عاشق لعار التاريخ (عبد الله القصيمي)


• لقد سقط عصر الآلهة التي لا تملك إلا التعاليم المتوحشة، ليجيء عصر الحاكم والمذهبية، والزعامة والدولة الشاملة التي تملك كل أسباب القتل والإذلال والإغواء والحشد.
• إني لا ألعن الإنسان لسقوطه... اني أرثى له... اني أرثى له مخطئاً وملوثاً، كما ارثى له متألماً، ومشوهاً، كما ارثى له حزيناً.
• انه ليس الواقف في صف الثوار، إلا إنساناً لم يجد مكانه الملائم في الصف المقاوم للثورة... ان الثائر ليس إلا إنساناً منفياً إلى الثورة.
• إن من يهجو طاغية وهو راكع تحت أقدام طاغية آخر أعتى، لهو مادح للطغيان بأسلوبين، بلغتين.
• إن المجد الباذج يقتل الرؤية، انه يقتل كل وسائل الإتصال بالأشياء...بالآخرين.
• إني أشعر بعطف شديد على الكلمة، ان جميع الناس يظلمون الكلمة...انهم جميعاً يشوهونها. انهم جميعاً يصنعون منها أجمل النعوش لأقبح الجثث، انهم يضعون كل أكاذيبهم وتشوهاتهم، في توابيت مزخرفة من الكلمات، من الشعارات.
• ان الذي يقول بإسم الإله أفعل، لا يعني إلا ما يعنيه من قال بإسم الشيطان أفعل...إن كليهما يفعل بإسم ذاته، لحساب ذاته، لا بإسم الإله أو الشيطان...ولا لحسابهما...إن كليهما يفعل بلا اله تحت اسم أي إله.
• اني انقد لاني ابكي واتعذب، لا لإني اكره واعادي. انقد الإنسان لاني اريده أفضل، وانقد الكون لانه لايحترم منطق الإنسان, وانقد الحياة لاني اعيشها بمعاناة - بتفاهة, بلاشروط, بلا اقتناع, بلا نظرية.  
• إن كل دموع البشر تنصب في عيوني...ان كل أحزانهم تتجمع في قلبي...إن كل آلامهم تأكل أعضائي..ليس لإني قديس، بل لأني مصاب بمرض الحساسية...بمرض الإنتقال إلى الآخرين...إلى أحزانهم...إلى آلامهم...إلى آهاتهم المكتومة والمنطوقة...إلى عاهاتهم المكشوفة والمستترة.
• ما أفظع أن تكون مبصراً وقارئاً، ثم لا تكون حزيناً ولا ناقداً...
• إن الإنسان إذا عجز عن أن يكون كما يريد، راح يفعل ما لا يريد. انه اذا عجز عن الإنتصار ذهب يصنع الهزيمة.
• إن الحرب في كل صورها وظروفها، ليست إلا تفسيراً لانتصار الطبيعة على البشر. وان السلام هو التفسير المقابل لإنتصار البشر على الطبيعة.
• إن النصوص لا تفسر النصوص، ان الإنسان هو الذي يفسر النصوص...يفسرها بشهواته، وظروفه، ومصالحه، وقدرته..
• ما أوقحك وأكثر ذنوبك أيتها الشعارات...
• إن الحرب لا تعالج شيئاً، ولكنها تدمر أشياء...وهكذا الثورة، فهما أي الحرب والثورة في عصور التأخر لا يجلبان غير الآلام، أما في عصور الحضارات الكبيرة فإنهما تعرضان نفسيهما عرضاً خادعاً، مزوراً بأزياء وأسلحة وعضلات، ليست بأزياءهما ولا عضلاتهما ولا اسلحتهما. إنهما حينئذ تركبان جياداً ليست جيادهما، وتلبسان حللاً ليست من صنعهما.
• إن مزية روسيا ليست في نظامها الإجتماعي، ولا في إسقاط  قياصرتها الطغاة...ان روسيا ليست عظيمة لأنها شيوعية. ولكن لأنها مبدعة.
• إن الثوار قوم كارهون لأنفسهم وظروفهم ومجتمعهم يعبرون عن هذه الكراهة بأسلوب يدعونه ثورة، ولهذا فإن أكثر الثوار ثورية لا بد أن يكونوا أكثر الناس كراهة وتنافراً مع أنفسهم ومع الآخرين.
• ان أشد الناس خوفاً من الحرية والتطور هم الذين انتصروا بالمؤامرات...هم الذين ارتفعوا فوق اكتاف التاريخ بالقفز عليه في الظلام.
• ما أقبحك يا عهد الثورات... ان النفاق يصبح فيك هو أسهل أساليب المقاومة...يصبح هو العزاء في شرف الإنسان.
• إن الناس في زمن الثورات، محتوم عليهم أن يؤمنوا، ومحرم عليهم أن يفهموا.
• إن الثائر يحاول أن يغير وضعه بحجة المحاولة لتغيير أوضاع الآخرين...إنه يغار لنفسه وينتقم لها، ثم يزعم أنه إنما يغار وينتقم للإنسان المظلوم، أو للإله المهجور في سمائه.
• لقد مات الإنسان...مات قبل أن يولد. وانه لا يزال يموت...انه يموت دائماً لأن الطغاة والثوار والمعلمين، يجربون عليه أنفسهم دائماً. انه لا يرفض أن يتعلم، وأنهم لا يملون أو يتعبون مهما استمرت التجارب.
• إني أخاف الثورات، لأني أخاف على مستويات الحرية والذكاء والكرامة...لأني أخاف على المعارضة الشجاعة والتمرد الخلاق...لأني أخاف أن يموتا...أن يقتلهما الثوار.
• إن آفة كل دكتاتور مهما كان صغيرا أنه يريد أن يكون الطبيب العالمي للتاريخ...انه لا يستطيع أن يكون في حسابه لنفسه عظيماً إلا إذا كان كل من كان قبله حقيراً. ان مجده يعني حقارة من سواه...ان حقارة من سواه تعني مجده، تعني تفرده بالمجد.
• الخائفون جداً لا يستطيعون أن يكونوا أذكياء ولا رافضين لأي أسلوب من أساليب الغباء. إن الخائف وعاء مفتوح لإستقبال كل الحماقات والغباوات...لإستقبال كل المجانين والطغاة والأنبياء الكذبة. لعل أكثر مخاوف البشر التاريخية، انما صنعها هؤلاء الذين ابتكروا الخوف من الجحيم والشيطان والآلهة.
• إن الحاكم الذي ينقد نفسه، ثم يعاقب من ينقدونه، لهو مثل من يتعرى في الطريق العام، ويعلن تعريه، ثم يفقأ من ينظرون اليه، أو يفقأ عيون كل الناس لئلا ينظروا اليه.
• إن الدكتاتور لا يعني حينما يتحدث عن أخطائه، إلا ان يتحدث عن اخطاء مجتمعه، عن أخطاء التاريخ، عن أخطاء الكون. فهو إنما يمجد نفسه ــ بأسلوب المتواضع ــ حينما يتهمها بذنوب غيرها..
• إن الدكتاتور يحاول أن يحول الكون كله إلى طبول تدق وتدق...في كل مكان باسمه وبمجده...تدق فوق النجوم وتحت الأرض، وعلى كل اتجاه...تدق في مسامع كل الحاضر وفي مسامع الآتي.
• الحاكم الفاسد يعادي من يعارضون، أما الحاكم الاله فانه يصلب من يفكرون...
• ان الإنتخابات في عهد الدكتاتور ليست سوى عملية بالإكراه للإعتراف بشرعية بقائه...
• إنه لا يوجد في التاريخ محتكر أبشع من الدكتاتور. ان الدكتاتور لا يحتكر الأشياء وحدها، انه يحتكر الأفكار والعقائد، وخلجات النفس، وحرية النقد والرؤية، انه يحتكر البذاءة والجنون.
• أيها المجد، أيها الخلود. كم أنتما قاتلان... كم أنتما لصان. يا مجد الأصنام، يا خلود الأصنام متى يصلبكما الإنسان... متى يحاكمكما على كل ذنوبكما...؟
• أيتها اللغة، يا لغة العرب يا لغة الإعجاز والتحدي، يا لغة الكتاب المتحدي...كم أنتِ مذنبة...كم أنت معجزة...كم أنت معجزة مذنبة يا لغة العرب...يا لغة الإعجاز، يا لغة التحدي.

