• الكتاب
المقدس هو كتاب بشري.
• إن كان حقا يرغب في ذلك (أي توصيل الرسالة الإلهية) ،لكان عليه أن يحفظ
هذه الكلمات من العبث بطريقة إعجازية.
• كون المرء ناقدًا نصيًا يشبه الاشتغال بعمل رجل المباحث.
• غالبية القراءـــ حتى هؤلاء اللذين يهتمون بالمسيحية ،بالكتاب
المقدس،بالدراسات الكتابية،وكلا من هؤلاء اللذين يؤمنون بالكتاب المقدس ككتاب
معصوم من الخطأ وهؤلاء اللذين لا يؤمنون بذلك ــ لا يعرفون تقريبًا أي شئ عن النقد
النصي.
• يقول صديقي جيف سيكر إن قراءة العهد الجديد باللغة اليونانية هي مثل
رؤيته بحروف ملونة ، في حين قراءته مترجما تشبه مشاهدته بالأبيض والأسود : وهو
إنسان فهم الأمر لكنه فاته كثير من الفروق الدقيقة.
• كانوا - أي اليهود - يؤمنون بأن هناك مكانًا مقدسًا له خصوصية حيث يسكن
فيه هذا الكائن الإلهي هنا على الأرض (الذي هو الهيكل في أورشليم)، وهناك تسفك هذه
الأضاحي
• كان بين الشعب اليهودي ،كما كان يُعتَقد، وبين الله "عهد"،أي
اتفاق بموجبه يكونون وحدهم شعبه كما يكون هو ربهم وحدهم .
• هناك إعتبارات تؤخذ في الحسبان للقول بأن مخطوطة ما أقدم من الأخرى، منها
: عُمر المخطوطة - البُعد التاريخي - النطاق الجغرافي.
• نصوص العهد الجديد في بعض الأحيان كانت تتعرض للتحوير لأسباب لاهوتية .
• قضية طبيعة المسيح : هل كان المسيح إنسانا ؟ هل كان إلها ؟ أم كان
الاثنين كليهما ؟ ولو كان هو الاثنين كليهما ، هل كان كائنين منفصلين ، أحدهما
بشري والآخر إلهي ؟ أما كان كائنا واحدا بشريا وإلهيا في الوقت ذاته ؟
• تغييرات النص لدوافع مضادة للانقساميين لعبت النزاعات حول عقائد
الانقساميين المتعلقة بطبيعة المسيح دورًا في نسخ النصوص التي ستصبح فيما بعد العهد الجديد.
• لم تلعب النزاعات التي ثارت حول دور المرأة في الكنيسة دورا عظيما في
تحريف نصوص العهد الجديد ، لكنها لعبت بالفعل دورا ،في فقرات طريفة وهامة .
• لِتَتَعَلَّمِ الْمَرْأَةُ بِسُكُوتٍ فِي كُلِّ خُضُوعٍ. وَلَكِنْ لَسْتُ
آذَنُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُعَلِّمَ وَلاَ تَتَسَلَّطَ عَلَى الرَّجُلِ، بَلْ
تَكُونُ فِي سُكُوتٍ، لأَنَّ آدَمَ جُبِلَ أَوَّلاً ثُمَّ حَوَّاءُ، وَآدَمُ لَمْ
يُغْوَ لَكِنَّ الْمَرْأَةَ أُغْوِيَتْ فَحَصَلَتْ فِي التَّعَدِّي، وَلَكِنَّهَا
سَتَخْلُصُ بِوِلاَدَةِ الأَوْلاَدِ، إِنْ ثَبَتْنَ فِي الإِيمَانِ وَالْمَحَبَّةِ
وَالْقَدَاسَةِ مَعَ التَّعَقُّلِ. (1تيموثاوس 2 :11 -15 )
• كان الوثنيون أحيانا يقاومون المسيحيين بسبب الشكل غير المعتاد لعباداتهم
ولقبولهم يسوع باعتباره ابن الله الذي جلب موته على الصليب الخلاص ؛ و أحيانا كانت
هذه المقاومة تؤثر على النساخ المسيحيين الذين كانوا يعيدون كتابة نصوص الكتاب
المقدس .
• هذه الاعتراضات تأتي من داخل كتاباتكم الخاصة، ولسنا في حاجة إلى شهود
أخرين: فأنتم بأنفسكم تمنحوننا ما به نبطل إيمانكم .(ضد سيلزس 2 ،74)
• لقد كان كتبة الأناجيل كتاب مزيفون ـ لم يكونوا معاينين ولا شهود عيان
لحياة يسوع . فكلٌ من المؤلفين الأربعة يناقض الآخر في حكايته لأحداث معاناة يسوع
وصلبه .(بورفراي الوثني - ضد المسيحيين 2 ،12-15)
• بعض المؤمنين يتصرفون كما لو كانوا في مجلس لاحتساء الشراب،يذهبون بعيدا
إلى درجة التناقض مع أنفسهم، فيغيرون النص الأصلي للإنجيل ثلاث مرات أو أربع أو
مرات عديدة أكبر من ذلك، ويغيرون أسلوبه بما يمكّنهم من إنكار الصعوبات متى وُجِّه
النقد إليهم "(ضد سيلزس 2 . 27)
• لقد أصبح من الوضوح بمكان لدى غالبية العلماء منذ القرن التاسع عشر أن
مرقس كان هو أول الأناجيل كتابةً، وأنَّ متَّى و لوقا كليهما قد استخدماه كأحد
مصادر قصصهم عن يسوع .
[مقدمة عن نفسه]
♀ كانت دراستي للأدب الإنجليزي،الفلسفة،والتاريخ ــــ ناهيك عن
اليونانيةـــ قد وسعت آفاقي بشكل كبير ،وأصبحت متعتي الآن هي في المعرفة ،المعرفة
بكافة أشكالها،الدينية والدنيوية . ولو أن معرفة "الحقيقة"تعني أن لا
أكون بعد من المسيحيين المولودين مرة ثانية مثل من عرفتهم في المدرسة العليا،فليكن
ما يكون.كنت أنوي أن أواصل بحثي عن الحقيقة مهما كان الطريق الذي ستقودني إليه،
وأنا على ثقة من أن أي حقيقة سأتعلمها لا يقلل من قيمتها كونها غير متوقعة أو
كونها تتلائم بصعوبة مع التصنيفات التي تضعها خلفيتي الإنجيلية.
