نحن والغرب عصر المواجهة أم التلاقي ؟ (حازم الببلاوي)


• على حين يرى البعض إخضاع الدنيا للدين يؤكد البعض الآخر أن الدين لله والوطن للجميع، وأن هناك إستقلالاً بين المجالين، يتقاربان فيه ولكنهما لا يتطابقان.
• هناك مشاكل متراكمة في نظم التعليم كما تحمل الموروثات القيمية السائدة العديد من العادات والسلوكيات البالية التي لم تعد تتناسب مع العصر.
• إن علاقتنا بالغرب عميقة ومرتبكة تتضمن من عناصر التقارب بقدر ما تحمل من عناصر التعارض.
• ليس للتاريخ قراءة وحيدة واضحة، بل هناك أكثر من قراءة، والعاقل من استنبط قراءة صحيحة، تصلح زاداً لمستقبل أكثر فاعلية وقدرة. والعاجز من أوقع نفسه في قراءة تُقيِد وتعرقل تقدمه.
• هل نريد اللحاق بالغرب أم القضاء عليه؟ أو لعلنا نريد الوقوف أمامه ومعه من الندية؟
• ينبغي أن نتذكر أن العلاقة بين الغرب والشرق ليست مجرد هم يشغلنا وحدنا بل إنه يشغل الغرب أيضاً.
• نعم، الغرب يبدأ في الشرق، هكذا يرى الغرب نفسه. فهو في غروره وإنكفائه على ذاته يرى نفسه مركز العالم والتاريخ. وهذا التاريخ كما يحدده الغرب لنفسه يجد جذوره في الشرق.
• إذا كان الغرب هو وريث الحضارة الإغريقية، فإن هذه الحضارة تلقت تعليمها الأول على يد الفراعنة في مصر.
• إذا كان التاريخ لم يخبرنا بأن بلدان الشرق قد عبدت الإله زيوس أو جوبتر، فإن عبادة إيزيس وأوزوريس كانت شائعة في روما.
• من الشرق - في فينيقيا - عُرِفَت الأبجدية ومنها إنتقلت - ربما عبر كريت - إلى اليونان.
• هكذا، نجد مصر والشرق في صلب التاريخ الديني للغرب كما كانا بداية لتاريخه المدني. فالغرب قد خرج - في وعيه التاريخي - من أحشاء الشرق.
• لقد كان دخول الفُرسْ إلى الإسلام مصدراً لتطورات عميقة لحقت بدولة الإسلام من الداخل، وبدأت تظهر الشيع والأحزاب، ولم يلبث أن ثأر العنصر الفارسي لنفسه مع سقوط الدولة الأموية وقيام  الدولة العباسية.
• وكما كان ظهور الإسلام وتوسعه صدمة غير متوقعة للروم في القرن السابع، فقد جاءت الحروب الصليبية صدمة عكسية وأمر غير متوقع لدى المسلمين في القرن الثاني عشر.
• لم يُخطيء ماركس كثيراً عندما أكد أن دين الرأسمالية هو مزيد من الأرباح وتراكم رأس المال. وبدا أن "الساسية" تخضع "للإقتصاد". وأصبح الغرب هو الصناعة، هو الرأسمالية، على الأقل بشكل أساسي.
• لم تكن الثورة الصناعية ممكنة بدون ثورة علمية وفكرية، تعتمد على حرية الفكر والإبداع والبحث العلمي.
• لقد كانت حضارة ما بين النهرين وحضارة وادي النيل منارة العالم وطليعة مسيرتها.
• وها نحن منذ عدة عقود نخطوا أعتاب ثورة ثالثة في المعلومات والإتصالات تكاد تمثل نقلة أخرى في حياة الإنسان لا تقل خطورة أو أثراً عن الثورتين السابقتين عند إكتشاف الزراعة والصناعة.
• هكذا تحول الصراع القومي المحلي إلى جزء من اللعبة العالمية والصراع بين الكتلة الغربية بزعامة الولايات المتحدة في صنف إسرائيل، والكتلة الشرقية بزعامة الإتحاد السوفييتي في صنف العرب.
• إذا كان الحديث عن الشرق والغرب هو حديث عن المشارب والقيم والسلوك والمزاج العام، فإن حقائق الحياة تُشير إلى تفرقة أخرى مادية وملموسة هي التفرقة بين من يملكون مصادر الثروة والمعرفة والإمكانيات، وبين من لا ملكون.
• إن الثورة الصناعية قامت في الغرب، في حين فشل الشرق في مجاراة هذه الثورة الصناعية في وقتها.
• لقد أدت غلبة المعلومات على الإقتصاد إلى تحول الإقتصاد العيني إلى إقتصاد رمزي يتم التعامل فيه مع الأشياء من خلال رموز ومؤشرات في شكل أسهم وسندات وحقوق وخيارات مالية.
• لعل أقرب الأشياء للعولمة هو التراث الإنساني في المعرفة والفنون، فهو ملك للإنسانية جمعاء.
• إن من لا ماض له، لا مستقبل له. ولكن الحق أيضاً أن من ليس عنده سوى التاريخ فلا حياة له.
• ليس الغرب شراً دائماً كما أن الشرق ليس خيراً فقط، ففي كل منهما الخير والشر. الغرب ليس كله شياطين، كما أننا لسنا كلنا ملائكة.
• لقد إقترح (صمويل هنتجتون) في كتاب صراع أو صدام الحضارات في عام 1997 بضرورة إقامة نظام عالمي لتجنب حتمية الصراع أو التخفيف من حدته.
• ولعله أحد قوانين الطبيعة أن يحاول القوي إستغلال الضعيف، وليس ذلك حكراً على حضارة دون الأخرى، فهو يكاد أن يكون قانوناً إنسانياً.
• حرية الفرد والجتمع هي المعجزة الوحيدة التي تفتح الطريق أمام المشروعات الحضارية الكبرى.
• لقد أدت منجزات الثورة التكنولوجية إلى توسيع آفاق الفرد وإزالة حواجز الزمان والمكان في نفس الوقت الذي زادت فيه وحدته وإنعزاله.
• لقد نجحت إسرائيل في توظيف الحرب الباردة ومن ورائها الصراع العربي/الإسرائيلي لصالحها.
-------------------------------------------------------------------------
▬ يواجه العالم العربي ونحن على أعتاب القرن الحادي والعشرين وولوج ألفية جديدة، تحديات في عالم لم يعد يتساهل مع الضعف أو الجهل، وينبغي بالتالي أن نتسلح بكل وسائل المعرفة في جميع الميادين..هناك الكثير مما ينبغي عمله في الميدان الإقتصادي والسياسي، من حيث إعادة النظر في المؤسسات الإقتصادية والسياسية القائمة. هناك مشاكل متراكمة في نظم التعليم كما تحمل الموروثات القيمية السائدة العديد من العادات والسلوكيات البالية التي لم تعد تتناسب مع العصر. هذا وغيره من الأمور المعروفة والتي تعددت حولها الكتابات والآراء. ولكن إلى جانب هذا وذاك، هنالك بعض القضايا الفكرية التي غلبت على العقل العربي والتي ربما تستحق إعادة النظر. ومعظم هذه القضايا يتعلق بأمور يغلب على بعضها نوع من القداسة الكاذبة التي تحول دون مناقشتها مناقشة جادة ومسئولة، كما يحيط البعض الآخر نوع من الكسل العقلي الذي لا يسمح لنا بأكثر من ترديد بعض العبارات "الأكلاشية"، نظل نرددها دون إقتناع حقيقي وكثيراً دون فهم. صــ5

▬ عندما نتحدث عن الغرب فإننا نتحدث عن أنفسنا، نتحدث عن نحن المصريين، نحن العرب، نحن المسلمين، نحن دول العالم الثالث، نحن عالم الروح والأديان، نحن قيم الأسرة وكثرة العيال، ولكننا أيضاً عالم التخلف والخزعبلات. وكما أن هناك أكثر من غرب، فهناك أكثر من نحن، وربما الحقيقة أننا كل ذلك. فلا الغرب حقيقة واحدة واضحة، ولا نحن كذلك. ومع ذلك فإن ما بيننا وبين هذا الغرب كثير وملتبس. صــ10

▬ ومع إنحسار المسلمين في الغرب في إسبانيا، ظهرت قوة جديدة للإسلام في الشرق مع الدولة العثمانية، والتي استمرت في التوسع في وسط اوروبا حتى نهاية القرن السابع عشر حين فقدت حيويتها وبدأت في التدهور لتصبح رجل أوروبا المريض إلى حين إعلان وفاتها مع نهاية الحرب العالمية الأولى. صــ17

▬ تعطي ملحمة الإلياذة والأوديسا قصص أساطير الحروب القديمة كما استقرت في الذاكرة الإغريقية× وذلك فضلاً عن حروبها مع الفرس. وأخيراً استطاع فيلييب المقدوني أب الإسكندر ان يقضي على إستقلال المدن اليونانية. ولم يمض وقت حتى قضت روما على ما بقي من الإمبراطورية الإغريقية وكان آخرها في قرطاجة. وإذا كانت روما قد فرضت نوعاً من السلام الروماني على العالم القديم المعروف، فلم يكن ذلك إلا بالحرب وقوة السلاح. صــ17

▬ إن الثورة الصناعية والرأسمالية لم تكن مجرد توسع إستعماري، فقد صاحبها أيضاً تقدم إقتصادي كبير. ورغم ما ترتب على بداية الثورة الصناعية من آلام للطبقة العاملة ومن زعزعة للإستقرار الإجتماعي مع الهجرة الجماعية من الريف إلى الحضر، وتكدس المدن، وتدهور الأوضاع الإجتماعية، وقسوة ظروف المعيشة، فإن هذه الثورة قد جلبت أيضاً مكاسب كبيرة في زيادة الإنتاج لم تلبث أن انعكست على إرتفاع مستوى المعيشة، وإقامة شبكات المواصلات، والقضاء على العديد من الأمراض والأوبئة. ولم تكن الثورة الصناعية ممكنة بدون ثورة علمية وفكرية، تعتمد على حرية الفكر والإبداع والبحث العلمي. وإستطاع الإنسان بقدرة العلم على أن يطور البيئة ويطوعها لصالحه ولتحسين ظروف معيشته. ومكتسبات العلم بطبيعتها عالمية لا يمكن حصرها في مكان واحد. صــ22

▬ إذا كان الغرب قد بدأ برفع شعار الحرية وحقوق الإنسان والدعوة إلى المساواة، فمنه أيضاً ظهرت الدعوات للثورة على الرأسمالية والإستغلال. فالحركات الإشتراكية-على الأقل في مظهرها الحديث-هي أيضاً إنتاج غربي. فالثورة الصناعية والرأسمالية الأولى وما ولدته من مظالم خاصة للعمال لم تلبث أن أدت إلى قيام تيارات فكرية إشتراكية متعددة للتنديد بهذه المظالم. صــ24

▬ كثر إستخدام تعبير العولمة هذه الأيام حتى أصبح مبتذلاً أو كاد. والعولمة هو ذلك الإصطلاح الذي هب على العالم إثر إنتهاء الحرب الباردة وإختفاء الإتحاد السوفييتي ومعه معظم دول الكتلة الشرقية، كما لو كانت العولمة هي الوريث للحرب الباردة والصراع الأيديولوجي بين الغرب والشرق، وكأنما أسباب التطور التلقائي وتوسيع الأسواق قد ولدت فجأة في نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات من هذا القرن.. صــ32

▬ لعله قد يكون من المفيد أن نشير في البداية إلى ملاحظة عابرة متعلقة بالعقل الغربي، وهي التوجس الشديد من خطر التقهقر والأفول. وربما يكون المثال الواضح على ذلك هو كتاب شبنجلر عن "أفول الغرب" في العشرينات من هذا القرن. بل لعلنا نذكر أن مؤلف جيبون عن "سقوط وأفول الإمبراطورية الرومانية" كان إستجابة لنفس الهاجس، وبالمثل فإن كتابات توينبي عن "دراسة في التاريخ" كان مبعثها التساؤل عما إذا كانت حضارة الغرب محكوماً عليها - شأنها في ذلك شأن ما سبقها من حضارات - بالزوال والأفول. صــ36

▬ تواجه منطقتنا تحديات عديدة في هذا العالم الجديد. فهناك تحديات إقتصادية. فقد عاشت المنطقة طوال الفترة الماضية على نتاج الموارد الطبيعية-البترول في الفترة الأخيرة، وقبل ذلك المواد الأولية من قطن ومنتجات زراعية ومنجمية-وآن لها أن تستعد للمنافسة القادمة القائمة على العمل والإنتاجية ليس فقط من النمور الآسيوية بل من الهند والصين-وقد دخلا حلبة المنافسة-ومن أوروبا الشرقية وجمهوريات الإتحاد السوفيتي سابقاً. صــ58

▬ هُناك أيضاً في الجانب العربي من يرى أن السلام المعروض ليس سوى ستاراً للسيطرة الإسرائيلية. فكما أن الحرب هي استمرار للسلام بوسائل أخرى، فإن السلام المعروض على العرب هو إستمرار للهيمنة الإسرائيلية بوسائل جديدة أقل وضوحاً وإن لم تكن أقل خطورة. فالسلام المعروض هو تأكيد للهيمنة الإسرائيلية في الإقتصاد والسياسة بل وفي الثقافة. ومن ثم فإن مناهضة السلام الجديد المعروض هي مناهضة للسيطرة والهيمنة الإسرائيلية. صــ59


▬ إن تحدي السلام يطرح على العرب وإسرائيل قضايا بالغة الخطورة والدقة. فهم يعيشون معاً في إطار جغرافي واحد، ولكن الجرافيا لم تعد كما كانت. لقد زالت الحتمية الجغرافية وأصبح الإقتصاد-مع تضاؤل أهمية الموارد الطبيعية وتزايد أهمية العلم والمعرفة وغلبة أدوات الإتصال والمعلومات-أصبح عاملاً لا يقل أهمية وخطورة. فهل نحن بصدد نهاية الجُغرافية؟ ليس بعد. ولكن الجغرافيا وحدها-أو ما قيل عن عبقرية المكان-لم يعد كافياً، بل لا بد من توفير مؤسسات التقدم الإجتماعي في الإقتصاد والسياسة والثقافة، الأمر الذي يتطلب إعادة النظر في نظمنا السياسية والإجتماعية والإقتصادية..صــ61

  • Digg
  • Del.icio.us
  • StumbleUpon
  • Reddit
  • RSS

0 التعليقات:

إرسال تعليق