جمهورية أفلاطون (أحمد المنياوي)


• إهتمام الفلاسفة، الذين كتبوا مدناً فاضلة انصب على قضية تربية حاكم المدينة ووجوب تميزه بخصال علمية ثقافية وأخلاقية. تمكنه من إدارة البلاد على الوجه الأكمل..
• في اللغة اليونانية كلمة جمهورية لا تُعني بلداً بل تُعني الآداب والأخلاق. فالكتاب هو جواب وإثبات أفلاطون على السؤال أيهما أفضل، أن تكون عادلاً أم ظالماً. الإجابة بسيطة ولكن الإثبات صعب جداً.
• لا يظهر أفلاطون في الكتاب ولكن أفكاره وآراءه هي مجسدة في سطور (سقراط). هذا الأسلوب أدى إلى جعل موضوع فلسفي سهل للفهم والإستيعاب مما يلفت النظر في أسلوب أفلاطون هو الطريقة المنظمة والتدريجية في سرد أفكاره.
• شبه أفلاطون طبقات المجتمع بالنفس حيث العاقلة المريدة والمشتهية وقد قدم أول مفهوم للشيوعية التي تخص طبقة الملوك الفلاسفة حيث تنزع ثروتهم ويحدد لهم دخل ثابت ويمنعون من الزواج لأنهم مرجعية كاملة كتشريع وقضاء وحكم.
• يعتقد أفلاطون أن الإنسان يميل بطبعه إلى التعدي أكثر من العدالة، والدولة ينبغي أن تُعلم الأفراد حب العدالة.
• ويقسم الإنسان إلى : الرأس وفيه العقل، وفضيلته الحكمة - القلب، وفيه العاطفة، وفضيلته هي الشجاعة. - البطن، وفيه الشهوات، وفضيلته هي الإعتدال.
• وهذا النظام (الديمقراطية) يستهوي العقول، لكن الواقع أن الناس ليسوا أكفاء بالمعرفة والتهذيب ليتساووا في إختيار الحكام وتعيين الأفضل، وهنا منشأ الخطر.
• يقول: إن أفضل دولة هي التي فيها العقل يكبح جماح الشهوات والعواطف.
• الناس إذا لم يهدهم العلم كانوا جمهوراً من الرعاع من غير نظام، كالشهوات إذا أُطلق العنان لها.
• الدمار يحل بالدولة حين يحاول التاجر الذي نشأت نفسه على حرب الثروة أن يصبح حاكماً، أو حين يستعمل القائد جيشه لغرض ديكتاتورية حربية...
• ثم من غير (خدع ولا إنتخابات) يُعين هؤلاء الناس حكاماً للدولة (أي طبقة الحكام)، ويصرف هؤلاء نظرهم عن كل شيء آخر سوى شؤون الحكم، فيكون منهم مشرعون وقضاء وتنفيذيون. ولا تقل أعمارهم عن خمسين سنة، وهي سن النضوج والحكمة كما يقول سقراط.
• يقول سقراط : إن العدالة هي ليست القوة المجردة، وهي ليست حق القوي، إنما هي تعاون كل أجزاء المجتمع تعاوناً متوازناً فيه الخير للكل.
• لم يقف الإنسان عند حد معين في طموحه، من أجل الإرتقاء، والعيش في حالة معينة، تسبغ عليه السعادة في جميع مناحي الحياة. إنه فكر في إيجاد المدينة الفاضلة، التي تتميز بتقديم الخيرات للإنسان، وتبعد عنه الشرور.
• هؤلاء الفلاسفة كتبوا مدنهم الفاضلة بإخلاص وحماس وإتقان، بحسب ثقافة كل واحد منهم، وبحسب المكان الذي وجد فيه، والعصر الذي إحتواه، وما فيه من تقلبات وأحداث.
• المجتمعات في رأي أفلاطون تسعد إذا ما حكم الملك الفيلسوف.
• إذا كان من الصعب أن يكون الملك فيلسوفاً، فلا بأس، أن يتفلسف الملوك. هذا يعني أن يتزود حكام المدينة بالحكمة، كي يديروا شؤون الدولة على الوجه الأكمل.
• هكذا نجد أن الفيلسوف هو نواة عصره وخلاصة الحضارة الإنسانية. يأخذ بمقدار ما تيسر له من الإطلاع على الثقافات، ويعطي ما يقدر على إعطائه، بحسب ما تزوده معارفه متقدر عليه طاقاته الإبداعية من خَلق وعطاء.
• ولا شك أن كل المدن الفاضلة التي كُتِبَت بعد جمهورية أفلاطون، قد تأثرت بهذا الكتاب، بكثير أو قليل..
• لقد اهتم الفلاسفة، الذين كتبوا مدناً فاضلة بتربية حاكم المدينة ووجوب تميزه بخصال علمية وثقافية وأخلاقية، تمكنه من إدارة البلاد على الوجه الأكمل.
• يعتقد أفلاطون أن الشعب لا يمكن أن يكون قوياً ما لم يؤمن بالله وهو إله حي يستطيع أن يحرك الخوف في القلوب التي استولت عليها الأنانية الفردية ويحملها على الإعتدال في نهمها وشرهها وبعض السيطرة على عواطفها.
• قيل له (أفلاطون): من أجهل الناس ؟ فقال: أعجبهم برأيه، وأقنعهم بتدبيره دون رأي غيره وترك مخالفة نفسه والمتقحم في الأمور بحسن ظنه.
• الملك هو كالنهر الأعظم تستمد منه الأنهار الصغار: فإن كان عذباً عذبت وإن كان مالحاً ملحت. (أفلاطون)
