//في الكتاب بعض الأخطاء العلمية (الفيزيائية) والأفكار
الغريبة التي كانت سائدة في عصره لم أذكرها، ولكن كما هو معلوم أن العلم في تطور
دائم ، ومعظم ما هو موجود في كتابه تطبيق منهجه التجريبي على الكثير من الظواهر
الطبيعية خصوصاً ظاهرة الحركة والسكون وحالات المادة ودراسات الكميات المتناهية في
الصغر والكميات المفرطة في الكبر.//
• إن الناس لتُستدرّج بسهولة إلى الخلط بين الإستدلال الصحيح وبين الصدق أو
الحقيقة؛ ومن ثم تتدعَّم أخطاؤهم بفعل ذكائِهم نفسِه، وتترسخ أوهامهم بقدر
مهاراتهم المنطقية ذاتها!!
• إنه لمن الخَطَل والتناقض الذاتي أن نتوقع أن الأشياء التي لم تُنجَز
الآن على الإطلاق يمكن أن تُنجز؛ ما لم يكن ذلك بوسائل لم تُجرَّب حتى الآن قط.
• نسق المنطق الحالي يفيد في تثبيت وترسيخ الأخطاء (القائمة على الأفكار
السائدة) أكثر مما يفيد في البحث عن الحقيقة. ومن ثم فإن ضررة أكبر من نفعه.
• أريد لفلسفتي أن تنفذ بهدوء إلى العقول الممهدة لتلقيها. فلا محل
للدحوضات مادمنا نختلف في المباديء الأولى، وفي الأفكار ذاتها، بل وحتى في صور
البرهان.
• ليس أمامنا سوى طريقة واحدة بسيطة لطرح قضيتنا: هي أن نضع الناس وجهاً
لوجه أمام الجزئيات نفسها وأمام تسلسلها ونظامها المطرد.
• ثمة أربعة انواع من "الأوهام" تُحدِق بالعقل البشري. وقد قيضت
لكل منها اسماً بغرض التمييز بينهما. فأطلقت على النوع الأول "أوهام
القبيلة" وعلى النوع الثاني "أوهام الكهف" ، وعلى النوع الثالث
"أوهام السوق" وعلى الرابع "أوهام المسرح. (للتوضيح اضغط هنا).
• أني لأعتبر أن كل الفلسفات التي تعلمها الناس وأبتكروها حتى الآن هي أشبه
بمسرحيات عديدة جداً تُقدَّم وتؤدَّى على المسرح، خالقة عوالم من عندها زائفة
وهمية.
• إن أكبر عائق للفهم البشري على الإطلاق وأكبر زيغ إنما يأتي من بلادة الحواس
وقصورها وخداعها..
• لقد أخضع الفلسفة الطبيعية تماماً لمنطقه - يقصد أرسطو - فجعل منها شيئاً
خلافياً ولا خير فيه.
• تأتي العلوم التي لدينا، في معظمها، من اليونان، إذ إن ما أضافه الرومان
والعرب أو الكتَّاب الأحدث هو شيء قليل ومحدود الأهمية، ومبني كيفما كان على أساس
من كشوف اليونان.
• الهدف الحقيقي والمشروع للعلوم هو ان تزود الحياة الإنسانية بإكتشافات
وموارد جديدة.
• إن الإستقراء الذي ينطلق من التعداد البسيط هو شيء طفولي، استنتاجاته
قَلِقة وعُرضة للخطر من أي شاهد مضاد، وهو بصفة عامة يحكم بناء على عدد صغير جداً
من الوقائع.
• فليدرك الناس إذن الفرق الهائل بين أوهام العقل البشري وأفكار العقل
الإلهي. فما الأولى إلا تجريدات اعتباطية، أما الأخرى فهي طابع الخالق نفسه على
مخلوقاته، وقد انبطع على المادة وتحدد فيها بخطوط حقيقية رائعة.
• القضايا الجزئية تكون ذات قيمة عندما توازَن وتُقارَن بالقضايا الكلية.
• كلما كانت تمثلات الحواس نفسها أكمل وأدق سار كل شيء على نحوٍ أيسر
وأنجح.
• غير أن هذا العلاج (المنطق) يأتي متأخراً جداً بعد أن استفحل الداء وضاع
كل شيء. وأصبح العقل من خلال عادات الحياة اليومية ومداولاتها محشواً بمذاهب فاسدة
أوهام فارغة. هنالك يُسهم فن المنطق في تثبيت الأخطاء لا في كشف الحقيقة.
----------------------------------
◙ إن منهجي، على الرغم من صعوبته في التطبيق، سهل في الشرح، منهجي هو أن
نُرسي درجات متزايدة من اليقين..أن نستمر في الأخذ بشهادة الحواس، ونساعدها
ونحصنها بنوع من التصويب، ولكن نرفض، بصفة عامة، العملية العقلية التي تتلو
الإحساس؛ بل نفتح مساراً جديداً للعقل أكثر وثوقاً يبدأ مباشرة ً من الإدراكات
الحقيقية الأولى للحواس نفسها. كانت هذه بدون شك وجهة أولئك الذين اولوا المنطق
دوراً كبيراً. فمن الواضح أنهم كانوا يبحثون عن نوع من الدعم للعقل، ولا يأمنون
لعملياته الطبيعية التلقائية. غير أن هذا العلاج يأتي متأخراً جداً بعد ان استفحل
الداء وضاع كل شيء، وأصبح العقل من خلال عادات الحياة اليومية ومداولاتها محشواً
بمذاهب فاسدة وأوهام فارغة. هنالك يسهم فن المنطق، الذي وصل للإنقاذ متأخراً
وسُقِط في يده، يسهم في تثبيت الأخطاء لا في كشف الحقيقة. صــ9
◙ الإنسان هو الموَكِّل بالطبيعة
والمفسر لها. وهو بهذه الصفة لا يملك أن يفعل أو يفهم إلا بالقدر الذي تتيحه له
ملاحظته التي قام بها لنظام الطبيعة سواء كان ذلك في الواقع أو في الفكر وليس
بوسعه أن يعرف أو يعمل أكثر من ذلك...المعرفة البشرية والقدرة البشرية صنوان، لأن
الجهل بالعلة يمنع المعلول. ذلك أن الطبيعة لا يمكن قهرها إلا بإطاعتها، وما يعد
علة في مجال الفكرة النظري يعد قاعدة في مجال التطبيق. صــ16
◙ لا شيء صحيح في أفكارنا سواء في المنطق أو في الفزياء. فلا
"الجوهر" ولا "الكيف" ولا "الفعل" ولا
"العاطفة" ولا "الوجود" نفسه أفكاراً واضحة. وأقل منها وضوحاً
بكثير فكرة "ثقيل" ، "خفيف" ، "كثيف" ، "
رقيق" ، "رطب" ، "يابس" ، "كون" ، "
فساد" ، " جذب" ، "طرد" ، " عنصر" ،
"مادة" ، "صورة" ، وما إلى ذلك . كلها أفكار وهمية وغير
موجودة. صــ20
◙ ليس هناك، ولا يمكن أن يكون، سوى طريقتين اثنتين للبحث عن الحقيقة وكشفها
: الأولى تقفز من الحواس والجزئيات إلى أكثر المباديء عمومية، ثم تنطلق من هذه
المباديء، وقد سلمت تسليماً بصدقها، لكي تقرر المباديء الوسطى وتكشفها. وهذه هي
الطريقة الراهنة. أما الثانية فتستمد المباديء من الحواس والجزئيات ثم ترتقي في
صعود تدريجي غير منقطع حتى تصل في النهاية إلى أكثر المبادي عمومية. وهذه هي
الطريقة الصحيحة وإن لم يجربها أحد حتى الآن. صــ22
◙ يتفق منهجنا في بداية الطريق بعض الشيء مع منهج أولئك الذين أنكروا إمكان
الوصول إلى اليقين. غير أنهما يفترقان في النهاية غاية الإختلاف ويتعارضان كل
التعارض. فهم يذهبون ببساطة إلى أننا لا يمكننا أن نعرف شيئاً، وأنا أيضاً أذهب
إلى أننا لا يمكننا أن نعرف شيئاً يُذكر في الطبيعة بواسطة المنهج المستخدم الآن.
