Pages - Menu

الأربعاء، 13 نوفمبر 2013

فلسفات الشرق القديم (هالة أبو الفتوح)


• إن الفلسفة ليست ترفاً فكرياً معزولاً عن الواقع، بل على العكس من ذلك، لقد نشات الفلسفة مرتبطة بمنجزات الإنسان العقائدية والعلمية والحضارية، فالفلسفة متصلة بالحضارة، والحضارة نفسها وليدة الفلسفة.
• لم توجد قوة أثرت على حياة المصري القديم وشكلتها مثل قوة الدين، الذي أثر على كل مناحي الحياة؛ لأنه كان النبع الذي استقى منه الإجابات عن القضايا التي شغلته.
• إن كلمة الفلسفة في الهند تتضمن في معناها مفهوم "الرؤيا" والرؤيا تُعني الكشف المباشر الذي يحدث للمرء فيكشف له عن حقائق تسمو على عالمنا وتقوده إلى الإتحاد بهذه الحقائق.
• التقدم المعرفي (في الفكر الهندي) لا يتم تحقيقه من خلال الإنتقال من الزيف إلى الحقيقة، وإنما بالإنتقال من حقيقة جزئية إلى حقيقة أكثر إكتمالاً.
• تروي أسطور الخلق الهندية أن الإله "براهما" عند إيجاد البشر أوجدهم من أجزاء متفرقة من جسده، فمن رأسه جاء أفضل البشر وأعظمهم وهم الكهنة/البراهمة، ومن ذراعيه جاء ملوك الأراضي والمحاربون، ومن الوسط التجار والصناع والزراع، ومن قدميه أدنى طبقات الناس.
• إن الهدف الحقيقي للرجل البوذي هو "النيرفانا" أي إخماد الرغبة الملحة والشوق الأناني، فعندما يتم إخماد هذه الرغبة تُجتث المعاناة من جذورها.
• هناك خطأ شائع بأن أهل فارس يعبدون النار. فهم لا يعبدون النار، ولا الشمس، ولكنهم ينظرون إليها بوصفها رمزاً لقوة الإله الذي لا تدركه الأبصار.
• إن عمل الناس هو أفضل ترجمان لأفكارهم. (جون لوك)
• يقول زرادشت : "لا تفكر في شيء إلا في الصدق، ولا تتحدث حديثاً إلا حديثاً صادقاً، ولا تعمل عملاً إلا عملاً يقوم على الصدق".
• لم يكن الهدف الأساسي للفلسفة الصينية فهم العالم، وإنما جعل الناس عظماء.
• لقد وجد كونفوشيوس أن نسق الحقائق الأخلاقية إن استمد سلطته مما هو خارق للطبيعة فلن يمكن التحقق منه بالتجربة، وبالتالي لا يمكن الإيمان به. وما لا يمكن الإيمان به لا يُطاع من جانب الأفراد.
• الإرادة الخيرة هي المبدأ الأخلاقي الذي يمكن أن نعده بمثابة الدعامة الأساسية لكل أخلاق.
• عندما يتحقق الإنسجام الداخلي للنفس البشرية فإن كل الأشياء تتحرك نحو الإنسجام العالمي (كونفوشيوس).
• إجعل نفسك مثالاً لموظفيك كي يتبعوك. (كونفوشيوس)
• كلما كثرت القوانين في الدولة استفحل خطر اللصوص والمرتشين وقطاع الطرق. (لاوتزو)
• إن الهدف من مذهب التاوية هو العودة بالإنسان إلى الطبيعة الأصلية، قبل أن تتحكم فيه رغباته التي تدعمها القوانين الوضعية.
• ليست هناك جريمة أبشع من تزايد الرغبات، ولا نكبة أفظع من العزوف عن القناعة، ولا نازلة أسوأ من الجشع. (لاوتزو)
• لماذا لم تحتل أساطير خلق العالم مكان الصدارة في الفكر الصيني ؟

===========================================
▬ الحكمة هي الفلسفة التي عرفتها الحضارات الشرقية القديمة، وقُصد بها الإجابات التي وضِعت آنذاك حول الأسئلة المتصلة بالظواهر الكونية والطبيعية وعلاقة الإنسان بها. كما أطلق لفظ "حكيم" على كل من قدم تصوراً دينياً، أو سياسياً، أو إجتماعياً يساعد في التغلب على مشاكل الحياة اليومية وأمكن إخراجه إلى حيز التنفيذ في الواقع. وتلك هي أهم سمات الحكمة، الفلسفة ، في الشرق القديم، حيث إنها لم تكتف بالبحث العقلي المجرد فحسب، ولكنها تبارت فيما بينها حول تقديم أفضل الإجابات وطرح الوسائل الملائمة لممارسة، أي لتطبيق، هذه الحلول في الواقع المعاش. صــ9