=======================================
▬ إن قراءة التاريخ لا تجدي في اتقاء الأخطار والآلام، انها لا تجدي في معرفة الأخطاء والآلام. ان أخطاء وآلام من لم يقرأ التاريخ، ليست أعظم من أخطاء من قرأه. ان القراءة ليست وسيلة من وسائل اتقاء الأخطاء والألم. انه لا يمكن أن يرى الإنسان نفسه من خلال التاريخ، أو من خلال الآخرين، انه يرى العكس، انه ليس للتاريخ قوة أخلاقية أو وعظية أو عقلية. ان التاريخ يعيش فينا ولكننا لا نتعلم منه. اننا لو كنا نستطيع ان نتعلم من التاريخ لتحولنا في تفكيرنا وسلوكنا وعواطفنا إلى أجهزة معصومة من الخطأ والألم والفساد. ولكن التاريخ مع ذلك ليس أسلوباً واحداً أو صيغة واحدة، فإذا عرفنا اسلوباً واحداً من أساليبه، أو صيغة واحدة من صيغه المتناهية، فهل يجعلنا ذلك عارفين لكل اساليبه وصيغه؟ صــ45

▬ قد تتحول كل عبقرية العرب ومحاولاتهم للاصلاح والتغيير وآمالهم فيهما، إلى ثورات عسكرية. قد يظلون يرون أن السيف أصدق أنباء من الكتب والعلم، ومن كل المزايا الإنسانية الأخرى...قد يظلون يرونه العلاج الدائم، من كل تخلف وفساد، وظلم وجهل...قد يظلون يرون أنهم كلما عجزوا عن التغيير العظيم، وعن التلاؤم مع الإحتياجات الكبرى الجديدة، فالحل أن يقوموا بثورة عسكرية لكي يهربوا من عجزهم، ليغطوا بالسلاح والضجيج، والمحاكمات والإتهامات الكبرى، ولكي يظلوا زمناً طويلاً ينتظرون أن يتحول السيف إلى حضارة وعبقرية، وانتصار على الجهل والتخلف، ولكي يتحدثوا كل الوقت عن أمجاد ثورتهم، وعن بركتها...صــ53

▬ إنه لا يمكن أن تكون ثورة بدون أصوات عالية. ان الأصوات العالية تستهلك حماس الإنسان وطاقته...انها تفسد قدرته على الرؤية والتفكير والسلوك الجيد. ان الأصوات العالية هي الثمن السخي الذي تهبه الثورات للمجتمعات التي تصاب بها. ان الأصوات العالية هي العقاب الغوغائي الذي تعاقب به كل ثورة اعصاب ووقار مجتمعها، وأحياناً أعصاب ووقار المجتمع العالمي. وان الأصوات العالية هي هدية كل ثورة للمشاكل الصعبة. صــ104

▬ الثوار دائماً يتحدثون عن نقيض ما يعطون. انهم يتحدثون عن الحرية والإستقامة وهم أقوى أعدائها...وعن الصدق وليس في البشر من يعاقبون الصادق، ومن يمارسون الكذب ويجزون بالكاذبين مثلهم...وعن حقارة النفاق وهم أحسن من يزرعونه، ويستثمرونه ويتعاملون عليه...وعن الرخاء، مع أنهم أذكى من يبتدعون جميع أسباب الافقار والأزمات والحرمان... وعن التقدمية وهم أعتق البشر رجعية، انه لا مثيل لهم في الخوف من التغيير الذي لا يهبهم تسلطاً وطغياناً... ويتحدثون عن العدل والحب وهم يعنون بها تخويف كل الطبقات وتسخيرها وقهرها وسوقها لمصلحة كبريائهم وأحلامهم...صــ107

▬ إنني كلما رأيت زياً عسكرياً، أشعر اني لا أرى إلا إعلاناً بذيئاً مربوطاً بإنسان أسمعه ينادي: أنا وحش...أنا  قاتل...أنا مخرب...أنا صانع الأيتام...صانع الأرامل...صانع الدموع...أنا حشرة باهظة التكاليف...أنا حشرة عالمية...أنا كل ذلك...أنا أكثر من ذلك، وأوقح من ذلك...أنا الجميل الدميم...أنا المحترم المحتقر...أنا القوي الضعيف، المنتصر المهزوم...أنا القاتل الذي يمشي متبختراً فوق المجتمع، حاملاً زي القتل، حاملاً أدوات القتل وشعاراته...أنا القاتل الذي تعده كل المجتمعات، وتفاخر به كل المجتمعات...أنا صانع الإنتصارات، التي هي هزائم للإنسان...أنا صانع الهزائم دائماً...أنا صانع الهزائم حينما أنتصر، وصانع الهزائم حينما أنهزم...أنا دائماً الموت، والخراب والخوف، والبذاءة...صــ125

