر فقط - كما أشرنا من قبل - عن قدرته على المعرفة حتى قبل أن يصبح بالفعل. وهذا لا يعني أبداً أي إشارة إلى صفة تتعلق بالتركيب الأنطولوجي الجوهري لهذا العقل. صــ 22 ، 23

▬ أما المعرفة الحدسية فهي الدرجة الأرقى والأهم من درجات المعرفة الإنسانية نظراً لأن العقل فيها لا يستند في إدراكاته لتلك الخبرات الجزئية - الحسية - ولا يعنيه إلا إدراك الحقيقة إدراكاً مجرداً بصرف النظر عن فائدتها العملية أو عن إمكانية الاستفادة منها في اي مجال من مجالات الحياة. إن القوة الفاعلة (الحدسية) من العقل تقوم إذن في نظر أرسطو بتكوين وتجريد التصورات الكلية العامة إذ بها نحدس الحقائق الكلية على حد تعبير روس. وبها أيضاً نستدل من حقيقتين كليتين على حقيقة ثالثة. فضلا عن أن هذه القوة الحدسية من العقل هي ما تدرك ما لا يقع مطلقاً في الخبرة الحسية ولا تخضع لتحيلات العقل العملي أو الاستدلالي من كائنات يقع على قمتها الإله ذاته. صــ 24

▬ [...] وبالطبع يكون التساؤل هنا: وكيف يمكننا أن نصل إلى إدراك هذا الجوهر؟ لقد كان أفلاطون يرى ببساطة أنه لا يوجد إلا في ذلك العالم المفارق عالم المثل وأنه لكي ندرك حقيقة أي شيء في هذا العالم الظاهر لا بد أن ندرك أولاً ماهيته الكلية في عالم المثل. أما أرسطو فيبدأ بالطريق العكسي؛ فأفلاطون يصر على البدء بمعرفة الكلي لنتعرف من خلاله على الجزئيات التي تمثل ظلاله! أما أرسطو فيرى أن البداية المنطقية هي البدء باستقراء الجزئيات التي تمثل ظلاله! أما أرسطو فيرى أن البداية المنطقية هي البدء باستقراء الجزئيات والانتقال منها إلى إدراك الكلي؛ فسائر الكائنات باستثناء الإله لا يمكن أن تعرف إلا عن طريق التجربة باستقراء الحالات الفردية والانتقال منها إلى الحالات الكلية، ومن الصور الدنيا إلى الصور العليا، فلابد إذن الوصول إلى الحقائق الكلية من القيام بالكثير من التحليل والوصف والاستقراء. صــ 30 ، 31

▬ [...] وإذا كان ذلك مما هو متفق عليه تقريباً بين العلماء من دارسي أرسطو، فإنهم يختلفون حول جدوى السؤال الأرسطي عن اللماذا؟ أي يختلفون حول أهمية البحث عن العلة الغائية حتى لقد قال بيكون ساخراً أن السعي وراء العلل الغائية إنما هو سعي عقيم لا يولد شيئاً مثل العذراء التي تهب نفسها لله، فلقد اتجهت العلوم - كما يقول بول موي - إلى الاقتصار على البحث عن الأسباب وإغفال الغايات حيث أن التفسير الغائي يفترض التفسير بالسبب أما العكس فغير صحيح. صــ 49

▬ إن هذا التحول من درجة من الوجود إلى درجة أخرى أكثر كمالاً وتحقيقاً لمعنى الوجود هو جوهر رؤية أرسطو الفلسفية للعالم الطبيعي، فالعالم الطبيعي بكل موجوداته إنما هو في حركة دائبة شوقاُُ إلى اكتساب صورة أكثرة كمالاً وأكثر اقتراباً من صورة الصور، صورة المحرك الأول الذي هو العالة الأولى للحركة رغم أنه بالضرورة لا يتحرك ولا ينبغي أن يتحرك وإلا لبحثنا عن علة أولى أسبق لحركته.. إن وجود العالم الطبيعي إنما هو وجود ناقص يطمح ما فيه إلى الكمال بحركته. وهذه الحركة تفترض محركاً أول يكون علة لها. وهكذا يسوقنا أرسطو إلى أهم ما في الميتافيزيقا، موضوع الوجود الإلهي الذي به اتسمت الميتافيزيقا بسمة العلم الإلهي. صــ 77

▬ إن الفعل الوحيد للإله حسب ما جاء في نصوص أرسطو هو تعقل ذاته ومن ثم فالإله عنده: أولاً: لا يعني بالعالم ولا يهتم به رغم أنه علته الفاعلة من حيث كونه علة غائية لحركته بوصفه المعشوق الذي يعشقه محبوه فيتحركون شوقاً إليه وهو ذاته لا يتحرك رغم أنه علة حركتهم هذه! ثانياً: لا يعلم عن هذا العالم شيئاً محدداً لأنه لا يصح أن يفكر الكامل في الناقص، ففعله الأوحد كما قلنا الذي يليق بكماله هو "التفكير في التفكير" أي التفكير في ذاته وليس في غيره ومن ثم تبطل هنا تفسيرات ابن رشد وتابعه القديس توما الإكويني فهما قد حاولا إيجاد مخرج لهما من هذا الإصرار الأرسطي على تقوقع الإله داخل ذاته والتفكير المطلق فيها بأن قال الأول: إن الله يدرك المباديء الكلية للوجود وللموجودات لأنها من طبيعة ذاته. وقال الثاني: إن الله يدرك ما عداه من الموجودات من خلال إدراكه لذاته ولا يخفى علينا في ضوء ما قدمنا من مدى ابتعاد هذين التفسيرين عن حقيقة الرأي الأرسطي. ثالثاً: إن الإله ليس خالقاً للعالم؛ إذ يتنافى القول بأزلية المادة مع القول بأن الإله خالقه أو مبدعه. والمعروف أن أرسطو كما أسلفنا القول يؤمن بأزلية المادة وأزلية الحركة وأزلية الزمان بالتالي. ومن ثم فلا مجال للقول بأن الإله خالق للعالم أو مبدعه من عدم. صــ 81

▬ [...] ويتضح من ذلك أن ما أراده الإسكندر في غزوه لبلاد الشرق من سيادة للثقافة والفكر اليوناني على الشرق لم يتحقق، بل ربما تحقق العكس من ذلك؛ إذ يبدو أن الثقافة والفكر الشرقي هو الذي غزا بلاد اليونان؛ فقد أصبح أشهر فلاسفة أثينا وهم الرواقيون في ذلك الوقت هم من أتوا من خارج أثينا ومن أصول شرقية حاملين ثقافتهم الشرقية وعقائدهم الدينية المختلفة. ومن ثم كان من الضروي أن يحدث ذلك الامتزاج بين فكر الشرق وفكر اليونان لدى هؤلاء أو أولئك من فلاسفة هذا العصر الهللينستي فلم يعد فكر اليونان خالصاً كما لم يعد فكر الإنسان الشرق خالصاً... لقد ترتب على هذا الامتزاج بين الفكر الشرقي والفكر اليوناني أن تعرضت صورة الفلسفة التقليدية لليونان إلى الانهيار... لقد تحولت نظرة الفيلسوف في هذا العصر من البحث عن الحقيقة المجردة للوجود وإدراك مظاهره المختلفة والكشف عن كنهها وماهيتها إلى البحث عن طريق للسلوك يحقق للفرد السعادة الذاتية... ومن هنا غابت الأصالة واستعرت نزعة الشك لدى البعض، والنزعات المتطرفة لدى البعض الآخر سواء بالاتجاه نحو الزهد المتشدد أو نحو اللذة المفرطة [...] وبالطبع فليس معنى ذلك أن البحث الفلسفي في هذا العصر قد تدهور إلى حد أنه لم يعد هناك بحثاً في نظرية الوجود أو في نظرية المعرفة، بل المقصود هنا أن فلاسفة هذا العصر قد اتخذوا من البحث في الوجود والمعرفة الإنسانية تكئة للوصول إلى غاية بعينها هي الوصول إلى التماس طريق لسعادة الفرد في حياته العملية. صــ 107 - 109

▬ إن الإحساس في نظر أبيقور هو أكثر مصادر المعرفة الإنسانية بداهة، فهو صادق دائماً. وقد روى شيشرون قوله أنه لو خدعه حس واحد مرة واحدة في حياته فهو لن يثق بأي حس من حواسه أبدا. فلا مجال إذن للشك في ما تنقله الحواس، فكل ما تنقله صادق دائماً... وربما تعود هذه الثقة الزائدة في الحواس من الأبيقوريين إلى تفسيرهم المادي لعملية الإحساس ذاتها، إذ أن الإحساس لديهم إنما يتولد عن تماس مباشر بين العضو الحاس والشيء المحسوس، لا فرق في ذلك بين اللمس أو الذوق، وبين البصر أو الشم والسمع... إذا على الرغم من أن لوكريتيوس قد استعرض الأمثلة العديدة التي تدين الحواس وتبين تناقضها مثل: البرج المربع الذي يبدو مستديراً عن بعد، والأجرام السماوية التي تبدو ثابتة ثم تبدو متحركة عند تنقل السحب إثر هبوب الرياح، والمجذاف الذي يبدو منكسراً في الماء...إلخ، إلا أنه يبقى متمسكا بالثقة الشديدة في صدق الحواس وبأنه لا سبيل للشك فيها. وذلك لأن استاذه أبيقور قد فسر هذه التناقضات بأنها إنما ترجع إلى الحكم الذي يضاف إلى الإحساس وليس إلى الإحساس نفسه؛ فرؤية المربع مستديراً هي على سبيل المثال رؤية صادقة بالنسبة لنا، أما الخطأ فهو يكمن في الاعتقاد بأن البرج مستديراً حقا... والحقيقة أن هذا التبرير الأبيقوري قد زاد الطين بلة لأنه لم يدحض خطأ الحواس بقدر ما أكده! إذ كيف يمكن له أن يختار الإحساس معياراً للحقيقة بعد أن تبين لنا أن الأشياء ليست بالضرورة مطابقة لموضوعاتها وأنه يحدث لها تشويه يجعلها غير مطابقة لحقيقة الموضوع... على كل حال، فإن الشيء الهام عن أبيقور ليس معرفة الشيء المدرك في حد ذاته بقدر ما هو معرفة الشيء في علاقته بوجودنا نحن. صــ 115 - 117

▬ قد نتصور أن هذه الفلسفة المادية ذات النزعة الإنسانية التجريبية لأبيقور لم تتسع للحديث عن الوجود الإلهيّ لكن على العكس من ذلك فأبيقور يرى أن الآلهة موجودة وهو على يقين من وجودها. كل ما هنالك أنه في ضوء ذلك التصور المادي الآلي لكل ما في العالم الطبيعي، قدم تصوره لوجود الآلهة على نحو تشبيهي تجسيمي إنساني فهي مركبة من ذرات هي الأخرى وإن كانت هذه الذرات أكثر لطفاً ودقة من الذرات النفسية؛ فهي ذرات ذات طبيعة أثيرية أو شبه جسمية. والآلهة كالبشر في مظهرهم؛ فهم يتوالدون ويأكلون مثلما يفعل البشر... إن الكافر في نظر أبيقور ليس الذي ينكر وجود الآلهة، بل هو من ينسب إليها صفات وهمية كالتي ينسبها الجمهور. إن ما يثبته الجمهور لا يقوم على أفكار بديهية وإنما على افتراضات كاذبة. إن لدينا جميعاً تصوراً قبلياً عنها هو أنها كائنات سعيدة مغتبطة دائماً ولا يعكر صوفها مكعر. لكن عامة الناس كثيراً ما يقرنون بين هذا التصور القبلي وبين العديد من الظنون والأوهام التي يرى أبيقور أنها خاطئة؛ مثل أن الآلهة تعني بشئون العالم وأنها تملك إيذاء البشر ومن ثم فإن الناس تمتليء حياتهم بالخوف منها ويقدمون لها الأضاحي والقرابيين ويسألونها المدد والرضى! وهذه معتقدات باطلة وأساطير ينبغي التخلي عنها في نظر أبيقور لأن الكائن الذي يحيا في سعادة وطمأنينة كاملتين لا يمكن أن تساوره الهموم والمشاعر التي نعزوها إلى الآلهة. صــ 128 - 129

