Pages - Menu

الثلاثاء، 18 يونيو 2013

نظرية جوتلوب فريجه المنطقية (ياسين خليل)


• ما العدد؟
• ما هي القوانين الأساسية لعلم الحساب؟
• يقول فريجه : ما الرياضيات إلا منطق بلغ ذورة التقدم!.
• إن نظرية العلم هي النظرية المنطقية العامة للعلوم، وبعبارة أخرى إنها منطق العلوم بمعنى واسع.
• فضلت استخدام وظائف الأفكار من دون التقيد بطبيعة الأفكار، وهل هي ميتافيزيقية أو علمية، لأن المقياس عندي هو جدارة الفكرة وضرورتها في البحث العلمي (كارل بوبر)، ونلاحظ  هنا نزعة براجماتية.
• بدأت المحاولات الفلسفية في بناء الفلسفة على أصول علمية في العهد اليوناني، فاتخذت عند فيثاغورث وأفلاطون شكلاً رياضياتياً دقيقاً، واستمر هذا التيار في الفكر الفلسفي، فنجده واضحاً أكثر عن كل من ديكارت وليبنتز وكانط وبولزانو وجوتلوب فريجه وبرتراند رسل وغيره.
• ما هي قيمة الصدق في القضايا؟ هل صدق القضايا من كذبها شيء مهم بالنسبة لنا؟
• لقد أدرك فريجه أن الفلاسفة وعلماء اللغة يخلطون بين المعنى والدلالة مع العلم أن لهذا التمييز أهمية كبيرة في الدراسيات المنطقية واللغوية، كما ان عدم التمييز بينهما قد يقودنا إلى الوقوع في متناقضات لا تنفع العلم والمعرفة.
• الفكرة عنده - أي فريجه - هي معنى لمحمول، أما الشيء فيمكن أن يكون معنى لموضوع.
• لقد أثبت فريجه أن علم الحساب مشتق من المنطق وصادر عنه.
• لقد أظهر راسل أن في نظرية فريجه المنطقية تناقض. (وهو ما عُرف بمتناقضة راسل)، وخروجاً من هذا التناقض ظهرت نظرية الانماط المنطقية؛ لحل المتناقضات المعروفة في المنطق والرياضيات.
• إن لغة التداول بحد ذاتها غير منطقية، وقواعدها لا تصلح لان تكون قوانين في العمليات الإستدلالية.
• كيف نجعل الرياضيات لغة رمزية تامة خالية من الكلمات ؟
• يفهم فريجه تحت تعبير "القوانين المنطقية" ليس القوانين السيكولوجية، بل قوانين ما هو حقيقة بالفعل " وهذا يعني أن ما هو حقيقة لا يعتمد على ما يحكم به الفرد، بل أنها قوانين ثابتة لا تتغير بتغير حكم الأفراد.
• التصورات في رأي فريجه أشياء نفسية وتختلف بإختلاف الأشخاص كما أنها ترتبط بزمان ومكان.
• يتحامل فريجه على الإتجاهات السيكولوجية في المنطق والرياضيات وخاصة في تصوير العدد على أساس أنه ذاتي أو نفسي، فبالنسبة له يكون العدد خاضعاً للبحث العلمي الموضوعي، وأن العدد ليس شيئاً سيكولوجياً أو نتيجة لعلمية عقلية..والاعداد في نظره هي أفكاراً منطقية لا غير.
• هدف فريجه الأول هو تكوين النظرية الإستدلالية التي يستعمل علماء الرياضيات قوانينها ضمنياً عند البرهان، وهي تكون بلا شك القاعدة الأساسية في كل برهان رياضياتي، وأن كل برهان بدونها مستحيل.
• وجد فريجه - كذلك - أن علماء الرياضيات يستخدمون الأفكار الرياضياتية بتعريفات بسيطة دون أن يتعمقوا في دراسة طبيعتها وجذورها.
• ان لغة التداول رغم أهميتها لا يمكن الإعتماد عليها في الدراسات العلمية الدقيقة.
• ينتهي فريجه إلى أن علاقة الذاتية قائمة بين الأسماء التي تدل على أشياء.
• الموضوع هو الشيء الذي نتكلم عليه أو نحمل عليه، أما المحمول فهو الصفة التي نتكلم بواستطها على الموضوع أو هي الصفة التي تحمل على الموضوع.
• وفي الحقيقة اننا نجد معظم محاولات الفلاسفة في بناء الأنظمة الفلسفية متأثرة بالرياضيات التي اعتبرها الفلاسفة مثال العلم اليقيني.
• ونظرية البرهان عند فريجه تتصف بكونها رمزية بحتة لا تحتوي البراهين فيها على كلمات أو توضيحات جانبية أو وصف منطقي في عملية البرهان بطريق غير مباشر.
• القضايا الصادقة تلزم عنها قضايا صادقة أيضاً، أما القضايا الكاذبة فيظل الحكم فيها معلقاً (قد يلزم عنها قضايا كلها او بعضها كاذبة) ولكن نقول  يجب ان تلزم عنها قضية واحدة (على الأقل) كاذبة.
• أدرك فريجه الأخطاء المترتبة على استعمال اللغة لإيضاح بعض الخطوات الإستنتاجية، فجاء منطقه خالياً من هذه الإستعمالات فحقق رمزية مطلقة في الرياضيات والمنطق.
• الروابط المنطقة الأساسية هي: الإلزام والشرطية والبدل والعطف والنفي والذاتية.
• يميز فريجه في تحليله للغة بين المعنى والدلالة، وهذا التمييز شبيه لحد كبير بما هو معروف في المنطق بالمفهوم والماصدق.
• تعتبر نظرية التعريف جزءاً أساسياً في العمل المنطقي والتحليل، وأننا لا نستطيع أن نتقدم في التحليل دون الإستعانة بالتعريف.
• إختار فريجه من بين الروابط المنطقية النفي والإلزام كأفكار غير معرفة، وقد عرف بواسطتها بقية الروابط المنطقية مثل البدل بنوعيه المتصل والمنفصل، والعطف ورابطة "لكن" وغيرها..
--------------------------------------------------------