• ليس ينتفع بالعلم سارق له ولا محتال فيه لأن هاتين الرذيلتين لا تكونان إلا في نفس قبيحة النظام لا يزكو فيها العلم ولا يتم. (أفلاطون)
• كثير من المحبين يجعلون شهوة الجسد هدفهم الأول..في هذه الحالة تنتهي صداقتهم يوم ينتهون من إرضاء شهوتهم. (أفلاطون)
• يعتبر أفلاطون أن الصراع أزلي بين منظومة قيم الخير والشر، ومعظم التيارات الدينية والسياسية تستمد مفاهيمها وقيمها الأساسية من تلك المنظومتين لتحشد المناصرين لها.
• العدالة لدى أفلاطون تأتي من كونه لا يريد أن تصدر الدولة قراراً ظالماً بحق أي شخص، بعد كل ما حصل لسقراط العظيم. إنه يريد أن تعاقب المجرم لا البريء وتكافيء الإنسان الخيِّر لا الشرير.
• لقد رأى أفلاطون أنه حتى الديمقراطية يمكن أن تحمل في طياتها بذور الطغيان والتعصب والظلم إذا لم تقدها القوانين العادلة والحكيمة.
• أكد أفلاطون بصريح العبارة، أن العبيد واهمون حينما يعتقدون في المساواة، لأن العدالة لا يمكنها أن تكون كذلك أبداً لأن الناس خلقوا غير متساوين بطبعهم.
• العدالة عند أفلاطون مرتهنة بالقدرة على الحكم وفرض الأمر الواقع..
• يعتقد أفلاطون أيضاً بلزوم وجود قانون مكافحة ومعاقبة الملحدين، وأساس ذلك إنكار وجود الآلهة، وإنكار أن الآلهة تعني بأمر وسلوك البشر، والإعتقاد بأن الإلهة ترضى بسهولة عما يُرتكب من الذنوب وجزاء الكفر السجن. وقد يكون الإعدام في الأحوال الخطيرة.
• الجدير بالذكر أن أفلاطون لا يفرق بين الرجال والنساء، بل يرى أن يُعامل الجميع "رجالاً ونساءً" معاملة واحدة. أما بالنسبة للعبيد فإن أفلاطون لم يصنفهم في أي من الطبقات الثلاث. فقد تركهم خارج هذه الطبقات. وعدهم "أدوات ناطقة من أدوات الإنتاج".
• يشترط أفلاطون أن يعيش الحكام وهم من الفلاسفة معيشة مشتركة ولا تكون لهم ملكية خاصة ولا تكون لهم روابط عائلية فلا يتزوجون ولا يكونون عائلات، أي أن أفلاطون يلغي الملكية ويلغي العائلة بالنسبة لطبقة الحكام وطبقة الجنود (الحراس).
• تجدر الإشارة إلى أن أفلاطون قد وقف موقفاً صريحاً ضد الربا، حتى إنه أباح عدم سداد المال الذي يتم إقتراضه بفائدة. وهذا ناتج عن الظروف الإقتصادية السائدة في تلك المرحلة وبخاصة ما يتعلق بإنخفاض الإنتاجية وتخلف القوى المنتجة.
• يرى أفلاطون ألا تسمح الحكومة بالزواج إلا للزوجين الذين تخمن أن ينجبا ذرية موهوبة، هذا إلى جانب إهتمام الحكومة وإشرافها على أدق شؤون الحياة الزوجية وتنظيمها.
• يقول أفلاطون بمنع عمل المواطن في التجارة لأنها من إختصاص المستوطنين الأجانب أو الصناعة لأنها من إختصاص العبيد وهم طبقتان في أسفل الهرم الإجتماعي.
• ولم يحبذ التوسع الإستعماري لأنه ينهك المواطنين والدولة..
• الفضائل عند أفلاطون أربعة وهي : الحكمة - الشجاعة - العفاف - العدالة.
• الفضيلة عند أفلاطون - كما اتضح - زهد تتساوى فيه بنظر الإنسان الملذات والآلام، فالتخلص منها هو السبيل إلى السعادة.
• من عادة المُحبِّين أن يبالغوا في الثناء على كلام المحبوب وأفعاله حتى لو جانب الصواب إما خوفاً من إثارة كراهيته، وإما لأن شهوتهم تضلل أحكامهم.
• يرى أفلاطون أن كرامة النفس تكمن في تأديبها من شهواتها إلا ما تسمح به الشرائع وإن كان في ذلك أذى في عاجل الحال.
• يقول أفلاطون بأن النفس نزلت من عالم الأبدية يعني هذا أن الروح لها وجود سابق على الجسد..
• الكثير من أفكار أفلاطون في كتابه "الجمهورية" المتعلقة بمفهومه لدور المرأة تبدو في غاية البديهية في مجتمعات إنسانية كثيرة في هذا الوقت من الزمن، إلا إنها كانت تعد مفاهيم ذات إحتواء ثوري إجتماعي في العادات اليونانية في مجتمع أثينا في فترته الزمنية.
• يرى أفلاطون على لسان سقراط أن إعادة الروح الإنسانية إلى المرأة لا تتم إلا بالإنتفاع الكامل منها في الدولة والمجتمع وهذا في حد ذاته لا يحدث إلا إذا حررت المرأة من السجن المنزلي والدور المرسوم لها قبل ولادتها.
• يدعو أفلاطون أيضاً إلى أن يكون الأطفال ملكية عامة للمجتمع بمعنى أن يكون المجتمع كله مسؤولاً عن هؤلاء الأطفال لا الوالدين فقط.