♀ إن تعلُّمي للغة اليونانية ودراستي للمخطوطات اليونانية،أدت بي إلى إعادة
النظر بصورة جذرية في مفهومي لماهية الكتاب المقدس.كان ذلك تغييرًا مزلزلا بالنسبة
إليَّ.قبل ذلك ـــ منذ بداية تجربة الميلاد مرة ثانية التي مررت بها في المدرسة
العليا،عبر أيام تزمتي الديني في معهد "مودي"،و الذي استمرَّ مرورًا
بأيامي كإنجيليٍّ في معهد "ويتون"ـــ كان إيماني مبنيًا بالكامل على
نظرة يقينية إلى الكتاب المقدس ككلمة الرب الموحى بها والمعصومة بصورة كاملة. الآن
لم أعد أرى الكتاب المقدس بهذه الصورة.بدأ الكتاب المقدس يبدو لي ككتاب بشري
جدا.فتماماً كما نسخ النساخون البشريون نصوص الكتاب المقدس و غيَّروها،فكذلك
وبالطريقة ذاتها نصوص الكتاب المقدس كتبها مؤلفون من البشر منذ البداية. لقد كان
كتابًا بشريًا من البداية وإلى النهاية.كتبه مؤلفون مختلفون من البشر في أزمنة
مختلفة وفي أماكن مختلفة تلبيةً لحاجات مختلفة. كثيرٌ من هؤلاء المؤلفين بلا شك
كانوا يشعرون أنهم يوحى إليهم من قبل الله لقول ما فعلوه،لكنهم كان لهم آراؤهم
الخاصة ،معتقداتهم الخاصة،رؤاهم الخاصة ،حاجاتهم الخاصة،رغباتهم الخاصة ،مفاهيمهم
الخاصة،عقائدهم اللاهوتية الخاصة.
[بدايات الكتاب المقدس المسيحي]
♀ لكي ندرس النسخ التي في حوذتنا للعهد الجديد ، نحتاج أولا إلى البدء بأحد
الخصائص غير المألوفة التي تختص بها المسيحية في محيط العالم اليوناني
الروماني:ألا وهي طابعها الكتابيّ (Bookish). في الواقع ،لكي نفهم هذه الخصيصة التي تختص بها
المسيحية ،نحن بحاجة ،قبل الحديث عن المسيحية،إلى البدء بالحديث عن الديانة التي
انبثقت منها المسيحية ،أي اليهودية. حيث إن اليهودية ،التي كانت "الديانة
الكتابية" الأولى في الحضارة الغربية،كانت قد سبقت إلى حد ما كتابيّة
المسيحية وتنبأت بها.
♀ لقد بدأت المسيحية ،بالطبع ، من خلال يسوع ، الذي كان نفسه حبرًا Rabbi يهوديًا (أي معلمًا) الذي
قَبِل سلطان التوراة ، وربما الكتب اليهودية المقدسة الأخرى ،و لقن تلاميذه تفسيره
الخاص لهذه الكتب . مثل معلمي عصره الآخرين ،أكد يسوع أن النصوص المقدسة،قانون
موسى على وجه الخصوص، تمثل إرادة الله . لقد قرأ من هذه الكتب المقدسة
،وتعلمها،وقام بتفسيرها ،والتزم بها،وعلَّمها. لقد كان تلامذته ،منذ البداية ،
يهودًا وكانوا ينظرون إلى الكتب التي تحوي تقاليد قومهم على أنها ذات قيمة خاصة.
وهكذا ، بالفعل ،في بداية المسيحية ،كان أتباع هذه الديانة الجديدة ،أي تلاميذ
يسوع ،فريدين في الإمبراطورية الرومانية :فهم كانوا مثل اليهود من قبلهم ،لكن ليس
مثل أي شخص آخر تقريبًا ،فقد أوجدوا سلطة مقدسة في ثنايا كتب مقدسة . لقد كانت
المسيحية في بدايتها ديانة الكتاب .
♀ ارتاب العلماء لفترة طويلة في أن بعضًا من هذه الرسائل الموجودة في العهد
الجديد منسوبةً لبولس هي في الحقيقة من كتابات أتباعه المتأخرين ونسبت إليه كذبا .
و لو صحَّت هذه الشكوك ،فستعطي دليلًا لا شك فيه على أهمية الرسائل عند الحركة
المسيحية الأولى : فلكي يجذب الإنسان الأسماع إلى وجهات نظره ، كان عليه أن يكتب
رسالة ممهوة بتوقيع الرسول مفترضًا أن ذلك سيمنحها حجمًا من الموثوقية جديرًا
بالاعتبار .
♀ كان المسيحيون بالطبع معنيِّين بمعرفة معلومات أكثر عن حياة ،وتعاليم ،
وموت الرب و قيامته ؛ ولذلك كُتِبَتْ العديد من الأناجيل ،التي قامت بتسجيل
التقاليد المتصلة بحياة يسوع . أربعة من هذه الأناجيل أصبحت هي الأوسع استخدامًا ـ
وهي تلك التي كتبها متى ،ومرقس ،ولوقا ، ويوحنا في ثنايا العهد الجديدـ لكنَّ
أناجيلا أخرى كثيرة كُتِبت: منهاعلى سبيل المثال ،الأناجيل المنسوبة إلى فيليبُّس
تلميذ يسوع ، ويهوذا توما أخيه ، ورفيقته مريم المجدلية. كما فقدت أناجيل أخرى
بعضها من الأناجيل الأكثر قِدمًا .
♀ في روايات إنجيلية ، نجد أن معظم تلاميذ يسوع كانوا فلاحين بسطاء من
الجليل ـ صيادين غير متعلمين ، على سبيل المثال . اثنان منهما ، بطرس ويوحنا ، قيل
عنهما بوضوح أنهما كانا "أمِّيين" في سفر الأعمال ( 4 : 13). بولس الرسول
يشير لشعب كنيسته الكورنثيين إلى أن " قليل منكم من هم حكماء بالمقاييس
البشرية " (1 كو 1 : 27 ) ـ التي ربما تعني أن البعض القليل كان حاصلين على
تعليم جيد ، لكن ليس الأغلبية . فإذا تقدمنا إلى القرن المسيحي الثاني ، يبدو أن
الأمور لم تتغير كثيرا . كما أشرت ، بعض المثقفين آمنوا ، لكنّ معظم المسيحيين
كانوا من الطبقات الدنيا وغير المتعلمة .
