//ترجم
هذه المحاورة عن الإنجليزية - النسخة الأصلية باليونانية بالطبع - وقدم لها دراسة
تحليلية الدكتور : عزمي طه السيد//
//الكتاب يرتكز على نظرية المحاكاة الطبيعية التي قال
بها أفلاطون متأثراً باستاذه سقراط، وتبعه بعد ذلك البعض (أو لنقل أثرت في فكرهم
بوجه التحديد) وتحديداً من علماء اللغة والمهتمين بالدراسات الفلسفية وأصل نشأة
اللغة (كإبن جني مثلاً - الفرابي، وغيرهم.)، وبالطبع مثلها مثل معظم النظريات،
وجهت لها سهام النقد ، ولكن في وجهة نظري هذا لا يعني أنها غير صحيحة مطلقاً، قد
يكون بالفعل (أصل) نشأة اللغات الأولى تحديداً منذ أن وجد الإنسان على الأرض، كانت
محاكاة للطبيعة، وأنا هنا أتحدث عن (الأصل) وليس عن وضع اللغات الحالي.//
بعض النقاط التي كتبتها من عندي لغرض التوضيح، والبعض الآخر موجود في
الكتاب بالفعل:-
-------------------------------------------------
• كان لسقراط تلاميذ كثيرون أبرزهم أفلاطون، الذي خَلَّد صورة سقراط حيث
جعله الشخصية الرئيسية في محاوراته.
• أسماء بعض تلامذة سقراط: (كراتيليوس - هرموجينس - فيدون - اكسينوفان -
أفلاطون - زينوفون - ...).
• يتفق الباحثون على أن الموضوع الرئيس للمحاورة هو أصل اللغة أو أصل الأسماء،
وهو موضوع يدخل ضمن مباحث فلسفة اللغة.
• صُنع الأسماء : وهي ليست بالصناعة اليسيرة التي يستطيعها أي فرد، إنما هي
عمل يحتاج إلى معرفة بالغاية من فعل التسمية..معرفة بطبيعة الأشياء بالإضافة إلى
المعرفة بطبيعة المادة التي تتركب منها وهي الحروف والمقاطع الصوتية.
• من هم مُطلقي الأسماء؟ هل هم الآلهة؟ أم البشر؟. وقد أعرض أفلاطون في
بحثه عن الإحتمال الأول، رغم تناقضاته التي تعرض لها بعد ذلك بشأن (التوقيف
الإلهي).
• مُطلِق الأسماء أي المشرِّع بحسب ما يُفهم من كلام أفلاطون هو المُشرِع
القانوني الذي يضع القوانين في المجتمع، وما قيل عنه يصدق على مطلقي الأسماء
الأوائل، أي المشرعين في اللغة اليونانية وفي اللغات الأخرى.
• إعتمد أفلاطون على مبدأ أساسي، وهو أن لكل فعل فاعل، ولكل فعل غاية تُرجى
منه، وتعامل مع فعل (إطلاق الأسماء من المشرعين له غاية تُرجى منه)..ولذلك نجده
تعامل مع (مُطلقي) الأسماء كالحرفيين، وبهذا المعنى تتفاوت درجات الإتقان في نحت -
إن جاز التعبير - الأسماء.
• إطلاق الإسم على المُسمى، كأي عمل آخر، يتم بصورة متفاوتة من الإتقان،
فالإسم يكون في أكمل حالاته إذا كان تعبيره عن طبيعة الشيء تاماً، ويكون أدنى إذا
كان التعبير ناقصاً أو جزئياً، ويكون خاطئاً أو مضللاً إذا كان لم يُعبر البتة عن
طبيعة الشيء.
• ومع أن أفلاطون يدرك أن نظريته التي يقدمها قد توجد فيها جوانب
"متطرفة وسخيفة"، وأنها لا تعبر عن الحقيقة كاملة، لكنه يُصر على مواصلة
عرضها لقناعته أنها أفضل النظريات الممكنة وأنه يقدم فيها قدراً من الحقيقة ولو
يسيراً..
• إنك لا يُمكن أن تنزل في نفس الماء مرتين. (هيرَقليطس)
• الإسم محاكاة لطبيعة المسمى في نظرية المحاكاة الطبيعية .. وينتهى
أفلاطون إلى أن الإسم لا يمكن أن يكون مطابقاً تماماً للشيء المُسمى.
• ما هي القضية الصادقة؟ يجيب أفلاطون بأنها هي التي تخبرنا بما هو موجود،
أما القضية الكاذبة فهي التي تخبرنا بما هو غير موجود.
