جرثومة التخلف (مُراد وهبه)

• إن العقل العربي هو عقل ديني في مجال التقدم .. ولكنه عقل علماني في مجال التخلف!
• غياب الرؤية المستقبلية - في اعتقادي - هو السبب الأساسي لأزمة العقل العربي، فأهمية هذه الرؤية تأتي من أن حركة التاريخ تبدأ من المستقبل وليس من الماضي، فالمستقبل هو المحرك الأساسي للحركة مهما يكن نوعها، ثقافية أو سياسية أو اقتصادية.
• التيارات الفاشية والجماعات الإرهابية هي الوريث الشرعي للدولة العثمانية. ولم يتصد أحد لجوهر هذه التيارات خوفاً منها.
• الإبداع في مجال التعليم معناه رفض الإجابة النموذجية الواحدة التي إذا انحرف عنها الطالب رسب أو قلت الدرجات التي يحصل عليها .. أي أن الإبداع يعني الاجتهاد وقبول تعدد الأجوبة .. أي تعدد الحقائق، وبذلك نربي جيلاً لا يزعم أنه مالك للحقيقة المطلقة.
• أرى أن الهيمنة الآن للأصولية الدينية لأنه لا يوجد تيار مضاد لها. كل ماهو حادث الآن هو مقاومة الأصولية الدينية بوزارة الداخلية وليس بوزارتي الثقافة والتعليم.
• إن الأحزاب تنشأ بفلاسفة. وأحزاب بدون فلاسفة هي أحزاب من ورق..وتعمل في الوقت الضائع.
• إن الأيديولوجيا الوحيدة الموجودة في العالم العربي الآن..هي الأصولية الإسلامية.. أما ماعدا ذلك فأفراد يتجولون بأفكارهم!
• إن المشكلة الأساسية ليست في صدام المثقف مع السلطة وإنما في صدام المثقف مع المجتمع لأن المجتمع متخلف وبالتالي فإن وظيفة المثقف هي الكشف عن جذور هذا التخلف.
• يقول كانط في مقاله الشهير الذي نشره عام 1784 وعنوانه "جواب عن سؤال: ما التنوير؟" يقول: كن جريئاً في إعمال عقلك من غير معونة الآخرين.

========================================
▬ محنة الجامعة تتمثل فيما أسميه بوهم تصور وجود أُستاذ. قد أكون قاسياً في هذا الحكم ولكن كما قلت أنا اطرح هذه القضية في شكلها القاسي حتى أحث أستاذ الجامعة لكي يبحث عن جذور هذا الوهم. يوجد استثناء في هذه القاعدة ولكن الاستثناء لا يحرك التغيير الاجتماعي. هو يعطي نوعاً من الكرامة والاحترام لهذا الأستاذ المستثنى ولكن لا يُعطي الكرامة للمجتمع الذي يمثله. توليد الوعي الاجتماعي ليست مسألة ميسورة بل يستلزم نوعاً من المغامرة. وعلى الأفراد التحمل. وطالما أن الأستاذ التزم فكراً معيناً فعليه أن يتحمل نتائج التزامه بهذا الفكر. صــ15

▬ مشكلة الأحزاب العربية أنها خالية من الفلاسفة، أي من المنظرين بتعبير أبسط. لأن العالم العربي يخلو من العقل الناقد فهو يخلو من الفلاسفة وبالتالي الأحزاب. وأنا اعتقد أن هناك فجوة بين الأحزاب والجماهير، لأن مهمة الحزب تنوير الجماهير، وتنوير الجماهير يستلزم جسراً بين فلاسفة الحزب والجماهير، وهذا الجسر هو جمهور المثقفين، لأن هؤلاء لديهم قدرة تبسيط الأفكار، أي إحالة الفكرة الفلسفية إلى فكرة شعبية بوسائل مختلفة، منها الصحافة ووسائل الإعلام الأخرى، وبالتالي فمهمة الحزب هي تغيير العادات اليومية في تفكير الجماهير بشأن القضايا اليومية، وببساطة أن تعلم الجماهير كيف تطور حياتهم بواسطة العقل. صــ41

▬ أن يعجز عقل ما عن تأسيس "العقلانية" فهذا يعني أنه عاجز عن نقده لذاته في إطار تطوره الاجتماعي أو الحضاري. والعقل العربي بالفعل عاجز عن تأسيس عقلانية، ولكنه ليس عجزا خلقياً، وإنما عجز تاريخي، فثمة عوامل موضوعية وذاتية أدت إلى إصابة العقل العربي بالعجز. العوامل الموضوعية تتمثل في الاستعمار والغزو الخارجي، والعوامل الذاتية تتمثل في همينة القوى الاجتماعية المتخلفة، والتي لم تخرج بعد عن حيز القبلية والعشائرية، وهي قوى قابضة على السلطة السياسية والعسكرية، الأمر الذي أدى إلى إجهاض بزوغ أي عقل ناقد. صــ67

▬ الشائع عن ابن رشد أنه شارح. وأنا أعتقد أن ثمة مؤامرة في هذا المصطلح. إن القول بأن ابن رشد شارح لأرسطو يعني أنه لم يقدم جديداً إلى البشرية، وإنما هو مجرد مردد لأرسطو. ولكن حقيقة الأمر أن ابن رشد ليس شارحاً لأرسطو، وإنما هو فيلسوف استثمر فلسفة أرسطو لتدعيم مقولة جديدة أتى بها ليست واردة في فلسفة أرسطو برمتها، وهي مقولة تأويل النص الديني، أو العلاقة بين النص الديني والعقل البشري. الغزالي رفض رفضاً باتاً إعمال العقل في النص الديني، وطالب بالإلتزام بالمعنى الحرفي، والنتيجة النهائية التي انتهينا إليها من مقولة الغزالي هي تدمير الفلسفة في المشرق العربي. وحاول ابن رشد في المغرب أن يدمر مقولة الغزالي وذلك بتأليفه كتاب "تهافت التهافت" ولكنه لم ينجح. فقد اضطهد وأُحرقت مؤلفاته وانتهت عملية التأويل التي كان ابن رشد يريد أن يروج لها. ولكن هذه المقولة انتقلت إلى أوروبا، وبدأ الصراع في أوروبا حول ابن رشد في داخل الكليات المسيحية. وهناك فلاسفة حرموا من السلطة الكنسية بسبب مؤازرتهم لأراء ابن رشد. وبعد ذلك انحصر ابن رشد في أنه مجرد شارح وهذا وهم. صــ97

▬ إذا حصرنا التراث في علم الكلام والفلسفة الإسلامية، فأنا أعتقد الانحياز ينبغي أن يكون للفلسفة الاسلامية، وليس لعلم الكلام، لأن علم الكلام نشأن في مواجهة قضية واحدة، وهي قضية الشرك في مقابل التوحيد، وبدأ علم الكلام ينفذ إلى جميع القضايا الإنسانية في إطار التوحيد المعارض للشرك، فكبل العقل الإنساني؛ بمعنى أن علم الكلام يرفض اللامتناهي في الرياضيات، وأن اللامتناهي في الرياضيات يعني الشرك، لأن الله لا متناه، فكيف يمكن أن نسمح بلامتناه آخر أياً كان هذا اللامتناهي؟ اذن علينا إما أن نحذف اللامتناهي من الرياضيات أو نعدم الرياضيات. مقولة أخرى في علم الكلام هي مقولة العلة. علم الكلام يحذف كقولة العلة. لماذا؟ لأن الله هو العلة الأولى والوحيدة. فإذن عندما نبحث في العلل الطبيعية فإن علم الكلام يعترض بدعوى أن هذا شرك بالله، أي إضافة علة إلى علة الله. صــ99

▬ تجريم الفكر أياً كان، هو في حد ذاته، جريمة، لأنه ليس من حق أي إنسان أن يتخذ من نفسه حاكماً على أفكار البشر. فالأفكار ذات طابع نسبي، فما كان خاطئاً في فترة، قد يكون صائباً في فترة أخرى. والقيم مثلها في ذلك مثل الأفكار إذ هي من صنع البشر. فالبشر أنفسهم مسئولون عن انتقاء وغربلة الغث من الثمين بالنسبة لهذه القيم إستناداً إلى المعيار العقلاني الذي ينبغي أن يكون معياراً في حكمنا على القيم وعلى غيرها. وتجريم الفكر مردود إلى ما يمكن تسميته بالمحرمات الثقافية وهذه المحرمات من شأنها أن تقتل العقل الناقد الذي هو أساس العقل المبدع. والعلاقة بين المحرمات الثقافية والعقل الناقد المبدع علاقة عكسية، فكلما ازدادت المحرمات قل النقد والإبداع وسيطر التخلف. صــ101

▬ علينا أن نبحث لماذا الإبداع نادر. الإبداع نادر ليس بسبب عوامل ذاتية عند الإنسان، ولكن بسبب عوامل موضوعية وعلى الأخص ما يمكن تسميته بالمحرمات الثقافية. فالمحرمات الثقافية تشل العقل الناقد، وبالتالي تشل عملية الابداع. علينا أن نقتحم هذه المحرمات الثقافية حتى يمكن أن نسمح للإنسان بممارسة الإبداع. وهذا ما حدث في أوروبا. كانت فيها محرمات ثقافية ومع ذلك اقتحمت هذه المحرمات ونشأ ما هو معروف بعصر النهضة، وعصر الإصلاح بالذات إذ معناه إعمال العقل في كل النصوص الدينية بلا استثناء. وعندما انشغل العقل بفهم كل نص أمكنه أن يقتحم مجالات عديدة بدون حساسية، الأمر الذي أدى إلى ما يسمى بعصر التنوير في القرن الثامن عشر. وبفضل عصر التنوير الذي يعني أن لا سلطان على العقل إلا العقل نفسه بزغت الثورة العلمية والتكنولوجية التي أدت الآن إلى غزو الفضاء. صــ143


▬ الحاصل في التأليف الحالي للكتاب المدرسي أنه يطرح نظرية هندسية، على سبيل المثال، بمعزل عن كيفية ابداعها، وأنا أطالب المؤلف في عملية التأليف أن يبين لنا من خلال العرض التاريخي كيفية ابتداع العالم لعلاقات جديدة بناء على نقده لعلاقات قائمة بحيث يُنشيء نظرية جديدة تحدث تأثيراً في الواقع. وفي هذا الإطار يمكن أن يتذوق الطالب عملية الإبداع. وعندما نقدم له أسئلة فيجب أن تنصب على التذكر بنسبة ضئيلة، وتنصب في الأغلب على العملية الإبداعية بمعنى أن نأتي له بسؤال مثلاً يستلزم الإجابة عنه الاستعانة بفصول من بداية الكتاب المدرسي إلى فصول من نهاية الكتاب بحيث يعطينا علاقة جديدة لم تكن واضحة في مسار الكتاب، وبالتالي لن يكون لدينا نموذج للإجابة كما هو الحاصل في المسار التقليدي للتعليم، وهو أن الأسئلة تأتي في إطار التذكر. وهذا يعني أن ثمة جواباً واحداً صحيحاً، الأمر الذي يؤدي، شئنا أم لم نشأ، إلى إفراز التعصب، والتعصب معناه تصور الإنسان أنه يملك حقيقة مطلقة لا بديل عنها. ولكن في إطار الإبداع يمكن أن تتعدد الأجوبة، أي تتعدد الحقائق وبالتالي ينشأ الطفل في جو من التسامح العقلي. ومن هنايمكن القول بأن الإبداع هو ضد ما يسمى بالدوجماطيقية .. صــ146

  • Digg
  • Del.icio.us
  • StumbleUpon
  • Reddit
  • RSS

0 التعليقات:

إرسال تعليق