Pages - Menu

الأحد، 25 يونيو 2017

مشكلات الفكر العربي المعاصر (مصطفى النشار، رجاء أحمد علي)


▬ إن التخلص من وهم المعجزة الغربية في مجالات العلوم المختلفة إنما ينبع من الإيمان بأن العلم في مختلف فروعه إرث بشري شارك في صنعه كل البشر وكل العلماء في مختلف الحضارات البشرية عبر تطورها الطويل، والإيمان في ذات الوقت بأن استنبات التكنولوجيا والتقدم العلمي داخل كل مجتمع إنما ينبغي أن يتم بآليات وعقليات تراعي ظروف هذا المجتمع ومشكلاته الخاصة في كل مجالات الحياة. صــ 5

▬ لا يوجد نظام الحكم الأمثل بصورة مطلقة، إنما النظام السياسي الأمثل دائمًا هو ذلك الذي يتلاءم مع البيئة السياسية القائمة ويلبي رغبات وطموحات شعب معين في حقبة زمنية معينة في ضوء عقائد هذا الشعب وأخلاقياته بل وعاداته وتقاليده. إن لكل شعب ثقافته الخاصة، وتجربته السياسية المتميزة عبر تاريخه، وعليه أن يستثمر ذلك في تطوير نظامه السياسي دون تقليد أعمى للتجربة الغربية التي قد تكون ملائمة فقط لأصحابها وتحقق أهدافهم وطموحاتهم. وعلى الغربيين في المقابل أن يكفوا عن فرض رؤيتهم السياسية والاقتصادية على الشعوب والثقافات الأخرى التي قد تكون أعرق في خبراتها وجديرة بأن تصنع بنفسها ما تريده من نظام سياسي ونظام اقتصادي يكفل لها الاستقرار ونموذج التقدم الذي تنشده. صــ 11، 12

▬ لقد نشأ الفكر العربي المعاصر نتيجة اللقاء الحضاري بين الحملات الاستعمارية الأوروبية لبلادنا العربية منذ الاحتلال الفرنسي لمصر في نهاية القرن الثامن عشر وبدايات القرن التاسع عشر، ونتيجة للصدمة الحضارية التي نتجت عن إدراك العرب لمدى التقدم الغربي والتخلف العربي انقسموا لثلاث فرق متناحرة فيما عرف بقضية الأصالة والمعاصرة التي شكلت الوهم الأول الذي لا يزال يشغل المفكرين العرب حتى الآن، وفي ثنايا ذلك بهروا بالحضارة الغربية ووقعوا في وهم تفوق الحضارة الغربية (المعجزة الغربية) ووهم التنمية والتقدم على الطريقة الغربية ووهم أن الديمقراطية هي النظام السياسي الأمثل. وهذه الأوهام الأربع التي ندعوا للتخلص منها حتى يمكن أن نبدأ عصر نهضتنا الجديد الذي ينبع حقًا من ذاتية العرب وهويتهم الفكرية والحضارية المستقلة والتفاعل تفاعلًا إيجابيًا مع كل عناصر التقدم في عصرنا الحالي. صــ 19

▬ لقد آن الأوان إذن أن نتجاوز كل المشاريع الفكرية العربية المعاصرة سواء ارتمت في أحضان الفكر الغربي وحاولت استنباته في البيئة العربية وهي غير بيئته ولن ينبت الزرع قويًا ومثمرًا حقًا في بيئة غير بيئته، أو عادت إلى التراث لتنهل منه وتتصور أنه يمكن أن يعود بحذافيره لنحياه في عصرنا، إذ لا يمكن لعقارب الساعة أن تعود إلى الوراء وأن يحيا المعاصرن حياة أسلافهم بقضها وقضيضها مهما حاول من يزال يحاول استعادة الماضي في الحاضر. كما أن التوفيق بين هذين البديلين ووضعهما إلى جوار بعض يعد تلفيقًا لا قيمة له ومضيعة للوقت في استجلاء قيم الماضي التي نريد أن نستعيدها لأنه حتى لو نجحنا في استجلائها وأردنا النهوض من خلالها فلن تكون مثلما كانت ولن تعود بنفس صورتها القديمة دافعة للتقدم بصورته المعاصرة.. ولكل ذلك أقول ببساطة أن التفكير في المستقبل والانشغال بقضاياه بعيدًا عن الإلتفات إلى الوراء هو ما سنصنع به ومن خلاله التقدم دون أن ننسلخ عن تاريخنا وهويتنا ودون أن نذوب في حضارة ليست حضارتنا. إننا سنصنع مستقبلنا بقيم العصر وآلياته في ذات الوقت الذي لا نملك فيه الإقلاع عن ذاتيتنا وهويتنا، والمسألة هنا ليست مجرد كلام نظري، بل هي واقع نعيشه ونسعى لتحقيق التقدم في إطاره؛ فالوعي بالتاريخ ليس مجرد وعي نظري، بل قد يكون وعي كامن في الذات يوقظه متطلبات اللحظة الراهنة في علاقتها بما تريد تحقيقه من تقدم في المستقبل، وأنا سأظل أنا؛ أنا الذي أعيش اللحظة وأنا الذي يرسم الطريق لصناعة الغد بآليات الحاضر الأكثر تقدمًا وفعالية بصرف النظر عن مصدرها ومن أبدعها!! تلك هي القضية وذلك هو التحدي. إنه التفكير في المستقبل ممتلكين لإرادة التحدي ولإرادة صنع التقدم. صــ 40 ، 41

▬ إن هذه الدعوة للإستفادة من الحضارة الغربية الحديثة عند طه حسين لم تكن تعني كما ادعى خصومه الارتماء في أحضان الحضارة الغربية والذوبان فيها، وإنما كانت تعني في جوهرها رفض الإشكالية التي تمثلت في ازدواجية الأصالة والمعاصرة، فلسنا في واقع الأمر مخيرين بين إما....أو، وإنما نحن أمة لها أصالتها وتاريخها وثقافتها وهويتها التي لا يمكن أن تضيع إذا ما استفادت من حضارة العصر وتشربت عوامل تقدمها وهضمتها لتكون جزءًا من هذا العصر الذي نعيشه. إن طه حسين في اعتقادي الشخصي لم يقع في فخ إشكالية إما التمسك بالتراث والأصالة وإما الارتماء في أحضان الغرب المعاصر، لأنه وهو يدعو إلى الاستفادة من وسائل الحضارة الغربية لم ينس أبدًا أنه إنسان مصري-عربي-مسلم- له هويته المستقلة ولغته العربية رمز هذه الهوية، ودينه الإسلامي، دين العلم والمدنية وليس دين التخلف والتبعية. صــ 175


▬ يعد مالك بن نبي من أهم المفكرين العرب المعاصرين حيث يمتلك رؤية واضحة لأسس البناء الحضاري الثلاث: الإنسان - التراب - الوقت، وإذا ما نجح الإنسان في استنهاض دافعية البناء الحضاري وهي - في رأي ابن نبي - عادة ما تكون دافعية دينية، واستغل عنصر التراب أي ثروات أرضه وعنصر الوقت الذي يعني استغلال كل لحظة في البناء والعمل الإيجابي، سيكون صانعًا للنهضة الحضارية بحق. واعتبر ابن نبي أن الأمة قادرة على بناء مثل هذه النهضة الحضارية بتغليب الأفكار على الأشياء وبالتوفيق مع روح العصر مع الحفاظ على أصالة الأفكار وامتلاك القدرة على التخطيط الدافع للفعالية الاجتماعية. صــ 206

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق