Pages - Menu

الأربعاء، 7 ديسمبر 2016

الأخلاق البيولوجية والطبية (أحمد عبد الحليم)


▬ [مقدمة]
يهمنا في هذا الكتاب التعريف بهذه الإشكاليات منطلقين من الإشكاليات التالية: هل يمكننا إجراء تجارب على أشخاص بدون علمهم وإذنهم؟ كيف نواجه قضية الإتجار بالبشر بالأعضاء البشرية أمام تزايد القدرة على زراعة الأعضاء؟ وهل يمكن أن نضع حدًا لحياة أشخاص مستحيل شفائهم؟ وما يتعلق بالعقم والحمل والإنجاب. وهل يمكن للمرأة الحمل بدلًا من غيرها من النساء؟ هل يجوز إجهاض الأطفال المشوهين؟ ما هي حدود التصرف في الجهاز العصبي البشري؟ وهل مقبول انتقاء أجنة خالية من العيوب الوراثية؟ وما هي نتائج الاستغلال الاقتصادي والعنصري للجينوم البشري؟ وكيفية التوفيق بين الآمال والمخاوف من اكتشاف "الخلايا الجذعية"؟ وما ينتج عن الاستنساخ من مخاطر على الطبيعة والهوية والكرامة البشرية؟ وغيرها من قضايا ناتجة عن التقدم العلمي والتكنولوجي الذي نشاهده اليوم.

▬ الأخلاقيات الطبية والحيوية أو البيواتيقا bioethics ترتبط بميدان علوم الحياة وما يطرحه، بعد تبلور ما يعرف بتكنولوجيا الحياة biotechnologie من تساؤلات تتعلق بـ"الإنجاب الصناعي" مثل: هل يتم الإنجاب دون جنس مثلما يتم الجنس دون إنجاب؟ هل يمكن تعمد إنجاب اليتامى في حالة تخصيب الزوجة بمني زوجها بعد وفاته (إعادة النظر في مفاهيم درج عليها البشر لآلاف السنين مثل: مفهوم العائلة ومفهوم الأمومة ومفهوم البنوة ومفهوم الهوية البيولوجية) أو "بـ"الموت الرحيم من قبيل: هل يقبل الأطباء على انتزاع أجهزة التنفس والتغذية الإصطناعية عن المرضى الذين يعانون من غيبوبة طويل الأمد رحمة بهم أم يواصلون إبقاءهم أحياء بشكل اصطناعي رغم عدم جدوى حياتهم. أي ما أصبح يُعرف بـ"الإصرار على مواصلة العلاج". صــ 5

▬ [مجالات البيوايتيقا]

1- أخلاقيات العيادة: وهي الموضوعات الأولى التي كانت تدور حولها البيوايتيقا ويصعب اتخاذ قرار بشأنها. يحددها "دافيد روي" في القرارات بشأن الأطفال حديثي الولادة المصابون بتشوهات، والإبقاء على حياة هؤلاء المرضى الميئوس من شفائهم. كيف يمكن المحافظة على أسرار مريض؟ هل نقوم بتكبيل مريض مزعج؟ هل نبوح للمريض أو المقربين منه بحقيقة مرضه؟ يقول دافيد روي: ترتبط الأخلاقيات العيادية ما يواجه الأطباء والفرق الطبية من قرارات وشكوك واختلافات قيمية ومعضلات وذلك سواء أمام أسرة المريض أو داخل غرفة العمليات أو في مكتب للإستشارة الطبية أو حتى في العيادة أو منزل المريض". وتستعين أخلاقيات العيادة بمباديء إرشادية تضعها المؤسسة العلاجية أو لجنة الأخلاقيات. ويطلق على ذلك "البيوايتيقا العيادية" أو "أخلاقيات العيادة" دون تمييز دلالة على المغزى الأخلاقي لها.

2- أخلاقيات البحث العلمي: كانت التجارب على البشر أول من أثار نقاشًا أسهم فيه تخصصات متعددة أدت إلى نشأة "اللجان الوطنية للأخلاقيات" لجنة الأخلاقيات الأمريكية 1974. وقد ارتطبت البيوايتيقا في البداية بأخلاقيات البحث العلمي، كما يتضح في لجنة الأخلاقيات الفرنسية ثم اللجنة الوطنية الإستشارية لأخلااقيات علوم الحياة" 1983. وقد أصبحت الأبحاث والتجارب على البشر منفصلة من الممارسة العيادية كي تصبح تخصصًا قائمًا بذاته.