أحد الأدلة على صحة هذه الرؤيا تأتي من مصادر عديدة . واحدة من أكثرها
طرافة هو أحد الوثنيين من خصوم المسيحية المسمى "سيلزس" والذي عاش في
أواخر القرن الثاني . كتب "سيلزس" كتابا اسمه " الكلمة الحقة
"( The
True Word) ، هاجم فيه المسيحية لعدد من
الأسباب ، متذرعا بأنها ديانة حمقاء خطرة يجب مسحها من على وجه الأرض .
♀ يرد أوريجانوس بأن المسيحيين المؤمنون حقا هم في الحقيقة حكماء ( وبعضهم
، في الواقع ، من ذوي التعليم الجيد)، لكنهم حكماء فيما يتعلق بالله ، وليس فيما
يتعلق بالأشياء في هذا العالم . لم ينكر ، بطريقة أخرى، أن المجتمع المسيحي يتشكل في الغالب من الطبقات الدنيا ،غير
المتعلمة.
♀ الكتب التي كانت ذات أهمية قصوى في المسيحية المبكرة كانت في الغالب تُقرأ بصوت عال من خلال هؤلاء الذين
كانوا قادرين على القراءة ، لكي يستطيع الأميون الاستماع إليها ، وفهمها ، وحتى دراستها . على الرغم من حقيقة
أن المسيحية الأولى كانت في العموم تتشكل من المؤمنين الأميين ، إلا أنها كانت
ديانة أدبية إلى حد كبير .
[نُسَّاخ الكتابات المسيحية الأولى]
♀ كانت عمليات النسخ خارج المجتمعات المسيحية، في العالم الروماني على
اتساعه، تتم إما على أيدي النسَّاخ المحترفين، أو على أيدي عبيدٍ قادرين على
القراءة والكتابة ويتم تكليفهم بالنسخ من قبل سادتهم؛ ويعني ذلك، من بين ما يعني،
أنه كقاعدة لم يكن الأشخاص الذين يقومون بالنسخ هم أنفسهم الأشخاص الراغبين في
الحصول على النصوص، وإنما كان الناسخون في الغالب الأعمّ ينسخونها لمصلحة آخرين.
إلا أن واحداً من أهم الاكتشافات الحديثة التي قام بها العلماء الباحثون في نسـّاخ
المسيحية الأولى، هو أن الحال كان على العكس من ذلك تماما. إذ يبدو أن المسيحيين
الذين كانوا يقومون بالنسخ، كانوا هم أنفسهم من يحتاجون للنُسَخ، بمعنى أنهم كانوا
ينسخونها إما لاستخدامهم الشخصيّ، أو لمصلحة المقربين منهم..
-----------------------------------------------------------------------------
لأن النصوص المسيحية الأولى لم تكن تنسخ بمعرفة نسّاخ محترفين ، على الأقل
في أثناء القرنين أو القرون الثلاثة الأولى من عمر الكنيسة، وإنما بمعرفة أشخاص
متعلمين ينتمون للمجتمع الكنسي لديهم القدرة الرغبة لأداء هذه المهمة، فمن الممكن
أن نتوقع أنه في النسخ الأولى، على وجه الخصوص، كانت أخطاء النسخ شائعة الحدوث. في
الحقيقة، توجد لدينا أدلة دامغة على ذلك، حيث كانت (هذه الأخطاء) محلاً لبعض
الشكاوى العارضة من مسيحيين يقرأون تلك النصوص ويحاولون اكتشاف الكلمات الأصلية
للمؤلفين. ففي إحدى المرات، على سبيل المثال، يسجل الأب "أوريجانوس"
المنتمي لكنيسة القرن الثالث الشكوى التالية من نسخ الأناجيل الموجودة تحت تصرفه:
"لقد أصبحت الاختلافات بين المخطوطات عظيمة، إما بسبب إهمال بعض
النسـّاخ أو بسبب التهور الأحمق للبعض الآخر؛ فهل كانوا يهملون مراجعة ما
نسخوه،أم، بينما يراجعونه، يقومون بالحذف والإضافة على هواهم؟ "
لم يكن "أوريجانوس" الشخص الوحيد الذي لاحظ تلك المشكلة، فقد
أشار إليها أيضاً خصمه الوثني "سيلزس" قبل ذلك بسبعين سنة، ففي سياق
هجومه على المسيحية وأعمالها الأدبية، طعن
"سيلزس" في النسـّاخ المسيحيين لاتباعهم أساليب تتعدّى على أصول
النسخ:
" بعض المؤمنين يتصرفون كما لو كانوا في مجلس لاحتساء الشراب،يذهبون
بعيدا إلى درجة التناقض مع أنفسهم، فيغيرون النص الأصلي للإنجيل ثلاث مرات أو أربع
أو مرات عديدة أكبر من ذلك، ويغيرون أسلوبه بما يمكّنهم من إنكار الصعوبات متى
وُجِّه النقد إليهم "(ضد سيلزس 2 . 27)
-------------------------------------------------------------------------------
♀ هناك صورة توضيحية طريفة للتغيير العمدي الذي وقع لنص موجود في واحدة من
أنقى مخطوطاتنا القديمة ،ألا وهي المخطوطة الفاتيكانية ( يسميها البعض كذلك لأنها
اكتشفت في المكتبة الفاتيكانية )،التي كتبت في القرن الرابع . ففي افتتاحية سفر العبرانيين هناك فقرة يقال
لنا فيها ، وفقا لمعظم المخطوطات، إن " المسيح يحمل (باليونانية : PHERON) كل الأشياء بكلمة قدرته"( عبرانيين 1 : 3 ). أما في
المخطوطة الفاتيكانية ،فقد أحدث الناسخ
الأصلي اختلافا دقيقا في النص ، باستخدامه أحد الأفعال المشابهة في اللغة
اليونانية ؛ حيث يُقرأ النص في الفاتيكانية كالتالي:" المسيح يُظِهر (
باليونانية :PHANERON) كل الأشياء بكلمة
قدرته." بعد ذلك بعدة قرون ، قرأ ناسخ ثان هذه الفقرة في المخطوطة
(الفاتيكانية) وقرر أن يستبدل الكلمة الغريبة يُظهِِر ( manifests
) بالأكثر شيوعا يحمل (bears)ـ ماحيا
الكلمة الأولى وكاتبا الأخرى. ثمّ قرأ المخطوطة ، بعد ذلك ببعض القرون ،
ناسخ ثالث ولاحظ التحريف الذي فعله سلفه ؛ فمحى ، بدوره ،الكلمة يحمل وأعاد كتابة
الفعل يظهر .ثم أضاف ملاحظة ناسخ في الهامش ليشير إلى ما دار في خلده عن الناسخ
الثاني الذي سبقه . تقول الملاحظة :" أيها الوغد الأحمق ، دع القراءة القديمة
،لاتحرفها !
♀ إن الديانة المسيحية هي ديانة توجهها النصوص وهذه النصوص قد تعرضت
للتحريف ، وما بقي فقط ،في شكل نسخ، يختلف من واحدة لأخرى ، وفي كثير من الأحيان
يكون الاختلاف في أمور شديدة الأهمية . إن مهمة الناقد النصي هي محاولة استعادة
الشكل الأقدم من هذه النصوص . هذه المهمة
واضح أنها شديدة الأهمية ، حيث إننا لا يمكن
أن نفسر الكلمات الواردة في العهد الجديد لو لم نكن نعرف الشكل الذي كانت
عليه الكلمات . فوق ذلك ، كما آمل أن يكون واضحا الآن ، معرفة هذه الكلمات هي أمر
مهم ليس فقط من أجل هؤلاء الذين يعتقدون أن هذه الكلمات موحاة من الله . بل هي
مهمة من أجل أي شخص يعتقد أن العهد الجديد كتاب هام . وبالتأكيد كل شخص مهتم
بالتاريخ ، والمجتمع و بثقافة الحضارة الغربية يعتقد ذلك ، لأن العهد الجديد ،إن لم يكن أكثر من ذلك
، هو منتج ثقافي ضخم ، وكتاب يوقِّره الملايين ويمثل الأساس لأكبر الديانات في
عالم اليوم .
[نصوص العهد الجديد]
♀ متى بدأت الكنيسة في استخدام النسَّاخ المحترفين لنسخ نصوصها؟ هناك أسباب مقنعة تدفعنا إلى الاعتقاد بأن ذلك
قد حدث في وقت ما قريب من بداية القرن الرابع.
فقبل ذلك الحين،كانت المسيحية ديانة صغيرة تعتنقها أقلية داخل الإمبراطورية
الرومانية ،كثيرًا ما تعرضت هذه الأقلية للاضطهاد،و للتعذيب أحيانًا. ولكنَّ
تغييرًا عنيفًا وقع حينما تحول إمبراطور روما،قسطنطين،إلى الإيمان عام 312
ميلاديًا تقريبًا. فجأة تغير حال المسيحية
من كونها ديانة المنبوذين مجتمعيًا ،المعذبين بأيدي الرعاع و سلطات الإمبراطورية
على حدٍ سواء ،إلى لاعبٍ رئيسيّ في المشهد الديني في الإمبراطورية.
♀ كما أشرت، نص العهد الجديد نُسِخ في شكل معياري بكل معنى الكلمة عبر قرون
العصور الوسطى،سواء في الشرق(النص البيزنطي) أو في الغرب (الفولجاتا اللاتينية).
لقد كان اختراع ماكينة الطباعة في القرن
الخامس عشر الميلادي على يد جوهانس جوتنبرج(1400 – 1468) هو الذي غيَّر كل شئ
يتعلق بإعادة إنتاج الكتب بشكل عام وكتب الكتاب المقدس بشكل خاص.
♀ على الرغم من أن "مل" علِمَ وقام بفحص حوالي مائة مخطوطة
يونانية ليكشف الاختلافات الثلاثين ألفًا التي أعلنها، فإن ما نعرفه اليوم أكثر من
ذلك ،بل أكثر من ذلك بكثير. في آخر إحصاء
،تم الكشف عن أكثر من خمسة آلاف وسبعمائة
مخطوطة يونانية و فهرستها. وهذا
يمثل من ناحية العدد سبعة وخمسين ضعفًا مما علم "ملّ" عنه في عام 1707 .
هذه الخمسة آلاف وسبعمائة تشمل كل شئ بدءًا من أصغر كِسَر من المخطوطات – أي في
حجم بطاقة الائتمان – إلى الأعمال شديدة الضخامة و العظم، المحفوظة بكاملها .
بعضها يشمل كتابًا واحدًا فقط من العهد الجديد ؛والبعض الآخر يشمل مجموعة
صغيرة (كمثال الأناجيل الأربعة و رسائل
بولس ) ؛ والقليل للغاية منها يشمل العهد الجديد بكامله.
[البحث عن الأصول]
♀ كان الناقد الوثني سيلزس يزعم أن المسيحيين غيروا النص على هواهم ،كما لو
كانوا مخمورين في جلسة شراب ؛ أما خصمه أوريجانوس فيتحدث عن عدد "كبير"
من الاختلافات بين مخطوطات الكتاب المقدس ؛ بعد ذلك بما يزيد عن قرن كان البابا
داماسوس قلقا للغاية من اختلافات المخطوطات اللاتينية إلى درجة أنه كلف القديس
جيروم بإنتاج ترجمة معيارية ؛ وجيروم نفسه كان قد قارن العديد من نسخ النص ، سواء
اللاتينية أو اليونانية ، لكي يختار النص الذي كان يعتقد أنه النص الأصلي الذي
خطته أيدي مؤلفيه.
♀ استنتاجات ""سيمون"" المضادة للبروتستانتية تصير
أكثر وضوحا في بعض كتاباته الأخرى . على
سبيل المثال ،في كتاب له يتناول " المفسرين الرئيسيين للعهد الجديد "
،يصرح بغير تردد :" التغييرات
العظيمة التي وقعت في مخطوطات الكتاب المقدس . . . منذ أن فقدت الأصول الأولى ،
تهدم مبدأ البروتستانتيين من أساسه . . . الذين يلجأون فحسب إلى هذه
المخطوطات ذاتها الخاصة بالكتاب المقدس في
شكلها الموجود اليوم . لو أن حقيقة الدين لم تعش طويلا في ظل الكنيسة ، فإن البحث
عنها في الكتب التي كانت عرضة لكثير جدا من التغييرات والتي كانت أيضا خاضعة
لإرادة النساخ لن يكون بالأمر المأمون.
