دور الكلمة في اللغة (ستيفين أولمان) - ترجمه وعلق عليه (كمال بِشر)


|| ملحوظة : يعرض المترجم أمثلة عربية عوضاً عن الأمثلة الإنجليزية (أحياناً) لتقريب المعنى لذهن القاريء العربي ||

• اللغة نظام من رموزصوتية مخزونة في أذهان أفراد الجماعة اللغوية، بينما الكلام نشاط مترجم لهذه الرموز الموجودة بالقوة إلى رموز فعلية حقيقة.
• إن الذاتية الصوتية للكلمة متحققة وثابتة بصورة قوية إذا نظرنا إلى الموضوع من ناحية اللغة، ولكن الذاتية غالباً ما تذوب وتختفي في الكلام المتصل، وإن كان ذلك بدرجات متفاوتة.
• المعنى : علاقة تبادلية بين اللفظ والمدلول، علاقة تمكن كل واحد منهما من استدعاء الآخر.
• المعنى المتعدد يتحقق في صورتين اثنتين: فقد يرتبط عدد من الألفاظ بمدلول واحد أو العكس، أي قد يكون الارتباط بين مدلولات عدة ولفظ واحد.
• إن معظم المترادفات ليست إلا أنصاف أو أشباه مترادفات، ولا يمكن استعمالها في السياق الواحد، أو الأسلوب الواحد دون تمييز بينها.
• قد يلحق بالمعنى عدة تغييرات لأسباب لغوية أو تاريخية أو إجتماعية...
• لقد كانت العادة في الايام الأولى لعلم المعنى - عندما كان لنظرية التطور لداروين تأثيرها البالغ في كثير من الميادين - أن يتحدث الدارسون عن الكلمات بل عن اللغات بأسرها، كما لوكانت حية ذات مراحل حيوية محددة، من ميلاد، فنمو ، فنضج ، فشيخوخة، فممات.
============================================

▬ ما السر في أن كلمة Apple قد ارتطبت ارتباطاً وثيقاً في أذهان كل المتكلمين بالإنجليزية بتلك الفاكهة بالذات، حتى صارت رمزاً لها ؟ إن الإجابة عن هذا السؤال تقتضي النظر في العلامات والرموزبوجه عام، حيث أنه من المعروف أن هناك علامات ورموزاً كثيرة غير لغوية، ومن ذلك أن كلمة اللغة إنما تحمل مكاناً واحداً فقط في الإطار العام للعمليات الرمزية. إننا حين نرى سحاباً كثيفاً في السماء نفسر ذلك على أنه دليل على مطر وشيك الوقوع. وإذا أراد الكلب مثلاً مغادرة حجرة مغلقة فإنه يرشدنا إلى ذلك بإعمال أظافره في الباب. ففي الحالة الأولى فُسرت ظاهرة طبيعية على أنها دليل على ظاهرة أخرى، وفي الحالة الثانية وجدت إشارة مقصودة نبهت السامع أو العاملين والأهم من ذلك كله على أية حال، هو عملية التحليل والتفسير نفسها. وقد القت التجارب المشهورة التي قام بها العالم النفسي الروسي Pavlov ضوءاً جديداً على هذه العملية. فقد اعتاد بافلوف أن يحدث صفيراً ذا نغمة خاصة وقت تقديمه الطعام لكلبه. ومن ثم حدث ترابط وثيق بين منظر الطعام ورائحته وطعمه وبين الصوت الذي يصاحب تقديم الطعام بانتظام. كل هذه الإنطباعات الحسية كونت جزءاً من خبرة عامة متكررة. وبعد أن اطمأن بافلوف إلى اسقرار هذه القرائن الحسية عمد ذات يوم إلى احداث الصفير ولكن دون إحضار الطعام. فوجد أن الكلب قد أظهر كل علامات توقع الطعام، وكان اللعاب الذي يثيره احداث الطعام عادة ً إحدى هذه العلامات، كل الذي حدث هو أن جزءاً من الخبرة قد انفصل عن بقية الأجزاء، وكان هذا الجزء وحده كافياً لاستدعاء بقية القرائن. وقد صاغ لنا الدكتور ريتشاردز عبارة معبرة - وإن كانت فجة إلى حد ما - يوضح بها الخاصة البارزة للعلامات، تلك العبارة هي "فاعلية نائبة" معناها أن عنصراً واحداً من خبرة مركبة قد انفرد بأداء دور المجموع "عن طريق النيابة" .. إذا صح هذا التعبير. ولنا حينئذ أن نعرف العلامة بأنها ذلك الجزء من الخبرة الذي في استطاعته أن يستدعي بقية الخبرة. صــ26

▬ في فجر التاريخ ظهرت الكتابة في أطوارها الأولى في ثلاثة مراكز كبرى من مراكز الحضارة، وهي الصين والعراق القديم ومصر. ويرجع نظام الكتابة في اللغة الإنجليزية إلى الهيروغليفية المصرية التي كانت في أساسها كتابة تصويرية..فكانت الرموز تدل على الأشياء لا على الكلمات. وعندما أخذ الساميون هذا النظام في النصف الأول من الألف الثانية قبل الميلاد أدخلوا عليه إبتكاراً مهماً، فأصبحت الرموز المصرية تستغل في الدلالة على الصوت الأول من الكلمة السامية.. من ذلك مثلاً أن الكلمة السامية التي تدل على "منزل" هي بيت beth. ومن ثم فقد أ ُخذ الرمز المصري الذي يمثل "المنزل" ليدل على صوت الباء في السامية، وكلمة ألف السامية معناها الثور.. وعلى هذا فالكلمة الإنجليزية Alphabet المشتقة من كلمة إغريقية مناظرة مأخوذة بدورها من الإسمين الساميين للحرفين الأولين من الأبجدية السامية - تعني "ثور - بيت" لو نظرنا إليها من ناحية أصلها واشتقاقها التاريخيين. كمال لا يزال الشبه واضحاً بين الحرف الإنجليزي O وبين الرمز المصري الذي يدل على "العين". وهذا النظام الكتابي الذي أخذه الإغريق عن الساميين والذي إنتقل إلى الرومان عن طريق الإغريق صار فيما بعد أساساً لا للأبجدية الإنجليزية فحسب، بل ولأبجدية القبائل الألمانية القديمة، ولأبجدية "السيريلية" التي كان يستعملها السلافيون المنتمون إلى الكنيسة الشرقية، والتي لا تزال حتى الآن تستعمل في روسيا وفي غيرها من العالم السلافي. صــ37

▬ لقد تعرض نظام الكتابة في كثير من بلاد العالم لنوع من الإصلاح والتحسين. أما في اللغة الإنجليزية فإن عدم وجود نظام ثابت في الكتابة قد وصل إلى درجة تستدعي إصلاحاً مناسباً معقولاً، بل إن هذا الإصلاح أصبح - في الواقع - أمراً لا مفر منه على مر الأيام. وقد جرت مناسبات كثيرة حول الآراء المؤيدة والمعارضة لإحداث ثورة شاملة في نظام كتابة اللغة الإنجليزية. وقد كان التحمس الشديد الذي أبداه برنارد شو إزاء ضرورة القيام بتغييرات جوهرية في نظام كتابة هذه اللغة، الفضل الكبير في مناقشة هذه القضية بالبرلمان حديثاً ،وفي أن للإقتراح الذي ينادي بالإصلاح كاد يحظى بالموافقة، لولا وقوف عدد قليل جداً من الأصوات في طريقه. وبالرغم من هذا كله، فإن المنشغلين بالدراسات اللغوية لا ترتاح نفوسهم إلى مثل هذه الخطط "الإصلاحية"، وذلك لاعتبارات عدة يدركونها جيداً... صــ40 : 41

▬ [..] وقد يصبح الاستعمال المجازي قديماً بالياً بالتكرار المستمر بحيث لا تحس بأنه مجاز. وفي هذا المعنى جاء القول التقليدي بأن اللغة "قاموس من الجازات التي فقدت مجازيتها بالتدريج" فالمتكلم الحديث مثلاً لا يدرك وجود أية علاقة بين "خلق" بالمعنى المعروف، كما في نحو "خلق الله الخلق" وبين "خلق" في نحو "خلق الخراز الأديم والخياط الثوب : قدره قبل القطع" وإنما يدرك هذه العلاقة أولئك اللغويون المهتمون بالبحث في تاريخ الكلمات وأصولها. الذين يعرفون أن "خلق" الأولى كانت في الأصل استعمالاً مجازياً (لخلق) الثانية. صــ76

▬ يقول ابن جني في خصائصه (ص 162 - 163 ، جـ 2) : إنهم "قد يضيقون إلى اختيار الحروف وتشبيه أصواتها بالأحداث المعبر عنها ترتيبياً وتقديم ما يضاهي أول الحديث، وتأخير ما يضاهي آخره، وتوسيط ما يضاهي أوسطه سوقاً للحروف على سمت المعنى المقصود والغرض المطلوب، وذلك كقولهم : بحيث، فالباء لغلظها تشبه بصوتها خفقة الكف على الأرض والحاء لصلحها تشبه مخالب الأسد وبراش الذئب ونحوها إذا غارت في الأرض، والثاء للنفث والبث في التراب". غير أن ابن جني - كما هو ملحوظ - قد ركز عنايته على الكلمات المفردة، لا على الجمل والعبارات، كما أنه بالغ إلى حد ما في التماس العلاقة بين الصوتية والأحداث المعبر عنها بهذه الأصوات. صــ80

▬ إن غموض المدلول وعدم وجود حدود دقيقة ثابتة لهذا المدلول قد تناولها نقاد اللغة بالمدح تارة وبالذم تارة أخرى. يتساءل القديس "أوجستين" :"ما الزمن ؟ إذا لم يسألني أحد فإنني أعرف، ولو سُئلت وحاولت أن أجيب فإنني لا أعرف". فالحكم إذن بأن اللفظ يدل على معناه دلالة دقيقة إنما هو حكم اضطراري مؤقت، وليس حكما يمثل الحقيقة في شيء. وقد بات من المقرر أن من الأهداف الكبرى لعلم العنى العام general semantics توجيه حملة لا هوادة فيها ضد كل الأمور العنوية والأفكار المجردة التي تؤدي إلى الزيف والتضليل. صــ91