3- أخلاقيات السياسة الصحية: تفكير متعدد التخصصات حول البعد الأخلاقي لكل القضايا التي تهم الموضوعات حول الصحة مثل: حق المواطنين في معرفة تنظيمات هذا المجال، ومدى احترام حرية وكرامة الأفراد في حملات إشهار التدخين، ومدى التزام مبادئ العدالة والمساواة في دخول مراكز العناية الصحية، وهل هناك حق في الصحة أم أن الأمر لا يتعدى الحق في العلاج.. ويبدو أن هذا المجال أقل تطورًا من المجالين السابقين وأكثر ضعفًا على مستوى مدونته الأخلاقية ويتطلب ذلك إنشاء لجان أخلاقية على نفس النمط ومن نفس التخصصات مثلما في المجالين السابقين. صــ 11 ، 12

▬ للفكر البيوايتيقي جذور فلسفية ترجع إلى عصر الأنوار، ولدى البعض للعصر اليوناني وأبقراط في قسم الأطباء. كذلك ساهمت في الفكر البيوايتيقي بعض العوامل الخارجية والداخلية المرتبة بالمجتمع الذي نشأ فيه. والجذور الأساسية تتمثل في: فلسفة التنوير وفكرة حقوق الإنسان والجذور الفلسفية ترجع للفلسفة البراجماتية وفلسفة كل من كانط وسارتر، ووقائع ووثائق محاكمة نورمبرج.. ونعرض لها بإيجاز على النحوِ التالي:

1- فلسفة التنوير وفكرة حقوق الإنسان: يتجلى ذلك فيما تميز به فكر التنوير من إعلاء لقيمة العقل كوسيلة فعالة للبحث والاستكشاف من جهة ولحل المشاكل الإنسانية من جهةٍ أخرى. وإذا كان فكر التنوير قد رفع شعار حقوق الإنسان وشعاراته كالحرية والإخاء والمساواة والعدالة؛ فإن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان 1948 يعتبر الميلاد لفعلي لهذه الحقوق. وقد كان لهذا الإعلان أثر واضح في ظهور الفكر البيوايتيقي، خاصة في مرحلة تشخيص هذه الحقوق في النصف الثاني من القرن العشرين، حيث تم تعيين وتحديد حقوق الأفراد والفئات والجماعات. ويرى البعض أن فكرة حقوق الإنسان هي التي جعلت رواد البيوايتيقا ينقلون الاهتمام من حقوق وواجبات الأطباء إلى الاهتمام بحقوق المرضى والأجنة والأشخاص الذين تُجرى عليهم التجارب وحقوق الإنسانية والأجيال المقبلة.

2- الجذور الفلسفية: تعتبر الفلسفة البراجماتية الأمريكية المعاصرة أبرز مصدر للبيوايتيقا يتجلى ذلك فيما نجده في الفكر البيوايتيقي من تفكير واقعي مصلحي توافقي، فهي ليست فكرًا نظريًا يقوم على ما ينبغي أن يكون بل ينبثق من الممارسة الطبية والبيولوجية. كما يتجلى أثر هذه الفلسفة في التحليل الموضوعي للمشاكل والقضايا. وكذلك الفلسفة الكانطية في جانبها الأخلاقي: الواجب، والأمر المطلق والكرامة الإنسانية والاستقلال الذاتي للفرد. ولعل أبرز المبادء الكانطية هو مبدأ الواجب؛ الذي أخد أبعادًا جديدة تتجاوز الأبعاد الكانطية، فهذا الواجب يمليه العقل ويحوله إلى قانون يلزم الجميع من جهة ويلغي النسبية الأخلاقية من جهة ثانية. والفلسفة الكانطية القائمة على الواجب الأخلاقي تغذي النزعة الإنسانية الجديدة التي توجد في جوهر المشروع البيوايتيقي الذي هو مشروع أخلاقي إنساني قانوني في نفس الوقت... كذلك الفلسفة الوجودية عند سارتر في تأكيدها على الحرية والمسؤولية ومبدأ الإلتزام وضرورة أن ينقاد الشخص لحريته، ومن تجليات ذلك في ميدان الطب والبيولوجيا: الإجهاض الاختياري واستعمال وسائل منع الحمل والإتجار في أعضاء جسم الإنسان ومنتجاته، والموتُ الرحيم ومختلف أشكال التلقيح الصناعي والتصرف في الجينات.