▬ إن الأخلاق الأبيقورية هي نتاج كل ما سبق من آراء أبيقورية؛ إذ تستند على دعامتين هما: النظرية الحسية ذات النزعة التجريبية في المعرفة الإنسانية، والتفسير المادي الذري للعالم الطبيعي. ويبدو هذا من أن الأخلاق الأبيقورية تستهدف وصف الحياة السعيدة للإنسان وتهيئها له عبر مظهرين اثنين أحدهما إيجابي والآخر سلبي، أما الإيجابي فيتلخص في الدعوة إلى أن يعيش الإنسان حياة اللذة ويستمتع بطيبات الحياة أما السلبي فيتلخص في محاولة تخليص الإنسان من كافة المخاوف التي تقلق حياته مثل الخوف من الموت أو من الآلهة أو من عذاب الجحيم. صــ 129

▬ إن السعادة عند أبيقور إنما تبدو أكثر ما تبدو لدى الإنسان البسيط القادر على التمتع بكل ما هو طبيعي وضروري من رغبات لأنه هو القادر على إشباعها دون أن يتطلب المزيد والمزيد؛ فالفقر المتزن مع حاجاتنا غنى وفير، وعلى العكس من ذلك الغنى فقر مدقع بالنسبة إلى من لا يعرف حدودا. إن الحياة السعيدة عن أبيقور لا تتمثل في السكر المتواصل أو فيما تقدمه المآدب الفاخرة من سمك شهي وأطعمه لذيذة، ولا في التمتع بالنسوة والغلمان، بل تتمثل في العقل اليقظ الذي يبحث عن أسباب اختيارنا لشيء ما أو تجنبنا له والذي يرمي عرض الحائط الآراء الباطلة التي يتولد عنها أكبر اضطراب تعرفه النفس. صــ 134

▬ لقد قبل الرواقيين في طبيعاتهم مبدأ الثنائية؛ ثنائية الفاعل والمنفعل، المبدأ والعنصر، الإله والمادة، لكنهم لم يقبلوها على النحو الذي كانت موجودة به عن أفلاطون أو عند أرسطو؛ فقد كانت الثنائية لدى الأول ثنائية المعقول والمحسوس "عالم المثل وعالم الأشياء"، وكانت ثنائية الثاني ثنائية الصورة والمادة حيث يمكن عنده الفصل بينهما والحديث عن إحداهما باستقلال عن الآخر، بينما الثنائية التي آمن بها الرواقيون ثنائية ظاهرية فقط تمكننا فقط من تفسير العلية في العالم الطبيعي بوجهيها الفاعلة والمنفعلة؛ فالوجه الفاعل هو المبدأ، هو الإله، هو النفس...إلخ، بينما الوجه المنفعل هو العنصر، هو المادة، هو الجسم وهذان الوجهان الثنائيان لأي شيء في هذا العالم الطبيعي لا ينفصلان ولا يمكن عزل أحدهما عن الآخر بحال فالمبدأ الفاعل عند الرواقيين هو مبدأ مؤثر في الأشياء فيه تتماسك أجزاؤه وبه كذلك تبدو صورته. صــ 155

▬ إن الحكيم عند الرواقيين هو الرجل المثالي في كل شيء، الكامل في شعوره بالسعادة، هو وحده الحر ومن ثم فهو وحده الأجمل والأغنى والأسعد؛ وإنه بتعبير زيللر الذي يحوز كل الفضائل وكل المعرفة. فهو وحده الذي يفعل الصواب في كل شيء. وهو وحده الملك الحقيقي، السياسي الحقيقي، الشاعر الحقيقي، هو الملهم والمرشد...إلخ، هو المتحرر من كلية الحاجات والآلام، وهو الصديق المحبوب للآلهة. إن فضليته دائمة ولا يمكن أن يفقدها، وسعادته لا يمكن أن تنقص من وقت لآخر. صــ 164

▬ إن الأخلاق الرواقية تقوم على مبدأ الحياة وفقاً للطبيعة... الاعتقاد بأن الإنسان هو جزء من هذا الكون الكبير. وهو مخلوق ليؤدي دورا في هذا العالم الطبيعي مثله مثل أي كائن آخر. وقد قيل ما قيل في ذلك من أن الرواقيين كانوا -وهذا صحيح- يؤمنون بأن الإنسان في هذه الحالة أشبه بممثل يؤدي دوراً مرسوماً على مسرح الحياة، وهذا الدور محدد له من قبل العناية الإلهية وهو قدره المحتوم الذي لا فكاك منه... وعلى الرواقي أن يؤدي دوره المحدد سلفاً دون أي مناقشة وبدون شعور بالألم أو اللذة، أي يؤدي دوره بتفان ودون انفعالات كما سبق وأشرنا. صــ 165


▬ إن فلسفة أفلوطين تقوم على اعتقاده بوحدة الوجود الذي جوهره المطلق فقد صدرت الموجودات عنه وترتد إليه، حيث العالم المعقول عند أفلوطين مكون من أقانيم ثلاثة هي المطلق والعقل الكلي والنفس الكلية وعنها ينبثق العالم المحسوس عبر ما أسماه أفلوطين الأصول البذرية أو مبدأ الطبيعة وهذا هو الطريق إلى أسفل الذي يشكل ميتافيزيقا أفلوطين فكل الموجودات بما فيها أقانيم العالم المعقول هي فيض من المطلق وترتد إليه. وقد قيل إنه أخذ وحدة الوجود عن الفلسفة اليونانية فقد كان لدى بارمنيدس فكرة مماثلة وكذلك كان لدى الرواقية نفس الفكرة لكن الحقيقة أن فكرة أفلوطين مختلفة عن الفكرة الإيلية، فالطابع العالم لنظرة بارمنيدس إلى الكون يختلف كل الاختلاف عن طابع مذهب أفلوطين؛ فصورة العالم عند الأول سكونية، فالكون لديه يكون متجانساً لا تنوع فيه ولا تدرج، أما عند أفلوطين فصورة العالم مركبة متدرجة من الواحد إلى العقل الكلي إلى النفس الكلية إلى مبدأ الطبيعة فعالم الأشياء الحسية. وكذلك فإن فكرته مختلفة عن مثيلتها الرواقية، فقد كانت وحدة الكائن عندهم تفسر على أساس وجود مبدأ فعال روحاني يسري في الكائن فيكسبه التماسك والوحدة. أما عند أفلوطين فإن أساس الوحدة هي التأمل فإن تأمل الكائن لما هو أعلى منه في الوجود والوحدة يضفي عليه وجوداً ووحدة، فالقول بأن الوحدة هي مصدر الوجود يعني أن الفكر والتأمل هو مصدر الوجود... إن  وحدة الوجود عن أفلوطين تتميز بأنها وحدة وجودية حية ديناميكية صدورية - فيضية كما أسماها بحق زيللر. إن العالم عند أفلوطين ينبثق كنوع من الفيض التدريجي عن الحياة الإلهية التي تنبثق أصلاً عن الواحد دون أن تنقص من ذاته شيئا. صــ 187 - 188

  • Digg
  • Del.icio.us
  • StumbleUpon
  • Reddit
  • RSS

الأصولية والعلمانية (مُراد وهبه)

• إن للعقل خاصية متميزة في أنه محكوم بمواجهة مسائل ليس في الإمكان تجنبها. فهي مسائل مفروضة عليه بحكم طبيعته. بيد أن العقل عاجز عن الإجابة عنها. (كانط)
• إن بزوغ الأصوليات ليست مجرد رد فعل ضد الرؤى الكونية الجديدة التي تهدد تراثها "المقدس"، بل هي تهدف إلى تشكيل العالم استناداً إلى مقولات ثلاث: العنف والإرهاب والثورة، وإلى السيطرة على التعليم والإعلام وتأسيس مدارس ومعاهد أصولية.
• إن كلاً من الرأسمالية الطفيلية والأصولية الدينية مدمر لحاضرة العصر، وحيث أن كلاً منهما مناقش للآخر فيحق النا القول بأن ثمة علاقة جدلية بينهما، أي علاقة يمكن أن يقال عنها أنها تعبير عن وحدة وصراع الأضداد.
• إن الأصولية من حيث هي نظرية قد وُلِدت لسد الفراغ الأيديولوجي الذي نشأ عن الأبنية التقليدية، وعن سقوط النماذج المستوردة من الغرب.

=======================================
▬ في القرن الخامس قبل الميلاد أنكر أنكساغوراس الطبيعة الإلهية للأجرام السماوية. وذهب إلى القول بأن القمر أرض فيها جبال ووديان، وأن الشمس والكواكب أجرام ملتهبة، لا تختلف طبيعتها عن طبيعة الأجسام الأرضية. ولم يطق ملاك الحقيقة المطلقة مثل هذا القول الذي قاله أنكساغوراس لاعتقادهم أن كل ما هو سماوي فهو إلهي، وأن من يتنازل عن مثل هذه الأمور بأسلوب علمي هو مجرم في حق الدولة. واتهموه بالإلحاد  فاضطر إلى مغادرة أثينا حيث كان يقيم ويتفلسف. ثم قدم إلى أثينا بروتاغوراس حوالي عام 450 ق.م ونشر كتاباً أسماه "الحقيقة" وردت فيه العبارة: "الإنسان مقياس الأشياء جميعاً". ومعنى هذه العبارة أن الحقيقة نسبية بنسبية الإنسان. ثم رتب على هذه العبارة عبارة أخرى هي قوله: "لا أستطيع أن أعلم إن كان الآلهة موجودين أم غير موجودين. فإن أموراً كثيرة تحول بيني وبين هذا العلم أخصها غموش المسألة وقصر الحياة". فاتُهم بالإلحاد وأُحرقت كتبه، وحكم عليه بالإعدام، ولكنه فر هاربا. أما سقراط فكان يعتقد أن حكمته تقوم في علمه بجهله بينما غيره جاهل يدعي العلم. فمضى يحاور السياسيين في حلقات واسعة، فلا يلبث أن يبين لهم أنهم لا يعلمون شيئاً، وأن ما يعلمونه إما ظن، وإما عن إلهام إلهي، وكلاهما مباين للعلم، فاتهموه بأنه ينكر الآلهة، ويفسد الشباب، وحكم عليه بالإعدام، وقبل سقراط الحكم. وفي النصف الأخير من القرن الثاني للميلاد نشأت طائفة من الشكاك بزعامة سكستوس امبيريقوس، أي سكستوس التجريبي. جاء في أحد مؤلفاته أن المبدأ الأساسي للمذهب الشكي يدور على أنه: "لكل حجة حجة مضادة لها" ثم يستطرد قائلاً:"إننا نعتقد أن من لوازم هذا المبدأ الوصول إلى نقطة نمنع فيها عن أن نكون دوجماطيقيين". ومعنى ذلك على حد قوله أن "الشاكُ يرفض الدوجماطيقية" والغريب في أمر سكستوس وأصحابه أن ترجمة مؤلفاته قليلة ومن الصعب العثور عليها. وبسبب جهلنا بنصوص هذه المدرسة الشكية أُفرغ لفظ الشك من مضمونه. وأغلب الظن أن جهلنا بالنصوص مردود إلى سلطان ملاك الحقيقة المطلقة، أي الدوجماطيقيين..... صــ13 ، 14