♀ كان يوهان ج.ج. فيتشتاين(1693-1754 ) واحدًا من أكثر الشخصيات المثيرة
للجدل في أوساط علماء الكتاب المقدس في القرن الثامن عشر . في سنٍ صغيرة أصبح
فيتشتاين أسيرًا لقضية نص العهد الجديد و قراءاته المتباينة ، وعمل على الموضوع
خلال دراسته المبكرة .بعد بلوغه العشرين بيوم واحد ، في ال17 من مارس، 1713، تقدم
إلى جامعة بازل بفرضية عنوانها " تنوع القراءات في نص العهد الجديد."
ومن بين أشياء أخرى ، بنى فيتشتاين البروتستانتي المذهب دفوعه على أن القراءات
المتباينة " يمكن أن يكون لها مؤثرات موهِنَة لقضية صحة وسلامة الكتاب
المقدس." والسبب هو أن الله "
أنزل هذا الكتاب مرة واحدة و للأبد إلى العالم كوسيلة لتحقيق كمال الشخصية
الإنسانية. فهو يشتمل كل ما هو ضروريٍّ للخلاص سواء على مستوى الاعتقاد أو على
مستوى السلوك." لذلك ، ربما يكون للقراءات المتباينة تأثير على نقاط ثانوية في الكتاب المقدس ، لكن الرسالة
الأساسية تبقى سليمة بغض النظر عن القراءت التي قد يلاحظها المرء.
[الأصول هي الأهم]
♀ لفنترض أنه بعد أن أُنْتِجت
المخطوطة الأصلية التي تحوي نصًا ما ، نسخت منها نسختان ،ربما نطلق عليهما الاسمين
( أ) و (ب). هاتان النسختان ،بطبيعة الحال ،سيكون بينهما اختلافات بطريقة أو بأخرى
– ربما هي اختلافات هامة أو على الأرجح اختلافات يسيرة . الآن لنفترض أن النسخة
(أ) قد نسخت من خلال ناسخ واحد آخر فقط ، لكنّ النسخة (ب) نسخت من خلال خمسين ناسخ
.ثم حدث أن فقدت المخطوطة الأصلية ،وكذلك النسختان (أ) و (ب)،ليصبح ما تبقى لدينا
في شكل تقليد نصيّ هما الواحد والخمسون نسخة التي تمثل الجيل الثاني ،واحدة منهم
نسخت من النسخة (أ) و الخمسون الباقية تم نسخهم من النسخة (ب). لو أن إحدى
القراءات موجودة في المخطوطات الخمسين
(المنسوخة من المخطوطة (ب)) تختلف عن قراءة موجودة في المخطوطة الوحيدة (المنسوخة
من (أ))، فهل القراءة الأولى منهما (أي الموجودة في الخمسين نسخة) بالضرورة هي
الأكثر احتمالا أن تكون القراءة الأصلية ؟لا ، على الإطلاق – حتى لو ثبت أنها
متكررة في الشواهد الخمسين خمسين مرة . في
الواقع ، الفارق النهائي الذي يدعم تلك القراءة ليس نسبة خمسين إلى واحد . بل
الفارق هو بنسبة واحد إلى واحد (أ في مقابل ب ).
غالبية الانتقائيين العقلانيين ، على وجه الخصوص ،يعتقدون أن النص السكندري المزعوم (هذا يشمل ما سماه هورت
النص " المحايد")،الذي كان في الأساس مقترنًا بالممارسات النسخيَّة
المنضبطة التي مارسها النساخ المسيحيون في الإسكندرية في مصر ، هو الشكل الأعلى
مقامًا من النص المتاح ، وفي أغلب الحالات يزوِّدُنا بالنص الأقدم أو
"الأصلي"، في أي موضع يوجد فيه قراءات متباينة . النصان
"البيزنطي" و "الغربي" ، من ناحية أخرى ، من المحتمل بصورة
أقل أن يحتفظا بأفضل القراءات ،عندما لا يكونان مدعومين بالمخطوطات السكندرية .
[تحريفات النص التي حدثت لدوافع لاهوتية]
♀ يتناول علم النقد النصي ما هو
أكثر من مجرد تحديد النص الأصلي . فهو يتطلب أيضًا مشاهدة الكيفية التي تمَّ بها
تعديل النص عبر الزمن ،سواء بسبب أخطاء النساخ أو لأن النساخ قاموا بتعديلات
مقصودة . هذا النوع الأخير ، أي التغييرات العمدية ، شديد الأهمية ، لا لأنه فحسب
يساعدنا بالضرورة على فهم ما كان المؤلفون الأصليون يحاولون قوله ، بل أيضًا لأنه
بإمكانه أن يوضح لنا بعض الأشياء عن الكيفية التي كان النساخ ،الذين أعادوا إنتاج
النصوص، يفسِّرون بها النصوص التي كتبها المؤلفون . ومن خلال رؤية الكيفية التي
حرَّفوا من خلالها النصوص التي بين أيديهم ، يمكننا اكتشاف إشارات تدلنا على ما كان هؤلاء النساخ يظنونه
مُهِمَّا في النص ، وهكذا يمكننا أن نتعلم الكثير حول تاريخ النصوص عندما كانت
تُنسخ و يعاد نسخها عبر القرون .
♀ في القرنين الثاني والثالث كان
ثمة مسيحيون ، بالطبع ،يؤمنون بأنه لا إله إلا إله واحد ، خالق كل شئ . أناس آخرون
من الذين يسمون أنفسهم بالمسيحيين ، مع ذلك ، أصروا على أن الكون له إلهين اثنين
مختلفين ـ إلهٌ للعهد القديم ( إله النقمة ) وإلهٌ للعهد الجديد (إله المحبة و
الرحمة). هاذان لم يكونا ببساطة وجهين مختلفين للإله نفسه: في الواقع هما كانا
إلهين مختلفين . من المدهش أن المجموعات التي تفوهت بهذه المزاعم ـ بما في ذلك
أتباع مرقيون ، الذين تعرفنا عليهم من قبل بالفعل ،أصرت على أن رؤاها كانت هي
التعاليم الحقة التي نادى بها يسوع وتلاميذه. مجموعات أخرى ،على سبيل المثال ، من
المسيحيين الغنوصيين ، أصروا على أنه لم يكن ثمة إلهين اثنين فحسب ، بل اثنا عشر
إلها . وآخرون قالوا: بل ثلاثين إلها . و آخرون استمروا في القول إن الآلهة 365
إلها .
♀ رأيي الذي أجادل لإثباته هو أن النسَّاخ المسيحيين الذين كانوا
خصوما لوجهات النظر التبنّوية حول يسوع
قاموا بتعديل نصوصهم في بعض المواضع لكي يؤكدوا على وجهة نظرهم بأن يسوع لم يكن
إنسانا فحسب ، وإنما كان إلها أيضًا. يمكننا أن نسمي هذه التعديلات تحريفات الكتاب
المقدس المضادة للتبنيّين.
♀ في الطرف المقابل للخط اللاهوتي القادم من خلفية يهودية متنصرة والمتمثل
في الأبيونيين ومعتقداتهم التبنوية في المسيح كانت تقف مجموعات من المسيحيين عرفوا
باسم الظهوريين . أصل هذا الاسم يجيئ من
الكلمة اليونانية (DOKEO) ، التي تعني " ظهور"
أو "ترائي". كان الظهوريون يعتقدون أن يسوع لم يكن كائنا بشريا كاملا من
لحم ودم . بل كان بدلا من ذلك إلهيا تماما (وفقط )؛ لكنه "بدى" أو
" ترائى " ككائن بشريّ ، أو بدى وكأنه يشعر بالجوع ، والعطش و الألم ،
وبدى وكأنه ينزف ،ويموت. وحيث إن يسوع كان هو الله ، فلا يمكنه أن يكون إنسانا على
وجه الحقيقة. وإنما ببساطة جاء إلى الأرض في " مظهر " لحم بشري. ربما
كان الفيلسوف المُعَلِّم مرقيون هو أشهر الظهوريين من قرون المسيحية الأولى.
♀نحن نعلم أن مسيحيي ماقبل الأرثوذكسيّة أرادوا أن يؤكدوا على الطبيعة
المادية الحقيقية لمغادرة يسوع للأرض : لقد غادر يسوع بشكل مادي ، وسيعود ثانية
بصورة مادية ، ليأتي بالخلاص المادي معه .وهكذا قاموا بمجادلة الظهوريين ، الذين
تمسكوا بأن هذا كله كان ظهورا . من المحتمل أن ناسخا كان له مشتركا في هذه
النزاعات قام بتحرير نصه لكي يؤكد على هذه المسألة .
♀ الناحية الثالثة التي كانت محط اهتمام مسيحيي ماقبل الأرثوذكسية الذين
عاشوا في القرنين الثاني والثالث تتعلق بمجموعات مسيحية كان مفهومها عن المسيح ليس
باعتباره إنسانا فحسب (مثلما هو الحال مع التبنيين) أو إلها فحسب ( مثل الظهوريين
) وإنما ككائنين اثنين ، أحدهما إنسان تماما والآخر إله تماما . ربما يمكننا أن نطلق على هذا العقيدة
"الانقسامية" حول طبيعة المسيح
لأنها قسمت يسوع المسيح إلى اثنين : الإنسان يسوع ( الذي كان إنسانا تاما ) و
الإله المسيح (الذي كان إلها كاملا ).. وفقا لغالبية القائلين بوجهة النظر هذه ،
يسوع الإنسان كان مسكونا بصورة مؤقتة بالكائن الإلهي ،أي المسيح ،ما مكنه من
القيام بأعماله الإعجازية و بتبليغ تعاليمه
؛ لكن قبل موت يسوع ، فارقه المسيح ، مجبرا إياه على مواجهة الصلب وحده .
♀ لدينا من الأدلة القوية ما يجعلنا نفترض أن بعض الغنوصيين أخذوا هذه
الجملة الأخيرة التي قالها يسوع على معناها الحرفيّ - أي التي قالها عند الصلب،
وهي الجملة "إلوي ،إلوي ،لما شبقتني ؟" ،التي تترجم كالآتي:"إلهي ،
إلهي ،لما تركتني ؟" -، لكي يثبتوا أن هذه اللحظة هي التي انفصل فيها المسيح
ذو الطبيعة الإلهية عن يسوع (حيث إن اللاهوت لا يمكن أن يذوق الفناء و الموت ).
[بيئات النص الإجتماعية]
♀ بعض الخصوم القدماء للمسيحية من بين الوثنيين ،بما فيهم ،على سبيل المثال
، سيلزس الناقد الذي عاش في أواخر القرن الثاني ، الذي التقيناه من قبل ، انتقد
الدين على خلفية أن أتباعه في الغالب كانوا من الأطفال ،والعبيد ،و النساء (أي من
هؤلاء الذين لم يكونوا في الغالب يتمتعون بمركز اجتماعي داخل المجتمع ). الغريب أن
أوريجانوس ،الذي كتب الرد المسيحي على سيلزس ، لم ينكر التهمة لكنه حاول أن يحولها
ضد سيلزس في محاولة لإظهار أن الله يستطيع أن يأخذ ما هو ضعيف وأن يكسوه بالقوة.
♀ النساء ، باختصار ، يبدو أنهن لعبن دورا هاما في الكنائس في عصر بولس .
إلى حد ما ، هذه المكانة العالية لم تكن بالأمر المألوف في العالم اليوناني
الروماني . وربما تكون هذه المكانة قد ترسخت ،كما أعتقد ،بإعلان يسوع أن المملكة
المزمع أن تأتي ستعتمد المساواة بين الرجال والنساء .
♀ من بين رفاق بولس في سفر الأعمال كان ثمة زوج وامرأته يسميان أكيلا
وبريسكلا ؛ عندما يتمُّ ذكرهما في بعض الأحيان ، يقدم المؤلف اسم الزوجة أولا ،
كما لو كانت تتمتع برتبة أعلى سواء من ناحية القرابة أو داخل المهمة التبشيريَّة
المسيحية (كما يحدث في رومية 16 : 3 كذلك ،حيث يطلق عليهم اسم بريسكا)..ليس
مفاجئًَا إذن أن يبدي النساخ أحيانًا امتعاضهم بسبب هذا الترتيب ومن ثمَّ يقومون
بعكسه ،حتى يحصل الرجل على ما يستحقه من خلال ذكر اسمه أولا : أكيلا و بريسكلا
بدلا من بريسكلا و أكيلا ..باختصار ، كان ثمة نزاعات في القرون الأولى للكنيسة حول
دور النساء ،و عند اللزوم تتسلل هذه النزاعات إلى عملية نسخ نصوص العهد الجديد
ذاته ، حيث غيَّر النساخ أحيانًا نصوصهم ليجعلوها تتوافق بصورة أكبر مع مفهومهم
الخاص عن الدور (المحدود) للنساء داخل الكنيسة.
♀ إحدى سخريات المسيحية في عصورها المبكرة أن يسوع نفسه كان يهوديًّا
عَبَدَ إله اليهود ،حافظ على العادات اليهودية ،فسَّر الشريعة اليهودية ،وكان له
تلاميذ من اليهود اتبعوه باعتباره المسيح اليهوديَّ . رغم ذلك ، وفي غضون عشرات
قليلة من السنوات فحسب بعد موته ، كان أتباع يسوع قد كوَّنوا ديانة وقفت من
اليهودية موقف النقيض .فكيف انتقلت
المسيحية بهذه السرعة من كونها طائفة يهودية إلى ديانة معادية لليهود ؟
♀ إطلاق اسم المسيح على يسوع كان بالنسبة لغالبية اليهود أمرًا يجلب على قائله السخرية . لم يكن يسوع
قائدًا مهاب الجانب لليهود . كان ضعيفًا و عاجزًا – تم إعدامه بأكثر طرق القتل
إذلالا و إيلامًا من بين ما ابتكره الرومانيون ،الذين هم أصحاب السلطة الحقيقية . رغم
ذلك ،أصرَّ المسيحيون على أن يسوع هو المسيح ، وعلى أن موته لم يكن إخفاقًا
للعدالة بل حدث تنبأ به الكتاب، و أنه حدث بترتيب من الله ، جلب عن طريقه الخلاص
للعالم .
♀ وعندما ننتقل إلى القرن الثاني نجد أن المسيحية واليهودية قد أصبحتا
ديانتين منفصلتين كليةً،لديهما على الرغم من ذلك الكثير لقوله بعضهما عن
الآخر.المسيحيون ،في الواقع،وجدوا أنفسهم وقد شكلوا نوعا من الرابطة . لأنهم كانوا
يؤمنون بأن يسوع كان هو المسيح الذي تنبأت به الكتب اليهودية المقدسة؛ ولكي تحصل
على المصداقية في عالمٍ يعتزُّ بكل ما هو قديم و يرتاب في أي شئ "جديد"
باعتباره بدعة مشكوك بها ،فقد كان على المسيحيون أن يواصلوا الاستشهاد بالكتب
المقدسة ـ باعتبارها أساسا لمعتقداتهم الخاصة . هذا كان يعني أن المسيحيين ادعوا
أن الكتاب المقدس اليهودي هو كتابهم المقدس الخاص . ولكن أليس الكتاب المقدس
اليهودي هو لليهود ؟ بدأ المسيحيون يصرّون على أن اليهود لم ينكروا فحسب مسيحهم
،وإنما أنكروا إلههم أيضا بذلك، وأساؤوا
فهم كتابهم المقدس أيضا. ولذلك نجد أن الكتابات المسيحية مثل ما عرف باسم رسالة برنابا ،وهو الكتاب الذي
اعتبره بعض المسيحيون الأوائل جزءا من قائمة العهد الجديدة الرسمية ، قد أكد أن
اليهودية كانت دائما ولا تزال ديانة باطلة ،وأن
ملاكا شريرا أضل اليهود ليفهموا الشريعة التي أعطاها الله لموسى بأنها
تعاليم حرفية تشرح كيف ينبغي أن يعيش الإنسان ،في حين أنها كانت من المفترض أن
تفسر في الحقيقة بشكل رمزي.
♀ غالبية المسيحيين كانوا وثنيين سابقين ، من غير اليهود الذين قد تحولوا
إلى الإيمان بالمسيحية والذين فهموا أنه على الرغم من أن هذا الدين كان مبنيًّا
،في الأساس، على الإيمان بإله اليهود كما ذكر نعته في الكتاب المقدس اليهودي ،إلا أنه كان ذا توجه
معاد لليهود تماما .
♀ بالنسبة للمسيحيين الأوائل كان ثمة مشكلتان ، في حقيقة الأمر ،تواجهان
هذا العدد ،في حال النظر إليه بهذه الطريقة . أولا ، تسائل المسيحيون ،ما الذي
يجعل يسوع يصلي لمغفرة ذنوب هذا الشعب المتمرد الذي رفض الله نفسه عن عمد ؟ هذا
الأمر كان من النادر أن يكون متصورا عند كثير من المسيحيين.بل أكثر من ذلك نقول،
إنه قريبا من القرن الثاني كان كثير من المسيحيين على قناعة تامة بأن الله لم يغفر
لليهود لأنهم ، كما ذكرت من قبل ،اعتقدوا أن الله سمح بأن تدمر أورشاليم كعقوبة
لليهود على قتلهم يسوع . يقول أوريجانوس أحد آباء الكنيسة :" صحيح أن المدينة
التي مر فيها يسوع بمثل هذه الآلام ينبغي أن تدمر بالكامل ، وأن الأمة اليهودية
ينبغي أن تباد "(ضد سيلزس 4 ،22). كان اليهود يعرفون جيدا ما كانوا يفعلونه ،
ومن الواضح أن الله لم يسامحهم . انطلاقا من وجهة النظر هذه ، ليس لدعاء يسوع
بالمغفرة من أجلهم أي معنى ، في الوقت الذي لم يكن ثمة غفران ممكن في حقهم .ماذا كان على النساخ أن يفعلوا،إذن، مع هذا
النص الذي يصلي فيه يسوع "أبتاه ،اغفر لهم ،لأنهم لا يعلمون ماذا
يفعلون"؟ تعاملوا مع النص ببساطة من خلال اقتطاع النص ،لكي لا يعود يسوع يطلب
لهم المغفرة .
♀ باقتراب منتصف القرن الثاني الميلادي، بدأ المسيحيون يلفتون انتباه
المفكرين الوثنيين الذين هاجموهم في مقالات كتبت للرد عليهم . هذه الأعمال لم ترسم صورة للمسيحيين أنفسهم بصورة سلبية ،وإنما
أيضا هاجمت المعتقدات المسيحية باعتبارها معتقدات مضحكة ( فهم على سبيل المثال
يدعون عبادة إله اليهود ، في حين يرفضون الالتزام بالشريعة اليهودية!) و بدأوا في
الغمز واللمز بالممارسات المسيحية باعتبارها ممارسات شائنة .
