مقدمة في فلسفة البيئة (كرم عباس)

• عِلم البيئة هو: دراسة البيئة الطبيعية بما تشمله من علاقات بين الكائنات الحية بعضها مع بعض ومع الوسط المحيط الذي نعيش فيه. (عالم الأحياء الألماني:إرنست هايكل) ص5

▬ إن أهم ما يميز الإيكولوجيا هو تركيزها على مفهوم العلاقات، فعالم الحيوان على سبيل المثال قد يدرس الحيوان بتشريحه في المعمل، أو يدرسه في بيئته الخاصة المحلية، أما عالم الإيكولوجيا فيدرسه في إطاره البيئي ككل من خلال علاقاته بكل العوامل الحية وغير الحية التي تحيط به.. يؤثر فيها ويتأثر بها. عالم الحيوان يدرس الكائن الحي باعتباره مركز اهتمامه، مركزاً على سماته الأساسية، وعلى طريقة حصوله على غذاؤه وتفاعله مع أبناء جنسه، وعالم الأحياء يقوم بالدراسة والتشريح في معمله، يختبر المواصفات والسمات الجينية للكائن الحي تحت مجهره، أما الإيكولوجي فيدرس الكائن الحي في بيئته المحيطة، يدرس علاقاته، ليس فقط مع أبناء جنسه، بل مع كل ما يحيط به على كوكب الأرض، وهكذا يمكن النظر إلى الإيكولوجيا بوصفه أكثر العلوم تعميماً، رغم انطلاقه من أمور أكثر جزئية. فالكرة الأرضية منزل للجميع، ما يحدث في أقصاها يؤثر في أدناها، وأدنى التأثير في غربها يؤثر في شرقها. صــ 6

▬ إن العلاقة الحقيقية بين الإيكولوجيا وفلسفة البيئة ليست في علاقة التأثير والتأثر بين العلماء والفلاسفة بقدر ما توجد في العلاقة الجدلية بين التفاصيل العلمية والتجريديات الفلسفية، فالفرق بين الإيكولوجيا والفلسفة هو ذاته الفرق بين العلم والفلسفة، الفرق بين التفاصيل والصورة الكلية. النظرية العلمية لا يمكن أن تقوم دون نظرة فلسفية كلية بالمعنى الواسع، وكذلك الفلسفة، لو ظلت في حدود المفاهيم المجردة التأملية، ستظل كما هي الآن، جوفاء ولا علاقة لها بالواقع. صــ 36

▬ تتميز الفلسفة البيئية بشكل خاص بتمسكها بالفرض الفلسفي القائل بأنه لما كانت أسباب الأزمات البيئية التي نعاني منها في معظمها إنساني، فإن أحد المصادر الرئيسية لهذه الأزمات هو الاعتقاد في مركزية الإنسان. ويمكن تعريف مركزية الإنسان بأنها النظرة لقيمة شيء ما أو وضع بعينه باعتباره يتحدد فقط بحسب قيمته بالنسبة للبشر. ويعد رفض المركزية الإنسانية السمة المميزة للأخلاق والفلسفة البيئية، والتي تحاول إيجاد بدائل من المركزية الحيوية والمركزية البيئية والإيكولوجية العميقة. وظهرت نتيجة لذلك في الفلسفة البيئية مفهوم القيمة الجوهرية للكائنات الطبيعية، وتمثلت في دفاع عدد كبير من فلاسفة البيئة عن قيمة ذاتية للكائنات المختلفة من البكتريا والنباتات حتى الأنظمة البيئية الكاملة، والتي يُفترض أن يكون لها وفقاً لهذا المفهوم قيمة في ذاتها وبغض النظر عن أي فوائد تقدمها للإنسان. إن محاولات التفكير خارج حدود المنفعة الإنسانية هي التي تميز التفكير البيئي بشكل أساسي، ورغم أنها تعرضت للنقد من بعض الفلاسفة البيئيين أنفسهم، إلا أنها تظل السمة الرئيسية والملمح المميزة للفلسفة البيئية، التي تحاول أن تفكر في قيمة الشيء في ذاته، وليس في قيمته نسبة إلى الإنسان. صــ 41

▬ تتمثل أزمة فهم العلاقة الجدلية بين الإنسان والطبيعة في أن الإنسان يعاني من أزمة حقيقية في فهم تلك العلاقات واستيعابها بشكلٍ صحيح. فيعتقد الإنسان أن تلك العلاقة تسير في اتجاه واحد، من الإنسان للبيئة. ويغفل الإنسان عن أن البيئة لها ردود أفعال، أو بالأحرى أفعال عكسية. فالطبيعة ترد بالمثل، بل وترد بكل عنف. فعندما يلوث الإنسان بيئته المحيطة بالقمامة، فسترد عليه البيئة بالأمراض، وعندما يجور الإنسان على مصادر الغذاء في البر والبحر، فإنها سترد عليه بالمجاعات، وعندما يفرط الإنسان في استخدام الطاقة ومواردها، فإنها سترد عليه بالنضوب. وهكذا كل فعل سلبي من جانب الإنسان، يواجهه فعل سلبي أعنف من جانب الطبيعة. صــ  67

▬ يُستخدم تعبير "الحياة" بشكل واسع وغير تقني ليشمل ما يصنف من قبل البيولوجيين على أنه غير حي، مثل الأنهار ومساقط المياه واللاندسكيب والنظام البيئي ككل. بالنسبة إلى مؤيدي الإيكولوجيا العميقة فإن شعاراً مثل "دعوا النهر يحيا" يعبر عن هذا المعنى الأوسع للحياة الذي يقصدونه. وأخيراً تُستخدم "القيمة الجوهرية" للتأكيد على أن قيمة النظام البيئي لا تكتسب من فائدتها بالنسبة للإنسان، بل هي قيمة كامنة في الأشياء ذاتها، بغض النظر عن أي وعي أو اهتمام أو تقدير يقع عليها من جانب الإنسان. صــ 157

▬ تختلف الإيكولوجيا العميقة مع مذهب التنوير، وهو المذهب الذي يرى أن الإنسان وحدة مستقلة تسعى لتحقيق حريتها بأكبر قدر ممكن بعيداً عن كل القيود الاجتماعية. كما تختلف كذلك مع الإيكولوجيا الاجتماعية، والتي ترى أن الإنسان جزء من شبكة علاقات اجتماعية يسعى لتثويرها وإعادة إنتاجها في شكل أكثر عدالة، وأن كل المشاكل البيئية ليست إلا نتيجة لعلاقات اجتماعية ظالمة، بحيث أن الإنسان الذي اعتاد أن يستخدم الإنسان وأن يقهره، لا يمكن له أن يفهم الطبيعة بعد ذلك إلا باعتبارها قوة يجب السيطرة عليها وقهرها هي الأخرى. ويمكن القول من وجهة نظر الإيكولوجيا العميقة أن هذه المذاهب هي مذاهب متمركزة حول الإنسان، بمعنى أنها تعتقد أن الإنسان كائن مختلف جذرياً من حيث الكيف عن كل ما عاداه من الكائنات في العالم، وهذه وجهة نظر لها أهمية خاصة في الأديان التي تؤكد بشكل دائم على اصطفاء الإنسان وتمييزه. وهكذا ستتضح لنا وجهة نظر الإيكولوجيا العميقة بشكل أكبر عندما نضعها في مقابلة هذه التوجهات؛ نزعة مركزية الإنسان والفلسفات الاقتصادية والساسية والاجتماعية للغرب المعاصر وأفكار التنوير، والأديان المختلفة، ومذهب الإيكولوجيا الاجتماعية. صــ 165،166

▬ تقع الرأسمالية في أكثر من تناقض مع الإيكولوجيا العميقة؛ إذ أن الأولى مؤسسة على مبدأ الملكية الخاصة، المبدأ الذي يضفي الشرعية على امتلاك مجموعة من البشر جزءاً من الأرض لاستغلاله بهدف الربح. وقد ظن الرأسماليون في أزمنة سابقة أن بإمكانهم امتلاك البشر كذلك، عندما كان الرق قائماً، ولكن كما انهار نظام الرق وتم نفيه من تصورنا المهيمن للعالم اليوم، فإن الإيكولوجيا العميقة تسعى إلى إلغاء مبدأ الملكية الخاصة بنفس الطريقة ورفض الاعتقاد بأن الإنسان يمكن له أن يمتلك الأرض.صــ 169

▬ إن ما يجمع الإيكولوجيا العميقة مع الأديان هي فكرة الشبكة الكونية التي تربط كل الكائنات الطبيعية، ففي التوراة على سبيل المثال لم يكن السبت راحة للإنسان فحسب، بل وللحيوان أيضاً. ويظهر الترابط بين الموجودات في البوذية على أكمل وجه في فكرة التناسخ. وفي المسيحية يحل اللاهوت في الناسوت، ويتجسد الإلهي في البشري "الطبيعي". والطبيعة عند الإيكولوجي العميق هي مصدر للحكمة، كما هو الأمر عند الهنود الحمر الذي كان لكل شخص منهم معلم روحي من الحيوانات. وبعض الديانات تشير لهذا الأمر، وفي القرآن على سبيل المثال، الغراب يعلم قابيل كيف يدفن أخاه هابيل، وينطق بالحكمة على لسان النمل، ورغم ذلك فإن التعامل مع الطبيعة باعتبارها مصدراً للحكمة في الديانات أقل بكثير عنه في الإيكولوجيا العميقة. صــ 184، 185

▬ هناك محاولات عديدة للربط بين البيئة والدين، خاصة في الدراسات باللغة العربية. وتلك المحاولات في نظرنا هي محاولة تسعى إلى تلوين الدين بلوك البيئة، ولذلك نسميها بنزعة اخضرار الأديان. وهي نزعة مشابهة لما حدث في العلوم؛ فقد تحول الاخضرار إلى موضة انتابت شتى العلوم. وداخل كل علم يوجد فرع يحاول الحفاظ على منجزات العلم دون المساس بالبيئة المحيطة، وتحول إلى مجرد عنوان تدافع به العلوم عن نفسها أمام الدعوى الحقيقية التي ترى أن الإنسان قد دمر البيئة في محاولته تحقيق أعلى مستوى رفاهية ممكن للإنسان. صــ 191

▬ إن محاولة الربط بين البيئة والأديان، والتأكيد على أن الإيكولوجيا بمعناها العلمي المعاصر والفلسفي موجود في الأديان والحضارات القديمة، هو أمر أشبه بالبحث عن علاج أمراض معاصرة بالبحث في كتب الطب القديمة، وهو أمر يكاد يكون مستحيل، لأن مسببات المرض نفسه لم تكن موجودة قديمة. وهو نفس الأمر بالنسبة للبيئة، فالاهتمام بالبيئة بالشكل المعاصر لم يظهر إلا بعد أن تفاقمت المشكلات البيئية وظهرت مخاطر لم يكن العالم القديم يتوقع يوماً حدوثها. والخلاصة أن الربط بين الأديان والبيئة هدفه الأول فيما يبدو الحفاظ على الأديان والدفاع عنها، وليس الحفاظ على البيئة، إذا ما نظرنا إلى المردود العلمي لتلك المسألة. صــ 192 ، صــ 193


▬ يشير مصطلح النسوية الإيكولوجية، أو النسوية البيئية، إلى مجموعة من المواقف النظرية والعلمية التي تدمج المنظور النسوي بالفلسفة البيئية. وقد بدأ الإيكولوجيون النسويون صياغة نظرياتهم لإيضاح التشابهات ومناطق الترابط بين التمييز الجنسي والانتهاك الواقع على الطبيعة في أوائل السبعينيات. وبالرغم من التنوع الكبير في موقف الإيكولوجيين النسويين، إلا أنه ثمة اتفاق فيما بينهم على أنه هناك صلة بين الهيمنة على المرأة والهيمنة على الطبيعة، وأن فهم أحد أنواع الهيمنة مهم لفهم النوع الآخر، وأن أية فلسفة بيئية تفشل في إيضاح تلك الارتباطات المهمة هي بالضرورة فلسفة ناقصة وغير صحيحة. وتشتمل أنواع الارتباط التي يشير إليها الإيكولوجيون النسويون على الارتباطات التاريخية والمفاهيمية والتجريبية والإبستمولوجية والأخلاقية والنظرية والسياسية. صــ 208

  • Digg
  • Del.icio.us
  • StumbleUpon
  • Reddit
  • RSS

1 التعليقات:

سلمى يقول...
أزال المؤلف هذا التعليق.

إرسال تعليق