إلا أنهم يمضون إذاك لكي يدمروا سلطة الحس والفهم، بينما نمضي نحن لكي نبتكر لهما
مساعداتٍ ونزودهما بدعائم. صــ27
◙ الفهم الإنساني ليس مجبولاً من ضياء صرف، وإنما هو مُشرَب بالإرادة
والعواطف. من هنا تأتي المعرفة التي يمكن أن تُسمى "معرفة حسب الطلب"؛
فالإنسان أميَلُ دائماً إلى تصديق ما يُفضله. ولذا فهو ينبذ الأمور الصعبة لأنها
تُجشمه الصبر في البحث، وينبذ الإعتدال لأنه يضيق حدود أمله، ويبنذ التعمق في
الطبيعة لأنه - أي الإنسان - مرتهن للخرافة، ويرفض التجربة لأنه متغرطس مكابر يظن
أن العقل لا يليق به أن يهدر وقته في أشياء مبذولة متغيرة، ويرفض كل ما هو غير
تقليدي خوفاً من رأي العامة. صفوة القول أن العاطفة تدمغ العقل وتصبغه بطرائق لا
حصر لها، وطرائق خفية تند عن الإدراك بعض الأحيان. صــ36
◙ الفهم البشري يميل بطبيعته الخاصة إلى التجريد، ويفترض جوهراً (ثابتاً)
وواقعاً فيما هو عابر ومتغير. غير أنه أفضل لنا أن نُشَرِّح الطبيعة إلى أجزاء من
أن نجردها. وهذا ما فعلته مدرسة ديمُقريطس التي حققت تقدماً أكبر من غيرها في
إختراق الطبيعة. إن المادة، وليست الصور، هي ما ينبغي الإلتفاف إليه : المادة،
وبنيتها، وتغيرات هذه البنية، والفعل المحض وقانون هذا الفعل؛ أما الصور فما هي
إلا وهم العقل البشري، إلا إذا أطلقنا اسم "الصور" على قوانين الفعل.
صــ37
◙ إن "أوهام السوق" هي أكثر الأوهام إزعاجاً، تلك الأوهام التي
انسربت إلى الذهن من خلال تداعيات الألفاظ والأسماء. ذلك أن الناس يظنون أن عقلهم
يتحكم في الألفاظ، بينما الحقيقة أيضاً أن الألفاظ تعود وتشن هجوماً مضاداً على
الفهم. وهذا ما جعل الفلسفة والعلوم مغالِطة وعقيمة. لأن الألفاظ تكونت في معظمها
لكي تلائم قدرة العامة من الناس، وهي تحدد الأشياء بخطوط تقسيم تَسهُل على الذهن العامي.
وحالماً أراد الذهن أكثر حدة أو ملاحظة أكثر تدقيقاً أن تغير هذه الخطوط لتلائم
التقسيمات الأصوب للطبيعة فإن الألفاظ تعترض الطريق وتقاوم التغيير. ومن ثم تنتهي
الحوارات الرفيعة والجليلة، في كثير من الأحيان، إلى خلافات حول ألفاظ وأسماء. ولذا فمن الأسلم (اقتداء بحذر
علماء الرياضيات) أن نبدأ منها ونُضفي عليها النظام بإستخدام التعريفات. إلا أن
مثل هذه التعريفات لا يمكنها أن تُعالج هذا الخلل إذا كان موضوع الدراسة هو
الطبيعة والمادة، لأن التعريفات نفسها تتكون من ألفاظ والألفاظ تولِّد ألفاظاً.
ولذا فإن علينا أن نلجأ إلى شواهد محددة وإلى تسلسلها المطرد ونظامها..صــ42
◙ وهناك بعد صنف ثالث من الفلاسفة يحملهم ايمانهم ووقارهم على أن يخلطوا
فلسفتهم باللاهوت والتعاليم. من هؤلاء من بلغ بهم الغرور مبلغاً جعلهم يحاولون
اشتقاق العلوم من الأرواح والعفاريت. ثمة إذن ثلاثة مصادر للخطأ وثلاثة أنواع من
الفلسفة الزائفة : السوفسطائية، والتجريبية العشوائية، والخرافية. وأوضح مثل على
الصنف الأول من الفلاسفة هو أرسطو، الذي أفسد الفلسفة الطبيعية بمنطقه، وشيد العالَم
بمقولاته. صــ47
◙ وهناك مثال لافت على هذا بين اليونان نجده في فيثاغورث وإن كانت الخرافة
لديه فظة ثقيلة. ومثال آخر في أفلاطون ومدرسته حيث الخرافة أخطر وأرقى. وهذا الإثم
نجده أيضاً في جوانب من الفلسفات الأخرى، متمثلاً في القول بالصور المجردة والعلل
الغائية والأولى، مع إغفال كثير للعل الوسطى وما إليها. إن علينا أن نتخذ أشد
الحذر هنا، فليس ثمة ما هو أسوأ من تمجيد الخطأ، فحين تُؤلَّه فذلكم بلاء يحيق
بالفكر. وفي هذه الحماقة انغمس بعض المحدثين، وبغفلة متناهية حاولوا أن يؤسسوا
فلسفة طبيعية على الفصل الأول من سفر التكوين، وسفر أيوب، وأجزاء أخرى من الكتاب
المقدس، باحثين - هكذا - عن الموتى بين الأحياء. ومثل هذه الحماقة يجب أن توقف
وتُقمع بكل قوة فمن هذا المزج غير الصحي بين البشري والإلهي لا تنبثق فقط فلسفة
وهمية، بل دين هرطقي. ومن ثم فإن رأس الحكمة والإتزان أن نُعطي للإيمان ما هو
للإيمان ولا نَتَزَيَّد. صــ51
◙ وحتى هؤلاء الاقدمون لم يبرأوا تماماً من عيوب قومهم : فقد كانوا مأخوذين
بغرور وطموح لتأسيس مذهب وانتزاع إعجاب عام الناس. ولا تؤَمِّل خيراً في البحث عن
الحقيقة إذا تدنى إلى مثل هذه التفاهات. ولا ننسَ في هذا المقام ذلك الحكم بل
النبوءة، التي تفوه بها أحد الكهنة المصريين عن اليونانيين بأنهم "دائماً
أطفال، يعوزهم قِدَمُ المعرفة ومعرفة القِدَم". فهم بالتأكيد يشتركون مع
الأطفال في الميل إلى الكلام والعجز عن الإنجاب. فحكمتهم لفظية لا تُثمر نتائج.
وعليه فإن العلامات التي نتلقاها من منبع الفلسفة السائدة ومسقط رأسها هي علامات
غير مبشرة. صــ63
◙ صحيح أن صناعة الخيميائيين قد أثمرت بضع نتائج، ولكن ذلك حدث بالمصادفة
وبشكل عابر، أو من خلال تنوع تجاربهم (كما يفعل الميكانيكيون أيضاً) وليس على أساس
فن مقرر أو نظرية، فالنظريات التي تخيلوها تربك التجارب أكثر مما تُعنيها. كذلك حال
أولئك الذين انشغلوا بالسحر الطبيعي، كما يسمونه؛ فلم يقدموا إلا نتاجاً هزيلاً
وأقرب إلى الدجل، لذا، فمثلما نتعلم في الدين أن نظهر إيماننا في أعمالنا، فإن
المبدأ نفسه ينسحب على الفلسفة، فنحكم عليها من خلال ثمارها، فإذا كانت الفلسفة
عقيمة بلا نتاج فهي عبث لا نفع فيه، وهي، بعد، أكثر عبثاً إذا كانت بدلاً من ثمار
العنب والزيتون تُثمر قتاداً وأشواكاً من الجدل والمماحكة. صــ65
◙ المنطق لا يكتشف المباديء والقضايا الرئيسية التي تتألف منها الفنون، بل
يكتشف فحسب تلك القضايا التي تبدو متسقة معها. فإذا ما أخذك الفضول وألححت عليه في
السؤال عن براهينه على المباديء أو القضايا الأولى فلن تجد من المنطق سوى رد واحدٍ
معروف جيداً : وهو أن يُحيلك ثانية إلى الإيمان وقَسَم الولاء الذي ينبغي أن
يؤدَّى لمباديء كل فن على حدة. صــ75
◙ ولا يفوتنا أن نلاحظ أن الفلسفة الطبيعية كان لها خصم مزعج وعنيد في كل
عصر - ألا وهو الخرافة، والحماس الأعمى والمتطرف للدين، فنحن نرى بين اليونان أن
أولئك الذين كشفوا العلل الطبيعية للرعد والعواصف لأول مرة الأُناس لم يسمعوا قثط
عن هذا الشيء قد أُدينوا بالكفر. كما أن معاملة بعض آباء الكنيسة الأوائل لم تكن
افضل حالاً من أولئك الذين أثبتو بأوثق البراهين (بحيث لا يعترض عاقل عليها الآن)
أن الأرض كروية وبالتالي أكدوا وجود النقاط المتقابلة. صــ87
◙ علينا ألا نسمح للفهم بأن يقفز ويطير من الجزئيات إلى المباديء القصية
والشديدة العمومية (كتلك التي تُسمى "المبادي الأولى" للفنون والأشياء)،
ثم ينطلق منها - مسلماً بيقينها الذي لا يتزعزع - ليبرهن بها على المباديء الوسطى
وُيفصِّلها، وهو المتبع حتى الآن، إذ ان العقل ميال بطبعه لأن يفعل ذلك، بل هو
مدرب عليه ومعتاد، من خلال نموذج البرهان "القياسي". ولكننا لا نأمل
خيراً من العلوم إلا عندما ننتقل على سُلَّم أصيل صاعدٍ بدرجات متتالية بلا ثُغرات
أو كسور، من الجزئيات إلى المبادي الصغرى، ثم إلى المباديء الوسطى، الواحد تلو
الآخر، انتهاءً بالمباديء الأعم. صــ101
◙ قد يسأل البعض (من باب التشكك لا من باب الإعتراض) عما إذا كان منهجي معنياً
بإنهاض العلم الطبيعي وحده أم يهدف أيضاً إلى إنهاض العلوم الأخرى كالمنطق
والأخلاق والسياسة. إنني بالتأكيد أهدف في منهجي أن ينحسب على العلوم جميعاً.
ومثلما أن المنطق الشائع الذي ينظم الأمور بواسطة القياس لا يقتصر على العلم
الطبيعي بل يمتد ليشمل كل العلوم، فإن منهجي الإستقرائي هو أيضاً يشملها جميعاً.
فأنا أضع تاريخاً وقوائم كشف للغضب والخوف والخجل وما شابهها، وللأمور السياسية،
وكذلك للعمليات العقلية للذاكرة والتركيب والتقسيم والحكم وما شاكلها، تماماً كما
اضع للحرارة والبرودة أو للضوء أو النمو النباتي...إلخ. ولكن لما كان منهجي
التفسيري بعد إعداد التاريخ واستيفائه لا يقتصر على عمل العقل وخطابه فحسب (كما
يفعل المنطق الشائع) بل يشمل أيضاً طبائع الأشياء - فقد زودت العقل بقواعد وتنظيم
بحيث يُعمِل نفسه في كل شأن على نحو ملائم لذلك الشأن. ولهذا قدمت قواعد كثيرة ومتنوعة
في مذهبي التفسيري بحيث تُكيف منهج الكشف، بدرجة ما، وفقاً لنوعية موضوع البحث
وحالته. صــ126 : 127
◙ وليس لأحدٍ أن يتشكك في موقفي من الفلسفة والفنون والعلوم القائمة ويظن
أني راغب في تدميرها. فأنا أبعد ما أكون عن ذلك، بل يسرني أن أراها تُستخدم
وتُنمَّى وتُقدَّر. فأنا لا أتدخل بأي حال لتثبيط هذه الفنون الرائجة عن أن
تُستخدم لإثراء المناقشة وتجميل الخطاب، وأن تكون في خدمة الأساتذة ورجال الأعمال،
وأن تحظى بالقبول العام كنوع من العملة المتداولة. بل إني أعلن بوضوح أن ما أقدمه
الآن لا يصلح لهذه الأغراض، إذ هو غير مهيأ لكي تفهمه العامة إلا من خلال نتائجه
وآثاره. أما عن تعاطفي الصادق ونيتي الحسنة تجاه العلوم السائدة فهو شيء تشهد به
كتاباتي المنشورة (وبخاصة "في النهوض بالعلم")، شهادة تُغنيني عن
الكلام. وأكتفي بأن أنبه علانية وبغير انقطاع: أن المناهج المستخدمة حالياً لا
يمكن ان تؤدي إلى تقدم كبير في الجانب النظري والتأملي من العلم، ولا إلى آثار
(عملية) واسعة النطاق. صــ127
◙ إن مسائل الخرافة والسحر (بالمعنى الشائع للكلمة) ينبغي ألا نغفلها
كلياً. فمثل هذه الأشياء مطمورة عميقاً تحت ركام هائل من الزيف والخرافات، ولكن
يظل على المرء أن ينظر فيها قليلاً ليرى هل ثمة عملية طبيعية ما تقبع كامنة في أي
منها، مثلما هو الحال في الرُّقي ، وفي تقوية الخيال، وتوافق الأشياء عن بُعد،
وإنتقال الإنطباعات من روحٍ لروح مثلما تنتقل من جسم لجسم، وما إلى ذلك. صــ223
//بعد شرحه لتطبيق منهجهه الإستقرائي التجريبي على بعض
الظواهر الطبيعية...//
◙ أكتفي بذلك عن "شواهد الإمتياز" أو "شواهد الطبقة الأولى".
ولكن ينبغي أن أذكِّر بأنني في "أورجانوني" هذا إنما أتناول المنطق لا
الفلسفة. ولكن لما كان منطقي يوجِّه ويُرشِد الفهم، حتى لا يَقبِض بكلابات العقل
الصغيرة، على تجريدات محضة ويتشبث بها، بل يخترق الطبيعة بالفعل ويكتشف خواص
الأجسام وقُواها، وقوانينها المنقوشة في المادة. ومن ثم فإن العلم لا ينبع من
طبيعة العقل فقط بل من طبيعة الأشياء. فلا عجب ان يمتليء بإيضاحات وملاحظات مبثوثة
في تضاعيفه وتجارب في الطبيعة، كأمثلة على الفن الذي أُعلِّمه. من الواضح إذن مما
أسلفت قوله أن هُناك سبعة وعشرين نوعاً من "شواهد الإمتياز" هي: الشواهد
الإنفرادية، وشواهد الإنتقال، والشواهد الكاشفة،
والشواهد المتوارية، والشواهد المقومة، وشواهد التشابه، والشواهد الفردية
(الفذة)، وشواهد الإنحراف، والشواهد الحدية، وشواهد القوة، وشواهد الصحبة والعداء،
والشواهد الإضافية، وشواهد التحالف، والشواهد الفاصلة، وشواهد التباعد، وشواهد
الباب أو البوابة، وشواهد الإستدعاء، وشواهد الطريق، وشواهد التكملة، والشواهد
الباضعة، وشواهد القصبة أو المسطرة، وشواهد العدو، وجرعات الطبيعة، وشواعد الصراع،
والشواهد المشيرة، والشواهد المتعددة الغرض، والشواهد السحرية، تتميز هذه الشواهد
عن الشواهد العادية بأن استخدامها يتعلق تحديداً إما بالنظرية أو بالتطبيق، أو
بكليهما معاً. فيما يخص النظرية فإنها تُساعد إما الحواس أو الفهم: الحواس، كما في
"شواهد المصباح الخمسة؛ والفهم، إما بتسريع الطريقة الإستبعادية للوصول إلى
الصورة، كما في "الشواهد الإنفرادية"؛ وإما بحصر ما هو مثبِت (إيجابي)
للصورة وتعيينه بدقة، كما تفعل "شواهد الإنتقال" و "الشواهد الكاشفة"
و "شواهد الصحبة" وكذلك " الشواهد الإضافية"؛ وإما بالإرتفاع
بالفهم وإرشاده إلى الطبائع العامة والشائعة: والذي تعمله إما مباشرةً كما تفعل
"الشواهد المتوارية" و "الشواهد الفريدة" و "شواهد
التحالف"، أو بدرجة عالية، كما تفعل "الشواهد المقوِّمة"؛ أو بدرجة
ضئيلة فحسب، كما تفعل "شواهد التشابه"؛ أو بإرشاده إلى الصورة العظيمة
أو بنية الكل، كما تفعل "الشواهد الحدية"؛ أو بالتحذير من الصور والعلل
الزائفة، كما تفعل "الشواهد الفاصلة" و "شواهد التباعد". وأما
فيما يخص الجانب العملي فإن "شواهد الإمتياز" إما أن تُعَيِّنه أو تقيسه
أو تُسَهِّله. - تُعَينه بأن تبين من أين نبدأ حتى لا نكرر ما قد عمله غيرنا، كما
تفعل "شواهد القوة" ، أو تبين ما يجب أن نرمي إليه إذا واتتنا الفرصة،
كما تفعل "الشواهد المشيرة" - وتقيسه بــ "الشواهد
الرياضياتية" الأربعة. - وتُسَهِّله بــ "الشواهد المتعددة الغرض"
و "شواهد السحر". صــ341 : 343
0 التعليقات:
إرسال تعليق