▬ يمكن القول بأن الأصولية، أياً كانت سمتها الدينية، مسيحية أو إسلامية أو يهودية، أو أية ملة أخرى، تمزج المطلق بالنسبي، والحقيقة الأبدية بالحقيقة العابرة، وبذلك تدافع عن حقيقة لاهوتية ماضوية، وكأنها رسالة أبدية موجهة ضد حقيقة لاهوتية راهنة، فتعجز عن التعامل مع الوضع الراهن، ليس لأنها مجاوزة لهذا الوضع ولكن لأنها تتحدث عن وضع ماضوي فتمنح مصداقية أبدية لرؤية نسبية. وفي هذا السياق تصبح الأصولية ممهدة لما أسميه: (صراع المطلقات). وأقول الأصولية من غير ذكر للسمة الإسلامية: لأن هذه هي الأصولية أيا كانت سمتها الدينية. وصراع المطلقات لا تستقيم معه الدعوة إلى سلام العالم. فسلام العالم ليس ممكناً إلا بسلب الدوجما من الدين، أي نفي الدوجماطيقية. وهذا النفي ليس ممكناً إلا بنفي علوم العقائد بسبب أن مفهوم الحرب كامن في هذه العلوم. ومن هنا فإن حوار الأديان، إذا أقيم على أسس هذه العلوم، محكوم عليه بإفراز الأصولية الدينية. ذلك الحوار يفترض التسامح، أي يفترض مشروعية الرأي المخالف. فإذا ارتقى الرأي والرأي المخالف إلى مستوى المطلق، تحول الحوار إلى نقيضه، أي إلى صراع، لأن المطلق بحكم طبيعته، لا يقبل التعدد. والمفارقة هنا أن تعدد المطلقات مهدد للمطلقات. ومن شأن هذا التهديد أن يقضي مطلقٌ على باقي المطلقات - وهذا هو منطق حوار الأديان وهو أقوى من القصد الطيب في الحوار. صــ 40

▬ [...] بيد أن هذا الانتقال كان، في جوهره، تعبيراً عن نقلة فكرية يمكن تحديدها بعام 1543، وهو العام الذي صدر فيه كتاب من تأليف نيقولا كوبرنيك بعنوان "في دورات الأفلاك السماوية". وهذا التاريخ يمكن أن يُعتبر حداً فاصلاً بين نهاية العصر الوسيط وبداية العصر الحديث، إذ هو أعمق من حادثة استيلاء الأتراك على القسطنطينية أواكتشاف كولومبوس لأمريكا. ذلك لأنه يرمز إلى نهاية عالم ومولد عالم جديد. فبفضل كوبرنيك، لم يعد الإنسان مركزاً للكون، وتوقف الكون عن الدوران حول الإنسان. وقد عبير كوبرنيك عن ذلك حين قال إن بقاء أكبر الأجرام ثابتاً على حين تتحرك حوله الأجرام الصغرى أفضل من دوران الأجسام حول الأرض، لأننا إذا افترضنا الأرض متحركة وهي المكان الذي نشاهد منه الحركات السماوية حصلنا على صورة للعالم أبسط من الصورة المبنية على افتراض الأجرام السماوية هي المتحركة. وهكذا لم يعد الإنسان مركزاً للكون، ولم يعد الكون متصوراً على دروانه حول الإنسان. وهكذا (اجتث كوبرنيك الأرض من جذورها ورماها في السماء). صــ 46


▬ ومشكلة الأصوليين تدور على أنهم يريدون تحويل ما هو تاريخي إلى ما هو "منطقي" بمعنى أن لديهم اعتقاداً راسخاً هو أن الإسلام يقدم لنا أجوبة عن جميع الأسئلة الهامة الخاصة بالشئون الدنيوية بغض النظر عن الظروف التاريخية. ولهذا فإن موقف الأصوليين من العلمانية هو أنها مرفوضة ليس فقط من الزاوية الدينية بل أيضاً من الزاوية المعرفية. وفي عبارة أخرى يمكن القول بأن موقفهم يدور على أن "معرفة" كيفية تنظيم الشئون الدنيوية مشتقة من "المعرفة الدينية". وإذا أطلقنا على المعرفة أنها "معرفة علمية" فمعنى ذلك أن أساس معرفة الإنسان العلمية يكمن في المعرفة الدينية. صــ 73

  • Digg
  • Del.icio.us
  • StumbleUpon
  • Reddit
  • RSS

الإسلام والعلم .. الأصولية الدينية ومعركة العقلانية [برويز بيود - ترجمة (محمود خيال)]


• يرتبط التقدم العلمي ارتباطاً وثيقاً بالمعتقدات ولا يمكن الفصل بينهما.
• دفعت الحضارة الإسلامية ثمناً فادحاً على مر التاريخ، بسبب فشلها في الاستحواذ على مقاليد العلم، مما تسبب في تراجعها وتخلفها، مقارنة بتقدم الغرب وارتقائه.
• إن الاستعمار الجديد كان قد أخذ العزم في مخططه، على إدخال المدنية والحضارة إلى المجمعات البدائية، مدمراً في طريقه الحضارتهم التقليدية، ومحدثاً بذلك جراحاً عميقة لم تلتئم آثاراها حتى الآن.
• لمباشرة البحث في فهم للعملية العلمية وتطورها، يحتاج الإنسان إلى تفهم أساسي للبناء العلمي، وماهية الفلسفة العلمية، وآليات عمل العلم الحديث، ومدى اعتماده على طبيعة ونوعية النظام التعليمي، وماهية الأفكار والقيم التي ينتجها، حيث تعد هذه العوامل بدورها، مسألة حيوية، لا غنى عنها إذا قُدر للعلم أن يزدهر.
• يجوز تشبيه العلم، بمبنى دائم التطور، لا تنقطع فيه أعمال التجديد، فالبناء دائماً في اتساع، مضيقاً إلى نفسه أجزاء وملحقات كثيرة. ناقداً لنفسه، ومهدماً لنفسه أحياناً.
• أطاحت الثورة العلمية في طريقها لهدم نظام القرون الوسطى، بالتسلط المركزي وهيمنة الكنيسة. ليس هذا فقط، بل إنها غيرت أيضاً مفهوم الإله في العقيدة المسيحية بشكل جذري.
• طالما يؤمن المؤمنون باستحالة وجود أي خطأ في القرآن بأي طريقة كانت، فكل المحاولات الهادفة لإثبات طبيعته الإلهية فهي محاولة مغرضة من الأساس.
• من الخطورة بمكان تعليق الإيمان بالحقيقة الأزلية، بنظريات العلم المتغيرة، فمفهومنا للكون قد يتغير جذريا مع الوقت، كما أن العلم لا يستحي من هجر نظرياته القديمة واعتناق ما هو أحدث. أليس مثيراً للخراب، إرساء المسألة العقادئية على تلك الرمال المتحركة ؟
• وقعت في شوارع البصرة وبغداد، خلافات دموية بين أنصار القدرية من ناحية وأنصار الجبرية من ناحية أخرى، ظهرت المعتزلة من وسط تلك الخلافات كفرقة من العلماء العقلانيين التحليليين، كان تأثير هذه الحركة قوياً على الفكر والمجتمع الإسلامي، وترددت أصداؤها عبر القرون..
• يبدو واضحاً أن الفكر العقلاني والميول المدنية ذات الجذور اليونانية، التي أشعلت جذوة العلم والتعليم في المراحل الأولى للإسلام، قوبلا بالمعارضة والتحدي في نهاية الأمر. لم يمض وقت طويل، حتى ساوت الأصولية بين "علوم الأوائل" والزندقة، كما أدينت الفلسفة.
• بالرغم من أن العرب أدخلوا الورق إلى أوروبا، إلا أنهم تجنبوا استخدامه في طباعة الكتب لمدة حوالي ثلاثة قرون. حيث صورت لهم الوساوس أن نسخ لفظ الله بطريقة آلية، يشوبه الكثير من عدم الاحترام (أنظر مرجع 10  اللاحق لـ صــ 219 .. يشير طيباوي إلى..).
• يا فتى، كم سهرت الليالي، مردداً العلم، منكباً على الكتب، ناكراً للنوم على نفسك. لا أدري السبب في هذا كله، فإن كان لإدراك غايات دنيوية، وضمان زهوها، والحصول على شرفها وجلالها، أو للتفوق على زملائك وما ماثل ذلك، فالويل لك، الويل لك". (أبو حامد الغزلي - مرجع 25 اللاحق لــ صــ 226)
• من الحقائق المدهشة - مع استثناء بعض الحالات القليلة - أن معظم الأساتذة سواء في الدين أو في العلوم الثقافية، كانوا من غير العرب، فإذا تصادف أن كان منهم من له أصول عربية، فيلاحظ أنه غير عربي اللسان والنشأة وحتى معلميه كانوا من غير العرب. هذا بالرغم من أن الإسلام دين عربي ومؤسسه كان عربياً. (ابن خلدون)
• الحداثة في حد ذاتها هدف، يجب الكفاح من أجله، فهي جزء لا يتجزأ من طبيعة الإنسان العقلانية الفطرية، وليست من المستوردات الاستعمارية.

=======================================
[جزء من مقدمة المترجم]

• لماذا لم تحدث ثورة علمية في العالم الإسلامي ؟
• هناك علم واحد عالمي، ومشاكله وأشكاله عالمية، ولا يوجد ما يُسمى بالعلم الإسلامي، كما لا يوجد ما يُسمى علم هندي، ولا علم يهودي، ولا كونفوشيوسي، ولا مسيحي.
• لقد كان على العرب الخليجيين، الغارقين في الثراء الكبير، أن يأخذوا على عاتقهم استثمار تلك الثروات في دعم بناء العلم في كل العالم الإسلامي، وما زال بإمكانهم فعل ذلك لكنهم لم يفعلوا، ولا حتى مع أشقائهم المسلمين العرب.

▬ يأتي هذا الكتاب في وقت يعاني فيه العلم في مجتمعاتنا من أزمة طاحنة، فالمدارس محشوة بالتلاميذ، والجامعات والمراكز البحثية مكتظة بأصحاب ألقاب الدكترة والأستذة، وأما الإنتاج العلمي الفعلي فحدث ولا حرج. يلاحظ في ذات الوقت تصاعد أسهم التيارات الإسلامية الأصولية وتغلغلها في مختلف قطاعات المجتمع وسيادة خطابها على أجهزة الإعلام الرئيسية في كثير من الدول العربية. تخرج مناقشة هذا الموضوع وما يتعلق به على نطاق هذا الكتاب اللهم إلا فيما ترفعه تلك التيارات وأتباعها من مقولات عن أسلمة العلوم (وتعريبها) وكثر الحديث عن المعجزات العلمية في التراث وغير ذلك من عقد مؤتمرات لا تنتهي عما يسمونه بالإعجاز العلمي في القرآن والسنة والعلاج ببول الجمال..إلخ. وهو ما أصبحت كبرى الصحف وقنوات الإذاعة والتليفزيون تفرد له مساحات واسعة من صفحاتها ووقتها ولا تخصص في المقابل إلا أقل القليل لعرض الآراء العلمية السليمة الأخرى، التي لا ترى في هذه الفوضى إلا نوعاً من الدعوة للتخلف المدمر لحاضر ومستقبل أي مجتمع معاصر. صــ9
=======================================
الكتاب...