♀ في ميدان الهجمات الفكرية على المسيحيين ،كان ثمّ اهتمام ملحوظ
بيسوع كمؤسس لهذا الإيمان الجديد وسئ السمعة
مجتمعيًّا. حيث أشار الكتاب الوثنيون إلى أصله الوضيع و انتمائه إلى الطبقة الدنيا
تقريعا وسخرية بالمسيحيين على اعتقادهم بأنه كان مستحقا للعبادة ككائن إلهي. كان
يقال إن المسيحيين يعبدون مجرما مصلوبا ،ثم بغباء يؤكدون أنه كان بطريقة ما كائنا
إلهيا.
♀ أحد نقاط الخلاف الدائمة بين منتقدي المسيحية من الوثنيين و بين مفكريها
المدافعين عنها تتعلق بسلوك المسيح، وما إذا كان قد تصرف بطريق تليق بشخص ادعى أنه
ابن الله. يجب أن أؤكد أن ذلك لم يكن خلافا حول إمكانية تصور أن كائنا بشريا يمكن
أيضاً أن تكون له طبيعة إلهية بشكل ما. فتلك نقطة كانت محل اتفاق بين الوثنيين
والمسيحيين بشكل تام، حيث يعرف الوثنيون أيضاً قصصاً تحول فيها كائن إلهي إلى بشري
وتعامل مع الآخرين هنا على الأرض. القضية كانت هل تصرف يسوع بهذا الشكل الذي يبرر
الاعتقاد بأنه واحد من هذا النوع، أم، على العكس من ذلك، كان لمواقفه وتصرفاته
دورا في استبعاد إمكانية أن يكون بالفعل ابنا لله.
♀ لقد كان هذا سؤالاً يأخذه خصوم المسيحية من الوثنيين مأخذ الجد؛ فهم ،في
الحقيقة ، فهموا المسألة بشكل منطقي:
يسوع لا يمكن أن يكون ابنا لله إن كان
مجرد نجار. الناقد الوثني
"سيلسوس" سخر من المسيحيين في هذه النقطة تحديدا، حيث ربط بين الزعم بأن
المسيح كان "نجارا" وبين كونه قد صلب (على وتد من الخشب) وبين الإيمان
المسيحي بـ "شجرة" الحياة .
وكلما تحدثوا في كتاباتهم عن شجرة الحياة .. أتخيل أن سبب ذلك هو أن سيدهم
قد تم تثبيته على الصليب بالمسامير، وأنه كان يعمل نجاراً. فلو تصادف أنه ألقي به
من على منحدر أو إلى حفرة أو تعرض للشنق، أو لو كان إسكافياً أو بناءاً أو حداداً،
لكان ثمة منحدر للحياة فوق السماوات، أو
حفرة للقيامة، أو حبل للخلود، أو حجر مبارك، أو حديد للمحبة، أو جِلد مقدس. لو كان
ثمة امرأة عجوز تغني حكاية قبل النوم لطفلها ،أما كانت لتخجل من الهمس بمثل هذه
القصص ؟ (ضد سيلزس 6، 34)
[خاتمة]
♀ قناعتي هذه بأن النساخ قد حرَّفوا الكتاب تحولت إلى يقين يتزايد كلما
توسعت في دراسة النصوص أكثر فأكثر . وهذا اليقين أثّر على أسلوبي في فهم النصوص بطرق
كثيرة لا بطريق واحدة. وبشكل خاص، كما قلت في البداية، بدأتُ أنظر إلى العهد
الجديد باعتباره كتابًا بشريًّا محضًا . العهد الجديد على حالته الفعلية التي بين
أيدينا ، هو نتاج أيادٍ بشرية، أيادي النُسَّاخ الذين نقلوه . بعد ذلك بدأت أنظر
ليس فقط إلى النص المنسوخ باعتباره نصًّا بشريًّا محضًا، بل إلى النص الأصلي أيضًا
.
♀ وعلاوة على ذلك، فقد وصلت إلى مرحلة أصبحت أعتقد فيها أن وجهات نظري
المبكرة عن الوحي لم تكن عقلانية فحسب، بل هي على الأرجح وجهات نظر خاطئة .لأن
السبب الوحيد(حسب ما صرتُ أعتقده) الذي يجعل الله يوحي الكتاب المقدس، هو رغبته في
أن تصل كلماته إلى شعبه على صورتها الحقيقية ؛ لكنه إن كان حقا يرغب في ذلك ،لكان
عليه أن يحفظ هذه الكلمات من العبث بطريقة إعجازية، تمامًا كما أوحاها أول مرة
بطريقة إعجازية. وبناءا على حقيقة أنه لم يفعل ذلك ، فلا مفر من وجهة نظري من
استنتاج أنه لم يكلف نفسه مشقة إنزال الوحي ابتداءًا . كلما فكّرت مليًا في تلك
الأمور، كلما بدأت أنظر إلى مؤلفي العهد الجديد بالطريقة ذاتها التي أنظر بها إلى
النساخ الذين نقلوا إلينا فيما بعد ما كتبه هؤلاء المؤلفون .
♀ فكرة قيام لوقا بتغيير النص السابق عليه- والذي هو في هذه الحالة إنجيل
مرقس - لا يجعله في وضعٍ شاذٍ بين المؤلفين المسيحيين الأوائل. فهذا، في الحقيقة،
هو ما فعله كلُّ كتاب العهد الجديد – وأضف إليهم كل كُتَّاب الأدب المسيحي الموجود
خارج دفتي العهد الجديد، بل في الواقع كتاب كل أنواع الأعمال الأدبية في أيِّ
مكان. فهم يعدِّلون تقليدهم ويدونون كلمات التقليد على طريقتهم وبكلماتهم الخاصة.
♀ وعلى هذا النحو فإن النساخ قد حرفوا الكتاب المقدس بطرق لم نفعلها نحن.و
بصورة ما أكثر أساسيةّ نجد أنهم ،مع ذلك ،قد غيَّروا الكتاب المقدس كما نفعل نحن
في كل مرة نقرأه فيها ، إذ أنهم، مثلنا، كانوا يحاولون فهم ما كتبه المؤلفون،
وكانوا يحاولون أيضًا معرفة أهمية النصوص التي كتبها النساخ بالنسبة لهم، وكيف
يمكن أن تساعدهم في أن يجعلوا من حياتهم و أوضاعهم شيئا ذا معنى.
0 التعليقات:
إرسال تعليق