الفلسفة المسيحية (زينب الخضيري، كرم عباس)

• إن الحكمة الإنسانية في هذه الحياة الدنيا هي المجهود الذي يبذله الإنسان لمعرفة الله ولحبه مما يحقق له السعادة، وهي في الحياة الأخرى التأمل الهادىء لله الذي يحقق الغبطة (القديس أوغسطين)
• كما أنه لا يمكن لأحد أن يوجد ذاته بذاته، فكذلك لا أحد يمكنه أن يكون حكيماً بذاته، بل هو يكون كذلك بفضل النور الذي قيل عنه "كل حكمة تأتي من الله". (أوغسطين)
• تختص الحكمة بإدراك الأشياء الخالدة، بينما موضوع العلم هو ما تجعلنا الحواس نحس به، فبينما يختص العلم بمعرفة الأشياء الدنيوية (الزمانية) معرفة عقلانية، تختص الحكمة بمعرفة الأشياء الأزلية معرفة عقلية. (أوغسطين).
• العلم الحقيقي الذي يضع نفسه في خدمة العقيدة "هو معرفة كيف ننقل نفس مضمون الإيمان للنفوس التقية وكيف ندافع عنه ضد النفوس الملحدة.. إن هذا الجنب.. هو الذي ينبغي أن نخصه وحده بكلمة علم كما فعل القديس بولس. (أوغسطين)
• أؤمن لكي أتعقل، ولا أتعقل لكي أؤمن. (القديس آنسلم)
• إن أول مفاتيح الحكمة هو المثابرة على الأسئلة وتكرارها.. لأن الشك يؤدى بنا إلى البحث، والبحث يوصلنا إلى النتيجة. (بيتر أبيلارد)
• إن النظريات اللاهوتية لا تشترك مع النظريات الفلسفية في أي مبدأ من المباديء، فاللاهوت قائم بالفعل على الوحي، وعلى الإلهام لا على العقل. لا يمكننا إذن في الفلسفة أن نناقش المسائل اللاهوتية. (ألبرت الكبير)

==================================
▬ [..] وفي بعض النصوص يكاد أوغسطين يدعو المسيحيين الراغبين في معرفة الحكمة الحقيقية إلى الاعتراض عن العلم الدنيوي لأنه ليس علماً حقيقياً، يقول في الموجز "عندما نتساءل ما الذي يجب أن نؤمن به في مجال العقيدة فإن الأمر لا يتطلب التنقيب في الطبيعة على طريقة من يطلق عليهم اليونان اسم الطبيعيين. لا مجال إذن للخوف ألا يعرف المسيحي بعضاً مما يتعلق بخصائص العناصر وعددها، وبالحركة، وبنظام الكواكب.. وآلاف التفاصيل الأخرى الخاصة بالاكتشافات التي قاموا بها أو التي يتصورون أنهم قاموا بها، لأنهم هم أنفسهم (أي الطبيعيون) لم يكتشوا كل شيء بالرغم من امتياز عبقريتهم. لقد استخدموا لمعرفة بعض الأمور كل الحكمة الإنسانية واستخدموا لمعرفة البعض الآخر التجربة التاريخية، ولكن حتى فيما يفتخرون أنهم عرفوه فإن نصيب الرأي عندهم أكبر من نصيب العلم الحقيقي. صـ 12

▬ علاقة إرادة الله بإرادة الإنسان من أهم قضايا لاهوت التاريخ بشكل عام ومن أهم القضايا الأوغسطينية بشكل خاص. وقد لاحظ أوغسطين أن البشر يميزون بين الخير والشر ولكنهم لا يفعلون الخير دائماً، فأغلبهم يرغب في ذلك ولكنه لا ينجح. وعدد قليل فحسب هو الذي يفعل الخير. وفسر ذلك بأن الأهواء هي التي تعوق تحقيق الإنسان لإرادته وهي التي تكبل حريته. واستنتج أوغطسين من هذه الملاحظة النفسية أن الأهواء لابد وأنها هي التي تحكمت في آدم فارتكب الخطيئة الأولى. والله وحده هو الذي في إمكانه أن يساند الإنسان فيخلصه من هذه الأهواء ويجعله يختار الخير. وهذه المساندة هي ما يسميه الكتاب المقدس باللطف الإلهي. والله يخبرنا بوضوح أنه اختار من ينعم عليهم بلطفه وبالخلاص، وترك الآخرين ليضلوا فيكونوا ملعونين. وهو يعترف أن هذه الأفكار الصادمة لنا مما لا يمكن تعقله وكل ما نستطيع حياله هو الإيمان بها. إن مشكلتي الخطيئة الأصلية واللطف الإلهي من المشاكل التي لا تحتمل التأويل لأن ما ورد بصددها في الكتاب المقدس واضح تماماً. صـ 24 ، 25

▬ لقد ذهب أوغسطين كما سبق أن بينّا إلى أن البشرية انقسمت منذ آدم بالقوة وبدءاً من قابيل وشيث بالفعل إلى نوعين من البشر. نوع يحب الله ويضحي من أجهل بكشل شيء، وهو يكون مدينة الله، ونوع يحب الذات والدنيا ومتاعها، ويضحي من أجلها بكل شيء حتى بالله، وهو يكون مدينة الأرض، ولقد جعل أوغسطين شيئاً رمزياً لمدينة الله بدلاً من هابيل مع أنه الأحق بهذا الشرف، وذلك حتى يضفي معقولية على تأويل التاريخ. فكيف يمكن الإدعاء أن هابيل كان هو رأس مدينة الله وهو الذي قتل من قبل أن ينجب أي لم تكن له ذرية؟ وكان الحل هو جعل شيثاًً الذي أنجبه آدم بعد مقتل هابيل هو رمز هذه المدينة إذ كانت له ذرية يقول "إن سلسلتي الأجيال التي تبدأ الأولى من شيث والأخرى من قابيل تمثلاً بنظاميهما المنفصلين المدينتين المعنيتين هنا، المدينة السماوية الغريبة على هذه الأرض، والمدينة الأرضية التي لا رغبة لها ولا يذوق إلا لمباهج الحياة. والمدينتان متزامنتان في هذه الحياة الدنيا تعايشان زمناً واحداً. هو ما يسميه بالعصر الرديء قاصداً بالطبع عصر ما بعد الخطيئة. يقول" إن كل المساحة الزمانية التي يطلق عليها اسم العصر المليء بوفيات الموتى وميلاد الذين يلونهم تكون مسار هاتين المدينتين". وهما مختلطان بشدة كما سبق أن قلنا عند حديثنا عن استحالة التمييز بينهما في هذه الحياة الدنيا... صــ 46 ، 47

▬ ينطلق القديس أنسلم في بحثه للعلاقة بين العقل والإيمان من المبدأ الأوغسطيني الشهير "أؤمن لكي أتعقل"، فالعقل لاحق عنده على الإيمان، والفهم نتيجة للاعتقاد وليس سبباً له. يقول أنسلم في كتابه العظة: "أعترف يا رب، وأحمدك، أنك خلقت صورتك في نفسي، أتذكرها، وأفكر فيها، وأحبها. ولكن هذه الصورة قد تأثرت واضطربت بسبب أخطائي. باتت غامضة بدخان خطاياي، وأصبحت غير قادرة على أن تفعل ما خُلقت لأجله. وستظل كذلك ما لم تجددها وتصلحها. أيها الرب، أنا لا أحاول أن أصل إلى علوك، لأني لا أستطيع أن أعد عقلي لذلك، ولكني أرغب ببعض الفهم لحقيقتك، تلك الحقيقة التي أعتقد قلبي فيها، وأحبها. وذلك لأني أسعى إلى التعقل كي أؤمن به، ولكن أؤمن لكي أفهم. وفي هذا أؤمن أيضاً بأني "مالم أؤمن فإنني لن أفهم". صــ 68

▬ لقد كان توما الأكويني أكثر إداركاً للمشكلة من أنسلم، وعرف أنه حتى يستطيع الدفاع عن المسيحية، وحتى يستطيع أن يؤسس اللاهوت المسيحي على أسس عقلانية، كان عليه أن يميز بين مجال الإيمان ومجال العقل، بل على العكس، فتلك الحقائق الإيمانية تتجاوز القدرات الطبيعية للعقل البشري بحيث يستحيل على هذا العقل تأسيسها في حدود العقل. ومن هنا انطلق رأي توما الأكويني بأن الفلسفة يمكن أن تكون "خادمة للاهوت". أما أنسلم قد آمن بأن كل ما في العقيدة يمكن البرهنة عليه من خلال العقل، وقال أنه حتى "التثليث" يمكن فهمه بلغة عقلانية. صـ  69

▬ البرهان الأنطولوجي للقديس أنسلم على وجود الله، والتي أيدها البعض وعارضها البعض: لو الوجود الأعظم موجوداً في الذهن فقط، لما استحق كونه وجوداً أعظم، بل لابد أن يكون موجود في الواقع، ولذلك يقول أنسلم "عندما يفكر الرسام مسبقاً فيما سوف يقوم برسمه، فإنه يكون موجود في ذهنه. ولكنه لا يعتقد بأن ما لم يرسمه بعد موجود بالفعل. ولكن عندما يقوم برسم اللوحة، فإن ما رسمه يوجد في عقله، ويفهم أن ما أنتجه موجود الآن. ولذلك، فإن حتى الأحمق، يجب أن يكون مقتنعاً أن الوجود الذي لا يمكن تصور وجود أعظم منه، يمكن الاعتقاد بوجوده على الأقل في ذهنه، لأنه حينما يسمع هذا فإنه سوف يفهمه، وأي شيء يتم فهمه يكون موجوداً في الذهن. ولكن من الواضح أن الوجود الأعظم الذي لا يمكن التفكير في وجود أعظم منه لا يمكن أن يوجد في العقل وحده، لأنه كما هو موجود في العقل بالفعل، يمكن الاعتقاد أنه موجود في الواقع أيضاً، فهذا أعظم".  وإذا قلنا عن كائن إنه موجود في الخارج إلى جانب وجوده في الذهن، فإن هذا القول يضيف إلى الكائن صفة كمال أكبر. فإذا نظرنا إلى الفكرة التي في ذهننا عن الكائن الذي لا يمكن أن يتصور أكبر منه، وجدنا أننا إذا قلنا إنه موجود في الذهن فحسب لكان هذا الكائن أقل كمالاً من كائن آخر موجود في الذهن وموجود في الخارج. ومعنى هذا وجود كائن أكمل من أكبر كائن يمكن أن يُتصور، وهذا خلف. إذن فالكائن الذي لا يمكن أن يُتصور أكمل منه لابد أن يوجد في الخارج أيضاً وهذه الفكرة التي لدينا عن أكبر كائن يمكن أن يُتصور هي حقيقة مطابقة لموجود حقيقي هو الله. وعن هذا الطريق نستطيع أن نقول إن الله موجود. صــ 78

▬ يشار إلى أبيلارد بوصفه صاحب النزعة العقلية الأعنف في تاريخ اللاهوت المسيحي، فقد وثق بالعقل ثقة مطلقة، ورأى أن كل عقائد المسيحية بلا استثناء يمكن فهمها في حدود العقل، أو وفقاً لسياق عصره، تعريضها للجدل، وقد أدى هذا الإخضاع للعقائد المسيحية للعقل، أن تتعرض العقائد المسيحية الثابتة - في عصره - إلى هزة عنيفة بسبب آرائه. وإن كان القديس توما الأكويني - صاحب اللاهوت الطبيعي والمذهب العقلي في المسيحية - قد استثنى بعض عقائد المسيحية من التبرير العقلي، فإن أبيلارد لم يستثنِ أية عقيدة أو حقيقة مسيحية إلا وعرضها للجدل، وخرج فيها برأي جديد. وهذا ما أدى إلى تعريضه لمساءلة مجمعين، والحكم في نهاية الأمر بالتزام الصمت من جانب الباب نفسه... ويعتمد أبيلاد في موقفه على العلاقة بين العقل والإيمان على مبدأ أن الحق لا يمكن أن يناقض الحق، وهو نفسه المبدأ الرشدي الذي وجد أعظم تعبير له بعد ذلك عند القديس توما الأكويني في القرن الثالث عشر. صــ 97

▬ كثيراً ما كان ينتهي ألبرت الكبير في فلسفته إلى نتائج تتعارض بشدة مع العقيدة وعندئذ كان يقول أن ما يقدمه في كتبه الفلسفية لا يعبر عن فلسفته الشخصية فما هو إلا مجرد عارض لآراء الفلاسفة، أما فلسفته فالبحث عنها يكون في كتبه اللاهوتية. رأينا ونحن بصدد معالجة مشكلة التوفيق عنده أن هذا الموقف يحير دارس فلسفته. ومن الموضوعات الهامة التي تعارضت مع أفكاره فيها مع ما جاء في العقيدة مسألة أصل المخلوقات أو أصل العالم. فبينما تؤكد العقيدة المسيحية أن المخلوقات بتعددها قد خُلقت دفعة واحدة ومباشرة بواسطة خلق الله، فإن ما يسميه ألبرت بالفلسفة المشائية (وهي الأرسطية المتأثرة بالأفلاطونية المحدثة) ترى أن الكثرة توجد في الكون بواسطة معلول أول هو العقل الأول. تمسك آلبرت كمسيحي بما جاء في العقيدة وعرض من ناحية أخرى فلسفة المشائين مدعياً أنه مجرد عارض لها ولا يعني هذا أنه يؤمن بها. صــ 125

▬ يمكننا الوقوف على نظرية توماس الأكويني فيما يتعلق بالعلاقة بين الفلسفة والدين لابد من الوقوف في رأيه بالنسبة لمصادر المعرفة أو الحقيقة عند كل من الفيلسوف واللاهوتي المتفلسف. إن مصدر الحقيقة الوحيد عند الفيلسوف هو العقل. أما اللاهوتي فلديه مصدران للحقيقة، العقل، والإيمان بالحقيقة الموحية من قبل الله والتي تعد الكنيسة هي مفسرتها. إن الفلسفة هي البحث عن الحقيقة بواسطة العقل، أما اللاهوت فيعتمد على معطيات مستقلة عن العقل، أي على معطيات لا يمكن للعقل تعقلها إذا ما عرفها كما لا يمكن البرهنة عليها، وهذا مما يحول تماما دون امتزاجها. فبينما تستنبط الفلسفة براهينها من مهايا الأشياء وبالتالي من علل الأشياء ذاتها، يعتمد اللاهوت على العكس دائماً في براهينه على العلة الأولى لكل الأشياء، أي على الله.. ميز توماس إذن بين مجالي الفلسفة والدين (أو علم اللاهوت) وبالرغم من هذا رأى أن هناك مجالاً مشتركاً بينهما ألا وهو اللاهوت الطبيعي أو ما نسميه نحن بمبحث الإلوهية الميتافيزيقي، وإن اختلفا في المنهج. إن الفلسفة تبدأ من عالم الخبرة لترتفع بالعقل حتى تصل إلى معرفة الله، وما تتوصل إليه من المعرفة بالله هو القدر الذي يمكن أن يعرف به الله من قبل المخلوقات. أما علم اللاهوت المقدس فيبدأ من الله كما كشف هو عن نفسه. والمنهج الطبيعي للاهوت هو البدء بمعرفة الله، من حيث هو في حد ذاته، ليمكن معرفة المخلوقات بعد ذلك، بدلاً من الصعود من معرفة المخلوقات إلى معرفة الله كما تفعل الفلسفة (الميتافيزيقا). صــ 143 ، 144

▬ ذهب القديس توماس إلى أنه لا يمكن البرهنة على قدم العالم، فهل خطى خطوة للأمام وحاول البرهنة على حدوث العالم وهو الموقف الذي يتخذه عموماً الأوغسطينيون؟ لا، بل رأى القديس توماس أن هذا الموقف غير مقبول منطقياً! إن خلق العالم في الزمان لا يمكن استنتاجه بالضرورة لا من النظر في العالم ذاته، ولا من النظر في إرادة الله، إلا أنه يمكننا الاعتقاد، حتى إذا لم نستطع البرهنة على ذلك، أن العالم قد بدأ لأن العقيدة تقول لنا ذلك، لقد وقف إذن القديس توماس موقفاً وسطاً بين الرشديين الذين يؤكدون قدم العالم، وبين الأوغسطينيين الذين يؤكدون حدوثه بأن قال بإمكانية بدء العالم في الزمان وبإمكانية قدمه أيضاً.. فلسفياً بالطبع، ويمكننا تلخيص موقف القديس توماس كالآتي: إن الفلسفة إذا كانت عاجزة عن البرهنة على ما تؤكده العقيدة أي عن إثبات أن له بداية فإنها تستطيع مع ذلك أن تهدم البراهين التي قدمها بعض الفلاسفة على قدم العالم. صــ 156

▬ يطلق القديس توماس الأكويني على علاقة الله بمخلوقاته اسم المشاركة ولا تفترض هذه الفكرة أي معنى من معاني وحدة الوجود بل هي على العكس تستبعد ذلك تماماً. فالمشاركة تعني الخير الذي يربط الخالق بالخليقة كما تعني في نفس الوقت الفارق بينهما والذي حال دون اندماجهما. وقد توحي المشاركة لأول وهلة بأن الخليقة تشارك الله في الوجود، إلا أن هذا ليس صحيحاً، لأنها في الحقيقة تعني استمداد الخليقة لوجودها من الخالق، مما يدل على أن الخليقة ليست هي الخالق، بل هي أقل مرتبة منه. إن العالم يوجد دون أن يحدث أي تغيير في الماهية الإلهية، وهو لم يصدر عن الله بحكم الضرورة الطبيعية بل يصدر عنه نتيجة لإرادته وتعقله .. إن الله يعلم كل آثاره الخارجية أو كل مخلوقاته قبل أن يخلقها وفق إرادته. وعلاقة المشاركة هي علاقة المخلوقات بالله وليست علاقة الله بمخلوقاته لأن ذلك مستحيل حقيقة وإن كان ممكناً "اعتبارياً" كما يقول القديس الأكويني. صــ 166

▬ كان المذهب الأرسطي في رأي سيجر دي برابانت هو المذهب الفلسفي الذي يقدم الحقيقة العقلية المطلقة، ولذا يمكننا القول أن سيجر كان الوحيد من بين كل مؤلفي القرن الثالث عشر الذي قدم لنا فكر أرسطو الحقيقي بدون خلط، وبدون تشويه، وبدون حذف. كانت الأرسطية في كتابات ألبرت الكبير وبالذات في كتابات توماس مصطبغة بصبغة أفلاطونية محدثة. وقدر جردها هذان اللاهوتيان من العديد من قضاياها الأساسية، مما جعلها تبدو وكأنه في الإمكان التوفيق بينها وبين تعاليم الكنيسة الكاثوليكية. أما سيجر وأمثاله الذين انتموا لمدرسة ابن رشد فقد رجعوا للأرسطة الخالصة.. ونعتقد أن سيجر كان يؤمن بضرورة الفصل التام بين الفلسفة والدين وقد أخذ هذا الموقف بلا شك عن ابن رشد، وكان هدفه الحقيقي معالجة الموضوعات الفلسفية بعيداً عن أي تأثير ديني. صــ 178


▬ يختلف سيجر في موقفه من العلاقة بين الفلسفة والدين عن ابن رشد. إن سيجر لم يلجأ للتوفيق بين الفلسفة والدين على أساس أنهما تعبيران مختلفان عن حقيقة واحدة. بل فعل ذلك وهو يؤمن بأن التعارض بينهما إذا وُجد فهو تعارض حقيقي. وأن الحقيقة الوحيدة في هذه الحالة هي الفلسفة، إلا أنه كان لابد من التوفيق بين المجالين حتي لا يصيبه بطش رجال اللاهوت. لقد آمن كل من سيجر وابن رشد بأرسطو إيماناً مطلقاً، ولكن بينما استطاع ابن رشد أن يخلص فكر المعلم الأول من براثن علماء الكلام، وأن يفرض فكره بفضل التوفيق المعتمد على التأويل، اختار سيجر موقفاً سلبياً تماماً وهو التراجع الظاهري عن  فكر المعلم كلما دعت الحاجة لذلك... صــ 182

  • Digg
  • Del.icio.us
  • StumbleUpon
  • Reddit
  • RSS

1 التعليقات:

غير معرف يقول...

أشكركَ على هذه النقول الثرية ، و أرجو منكَ - إن كان عندكَ متسعٌ من الوقت - أن تقوم بتصوير هذا الكتاب للدكتورة زينب الخضيرى ، والأمر كذلك بالنسبة لكتابها الآخر فلسفة التاريخ .
و أشكركَ مرة أخرى على جهودكَ .

إرسال تعليق