▬ يستند الدكتور ياسين خليل في نقده للوضعية المنطقية على مبدأ التكذيب عند كارل بوبر، إذ ينتقد مبدأ التحقق قائلاً :"إن للتعميم القائل ان جميع القضايا التي لا تستطيع التثبت منها تجريبياً - عدا الرياضيات والمنطق - هي قضايا ميتافيزيقية، أخطاراً كبيرة في نطاق العلوم، لأنه يؤدي بنا إلى إلغاء عدد كبير من الفرضيات، التي لم يستطع العلم التثبت منها تجريبياً، بينما هي ضرورية جداً في البحث العلمي". بالإضافة إلى رايه النقدي، والذي ينص على أن هنالك الكثير من الأفكار والفرضيات التي لا تستند على أساس تجريبي، لإستحالة هذا الأمر وصعوبة ذلك التحقق، إذ تعد تلك الأفكار والفرضيات المذكورة، من العوامل التي ساعدت على تقدم وتطور العلوم، مثلاً فكرة الإيمان بأن هناك نظاماً في الكون وسيطرة الجانب الرياضياتي عليه، فضلاً عن بساطته.

▬ بالرغم من اهمية البحوث المنطقية التي قدمها فريجه للعلم والمعرفة، إلا أنها بقيت غير معروفة في الأوساط الفلسفية والرياضياتية. وبقيت شخصية فريجه غير معروفة بالرغم من اصالة بحوثه وأهميتها. ومن الجدير بالذكر هنا ان فريجه عاش في عصرظهر فيه عباقرة الرياضيات أمثال ريتشارد ديدكند ، وجورج كانتور ، وكرونكر، ولكن مؤلفاته لم تثر إنتباه علماء عصره وفلاسفتهم، ولقد ترك هذا الإهمال الماً شديداً في نفس فريجه.

▬ يعد فريجه بدون شك من عمالقة الفكر الأوروبي لما قدمه من أبحاث أصيلة ومبتكرة وطرق جديدة في الدراسات الرياضياتية والفلسفية، فهو مفكر من طبقة ليبِنتز، ولكنه يفوق ليبِنتز أهمية، لأنه أول من استطاع أن يحقق اشتقاق الرياضيات من المنطق. فهو بالنسبة للمنطق الرياضياتي المعاصر المؤسس الأول، ومثله كمثل ارسطو بالنسبة للمنطق القديم (الكلاسيكي). وأننا في الحقيقة لا نجد شخصية كتبت في المنطق وكان لها التاثير بعد ذلك في الدراسات المنطقية والفلسفية منذ أرسطو إلا جوتلوف فريجه. صــ13

▬ ولربما يتسائل المرء عن السبب الذي جعلنا نعتبر فريجه بهذه المنزلة العلمية وعن الأشياء التي حققها وسعي إلى تحقيقها في هذا المصاف من العبقرية وذياع الصيت. وللإجابة عن هذه الاسئلة يجدر بنا أن نتذكر محاولات الفلاسفة في جعل الفلسفة علماً مضبوطاً قائماً على أسسس برهانية أو رياضياتية، وكذلك محاولات الرياضياتيين لبناء الرياضيات على أسس رمزية مبتعدين بذلك عن غموض لغة التداول، ومستهدفين بناء لغة رمزية منطقية. كما نجد في بداية العصر الحديث من يحاول بوضوح جعل الفلسفة عبارة عن رياضيات بعيدة عن الجدل الميتافيزيقي والسوفسطائية الكلامية. كان ليبنتز رائد هذه الحركة العلمية في الفلسفة، لأنه أراد أن تكون الفلسفة رياضياتية؛ لكي ينتقي الجدل العقيم وتصبح الأفكار مبطوعة على هيئة رياضياتية أو حسابية. وكانت محاولاته الجدية في بناء المنطق على أسس رياضياتية تستهدف بناء حساب منطقي Logical Calculus على غرار ما هو معروف في الرياضيات، فوضع برنامجه المنطقي الذي أصبح بعدئذ هدفاً من أهداف المنطق والفلسفة في التأريخ الحديث.

▬ لقد أدرك فريجه ببصيرة ثاقبة العلاقة بين الرياضيات والمنطق، وتبين له أن نظرية الاعداد الطبيعية theory of natural numbers التي تؤلف القاعدة الأساسية لعلم الحساب ما هي إلا امتداد للمنطق، بل أن اشتقاق الرياضيات من المنطق أمر طبيعي إذا عرفنا القوانين المنطقية التي يقوم عليها الإستنتاج والبرهان وأدركنا أن الأفكار الرياضياتية يمكن تعريفها بالأفكار المنطقية: وهذا يعني أن الرياضيات تفترض المنطق بالضرورة سواء كان ذلك في العمليات البرهانية أم في بناء الأفكار وفهم معانيها.

▬ طور فريجه نظرية منطقية جديدة وأعطاها أهمية كبيرة في بحثه المنطقي الرئيسي وهي نظرية تعاقب القيم، وذلك لأنه وجد من دراساته أن تعريف العدد يستلزم مفهوم مجال الفكرة، أي أن العدد ليس إلا مجالاً فكرياً، وأن المجال الفكري حسب مفهوم فريجه ما هو إلا تعاقب قيم. ويمكن وضع هذه الحجة كما يلي : العدد هو مجال فكري ، والمجال الفكري هو تعاقب قيم، وعلى ما يظهر يعتبر فريجه مفهوم تعاقب القيم من المفاهيم المنطقية، وأن تعريف العدد اذن يتم بواسطة مفهوم "مجال الفكرة" الذي هو بحد ذاته ما هو الا تعاقب قيم.