إن العلم الحديث، لم يسمح للكنيسة الكاثوليكية الرومانية، بنسيان فظائعها الماضية، ولعل أكثرها تعبيراً هي محاكمة جاليليو وإدانته، وإجباره على التنازل عن آرائه العلمية. ولقد كان حقاً حدثاً مشهوداً، ذلك الذي وقع في التاسع من مايو 1983، ففي احتفال خاص بالفاتيكان، أصدر البابا يوحنا الثاني، ما يفيد بالتأكيد، بأنه أول اعتذار رسمي: "إن تجربة الكنيسة، في أثناء، وبعد مسألة جاليليو، قد أدت إلى موقف أكثر رشداً...فقط من خلال الدراسة الدءوبة، المتواضعة، يتسنى لها (الكنيسة) أن تتعلم كيف تفصل ما بين لزوميات الإيمان، ومعطيات الأنظمة العلمية في وقت ما". جاء الاعتذار متأخراً 350 عاماً، كما أنه يغفل أكثر مما يُبدي ويقر. وعلى أية حال، فمن أجل إعلان نوايا قداسة البابا الطاهر، يمكننا جميعاً أن نقول بإخلاص عميق: آميــــن. صــ78

▬ عُقُد مؤتمر في الكويت في عام 1983 وحضره رؤساء 17 جامعة عربية. كان الهدف المزعوم للمؤتمر، تحديد وإزالة المعوقات التي تواجه تطوير العلم والتنكولوجيا في العالم العربي. لكن نقطة واحدة هيمنت على أعمال المؤتمر، وهي: هل العلم إسلامي؟. كانت وجهة نظر السعوديين أن العلم يتعارض مع المعتقد الإسلامي، حيث أن العلم يميل إلى إفراز نزعات مثل المعتزلة، كما أنه مخرب للعقيدة، وهو دنس لأنه مدني (علماني، Secular)! وبهذا في رأيهم، فإنه يتعارض مع المعتقدات الإسلامية. وعلى ذلك أوصى السعوديون بأنه، بالرغم من أهمية تنمية التكنولوجيا، لمنافعها الواضحة، إلا أن العلم الخالص، فيجب عدم الإلتفات إليه. صــ84

▬ يمتد النظام الفلكي البطليموسي، ليستلهم منه الشيخ عبد العزيز بن باز، من السعودية، وهو الرئيس المشهور بجامعة المدينة، الحاصل على جائزة الملك فيصل الدولية لخدمة الإسلام في عام 1982، وهو الذي ألف كتاباً بعنوان "جريان الشمس والقمر وسكون الأرض". يقول الشيخ الموقر: إن الأرض مركز الكون، وإن الشمس والقمر يدوران حولها. جدير بالذكر، أنه قام في كتاب سابق له، بتهديد المختلفين معه في الرأي، بفتاوى التكفير المفزعة، إلا أنه، في الحقيقة، لم يكرر دعاوى التكفير في كتابه الأحدث. والآن يعد الشيخ بن باز من الشخصيات المرموقة في المملكة العربية السعودية، حيث تؤخذ آرائه هناك بمنتهى الجدية. صــ116

▬ [...] كذلك ينقد مولانا أبو العلاء مودودي مؤسس الجماعة الإسلامية ومن أكثر المفكرين الإسلاميين تأثيراً في أيامنا هذه، حيث ينتقد العالم الغربي بمرارة فيقرر في محاضرة  له عن التعليم الإسلام أن الجغرافيا والفيزياء والكيمياء وعلم الأحياء وعلم الحيوان وعلم الجيولوجيا وعلم الاقتصاد، تُدَرس بدون مرجعية إلى الله ورسوله، وعليه فهي (تلك العلوم) مصدر الشطط والانحراف عن الحق: "بتأمل طبيعة التعليم الحديث وعاداته، يتضح على الفور تعارضه مع طبيعة التعليم الإسلامي وعاداته، فأنتم تُعلّمون العقول الشابة الفلسفة وتهدفون لشرح الكون بدون إرجاع الأمور إلى الله، تعلموهم العلم الخالي من المنطق والعابد للحواس. تعلموهم الاقتصاد والقانون وعلم الاجتماع وكلهم مختلفون عن تعالم الإسلام في الروح والمادة، ثم تتوقعون منهم بعد ذلك أن يكون لهم وجهة نظر إسلامية ؟" ولتجنب هذا الشر يقدم مولانا حلاً مثالياً بتحويل كل التعليم إلى التعليم الإسلامي فيكتب: "يقع اللوم - لهذه الحالة المؤسفة - على الفصل بين الديني والدنيوي في التعليم، وكما سبق وأشرت فهذا الفصل غير إسلامي برمته. وفي ظل النظام الجديد فليس مطلوباً إضافة منهج جديد عن الدين، وبدلاً من ذلك فإن جميع المقررات يجب أن تتحول إلى مقررات دينية". صــ 128

 ▬ [...] وبوحي من حكمة مولانا، قام معهد الدراسات السياسية في إسلام أباد - وهو بمثابة إشعاع ثقافي للجماعة الإسلامية - بمهمة إعادة تعريف العلم، ووضع خطوطاً إرشادية عامة لكتابة المراجع المناسبة للعلوم المؤسلمة. وفيما يلي عينة من توصيات المعهد: 1- لا تُذكر ظاهرة أو حقيقة دون إرجاعها إلى المشيئة الإلهية، فمثلاً في كتاب العلوم لتلاميذ الصف الثالث لا يجب سؤال الطفل عن: ماذا يمكن أن يحدث إذا لم يتناول الحيوان الطعام؟ وبدلاً عنه يكون السؤال: ماذا يمكن أن يحدث إذا لم يعطِ الله الطعام للحيوان؟ 2- يجب قصر تأليف مراجع العلوم على من يؤمن بقوة بأن الإسلام هو الشفرة الوحيدة للحياة وممن لهم دراية واسعة بالقرآن والسنة ولهذه لنقطة أن تحظى بكل الاهتمام. 3- لا يجب إرجاع "التأثير" إلى أي مسبب مادي؛ فهذا الطريق يقود إلى الإلحاد، فمثلاً تقول التوصيات: يكمن السم في بعض العنواين الفرعية في الكتب مثل "الطاقة تُحدث تغيرات" لأنها تُعطي الانطباع بأن الطاقة هي المصدر الحقيقي بدلاً من الله. كذلك فليس من الإسلام أن نقوم بتعليم أن الماء ينتج بطريقة أوتوماتيكية من خلط الأوكسجين والهدروجين. فالاسلوب الإسلامي يقول: يتولد الماء بمشيئة الله، عندما تقترب ذرات الهيدروجين من ذرات الأوكسجين. 4- الفصل الأول من أي كتاب وليكن كتاب الكيمياء، فلا بد وأن يكون عنوانه "القرآن الكريم والكيمياء" وكل فصل بعد ذلك يجب أن يبدأ بما يناسبه من آية قرآنية أو حديث. 5- لا يجب تسمية أية قوانين أو قواعد باسم أشخاص (علماء) فمثلاً يعتبر ذكر قوانين نيوتن أو بويل..إلخ، ممارسة غير إسلامية، لأن هذا مساو للشرك فتسمية القوانين بهذا الشكل يعني الإنطباع أن القوانين خُلقت بالعلماء بدلاً من مجرد اكتشافها. 6- يجب إدخال الله في حصص تعليم العلوم "يجب على مراجعنا العلمية أن تعرض مسألة الوجود الأزلي والآخرة، فدراسة هذه المواضيع يجب النظر إليها كدراسات علمية وليس على أنها من الإسلاميات". 7- يجب استعمال كتاب مولانا مودودي "تفهيم القرآن" في بداية مقرر علم الحيوان للاسترشاد به.. 8- يجب إسناد مولد كل العلوم إلى الحقبة الإسلامية، فالفيزياء النووية دين بجذورها إلى ابن سينا، وكيمياء جابر بن حيان إلخ وأما اليونانيون فلا يستحقون أي تقدير فهم لم يعرفوا شيئاً عن العلن التجريبي. صــ 129 - 130

▬ تؤدي الرغبة الشديدة في إرجاع كل نواحي العلم إلى مختلف النصوص الدينية، إلى الاضطرار للقيام ببعض التمارين العقلية الطريفة. فها هو ذا، ج.ف. نارليكار الفلكي الهندي المحترم يسجل ما حدث في الوقت الذي شاعت فيه نظرية خلق الكون في حالة ثابتة مع الزمن (Steady state theory of creation) حيث قام رجال الدين الهندوس بجمع أدلة نصية مقدسة عديدة لإظهار التوافق الكامل بين النظرية ونصوص الـ "فيدا" المقدسة. على أية حال لم تصمد النظرية طويلاً وتم الاستغناء عنها وحلت محلها نظرية الانفجار الكبير. وبلا أي شعور بالخجل أو الهزيمة، سرعان ما وجد رجال الدين الأصوليون عبارات أخرى من الفيدا تتماشى مع نظرية الخلق الجديدة ليعلنوها مرة أخرى بكل زهو واعتزاز باعتبارها انتصار آخر للحكمة القديمة. حاول بعض المفسرين والمؤليين للقرآن القيام بمحاولات مشابهة لما سبق ومن أبرز هؤلاء وأكثرهم شهرة نجد موريس بوكاي...صــ152

▬ بدأت التصفية المادية الجادة للمعتزلة، بالإضافة إلى الشيعة، بتولي المتوكل للخلافة، كان المتوكل من السنيين المحافظين، وكان كما وصفه أمير علي "كان سكيراً فظاً، متحالفاً مع القضاة والفقهاء". من ثم تم ابعادهم من جميع المناصب الحكومية كما تم اتهامهم بالهرطقة كما تعرضوا للتعذيب والإبادة الجماعية. فر الأساتذة والعلماء من بغداد نظراً لأن معظمهم كانوا من العقلانيين. وهكذا انتهت أكبر محاولة في الإسلام للتوفيق بين الوحي والمنطق. باستثناء بعض المحاولات الفردية في القرن التاسع عشر، على أيدي دعاة الإصلاح في الإسلام، فقد تم الفصل الكامل بين ما هو ديني، وما هو مدني (علماني) منذ ذلك الحين. صــ216

▬ عندما سُئل أبو الصلاح (المتوفى 1251) عن مدى السماح بدراسة أو تدريس الفلسفة والمنطق، أصدر الفتوى التي يصف فيها الفلسفة بأنها: "مؤسسة الحماقة، وسبب كل الخلط، وكل الأخطاء، وكل الهرطقة. فالشخص الذي يشغل نفسه بها - وهي مدعومة بالبراهين البراقة - يصبح كأعمى الألوان، فلا يرى جمال قانون العقيدة. أما فيما يتعلق بالمنطق، فهو وسيلة للوصول إلى الفلسفة. على ذلك، فإن الوسائل المؤدية إلى شيء فاسد، فهي أيضاً فاسدة... على كل من يحاول أن يبرهن على تتبع تعاليم الفلسفة، أن يواجه أحد الاحتمالين "فإما القتل بالسيف، أو التحويل إلى الإسلام، ذلك حتى يمكن حماية الأرض واستئصال آثار هؤلاء الناس وعلومهم". صــ 221

▬ أصيب ابن خلدون، المحافظ في بعض نواحي معتقداته، بالفزع من ميول المسلمين السلبية نحو التعليم، فكتب: ".. ولما فُتحت أرض فارس ووجدوا فيها كتباً كثيرة، كتب سعد بن أبي وقاص إلى عمر بن الخطاب ليستأذنه في شأنها وتلقينها للمسلمين. فكتب إليه عمر أن اطرحوها في الماء، فإن يكن فيها هدى فقد هدانا الله بأهدى منه، وإن يكن ضلالاً فقد كفانا الله، فطرحوها في الماء أو النار، وذهبت علوم الفرس..". صــ222