• إنه من المفترض قطعاً أن الآلهة تُسمى الأشياء بأسمائها الصحيحية
والطبيعية. (أفلاطون)
• كلاً من سقرط وأفلاطون كان لديهم مفهوم ما حول القضية الكاذبة، وهي التي
تقول شيئاً غير موجود، وأن جميع أجزاءها كاذبة. (وطبعاً نلاحظ تغير هذا المفهوم
عند أرسطو، حيث أنه ليس من الضروري أن تكون جميع جزئيات القضية الكاذبة-كاذبة)
• نظرية سقراط في المحاورة: الأسماء تمثيل محاكاة للأشياء بواسطة الحروف
والمقاطع.
-------------------------------------------------
[شذرات خارجة عن المحاورة]
¶ يشهد الغرب في العصر الذي نعيشه إهتماماً بالمسائل اللغوية وغوصاً على
جذور هذه المسائل مما استدعى قيام علوم "هي بالضرورة نقطة تقاطع علمين على
الأقل" من ذلك "علم النفس اللغوي والنقد اللساني والأسلوبية..."
وقبل هذه العلوم كلها هناك فلسفة اللغة، التي هي بحث فيما قبل اللغة، أو هي بحث عن
أولها ونشأتها وعلاقتها الصحيحة بالإنسان والوجود بجميع ما فيه من موجودات، دورها
الإجتماعي، والعلمي والحضاري، ومحاولة توضيح كل ذلك وتفسيره. صــ19
¶ أما كراتيليوس لا نعرف عنه أكثر من ذلك الذي ورد في المحاورة عن موقفه من
الأسماء وأصلها، وأنها تماثل بصورة طبيعية المسميات التي تشير إليها، وأنها ليست
أمر إصطلاحياً، وكذلك أنه كان يميل إلى قول (هراقليطس) في التغير والجريان وعدم
ثبات الأشياء على حال واحدة، وهذا الأمر أيضاً أكده أرسطو في كتابه : ما بعد
الطبيعة، ويشير أرسطو إلى أن أفلاطون كان يعرف كراتيليوس، وأنه أخذ منه القول بأن
الأشياء المحسوسة لا تكون موضوعات للعلم بسبب تغيرها وعدم ثباتها على حال واحدة،
وهذه الفكرة وُردت في هذه المحاورة. صــ32
¶ بدأ أفلاطون محاورته هذه بسؤال صريح عن الأسماء: هل هي طبيعية أم
إصطلاحية؟ ثم استرسل بعد ذلك في الحوار وإثارة الأسئلة حول الأسماء بشكل رئيسي،
فسأل عن وظيفتها وإطلاقها وملاءمتها لمسمياتها، وخصص جزءاً كبيراً من المحاورة
لعرض إجتهاداته حول إشتقاق عدد من الكلمات اليونانية، وصل بعدها إلى عدد من النتائج
الجزئية حول إطلاق الأسماء ووظيفتها وصوابها وملاءمتها الطبيعية وقدم لنا نظرية في
ذلك، واعتبرها النظرية العلمية الوحيدة والممكنة برغم ما تنطوي عليه من قصور - كما
سنرى - وفي نهاية المحاورة أعلن أفلاطون عن عدم موافقته على دراسة الوجود والبحث
عن حقيقته من خلال دراسة الأسماء وتحليلها والتعرف على معانيها الأصلية وتتبع
تطورها عبر التاريخ، وأكد أن الطريق الأصوب في البحث عن حقائق الموجودات هو دراسة
الموجودات نفسها، وهو في نظره أمر صعب وعسير لكنه غير مستحيل، فقد جعل أفلاطون
سقراط يطلب من كراتيليوس أن يستمر في البحث والتفكير في هذا الأمر عله يصل إلى
الحقيقة. صــ35 : 36
¶ يُماثل (أفلاطون) بين الإسم بإعتباره آلة للتعليم ونقل المعلومات عن
الأشياء، والآلات الأخرى مثل المكوك الذي يُستخدم في النسج والمثقاب الذي يستخدم
في الثقب، فكل من هذه الآلات تؤدي وظيفة معينة، ولها فائدة في ضوء الغاية المقصودة
من الفعل الذي تعين الآلة الملائمة والصحيحة على إنجازه على الوجه الصحيح، ويرى في
ضوء ذلك، أن الاسم شأنه شأن الآلات الأخرى-ينبغي أن يكون له صانع وطريقة للصنع
ومستخدم. صــ39
¶ المُشرع هو الذي يُطلق الإسم، أما مستخدم الإسم فهو "الذي يعرف كيف
يطرح الأسئلة...وكيف يُجيب عنها"، وهذا هو الجدلي، أو الفيلسوف المعلم الذي