• عندما يتحدث أفلاطون عن القصص الأسطورية، فإنه يشير، صراحة، إلى الشعراء وخاصة أشعار "الإلياذة والأوديسة"، التي يعتبرها تروج لأساطير غير حقيقية عن الآلهة والحياة، ومن ثم فهي تساهم في إفساد عقل الطلف وتدخل الرعب في ذاته.
• يلح أفلاطون على أن هذا العلم (الرياضيات) يجب أن يتعلمه كل إنسان قبل غيره من العلوم.
• ليست الرياضيات تخصصاً وإنما هي فرع معرفي مشترك يهيء لمراحل عليا.
• تتجاوز الرياضيات حيز العمليات اليومية العملية لتتحول إلى "رياضة عقلية" تهدف إلى تعويد العقل والنفس على السمو.
• ليست الرياضيات هدفاً في ذاته، بل هي في أبسط صورها وسيلة للعمل، وفي أعلى صورها وسيلة للنظر العقلي.
• إن الجدل في المنظور الأفلاطوني يمكن أن يكون ذا قيمة عليا معرفياً، بل وهو غاية كل تعليم عالٍ، ولكنه يمكن أن يتحول إلى معرفة دنيئة لا تهدف إلا إلى المغالطة.
• إن "الديالكتيك" يكون أساسياً عندما يُعلم بطرق ملائمة وفي المرحلة الملائمة، أما عندما يُلقن بطرق غير مناسبة وفي مرحلة ليست هي مرحلته فإنه يؤدي مفعولاً عكسياً.
• عندما يتم تعليم "الديالكتيك" في مرحلة غير مؤهلة له فإنه لا يؤدي إلا إلى المماحكة الكلامية، والجدل العقيم..
يقول أفلاطون: إن بداية التفلسف هي إمتلاك القدرة على مغادرة الكهف ورؤية الحقيقة بأكبر قدر من الوضوح.
• إن أفلاطون قرر إلغاء هذا الجسد (جسد المرأة) نهائياً بحيث يكون فقط (آلة تفريخ) مجرد أداة للإنجاب، وهكذا أصبحت جميع الصفات التي أراد أفلاطون أن تكتسبها المرأة بعد (تحررها) هي صفات رجولية.
• لم تكن كراهية أفلاطون لجسد الكرأة هي التي دفعته إلى تحويلها رجلاً فهو يكره الجسد بما هو كذلك، ولا يثق أصلاً في الظواهر الحسية التي هي في أحسن الأحوال ظلال للحقيقة.
• لقد تبين أفلاطون في آخر الأمر أي حين لم يعد التأمل وحده يكفي لتحقيق أغراضه، أن الإلتجاء إلى الحواس أمر ضروري لا للتعرف على عالم المحسوسات فقط، وإنما أيضاً للتعرف على عالم المجردات..
• يفرض أفلاطون بين الفضيلة الفلسفية والفضيلة التقليدية، فالفضيلة الفلسفية تقوم على التفكير وفهم الأساس الذي قام عليه العمل الفاضل ولكن الثانية تقوم على التقليد أو العطف والغريزة وما نحو ذلك ويراها أفلاطون مجرد فضيلة النمل والنحل.
• يرى أفلاطون أن السعادة مرتبطة بعالم المُثُل وأنا التثقيف بالعلوم والفنون والتمتع بلذائذها النقية السامية.
• أما عن المرأة فكان يراها أحط من الرجل وأنها فقط للتناسل، أما الصديق الطبيعي للرجل فهو الرجل، كما أجاز الإسترقاق ويراه طبيعياً.
• يرى أفلاطون أن الغرض من الدولة هي إسعاد الأفراد للوصول إلى الحكمة والفضيلة والمعرفة، وأن خير وسيلة لإعانة الأفراد للوصول إلى تلك الغايات هي التربية، فالتربية هي من أهم واجبات الدولة.
• يرى أفلاطون أيضاً أن على الدولة أن تراعي مصلحة المجموع لا مصلحة الفرد وأن تكون الثورة شائعة بين الأفراد كذلك النساء والأولاد، والدولة تملك الأولاد منذ ولادتهم.
• لقد وضع أفلاطون فرضياته من أجل غاية سياسية وهي إعادة الأرستوقراطية إلى السلطة، وكل الفلسفة الأفلاطونية في خدمة هذه الغاية.
• إن الذي يمدحك بما ليس فيك وهو راضٍ عنك، يذمك بما ليس فيك وهو ساخط عليك! (أفلاطون)
• لكي تكون عظيماً لا بد أن يُساء فهمك. (أفلاطون)
• إن نظرية المحاكاة تعد من أقدم وأهم النظريات التي كان لها دور فعال في تطوير حركة النقد الأدبي والتي كان أفلاطون أول من نادى بها - في الفن - في كتابه الجمهورية.
• يرى أفلاطون أن الشعر إلهام، فالشاعر لا يصدر عن العقل؛ لأن مصدره إلهي محض، حيث يفقده الإله شعوره ليتخذه واسطة، فكأن الإله هو الذي يحدثنا بلسانه..
• يثبت أفلاطون وجود الله بدليلين هما: 1-دليل الحركة. 2-دليل النظام.
=================================================
▬ نلاحظ أن أفلاطون على الرغم من أنه كان يسعى إلى تكوين شعب سعيد، ينعم بالحرية والرفاه، ومع أن كتابه عرف بجمهورية أفلاطون، على أنه كاد يخصص لتربية رئيس المدينة. أفلاطون كان يهدف إلى تربية الملك الفيلسوف. لأن المجتمعات - في رأيه - تسعد إذا ما حكم الملك الفيلسوف. صــ10