▬ رأى الغزالي عدم الاعتقاد بأن العالم يجري حسب قوانين الفيزياء، فإن الله يُفني العالم ثم يعيد خلقه في كل لحظة من الزمن. على ذلك فلا يمكن وجود تواصل بين أية لحظة وأخرى، بالتالي لا يمكن افتراض أن أي فعل سيؤدي بالتأكيد إلى إحداث أثر معين. على العكس أيضاً فمن الخطأ إرجاع أي ظاهرة إلى أسباب فيزيائية، ففي رأيه أن كل الظواهر والأحداث إنما تحدث كنتيجة مباشرة للتدخل الإلهي الدائم في العالم. يضرب الغزالي مثلاً فيقول خذ قطعة قطن تحترق بالنار، يستنتج الفلاسفة العقلانيين، المهرطقين أن النار هي التي تحرق القطن، ولكن: "نحن ننفي ذلك بقولنا: أن الفاعل في الاحتراق هو الله بخلقه السواد في القطن وفصله لأجزائه، كما أن الله هو الذي جعل القطن يحترق، وصنع ردماده، إما بواسطة ملائكته أو بدونهم. ذلك لأن النار في حد ذاتها جسم ميت وليس لها فعل، ثم ، أين الدليل على أنها السبب؟. حقاً، ليس للفلاسفة دليل سوى ملاحظة حدوث الاحتراق عند ملامسة القطن للنار. تثبت تلك الملاحظة فقط تزامن الأحداث، لا سببيتها، وفي الحقيقة فلا سبب إلا الله". صــ 223، صــ224

▬ فيما يتعلق بحكم الأساتذة والعلماء المسلمين، فلا تختلف فظاظة وخشونة الأصوليون في الأزمنة الغابرة، عنها في أيامنا هذه، حيث نشرت إحدى المجلات الصادرة في لندن بتمويل سعودي، مقالاً عاصفاً جاء فيه: "إن قصة مشاهير العلماء المسلمين من القرون الوسطى، كالكندي والفارابي، وابن الهيثم، وابن سينا، توضح أنه إذا وضعت مسألة كونهم من المسلمين جانباً، فلن يبقى فيهم ولا في أعمالهم شيء يمت للإسلام بصلة. على العكس، فقد كانت حياتهم - على وجه الخصوص - لا إسلامية. أما إنجازاتهم في الطب والكيمياء والفيزياء، والرياضيات والفلسفة، فما هي إلا امتداد طبيعي ومنطقي للتعاليم اليونانية. (مرجع9). كتب محمد كاليمار رحمن، وهو هندي مسلم في إحدى المجلات المتخصصة في العالم الإسلامي، شيئاً مماثلاً: "كان معظم الفلاسفة إما من المعتزلة أو من الملاحدة. كثير منهم مارس الموسيقى، والتنجيم والسحر، وكلها إما محرمة أو مكروهة في الإسلام.... الرازي لم يؤمن بالوحي، والفارابي اعتمد على المنطق وحده - لا الشريعة - للتفرقة بين الخير والشر. أما الكندي فلم يعترف بصفات الله، وأخيراً ابن سينا الذي لم يؤمن بالبعث... هكذا حدثت خسارة المجتمع تدريجياً للقيم الإسلامية. (مرجع 10). إن تواصل الخط الفكري بين الأصولية الحديثة والقديمة، واضح تماماً. إذ يُلاحظ أن مرور كل تلك القرون، لم يسفر عن العفو عن أي من فلاسفة الإسلام. كذلك يلاحظ أسلوب رفض إنجازاتهم باعتبارها كلها " امتداد طبيعي ومنطقي للتعاليم اليونانية"، وهو موقف في الحقيقة، مشابه إلى حد كبير لازدراء أبناء الغرب للإنجازات العلمية الإسلامية. على فرض أن أحداً من غير المسلمين، زعم بأن العلم ما هو إلا استرجاع للعلوم اليونانية، فكان يُتوقع أن يهاجمه المسلمون بغضب شديد، أما وأن الزعم قادم في الأساس من زعماء حماة العقيدة، فلا عجب إن حظيت إهاناتهم للعلم الإسلامي، بأقل قدر من الاهتمام. صــ 239

▬ من الأفضل، بدلاً من التخطيط لمجتمع وهمي فاضل، الاهتمام بحل جزئيات المشاكل المطروحة على الساحة، واحدة تلو الأخرى، بطريقة مرتبة وعقلانية، وواقعية. يتطلب الوعي باستحالة وجود حلول مثالية شاملة، درجة عالية من النضج على مستوى المجتمع وعلى مستوى الأفراد. حيث أن السماحة الفكرية والعقائدية، لا يمكن وجودها إلا في المجتمعات الناضجة، التي تستطيع أن تمنح مواطنيها القدر اللازم من الحريات... لا بد من محاربة الميول التي تخلط بين التحديث والتغريب (نسبة إلى الغرب) حيث كثر الاستخدام الخاطيء للفظين، باعتبارهما مترادفين يحملان نفس المعنى، فليس من الضروري أن يكون غربياً كل ما هو متمدين وحديث. كذلك ليس من الضروري الفصل بين الحداثة والتقاليد. صــ 277


▬ تقول الحقيقة التي لا خلاف عليها إن العلم الحديث، علم مدني (علماني) في طبيعته، سيان إذا قبل بعض الناس بذلك أو رفضوه، ثم إن التيقن من الحقائق العلمية لا يحتاج إلى اللجوء إلى السلطة المقدسة، فوجود هذه السلطة لا يتأكد ولا ينتفي. على أية حال، لا يمكن إنكار وجود بعض فرادى العلماء من المتدينين بشدة ممن تذهلهم أسباب الوجود، ودقة الكون ونظامه، ويكفي أن نذكر هنا، رجالاً، المفترض أنهم من مؤسسي العلم الحديث، مثل جاليليو ونيوتن الذين كانوا من المتدينين بشدة. وعلى الرغم من ذلك فقد ذهب كلاً من العلم، والدين في طريقه منذ بداية إعلان الفرقة على أيدي الثورة الكوبرنيكية في القرن السابع عشر. صــ 291


  • Digg
  • Del.icio.us
  • StumbleUpon
  • Reddit
  • RSS

هذا الكون ما ضميره (عبد الله القصيمي)


• لقد أصبح الإنسان والكون وكل الأشياء سؤالاً دائماً، سؤالاً لا يحتمل أن يوجد له جواب، ولا أن يوجد أستاذ يوجه إليه السؤال وينتظر منه الجواب.
• إن المسؤول عن أخطاء الإنسان الاعتقادية والفكرية هو الكون المتوحش، وموقف الإنسان الأليم الذي لا تكافؤ فيه منه. إنه من جهة محكوم عليه أن يحاول فهم الكون لأنه محكوم عليه بالعيش معه والمواجهة له بكل أساليب المواجهة، ومن جهة أخرى هو عاجز عن فهمه لأنه عاجز أن يهضمه عقلياً أو أخلاقياً، ولأنه غير متكافيء معه بمستوياته المختلفة.
• إن مأساة عقل المؤمن أنه لا يستطيع أن يثبت وجود إله إلا إذا استطاع إثبات عدم الكون.
• إن الكون بكل ما فيه ليس إلا حروفاً وأرقاماً ومواد بناء تلقى إلقاء بلا تدبير ثم نقرؤها مغلوطة، كما هي، ونحول قراءتنا المغلوطة لها إلى أفكار وقوانين بل إلى آلهة وأنبياء وصلوات، بل ليس الكون حروفاً وأرقاماً وإنما هو كتل فقط تلقى إلقاء.
• إنه لا يوجد أي خالق يمكن أن يفتخر بانتساب هذا الوجود إليه.
• إن كل ما في الكون من جمال لا يستطيع أن يكون غفراناً أو اعتذاراً عن أية دمامة يعاني منها أي إنسان، لأن كل ذلك الجمال لن يستطيع أن يجعل دميماً واحداً يشفى من دمامته، أو من شعوره بها، وأن يكون عزاءً أو تعويضاً له عنها.
• إن ألف ابتسامة تواجهنا بها الطبيعة لن تستطيع أن تستر عاهة واحدة توقعها بشيخ أو يتيم أو حيوان بريء.
• إن المؤمنين جداً يمكن أن يتحولوا كافرين جداً تحت الظروف الأخرى المناقضة. والذين يجعلون الناس يؤمنون أو يكفرون بالأرباب والمذاهب والنظم والحماقات أو بنقيضها هم الأنبياء والدعاة والقادة والمعلمون، إن هؤلاء وحدهم هم العارضون في الأسواق لهذه السلع الشريرة.
• إن الإنسان دائماً مصلوب العقل والحرية والشرف تحت أقدام أربابه وعقائده ومذاهبه مهما صلبت مذاهبه وعقائده وأربابه تحت أقدام رذائله وتلوثه النفسي والسلوكي.
• إن العبقرية لا تساوي كل إنسان، بل تساوي أفراداً قليلين يجيئون على غير حساب أو تقدير أو قانون أو منطق، إنهم يجيئون وكأنهم تركيز أو تجميع فذ لملايين الناس أو لعشرات الملايين في فرد واحد.
• إن من أردأ الغباء والطغيان والتوقح أن نجعل تفكيراً ما هو المقياس دون كل الأفكار المخالفة له، وهو المقياس لها جميعاً.
• إن النصوص لغة يفهمها الناس كما يريدون لا كما هي، لأنها لا دلالات ولا تفاسير لها في ذاتها، فهي إذن لا يمكن أن تُعطي معاني محددة أو قاطعة. وإذا كانت النصوص لا يمكن فهمها فالدين كذلك لا يمكن فهمه.
• إنك أيها المؤمن الورع جداً لا تعادي أوتكره المخالفين لك في الدين أو المذهب بقدر تدينك أوإخلاصك لمذهبك أو إلهك، بل بقدر عجزك عن التلاؤم  مع نفسك وظروفك ومع الطبيعة.
• الذين لا يشكون هم الذين لا يرون، ولا يقرؤون، ولا يتحدثون مع أنفسهم ولا مع الآخرين.
• إن اليقين هو الغطاء الذهبي الكثيف الساتر للدمامات.
• إن الرغبة في الشيء - لا الرغبة عن الشيء - هي أحياناً كثيرة سبب تحريمه ومعاداته وتحويل الذم له، والخطابة ضده إلى فضيلة دينية أو إنسانية.
• إن الله لم يهزم في أي مكان، أو أمام أي خصم أكثر مما هزم في العالم العربي، أما زعمائه وحكامه المتألهين.
• إن استهلاك الضعفاء لحضارة الأقوياء يعني الهبوط بها، لأن المستهلك لها يكون حينئذٍ أقل منها في جميع مستوياته وتعبيراته، فيشوهها، ويعني كذلك الهبوط بالمستهلك لها، لأنها لتفوقها عليه ترهقه وتفقده التوازن والوقار، إنها تلزمه بما لا يتقن ولا يستطيع، حينئذٍ يصبح شاذاً عدوانياً صارخاً صاحب اداعاءات عريضة.
• إني لأشعر أحياناً بأني محتاج إلى أن أوهب كل ما في الكون من بلادة حس لكي أستطيع أن أبتلع كل ما في العالم العربي من طغاة ومن طاعة لهم وصبر عليهم، ومن غباء وغرور واعتزاز بهما، ومن عجز وتفاهة وإعلان عنهما، ومن أكاذيب وإهانات ومن استسلام، وهض لكل عذاب وغباء!
• إنه لعجز مذهل أن نحاول تحضير أرضنا بإدخال الحضارة إليها، ثم لا نحاول تحضير أنفسنا أو تصنيع مواهبنا.
• إن جميع المتخلفين الذين فُرضت عليهم حضارة الأقوياء قد أصبحوا يتكلمون اليوم بلغتها وشعاراتها، ويعبرون بموهبتهم العاجزة غير المتحضرة عنها لكي يشوهوها.
• إن الاستعمار لا يمكن أن يُفسر به التخلف أو العيوب، وإنما يُفسر هو بالعيوب والتخلف، إنه نتيجة لتخلف وعيوب سابقة لا خالق لها.
• إن التعليم يجب أن يكون تحويلاً للذات المتعلمة، يحول تفكيرها وأحاسيسها وقدرتها وأخلاقها ورؤيتها للأشياء والناس والآلهة والمذاهب والكون وأحكامها، يحولها إلى وجود إنساني جديد بمقاييسه ونشاطه وكل مستوياته، أي إلى تغيير.
• إن الذين كانوا يتلقون عقائدهم بالتسليم والعجز من غير تجديد أو مقاومة أونقد في عصر الاعتقاد، قد أصبحوا في عصر العلم يتلقون التعليم بالعجز والتسليم أيضاً دون ابتكار أو موهبة أو اجتياز.
• ما أخطر كل من يتعلمون دون أن يصبحوا علماء إذا كان مطلوباً منهم أو مفروضاً فيهم أن يتصرفوا كالعلماء، وأن يواجهوا المشاكل والناس كما يواجهها ويواجههم العلماء.
• إن بضعة علماء مغيرين للحياة، وواهبين لها شيئاً جديداً لأفضل من جميع المعاهد والجامعات التي تعد لتعطي أفواجاً هائلة متلاحقة لتجعلهم من القارئين والمفسرين والمعتقدين الذين يتكلمون ويجادلون ويرفعون أصواتهم كثيراً دون أن يعرفوا أن الكلام لا يساوي دائماً الفهم والذكاء - أن الكلام الكثير لا يساوي دائماً الفهم أو الذكاء الكثير، وأن الكلام بلغة العلماء لا يساوي العلم دائماً.
• ما أسوأ الحمل الذي لا ينتهي بولادة، وأسوأ الولادة التي لا تنتهي بحياة فيها صحة وجمال وذكاء وظروف اجتماعية وإنسانية جيدة، وما أسوأ التعليم الذي لا يكون فيه علم، وأسوأ العلم الذي لا يكون فيه خلق وتغيير ورفض وتجاوز.
• إن التعليم بلا موهبة عملية تشويه للمتعلم، وتشويه للأشياء التي يمارسها المتعلم الذي لا يملك الموهبة ولا الجرأة أو القدرة على الرفض والنقد.
• إن الأقوياء يتمردون على أنفسهم بقدر ما يتمردون على الآخرين وعلى ظروفهم، بل يتمردون على أنفسهم أكثر.
• إن التعبير عن المأساة هو أعمق الفنون الإنسانية، كما أن نفس المأساة هي أعمق فنون الحياة. ولقد كان البشر في كل التاريخ يحولون الدموع والأحزان إلى صلوات، ولم تكن المعابد إلا بيوتاً لمن يريدون أن يبكوا ويحزنوا، لمن يريدون أن يبحثوا عن السرور ممارسة في الحزن والبكاء.
• إني متشائم لأني أحب الأشياء وأصادقها بعذاب، فالذين يحبون ويصادقون بعذاب، يتشاءمون .. إني أحتج حينما يبدو أني أتشاءم!
• اقتلوا هذا الفنان، اقتلوا الفنان الذي يبدع ثم يُعاقِب ما أبدع بالتشويه والتعذيب!

=========================================
▬ إن الإنسان لا يناضل ليكون حرية وجداً وصدقاً، ولكن ليكون قيداً وعبثاً وكذباً ولكن بأسلوب آخر وعلى نحو آخر. والذين يقولون لنا: كونوا بلا قيود أو كونوا صدقاً وجداً إنما يعنون - دون أن يدروا - أن يقولوا: كونوا بلا بوجود. إن القيد والعبث ليسا شيئاً أكثر أوأقل من الوجود، وهما - أي القيد والعبث - لا يفرضان على الوجود، ولا يزيدان أو ينقصان فيه، إنه ليس شيئاً غيرهما وليسا شيئاً غيره، فلا قيد أو عبث بلا وجود، ولا وجود بلا قيد وعبث، بل لا فرق بين وجود ووجود في أنهما لا يكونونا إلا قيوداً وعبثاً. صــ9 

▬ إن برهان الوجود قائم على افتراض العدم، أي عدم الوجود، إننا نذهب نعاني لكي نثبت العدم، ولكن يكون إثبات العدم إثباتاً للوجود. وكيف نستدل على أكبر قضية وجودية بأكبر قضية عدمية أو افتراضية - كيف نستدل على أكبر موجود أو وجود؟ وهل يمكن أن يكون العدم أو افتراض العدم أكبر موضوع من موضوعات الإثبات العلمي؟ وكيف ينحدر منطق الإنسان إلى إثبات أن الكون كان معدوماً، لكي يثبت بذلك أن الله كان موجوداً، أو أنه لا يزال موجوداً؟ إن الله على هذا التقدير لا يمكن أن يكون موجوداً، إلا إذا ثبت أن الكون كان معدوماً، فوجود الإله مشروط بعدم الأشياء التي هي الدليل عليه! وأي تصورلأخلاقية هذا الإله العظيم الذي لا يستطيع أن يكون موجوداً وطيباً إلا إذا كان ما سواه غير موجود؟ صــ32

▬ يقول المؤمنون-والمفروض أنهم ميقتنعون-: إن الكون محكوم بالنظام على أدق وأذكى الأساليب والاحتمالات. ولعل الاقتناع بالنظام الكوني من المعتقدات التي يعد الاختلاف عليها أو الشك فيها من أول ما يرفضه العقل المؤمن، بل ويجفل من مناقشته أو التفكير فيه كموضوع يحتمل الشيء ونقيضه... ما هو النظام ؟ إنها كلمة، وقد تبقى دائماً كلمة فقط مثل أكثر الكلمات الضخمة التي تنطق بحماس وجهر دون أن يبحث لها عن تفسير، ودون أن يكون لها أي تفسير. ولعل الناس لا يبحثون لكلماتهم وشعاراتهم، ولا يريدون أن تكون لها هذه التفاسير، بل لعلهم يرفضون أن تكون لها، ولعلهم لو وجد لها-أي لكلماتهم وشعاراتهم-تفاسير لرفضوها وعجزوا عن الحماس لها والإيمان بها. إن معاني الكلمات والشعارات قتل لها وقيود عليها، وإبطال للسحر القوي فيها، والناس لا يريدون أن تقتل كلماتهم وشعاراتهم، وتوضع عليها القيود، ويبطل سحرها، بأن تكون لها تفاسير، ومعان محددة مفهومة. بل لعل الناس لو فهموا كلماتهم ومذاهبهم التي تحركهم، وتخلق فيهم النشاط والقوة، لقتلوا أنفسهم ووضعوا على خيالهم وحياتهم القيود، وفقدوا السحر الغامض القوي الذي يعيش فيهم، ويعيشون فيه، إذن هم لا يريدون أن يفهموا كلماتهم أو الكلمات التي تُقال لهم، وأعداؤهم هم الذين يحاولون أن يفهمومهم تفاسير ما يقال لهم، أو ما يقولون من شعارات وتعاليم ومذاهب، بصدق وأمانة وذكاء. وإذن هم لا يريدون أن يفهموا لكلمة نظام أي تفسير، ولا يريدون أن يبحثون لهم عن هذا التفسير، بل يريدون أن ينطقوا به، وأن يعتقدوا أنه مفهوم وواضح إلى المدى الذي يجعلهم غير محتاجين إلى فهمه، ولعل أكثر الكلمات وضوحاً في السوق هي التي لا يمكن فهمها، أو هي التي لا معنى لها لتُفهم! صــ36

▬ [...] والتفسير المشهور لهذا التخلف، الذي يكرره دائماً الزعماء والمعلمون والمفكرون والخطباء من فوق جميع المنابر، راضين عنه، مقتنعين به كأحد الاكتشافات العظيمة هو الزعم أن العرب لم يستطيعوا أن يجيئوا في ذكائهم، أو نضالهم متكافئين مع احتمالاتهم وظروفهم المواتية الكبيرة، لأن ظروفاً مضادة معوقة تخنق وتعوق مواهبهم وتعتقل محاولاتهم. ولكن ما هي هذه الظروف التي قهرت أقوى الاحتمالات وأفضل الظروف؟ ما هذه الظروف الشريرة العبقرية التي استطاعت أن تهزم ذكاء العرب وقدرتهم وأخلاقهم، وأن تشوه وجودهم كل هذا التشويه، وان تجعلهم يعيشون وكأنهم لا يحملون أي احتمال لأية موهبة غير موهبة التخلف، غير الموهبة التي تحول أفضل الظروف والإمكانيات إلى هباء؟ أليست القدرة على تحول الشيء الجيد جداً إلى شيء رديء جداً موهبة أيضاً؟ إن هذه الظروف كما اعتادوا أن يعددوها هي الآفات المعروفة على نحو ما في كل مجتمع قديم وحديث. هي الفقر والجهل، وحب الذات والأنانية وفساد الحكام، والاختلافات، والأحقاد المتبادلة، والضلال الروحي، وغير ذلك مما تردده مكرراً المنابر والواعظ بحماس كحماس الخرافة، وإصرار كإصرار الشهوة، وغباء مثل غباء الثوار. وهم يذكرون دائماً الاسعمار الغربي كزعيم شرير لهذه القائمة السوداء من الأسباب والتفسيرات. ولكن أليس هذا كله مظهراً من مظاهر التأخر، وصورة من صوره، وليس سبباً أو تفسيراً من أسبابه أو تفسيراته؟ فالتأخر هو وجود هذه القائمة، أما التقدم فهو الانتصار عليها. فقوم متخلفون لوجود هذه النقائص فيهم، وآخرون مقدمون لأنها ليست فيهم، أي أن قوماً يعيشون بمستويات أقل، فلماذا حدث هذا الاختلاف وما أسبابه...صــ215

▬ هل يجعلنا متحضرين أن يوجد بيننا من يقودون السيارات والطائرات ويدسون أيديهم بين الأجهزة والأزرار المتحضرة، ويديرون أو يملكون المصانع المستوردة، ويطلقون الأسلحة الحديثة على المطالبين بالحرية أو الهاتفين ضد الطغيان والفساد والكذب، أويختزنون مثل هذه الأسلحة، أو يستعرضون الجيوش بالأزياء والأساليب المستعارة التي علمهم إياها أقوام آخرون بارعون جاؤوا إلينا مستوردين مثل السلع، المستوردة، أو ذهبنا إليهم لنتفضل عليهم بأن نقبل أن يعلمونا حضاراتهم، وفنونهم، وبراعاتهم، وكأننا نتصدق عليهم بما يفعلون لنا أو بنا؟ أو بأن يوجد بيننا زعماء يخطبون بلغة وغرور من يملكون كل الحضارة والقوة والعلم والوقاحة؟ إننا لو أدخلنا إلى بلادنا جميع مصانع العالم، واستوردنا كل ما في المادة من طاقة وأسرار، وأصبحنا كلنا جنوداً يحملون أفتك وأحدث الأسلحة المصنوعة لنا أو المستوردة، وأطلقنا أقوى الصواريخ من أرضنا إلى أرضنا، أو من أرضنا إلى سمائنا أي أطلقها لنا قوم آخرون مستوردون، لما ازددنا إلا فقراً وانهزاماً وجهلاً ما لم نتحضر نفسياً وأخلاقياً، أي ما لم تصبح الحضارة فينا قدرة وإلزاماً ومستوى إنسانياً لا نستطيع الانفصال عنه، أو التحرر منه، نعيها ونتكافأ معها ونعانيها ونستطيعها ونعيشها بذكائنا وظروفنا وموهبتنا. إن استيراد الحضارة أو استهلاكها ليس حضارة، بل الحضارة طاقة إنسانية تتفاعل مع الظروف والاحتياجات لتصبح خلقاً من أخلاق مبدعيها. إن الحضارة ولادة وليست تبنياً، إنها ولادة عقلية ونفسية وأخلاقية. نحن في أفضل أحوالنا مستوردون للحضارة مستهلكون لها. صــ221

▬ إن القراءة نوع من العبودية، فالذي يقرأ ليؤمن ويطيع هو عابد مستسلم، وعابدو الأصنام هم قوم قارئون، لقد اكتسبوا آلهتهم وأصنامهم، وفهموا مزاياها وصفاتها بالقراءة والاستماع، وبالتعليم الذي هو قراءة. لقد أعطت القراءة المؤمنة للبشر جميع وثنياتهم، فليس الوثني إلا إنساناً قارئاً، أي متعلماً، والرافض للقراءة والتعليم لا يمكن أن يكون وثنياً لو كان يمكن أن يوجد من لا يقرأ أو يتعلم شيئاً. والقراءة ليست نشاطاً علقياً، بل هزيمة علقية، والعبادة نقل واستجابة وقراءة. ومن عبد صنماً أو شيئاً، فما هو إلا إنسان يحاول باستسلام أن يقرأ رغبة معبوده المنزلة أو الملهمة، ويفرضها على سلوكه ومشاعره وذكاءه. والتحرر من القراءة - أي التحرر من الغباء والتصديق ومشاعر العبادة أمام ما نقرأ - تحرر من الوثنية. إن الوثني يجهل الشمس فيخافها ويركع لها، إنه يقرؤها فقط دون أن يعلمها. إن الذي يشاهد الشمس بانبهار ديني هو كالذي يقرأ كتاباً بمثل هذا الانبهار، أما المتحرر فإنه لا يقرأ الشمس وإنما يفسرها ويسخرها. إن الأغبياء يعبدون الزلازل والأوثان والكتب لأنهم يقرؤون فقط، أي يتعلمون فقط، أما المبصرون فإنهم يقرؤون ويفهمون ويفسرون ثم ينكرون ويغيرون ويتجاوزون ويسيرون فوق التعاليم والعقائد والأموات والكتب إلى ذواتهم. أليس الذي يعبد كتاباً كالذي يعبد قبراً، كلاهما يمجد الموت بالهرب من الحياة؟ إن التعصب للقراءة يعني التعصب للتاريخ، يعني التعصب ضد الحياة والذكاء والحرية. صــ244

▬ إن الشمس - هذا الكائن الأبله الذي هو أكبر وأضخم وأجمل كائن دميم نراه - لو أنها كانت تستطيع الاحتجاج على نفسها، على كينونتها، وعلى سلوكها المثير في بلادته لكان من المحتوم أن تبحث عن بحر كوني يتسع لبدانتها الجوفاء لكي تموت فيه منتحرة غرقاً. لقد ظلت الشمس - مجد هذا الكون الذي نراه - في وقفتها الطويلة الخرساء، وفي دوراتها الغبية المتسكعة، تعرض جسدها المزخرف بيد غير فنان، مثلما تفعل أجهل غانية رخيصة مستهترة، وتبدد طاقاتها التي لا تعرف كيف ولا لماذا ملكتها بلا حساب أو ذكاء أو تدبير، وتواجه الكون والناس والآلهة والحشرات والفراغ الرهيب العقيم، دون أن ترفض، أو تغضب، أو تبكي، أوتحزن، أوتمرض، أو تقاوم، أو تسأل: لماذا أنا، إلى أين أساق، من فعل بي ذلك، لمصلحة من، ما الهدف، ما البداية، ما النهاية، متى الاستراحة، من أين، إلى أين. لقد ظلت الشمس كذلك دون أن تقول شيئاً، أو تفعل شيئاً مضاداً لأنها لم تكن تستطيع، أوتعرف، الاحتجاج والرفض. صــ 300


▬ أيها الواعظون، أيها الواعظون: نعم، إن كل ما في الكون من جمال، ولذات وغناء، ومجد، وصحة، وشباب، وضخامة، ونجوم، وليل، ونهار، لا يمكن أن يكون غفراناً أو اعتذاراً عن أية دمامة، أو عن أي ألم، أوعن أي موقف هوان أو بكاء، أو عن أي مرض، أوعن أية شيخوخة، أو عن أي عبث في هذا العالم. لأن كل ما في العالم من أشياء طيبة أو ضخمة أو ملائمة لن يستطيع أن يجعل دميماً واحداً، أومعذباً واحداً، أو محتقراً واحداً، أومريضاً واحداً، أو شيخاً واحداً، أو باكياً واحداً، يشفي من آلامه أو من شعوره بها، أو يخفف منها. لأن كل ما في العالم من ذلك لن يستطيع أن يكون عزاء أو تعويضا عما يلقى المتألمون. لأن كل سعادة وغناء وجمال وصحة تتحول إلى حد لم فقدوا ذلك، وإلى عدوان عليهم، وتذكير لهم بآلامهم! إن جميع الشموس المضيئة لن تكون تكفيراً عن ظلمة في عين. إن جميع القصور الباذخة لن تكون عذراً عن حقارة في كوخ. إن كل شيء ملائم لنا هو عدوان على نقيضه وحامل لنقيضه. إن الجمال عدوان على الدمامة، وحامل لنقيضه أي لنقيض الجمال أي حامل للدمامة. إن الصحة والشباب والمجد والقوة وكل شيء يلا ئمنا، هو عدوان على نقيضه وحامل لنقيضه. إن الجمال هو أكثر الأشياء الطيبة عدواناً، إنه عدوان على نقيضه وعلى كل المواجهين له والمتعاملين معه! أيها الواعظون، أيها الواعظون: خذوا نصائحكم واعطوني مشاعركم، خذو ذاتي واعطوني ذواتكم. إنكم حينئذٍ لن تعطوني. وإني حينئذٍ لن أكون محتاجاً إلى مواعظكم لكي أكون متفائلاً، لا يجد في الكون أو الحياة أو في الناس ما يصدم منطقه أورؤيته أو يثير أحزانه واحتجاجه! ليتكم أيها الناصحون تجربون معاناه الأحاسيس التي يعانيها من تقسون عليه بنصائحكم. ليتكم ترون آلام الآخرين وأحزانهم، وترون عبث الأشياء وأخطاءها وقسوتها، ليتكم تحسون هذه الآلام والأحزان والأخطاء والعبث والقسوة من داخلكم وبأعماقكم، كما يراها ويحسها من داخله وبأعماقه من تظلمون بنصائحكم وتفاسيركم! ليت هذه الآلام، والأحزان، والعبث، والأخطاء، والقسوة تنصب في عيونكم، وأعصابكم بالعنف الذي تنصب به في عيون وأعصاب من تنصحون! إن الذين يتعذبون باحتجاجاتهم لم يتعلموا عذابهم بالنصائح، إذن كيف يشفون من عذابهم بالنصائح؟ إنهم لم يتعلموا الاحتجاج ضد الآلام والعبث لأنه قيل لهم: احتجوا، إذن كيف يتركون الاحتجاج ضد الآلام والعبث إذا قيل لهم: لا تحتجوا؟ ليته كان ممكناً أن ينتقل كل ما وراء بعض الكلمات من رؤية وحماس وروعة عذاب إلى نفوس وعقول من يتلقون تلك الكلمات، ليته كان ممكناً أن تؤثر فيهم الكلمات الصادقة في عذابها وبلاغة ارتجافاتها تأثيراً مساوياً لما في نفوس وعقول من يطلقونها. ليته كان ممكناً أن ينقل الناس بعضهم إلى بعض! ليت تبادل العيون والأعصاب والرؤية كان ممكناً. ولكن كلا. فالذين يتعذبون بكل عذاب كل الآخرين هل يمكن أن يتمنوا العذاب الأحد، هل يمكن أن يتمنوا للآخرين العذاب الذي يعانون؟ صــ 326 : 328

  • Digg
  • Del.icio.us
  • StumbleUpon
  • Reddit
  • RSS

مبادىء التفكير النقدي (عصام زكريا جميل)


• يتمثل التفكير الإنساني في النشاط العقلي والمعرفي أو التصور الذهني للأحداث والأشياء والأشخاص والخبرات الماضية والحالية والمتوقعة. ويعتمد التفكير على فهم الرموز الصادرة عن الآخرين أو التعبير بالرموز للآخرين عن المعاني التي نريد إبلاغها إياها.
• هناك علاقة حميمة وجدلية بين التفكير والشعور والإرادة؛ فكل واحد منهم يؤثر على الإثنين الأخرين بشكل مستمر. أنا أفكر، إذن فأنا أشعر، إذن فأنا أريد.
• إن التفكير والشعور والرغبة يعملون معاً بشكل متواصل لتشكيل السلوك.
• رغم أن كلّ من التفكير والشعور والرغبة يؤدي دوراً لا يختلف في الأهمية عن الآخر في العقل كما يتأثر كل منهم بالآخر، ويؤثر فيه باستمرار، إلا أن التفكير يعد السبب في التحكم والسيطرة على الشعور والرغبة.
• تتمثل خطوات التفكير في : 1- تحديد المشكلة (الاهتمام) 2- تحليل المشكلة (الانتباه) 3- وضع الحلول الممكنة (الاقتراح) 4- تحليل الحلول (الاستدلال) 5- اختيار الحل (النتيجة) 6- الاختبار.
• إن النزعة العقلية عند الإنسان تتسم بعدم التحيز والتطور الذاتي، بينما تتسم النزعة اللاعقلانية أو ما نطلق عليه أحياناً "الأنانية" بالعمل على إثبات الذات، كما تعمل من منطلق خداع الذات؛ بينما يسير معظم الفكر العقلي وفقا لعمليات واعية.
• التفكير الناقد يهدف إلى تحليل الإعتقادات وتقييمها لتمييز ما هومقبول منها وما هو غير مقبول وفقا لمعايير عقلية خالصة.
• مكونات التفكير الناقد هي : القاعدة المعرفية، الأحداث الخارجية، النظرية الشخصية، الشعور بالتناقض أو التباعد، حل التناقض.
• ليست لديّ مهارة معينة، إلا أنني مفرط في تساؤلاتي. (آينشتاين)
• إن أكبر معوق أمام التعليم العلمي هو مفاهيمنا المسبقة. فنحن وأثناء مرحلة النمو نكون قد وضعنا تصوراتنا حول العالم المادي - إلا أن بعضها زائف.
• إن أصحاب التلاعب ذوي المهارات يحرصون دوماً على الظهور بمظهر المعتنقين عن القيم والمباديء التي يتبعها من يتحايلون عليهم، ويرجع ذلك إلى أنهم لا يهتمون كثيراً بالنهوض بالقيم الفكرية والعقلية، يل يهتمون في المقام الأول بالوصول إلى أهدافهم.
• يُسمي بيكون قواعد التجريب بـ "صيد بان" و بان pan هو إله الصيد عن الإغريق، وتبدو براعة هذه التسمية واضحة جلية، فهي تحمل تمثيلاً لهاجس الطبيعة المسيطر على الأذهان، وبيكون يقصد منها أن ممارسة المنهج التجريبي تغتنم معارف تُماثل ما يغتنمه إله الصيد حين يمارس صيده.