▬ وفي أثناء مناقشة فريجه الأصول المنطقية لنظريته نجده يميز في القضية شيئين هما (أ) معرفة الصدق ، (ب) المحتوى الذي يكون صادقاً. ولكنه في مقالته "حول المعنى والدلالة" يرى رأياً آخر وهو أننا نميز في القضية معناها أو الفكرة التي نفهمها بمجرد سماع القضية دون أن نعرف فيما اذا كانت القضية صادقة أو كاذبة. أما الدلالة فهي بالنسبة لتفكير فريجه في مقالته صدق أو كذب القضية. وهذا يُعني بوضوح أن دلالة القضية هو قيمة الصدق التي تكون إما صادقة أو كاذبة. ولكن هذه القيمة تكون صادقة دائماً في حالة قضايا المنطق.

▬ لقد كانت مهمة فريجه هي أن يجعل الرياضيات أو العمليات الرياضياتية منطقية، وبمعنى آخر : أن ينتقل من قضية إلى أخرى تلزم عنها أو مشتقة منها دون أن يكون في العملية البرهانية فجوة. وبهذه الروح الرياضياتية أدرك فريجه أن المنطق ليس جزءَ من علم النفس كما أنه ليس جزءَ من الميتافيزيقا، بل أنه يؤلف القاعدة الأساسية للرياضيات البحتة.

▬ تتالف لغة المنطق عند فريجه من : 1) الأفكار الأساسية التي يمكن تصنيفها إللى : أ) الأفكار المنطقية وتشمل المتغيرات والثوابت والدالات والصدق. ب) الروابط المنطقية وتشمل النفي والإلزام كروابط أولية نعرف بواسطتها بقية الروابط الأخرى. جـ) الكلية التي بواسطتها وبالنفي نعرف الجزئية. د) المساواة أو الذاتية. هـ) التعريفات. 2) القضايا الاولية أو البديهيات. 3) القوانين الإستنتاجية. 4) البراهين. وبناء على ذلك تكون طبيعة هذه المنطق رمزية - صورية أو رياضياتية وإستنتاجية برهانية. أما قضاياه فتتميز بأنها قبلية وصادقة دائماً ولا يمكن أن نحصل على قضية كاذبة من مقدمات صادقة. وهذا يعني أن هذا المنطق الزامي، لأننا نشتق من البديهيات قضايا أو مبرهنات، وأن هذا الإشتقاق لا بد أن يتوفر فيه عنصر الإلزام المنطقي.

▬ ولكن هذه اللغة التي قام ببنائها فريجه لا تخدم الرياضيات فقط، بل انها في الحقيقة أداة مفيدة في الدراسات الفلسفية تأخذ مجرى الأفكار الرياضياتية، وأن تكون الفلسفة علماً، وليس مجرد أقوال يتفوه بها الفلاسفة دون تحديد وتعيين لمعانيها. هذا ان دل على شيء فإنه يدل كذلك على أن هدف فريجه المهم من بناء هذا المنطق يتجلى في بناء لغة عامة نستطيع بواسطتها أن نحصل على جميع الحقائق، وأن نعبر برموزها وأفكارها عن جميع القضايا الصادقة. وهذا هو جوهر العمل الفلسفي الذي أراد ليبنتز تحقيقه للعلوم المختلفة.

▬ إذا حللنا لغة التداول إلى عناصرها التي لها فائدة منطقية، فإننا سنحصل أول الأمر على القضايا التي بدورها تنحل إلى حدود أو أسماء، ويمكن أن تنحل الأسماء في حالة كونها مركبة إلى أجزاء أصغر منها لها دلالة أو إلى أسماء بسيطة، أما إذا كان الإسم بسيطاً فإن تجزءته إلى أصغر منه غير ممكنة. والأسماء والقضايا ضرورية في الدراسات المنطقية، لذا نجد فريجه يتناول هذه المكونات اللغوية في مقالته "حول المعنى والدلالة" ليدرسها من ناحية منطقية هامة هي إرتباط المكونات بمعنى ذهني أو بأشياء خارجة عن المستوى اللغوي.

▬ وإذا كانت الذاتية علاقة بين الأسماء، فإنها في الأولى قضية تحليلية صادقة بالضرورة، وتتميز بأنها لا تضيف إلى خبرتنا شيئاً جديداً. وتختلف هذه القضية عن القضية الثانية "أ =ب" من ناحية مهمة هي ان صدقها لا يتم إلا إذا كانت أ تدل على الشيء الذي تدل عليه ب ، وهذا معناه أن هذه القضية تضيف إلى معرفتنا شيئاً جديداً، كما أن القضية "أ=أ" تتميز فيها الحدود بتشابه المعنى والدلالة معاً، في حين نجد حدود القضية "أ=ب" مختلفة في المعنى متشابهة في الدلالة فقط. وهذا التمييز يقودنا كذلك إلى تمييز فريجه بين الإسمين "نجم الصباح ونجم المساء". فنحن نستطيع أن نقول معبرين عن الذاتية بشكلها الأول أن نجم الصباح هو نجم الصباح" كما يمكننا أن نعبر عن الذاتية بشكلها الثاني أن نجم الصباح هو نجم المساء. وبذلك نكون قد حصلنا على وجهين مختلفين لعلاقة الذاتية بين الأسماء.

▬ ويجب هنا أن نلاحظ ان المتوالية - يقصد الحروف المكونة لكلمات - التي تتألف من رموز ليس من الضروري أن يكون لها معنى أو دلالة، لأننا من الممكن أن نأتي بمتوالية غريبة عن اللغة التي نتكلم بها وغير خاضعة لقوانين تلك اللغة، فلا يكون لها معنى أو دلالة، بل هي مجرد متوالية خالية من المعنى. ولكننا على العموم نعرف الرموز والأسماء التي نستعملها في لغة ما تعبر عن معنى معين، وأن هذا المعنى مدرك من قبل كل شخص يعرف هذه اللغة. ولكن معرفتنا لا تُعني كذلك معرفتنا للشيء يعبر عنه الإسم، لأنه من الممكن أن نفهم معنى قضية أو اسم ما، من دون أن نعرف فيما إذا كانت هذه القضية صادقة أو كاذبة. ولكننا على العموم وفي الحالات الطبيعية نعرف أن بين الرموز والمعنى والدلالة علاقة. فالرمز له معنى معين، وان هذا المعنى يطابق دلالة (شيئاً) معينة. ومن الضروري أن نعرف أن هذه العلاقة ليست عامة دائماً، لأننا قد نصادف بعض التعابير التي يكون لها معنى دون أن تكون هناك دلالة أو شيء مطابق لهذا المعنى. ورب شخص يثير سؤالاً فلسفياً طالما تعرض له الفلاسفة والمناطقة هو هل لإسم العلم معنى؟ وللإجابة عن ذلك نأخذ بعض الأمثلة من الحياة العامة. فإذا تفوه أحدنا بإسم "خالد بن الوليد" مثلاً نفهم من هذا التعبير أشياء كثيرة مثال ذلك "بطل مقاتل من أبطال الدعوة الإسلامية" أو "بطل اليرموك" أو "بطل حرب الردة" وهكذا. كل هذه الأشياء أو بعضها يمكن أن تثار في ذهن السامع عند سماعه اسم "خالد بن الوليد" . وبالرغم من تفاوت هذه المعاني إذا أخذ كل واحد منفصلاً عن الآخر، فإن ذلك لا يغير من شخصية خالد بن الوليد. وهذا يعني أن هذه المعاني تطابق الشيء الذي تصفه، وأن الدلالة واحدة في جميع الأحوال. وعلى هذا الأساس يمكننا اعتبار الصفات التي تقترن بالشخص الذي يشير اليه الرموز معاني. ونعود الآن إلى الأسماء والتعابير التي يكون لها معنى دون أن يكون هناك شيء موضوعي يطابق المعنى كقولنا "المربع الدائري" و "ملك فرنسا الحالي أصلع". فالنسبة لنا نقرن بالإسم "المربع الدائري" معنى وهو أننا نفهم ما نقصد بهذا الإسم، ولكن المسألة تبدو مختلفة عندما نسأل فيما إذا كان هناك شيء معين نطلق عليه هذا الإسم، لأأن هذا الإسم لا يشير إلى شيء موضوعي، بل لا يوجد شكل هندسي اسمه "المربع الدائري". وبتعبير دقيق نقول أن لهذا الإسم معنى ولكنه خالٍ من الدلالة. وكذلك الأمر بالنسبة للقضية "ملك فرنسا الحالي أصلع" فهي مفهومة، لأننا نعرف ماذا نعني عند إستخدام الإسم ملك فرنسا الحالي ونصفه بالصلع. وهي مفهومة للشخص الذي يسمع القضية لأول مرة ولا يعرف فيما إذا كانت هذه القضية صادقة أو كاذبة. ولكن هذا الفهم غير كافٍ لمعرفة صدق أو كذب هذه القضية. ولكي نتثبت من ذلك علينا أن نبرهن على ذلك بالتجربة، وأن نعرف إن كان هناك ملك في فرنسا حالياً وأنه اصلع. وعندئذ يتضح لنا أن ليس هناك ملك في فرنسا حالياً، وأنه تبعاً لذلك لا نستطيع القول فيما اذا كان هذا الشخص أصلع أم لا، لأن هذا الإسم له دلالة أو شيء ينطبق عليه المعنى. وبتعبير مختصر نقول أن لهذه القضية معنى دون أن يكون لها دلالة أو شيء يشير إليه أو يطابق المعنى.

▬ حلل فريجه اللغة إلى ثلاثة مستويات هي المستوى الرمزي البحت ومستوى المعاني ومستوى الدلالات، وبينما يرتبط العنى بالرمز نجد الدلالة عند فريجه أشياء غير لغوية خارجة عن نطاق اللغة ذاتها. ولكن المهم عند فريجه في هذا التحليل غايته التي يسعى إليها في بناء نظام منطقي فيه الرموز ليست علامات فقط،  بل علامات لها دلالتها مرتبطة بالأفكار، فليست الرياضيات والمنطق في رأي فريجه مجرد رموز تتحكم فيها قوانين وقواعد تساعد على الإشتقاق والإستنتاج، بل ان للرياضيات فائدة عملية في الحياة اليومية، لذلك لا بد أن تشير العلامات الى أشياء وأن تكون العمليات الرياضياتية ذات نفع. ومن هذا المنطلق الفلسفي يحاول فريجه من تحليله للقضايا والمفاهيم الرياضياتية معرفة الأساس الذي تستند عليه. فالاعداد مثلاً ليست ارقاماً فحسب، بل هي ذات معانٍ وإستعمالات، فالعدد 2 مثلاً يشير إلى كل زوج من الأشياء في الطبيعة، فهو من جهة رمز من الرموز الرياضياتية له معنى معين في الذهن ويشير إلى أشياء في العالم الخارجي.

▬ ويظهر أن أكبر الصعوبات التي تواجه الدارس لمنطق فريجه هي طريقته الرمزية، لأنه اتبع طريقة رمزية هندسية جديدة تختلف عن الطريقة الرياضياتية المتعارف عليها في الجبر والتحليل والحساب مثلاً. واختار هذه الطريقة ذات البعدين للتعبير الدقيق عن مفاهيمه المنطقية الجديدة.

▬ تختلف الأنظمة الرياضياتية بإختلاف الأفكار والمباديء، فمن المعروف في حقل الهندسة أن اقليدس يبدأ بناء علم الهندسة من أفكار أولية ومباديء غير قابلة للبرهان ومبرهنات أو مشكلات يبرهن عليها بواسطة المباديء .. ولكن هذا النظام ليس الوحيد في عالم الهندسة، فإلى جانبه توجد هندسة ريمان غير الإقليدية التي تتخذ أفكاراً ومباديء تختلف عن تلك التي إختارها اقليدس لهندسته. جوهر الإختلاف هنا لا يقع في الطريقة الإستدلالية أو البرهانية، بل يقع في إختيار الأفكار والمباديء وعلى هذا الأساس تختلف هذه الأنظمة. وليس هذا هو المثال الوحيد في الرياضيات، بل توجد أمثلة اخرى كثيرة تظهر فيها الإختلافات إلى حد الشكلية أو الصورية في المنطق المعاصر تختلف بعضها عن البعض الآخر في الأفكار وإختيار الأوليات والفلسفة التي تعتمد عليها، وهذه الأسباب كلها تكون جوهر الإختلاف بين المدارس المنطقية المعاصرة.

▬ يقول فريجه في بحثه: "ان التمييز بين الموضوع والمحمول للقضية غير موجود في هذا البحث"، ولكن فريجه رغم صراحته في ذلك، الا أنه يحاول أن يجد نوعاً من التبرير فيما يشبه هذا التمييز في اللغة الرياضياتية، مع فارق بين المفهوم المعتاد للموضوع والمحمول ومفهومه الجديد. ولأجل توضيح هذا الفارق علينا أن نأخذ بعض الأمثلة لتحليلها وبيان الموضوع المحمول فيها، فإذا قلنا :- 1) مات سقراط محكوماً عليه بشرب السم. 2) ارسطو معلم الإسكندر الأكبر. 3) 2+2=4 ، 4)الهيدروجين أخلف وزناً من غاز الكربون. فإننا في هذه الأمثلة نجد بعض الإختلافات، ولكننا نستطيع بكل بساطة أن نحلل بعضها الى ما هو موضوع وما هو محمول. ولكن فريجه ينظر إلى هذه القضايا نظرة جديدة، فيرى أن هذه القضايا تشترك جميعاً في محمول واحد، وعليه يجب وضع هذه القضايا بالشكل الآتي:- 1) ان "موت سقراط مكحوماً عليه بشرب السم" حقيقة. 2) ان "تعليم ارسطو للاسكندر الأكبر" حقيقة. 3) ان "مجموع العدد 2 الى العدد 2 يساوي اربعة" حقيقة. 4) ان "خفة وزن الهيدروجين عن غاز الكاربون" حقيقة.


▬ إذا كانت بعض الأفكار المعينة هي ألف باء النظام المنطقي، والتي بواسطتها يتم البناء تبعاً لقواعد منطقية معينة، فإن  هذه الأفكار أما ان تكون لا معرفات، أو يكون بعضها معرف والآخر غير معرف. فإذا افترضنا وجود عدد معين من هذه الأفكار وأردنا تعريفها، فإننا نضطر إلى إستعمال أفكار في التعريف، وهذه الأفكار إما أن تكون قد عُرفت سابقاً او أن تكون غير قابلة للتعريف. فإذا كانت معرفة، فإن ذلك معناه: إن هذه الأفكار استخدمت أفكار أخرى في التعريف لتحديد معناها. وإذا واصلنا الدور، فإننا سوف لا ننتهي إلى نقطة نبدأ منها وسنبقى في سلسلة لا متناهية أو في حلقة مفرغة. لذلك من الضروري أن يبدأ النظام المنطقي من أفكار هي لا معرفات نحتاجها في تعريف أفكار اخرى. 

هناك تعليق واحد: