• لقد بذل الجانب "البشري" الاستغلالي المسيطر جهودًا
كبيرة لإخفاء توحشه، ولبست جهود كثيرة منها لبوس العلم أو الدين. ص46
• توفير حاجات الرفاه والابتعاد عن الجهد العضلي واستنباط متع جديدة (غير
حسية) في الأدب والموسيقى والفنون الأخرى، وتربية النشء الجديد تربية حضارية
تساعد، كلها على الابتعاد عن الوحش (الكامن في الإنسان) وعلى تقليص دوره تدريجيًا
حتى إفنائِه. ص58
• تاريخُ الإنسانِ المقموع، وهو الغالبيةُ العُظمى من البشر، هو تاريخُ
الإنسانِ المتحولِ إلى شيءٍ آخرَ غير الإنسان. هو تاريخ تشويه الإنسان وتزويره.
ص77
• مجتمعاتُ القمعِ هي المجتمعاتُ التي تضعُ هدفَها أنه لا بد من أن يتغير
شيء ما في الإنسان لضمانِ انصياعه التام والدائم. ص93
• الشخصُ الذي يأنف في أعماقهِ من السرقة والقتل والاعتداء قد يرى نفسه وهو
ينفذ هذه الأفعال بشيء من اليسر حين يؤمَرُ بفعلها من قِبَل سُلطة معينة. ص94
• حين تسكت عن حقك الواضح، بسبب الخوف غالبًا، فإنك لن تتوقع من الآخر أن
يحترم لك هذا الحق، سيتصرف في المرةِ القادمة وكأن التطاول على حقوقك من المسلمات.
ص104
• إن الذي حول الوحوش الضارية إلى مخلوقات مسلية في السيرك، وجعل الفيلة
تقف على رؤوسها، والأسود تقفز كالبهلوانات، قد اكتشف أنه يستطيع أن يجري التحويل
ذاته على الإنسان، حوله إلى مخلوق مسلوب الإرادة. ص105
• لا بد لنا أن ننتبه إلى الازدواجية المرعبة في بعض المجتمعات القائمة على
العنف، فالأرستقراطية البيضاء التي تسمع الموسيقى الكلاسيكية، والتي يغمى عليها
إذا شاهدت فأرًا، هي نفسها التي تعلق رؤوس الحيوانات في صالونها، وإلى جانب هذه
الرؤوس فروات رؤوس هنود حُمر. ص106
• إن المقموعين تاريخيًا، حين يجدون متنفسًا ويتوصلون إلى سلطة ما، فإنهم
يريدون أن ينتقموا داخل نفوسهم من كلِ مشاعر الخوف والتذلل التي عرفوها، ولذلك
يصبحون أشد قسوة من مضطديهم.. ص112
▬ كم فقدنا من كرامتنا وتضامننا الإنساني وإحساسنا بإنسانيتنا حتى صرنا
نتعود الإذلال المحيط بنا، لنا ولغيرنا؟! وحتى صرنا نقبل هذا العنف والتعامل غير
الإنساني الذي نُعامل نحن به أو يُعامل به غيرنا على مرأى منا في الحياة أو حين
نقرأُ عنه أو نراه على شاشات التلفزيون. (وسنتجاهل أننا نحن نعامل غيرنا أحيانًا
بهذه الطريقة: أولادنا أو مرؤوسينا أو الذين يقعون بين أيدينا من أعدائنا مثلًا،
أو السجناء الذين بين أدينا، مفترضًا أن بعض من يقومون بهذه المهمات يمكن أن
يقرؤوا ما أكتب). وينعكس تعودنا على هذا الإذلال في أننا صرنا نعد أن تعذيب السجين
أمر مفروغ منه. لم نعد نساءل عن أثر ذلك التعذيب في السجين الضحية، حتى بعد خروجه
من السجن، كما أننا لم نعد نتساءل عن أثر التعذيب في منفذه. وهل يستطيع بسهولة أن
يعود إلى حياته اليومية العادية بعد خروجه من غرفة التعذيب، كما لو أنه خرج من
المرحاض لكي يستأنف حياته. صــ 13
▬ يشيرُ كتاب "التعذيب عبر العصور" بحذر إلى استمتاعنا جميعًا
برؤية مشاهد العنف والقسوة في السينما والتلفزيون والأدب. وهناك الجلاد الذي يعذب
ضحاياه وهو لم يعد يريد معلومات أو اعترافات، يعذب ليستمتع. وهناك تجارة
"فنية" واسعة تقوم على تسويق أفلام تحتوي على نحو أساس على التعذيب.
وسنكتفي هنا بالإشارة إلى آخر ما توصلت إليه هذه التجارة التي تقوم أصلًا لإرضاء
أذواق مستهلكيها، وهي تجارة الأفلام المهربة، وهذه أفلام لا يمكن لأي سلطة مهما
كانت بدائية أو متحضرة أن تسمح بعرضها على جمهورها، أي لا يمكن لها أن تتحمل
مسؤولية الاعتراف بأن الناس، لديها، يستمتعون بهذه الوحشية. ولكن بالمقدار ذاته لم
تستطع أي سلطة منه تهريبها، ولهذا تظل التجارة قائمة، وتُرصد لها الملايين لكي
تجني منها الأرباح بالمليارات. ما يعني استمرار وجود من "يستهلكونها، أي
يستمتعون بها.. صــ 39 ، 40
▬ إن اللغة، هنا، تبدو فقيرة، وحين نضطر لاستخدام كلمات "وحش" و
"وحشي" و "متوحش"؛ فإننا نتواطأ مع جنسنا البشري لكي نظلم
الوحوش. فقد دلت الأبحاث والتجارب على أن ما نصفه بالوحشية هو سلوك خاص بالإنسان.
وإيريك فروم يقول إن الإنسان يختلف عن الحيوان في حقيقة كونه قاتلًا، لأنه الحيوان
الوحيد الذي يقتل أفرادًا من بني جنسه ويعذبهم، دونما سبب بيولوجي أو اقتصادي،
ويحس بالرضى التام من فعل ذلك. وفي كتاب "التعذيب عبر العصور" ترد هذه
الفقرة الهامة في التمييز بين الإنسان والحيوان: "فالوحوشُ لا تقتلُ
المخلوقات الأخرى من أجل الابتهاج والرضى فقط، والوحوش لا تبني معسكرات اعتقال أو
غرف غاز، ولا تعذب الوحوش أبناء جنسها إلى أن تهلكم ألمًا، ولا تستنبط الوحوش متعة
جنسية منحرفة من معاناة أقرانها وآلامهم". صــ 49 ، 50
▬ في دراسةٍ عن الاغتصاب، نشرت مجلة التايم العدد (5 أيلول/ سبتمبر 1983م)،
ومن خلال بحث بين مرتكبي جرائم الاغتصاب أن الجنس ليس وحده ما يحرك المغتصب، بل
"الاغتصاب هو التعبير الجنسي عن العدوانية"، وتبين أن معظم هؤلاء
المغتصبين ينظرون إلى الفعل الجنسي ليس فقط على أنه مفرج عن الكبت؛ بل على أنه يحط
من قدر الطرف الآخر. وهم بهذا نتاج لثقافة تؤكد على هذا الرأي. ومن ثم فإن المغتصب
يستخدم الجنس كسلاح للحط من قدر المرأة (أو قومها)، أو كما يقول أحدهم:
"الطريقة الوحيدة التي تجعلني أحس بأنني أفضل منها هي أن أجعلها تحس هي بأنها
أسوأ منها". صــ 51 ، 52
▬ إذا نظرنا إلى الجانب الأفضل من الإنسان وتاريخه نستطيع أن نستنتج أن
تاريخ "تطور" البشرية هو تاريخ محاولات الإنسان الابتعاد عن هذا الوحش
الكامن في أعماقه، أو عدم السماح له بالنمو على أمل التواصل إلى التخلص منه
نهائيًا. وهذا الوحش الذي صار قابعًا في الأعماق مشكلة أساسية من المشكلات التي
حاول رجال الفكر والأدب معالجتها، والتي حاولت الأديان ترويضها بالدعوة إلى
التسامح والمحبة والإخاء. صــ 53
▬ الإنسان نفسه كما يقول جوزيه دي كاسترو في كتابه الهام والخطير
"جغرافية الجوع"، فهو خبير تغذية في الأمم المتحدة، "إذا تسلط عليه
الجوع التام صار سلوكه من العنف مثل سلوك الحيوان تمامًا... والجوع يهدم الشخصية
ويقضي على التجاوب الطبيعي بين الإنسان وجميع مؤثرات البيئة التي لا تمت بصلة إلى
إشباع غريزة الأكل. أما العوامل الأخرى التي تصوغ السلوك البشري فلا يبقى لها أثر،
وكذلك دوافع المحافظة على الحياة وتحكم العقل تختفي بالتدريج إلى أن ينتهي بانعدام
كل حذر وكل وازعٍ من ضمير، وعندئذ يستحيل الإنسان، كما يقرر شبنجلر، أكثر مما
يستحيل في أي وقتٍ آخر، إلى حيوانٍ ضارٍ..". صــ 93
▬ كل نظام استبدادي يطرح هذه الظاهرة الخطيرة. إن صلاحيات الجلادين
المذعورين الراغبين في الانتقام من ماضيهم لا تقتصر على الزنزانات، بل إن هؤلاء
الجلادين ينقلون زنزاناتهم وسياطهم ووحشيتهم معهم أينما تنقلوا ويحولون المجتمع
كله إلى زنزانة واحدة كل إنسان فيها معرض للضرب والإذلال والإهانة والسلب في أي
لحظة، ومن دون سبب واضح بالضرورة. وهؤلاء الذين ينشرون الذعر يشعرون، بوعي أو من
دون وعي، بأنهم يتحركون ضمن مجتمع مذعور، فتظل غرائزهم العدوانية مستيقظة ومستمتعة
بذلك الذعر الذي يسود المجتمع. صــ 113، 114
▬ هناك مقولة تكرر الأيام إثبات صحتها، وهي أن مجتمعات القمع، القامعة
والمقموعة، تولِّد في نفس كل فرد من أفرادها ديكتاتورًا، ومن ثم فإن كل فرد فيها،
ومهما شكا من الاضطهاد، يكون مهيأً سلفًا لأن يمارس هذا القمع ذاته الذي يشكو منه،
وربما ما هو أقسى وأكثر عنفًأ، على كل من يقع تحت سطوته، فالمثل المحتذى متوفر
أمامه كل يوم في من يضطهدونه، وهو شاء أم أبى يرى فيهم ما يمكنه أن يقلده، ولهذا
يتبين أن الموظف الضعيف الهزء والمسخرة له أنياب لا تقل حدة وإيذاء عن أنياب من
يهزؤون منه ويسخرون أو يسخرون منه، ولا تظهر هذه الأنياب، أنيابه، إلا حين تتاح له
الفرصة للترقي الوظيفي، وحين يصبح آمرًا على آخرين يستطيع أن يضرهم وينفعهم. صــ
147
[كُتُب يمكن الرجوعُ إليها]
1- التاريخ الطبيعي للاغتصاب (روندي ثورنيل و كريغ ت)
2- تاريخ الشيطان (وليام وودز)
3- التعذيب عبر العصور (بيرنهاردت هروود)
4- رواية "العسكري الأسود" (يوسف إدريس)
5- مسرحية "الرجلُ الذي صارَ كلبًا" (أوزفالدوا دراغون)
6- رواية "الناسُ والسراطين" (جوزيه دي كاسترو)
7- جغرافية الجوع (جويه دي كاسترو)
8- طاعة السلطة، نظرة تجريبية (ملغرام)
9- التخلف الاجتماعي: مدخل إلى سيكولوجية الإنسان المقهور (مصطفى حجازي)
10- دفاعًا عن الجنون (ممدوح عدوان)
11- المتنمر تحت النظر (تيم فيلد)
12- في أصلِ العنفِ والدولة (علي حرب)
13- اغتصاب الجماهير بالدعاية السياسية (سيرج تشاكوتين)
14- الطاغية (إمام عبد الفتاح إمام)
15- رواية "مزرعة الحيوانات" (جورج أورويل)
16- رواية "1984" (جورج أورويل)
17- طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد (عبد الرحمن الكواكبي)
0 التعليقات:
إرسال تعليق