▬ هناك طريقتان رئيسيتان تتبعها الكلمات في اكتساب معانيها المتعددة. الطريقة الأولى منها يمكن توضيحها بالكلمة الإنجليزية "operation" خير توضيح. هذه الطريقة تبدأ بمجرد حدوث التغير في تطبيق الكلمات واستعمالها، ثم يعقب ذلك شعور المتكلمين بالحاجة إلى الاختصار في تطبيق الكلمات واستعمالها، ثم يعقب ذلك شعور المتكلمين بالحاجة إلى الاختصار في المواقف والسياقات التي يكثر فيها تكرار الكلمة تكراراً ملحوظاً، ومن ثم يكتفون باستعمالها وحدها للدلالة على ما يريدون التعبير عنه. إنه ليس من الضروري مثلاً - بل لعله مما يوجب التندر أن تنص وأنت في مستشفى على أن العملية المشار إليها في الحديث هي عملية جراحية، وأنها ليست عملية استراتيجية أو صفقة تجارية في سوق الأوراق المالية. فإذا ما تبلورت الكلمة وتحدد معناها الجديد في البيئة الفنية الخاصة. كان لا بد لها في الوقت المناسب من ان توسع في حدود دائرتها الاجتماعية الخاصة، حتى تصبح مقررة ثابتة في الاستعمال اللغوي العام. صــ115

▬ المعروف أن كثيراً من اللواحق (suffixes) الإنجليزية كانت في الأصل كلمات مستقلة. فحين تكرر ظهور هذه الكلمات في المواقع الثانية في كلمات مركبة كثيرة، أخذت تفقد ذاتيتها بالتدرج، حتى آلت إلى مجرد عناصر صرفية قابلة للدخول في أي أمثلة جديدة بالطريقة ذاتها. هذه العملية تعرف "باللصق" أو "الوصل والضم"، وهي عملية لها كذلك دور مهم في تصريف الكلمات فاللاحقة dom - في نحو wisdom ، حكمة ، و Christendom المسيحية، هي هي الكلمة doom وكلاهما مشتق من الفعل to do ، واللاحقتان head في نحو Godhead الألوهية و hood في maidenhood عذرية. كان لهما في يوم من الايام معنى kind ، نوع ، الذي لا يزال ملحوظاً في الكلمة المركبة : mankind، النوع الإنساني، ولقد استنفدت بعض هذه اللواحق القديمة طاقتها وفاعليتها، بينما لا يزال البعض الآخر خصباً كما كان من قبل. فلا يزال في استطاعتنا أن نصوغ من الصفات ظروفاً جديدة لا حصر لها بإضافة اللاحقة ly التي ترجع - مع صاحبتها like - في نحو godlike "رباني" - إلى الكلمة الإنجليزية القديمة lic [...] وتستطيع بعض اللغات أن تكون كلمات ضخمة شنيعة بوساطة تكديس اللواحق والنهايات الصرفية بعضها فوق بعض. من هذه اللغات - وهي ما تعرف باللغات اللصقية "agglutinative languages" - اللغة الهنغارية التي تحتوي على كلمات لا يكاد يستطيع اللسان النطق بها، كتلك الكلمة التي تتكون من ثلاثة عشر مقطعاً : legeslegmegvesztegethcterlenebbaknek. صــ 139 : 140


▬ إن كل تعريف من التعريفات إنما يعني محاولة ربط معنى غير معروف بمعنى مألوف، وهو بهذه الصفة ليس إلا صورة من صور استبدال الكلمات word - substitution ومثل هذا الاستبدال يمكن أن يتم بسهولة ونجاح، إذا كانت أنواع العلاقات التي تربط بين الجهتين بعضهما محددة تحديداً واضحاً. والحق أن هذه العملية يمكن السيطرة عليها دون عناء كبير، حيث إن عدد هذه العلاقات أو طرق الربط  محدود للغاية، ولا يختلف الأمر هنا عن عملية إرشاد شخص ما إلى مكان غير معروف له بطريق اختيار مكان معروف معرفة جيدة، وجعله نقطة البداية، ثم وصف الطريق الذي يتلوه. فللإجابة على السؤال: "كيف أصل إلى ميدان كمبرج" (بلندن) ؟ يذكر لنا أوجد وريتشاردز الرد قد يكون هكذا. "أنت تعرف المتحف البريطاني، وتعرف الطريق إلى شارع شافتزبرى أفينيو. إذا دخلت الشارع وواصلت السير فيه فسوف يقابلك في الطريق ميدان كمبردج". صــ218

  • Digg
  • Del.icio.us
  • StumbleUpon
  • Reddit
  • RSS

0 التعليقات:

إرسال تعليق