3- معاهدة نورنبرج 1947: يرى كثير من المهتمين أن البيوايتيقا بدأت فعلاً في مرحلةٍ سابقة على تحديد "بوتر" للمصطلح. وأنها ترتبط بمعاهدة نورمبرج التاريخية التي تمت بألمانيا 1947 بعد محاكمة تجارب الطب والبيولوجيا التي أجراها بعض الأطباء الألمان بالتواطؤ مع النظام النازي على مجموعة من المعتقلين والأسرى خلال الحرب العالمية الثانية. وقد أدت هذه المعاهدة إلى إصدار قانون نورنبرج؛ الذي حدد عشرة مبادئ خاصة بالتجارب على البشر. صــ 21، 22 ، 23

▬ برغم الفوائد المحتملة الكثيرة التي يمكن أن تجنيها البشرية من تقنيات الهندسة الوراثية البشرية، إلا أن هناك مخاوف وتساؤلات كثيرة تثيرها هذه التقنيات؛ فما هو مصير الأسرة. ما هو مصير (مفهوم) الأمومة؟ ثم ما هو مصير الطفل نفسه؟ هل ينتسب إلى الأم أم الجهاز الذي نما فيه؟ وإن كنا سنشتري ونبيع الأجنة الحية فهل نحن في الطريق إلى استحداث شكل جديد من أشكال العبودية؟ فما الذي يمكن أن يحدث لو أن العلماء توصلوا إلى نتائج خاطئة أدت إلى تشكيل مخلوق لا يمكن التخلص منه أو أن جرثومة خطرة خرجت من المختبر وتكاثرت بسرعة وأدت إلى نشر وباء في العالم يمكن أن يقضي على البشرية كلها؟ ثم إلى اي حد يمكن أن يصل العلماء في كشفهم عن أسرار الحياة البشرية؟ هل يمكن مثلاً تخليق الحياة نفسها؟ ومن هو الشخص أو المؤسسة التي لها الحق في تقرير ما إذا كانت تجارب العلماء آمنة أو تحمل طابعًا أخلاقيًا؟... صــ 60

▬ التجارب على البشر: هو إخضاع بعض الأشخاص لتجارب تستهدف اختبار فرضية عن طريق الوقائع التجريبية، لتجربة دواء جديد ومراقبة مفعوله على المرضى أو لفحص طريقة جديدة في العلاج. وعادة ما يميز الأطباء بين "التجارب ذات الأهداف العلاجية" والتجارب ذات الأهداف العلمية". ويمكن أن تقدم بعض الأمثلة على هذه التجارب "فقد تم منذ 1950 إخضاع ثمانين من المرضى الكنديين كما صرح "دافيد ويستورب" لفحص تقنيات "غسيل الدماغ" بمعاونة المخابرات الأمريكية. وقد تم سنة 1972 وسط جماعة من زنوج مقاطعة نيوسكيجي بولاية ألباما حرمان أربعمائة مصاب بالزُهَري من العلاج عمدًا خلال سنوات لأجل مراقبة التطور التلقائي للمرض.. أكبر فضيحة في هذا المجال سنة 1993 نشرت صحيفتان أمريكيتان وثائق سرية من ستينات القرن الماضي عن تجريب لأثار الإشعاعات النووية على جسم الإنسان؛ على ثمانمائة أمريكي من نساء حوامل ومعاقين ومرضى. ومن هنا ظهرت الدعاوى لتقنين التجارب على البشر. صــ 126


▬ إن هذا الخطاب الذي يقدمه هابرماس يتأسس على فرضية أن الإنتقاء الجيني والبرمجة المسبقة للجنين البشري التي تتم استجابةً لرغبات حرية الآباء من أجل اختيار ما يرونه أفضل في تشكيلة جنينية لأبنائهم، هو بمثابة انتهاك خارجي لحرمة الفرد، ومساس باستقلاليته وإنكار لحقه في اختيار مصيره. وتظهر أهمية هذا الموقف كما يبين "الدواي" في كونه قائم على توقعات ما يمكن أن تكون عليه الحالة النفسية للطفل المنجب عن طريق الانتقاء الجيني، عندما يكبر ويدرك أن خصائص شخصيته ليست منتوجًا خالصًا للطبيعة البيولوجية، بل إنها ثمرة لبرمجة جينية وفق مواصفات معينة حددها والداه، اللذان قررا بصفةٍ نهائية في ما ينبغي أن تكون عليه شخصيته. ولا يستبعد هابرماس أن تكون لذلك انعكاسات على سيرورة حياة الشاب النفسية والأخلاقية: سيلازمه الشعور بأن استقلاليته الطبيعية قد انتهكت، وأن حريته فقدت معناها، وأنه لم يعد المسؤول الوحيد عن سلوكه وأفعاله... صــ 155

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق