الفلسفة الحديثة ونصوصها (أحمد عبد الحليم عطية، عفاف عمر حسين)

• عندما نقارن بين الفلسفة الحديثة والفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى معاً، فإننا يمكن أن نصفها بأنها فردية. فالمفكر الحديث فردي بمعنى أنه يستطيع أن يصنع تجاربه، ويتحقق بعينيه، ويختبر منطق الحجج بتفكيره الخاص. ص3
• لا يمكن أن نرد فكر النهضة إلى الفكر القديم أو الوسيط، فالفكر النهضوي يعبر عن ولادة جديدة، ولادة أشكال وصور لم يسبق للإنسان أن رآها. (إرنست بلوخ) ص6
• الحداثة فعل يدل على قطيعة حدثت في الوعي الغربي مع ما هو مألوف وتقليدي في العلم أو في الدين أو الفلسفة أو الأدب...إلخ والحداثة شعور بأننا نعيش في عصر حديث وفي زمن مختلف فيه الحاضر عن الماضي. ص34
• لقد كان مبدأ لوك العام - وهو أن أفكارنا تؤسس في التجربة وتعتمد عليها - مبدأ أساسياً في المذهب التجريبي الكلاسيكي..
• الثورة قد تطيح بالاستبداد الشخصي والاضطهاد المتعطش للمصلحة المادية أو السلطة، ولكن لا يمكن أن تؤدي أبداً إلى إصلاح حقيقي لنمط التفكير، بل فقط إلى استخدام أحكام مسبقة جديدة، مثلما كانت تستخدم القديمة، كشريط موجه للأغلبية التي لا تفكر. (كانط)
• الموضوع الذي شغل معظم الفلاسفة على اختلاف مذاهبهم هو "الكُلي" أو "المطلق" أو "الله"، أي كل ما يمثل الحقيقة بلا تحديد أو تعيين أو ما هو موجود على وجه العموم. وهدف الفلسفة دائماً هو بلوغ التصور الكلي من حيث هو مبدأ للتفسير. ص173
• لقد اتخذ هيجل من وحدة الفكر والوجود، الذات والموضوع، وحدة بنائية للفكر الذي يلزم ذاته بأن تتطور بغير قيود ولا عوائق. فالموضوعية الحقيقية للفكر تتأسس على الأفكار التي ليست أفكاراً فقط، ولكنها في ذاتها أفكاراً للأشياء ولكل ما هو موضوعي.
• يكشف الجدل في مجال المعرفة أن ماهية المعرفة تكمن في ذاتنا ووعينا كما قال هيجل، فذاتنا هي معيارنا، وفي داخل وعينا تدور ماهية الحقيقة ومعيارها والتي بها نقيس معرفتنا.
• يرى هيجل أن مبدأ الحركية التاريخية هو الفكر أو الروح. فالروح هي القوة الدافعة والعامل المحرك في نمو الشخصيات والمدنيات، وبالتالي نمو الكون الواعي في مجموعه.
• الضحايا هم هؤلاء الأفراد الذين لا يستطيعون قراءة إشارات الزمان، فما يحدث لهم أشبه بما يحدث للمشاة الذين لا ينتبهون لإشارات المرور. ولذا فعلينا أن نفتح أعيننا على التاريخ ونساعد غيرنا على رؤية إشاراته.
===========================
▬ يحدد رسل السمات العامة لهذه الفلسفة وما يميزها عن الفلسفة السابقة عليها بقوله: "إن للفترة التاريخية التي يطلق عليها" الفترة الحديثة "نظرة عقلية تختلف في جوانب عديدة عن نظرة الفترة الوسيطة. ومن هذه الجوانب ثمة جانبان لهما الأهمية القصوى، هما: تضاؤل سلطة الكنيسة، وتزايد سلطة العلم. ويتصل بهذين الجانبين جوانب أخرى. فثقافة الأزمنة الحديثة ثقافة أقرب إلى الثقافة العلمانية منها إلى الثقافة الدينية. فقد أخذت الدول تحل باطراد محل الكنيسة باعتبارها السلطة الكحومية المهيمنة على الثقافة. وكانت الحكومة في أول أمرها بين أيدي الملوك، ثم بدأت الديمقراطيات أو الطغاة يحلون محل الملوك، كما كان الشأن في اليونان القديمة، وأخذت سلطة الحكومة القومية والمهام التي تنجزها، تنمو نمواً مطرداً. بيد أنه في معظم الحالات كان للدولة على الفلاسفة نفوذاً أقل من النفوذ الذي كان للكنيسة في العصو الوسطى. فمنذ زمن الثورتين الأمريكية والفرنسية، غدت الديمقراطية بالمعنى الحديث، قوة سياسية مهمة. وفي مواجهة الديمقراطية المؤسسة على الملكية الخاصة ظفرت الاشتراكية بالسلطة الحكومية لأول مرة سنة 1917. صــ 2

▬ إن إنسان عصر النهضة قد فطن إلى ما يرفع من شأنه ومن قيمته كإنسان وما يقيم له وزناً في المجتمع ليس كرم الأصل وأمجاد الحروب وإنما نشاطه الخلاق وقدرته على الفعل والإنتاج، صفوة القول إن عصر النهضة قد أنتج تصوراً جديداً للطبيعة إذ فقدت قداستها بعدما أصبحت ظواهرها قابلة للحصر في علاقات رياضياتية ثابتة، وللإنسان إذ أصبح يعي ذاته ويعي عظمته كإنسان فرد منتج وخلاق. وقدر أفرز هذا التصور أيضاً رمزاً جديداً وهو رمز برومثيوس، ورمز التجاوز والتحدي للملك الجائر والكائن الحقود. صــ 6

▬ نقطة البداية في منهج ديكارت هي الحدس ثم يليه الاستنباط. فالحدس معرفة مباشرة لا زمن فيها، والاستنباط يحتاج إلى زمن ويحتاج لملكة الذاكرة. والذاكرة كثيراً ما تخون الإنسان. فقيمة الحدس تأتي من كونه فعل عقلي بسيط متميز ولا يحتاج الذهن إلى تعلمه ولذلك لا يسيء الذهن القيام به. أما الاستنباط فهو سلسلة من الحدوس. والعقل بفطرته قادر على القيام بالحدس والاستنباط.. والاختلاف بين البشر راجع إلى درجة حسن الاستخدام لعقولهم وإجادة الفهم. وإجادة الاستخدام تتم بالتدريب على اتباع قواعد المنهج. لا يهدف ديكارت من وضع المنهح إلى فرضه على الناس، بل يضع ديكارت المنهج بغرض توجيه عقله هو، ومن يقتنع به عليه أن يتقن استخدامه. صــ 71

▬ [..] ويترتب على "واحدية اسبينوزا" رفض فكرة "الخلق". ففكرة خلق الله للعالم فكرة تتضمن تناقضاً، لأنها تفترض وجود جوهرين، أحدهما علة الآخر، وهذا شيء مرفوض بالنسبة "لاسبينوزا". فلا يوجد إلا جوهر واحد فقط لا منتاهٍ ويتضمن داخله كل شيء وهو "علة ذاته". ولو افترضنا أن الله مفارق للعالم، فسيترتب على ذلك أن يصبح الله متناهياً وبغير أي قوة مطلقة، لأنه سيصبح هناك شيء خارج عنه أو مفارق له، وهذا الشيء سيحد من قدرة الله بل ويصيبه بالنقص. فالعالم إذا صار مفارقاً لله، سوف يحوز صفات لا يحوزها الله فيصبح "الله" متناهياً ناقصاً، وهذا تناقض لأن الله الموجود الكامل اللامتناهي.. والحل في وجهة نظر اسبينوزا أن يكون الله هو العلة المباطنة الكامنة داخل العالم، وبذلك لا يصبح الله علة مفارقة أو عابرة بل هو علة كامنة ودائمة للعالم. صــ 106

▬ إهتم كانط في فلسفته كما هو معروف بالنقد. والنقد يعني نقد قدرات العقل المعرفية وبيان حدود هذه القدرات قبل تجربة المعرفة، والإدراك للكشف عن المباديء العقلية الأولية الخالصة التي تؤسس التجربة وتجعلها ممكنة، أي تحديد إمكان المعرفة لبيان ما يمكن ولا يمكن معرفته، أي أن الفيلسوف انشغل بالعقل والذات العارفة أكثر من انشغاله بواقع تجربة المعرفة والأشياء المعروفة.. فما يهدف إليه هو البحث في مشروعية المعرفة، أي ما يعطي أحكام العقل المعرفية صدقها وموضوعيتها. والمتعالي (الترنسندتالي) عند كانط ليس سوى هذه الطريقة في البحث، إنه المبدأ الذي يفسر خضوع التجربة بالضرورة لتصورات العقل المستقلة عنها، هو ذلك المجال الذي يتيح الربط على نحو ضروري وكلي بين التصورات المحضة ومعطيات التجربة بين المباحث العقلية والوقائع التجريبية بين عالم العقل وعالم الطبيعة.. صــ 142 - 143

▬ إن قيمة كانط، في نظر نيتشه، تتمثل في أنه أخذ على عاتقه أن يحارب أية ميتافيزيقا تدعي معرفة الأشياء في ذاتها، وراح يبرهن أنه ليس لدينا ولا يمكن أن يكون لدينا تصور إيجابي للشيء في ذاته؛ فالشيء في ذاته عند كانط لا يمكن أن يُعرف، لأن العقل العلمي لا يمكن أن يتجاوز حدود الظواهر الحسية، وليس في مقدوره أن يقدم إلا معرفة من نوع محدود. يقول نيتشه في "العلم المرح": "مع كانط صرنا نشك كألمان في القيمة القطعية للمعارف العلمية، كما صرنا نشك، فضلاً عن ذلك، في كل ما تسهل معرفته سببياً وصار حتى الممكن معرفته ذاته يبدو لنا بما هو كذلك ذا قيمة أقل". صــ 153

▬ لقد حاول هيجل تخطي أخطاء السابقين عليه فعمل على تصحيح مسار المعرفة بالجمع بين عنصري المعرفة، الجانب الذاتي والجانب الموضوعي، ليقضي على الفصل بينهما ويجمع بينهما في وحدة عليا تؤلف بينهما بدون تضاد أو تناقض. فقد جمع بين ذاتية فتشه المتطرفة وموضوعية شلنج المتطرفة في مذهبه الذي يجمع بين الذات والموضوع أو الروح والطبيعة داخل وحدة "المطلق". لم تعد الطبيعة شيء آخر إلى جانب العقل بل صارت جزء من حياة العقل نفسه. تمر الحقيقة بمراحل عديدة أو مراتب متعددة، فمعرفة الإنسان للكون تقتضي الانتقال من مرحلة من مراحل العقل إلى مرحلة أعلى منها وكل مرحلة مهما كانت دنيا تمثل مرحلة ضرورية من مسار معرفة الحقيقة الكلية أو المطلقة. فالعقل أو الروح بذاته، المدرك لنفسه إدراكاً كاملاً هو الذي يجتاز جميع مراحل تطوره من الأدنى إلى الأعلى ويستوعبها داخل ذاته.. والحقيقة عند هيجل هي الفكر وحده، ولذلك لابد من تفسير كل شيء تفسيراً عقلياً. يكشف العالم الواقعي عن الفكر وعن تطوره لأن الفكر يمثل وحدة عضوية ذات أجزاء متصلة، كل جزء يعبر عن الحقيقة الكلية، كما أن كل جزء لا يُفهم إلا في ضوء الكل الذي يمثله. فالحقيقة كلٌ عضوي مترابط الأجزاء. ليس هناك معنى للكل بدون أجزائه ولا معنى للجزء بمعزلٍ عن هذا الكل. وكل جزء له علة أو سبب لتبرير وجوده. والنتيجة أن الأجزاء كلها تتصف بأنها ضرورية والفرق بينها هو مجرد فرق في الترتيب من الأدنى إلى الأعلى... والوحدة التي تشمل كل شيء هي وحدة فكرية أي وحدة بين الأضداد. فكل جزء يتضمن في ذاتِه كل مرحلة من مراحل الحقيقة تتضمن المراحل السابقة عليها وتعلو عليها. وفي النهاية الحقيقة الكلية تجمع الأضداد معاً في واحدة عليا منسجمة. ولجمع بين الأضداد في وحدة ينطبق على كل شيء في الطبيعة والتاريخ والفلسفة. فكل شيء يحكمه قانون الوحدة الشاملة التي تضم في داخِلها جميع الأضداد. صــ 171

▬ يكشف المطلق عن نفسه في العالم فيتجلى في الطبيعة والعقل معاً. فهو يشكف نفسه في الفكرة المنطقية في مرحلة سابقة على الوجود. ثم يتجلى المطلق في الطبيعة في صورة الحياة المادية. وأخيراً يتجلى المطلق في العالم الروحي في روح الفرد وفي نظام المجتمع وفي الفن والدين والفلسفة. الفكر يسبق الوجود ولكنه مع ذلك يتجلى في كل شيء في العالم الواقعي. فالفكر أساس كل حقيقة في الوجود.. وعمل الفلسفة عند هيجل هو تتبع الفكر في تطوره وانتقاله من الوجود بالقوة إلى الوجود بالفعل يعني تتبع الحقيقة كما تظهر في المنطق، وتتخارج في التاريخ وحتى تكتمل في الروح المطلق في صورة الفن والدين والفلسفة. فالفكر عند هيجل يسير في حركة جدلية ثلاثية من الفكرة المجردة في المنطق إلى الفكرة المتجسدة في الطبيعة ثم عودة الفكر، إلى ذاتها في الروح، فالطبيعة مرحلة ضرورية لانتقال الفكرة من مرحلة الفكرة المجردة إلى مرحلة الإدراك أو الوعي الذاتي، والحقيقة في مرحلة الروح الموضوعي تعبر عن ذاتها في صورة نظم أخلاقية التي تقوم عليه المجتمع وتظهر في مسار التاريخ. فهناك مسارات يتبعها العقل وفقاً للمنهج الجدلي. فالجدل يمثل إسهاماً في سيكولوجيا النمو العقلي، فمن خلال الجدل نتابع تطور العقل في مراحلة المختلفة... وتستمر  الحركة الجدلية لتطور العقل في التاريخ الذي يمثل عند هيجل عملية عقلية تمثل روح العالم فيها القائد. والأدوات التي تستخدمها روح العالم في تحقيق أهدافها هي عباقرة التاريخ وأبطاله، هؤلاء الذين يحدثون التغيير اللازم في مسار التاريخ. فالعالم عند هيجل في حالة تغير مستمر ضمن عملية تاريخية روحية. صــ 172

▬ تُعد "فلسفة التاريخ" مدخلاً حيوياً لفهم المذهب الهيجلي كله. فالوعي الإنساني لا يمكن أن يدرك أو يقرر كحقيقة بمعزل عن الخبرة التجريبية للتاريخ. إقترن الوعي في الفلسفة بالتاريخ، مما أدى إلى نجاتها من الوقوع في المثالية الذاتية. ومن هنا جاءت أهمية "فلسفة التاريخ" كجزء من ميتافيزيقا هيجل. وقد اتضحت علاقة الميتافيزيقا بالتاريخ من خلال المقولات التي وظفها هيجل في فلسفة التاريخ. فهيجل في عرضه لمسيرة وعي الروح بذاتها في التاريخ وصف مسارها بأنه مساراً عقلياً. لقد بدأ التاريخ بالتسليم بمقولة "العقل يحكم التاريخ"، وهي المقولة التي وجهت المسار كله. وكشف مقولة العقل يحكم التاريخ عن المعقولية في العالم الطبيعي، وسيادتها أيضاً في العالم الروحي. والمعقولية تتجلى على نحو أوسع وأعمق في مجال العالم الروحي عما يوجد في الطبيعة. وقد أدت المعقولية بهجيل إلى صياغة النظرة "الثيودثية" للتاريخ والتي تبرر وجود "الله" وعنايته وعمله في العالم. صــ 180

▬ إنتقال القوة التاريخية والسياسية من دولة ما (اليونان مثلاً) تعكس مستوى أدنى من الوعي الذاتي الإنساني، إلى دولة أخرى (الرومان مثلاً) تعكس مستوى أعلى للوعي الإنساني، فالتعديل في الفهم الذاتي للإنسان - كما حدث في الانتقال من العصور الوسطى إلى عصر الإصلاح والنهضة - هو انتقال يتضمن بالفعل ارتفاعاً عظيماً في الأوجه السياسية والاجتماعية داخل حضارة واحدة وداخل دولة مفردة. وهنا تبدو وجهة نظر هيجل بعيدة عن المثالية، لأنه يهتم بفهم الانتقالات السياسية العظمى في العالم في ضوء التطورات والتعديلات التي تطرأ على مستوى الوعي الذاتي للإنسانية. ولذا فنحن نصير على ما نحن عليه من وعي ذاتي بالحرية عندما نصبح على وعي بالمسار الكلي الذي نتجت عنه ذواتنا. فمع كل تقدم في مسار التطور يحصل الإنسان على فهم أعمق لذاتِه، فهم يتطور ليصبح في النهاية فِهماً تاماً لذاتِه، فهماً مختلفاً عما بدأ به. فمع مرور الزمن وتغيير الظروف واختلاف العصور يزداد الوعي الذاتي للإنسان بذاته من حيث هي ذات حرة. صــ 205


  • Digg
  • Del.icio.us
  • StumbleUpon
  • Reddit
  • RSS

0 التعليقات:

إرسال تعليق