يستخدم الإسم لنقل المعرفة عن الأشياء وتعليمها للآخرين؛ هذا الذي يستخدم الأسماء
هو الأقدر على توجيه المشرِّع في عمله حين يطلق الأسماء، وهو الأقدر على الحُكم
على صواب الأسماء؛ وإذا أراد المُشرِّع أن يُطلق الأسماء على الأشياء بصورة صحيحة
فإن عليه أن يسترشد برأي وتوجيه معلم الجدل أو الفيلسوف. صــ45
¶ لقد حاول أفلاطون في المحاورة أن يوضح الصواب الطبيعي لعدد من الأسماء في
اللغة اليونانية، وهي أسماء لأعلام من الآلهة والأبطال التاريخيين عند اليونانيين،
وكذلك بعض أسماء المعاني مثل الخير والفضيلة والرذيلة والعدالة وغيرها مما يمكن
الرجوع إليه في نص المحاورة، وقد أظهر براعة في إرجاعها إلى أصولها، وتوضيح
معانيها وطريقة إشتقاقها اللغوي، إلى حد التكلف في بعض الأحيان. ومع أن القاريء
يحتاج إلى معرفة اللغة اليونانية القديمة حتى يُقدر هذا الجهد اللغوي القدير
الوافي، إلا أن الذي لا يعرف اليونانية يمكنه بقليل من الجهد والأناة أن يتابع إلى
حد مناسب هذه التحليلات ويتعرف على منهجه فيها [...] لقد توصل أفلاطون إلى هذه
النظرية (أي نظرية المحاكاة الطبيعية) من خلال الطريقة التحليلة التي يتم بها
تحليل المركب إلى أجزائه حتى يصل إلى الأجزاء الأولية، فلنحلل الكلام إلى جمل
وعبارات ونحلل العبارات إلى أسماء، والأسماء إلى أسماء أبسط، وهكذا نتابع التحليل
إلى أن نصل إلى أسماء يقف عندها التحليل، وتكون هذه "عناصر لكل الأسماء
والجمل الأخرى" و "لا يمكن أن يفترض أنها مكونة من أسماء أخرى"،
هذه الأسماء سماها أفلاطون العناصر الأولية أو الأسماء الأولية. صــ49 : 50
¶ نجد إشارة عند أفلاطون إلى معرفة صواب الأسماء التي نستخدمها تحتاج إلى
معرفة وافية بالنحو واللغة، وذلك عندما ذكر أفلاطون على لسان سقراط بأنه لو كان
حضر الدورة التي حاضر فيها بروديكوس، والتي هي تعليم كامل في اللغة والنحو لكان
قادراً على الإجابة عن السؤال الذي طرحه هرموجينس حول صواب الأسماء. لكن سقراط لم
يحضر الدورة لأنه لم يكن يملك رسوم تكاليف هذه الدورة وهي خمسون درهماً. صــ51
¶ يقول أفلاطون بأننا إما أن نقول "بأن الأسماء الأولية أو الأولى هي
تمثيل [ومحاكاة] للأشياء، أو نقول بأنها أطلقت عن طريق الإتفاق والإصطلاح، لكننا
في ضوء القول بالإصطلاح نستطيع أن نسمى الصغير كبيراً والكبير صغيراً، ونكون في
ذلك على صواب ما دام الأمر أمر إتفاق وإصطلاح. هذا الرأي يرفضه أفلاطون، ويأخذ
بالرأي الأول ويؤكد في نفس الوقت بأن الأسماء الأولية تنطوي على أكبر قدر من
الصواب هي تلك التي تُحاكي أو تُماثل الأشياء لأقصى درجة ممكنة. ويلجأ أفلاطون،
كعادته، إلى ضرب الأمثلة لتوضيح رأيه في هذه المسألة فيقول: في حالة الصم والبكم
يتم التواصل عن طريق إيماءات وحركات بالأيدي أو الرأس أو أعضاء الجسم الأخرى، نقلد
بها طبيعة الشيء الذي ننقل عنه المعلومات؛ في شكل حروف ومقاطع. إن الموسيقى محاكاة
صوتية لكنها ليست محاكاة بالحروف والمقاطع، وكذلك تقليد أصوات الأغنام أو الديكة
أو غيرها من الحيوانات تقليد، لكنه لا يتم بالحروف والمقاطع، وبالتالي فنحن لا
نسمي الأشياء بالموسيقى ولا بتقليد أصواتها، وإنما بالأسماء المكونة من حروف
ومقاطع صوتية؛ وإذا استطاع شخص ما أن يُحاكي الطبيعية الجوهرية للأشياء بواسطة
الحروف والمقاطع، فإنه عندئد يكون قد أشار إليها ودل عليها كما هي في الواقع، أو
بلفظ آخر يكون قد أطلق عليها أسماءها الصحيحة. صــ52
¶ لكن أفلاطون، برغم هذه الصعوبات والعقبات التي تواجه نظريته، يصر على
أنها هي المعيار الذي يُقاس به تفاوت اللغات في الكمال؛ إذ يؤكد رأيه هذا بعد
إدراكه لما تقدم عرضه من صعوبات بقوله (على لسان سقراط):"إنني أعتقد بأن
اللغة ستكون في أكمل حالاتها، إذا أمكن أن تكون كل ألفاظها، أو غالبيتها العظمى،
موضوعة على أساس مبدأ المشابهة، وأن اللغة ستكون أكثر نقصاً إذا كانت شروط وضعها
غير ذلك". ويبدو أن أفلاطون يتصور أن اللغة قد وُضعت في أكمل حالاتها وفقاً
لمبدأ المُحاكاة الطبيعية، ولكنها لا تسلم من أن تعتريها أو تُلحق بها تغييرات
وتعديلات مع مرور الزمن. صــ61
¶ يرى أفلاطون أن الأسماء التي أطلقها المشرِّع أولاً، لا تظل على حالها مع
مرور الزمن، وأنه تُجرى عليها تعديلات وتغييرات مختلفة الأشكال والأسباب، وعلى
عالم التأصيل المعجمي Etymologist أن يعرف
أشكال هذه التغييرات وأسبابها. وقد أشار أفلاطون إلى بعض جوانب هذه القضية، فهو
يرى "أننا غالباً ما نزيد إلى الكلمات أو نحذف منها حروفاً" فتتغير
الكلمة أو الإسم، حتى أن معرفة أصلها قد يُخفى على الكثيرين. صــ63
¶ يُمكن أن نُلخص العلاقة بين الإسم والمسمى، من وجهة نظر أفلاطون، في
النقاط الآتية: 1) الإسم، في حالته المُثلى، نوع من المحاكاة للشيء المُسمّى من
خلال الحروف والمقاطع. 2) الإسم غير الشيء المسمى. 3) معرفة حقيقة الإسم لا توصلنا
إلى معرفة حقيقة الشيء المسمى. 4) والعكس هو الأصوب-في ضوء نظرية المحاكاة
الطبيعية-فمعرفة حقيقة المسميات هي التي تمكننا من معرفة حقيقة الإسم ومدى الصواب
الطبيعي في إطلاقه على الشيء الذي يُسميه. صــ68
¶ في ضوء ما تقدم يمكن أن نقول: إن أفلاطون يرى أن ما له معنى من الألفاظ
والقضايا يمكن أن يكون صادقاً أو كاذباً، وواضح أن أفلاطون لا يتكلم عن أصوات لا
معنى لها البتة، أو لا تحمل أية دلالة على الإطلاق، فهذه لا توصف لا بالصدق ولا
بالكذب، بل هذه هي أشبة بالقرع العشوائي على قدر نُحاسي. صــ72
¶ لقد كان في الساحة العلمية - في عصر أفلاطون - نظريتان متعارضتنا: واحدة
تقول بالتغير والحركة يمثلها هراقليطس والأخرى تقول بالثبات والسكون يمثلها
بارمنيدس، فأي هاتين النظريتين هو الصواب؟ لقد رفض أفلاطون نظرية هيراقليطس في
التغير، لكنه لم يعترض على الأخرى ولا هو أكدها أو أيدها، وإن كان لا يخفى من
المحاورة تفضيله لها على الأخرى. إن القول بالتغيير يتعارض بوجود الجمال المُطلق
والخير المُطلق والوجود المُطلق الذي يقر أفلاطون بوجوده؛ لأن هذه أمور ثابتة لا
تتبدل، كما أن القول بالتغير يؤدي بالقول بعدم وجود عارف أو شيء يمكن أن يُعرف، لأن
الشيء إذا كان في تغير وجريات فإنه في اللحظة التي يقترب فيها الملاحظ منه يُصبح
شيئاً آخر فتستحيل معرفته .. إذا كان الأمر كذلك فما هي النتيجة التي نخرج بها بعد
هذا العناء الذي صُرف في المحاورة، إن كانت هناك نتيجة؟ يجيب أفلاطون-على لسان
سقراط-بأن وصولنا إلى هذه النتيجة-وهي أنه من الأفضل بكثير أن تعرف [الأشياء]
وتبحث من خلالها نفسها، وليس من خلال الأسماء-أمر يستحق ما بُذل فيه من عناء صــ73
: 74
¶ أما أسماء الآلهة نفسها فإن أفلاطون يتعامل معها بحذر شديد يتضح من
القواعد أو الضوابط التي حددها للبحث في أسماء الآلهة، يقول أفلاطون معبراً عن هذا
الحذر الشديد على لسان سقراط: "دعنا إذن، إذا سمحت، وأن نعلن لهم في المقام
الأول بأننا لا نبحث فيهم [الآلهة]، ولا نفترض أننا قادرون على ذلك". هذا
الحذر يرجع في تصورنا إلى أهمية الموضوع الذي يتعامل معه وهو الآلهة وأسماءها،
وإلى طبيعة الموضوع العصية على البحث العلمي إذ موضوع الآلهة موضوع ميتافيزيقي، بل
هو أعوص وأخفى موضوعات الميتافيزيقا، وربما كان في حذره هذا حرصاً على ألا يحرج
مشاعر المتدينين المؤمنين بهذه الآلهة وأسمائها. صــ78
¶ لقد لفت أفلاطون، في هذه المحاورة، نظرنا حين تعرض لتوضيح معنى كلمة
[سوفيا] σοφία ، وأصل إشتقاقها اللغوي
حين قال عنها أنها غامضة جداً، وتبدو أنها ليست من أصل محلي [...] نستطيع القول
بأن كلمة [سوفيا] σοφία أي الحكمة، قد وفد إلى
بلاد اليونان من مجتمعات أخرى مصاحباً للكلمة، وبالتالي يتعارض مع هذه النتيجة
المبنية على كلام أفلاطون هنا (حيث قال في كلمة أخرى :إعتقادي أنها من أصل أجنبي،
ذلك أن اليونانيين، وخصوصاً الذين كانوا تحت سيطرة البرابرة [غير اليونانيين]
غالباً من استعاروا منهم ألفاظاً)، ويتفق مع الرأي الآخر الذي يقول بأن نشوء
الفلسفة عند اليونان كان بتأثير الأفكار والفلسفات القديمة السابقة في مصر وفي
بلاد الشرق القديم كبابل وغيرها. صــ81 : 82
[نص محاورة كراتيليوس: يبدأ من صــ91 ، وهذا
بعضاً مما جاء فيها، ..، على الرغم من أني أفضل أن تقرأها كاملةً]
¶ سقراط: ولكن، هل تقول، يا هرموجينس، بأن الأشياء تختلف بإختلاف الأسماء؟
وهل هي نسبية [بالنظر] إلى الأفراد، كما أخبرنا بروتاجوراس ؟ ذلك أنه قال بأن
الإنسان معيار الأشياء جميعاً، وأن الأشياء تكون بالنسبة لي كما تبدو لي، وأنها
بالنسبة لك كما تبدو لك. هل توافقه أم أنك تقول بأن للأشياء ماهية ثابتة خاصة بها؟
- هرموجينس: لقد كانت أوقات، يا سقراط، كنت أجدني عندها منساقاً في حيرتي
لأتخذ ملاذاً عند بروتاجوراس ، وليس [معنى ذلك] أني أوافقه بأيه حال.
- سقراط : ماذا! هل حدث البتة أن كنت منساقاً للتسليم بأنه لا يوجد شيء
أسمه رجل سيء؟... صــ95
¶ - سقراط: إذن فالافعال تتم، أيضاً، وفقاً لطبيعتها الخاصة، وليس وفقاً
لراينا؟ ففي قطع الأشياء، على سبيل المثال، نحن لا نقطع كما يحلو لنا، ولا باية
آلة نصادفها، لكننا نقطع بالآلة الملائمة فقط، ووفقاً للطريقة الطبيعية للقطع،
والطريقة الطبيعية الصحيحة سوف تنجح، لكن أية طريقة اخرى ستفشل وتكون بلا فائدة
على الإطلاق.
- هرموجينس: ينبغي عليّ القول بأن الطريقة الطبيعية هي الطريقة الصحيحة.
- سقراط: والكلام نوع من الفعل؟ -
هرموجينس: حقاً. صــ97
¶ - سقراط: بالنسبة للأسماء، إذن، ألا ينبغي على مشرعنا كذلك أن يعرف كيف
يضع الإسم الحقيقي الطبيعي لكل شيء في أصوات ومقاطع، وأن يضع ويطلق كل الأسماء في
ضوء الإسم المثالي، إذا كان يريد أن يكون مطلقاً للأسماء بالمعنى الحقيقي؟ وعلينا
أن نتذكر أن المشرعين المختلفين لن يستخدموا نفس المقاطع اللفظية، ذلك أن الحدادين
المختلفين لا يصنعون جميع الآلات من نفس الحديد، بالرغم من أنه يُمكن أن يصنعوا
نفس الآلة لتؤدي نفس الغرض. ينبغي أن تكون الصورة نفسها، ولكن قد تختلف المادة
وتظل الآلة على نفس الدرجة من الجودة مهما كان الحديد الذي صُنعت منه، لا فرق في
ذلك سواء [صُنعت الآلة] في مدينة هيلاس أم
في بلد أجنبي.
- هرموجينس: صحيح تماماً. صــ103
¶ - سقراط: أظن إذن - يا هرموجينس - أن إطلاق الأسماء هذا لا يكون مسألة
تافهة كما تتخيل، ولا عمل أشخاص قليلي الشأن أو اناس كيفما أتفق. وكراتيلييوس على
حق في قوله بأن للاشياء أسماء بالطبيعة، وأنه ليس كل إنسان خبيراً في إطلاق
الأسماء، لكن الخبير هو ذلك الذي يهتم بالإسم الذي يملكه كل شيء بالطبيعة، وهو
الذي يستطيع أن يعبر عن الصور الحقيقية للأشياء بحروف ومقاطع.
- هرموجينس: لا أستطيع أن أجيبك يا سقراط، ولكنني أجد صعوبة في تغيير رأيي
بالكلية في لحظة، وأظن أنني سأكون أيسر إقناعاً، إذا كنت ستبين لي ما هذا الذي
إصطلحت عليه: الصواب الطبيعي للأسماء.
- سقراط: يا عزيزي هرموجينس الفاضل، ليس عندي شيء البتة لأعرضه. ألم اقل لك
منذ لحظات - لكنك نسيت - بأنني لا أعرف شيئاً، [أو لم أقترح أن أشاركك في البحث عن
الحقيقة] ، أما الآن وقد ناقشنا المسألة سوياً، فإن خطوة قد تم قطعها، حيث اكتشفنا
بأن للأسماء [شيئاً من الصواب الطبيعي] ، وأنه ليس كل إنسان يطلق إسماً على شيء ما
[بصورة صحيحة].
- هيرموجينس: حسن جداً. صــ105 : 106
¶ - هرموجينس: أرى يا سقراط أننا تحدثنا بما فيه الكفاية عن هذا النوع من
الكلمات. لكنني أرغب في معرفة ما إذا كان لدينا تفسيرات أخرى لأسماء الآلهة، كالذي
قدمته آنفاً في تفسير [إسم] زيوس؟ وما إذا كان علينا أن نطبق [أسماء الآلهة] آية
قاعدة أخرى من قواعد صواب الأسماء.
- سقراط: نعم، بالتأكيد يا هرموجينس، يوجد قاعدة ممتازة، علينا-كأناس ذوي
تمييز-أن نعترف بها: إننا فيما يتعلق بالآلهة لا نعرف شيئاً، لا عن طبيعتهم ولا عن
الأسماء التي يطلقونها على أنفسهم، ولكننا متأكدين بأن الأسماء التي سموا بها
أنفسهم، كائنة ما كانت، أسماء صحيحة. وهذه هي أفضل القواعد. الذي ياتي بعدها في
الفضل هو أن تقول-كما في الصلوات-بأننا سنسميها بأي ضرب أو نوع من الأسماء أو
الأنساب التي ترضيها، لأننا لا نعرف أية [أسماء] أخرى. دعنا إذن، إذا سمحت، أن
نعلن لهم في المقام الأول، بأننا لا نبحث فيهم [الآلهة] ، ولا نفترض أننا قادرون
على ذلك، ولكننا نبحث في المعاني التي كانت لدى الناس عند إطلاق هذه الأسماء بهذا
[النهج] سيكون هناك القليل من اللوم. صــ124 : 125
¶ - سقراط : نعم، يا صديقي العزيز، لكنك تعلم بأن الأسماء الأصلية قد نُسيت
وأُختفيت منذ زمن بعيد بسبب إضافة الناس أو حذفهم حروفاً من أجل تسهيل النطق،
فيشوهونها ويبهرجونها بكل أنواع الطرق، وربما كان للزمن أيضاً نصيب في حدوث
التغيير.... - هرموجينس: هذا صحيح تماماً يا سقراط. صــ154
¶ - سقراط: أنا لا أقطع بأية حال، يا كراتيليوس، بالرأي الذي توصلنا إليه،
هرموجينس وأنا، ولذلك لا تتردد في أن تقول ما تعتقده، والذي سأقبله مسروراً إذا
كان أفضل من رأي. وسوف لن استغرب على الإطلاق، أن أجد بأنك قد توصلت إلى فكرة ما
أفضل، لأنه من الواضح أنك فكرت في هذه المسائل وكان لك أساتذة؛ وإذا كان لديك
بالفعل نظرية أفضل حول حقيقة الأسماء، فإنه يمكنك أن تعتبرني واحداً من تلاميذك.
- كراتيليوس: أنت على حق يا سقراط في القول بأنني درست هذه المسائل، وأنه
من المحتمل أن أحولك إلى تلميذ. لكنني أخشى أن يكون الحل على عكس ذلك [...] وأنت
يا سقراط تبدو لي بأنك كاهن، وتعطي اجوبة توافق عقلي إلى درجة كبيرة، سواء أوحت
بها اليك [إيثيفرو]، أم كانت إحدى ربات السفن ساكنة في صدرك لفترة طويلة دون أن
تعي ذلك.
- سقراط: يا كراتيليوس الممتاز، لقد كنت لفترة طويلة متعجباً من حكمتي
الخاصة. لا استطيع أن اثق في نفسي. واعتقد أنه ينبغي علي أن أقف وأسأل نفسي: ماذا
أقول؟ ذلك أنه لا شيء أسوأ من خداع النفس، وعندما يكون المخادع دائماً في البيت
ودائماً معك، إنه لأمر فظيع، ولذلك ينبغي علي من حين لآخر، أن أعكس خطواتي وأحاول
أن "أنظر أماماً وخلفاً في كلمات هوميروس المذكورة آنفاً. صــ183
¶ - سقراط: دعني أدعوك إلى فحص وإعتبار ما قلنا - هرموجينس وأنا - عن
الاصوات. هل توافق معي على أن حرف [رو] ρ
يعبر عن السرعة والحركة والصلابة؟ هل نحن، في القول بهذا الرأي، على صواب أم خطأ؟
- كراتيليوس: ينبغي أن أقول بأنكما على صواب.
- سقراط: وأن [الحرف لمدا] γ
يعبر عن الملاسة والنعومة وما أشبه ذلك؟
- كراتيليوس: ها أنتم ثانية على صواب.
- سقراط: ومع ذلك، كما تعلم، فإن الذي نسميه [سكليروتيس] يسميه أهل أريتريا
[سكليروتير].
- كراتيليوس: صحيح تماماً.
- سقراط: هل الحرفان [رو] ρ و [سجما] σ
متكافئان، وهل يعني [رو] [حرف] الأخير بالنسبة لهم [أهل أريتريا] ما يعنيه تماماً
[سجما] [الحرف] بالنسبة لنا، أم أنه لا أهمية [معنى] لذلك عند أي منا؟
- كراتيليوس: كلا، بالتأكيد توجد أهمية [معنى] عند كلينا. صــ196
¶ - سقراط: لكن إذا كانت الأشياء ستعرف فقط من خلال الأسماء، كيف نستطيع أن
نفترض بأن مُطلقي الأسماء لديهم معرفة أو أنهم مشرعين، قبل أن تكون هناك أسماء على
الإطلاق، وإذن [فهم عرفوها] قبل أن يكون من الممكن أن يعرفوها.
- كراتيليوس: أعتقد يا سقراط بأن التفسير الصحيح للمسألة هو أن تكون هناك
قوة أكبر من قوة البشر أطلقت على الأشياء أسماءها الأولى، وأن الأسماء التي أُطلقت
هي بالضرورة أسماؤها الحقيقية.
- سقراط: كيف تأتي لمُعطي الأسماء إن - إذا كان كائناً يوحى إليه أو إليها
- أن يُناقض نفسه؟ لأنه، أم نقل آنفاً، بأنه قد جعل بعض الأسماء معبرة عن السكون
وأخرى عن الحركة؟ هل كنا مخطئين؟
- كراتيليوس: لكن يا سقراط، تلك [الأسماء] التي تكون واحدة من المجموعتين،
ليست أسماء حقاً.
- سقراط: وأي واحدة منها فعل، إذن، يا صديقي الطيب: تلك التي تعبر عن
السكون أو تلك التي تعبر عن الحركة؟ هذه نقطة لا يُمكن تحديدها - كما قلت آنفاً -
عن طريق عدها.
كراتيليوس: لا ، ليس بهذه الطريقة يا سقراط.
- سقراط: لكن إذا كانت هذه معركة أسماء، بعضها تؤكد بأنها تشبه الحقيقة،
وأخرى تؤكد بأنها هي التي تشبه [الحقيقية]، كيف، أو بأي معيار ينبغي أن نفصل
بينهما؟ ذلك أنه لا يوجد هناك أسماء أخرى يمكن أن يجري الإحتكام إليها، ولكن من
الواضح أن الإلتجاء يجب أن يكون إلى معيار آخر سيوضح - دون إستخدام الأسماء - أي
الإثنين هو الصواب، وهذا يجب أن يكون معياراً يُبين حقيقة الأشياء.
-كراتيليوس : أوافق.
- سقراط: لكن إذا كان هذا حقاً يا كراتيليوس، فسأفترض إذن بأن الأشياء
يُمكن أن تُعرف بدون أسماء؟
- كراتيليوس: واضح. صــ204
¶ -سقراط: هناك نقطة أخرى. لا أريد لنا أن ننخدع بمظهر مثل ذلك الحشد من
الأسماء، التي تتجه كلها إلى نفس الإتجاه. أنا نفسي لا أنكر بأن مُطلقي الأسماء قد
أطلقوها بالفعل تحت [تأثير] الفكرة [القائلة] بأن كل الأشياء في حركة وجريان،
والتي كانوا يعتقدونها بإخلاص، لكنها في الواقع فكرة خاطئة. ولأنهم أنفسهم قد
وقعوا في نوعمن الدوامة، فاندفعوا وأرادوا أن يجرونا معهم. هناك مسألة يا أستاذي
كراتيليوس، غالباً ما أحلم بها، وأرغب في أخذ رأيك [فيها]. أخبرني ما إذا كان يوجد
أي جمال مطلق أو خير مطلق أو أي وجود آخر مطلق، أم لا.
- كراتيليوس: بالتأكيد يا سقراط أعتقد ذلك.
- سقراط: إذن، دعنا نبحث عن الجمال الحقيقي، ولا نسأل فيما إذا كان وجه ما
جميلاً، أو أي شيء من هذا القبيل، ذلك أنه يبدو أن كل هذه الأشياء في جريان، لكن
لنسأل ما إذا الجمال الحقيقي ليس جميلاً دائماً.
- كراتيليوس: بالتأكيد. صــ206
¶ - سقراط: ولا نستطيع أن نقول. كلاماً معقولاً يا كراتيليوس بأنه توجد
معرفة على الإطلاق. إذا كان كل شيء في حالة إنتقال وكان لا يوجد شيء ثابت، لأن
المعرفة أيضاً لا تستطيع أن تستمر كمعرفة إلا إذا استمرت دائماً في الثبات
والوجود. لكن إذا كان جوهر المعرفة بالذات يتغير، فإنه في اللحظة التي يحدث فيها
التغير لن تكون هناك معرفة، وإذا كان الإنتقال مستمراً على الدوام، فإنه سيكون
هناك إنعدام معرفة دائماً، وفقاً لهذا الرأي لن يكون هناك أحد ليعرف، ولا شيء
ليُعرف. ولكن إذا إذا وجد ذاك الذي يَعرِف ذاك الذي يُعرف، في أي وقت، ووجد أيضاً
الجميل والخير وكل شيء آخر فإنني لا أعتقد بأنها [هذه الأوضاع] تستطيع أن تشابه
الحركة والجريان، كما أفترضنا آنفاً. وسواء - أوجدت هذه الطبيعة الخالدة في
الأشياء أم كانت الحقيقة هي ما قاله هيراقليطس وأتباعه وآخرون كثيرون، فإن المسالة
صعبة التحديد، ولا يوجد رجل ذو عقل يود أن يضع نفسه أو تثقيف عقله تحت سيطرة
الاسماء؛ وأن يضع أمله في الأسماء أو مُطلقي الأسماء إلى درجة أن يكونوا موضع ثقة
في أية معرفة تحكم على نفسه وعلى الموجودات الأخرى بأنها في حالة وهمية غير سليمة×
وسوف لن يعتقد بأن جميع الأشياء تسيل مثل سلة الصيد، أو يتخيل بأن العالم إنسان
مُصاب برشح مصحوب بسيلان الأنف. ربما كانت هذه [النظرية] صحيحة يا كراتيليوس، لكن
من المحتمل جداً أن تكون، أيضاً، غير صحيحة؛ لهذا عليك أن تفكر بجرأة وشمول، ولا
تقبل أي شيء بلا مبالاة [ودن مناقشة]، ذلك أنك لازلت في ريعان الشباب؛ وبعد ذلك،
إذا وجدت بعد البحث المستقصي الحقيقة، فانقلها إليَّ.
- كراتيليوس : سأفعل كما تقول، مع أني أستطيع أن أؤكد لك، يا سُقراط، بأنني
قد نظرت في المسألة بالفعل، ونتيجة ما بذلته فيها من عناء ونظر هي أنني أميل إلى
[رأي] هيراقليطس.
- سقراط: إذن، في يوم آخر، يا صديقي، عندما تعود، عليك أن تُعلِّمني، أما
الآن، فاذهب إلى الريف، كما كنت تنوي، وسيسير هرموجينس معك قليلاً.
- كراتيليوس: حسن جداً يا سقراط. وعلى كل حال فإني آمل أن تتابع، أنت نفسك،
التفكير في هذه المسائل. صــ207 : 208
-------------------------------------------------
للإضطلاع على النسخة العربية والإنجليزية واليونانية من الكتاب (إضغط هنا).
0 التعليقات:
إرسال تعليق