▬ الدولة المثالية بناء على أفلاطون مكونة من ثلاث طبقات، طبقة إقتصادية مكونة طبقة التجار والحرفيين، طبقة الحراس وطبقة الملوك الفلاسفة يتم إختيار أشخاص من طبقة معينة يتم إخضاعهم لعملية تربوية وتعليمية معينة يتم إختيارا لأشخاص الأفضل ليكونوا ملوكاً فلاسفة حيث استوعبوا المُثُل الموجودة في علم المثل ليخرجوا الحكمة. ربط أفلاطون طبقات المجتمع مع فضائل إجتماعية معينة مثلاً طبقة التجار والحرفيين مرتبطة بفضيلة النفس، طبقة الحراس مرتبطة بالشجاعة وطبقة الملوك الفلاسفة مرتبطة بالحكمة، وفضيلة العدالة مرتبطة بكل المجتمع حيث عا لفصل مهام الطبقات. صــ27

▬ يقول سقراط في المحاورات أن الطمع وحب المزيد من الترف هي العوامل التي تدفع بعض الناس للتعدي على الجيران وأخذ ممتلكاتهم، أو التزاحم على الأرض وثراوتها، وكل ذلك سيؤدي إلى الحروب. ويقول إن التجارة تنمو وتزدهر في الدولة، وتؤدي إلى تقسيم الناس بين فقراء وأغنياء، وعندا تزيد ثروة التجارة تظهر منهم طبقة يحاول أفرادها الوصول إلى المراتب الإجتماعية السامية عن طريق المال، فتنقلب الدولة، ويحكمها التجارب وأصحاب المال والبنوك، فتهبط السياسة، وتنحط الحكومات وتندثر. ثم يأتي زمن الديمقراطية، فيفوز الفقراء على خصومهم ويذبحون بعضهم وينفون البعض الآخر ويمنحون الناس أقساطاً متساوية من الحرية والسلطان. لكن الديمقراطية قد تتصدع وتندثر من كثرة ديمقراطيتها، فإن مبدأها الأساسي تساوي كل الناس في حق المنصب وتعيين الخطة السياسية العامة للدولة. وهذا النظام يستهوي العقول، لكن الواقع أن الناس ليسوا أكفاء بالمعرفة والتهذيب ليتساووا في إختيار الحكام وتعيين الأفضل، وهذا منشأ الخطر. صــ29

▬ إن الملفت للنظر أن أغلب الذين كتبوا في هذا الشأن كانت تنقصهم الخبرة العملية، إن من يدعون إلى تكوين مدينة فاضلة، جدير به أن يمارس الحياة السياسية عملياً من أجل أن تكون خبرته متكاملة، لا أن يقتصر على التأمل الفكري وما يكتنزه من خزين ثقافي، النظرية شيء والواقع شيء آخر. أفلاطون كتب (جمهورية أفلاطون) وهو في الحقيقة المدينة الفاضلة، وهو منعزل عن المجتمع من حوله في بستان أكاديموس، يحاور طلبته ويكتب الكتب. القديس أوغسطين هو الآخر متقوقع في غرفته ليصور روما على أنها مدينة فاضلة. الفارابي لم يمارس الإدارة ولا السياسة عملياً، بل إنه اقترح آراءه الفلسفية للمدينة فاضلة، وهو منعزل في بستان قرب مدينة حلب. ولعل توماس مور، الذي كتب كتابه المدينة الخيالية (يوتوبيا)، بعد أن مارس السياسة وزيراً للملك هنري الثامن. كتابه هذا يعالج كثيراً من المشكلات الإقتصادية ويدعو إلى الإصلاح في إقتراحات عملية. ربما لهذه الأسباب أعدمه الملك هنري الثامن. صــ36

▬ كثيراً من الفلاسفة اليونان قد تأثروا بالحضارات المصرية والهندية والعراقية القديمة. كتاباتهم ونظرياتهم تشهد بذلك. منهم من سافر إلى بلاد وادي الرافدين ودرس فيها مثل فيثاغورث، ومنهم من سافر إلى مصر مثل أفلاطون. الفيلسوف، كل فيلسوف، وعلى مدى تتابع العصور ، ينهل من مختلف الثقافات والحضارات لتحقيق وحدة عملية يرتكز عليها، بعد أن استوعب تراث عقول الإنسانية، ليخرج بعد ذلك إلى الملأ بنظرية جديدة، منسقة متماسكة. صــ40

▬ يعتقد أفلاطون أن الشعب لا يمكن أن يكون قوياً ما لم يؤمن بالله وهو إله حي يستطيع أن يحرك الخوف في القلوب التي استولت عليها الأنانية الفردية ويحملها على الإعتدال في نهمها وشرهها وبعض السيطرة على عواطفها. وفوق ذلك إذا أُضيف على الإيمان بالله والإيمان بوجود حياة أبدية في الآخرة، لأن الإيمان بالحياة الأخرى يمدنا بالشجاعة في مواجهة الموت وتحمل موت أحبائنا ويتضاعف تسلحنا إذا كنا نحارب بإيمان على فرض إستحالة إثبات هذا الإيمان بالله واليوم الآخر. وقد يكون الله بعد كل شيء المثال الذي شخصه حبنا وأملنا وان الروح مثل الموسيقي القيثار تغنى مع الآلة التي أدتها شكلها. صــ45

▬ لقد رأى أفلاطون أنه حتى الديمقراطية يمكن أن تحمل في طياتها بذور الطغيان والتعصب والظلم إذا لم تقدها القوانين العادلة والحكيمة. ألم يقتلوا "سقراط " بإسم الديمقراطية؟ ألم يحكموا عليه بتجرع السم بعد محاكمة جماهيرية ساهمت فيها معظم الفئات في أثينا؟ ألم يصدر الحكم بناء على تصويت شعبي حر؟ ومع ذلك فقد كان حكماً جائراً لأن الناس كانوا مُضللين وخاضعين لقوانين خاطئة. فالقوانين العادلة لا يمكن أن تحكم على شخص كسقراط بالموت. القوانين العادلة لا يمكن أن تدين البريء وتبريء المجرم الحقيقي. صــ73

//الفقرة التالية لا أتفق معها مطلقاً..وأرى أن المشكلة كانت بالأساس (مشكلة لغوية)..والعدالة من وجهة نظري، نعم ، هي إعطاء كل ذي حق حقه، ويبقي الخلاف مسألة لغوية فلسفية تصويرية مفاهيمية...//

▬ يبدأ سقراط بمحاولة تعريف العدالة إستناداً إلى ما قاله عنها سيمونيدس، أي "قول الحقيقة وإعطاء كل ذي حق حقه". هذا التعريف مشكوك في ملاءمته، لأنه يجعلنا نلحق الضرر بأعدائنا، مما يعني جعلهم، بالتالي، أسوأ وأظلم. كذلك أيضاً يستبعد تعريف السفسطائي ثراسيماخوس الذي قال بأن "العدل" هو ما ينفع الأقوى..صــ80

▬ هناك سؤال يطرح نفسه كيف يصل أفلاطون إلى تحقيق الدولة بطبقاتها الثلاث؟ الجواب هو "عن طريق التربية". 1-نأخذ الأطفال عند الولادة وندخلهم دور الحضانة ونهتم بتربيتهم لنبقي على الأطفال الأصحاء والقضاء على الأطفال الذين توجد بهم عاهات وعلل. 2-وبعد فترة يبدأون بتلقي الدروس كتعليم القراءة والكتابة، ومزاولة الرياضة، والإستماع إلى الموسيقى. 3-وبعد سن الثانية عشر يجب أن يكون هناك إمتحان، الذي ينجح: سوف يواصل دراسته، والذي تخلف يجب أن يترك المدرسة ويتوجه إلى الحياة العامة لأنهم سوف يشكلون الطبقة العامة. 4-والناجحون سوف يواصلون دراستهم حتى السن الثانية والعشرين فيعطون المزيد من المسائل الرياضياتية والشعر الحماسي الذي يدعو إلى محبة الوطن والشجيع الحماسي. 5-وبعد سن الثانية والعشرين سيعقد إمتحان آخر لهؤلاء الشباب..الناجحون منهم سيواصلون تعليمهم ليكونوا الطبقة الثالثة طبقة الفلاسفة والحكام أو (الملوك) والراسبون منهم فإنهم يكونون طبقة الحراس الذين يقومون بمهمة الدفاع عن الوطن وحفظ النظام في الدولة وأيضاً الطبقة الثالثة الناجحون منهم يواصلون دراستهم حتى السن الثانية والثلاثين وعند ذلك سوف ينقطعون عن وضع القوانين لأنهم برأي أفلاطون ليسوا عرضة للخطأ. صــ83

▬ يعتمد أفلاطون في تحليله لأشكال الفعل الإنساني جملة من التصورات المستمدة من فلسفته العامة القائمة على ثنائية العالم الذي يضم عالمين هما: عالم المُثُل حيث الحقيقة المطلقة التي تنطوري على معايير الحق والخير والجمال في إطلاقها، ويسود فيه العدل المطلق. وعالم الواقع الذي يعيش فيه الناس ويتواصلون مع بعضهم بعضاً. ويتبادلون التعاون بأشكال مختلفة، ويعتمدون في ذلك على حواسهم بشكل رئيسي. صــ115

▬ إن فن الحوار والجدل، أو لنقل الديالكتيكا، هو ما يسمح للنفس بأن تترفع عن عالم الأشياء المتعددة والمتحولة إلى العالم العياني للأفكار لأنه طريق هذه الديالكتيكا المتصاعدة نحو الأصل، يتعرف الفكر إلى العلم إنطلاقاً من الرأي الذي هو المعرفة العامية المتشكلة من الخيالات والإعتقادات وخلط الصحيح بالخطأ. هنا تصبح دراسة الرياضيات، ذلك العلم الفيثاغورثي المتعلق بالأعداد والأشكال، مجرد دراسة تمهيدية؛ لأنه عندما  نتعلم الرياضيات "من أجل المعرفة، وليس من أجل العمليات التجارية" يصبح بوسعنا عن طريقها "تفتيح النفس للتأمل وللحقيقة". لأن الدرجة العليا من المعرفة، التي تأتي نتيجة التصعيد الديالكتيكي، هي تلك المعرفة الكشفية التي نتعرف عن طريقها إلى الأشياء الجلية .صــ119

▬ لقد كان مركز المرأة في مجتمع أثينا في القرن الرابع قبل الميلاد أعلى مقداراً شعرة من منزلة العبيد المسترقين الذين كانوا جميعاً ملك أسيادهم. طبقات الرجال التي حكمت المجتمعات والمنازل. كانت نساء أثينا ملكاً لرجالهم يورثن كما تورث البيوت والعبيد والماشية. كان وجودهن يعتبر عدماً وبلا معنى إلا لخدمة غرضين تحيا النسوة وتموت لأجلهن ألا وهما: 1-الأمومة والتي أُعتبرت أسمى وأهم دور لوجود وقصارى ما تستطيع بذله للمجتمع. 2-الخدمة العامة لرعاية الرجل والعائلة في المنزل وتعلن فنون الطبخ الوخدمة في تنظيف البيت. صــ120

▬ يحتل التعليم الموسيقي والتربية البدينة المكانة الأساسية في هذا التعليم الأولي، غير أن إنجاز هذه المهمة يتطلب في نظر أفلاطون تنقية عقول الأطفال مما ترسخه الحكايات الأسطورية، هذه الحكايات التي لها مفعول سحري يصادف فراغ ذهن الطفل مما يسهل رسوخه، فالإتجاه نحو الموسيقى وتربية الجسم يقتضيان أن يمهد لهما بتعويد الطفل على سماع ما يؤهله لما هو جميل وسام، يقول أفلاطون على لسان سقراط: "ذلك لأن الطفل لا يستطيع أن يميز الأسطوري من الواقعي، ولا شك أن كل ما يتلقاه ذهنه في هذه السن ينطبع فيه بعمق لا تمحوه الأيام ولذا كان من أخطر الأمور أهمية أن تكون أولى القصص التي تطرق أسماع الأطفال سامية للأفكار الفاضلة. صــ128

▬ إذا كانت الرياضيات هي ما ينبغي أن يتعلمه المُتلقي الأفلاطوني، فلأن ذلك مرتبط بأمور حيوية، ذلك أن ممارسة شؤون الحياة مهما كانت بساطتها. وإتقان جميع أنواع المعارف... كل ذك يتوقف، بمعنى ما، على الرياضيات، على العلم الذي يهيء لنا شروط التمييز في أولى صوره، ولذلك يلح أفلاطون على أن هذا العلم يجب أن يتعلمه كل إنسان قبل غيره من العلوم .. ليست الرياضيات تخصصاً وإنما هي فرع معرفي مشترك يهيء لمراحل عليا، بالنظري إلى كونها تمثل أساساً لكل تعلم، فإن الرياضيات، في هذه المرحلة، تحتل درجة الضرورة، ضرورة ما دام باقي أنماط التعلم تتوقف عليها، وضرورة لأن من يريد حسن التمييز، وضبط إستعمال عقله لا يتأتى له ذلك إلا بهذا العلم، وليس غريباً، تبعاً لما سبق، أن نجد أفلاطون يضع إتقان الرياضيات كشرط للإنخراط في الأكاديمية، وبالتالي للتفلسف. صــ132

▬ يقول أفلاطون:"ومن أهم الإحتياطات أن نمنعهم من ممارسة الديالكتيك وهم لا يزالون في حداثتهم، ولعلك لاحظت من قبل أن المراهقين الذين تذوقوا الديالكتيك لأول مرة يسيئون استعماله، ويتخذونه ملهاة ولا يستخدمونه إلا للمغالطة، فإذا ما قام أحد بتفنيد حججهم فإنهم يحاكونه ويفندون حجج الآخرين على نفس النحو، شأنهم في ذلك شأن الجرو الذي يجد لذة في جذب كل من يقترب منه وتمزيق ملابسه". صــ134

▬ وقد جاء في جمهورية أفلاطون أن أصول البشر مخلوقات مستيديرة كروية الشكل برأي واحد ووجهين وأربع أقدام وأربع أيدٍ وأربع آذان وزوج من الأعضاء التناسلية. كانت تلك المخلوقات قوية جداً تتحرك بسرعة كبيرة بالتدحرج حول نفسها. وقد حرضها إحساسها بقوتها تلك على التفكير في إرتقاء السماء لمحاربة الآلهة، الأمر الذي دفع بزيوس إلى معاقبتها، بشطرها إلى نصفين اثنين قصد إضعافها، قبل أن يطلب من أبولون أن يعيد ترقيتها وتسويتها (على طريقة العمليات التجميلية) حتى أخذت شكلها الذي نعرفه اليوم. بعد قسمة تلك الكائنات إلى نصفين، شعر كل نصف بالحنين إلى نصفه الآخر الذي انشطر عنه، فأخذ يبحث عنه بين الأنصاف المنفصلة، وعندما كان يجد أحدهما نصفه الآخر، كانا يرتميان في أحضان بعضهما البعض ويتعانقان بقوة. هكذا ومنذ حادثة الفصل تلك يحبث كل نصف عن الإتحاد بنصفه الآخر من أجل إعادة تركيب ذلك الكائن الفريد!! صــ154


▬ نجد في شخصية أفلاطون وفكره السياسي أنه أقرب إلى الخيال من عالم الواقع لكنه تحول إلى الناحية العلمية الواقعية في آخر سني حياته وكان يعتقد أن العدل من أساس الملك وأن الحكم فن بحت لا يجيده إلا من اكتسب خبرة ومراناً فيه كما أنه أثر الإعتدال دائماً ليضمن الحرية. كما شدد على أهمية الفضيلة في بناء الدولة وأهمية التربية والتعليم ويعتبر من أهم المفكرين السياسيين أنصار مصلحة الجماعة أي الدولة على مصالح الأفراد الخاصة أي الأقلية. صــ213


  • Digg
  • Del.icio.us
  • StumbleUpon
  • Reddit
  • RSS

4 التعليقات:

غير معرف يقول...

merci

غير معرف يقول...

merci

غير معرف يقول...

برسي

غير معرف يقول...

اعطوني شذرات من فلسفة ابن رشد حول المدينة الفاضلة

إرسال تعليق