Pages - Menu

الأحد، 8 مارس 2015

انقراض العالم الثالث (أزوالدو دو ريفرو، ترجمة فاطمة نصر)


• إن التنمية لا تتعدى كونها إسطورة تساعد الدول المتخلفة على إخفاء أوضاعها التعيسة والدول المتقدمة على إراحة ضمائرها.
• إن التنمية الاجتماعية والاقتصادية هي مجرد أسطورة تروج لها الطبقات السياسية والتكنوقراطيات الدولية في هذه البلدان الفقيرة، حيث أنه، وبعد خمسين عاما من التجارب على التنمية ومليارات الدولارات من المعونات، مازالت غالبيتها دولاً متخلفة.
• كيف لأشباه الدول القومية أن تصبح قابلة للحياة اقتصاديا في ظل ما تشهده من تفجر النمو السكاني، واقتصار صادراتها على المواد الأولية، أو المواد التي تخضع للقليل من المعالجة، والتي تَراجَعَ الطلب عليها إلى حد كبير وانخفضت أسعارها بحدة؟
• كوكبة العالم المالي هي إحدى الظواهر متعدية/القومية التي ألحقت أعظم الأضرار بالسيادة القومية وأضعفتها، وأدت إلى فقدان الدول القومية ذات السيادة التحكم في عملاتها وسياساتها المالية.
• في الربع الأخير من القرن العشرين تكاثرت الكوربوريشنات عبر/الدولية وتضاعفت أعدادها: من 7000 شركة ومؤسسة إلى حوالي 38000 كوربوريشن لها 250000 فرع في أنحاء العالم، تعمل على نشر النماذج الاستهلاكية وأساليب الحياة المتطابقة في جميع الأرجاء.
• إن التحدي الأعظم الذي يواجه البلاد المسماة خطأ بالنامية في القرن الحادي والعشرين سيكون مقدرتها على الخروج من مصيدة التخلف العلمي والتكنولوجي الناجم عن عدم اهتمامها الثقافي التاريخي بالنظرية العلمية والعلوم التطبيقية.
• لا يعدو تاريخ البلدان التي تُسمى بالنامية أن يكون سوى سلسلة من الديون والإعسارات المتنامية..
• لقد جعلت الثورة الصناعية الأولى، بسبب كثافة مجالات العمل التي أوجدتها، من البروليتاريا قوة سياسية. أما في حالة الثورة التكنولوجية الراهنة، فإن القوى السياسية المتبقية تنحصر في أصحاب رؤوس الأموال وُمنتجي البرمجيات..
• في غضون العقود الأخيرة، تغيرت ثروة الأمم حيث كان أي نص كلاسكي يعالج علم الاقتصاد الدولي يعتبر أن البلاد التي تتمتع بوفرة المواد الطبيعية بلاد غنية لكن هذا لم يعد صحيحاً الآن. مفتاح هذا التغير هو البرمجيات التي أضحت المادة الخام الجديدة الاستراتيجية.
• اليوم وعلى الرغم من أن النفط هو المنتج الأساسي الوحيد الذي مازال يأتي بدخول عالية، إلا أن البلاد المُنتجة له، وعلى الرغم من الأموال الوفيرة التي تكسبها، قد فوتت فرصتها التاريخية لتحديث اقتصاداتها تكنولوجياً.
• يمكن اعتبار البشرية اليوم مجتمعاً بشرياً "ثنائياً" ينقسم بين أقلية ثرية مكونة من أشخاص مكرسين للأنشطة العقلية المجردة من المواد، يعملون على اختراع تكنولوجيا عصرية ومنتجات وخدمات جديدة، وفي الجانب الآخر غالبية من الفقراء مازالوا يحيون معتمدين على القوة الجسدية، أو يؤدون أعمالاً بيروقراطية روتينية، ويستهلكون مواردهم الطبيعية.
• إذا لم تستطع البلدان المتخلفة تنموياً تحديث صادراتها من خلال إضافة محتوى تكنولوجي أكبر، وإذا فشلت في تقليص معدلات المواليد، فإن الفقر الذي يعيش تحت وطأته الآن 1.3 مليار شخص سيشمل حوالي 3 مليارات شخص بحلول عام 2020.

=============================
▬ لا تكاد عدم القدرة على الأداء الفاعل في الاقتصاد الكوكبي الحديث أن تكون سمة مقصورة على بيرو، إذ إن تاريخ غالبية بلدان أمريكا اللاتينية وإفريقيا وأسيا منذ استقلالها ما هو إلا سجل للخلل الوظيفي والتهميش الكوكبي. من ثم، تجد أعدادً كبيرة من البلدان التي تُسمى خطأ بالدول النامية، والتي تشهد انفجاراً سكانياً حضرياً، صعوبة كبيرة، وإن لم يكن استحالة في تحديث نفسها كي تشارك في الاقتصاد الكوكبي الذي يتطلب، بتزايد، السلع المصنعة الراقية، والخدمات الأكثر كفاءة، واستخدام كميات أقل من مواردها الأولية، وأعداد أقل من قوة عمالتها غير الماهرة الوفيرة. صــ 13

▬ أثناء الحرب الباردة تسبب التكريس لحق استقلال الشعوب بدولها القومية، ومبدأ حق تقرير المصير في قيام عدد غير مسبوق من الدول القومية. وقتئذ، أدان المنظرون أية دعوة للحرص في تطبيق مبدأ حق تقرير المصير وتعاملوا مع تلك الدعوات على أنها إمبريالية، مؤيدة للاستعمار أو رجعية، وزعموا أن تأجيل حق المصير سيعمل على انطلاق الحق المناظر لشن حروب تحررية وما يرافقها من واجبات مساعدة الشعوب المتمردة. كانت معارضة طوفان القضاء على الاستعمار ومحاولة إعادة إنتاج نموذج الدولة القومية الأوروبية في بيئات بشرية لا تملك مفهوم الدولة أو الأمة، والتي كانت تفتقد كلا من الطبقة الوسطى، والسوق القومي، تلك العناصر الضرورية اللازمة لقابلية الخضوع لنظام حكم، والقابلية للحياة، كانت معارضة تعتبر جرما ومن المحرمات. سارعت أطرف الحرب الباردة المتنافسة بمجرد الاعتراف بتلك الدول الوليدة بلادا مستقلة إلى إغداقها بالمعونات من أجل ممارسة النفوذ عليها. ومع انتهاء الحرب الباردة، تبخرت قيمة تلك البلاد الاستراتيجية وتُركت دونما معونات تقريباً، أو معاملة خاصة بصفتها دولا نامية. أصبحت تحت رحمة الانتخاب الطبيعي الدارويني من خلال اقتصاد كوكبي جديد يقوم على المعلومات والخدمات، اقتصاد مضى اعتماده على مواد تلك البلاد الأولية وقوة عمالتها الوفيرة غير المتعلمة، يتراجع باطراد. صــ 21

▬ لا تستطيع الثورة التكنولوجية عبر/القومية استيعاب السبعة وأربعين مليون شخص الذين يدخلون سوق العمل سنوياً في أنحاء العالم. يعمل التنافس القائم بين الكوربوريشنات عبر/القومية على إجبارها على أتمتة مصانعها وإعادة هيكلة أساليبها الإنتاجية مما يتسبب في خلق مزيد من البطالة وليس مزيداً من فرص العمل. واليوم، لا يمكن للدول القومية الوفاء بوعودها بإيجاد عمل للجميع كهدف لها، ومن ثم، غدت قطاعات واسعة من سكانها بدون عمل وفي حالة إقصاء عن المجتمع. أما في أشباه الدول القومية، فتكتسب البطالة أبعاداً غير مسبوقة في الأعوام القادمة وذلك لأن الابتكارات التكنولوجية واتساع نطاق الأتمتة ستتزامن مع انفجار أعداد السكان الحضريين. صــ 34

▬ [..] هذه الرقابة فوق / القومية التي يمارسها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي على السياسات الاقتصادية القومية لبلدان أمريكا اللاتينية وأسيا وإفريقيا، هي ظاهرة جديدة في العلاقات المعاصرة. تعكس تلك الظاهرة بجلاء تآكل السيادة القومية وظهور سلطة فوق /قومية على كامل مصنف أشباه الدول القومية التي تقول إنها ذات سيادة. وفي واقع الأمر، فقد فقدت ما تُسمى بالدول النامية في ظل رقابة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي التحكم الديمقراطي في سياساتها الاقتصادية والمالية والقومية. صــ 57

▬ الداروينية الدولية.. من آدم سميث إلى تشارلس داروين: في كتابه بعنوان "عن أصل الأنواع بواسطة الانتقاء الطبيعي" (1859) ذهب تشارلس داروين إلى أنه وفقا لقانون الانتقاء الطبيعي فإن الأنواع الأصلح للتنافس على بقائها فقط هي التي بإمكانها التكاثر والبقاء.لم يخطر له آنذاك، أنه وبعد حوالي 140 عام، وفي مستهل القرن الحادي والعشرين سيقوم السوق الكوكبي والثورة التكنولوجية بتطبيق القاعدة ذاتها، والسماح للأصلح فقط من البشر والشركات والاقتصادات القومية بالبقاء، أما من يُعتقد أنهم أقل قدرة على التنافس، فيتم تهميشهم ويُنظر إليهم على أنهم أنواع غير صالحة اقتصادياً. الفرق الوحيد بين الداروينية الاقتصادية الراهنة التي تقوم على أساس تكنولوجي وبين القانون الطبيعي هو أن الأخير تخلص من الأنواع غير الصالحة على مدى ملايين السنوات، في حين أن عملية انتقاء السوق الراهن التي تدفعها التكنولوجيا بإمكانها أن تجعل الآلاف يفقدون وظائفهم وعملهم في غضون أشهر معدودة، وتُقصى شركات متنافسة من السوق في مدة لا تتجاوز العامين، ولا تحتاج سوى إلى عقد واحد لتحويل كثير من الدول القومية إلى اقتصادات غير قابلة للحياة. صــ  75

▬ تعمل التكنولوجيا، فيما يلهمها السوق الدارويني، كعامل حاسم للتخلص من الذين لا يتكيفون مع تقدمها. واليوم، فإن الثورة التكنولوجية في سبيلها للقضاء على المصانع الضخمة ومجموعات السكان من البروليتاريا الذين اعتادوا تشغيل تلك المصانع، بحيث يحل محلها مراكز إنتاج صغيرة على قدر كبير من الأتمتة الرفيعة، بها وفرة من المعلومات المحوسبة، والظائف المؤقتة. يحدث نمط التحديث هذا في جميع فروق الإنتاج الصناعي تقريباً والنتيجة هي عملية عالمية لا تتوقف من القضاء على البروليتاريا. إن النقلة من اقتصاد عالمي يقوم على أساس المصانع إلى اقتصاد يقوم على أساس مشاريع محوسبة بدرجة عالمية هي نقلة جذرية صادمة بأكثر مما كان الانتقال في القرن التاسع عشر من الزراعة إلى الصناعة. كانت الثورة الصناعية التي اعتمدت على العمالة بدرجة هائلة، تدريجية بحيث أتاحت الوقت للمجتمع الزراعي كي يتكيف مع عصر الآلة. علاوة على ذلك، فقد خلقت الثورة الصناعية وظائف أكثر من تلك التي قضت عليها. وبالتقابل فباستطاعة ثورة الحسابات القضاء على عدد أكبر من الوظائف بأسلواب أكثر قسوة. كما أنها تخلق بالضرورة وظائف أفضل للغالبية العظمى من العاملين، وستعمل على تعميق عدم المسماواة الاجتماعية. تسير ثورة الحاسبات بخطى أسرع فيما أن أثارها الاجتماعية أكثر صرامة حيث يتم التخلص، ببساطة، من العمال غير المهرة. وإذا استطاع من يفقدون وظائفهم والذين لم يتدربوا على التكنولوجيا الجديدة الحصول على عمل، سيكون عليهم أن يرضوا بمرتبات أقل في غالبية الحالات. صــ 92

▬ في غضون السنوات الأربعين الأخيرة، لم تتمكن سوى بلدين صغيرين فقط، هما كوريا الجنوبية وتايوان، من التقدم تصبح مجتمعات صناعية متقدمة تكنولوجياً بعد أن كانتا مجتمعات زراعية، ونجحتا في التغلب على أوضاع الفقر التي كانت سائدة ورفع ومستويات المعيشة بحيث خلقتا طبقة وسطى مهيمنة. على أي حال فقد تم هذا في وجود مستويات ديمقراطية وثقافية وعلمية واجتماعية أقل كثيراً من نظيراتها في أوربا والولايات المتحدة. أما المنطقتان اللتان يطلق عليهما منظرو التنمية "البلاد المصنعة حديثاً NICs" أي هونج كونج وسنغافورة اللتين قاربت مستويات المعيشة فيهما نظيراتها في الديمقراطيات الرأسمالية المتقدمة، فهما ليستا دولتين قوميتين بل دولتين-مدينتين صغيرتين. لم تواجه التنمية فيهما المشاكل الهائلة التي يقتضيها رفع مستويات المعيشة في بلدان شاسعة تعاني من انفجار سكاني لا يمكن وقفه في مناطقها الحضرية كما هو الحال في غالبية البلدان المتخلفة. صـ 106

▬ الحقيقة العارية الجلية هي أن لا أحد يعرف اليوم كيفية الوصول إلى "إل دورادو". ففي جميع البلاد، يزداد الأغنياء ثراء، والفقراء فقراً. يساوي مجموع دخل المليارديرات الثلاثمائة الأكثر ثراء في العالم مجموع دخول 2.7 مليار شخص الذين يمثلون 40% من سكان العالم. يبلغ عدد الأفراد الذين يملكون الأموال التي تمكنهم من استهلاك منتجات الاقتصاد العالمي وخدماته 1.8 مليار شخص فقط. أما الباقون والذين يربو عددهم على 4 مليارات شخص فلا يملكون سوى التحديق في فاترينات المحلات. لم يرتفع دخل الأفراد الحقيقي في حوالي مائة بلدة فقيرة طوال العشرين عاماً الأخيرة. صــ 109

▬ بعد 190 عام من استقلال كثير من بلدان أمريكا اللاتينية، كان ينبغي لها أن تتنافس علميا وتكنولوجياً مع بلدان جنوب أسيا والصين، والهند، بيد أنها، ومع عدم اختراعها أي شيء، فقد أصبحت أرضاً جرداء علمياً، حيث إنها جميعها، وبإستثناء البرازيل، لا تستثمر أكثر من 1% من مجمل الناتج المحلي في الأبحاث والتنمية. هذا الوضع هو نتيجة التوجه الثقافي في أمريكا اللاتينية، وفي البلدان النامية الأخرى، لإضفاء قيمة على الدراسات الإنسانية تفوق تلك التي تضفيها دراسة على العلوم الطبيعية، والفيزياء والأحياء، والكيمياء، والرياضيات حيث تُفضل الآداب على اللوغاريتمات، والمنطق على التجارب، والمعتقدات الراسخة على الشك العلمي، وقاعات المحاضرات على المعامل. صــ  113 

▬ لا يُدرك السياسيون الذين يحاولون إعادة تنشيط الاقتصاد خطورة تطبيق توصيات جون ماينارد كينز في القرن الحادي والعشرين، وذلك لأن هذا الاقتصادي البارز لم يتخيل أبداً أنه ستوجد مجتمعات استهلاكية ثرية تنفث الغازات التي تسبب الاحترار الكوكبي، وتذيب قمم الجبال الجليدية القطبية، وغيرها من الأنهار الجليدية مما يرفع منسوب مياه المحيطات، وإضافة إلى هذا كله شح المياة الهائل في العالم. لا يدرك سوى القليلين أن هذه الأزمة مختلفة، وأن كوكبنا، ومع احترار مناخه المستدام، يحذرنا من أنساق الاستهلاك المدمرة هذه التي تعتمد على موارد الطاقة التي ينجم عنها انبعاث غازات الدفيئات (الفحم والنفط والغاز). لا شك أن الثمن الذي سندفعه سيكون باهظاً من حيث الكوارث المستقبلية، إذ إن الكوكب نفسه سيشارك في تلك الكوارث، كما أن للأزمة الحالية بعداً بيئياً لم يكن موجوداً عام 1929. صــ 173


▬ واليوم، وبعد ما يربو على خمسين عاماً من نظريات التنمية وسياساتها فلم يتجاوز متوسط زيادة دخل الأفراد في البلدان التي تُسمى خطأ ً "البلاد النامية" نسبة 2.6%، وهذا يقل كثيراً عن معدل النمو الضروري للهروب من الفقر. يوجد حوالي 5 مليار نسمة في العالم المتخلف تنموياً، يعيش 2.8 مليار منهم على دخل يتراوح بين دولارين وثلاث دولارات يومياً لا يكاد يكفيهم للبقاء على قيد الحياة، فيما لا يستطيع 1.3 مليار من سكان تلك البلاد إطعام أنفسهم على الدخل الذي يبلغ دولاراً واحداً في اليوم لكل منهم، أي أنهم يعيشون في فقر مدقع. لابد من أن يقترن هذا الواقع بالتحديات الجديدة الناجمة عن عدم التوازن الفيزيقي/الاجتماعي بين أعداد السكان المتنامية وبين الكميات غير الكافية المتاحة من المياة والطعام والطاقة. علينا، في مواجهة أزمة حضارتنا هذه، أن نتخلى عن البحث عن المواطن الأسطورية للثروة، وأن نتخلى أيضاً عن الأجندة المراوغة لثروة الأمم، ونحل محل هذا مسعى واقعياً من أجل بقاء الأمم. إن الأولويات الملحة الآن هي العمل على استقرار معدل تنامي السكان الحضريين، وعلى زيادة المتاح من إمدادات المياة والطعام والطاقة وإلا تحولت الحياة الحضرية في البلاد الفقيرة المتخلفة تنموياً إلى جحيم، وانهارت تلك الأمم لتصبح كيانات فوضوية غير قابلة للتحكم UCEs. صــ 199 - 200

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق