Pages - Menu

الأحد، 16 يونيو 2013

النص، السلطة، الحقيقة (نصر حامد أبو زيد)


• يعتمد منهج تحليل الخطاب على الإفادة من "السميولوجيا" و "الهرمنيوطيقا" بالإضافة إلى إعتماده على "الألسنية" و "الأسلوبية" و "علم السرد".
• المنهج هو ناتج التفاعل العميقة جداً والخصبة بين سؤال الباحث وموضوع البحث.
• لا بد من إنجاز وعي علمي بالحضارة الحديثة، بأصولها وأسسها، وبإنجازاتها الحقيقية، مع ضرورة التمييز بين الإنجاز العلمي والفكري وبين الأيديولوجيات التي تلتبس بها عادة.
• هكذا تحددت قوانين إنتاج المعرفة في الثقافة العربية على أساس سلطة النصوص، وأصبحت مهمة العقل محصورة في توليد النصوص من نصوص سابقة.
• أيهما كان الأصل في صياغة معادلة النهضة. المشروع السياسي لمحمد علي أم الرؤية الفكرية للطهطاوي؟
• يقع الخطاب الديني بين مطرقة القراءة الأيديولوجية المغرضة وسندان القراءة الحرفية المثبتة لدلالة النصوص عند مستوى الدلالة التاريخية.
• النص في تعريفه المعاصر : سلسلة من العلامات المنتظمة في نسق من العلاقات تُنتج معنى كلياً يحمل رسالة. وسواء كانت تلك العلامات علامات باللغة الطبيعية - الالفاظ - أم كانت علامات بلغات أخرى، فإن إنتظام العلامات في نسق يحمل رسالة يجعل منها نصاً.
• وعملية السمطقة تلك تنقل اللغة من مجال "المواضعة" إلى مجال "الإستدلال" العقلي، أي تحولها إلى نسق من العلامات غير اللغوي.
-------------------------------
▬ كثيراً من العداء في مجال الفكر بصفة خاصة يرتد إلى "عدم الفهم" أو إلى عمليات "التباس" ناتجة عن سيطرة نزعة تتصور أن "ما في الأذهان" مطابق مطابقة تامة "لما في الاعيان" وتتزايد درجة "الإلتباس"، وما تُفضي إليه من "عدم الفهم" ، وما يترتب عليها من "عداء" ورفض، حين يكون "ما في الأذهان" قديم راسخ، لأنه يكتسب من "القدم" صفة العراقة التي تُضفي عليه مشروعية لا يجوز المساس بها أو الإقتراب منها، لأنها مشروعية مقدسة. صــ67

▬ لقد بلغ من سطوة اللغة وسيطرتها أن صار الوجود في منشئه الأول "كلمة". جاء في إنجيل يوحنا: "في البدء كان الكلمة" ، وفي القرآن أن الأصل في الإيجاد هو الأمر الإلهي التكويني "كن". و "اللوجوس" في الفكر اليوناني هو "العقل" الذي لا يظهر نشاطه إلا من خلال "الكلمة". حتى ذهب المفسرون لقول آرسطو: "الإنسان حيوان ناطق" إلى أنها بمعنى "عاقل" ، لأن النطق اللغوي هو مجال ظهور النشاط العقلي. صــ83

▬ هل يمكن القول بناء على ذلك أن "اللغة" تمثل "الرحم" الذي ينبثق عنه "الوعي" بكل أبعاده؟ نعم يمكن قول ذلك دون تردد، خاصة إذا أردكنا أنها ليست "معطى" ثابتاً، بل هي حالة سيرورة مستمرة وحيوية دافقة نابعة من قوانينها الخاصة، بدءأً من المستوى الصوتي وصولاً إلى المستوى الدلالي. إن اللغة نظام من العلامات، لا تشير العلامة فيه كما سبقت الإشارة - يقصد نظرية دي سوسير - إلى "الخارج" بشكل مباشر، بل تشير إلى "الصورة السمعية" التي هي الدال. وهذا "الدال" يُحيل بدوره إلى "الصورة الذهنية" أو "المفهوم" الذي هو "المدلول". هذا على مستوى "العلامة" المفردة، لكن اللغة نظام من العلامات التي تدخل في علامات أكثر تعقيداً على مستوى "نظام" النحو، وتزداد درجة التعقيد حدة حين نتجاوز حدود الجملة إلى "النص". صــ83
-------------------------------
▬ قد يتمتع خطاب ما في سياق إجتماعي تاريخي بعينه بالذيوع والإنتشار، الذي يؤدي إلى سيطرة وهيمنة على الخطابات الأخرى فيقوم بتهميشها وإلقائها خارج دائرة الضوء وبؤرة الإهتمام. لكن تاريخ الثقافة في كل المجتمعات الإنسانية يعلمنا أن هذه السيطرة والهيمنة لخطاب بعينه كانت تتم من خلال عوامل القهر السياسي والإذعان الإجتماعي وتزييف الوعي في أحسن الأحوال. لذلك يبرأ منهج تحليل الخطاب هنا - قدر الإمكان - من الإستسلام لأوهام اليافطات المستقرة - تراثياً وإعلامياً - لوصف بعض الخطابات وصفاً يستهدف وضعها في قلب "الدين" ذاته. هذا بالإضافة إلى أن "الدين" ذاته ليس إلا مجموعة من النصوص التي تتحدد دلالتها - بدورها - بالسياق، وذلك بوصفها "خطاباً". وكون الخطاب إلهياً - من حيث المصدر - لا يُعني عدم قابلية للتحليل بما هو خطاب إلهي تجسد في اللغة الإنسانية بكل إشكاليات سياقيها الإجتماعي والثقافي والتاريخي. صــ9

▬ لماذا حين يُذكر "التُراث" يتبادر إلى الذهن "الدين" أو الفكر الديني بصفة عامة والإسلامي منه بصفة خاصة؟ هذا سؤال يُمثل طرفاً من المشكلة التي نحدد بصدد مناقشتها، أما السؤال الذي يمثل الطرف الثاني منها فهو: لماذا يُلح علينا هاجس الماضي كلما حزّ بها أمر من الأمور أو مرت بأزمة من الأزمات وما أكثرها؟ فإذا كان التقدم يُشير إلى المستقبل ويدل على الحركة، فإن "التراث" يُشير إلى الماضي ويدل على السكون والخمود، وكأن العربي قد كُتِب عليه دون البشر كافة أن تسير قدماه إلى الأمام بينما يلتفت رأسه إلى الخلف، فلا هو يُحقق التقدم ولا يقنع بالحياة التي ورثها عن الأسلاف. ويظل المُشكل ماثلاً: كيف نُحقق التقدم دون أن نتخلى عن "التراث"؟ صــ13

▬ من الخطأ التاريخي أن يؤرخ لهذا الصدام بحملة بونابرت على مصر (1798 - 1801)، إلا إذا كنا نؤرخ للقاء مصر الأول بأوروبا، هذا مع تسليمنا بأن حملة نابليون تمثل أحد المفاصل الرئيسية في هذا الصدام. ومن شأن أي لقاء تصادمي أن يؤدي إلى رد فعل، لأن المهزوم عادة، إما أن يتبع المنتصر ويميل إلى تقليد الغالب بحسب أطروحة ابن خلدون، وإما أن يميل إلى التقوقع داخل الذات والإحتماء وراء أسوار هوية حقيقية أو متوهمة. لكن الذي حدث أن رد الفعل الإسلام/العربي لم يقع في دائرة هذا الطرف أو ذاك، ربما لان أوروبا المسيحية - هكذا تم وصفها - لم تكن جديدة تماماً بالنسبة للذاكرة الإسلامية. لقد كانت ثمة سوابق للقاءات عقلية وفكرية انسربت تأثيراتها في التراث المتواصل حتى لحظة التصادم. صــ27

▬ هكذا يبدو الخطاب التنويري شديد الجرأة في تحليل الواقع الثقافي وتشريحه، لكن تلك الجرأة تتحول إلى نوع من "التبرير" الذي يصل إلى "تحسين" كل ما يتصل بالتراث الديني. كان طه حسين جريئاً شديد الجرأة في نقد الواقع الثقافي، بل وفي نقد تاريخنا السياسي والأدبي، لكنه كان يقترب من التراث الفكري الديني على إستحياء. وسرعان ما تراجع عن بعض مقولاته الفكرية، وحذفها في الطبعة الثانية من كتابه "في الشعر الجاهلي" بعد تغيير العنوان (في الأدب الجاهلي). وهو نفس ما قام به زكي نجيب محمود حين غير عنوان كتابه من "خرافة الميتافيزيقا" إلى "موقف من الميتافيزيقا". ولأن مشروع علي عبد الرزاق "الإسلام وأصول الحُكم" كان نقداً مباشراً للتراث الديني، فقد تم اسكات صوت الرجل إسكاتاً شبه نهائي. والمشكلات التي تثور بين الحين والآخر حول تلك الرواية - "أولاد حارتنا" لنجيب محفوظ مثلاً - أو تلك الأغنية أو هذا العرض المسرحي أو السينمائي، ناهيك عن المطلبة بأسلمة الآداب والفنون - بل والعلوم - تؤكد أن خطاب التنوير فشل في إحداث التنوير. وأحد اسباب هذا الفشل ترتد إلى عجزه عن إحداث وعي علمي حقيقي بالتراث الديني خصوصاً، وعي ينقل الثقافة، كما ينقل المواطن الفرد، من حالة إلى حالة أخرى، ومن مرحلة "الوعي الديني الغيبي الأسطوري" إلى مرحلة "الوعي العلمي" بالظواهر الطبيعية، والإجتماعية والإنسانية على حد سواء. صــ41

▬ في كتابات الطهطاوي لا نكاد نجد حضوراً لافتاً لإشكالية التراث، فقد كان المشكل المسيطر على خطابه مشكل "التقدم" تجاوزاً لحالة "التخلف" التي كشفها اللقاء مع أوروبا. كان "الإسلام" واقعاً حياً ماثلاً - وعلينا ألا ننسى أن الشيخ سافر إلى فرنسا إماماً لأعضاء البعثة في شؤون الدين - لا يتأبى على "الإتساع" للقيم الإجتماعية والفكرية الموجودة في بلاد التقدم. وحين زار الشيخ "محمد عبده" إنجلترا لأول مرة، عاد يقرر أنه وجد هناك "إسلاماً بلا مسلمين" في حين أن قومه "مسلمون بلا إسلام"، وهذا معناه أن الفارق "الأخلاقي" الذي وجده الطهطاوي بيننا وبين فرنسا - والمتمثل في بعض أنماط السلوك المتعلق بالإختلاط بين الرجل والمرأة - قد وجد تفسيره عند محمد عبده في "إختلاف العقيدة" ، دون أن يتجاوز ذلك إلى مجالات الحياة الأخرى المختلفة. هكذا أصبحت "العقيدة" تمثل "خصوصية الذات" من جهة، وأصبحت بمنأى عن إعادة التفسير أو "التأويل" من جهة أخرى. وبالفصل بين العقيدة والشريعة، أمكن إعادة تأويل الشريعة لتتسع لإستيعاب الجديد الذي أتت به أوروبا المتحدية - والمعتدية - خاصة في مجال استيعاب مؤسسات المجتمع المدني والتكنولوجيا. والسؤال ظل مكبوتاً في خطاب النهضة: هل هذا الفصل بين العقيدة والشريعة فصل مشروع؟ وهل العقائد موضوع يتأبى على النقد والتأويل؟ صــ42 -

▬ لقد آن الأوان أن يعي المفكر والمثقف العربي أن الحاجة إلى قطع "الحبل السري" الواصل بين السياسي والفكري باتت قضية "نكون أو لا نكون"، وذلك بالطبع دون إنكار ممارسة الفكر هي في عمقها ممارسة للسياسة، وأن ممارسة السياسة لا تنفك عن قاعدة فكرية صريحة أو مضمرة. إن للفكر آلياته وأهدافه وللسياسة آلياتها وأهدافها ومن الخطر أن يتنازل الأول عن آلياته ليكون في خدمة الثاني، حتى في حالة تنبني الدولة لمشروع فكري محدد الملامح أيديولوجياً، فواجب المفكر المنتمي إلى تلك الأيديولوجيات ألا يتنازل عن استقلاله ليبرر السلوك السياسي. إن الفكر - أياً كان انتماؤه بشرط أن يظل مفكراً - حارس للقيم ومدافع عنها، ومكانه الدائم في صف المعارضة بمعناها الإيجابي. والذي أقصده بالمعنى الإيجابي للمعارضة يستبعد المعنى السلبي الذي يفرض على المفكر المعارض أن ينتج أفكاره في سياق التعليق ورد الفعل المباشر على أطروحات السياسي. إن المفكر يظل مرتهناً بمشروع السلطة السياسية، ولو كان في صفوف المعارضة السياسية، طالما ظلت آليات إنتاجه للمعرفة تخضع لآليات السلوك السياسي. وعلى العكس من ذلك المعارضة الإيجابية للفكر، التي تتسمك بآليات الفكر وبقوانين إنتاجه ومنها كون الفكر في جوهره ممارسة سياسية. صــ53

