علم الدلالة (أحمد مختار)


• يعرفه بعضهم بأنه "دراسة المعنى" أو "العلم الذي يدرس المعنى" أو "ذلك الفرع من علم اللغة الذي يتناول المعنى" أو "ذلك الفرع الذي يدرس الشروط الواجب توافرها في الرمز حتى يكون قادراً على حمل المعنى".
• لقد عرف بعضهم الرمز بأنه "مثير بديل يستدعي لنفسه نفس الاستجابة التي قد يستدعيها شيء آخر عند حضوره". ومن أجل هذا قيل إن الكلمات رموز لأنها تمثل شيئاً غير نفسها وعرفت اللغة بأنها "نظام من الرموز الصوتية الُعرفية".
• إن علم المعنى لا يقف فقط عند معاني الكلمات المفردة لأن الكلمات ما هي إلا وحدات يبني منها المتكلمون كلامهم، ولا يمكن اعتبار كل منها حدثاً كلامياً مستقلاً بذاته.
• يُعرف المورفيم بأنه أصغر وحدة ذات معنى. ويُقسم إلى : مورفيم حر وهو الذي يمكن استعماله بمفرده، ومورفيم متصل وهو الذي لا يُستعمل منفرداً، بل متصلاً بمورفيم آخر. ومثالها كلمة "رجلان" المكونة من مورفيم حر (رجل) ومورفيم متصل (ان) علامة التثنية. و re كما في remark بخلاف re في recover التي لا تملك معنى مستقلاً.
• بعض الناس قد يظن أنه يكفي لبيان معرفة معنى الكلمة الرجوع إلى المعجم ومعرفة المعنى أو المعاني المدونة فيه. وإذا كان هذا كافياً بالنسبة لبعض الكلمات، فهو غير كافٍ بالنسبة لكثير غيرها.
• لا يُعتبر شرطا ً بالنسبة للمتكلمين بلغة معينة أن يتفقوا في المعنى أوالمعاني الإضافية. كما أن المعني الإضافي مفتوح وغير نهائي، بخلاف المعنى الأساسي. ومن الممكن أن يتغير المعنى الإضافي ويتعدل مع ثبات المعنى الأساسي.
• نادرا ما تجد كلمتين تتطابقان في معناهما الأساسي تتطابقان كذلك في المعنى الأسلوبي مما حدا ببعض اللغويين إلى أن يقول "إن الترادف الحقيقي غير موجود".
• المعنى النفسي يشير إلى ما يتضمنه اللفظ من دلالات عند الفرد. فهو بذلك معنى فردي ذاتي. وبالتالي معنى مقيدا بالنسبة لمتحدث واحد فقط، ولا يتميز بالعمومية، ولا التداول بين الأفراد جميعا.
• وبالتالي يمكن حصر أنواع المعنى في خمسة أنواع وهي: المعنى الأساسي أو التصوري أو المفهومي - المعنى الإضافي أو العرضي أو الثانوي اوالتضمني - المعنى الأسلوبي - المعنى النفسي - المعنى الإيحائي.
• هناك عدة معايير لقياس المعنى، منها : التدرج بناء على الكلمات المتضادة - المعيار النفسي - المعيار الفسيولوجي - معيار النَظْم.
• يمكن حصر النظريات التي تناولت المعنى في : النظرية الإشارية - النظرية التصورية - النظرية السلوكية - نظرية السياق - نظرية الحقول الدلالية - النظرية التحليلية.
• يرى بعض الباحثين أن اللغة الإنجليزية بميلها إلى تقصير الكلمات الطويلة تخلق الكثير من كلمات المشترك اللفظي. ويمكن أن يمثل ذلك بكلمة fan بمعنى مروحة وكلمة fan في مثل قولهم : football fan التي هي اختصار لكلمة fantastic.
• من تعاريف المعنى : الصورة الذهنية للشيء أو العلاقة بين الرمز والصورة - الشيء المشار إليه أو العلاقة بين الرمز والشيء الخارجي - الموقف والإستجابة لمثير كلامي معين - استعمال الكلمة في اللغة ودورها الذي تؤديه في صحبة غيرها - محصلة علاقات الكلمة بالكلمات الأخرى داخل الحقل الدلالي - تجمع من عناصر دلالية تمييزية ذات علاقات متبادلة.
• يقول اللغويون المحدثون إنه لا يوجد مترادف كامل في اللغة. فإذا اختلف لفظان صوتياً فلا بد أن يختلفا دلالياً. فاللفظان buy و purchase متقاربان دلالياً ولكنهما ليسا متطابقين. ولذا لا يمكن تبادلهما بصورة كاملة.
• توجد في بعض اللغات حساسية نحو ألفاظ معينة ربما اتبطت ببعض المعاني التي لا يحسن التعبير عنها بصراحة. ولذا تتجنبها وتستعمل بدلها ألفاظاً أخرى أقل صراحة. ويوسف اللفظ المتروك أو المقيد الاستتخدام بأنه من ألفاظ "اللمساس" taboo.

==============================================
▬ لقد نتج عن اختلاف المنهج اختلاف النظرة إلى المعنى، واختلاف تعريفه. وهذا هو السر في أن كتاب أوجدن ورتشاردز (معنى المعنى) مثلاً يحوي ما يزيد على عشرين تعريفاً تعكس اتجاهات مختلفة من فلسفية ومنطقية وأخلاقية ونفسية وأدبية وغيرها. ومعظم التعارض بين هذه التعريفات ناتج عن حرص كل متخصص على أن يُلبي التعريف احتياجاته ومتطلبات حقله الدراسي. صــ53

▬ الحقل الدلالي Semantic field أو الحقل المعجمي Lexical field هو مجموعة من الكلمات ترتبط دلالاتها، وتوضع عادة تحت لفظ عام يجمعها. مثال ذلك كلمات الألوان في اللغة العربية. فهي تقع تحت المصطلح العام "لون" وتضم ألفاظاً مثل : أحمر - أزرق - أصفر - أخضر أبيض .. إلخ وعرفه Ullmann بقوله : "هو قطاع متكامل من المادة اللغوية يعبر عن مجال معين من الخبرة" ، و Lyons بقوله : "مجموعة جزئية لمفرادات اللغة". وتقول هذه النظرية (نظرية الحقول الدلالية) إنه لكي تفهم معنى كلمة يجب أن تفهم كذلك مجموعة الكلمات المتصلة بها دلالياً، أوكما يقول Lyons : يجب دراسة العلاقات بين المفرادات داخل الحقل أو الموضوع الفرعي. ولهذا يعرف Lyons معنى الكلمة بأنه "محصلة علاقاتها بالكلمات الأخرى في داخل الحقل المعجمي". وهذا التحليل للحقول الدلالية هو جمع الكلمات التي تخص حقلاً معيناً، والكشف عن صلاتها الواحد منها بالآخر، وصلاتها بالمصطلح العام. ويتفق أصحاب هذه النظرية - إلى جانب ذلك - على مباديء منها: 1- لا وحدة معجمية Lexeme عضو في أكثر من حقل. 2- لا وحدة معجمية لا تنتمي إلى حقل معين. 3- لا يصلح إغفال السياق الذي ترد فيه الكلمة. 4- استحالة دراسة المفردات مستقلة عن تركيبها النحوي. وقد وسع بعضهم مفهوم الحقل الدلالي ليشمل الأنواع الآتية : 1- الكلمات المترادفة والكلمات المتضادة. وقد كان A.Jolles أول من اعتبر ألفاظ الترادف والتضاد من الحقول الدلالية. 2- الأزوان الاشتقاقية، وأطلق عليها اسم الحقول الدلالية الصرفية. Morpho-Semantic fields. 3- أجزاء الكلام وتصنيفاتها النحوية. 4- الحقول السنتجماتية Syntagmatic fields ، وتشمل مجموعات الكلمات التي تترابط عن طريق الإستعمال، ولكنها لا تقع أبداً في نفس الموقع النحوي. ويقسم بعضهم العلاقات بين كلمات الحقل السنتجماتي إلى نوعين : أ- الوقوع المشترك. ب- التنافر. ويمثل للأول بإمكانية القول: Travel by foot, Wander by foot, Go by foot. وعدم إمكانية القول: Walk by foot, Run by foot. رغم أن Walk و Run تحتويان على نفس العناصر الدلالية للحركة القدمية. صــ 79 : 81

▬ المشترك اللفظي نوعان : 1- نوع حدث نتيجة تطور الجانب الدلالي أي نتيجة اكتساب الكلمة معنى جديداً أو معاني جديدة مثل كلمة operation التي تستعمل للدلالة على الخطة العسكرية وعلى العملية الجراحية وعلى الصفقة المالية .... ومثل كلمة "بشرة" التي تعني جلد الإنسان، وتطلق كذلك على النبات. ويسمى هذا النوع : بوليزيمي (كلمة واحدة - معنى متعدد). 2- نوع حدث نتيجة تطور في جانب النطق، ويحدث هذا حين توجد كلمتان تدل كل منهما على معنى ثم يحدث عن طريق التطور الصوتي أن تتحد أصوات الكلمتين وتصبحا في النطق كلمة واحدة. مثال ذلك كلمة sea بمعنى يحر و see بمعنى يرى (لا يهم الهجاء). ويُسمى هذا النوع هومونيمي homonymy (كلمات متعددة - معان متعددة). صــ137