▬ إن المجتمعات في الغالب تؤمن بالذين يعلمونها الكذب والغواية والبغض والحماقات لا بمن يعلمونها الحب والحقيقة والصداقة والعقل: ان الأكاذيب أقوى سحراً من الحقائق...ان المهرجين الصارخين، يعطون الجماعات الفرصة لكي تريح آلامها واعصابها، أوحرمانها اعظم مما يعطيها العقلاء والمتوقرون. ما اسخف العقل حيث يطلب الجنون...ما أسخف الإتزان في مخاطبة الجماهير، في قيادتها. ان الإعتدال والصدق والوقار ، قيود لا تطيقها الجماهير. ان الجماهير تجد في الأكاذيب والمبالغات والتحويمات، تعويضاً لها عن فقدها وعجزها وحاجتها. كل الناس يحتاجون إلى تعويض ولو بالكذب، ولو بالإحتلام، ولو بالشتائم والحقد. صــ132

▬ إن الدكتاتور يلقي بثقل دعايته كله على مخاوف جماهيره وأحقادها، فيملؤها بالأعداء المتربصين، ويملؤها بمؤامراتهم وخياناتهم التي لا تنتهي...إنه يضيق عليها الجو بالأشباح والأبالسة...انه يظل يحدثها بأعلى الضجيج عن أخطار هذه الأشباح والأبالسة...يحدثها عن الخطط الكبيرة التي توضع في الظلام لإغتصاب الحياة والسعادة من الجماهير، وللقضاء على منقذها العظيم...يحدثها عن الإستعدادات المضادة، التي يحكم وضعها لتحقيق الإنتصارات التي لا ريب فيها. صــ140

▬ إن الدكتاتور يعشق التاريخ الذليل المهزوم الملوث. انه يكره التاريخ النظيف العزيز الكريم...ان ذلك تحقير له، ورفض لتفرده...انه لهذا لا بد أن يزور ما كان...انه قد يود أن يحرق جميع الوثائق التي تناقض هذه الغاية، اذا لم يجد وسيلة أخرى...انه يبدأ به التاريخ، ان يبدأ به الإنسان، ان تبدأ به كل عبقرية...انه يريد أن يكون البدء. ان الدكتاتور انسان عاشق لعار التاريخ...انه يريد أن يكون كل شيء، فضائح وهوانا، وخيانه وعفونة...انه يريد أن يكون وحده المعالج المقوم، المدعي لأبوته وأمومته ونسبه. ان آفة كل دكتاتور مهما كان صغيراً وضئيلاً أنه يريد أن يكون الطبيب العالمي للتاريخ...صــ150

▬ لقد كان المفروض أن يكون دعاء المؤمنين: "اللهم لا تنصرنا ولا تنصر علينا...اللهم لا تنصر أحد على أحد...اللهم لا تجعل لنا أعداء لنطلب منك النصر عليهم...اللهم لا تجعلنا أعداء لأحد ليطلب اليك ان تنصره علينا... انه لظلم لا يليق بك... انها الحقارة، تترفع عنها صفات الأرباب أن تخلق الناس لتجعل منهمم منتصرين وتجعل منهم منهزمين... انها هرطقة ووحشية منا أن نتصور ذلك في أخلاقك...انها لهرطقة ووحشية، أن ندخلك في معاركنا الصغيرة الظالمة الوقحة، ذات الأهداف والحوافز السخيفة".إن على البشر جميعاً أن يغيروا من صلواتهم التي يوجهونها إلى الله. لقد تحضروا فعليهم أن يتحضروا في تصورهم للإله، وفي مطالبتهم له، وضراعاتهم اليه. انه لذنب كبير أن يظلوا يدعونه باللغة التي كانوا يدعونه بها أيام بدواتهم.صــ184


▬ لقد كان للعرب إله، لقد كان لهم إله تحول إلى كلام، إلى كلام تنزل على نبي، نبي حوله إلى كتاب. لقد أصبح إله العرب كتاباً، لقد أصبح كلاما... حتى الإله لقد أصبح كلاما... أصبحت قدرته وتعامله معهم كلاماً. ان مجد العرب كلام...ان معجزات نبيهم كلام...ان صفات الههم كلام...ان تقديرهم اذن للكلام تقدير فيه كل معاني التدين، وشطحات الصوفية المتنازلة عن كل حقوقها في المنطق، وفي احترام السلوك، وضبط الذات بأي مستوى من مستويات الضبط.  [...] كأن الكلام عندهم إنما هو مقدرة على الكلام.. صــ209

  • Digg
  • Del.icio.us
  • StumbleUpon
  • Reddit
  • RSS

2 التعليقات:

الشيخ صفوان الهبري يقول...

كنا نحتاج للمفكر القصيمي في هذاالزمن
انه مدرسة عظيمة

Unknown يقول...

قضايا الوجود تحتاج إلى نقاش وإقناع بدلا من الإطناب والزخرفة اللفظية

إرسال تعليق