=========================================
▬ إن التفكير والشعور والرغبة على قدر واحد من الأهمية؛ فالتفكير هو السبيل الوحيد لسيطرتنا على عقولنا وبيان ما هو خطأ في تفكيرنا، كما نستطيع أيضاً من خلاله بيان كيفية التعامل مع عواطفنا المدمرة وتحويل الرغبات غير المثمرة إلى أخرى مثمرة. فالعقل هو الذي يمقدوره تحريرنا من الاسترقاق الفكري. فإذا قمنا بفهم عقلنا ووظائفه، وقمنا بمواجهة العوائق التي تمثلها الميول الأنانية لأدى ذلك إلى الإرتقاء بحياتنا وتطورها، وإذا قمنا بالاعتماد على عقلنا بصفة يومية، لاستطعنا اتخاذ الخطوات والإجراءات التي تمكننا من أن نصبح مفكرين. صــ 12

▬ إن فهم طبيعة المشكلة يعد أمراً غاية في الأهمية. فالمفكر يصبح واعياً بالمشكلة مهتماً بها. وهذه المرحلة - التي يستثار فيها اهتمام المفكر - هي مرحلة تمهيدية ضرورية لكل تفكير غرضي، فلا يكفي مجرد حب الاستطلاع ليستثير التفكير البنائي، بل إن الاهتمام أيضاً هو سر الملاحظة المؤثرة: فهو يضيف شيئاً إلى ما نراه، فوجود الاهتمام مسبقا أمر ضروري لاكتساب أي معرفة جديدة ولضمان بقائها. صــ 28

▬ إن الناجحين من أصحاب النفوذ والسلطة غالباً ما تنطبق عليهم صفة الذكاء وانعدام الضمير في آن واحد، ولا يجرؤون دائما على الاعتراف علانية بالألاعيب التي يتبعونها من أجل إحراز نجاحات على المستويين الاجتماعي والاقتصادي، كما يعملون باستمرار على إبطال أي دليل يظهرهم بمظهر حرج. ومن ناحية أخرى، إننا نرى أصحاب العقل الحقيقيين هم الذين يحترمون حقوق الآخرين ويراعون حاجاتهم، كما يمتازون بالمرونة واتساق الأفق، والإنصاف، كما يتمتعون بسلامة الفكر جنباً إلى جنب من المثابرة والتواضع الفكري. ليس ذلك فقط، بل إن من أهم ما يميزهم هو ثقتهم الكبيرة بالعقل واتباعهم لطريقه، وعلاوة على التسلل إلى داخل الآخرين عن طريق التفهم والشعور بهم، فهم لا يسيئون استعمال اللغة: فيقولون ما يعنون ويعنون ما يقولون. صــ 33

▬ نقرأ احياناً أن التفكير الناقد تحليل للمعرفة وتقييم لها للحكم عليها في النهاية بالصدق أوالكذب. وهذا القول مجانب للصواب تماماً؛ إذ إن المعرفة لا يتم تقييمها للحكم عليها بالصدق أو بالكذب، لأن المعرفة دائماً هي معرفة بالحقائق. ولا يجوز أن نطلق على معلومة بأنها تشكل معرفة إلا إذا سبق لنا تحليلها وتقييمها بأنها صادقة بالفعل. وإلا ما كان يجب أن نطلق عليها "معرفة". والواقع أن ما نحلله ونقيمه للحكم عليها بالصدق أو بالكذب إنما هو "الاعتقاد"، فالاعتقاد لا يشكل معرفة، فلو قلت: "أعتقد أن الزيادة السكانية في مصر قد جاوزت 3% هذا العام". أو نقول: "أعتقد أنني قد قمت بتسديد فاتورة الهاتف عن الشهر الماضي. فمثل هذه الاعتقادات هي التي يجوز فيها الصدق أو الكذب، لأنها لا تشكل معارف "بل مجرد اعتقادات"، ولكي تتحول إلى معارف لابد من توافر شرطين، هما: الصدق والتسويغ، فإذا ما ثبت أن الاعتقاد مطابق للواقع، يكون بذلك معتقداً صادقاً؛ كان هذا معناه أنني قد عرفت الأمر على حقيقته، يتحول الاعتقاد إلى معرفة بهذا الأمر. لكن صدق الاعتقاد وحده لا يكفي لأن يشكل معرفة، بل لا بد من ذكر الطريقة التي عرفت بها صدق المعتقد، كأن أقول: "إنني عثرت على "الفاتورة" التي تدل على سدادي المبلغ المطلوب مني، أو أنني عرفت نسبة الزيادة السكانية من تصريحات المسئولين نتيجة للبيانات المتوفرة لديهم. وهذا هو تسويغ المعتقد. أي الطريقة التي على أساسها أصبح المعتقد صادقاً. وبالتالي فقد أصبح يشكل جزءاً من معرفتي. وعلى ذلك فإن التفكير الناقد إنما يتعامل مع الاعتقادات لمعرفة صدقها أو كذبها، لا مع المعارف التي هي بحكم تعريفها صادقة [..] ولكن ألا يفترض هذا الموقف أن معارفنا حقائق لا تقبل الشك، ولا تتعرض لخطأ، لذلك استبعدناها من التقييم من زاوية الصدق والكذب. أو بعبارة أخرى، ألا يثير هذا الموقف مسألة تتعلق بطبيعة المعرفة: هل هي مطلقة أم نسبية ؟ لقد قيل: إن الثقافة اليونانية في عصر ربيع الفكر اليوناني كانت ثقافة تقوم على الحقائق المطلقة، التي لا تتغير، بل تظل ثابتة بغض النظر عن زمانها ومكانها، فالعلم الجدير بهذا الاسم لا بد أن يكون علماً بالحقائق المطلقة الثابتة. لذلك كانت الرياضيات هي المثال الذي يحتذى به بالنسبة للعلوم، والحقائق الرياضياتية صادقة صدقاً مطلقاً ولا يجوز عليها التغير أو تصور الخطأ. إلا أن مثل هذا الرأي لا يمكن الدفاع عنه في العلوم المختلفة، وحتى في مجال الرياضيات من وجهة  نظر معينة. وكان ظهور جماعة السفسطائيين في المجتمع اليوناني القديم، والشكاك في العصر الهللينستي، وما ترتب على ذلك من آثار عند كثير من الفلاسفة والعلماء على مر القرون - قد أدى إلى القول بنسبية معارفنا، إلى الحد الذي جعل الفيلسوف البريطاني المعاصر برتراند راسل (ت 1972) يقول : بأن جميع معرفنا غير يقينية وغير ثابتة [..] وهنا قد يقول قائل: لماذا إذن رفضنا القول بالتفكير الناقد في مجال المعرفة في زاوية صدقها أو كذبها، ما دامت كل معارفنا معرضة للخطأ؟ وما الفرق إذن بين الاعتقاد والمعرفة؟ أليس ما قلناه هنا يزيل الفوارق بينهما؟ أقول" إن الفرق بين الاثنين: الاعتقاد والمعرفة - مازال قائماً. فالاعتقاد تخمين أو افتراض لسنا منذ البداية على ثقة في كونه مطابقاً للواقع. أما المعرفة - حتى على فرض أنها تقبل التغيير، وليست مطلقة - فقد تثبت لدينا بالدليل أنها صادقة، وليس هناك حتى الآن أي دليل على كذبها. فهي بالنسبة لنا حقيقة ثابتة إلى أن يأتي دليل ضدها. وهذا الدليل قد يأتي وقد لا يأتي، ولذلك فهي متميزة عن الاعتقاد بالشرطين السابقين: الصدق والتسويغ (أو التبرير). وربما كان التفكير الناقد هنا هو الذي يقرر لنا ما نعده معرفة عما لا نعده كذلك [..] ولكن ليس معنى هذا أن المعارف لا تخضع للتفكير النقدي، يحللها ويقيمها، بل يمكن تحليلها وتقييمها من زوايا أخرى غير زاوية الصدق والكذب، فقد نقيمها من حيث ملاءمتها أو عدم ملاءمتها لهذه الأشكال أو ذاك، أو مدى حاجتنا إليها في هذا الوقت أو ذاك، إلى غير ذلك من زوايا. صــ 58 : 60

▬ المكونات الثلاثة الرئيسية للتفكير العلمي والنقدي: يقوم التفكير العلمي والنقدي على ثلاثة أمور: استخدام الدليل التجريبي (المذهب التجريبي)، وممارسة التدليل المنطقي (المذهب العقلي)، وامتلاك اتجاه شكي (المذهب الشكي) تجاه المعرفة المفترضة التي تقود إلى تساؤل ذاتي، التوصل إلى نتائج مجربة (مؤقتة) وإنها غير تزمتية (الاستعداد لتغيير اعتقاد المرء). هذه الأبعاد الثلاثة هي كلية في جميع مراحل العلم. وبدونها لا يكون هناك تفكير علمي أو نقدي. صــ 108

▬ يعتقد الكثيرون أن الشاكين أصحاب أذهان مغلقة، فلو حدث وكانت لديهم معرفة موثوق بها لقاموا بتغيير مواقفهم، ولكن العكس هو الصحيح تماماً. فإن الشاك يسلم بأن اعتقاداته مؤقته وذهنه متفتح أمام دليل جديد وحجج عقلية عن تلك الاعتقادات. والشاكون غير متزمتين، أي لديهم الاستعداد لتغيير آرائهم، ولكن على ضوء دليل جديد موثوق به أو أسباب صحيحة تدفع المرء إلى فعل ذلك. فالشاكون أصحاب عقول متفتحة، ولكن ليست متفتحة لدرجة قبول أي شيء، إنهم يقاومون الاعتقاد بشيء ما منذ الوهلة الأولى بدون دليل مناسب أو سبب مناسب، وهذه الصفة يستحقون الثناء عليها. صــ 111

▬ المغالطة هي حجة تبدو سليمة مع أنها في الواقع ليست كذلك. والمغالطة في معناها الدقيق، هي صورة غير صحيحة لحجة ما. وتختلف المغالطة أو عدم الصحة في التفكير الاستدلالي عن "الكذب"، فالكذب قول من الأقوال أو اعتقاد من الاعتقادات يتعارض مع الواقع الفعلي، بينما المغالطة تكون في الانتقال من مقدمة أو مجموعة من المقدمات إلى نتيجة معينة، فإذا لم يكن هذا الانتقال مسوغاً كانت المغالطة. كما تختلف المغالطة عن السفسفطة، فهذه الأخير هي استخدام مقصود لتفكير استدلالي غير سليم، بينما لا تكون المغالطة مقصودة، وبعبارة أخرى فإن المغالطة التي تستخدم بغرض الخداع أو كسب حجة بلا حق، أو محاولة الإقناع بلا تسويغ، أو إبطال مناقشة حقيقية، ومن ثم تصبح المغالطة في هذه الحالة حيلة سفسطائية. صــ 116

▬ على الرغم من تمجيد الغزالي العقل بأن جعله مصدراً للمعرفة اليقينية، وأداة لقطع الريب والظنون، إلا أنه يقر بعجزه عن معرفة الحق في الأمور الغيبية مثل المعرفة الحقيقية بالذات تعالى، وبصفاته وبأفعاله وبحكمته في خلق الدنيا والآخرة. والمعرفة بمعنى النبوة والنبي، ومعنى الوحي، ومعنى الشيطان ومعنى لفظ الملائكة. ومن موضوعات الغيب التي يعجز العقل أيضاً عن معرفتها، معنى لقاء الله عزل وجل، والنظر إلى وجهه الكريم، ومعنى القرب منه والنزول إلى جواره. لقد رأى الغزالى أن الفلاسفة والمتكلمين حاولوا معرفة موضوع الغيب، دون جدوى، لأنهم لم يتخذوا إليه السبيل الصحيح، الذي اتخذه الغزالي وهو نور النبوة. صــ 158


▬ لقد رأي الغزالي أن المعرفة على المستوى الصوفي (المعرفة الإلهامية) هي معرفة وثيقة ومباشرة بين الإنسان والله، ومن هنا كانت طريقة الصوفية، في الاتصال المباشر بالحقيقة، أصوب الطرق، إذ أن جميع حركاتهم وسكناتهم، في ظاهرهم وباطنهم مقتبسة من نور مشكاة النبوة، وليس وراء نور النبوة على وجه الأرض نور يُستضاء به. ويعتمد طريق الصوفية، على الكشف والذوق، والذي هو في حقيقته، نور إلهي يُشرق على النفس فيضيء أمامها الطريق، لتدرك الغيبيات، وتعرف اليقين، وهو بهذا يتميز عن طريق الحواس وطريق العقل. صــ 161

  • Digg
  • Del.icio.us
  • StumbleUpon
  • Reddit
  • RSS