▬ على الرغم من وجود ظاهرة استخدام اللفظ الواحد في معنيين متضادين في كل اللغات فإن الإهتمام الذي لاقته هذه الظاهرة من اللغويين المحدثين كان ضئيلاً، وربما لم تشغل من اهتمامهم إلا قدراً يسيراً، ولم تستغرق مناقشتهم لها إلا بضعة أسطر. ومن ذلك ما ذكره أولمان في كتابه المترجم "دور الكلمة في اللغة" أثناء حديثه عن تعدد المعنى : "من المعروف أن المعاني المتضادة للكلمة الواحدة قد تعيش جنباً إلى جنب لقرون طويلة بدون إحداث أي إزعاج أو مضايقة. فالكلمة اللاتينية altus مثلاً قد يكون معناها "مرتفع" أو "منخفض". وهذا مرجعه إلى الإدراك النسبي للمدى. وهو إدارك تتحكم فيه وجهة نظر المتكلم. والكلمة sacer هي الأخرى قد يكون معناها "مقدس" أو "ملعون". وكذلك الشأن في الكلمة الفرنسية sacré ، والكلمة الإنجليزية blessed (مقدس أو ملعون). صــ191

▬ [..] وقد ألف أبو هلال العسكري كتابه "الفروق في اللغة" للإبطال الترادف وإثبات الفروق بين الألفاظ التي يدعى ترادفها. وقد بدأ كتابه بعنوان : "باب في الإبانة عن كون اختلاف العبارات والأسماء موجباً لاختلاف المعاني في كل لغة" قال فيه: "الشاهد أن اختلاف العبارات والأسماء يوجب اختلاف المعاني أن الاسم كلمة تدل على معنى دلالة الإشارة. وإذا أشير إلى الشيء مرة واحدة فعرف، فالإشارة إليه ثانية وثالثة غير مفيدة. وواضع اللغة حكيم لا يأتي فيها بما لا يفيد. فهذا يدل على أن كل اسمين يجريان على معنى من المعاني وعين من الأعيان في لغة واحدة فإن كل واحد منها يقتضي خلاف ما يقتضيه الآخر، وإلا لكان الثاني فضلاً لا يحتاج إليه ... وكما لا يجوز أن يدل اللفظ الواحد على معنيين فكذلك لا يجوز أن يكون اللفظان يدلان على معنى واحد. لأن في ذلك تكثير للغة بما لا فائدة فيه." وهؤلاء الذين أنكروا الترادف أخذوا يلتمسون فروقاً بين الألفاظ التي تبدو مترادفة. ومن ذلك تفريق أبي هلال العسكري بين المدح والثناء بقوله : إن الثاني المدح المتكرر . وبين المدح والإطراء بقوله : إن الثاني هو المدح في الوجه. وكذلك تفريقه بين القديم والعتيق، وبين الخلود والبقاء، وبين الحب والود، وبين الإرادة والمشيئة، وبين الغضب والغيظ، وبين الغضب والسخط، وبين السخاء والجود، وبين الجود والكرم..صــ218 : 219

▬ يختلف مفهوم الترادف الكامل من لغوي إلى آخر حسب المنهج الذي اتبعه في تعريف المعنى. ونوع المعنى الذي يتحدث عنه. ومن التعريفات الكثيرة للترادف نقتبس ما يأتي : 1- التعبيران يكونان مترادفين في لغة ما إذا كان يمكن تبادلهما في أي جملة في هذه اللغة دون تغيير القيمة الحقيقية لهذه الجملة. 2- الكلمات المترادفة هي الكلمات التي تنتمي إلى نفس النوع الكلامي (أسماء - أفعال) ويمكن أن تتبادل في الموقع دون تغيير المعنى أو التركيب النحوي للجملة. 3- يتحقق الترادف عند أصحاب النظرية التصورية إذا كان التعبيران يدلان على نفس الفكرة العقلية أو الصورة. 4- يتحقق الترادف عن أصحاب النظرية الإشارية إذا كان التعبيران يستعملان مع نفس الشيء بنفس الكيفية. 5- يتحقق الترادف عند أصحاب النظرية السلوكية إذا كان التعبيران متماثلين عن طريق اتصال كل منهما بنفس المثير والإستجابة. 6- يتحقق الترادف عند أصحاب النظرية التحليلية إذا كانت الشجرة التفريعية لإحدى الكلمتين تملك نفس التركيب التفريعي للأخرى، أو إذا اشترك اللفظان في مجموع الصفات الأساسية التمييزية. 7- الترادف من جانبين. (أ) و (ب) يكونان مترادفين إذا كان (أ) يتضمن (ب) ، و (ب) يتضمن (أ). صــ223