▬ لقد  تصور المصري الكون على أنه مكون من أرض وسماء ومياه تحيط به من كل جانب، مع بعض النجوم التي ترصع السماء وتتدلى منها، فالأرض طبق مسطح له حافة مموجة، وبطن الطبق هو أرض مصر الخصبة، ويطفو هذا الطبق على مياة تسمى "نون"، وهي مياة العالم السفلي، حيث الموت والموتى، إنها المياة الأولى التي خرجت منها الحياة في البدء. وهذه المياة لا تزال هي نبع الحياة لأن الشمس تولد كل يوم من جديد من تلك المياة، كما أن النيل أيضاً يتدفق منها كل عام. وعليه فالشمس بعد رحلتها اليومية تحت الدنيا في تلك المياة تولد من جديد لتنير الأرض، وكذلك الإلهة جميهاً ولدت من تلك المياة. وفوق الأرض يوجد طبق آخر مواجه لها وهو الحد الخارجي للكون، السماء، وهي معلقة فوق الأرض بقوة رافعة. صــ19

▬ لقد كان الكهنة في مصر هم دعامة العرش، أي السلطة ، كما كانوا بمثابة جهاز المخابرات القائم على ثبات النظام الإجتماعي. وعليه لعبت طبقة الكهنة دوراً مهماً ليس فحسب على المستوى الديني وتشكيل عقلية العامة والخاصة، ولكن أيضاً على المستوى السياسي والإجتماعي. وهو ما أدى بمرور الوقت إلى ظهور طبقة أعظم ثراءً وأقوى سلطاناً من أمراء الإقطاع وأحياناً من الأسر الحاكمة نفسها. صــ23

▬ [..] وهكذا بينما تغير اسم الإله الأعلى من "آتوم" إلى "رع"، وسوف يتغير مرة أخرى إلى "بتاح" ، ثم "آمون"، ثم "آتون"، إلا أنهم كانوا جميعاً يرتبطون بألوهية الشمس. الأمر الذي ولد الشعور بأن الإيمان بوحدة الربوبية أمر قائم في الحضارة المصرية القديمة منذ أواخر الدولة القديمة. أما الجمع بين إلهين في نص واحد بإعتبارهما إلهاً واحداً فربما يرجع إلى حاجة سياسية اقتضتها وحدة الإمبراطورية المصرية، حيث يتم الجمع بين أكثر من اسم كإشارة إلى تعايش المدن المختلفة في تآلف ووئام سواء على مستوى العقيدة أو على المستوى السياسي. صــ28

▬ يُعد  التناسخ من أهم المفاهيم، والمعتقدات التي لا يصح الدين والفكر الهندي بدونها والتي ترقى إلى مقام اليقين المطلق، وترى هذه العقيدة أن النفس تموت على نحو متكرر وتولد من جديد وتتجسد في عالمنا هذا في كائن حي جديد وعلى نحو مستمر. فالتناسخ هو أن تعود الروح مرة اخرى إلى جسم آخر لأنها لم تُشبع في الأول سائر أعمالها، ولم تؤد واجبها كما انها لم تحقق درجات الكمال المنشود. ويطلق على هذا الإنتقال من جسد إلى آخر تكرار المولد، أو تجوال الروح. وعندما تحقق الروح رغباتها في تلك الدورات المتكررة وتصل إلى السمو الروحي المنشود وتتطهر من كل الآثام التي عليها عندئذ تسقط ضرورة التناسخ وتنجو الروح من تكرار المولد. غير أن عدد الدورات التي تمر بها كل روح تقل أو تكثر وفقاً لسلوكها ودرجة معرفتها واكتشافها للحقيقة. صــ71

▬ تتسم غالبية الفلسفة الهندية بأنها فلسفة مثالية، وتتجلى هذه المثالية خلال ميلها إلى قضية التوحد. تؤمن غالبية المذاهب الهندية بأن الحقيقة واحدة في مطلقها وأنها روحية. ولذا عندما ظهرت بعض المذاهب ذات النزعة المادية لم يكتب لها الإستمرار وذلك لقلة أتباعها من ناحية، ولبعدها عما تعلق به العقل الهندي على اختلاف طبقاته الإجتماعية من ناحية أخرى. صــ76

▬ إذا كانت العقيدة المسيحية قد أكدت على أن الموت هو النهاية الوحيدة لفاعلي الإثم والخطيئة، أما الخلاص فتعقبه حياة أبدية بصحبة المسيح الإله، فإن النسق الأوبانيشادي جعل الإكتفاء بالعلم الأدنى بمثابة الخطيئة التي تحكم على المرء بتكرار الموت ومن ثم الحرمان من السعادة الأبدية. ويستلزم تحقق المعرفة السامية في البداية إلى ضرورة أن يسعى المرء لكي يعرف نفسه حق المعرفة، حيث إن معرفته لذاته تساعده من ناحية على معرفته بحقيقة الجزء  الإلهي الحال بداخله، ومن ناحية أخرى فإنها تكشف عن هذا التماثل الواقع بين الآتمان والبراهما المجرد، ذلك الكشف الذي يترتب عليه بلوغ الكمال والسعادة الأبدية. صــ83

▬ البوذية في الأصل حركة رهبانية نشأت داخل التقاليد البراهمانية، وتحولت عن مسارها عندما قام بوذا بإنكار المباديء الأساسية في الفلسفة الهندوسية، وعلى رأسها رفض الإعتراف بقدسية كتاب الفيدا وكذلك وصاية الكهنة على العقل والحياة الهندية. وكذلك مظاهر الطقوس والقرابين التي كانت تُقدم إلى آلهة الفيدا. لقد كانت التعاليم الجديدة التي بشر بها موجهة للرجال والنساء وإلى كل الطبقات الإجتماعية بدون استثناء. لقد رفض بوذا المبدأ القائل : بأن قيمة الإنسان تتحدد عند ولادته وفقاً لنظام الطبقات الهندوسي. صــ88

▬ لقد أدرك زرادشت أن العالم يتألف من الخير والشر، كما أن اليوم يتكون من النهار والليل، والنور والظلام ، ولا يمكن تغيير طبيعة الخير إلى الشر ولا يمكن للشر أن يصير خيراً. وعليه فإن العالم تحكمه قوتان قوة للخير وأخرى للشر، وهكذا أثبت كذب الكهنة والسحرة الذين يوهمون الناس بالصلاة لآلهة الخير لتوقع الشر بأعدائهم، والصلاة لآلهة الشر كي تصنع لهم الخير، فآلهة الخير لا يمكن أن تصنع الشر والعكس كذلك. صــ109

▬ أسس زرادشت مذهبه على فكرة خطيرة جداً وهي بالطبع غريبة على الواقع الفارسي، وهي أن جميع الآلهة المذكورة في تاريخ فارس بل وغيرها من بلدان العالم هي مجرد آلهة محلية، وأن الإله الأعلى "أهوراميزدا" وهو ليس إلهاً فارسياً فحسب وإنما هو إله للكون كله، وأنه نبي تلقى الوحي، والرسالة من هذا الإله العالمي الذي لا شريك له، ولكن لحكمة رآها أهوراميزدا أوجد الظلام، أي الشر وجعل "أهرمان" هو المسئول عن ذلك، ومن ثم فهو تابع للنور والخير، لأنه ضرورة الوجود التضاد. صــ110

▬ إن العقيدة الزرادشتية قد مرت بالعديد من التطورات، ومع الإنتقال من رسالة زرادشت الموحاة إلى رجال السياسة تم تصوير الإله أهوراميزدا في صورة ملك ضخم وبوصفه حاكماً يستعين بالأرباب الصغار. الأمر الذي حول المذهب من الوحدانية إلى التعدد، ومن إلقاء عبء خلق العالم ورعايته على الإله الأوحد إلى قوى بجانبه وآلهة مسندة. وهكذا تحولت الملائكة وسمات الإله كما بشر بها زرادشت إلى مجمع للآلهة يضم ما يزيد عن ألف إله. صــ116

▬ ولما كانت عظمة الإنسانية هي الإهتمام الرئيسي لتلك الفلسفة، فإن الإهتمام بحياة البشر هنا في هذا العالم وليس في عالم آخر لها الأولوية، أما عالم الأشياء فيحتل مرتبة ثانوية. وقد تجلت هذه السمة في المدرسة الكونفوشية خلال التأكيد على النزعة الإنسانية الإجتماعية للإنسان، في حين تجلت في التاوية خلال الوحدة الصوفية الأنطلوجية بين النفس والكون. [...] ساد الصين - كسائر حضارات الشرق القديم - في عصورها القديمة اعتقاداً بأن الأوضاع البشرية تقع جميعاً تحت السيطرة الإلهية. وبذلك ساد الإعتقاد بوجود الأرواح من شانها ان تمنح البشرية السعادة المنشودة. ولكن لحسن الحظ، أو لسوء الحظ، لم ينشغل الفرد العادي بمهمة إرضاء الآلهة، بل كانت هناك طبقة مساندة للملك تنحصر مهمتهم في إنجاز الواجبات والشعائر الدينية نيابة عن الإمبراطورية كلها. ومن ثم كانت عبادة الآلهة التي من شأنها تحقيق سعادة الإنسان هي مهمة الملك وأعوانه، ولم تتحول إلى عبء على كاهل الرجل العادي. والجدير بالذكر أن أداء العبادات من جانب من بيدهم مقاليد السلطة السياسية لم يدع أية فرصة لنشأة طبقة الكهنة والتي بمرور الوقت تتحول إلى منافس على السلطة. صــ130 : 131

▬ يقدم تاريخ الفكر الفلسفي مصدرين للإلزام الخلقي، أحدهما خارجي: ويكون إما من الدين أو من المجتمع ممثلاً في هذا الكم من القوانين السائدة خلال حدود الجماعة. والآخر داخلي: ينبع من الضمير الإنساني. وقد رأى كونفوشيوس ضرورة أن يكون الإلزام داخلياً، فعندما يكون منبع الإلزام من الضمير فإنه يصبح أقل وطأة على الشعور الإنساني، وأكثر واقعية نحو الإلتزام به، على العكس من الإلزام الخارجي. صــ138

▬ إن طبيعة الفعل الأخلاقي داخل التعاليم الكونفوشيوسية لا تكمن في الفعل ذاته بل فيما يترتب عليه من نتائج. "اترك ما تمتلكه من مباديء تقودك لأن تفعل أفضل ما عندك للآخرين، عندئذ ستكون جديراً بالثقة فيما تقوله. وهذا هو الرجل الفاضل." ولا يقصد بذلك أن الفعل الأخلاقي يراد به إحراز لذة وتفادي ألم، أو السعي نحو تحقيق منفعة ذاتية. إنما يقصد أن الفعل يراد من ورائه السعادة والخير للآخرين..صــ141

▬ لقد كان من اولى الموضوعات التي لقنها المعلم (كونفوشيوس) لتلاميذه، الوضوح والأمانة في التفكير والتعبير. وقد يؤدي غموض الافكار وعدم الدقة في التعبير وعدم الإخلاص إلى كوارث عظمى. فالأب الذي لا يحمل صفات الأبوة يجب ألا يسميه الناس أبا. والامير الذي لا يستمتع بسلطان الإمارة أو الذي لا يؤدي واجباته، لا يسميه الناس أميراً. فلكل إنسان وظيفة محددة وتميزة يجب عليه أداؤها وفقاً للإسم الذي يسمى به، وذلك من اجل الحفاظ على النظام داخل المجتمع. "سأل الدوق "شينج" كونفوشيوس عن الحكومة ؟ فأجاب كونفوشيوس: دع الحاكم يكون حاكماً، دع الرعية تكون رعية، دع الأب يكون أبا، دع الإبن يكون ابناً". صــ161

▬ لقد شغلت التاوية أهمية في الفكر الصيني لا تقل عن أهمية الكونفوشيوسية على الرغم من التباين بين المذهبين. غير ان التاوية كان لها دور سيء عندما انهارت الإمبراطورية الصينية أمام الزحف الخارجي وتعرضها للإستعمار من قبل الشعوب الغازية حوالي القرن الحادي عشر الميلادي، إذ إن الطابع الميتافيزيقي لهذا المذهب أتاح الفرصة خلال هذه الفترة لظهور الكثير من الأفكار الهدامة التي دفعت العامة إلى السحر والخرافات وأحياناً إلى إعتزال المجتمع. ولهذا يُقال أنها كانت من الأسباب التي أدت إلى دخول المذهب البوذي إلى الصين وإستقراره فيها. صــ173

▬ إذا تجاوزنا قضية العصر الذهبي وتأسيس الملكية على أرض سومر، فمما لا شك فيه أن أهم مهام الآلهة والمعبودات السومرية كان خلق العالم والإنسان، وعلى الرغم من عدم وجود رواية متكاملة عن الخلق إلا أنه يمكن تكوين صورة واضحة إلى حد ما من مجموع الألواح التي عثر عليها والمتعلقة بأمور الخلق. ومن خلال فحص تلك النصوص يمكن القول: 1- في البدء كانت الإلهة "نمو" ولا أحد معها، وهي تمثل المياه الأولى التي انبثق عنها كل شيء. 2- أنجبت الإلهة "نمو" ولداً وبنتاً هما، إله السماء الذكر "آن" أو " أونو"، وإلهة الأرض الأنثى "كي" ولكنهما كانا ملتصقين. 3- وعندما تزاوج إله السماء بالأرض أنجبا ابناً هو "إنليل" إله الهواء الذي عاش بينهما في مساحة ضيقة لا تسمح له بالحركة. 4- ضاق "إنليل" فقام بفصل أبيه عن أمه، ورفع الأول وأصبح سماء وبسط الثانية فصارت أرضاً ومضى يرتحل بينهما. 5- ولكن لأن إنليل كان يعيش في ظلام فتزوج وأنجب إله القمر نانا ليبدد الظلام. 6- إلا أن نانا أنجب بعد ذلك إله الشمس "أوتو" الذي تفوق عليه في الضياء. 7- وبعد أن استقرت السماء والأرض، وصدر ضوء القمر الخافت، وضوء الشمس الدافيء، قام إنليل (الهواء) مع بقية الآلهة بخلق مظاهرة الحياة الأخرى. صــ194

▬ لقد احتفظت بابل بالمعتقدات الدينية التي ورثتها من سومر، بل أصبح من الصعب علينا أن نحدد في الدين البابلي ما يرجع إلى سومر وما هو إبداع بابلي محض بإستثناء بعض الأسماء الإلهية التي لم ترد من قبل. فالآلهة الأساسية مازالت قائمة بجانب ما تم إضافته من أسماء جديدة، الأمر الذي أدى إلى إزدياد عدد الآلهة على نحو كبير. ولم تكن كثرة الآلهة إلا نتيجة طبيعية لما ذكر من قبل، وهو أنه بجانب كبار الآلهة التي تمثل القوى الطبيعية في الكون كان لكل مدينة إله، ولكل قرية إله، ولكل جماعة إله، بل أصبح لكل أسرة ولكل فرد أيضاً إله. صــ197

▬ لقد اعتقد البابليون، كما الحال في سومر، أن الناس بعد الموت يذهبون جميعاً العبقري منهم والمذنب والأحمق، والقديس إلى ذات المكان المظلم في جوف الأرض. وهو مكان للعقاب يقيد فيه الموتى، يتسم بالبرودة لذا ترتجف أجسادهم، وإذا قصر الأبناء في تقديم الطعام لموتاهم في أوقات محددة فسوف يعانون من الجوع بجانب ما يعانون من قهر في هذا المكان البائس. صــ200

▬ وخلال ملحمة جلجامش يصف صديقه "انكيدو" كيف أن الحياة في هذا العالم السفلي تتصف بالكآبة والوحشة، وكيف ساقته الأرباب المسئولة عن هذا العالم إلى بيت الظلام : - "إلى البيت الذي لا يغادره من يدخله. إلى الطريق الذي لا عودة منه. إلى المكان الذي لا يرى سكانه نوراً ولا ضياء. حيث الغبار طعامهم والطين قوتهم، عليهم أجنحة بدل الملابس. يعيشون في ظلام فلا يرون النور. في بيت التراب شاهدت الملوك، وتيجانهم مطروحة على الأرض والأمراء الذين حكموا القرون الخوالي...". صــ201


▬ لم يختلف الدين الآشوري عن الدين البابلي في جوهره ولكنه تأثر بعض الشيء بالمظاهر الحربية التي سادت عهد الآشوريين. فلقد احتل آشور الإله القومي، الذي ارتبط بالمدينة، مكانة اعظم إله في بلاد النهرين، حيث شغل رأس مجمع الآلهة. وأصبح هو ملك الآلهة جميعاً، وهو من يحدد مصائر البشر، وإليه تقدم الصلوات والقرابين. إلا أنه إمتاز عن سائر المجامع التي ظهرت من قبل في كونه إلهاً حربياً أخضع الناس جميعاً لسلطانه، لا يشفق على أعدائه. صــ206

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق