• إن النقد هو أفضل أداة بناء عرفها العقل البشرى (عمانوئيل كانط)
• مقتلنا يكمن فى لساننا .. فكم دفعنا غالياً ضريبة الكلام (نزار قبانى)
• من نفس المصدر : لقد لبسنا قشرة الحضارة والروح جاهلية
• إننا من أكثر شعوب العالم "فخراً بماضيها" ...
• علمنا هذا رأى، فمن جاءنا بأفضل منه قبلناه (أبو حنيفة النعمان)
♣يقول فيلسوف ألمانيا الأشهر عمانوئيل كانط (1724 - 1804) : "إن النقد
هو أهم أداة بناء عرفها العقل الإنسانى" : وهى عبارة بالغة العمق، لأنها تعنى
- فيما تعنى - أن الإنسان بصفته "غيركامل" ولا يملك أن يبلغ الكمال، لا
يسعه إلا أن "بتأخر" أو "يتقدم" . والتقدم، يعنى أن يرتقى،
والإرتقاء، والإرتقاء يعنى النقائص والعيوب ثم التخلى عنها أو عن بعضها . ولا توجد
أداة يستطيع الإنسان بها ممارسة كل ذلك (التقدم عن طريق الإرتقاء عن طريق معرفة
النقائص والعيوب والتخلى عنها أو عن بعضها) إلا بالنقد . صــ12
♣فنحن - بلا شك - من أكثر شعوب العالم تغنياً (بالألفاظ) بتاريخنا وأمجادنا
الماضية وميزاتنا عن الآخرين . وإذا قارنا مجتمعاتنا (من هذه الزاوية) بمجتمع
كالمجتمع اليابانى وجدنا اليابانيين على أعلى درجات الفخر بوطنهم دون أن يتخذ هذا
الفخر شكل "كبريات الألفاظ" و "القصائد" و
"الأغانى" و "الشعارات" . صــ35
فى معرض حديثه عن سياسة الكلام الكبير ...
♣إرتكاز الأحكام العامة عند كثيرين على منطق (الحب) أو (الكراهية) وهو ما
يقود الى شيوع الشخصانية (subjectivity)
عوضاً عن الموضوعية (objectivity) ثم يؤدى
- أخيراً - الى انطلاق الأحكام والآراء والمعتقدات من زوايا شخصية بحتة ... من نفس
الصفحة
♣فنحن عندما نتحدث عن تاريخنا، لا نستعمل لغة العلم والموضوعية وإنما نغرق
فى زخم من الكلام الكبير . وعندما نتحدث عن واقعنا المعاصر نحشر مرة أخرى
"قوافل الكلام الكبير" . وحتى عندما نفوز فى مباراة لكرة القدم، ينهمر
"الكلام الكبير"،، فرغم معرفتنا بأن مستوانا فى هذه اللعبة الرياضية يقع
ما بين "المتوسط" و "المتواضع" (على المستوى العالمى) فإننا
لا نتردد ولا نتأخر عن إستعمال أوصاف مثل (الفراعنة يهزمون ...) .. ونكون هنا مستقين
مع "تيار الكلام الكبير" الذى عم وإستفحل فى تفكيرنا خلال نصف القرن
الأخير . وإذا تأملنا الصفحات الأولى بصفحاتنا ومجلاتنا وجدنا "جيوشاً عارمة
من الكلام الكبير" .. فكل لقاء هو "لقاء قمة" ... وكل قرار هو
"قرار تاريخى" .. صــ40
♣أما شعوب العالم العربى، فإنها تشترك معنا - بدرجة أو بأخرى - لكون
الثقافة العربية قد اتسمت فى مراحل عديدة بسمة "الكلام الكبير" . فالشعر
العربى عامر بقصائد المدح والهجاء التى تطفح بالكلام الكبير الذى لا يعكس بالضرورة
حقائق الواقع والأشياء . بل أن ثقافتنا أعترفت بأن معظم هذا " الكلام الكبير
" مجرد كلام ولا أساس له من الواقع عندما نحتنا المقولة المشهورة (أعذب
الشعر: أكذبه) . صــ44
♣وكاتب هذه السطور لا يمل من تكرار قوله أن هوميروس ويوروبيدوس وأفلاطون
وسقراط وأرستوفان وأرسطوطاليس كانوا فى الحضارة الإغريقية ... وأن الأدباء
والشعراء والمتكلمة (الفلاسفة) كانوا السابقين فى الحضارة العربية وفى ظل المناخ
العام الذى أوجدوه جاء العلماء من أمثال ابن الهيثم وابن سينا والرازى ... ونفس
الشىء هو ما حدث فى عصر النهضة إذ جاء الفلاسفة والأدباء والشعراء والفنانون
الكبار ليخلقوا المناخ العام لما يسمى الآن بالحضارة الغربية . صــ70
♣كل ذلك كان ضمن حديثى عن غرابة أن يفتخر أناس بناضٍ لا يعلمون عنه شيئاً
يذكر. وهو يدل - مرة أخرى - على أننا أمام ظاهرة عقلية ونفسية لا علاقة - فى
الحقيقة - بالماضى الذى يتحمسون له صــ79
♣وعشرات ... بل مئات الأمثلة التى تؤكد أننا إما أن نتفق تماماً وإما أن
ننطلق إلى مرحلة التراشق بأشد الكلمات حدة وتجريحاً . أما مرحلة النقد الهادىء
والموضوعى والقائم على أسس عقلانية، فمرحلة يندر أن نمر بها، لأن معظمنا لم ينشأ
ولم يتدرب عليها ولم يكتمل وعيه وإدراكه فى جو ثقافى عام يؤمن بجدوى وإيجابية وفعالية
النقد. ولا يدل على أننا لا نعترف بالنقد (إلا عند التشدق بالشعارات) من خلال
وسائل إعلامنا خلال السنوات الثلاثين الأخيرة من مقال أو حديث واحد يتضمن نقداً
لرموز الحكم السياسى فى مجتمعنا. فإذا كنا نسلم بوجود النقد فى حياتنا العامة .
صــ87
فى معرض حديثه عن الإعتقاد - المطلق - بنظرية المؤامرة...
♣إن هناك الكثيرين - بالملايين - فى واقعنا الذين لا يساورهم شك فى صحة
المقولات التالية: إن وقائع ماضينا القريب وحاضرنا جاءت وفقاً لمخططات وضعتها قوى
كبرى وأن الوقائع كان فى معظومه ترجمة عملية لهذه المخططات .
♣إن هذه القوى التى صاغت تلك المخططات والتى سار على دربها ماضينا وحاضرنا
هى فى الأغلب القوى العالمية العظمى وبالتحديد بريطانيا وفرنسا فى الماضى
والولايات المتحدة (وإبنتها إسرائيل) فى الأمس القريب والحاضر .
♣إن مخططات هذه القوى موضوعة بشكل تفصيلى وأن الأطراف الأقل نصيباً من
القوة (ونحن من بينها) لم تكن تملك (ولاتمتلك الآن) إلا أن ننصاع لتيار تلك
المخططات .
♣إننا - بناء على ما سبق - غير مسئولون مسؤلية كبيرة "عما حدث"
.. وبنفس الدرجة "عما يحدث" ... ويضيف البعض "عما سوف يحدث" .
وتلك نتيجة منطقية - فى رأى وإعتقاد الكثيرين لتلك "المنظومة الفكرية"
... ماسبق بداية صــ91
♣من هنا فإن السواد الأعظم من "المواطنين العاديين" فى واقعنا
العربى والمصرى والذين ينتمون للفريق الإسلامى (سياسياً) أو الفريق الإشتراكى
(عقائدياً)، فإن معظمهم يميل ميلاً واضحاً لتبنى نظرية المؤامرة والتسليم -
بالتالى- بصواب وصحة "المقولات" المنبثقة" عن الإيمان بهذه
النظرية. صــ95
♣كذلك فإننى لم أقصد على الإطلاق أن أقول التاريخ خال من المؤامرات . فمن
الميسور لأى قارىء واسع الإطلاع على التاريخ أن يرصد العديد من
"المؤامرات" المحددة، ولكنى أقول إن التاريخ، وإن عرف مؤامرات عديدة،
فإنه ليس "مؤامرة عامة" وإنما هو صراع دؤوب لا يهدأ ولا مجال فيه
للكرامة والظفر لمن دخله مهزوم الروح والوجدان مبلل الخدود بدموع البكاء والشكوى .
صــ112
♣أما كاتب هذه السطور، فإنه يؤمن أن "الصراع العالمى" شرس ومضنى
وبالغ الصعوبة ولكن الأمم تكون أكثر قدرة على خوضه بنجاح وكرامة إذا كانت مستعدة
ومهيأة له، وهى لا تكون كذلك إالا إذا كانت قيادة فعالة وناجحة وذات رؤية صائبة
وعن طريق كوادر تسم بأعلى درجات الكفاءة والقدرة النزاهة والثاقفة (وأكرر :
والثقافة لأنه لا "رؤية" فى إعتقادى لمن لا ثقافة له). صــ113
♣من الحقائق التى كان ينبغى أن تكون واضحة، وأن تكون نتائجها - بنفس الدرجة
- واضحة ومتسقة مع مقدماتها، هى أن هويتنا الثاقفية تقوم على الحقائق التالية:
* أننا - تاريخياً وآنياً - جزء من الثقافة العربية الإسلامية .
* أننا - جغرافياً - جزء من ثقافة شرق البحر المتوسط .
* أننا - زمنياً - جزء من العالم الحديث والذى يقوده "الغرب"،
وإن كانت الثقافة الذائعة والشائعة بإسم "الثقافة الغربية" هى ثقافة ذات
بعد غربى (لا ينكر) ولكنها أيضاً ثقافة ذات بعد "إنسانى" بمعنى أن
الكثير من "المحصول الثقافى الغربى" ليس غربياً وإنما وفد من ثقافات
أخرى سابقة ... صــ117
♣رغم أن إتقان اللغة العربية هو العمود الفقرى للتعامل مع دنيا الثقافة
العربية الإسلامية الثرية والرحبة، فإن أعداداً كبيرة من مثقفينا والشخصيات
المهتمة بالشؤون العامة فى واقعنا تملك محصولاً هزيلاً من اللغة العربية، بل وأكاد
أجزم أن بعضهم لا يملك أن يتكلم بلغةٍ عربية ٍ سليمة لمدةٍ وجيزة ٍ لا تتعدى
الدقائق القليلة . ومن المؤكد أن أى مراقب منصف لحياتنا العامة سيلاحظ بوضوح أن
قدرة الشخصيات العامة على الحديث والكتابة بلغةٍ عربيةٍ سليمةٍ قد واصلت الإنهيار
والإنحدار خلال السنوات الأربعين الأخيرة حتى بلغت اليوم ما هى عليه من وضع مؤسف
(بل وأراه كثيراً كوضع مهين لكبريائنا الوطنى والقومى) . صــ119
♣هناك كثيرون فى واقعنا يظنون أن الإيمان والإعتداد والإعتزاز بثقافتنا
الخاصة وهى الثقافة العربية إنما يعنى أن نكون فى موقف المعاداة أو التحفز أو
التوتر تجاه الثاقفة الغربية . والبعض الآخر يرى أن العصرية ومسايرة الزمن يعنيان
معرفة الثاقفة الغربية والتفاخر بها . دون اكتراث بالثقافة العربية الإسلامية أو
الإسلامية العربية .صــ128
♣كان شغل الوظائف الكبرى فى مجتمعنا، مثله مثل العديد من المجتمعات، على
أساس من مفهوم الأقدمية الذى رسخ فى مفاهيمنا الإدراية لسنوات طويلةٍ ولكن حقائق
الإقتصاد المعاصر تؤكد أن تولى الوظائف العليا سيكون فى المستقبل لأسباب ليس من
بينها الأقدمية . صــ150
♣بالإختصار فالشرقيون يعيشون فى مسارح الماضى الغابر ويميلون إلى الأمور
السلبية المسلية المفكهة ويكرهون المبادىء والتعاليم الإيجابية المجردة التى
تلسعهم وتنبههم من رقادهم العميق المغمور بالأحلام الهادئة . إنما الشرق مريض قد
تناوبه العلل وتداولته الأوبئة حتى تعود السقم وألف وأصبح ينظر إلى أوصابه وأوجاعه
كصفات طبيعية بل كخلال حسنة ترافق الأرواح النبيلة والأجساد الصحيحة فمن كان
خالياً منها عد ناقصاً محروماً من المواهب والكمالات العلوية . وأطباء الشرق
كثيرون يلازمون مضجعه ويتآمرون فى شأنه ولكنهم لا يداوونه بغير المخدرات الوقتية
التى تطيل زمن العلة ولا تبرئها . أنا أبكى على الشرقيين لأن الضحك على الأمراض
جهل كبير . أنا أنوح على تلك البلاد المحبوبة لأن الغناء أمام المصيبة غباوة عمياء
. (جبران خليل جبران - من كتاب العواصف)
صــ171
0 التعليقات:
إرسال تعليق