▬ يشترط (إبراهيم أنيس) لتحقق الترادف : أ- اتحاد العصر. ب- اتحاد البيئة اللغوية، أي أن تكون الكلمتان تنتميان إلى لهجة واحدة أو مجموعة منسجمة من اللهجات. ولا يصح أن نلتمس الترادف - كما فعل الأقدمون - من لهجات العرب المتباينة حين عدوا الجزيرة العربية كلها بيئة واحدة. جـ -الإتفاق في المعنى بين الكلمتين اتفاقاً تاماً، على الأقل في ذهن الكثرة الغالبة لأفراد البيئة الواحدة. وليس الحكم في ذلك الأدباء وذوي الخيال الخصب، وإنما جمهور الناس متوسطهم. د- اختلاف الصورة اللفظية للكلمتين بحيث لا تكون إحداهما نتيجة تطور صوتي عن الأخرى. فليس من الترادف أزّ وهزّ، ولا أصر وهصر، ولا كمح وكبح. ومن أمثلة الترادف التي حققت الشروط عنده : آخر وفضل - حشر وجاء - بعث وأرسل.. صــ227

▬ كلمة poison الإنجليزية كانت تعني "الجرعة من أي سائل" ولكن الذي حدث هو أن الجرعات السامة دون غيرها هي التي استرعت الانتباه واستأثرت به لسبب أو لآخر. وبهذا تحدد مدلول الكلمة وأصبح مقصوراً على أشياء تقل في عددها عما كانت تدل عليه الكلمة في الأصل إلى حد ملحوظ. وكلمة "حرامي" هي في الحقيقة نسبة إلى الحرام. ثم تخصصت دلالتها واستعملت بمعنى اللص في القرن السابع الهجري في بعض النصوص المروية. وفي لهجات الخطاب تخصصت كلمة "الطهارة" وأصبحت تعني الختان، وتخصصت كلمة "الحريم" فبعد أن كانت تطلق على كل محرم لا يمس أصبحت الآن تطلق على النساء. وكذلك كلمة العيش تخصصت في مصر بالخبز. وفي بعض البلاد العربية بالأرز. ويمكن تفسير التخصيص أو التضييق بعكس ما فسر به توسيع المعنى. فقد كان توسيع المعنى نتيجة إسقاط لبعض الملامح التمييزية للفظ، أما التخصيص فنتيجة إضافة بعض الملامح التمييزية للفلظ، فكلما زادت الملامح لشيء ما قل عدد أفراده. صــ246

▬ المشكلة الأساسية في عملية الترجمة بين لغتين هي محاولة إيجاد لفظ في لغة ما مطابق للفظ آخر في لغة أخرى، وهذا يفترض من البداية تطابق اللغتين في التصنيف، وفي الخلفيات الثقافية والاجتماعية، وفي مجازاتها واستخداماتها اللغوية، وفي أخيلتها وتصوراتها .. وهو مالا يتحقق ولا يمكن أن يتحقق مطلقاً. ويختلف اللغويون المحدثون في هذا مع أرسطو الذي كان يرى أن المعاني تتقابل تماماً من لغة إلى لغة، بمعنى أن أي كلمة في لغة يمكن أن نجد لها مرادفاً مطابقاً في اللغة الأخرى. فإذا كان الاختلاف موجوداً بين الفرد والفرد من أبناء اللغة، بل بين الفرد ونفسه من موقف إلى موقف، ومن حالة إلى حالة، فإنه موجود - ولا شك - بين اللهجة واللهجة، وبين اللغة واللغة. صــ251


▬ كثيراً من التعبيرات المجازية تعكس خبرة اجتماعية أو ثقافة معينة، ولذا لا تكاد تُفهم إذا تُرجمت في اللغة الأخرى. ومن أمثلة ذلك التعبير الإنجليزي : a red letter day للدلالة على اليوم المليء بالبهجة والسرور. فقد نشأن التعبير أولاً من عادة التقويم الإنجليزي كتابة أيام الأعياد الرسمية والإجازات الدينية بحروف حمراء. ومن ذلك أيضاً التعبير العربي: الملازم الصفراء الذي يعني الكتب التراثية حتى لو طُبعت على ورق أبيض، وجلدت في شكل كتاب. وهو يشير بخاصة إلى كتب الأزهريين في القديم التي كانت تطبع في شكل ملازم، وعلى ورق أصفر رخيص الثمن. صــ258

  • Digg
  • Del.icio.us
  • StumbleUpon
  • Reddit
  • RSS

0 التعليقات:

إرسال تعليق