▬ لا بد من كسر احتكار السلطة، واحتكار ما يمثل أدوات صُنع الوعي وصياغة الذاكرة على مستوى كل شعب من الشعوب العربية، وعلى مستوى الأمة كلها، ولا سبيل إلى ذلك إلا بالنضال من أجل ٌإقرار التعددية وممارستها على مستوى الفكر وعلى مستوى المجتمع وعلى مستوى السياسة. إنها الديمقراطية بمعناها الشامل، ديمقراطية العقل، وديمقراطية الحياة المتمثل في حق البشر المتساوي في المشاركة في جني ثمار الناتج القومي، وديمقراطية السياسة المتمثلة في حق تداول السلطة وحق المشاركة فيها عبر المؤسسات الإجتماعية والثقافية والسياسية. صــ64

▬ إن تحويل النظام اللغوي إلى علامات سميوطيقية داخل نظام آخر عملية يُطلق عليها إسم "السمطقة". وهي عملية من السهل فهمها من خلال فهم شرح عبد القاهر الجرجاني لعمليات التحول الدلالي الذي يحدث في الأنماط البلاغية، خاصة "الإستعارة" و "التمثيل" و "الكناية"، حيث لا يتم إنتاج الدلالة من الألفاظ/العلامات، ولا من التركيب/النحو وحدهما، بل تنتج الدلالة من خلال تحويل "الدلالة الكلية" الناتجة عن تفاعل دلالات الألفاظ وعلاقات التركيب إلى "علاقة كلية" تميل إلى دلالة اخرى. هذه العلامة الكلية الناتجة عن علاقة سميوطيقية - صورة بصرية أو سمعية أو ذوقية أو شمية..إلخ - أشبه بالأيقونة. في عملية السمطقة تلك "يدل اللفظ على معناه الذي يوجبه ظاهره، ثم يعقد السامع من ذلك المعنى على سبيل الإستدلال معنى ثانياً". صــ217

▬ لا يكرر ابن رشد بنفس الحدة تلك الأسبقية التي حرص المعتزلة على تأكيدها، أعني أسبقية المعرفة على المعرفة الدينية بحيث لا تستقيم الثانية إلا على أساس الأولى. لكنه في حديثه عن التأويل يعرفه بأنه "إخراج دلالة اللفظ من الدلالة الحقيقية إلى الدلالة المجازية من غير أن يخل في ذلك بعادة لسان العرب في التجوز من تسمية الشيء شبيهه أو سببه أو لاحقه أو مقارنة أو غير ذلك من الأشياء التي عددت في تعريف أصناف الكلام المجازي". وهو التعريف نفسه الذي حرص عليه المعتزلة ويقصرون التأويل عليه. واتفاق ابن رشد مع المعتزلة في جعل "المجاز" وسيلة التأويل الأساسية يبرز لنا اتفاقه معهم كذلك. وإن بطريقة ضمنية - في جعل "المعرفة العقلية" أساساً ضرورياً - للمعرفة الدينية لا تستقيم الأخيرة دون الأولى ولا تصح إلا بها. والمقدمة الأولى التي ينبني عليها هذا البناء يصوغها ابن رشد على النحو التالي : "وإذا كانت هذه الشرائع حقاً وداعية إلى النظر المؤدي إلى معرفة الحق فإنا معشر المسلمين نعلم على القطع أنه لا يؤدي النظر البرهاني إلى مخالفة ما ورد به الشرع فإن الحق لا يُضاد الحق بل يوافقه ويشهد له". صــ273

▬ كان ابن رشد في الحقيقة بصدد الهجوم الذي شنه الفقهاء على الفلسفة والفلاسفة معتمدين على حجتين : الأولى أن الفلسفة والمنطق ليست من علوم العرب، بل هي من علوم اليونان الأوائل الوثنيين الملاحدة، فهي تحمل بصمات وثنيتهم وإلحادهم. الحجة الثانية أن تعاطي المنطق والفلسفة، يُفضي إلى التشكيك في العقيدة السمحة الواضحة التي لا تحتاج إلى براهين المناطقة وأدلة الفلاسفة.

في دحض الحجة الأولى يقرر ابن رشد مبدأين هامين : الأول منهما ان المعرفة ومناهجها مما يجب الحرص على عدم اجتلابه من مصادره الاولى السابقة مهما كانت موغلة في القدم، إذ لا بد من متابعة المتأخر للمتقدم فيما أنجزه. المبدأ الثاني: إن مناهج المعرفة وأدواتها ووسائلها - يقصد المنطق والبراهين - مما لا علاقة له بالجنس أو الدين، ما دامت مكتملة فيها شروط الصحة من حيث هي أدوات ووسائل..صــ275

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق