Pages - Menu

السبت، 10 أغسطس 2013

مقال عن المنهج (رينيه ديكارت)


|| يطلق ديكارت كلمة الفلسفة على مجموع العلوم ويشبهها بشجرة، أصلها علم ما بعد الطبيعة ، وساقها علوم الطبيعة، والفروع الخارجة من هذه الساق هي سائر العلوم التي يمكن حصرها في ثلاثة هي : الطب والميكانيكا وعلم الأخلاق. ||
|| يُعني ديكارت بالمنهج "قواعد وثيقة سهلة تمنع مراعاتها الدقيقة من أن يؤخذ الباطل على أنه حق، وتبلغ بالنفس إلى المعرفة الصحيحة بكل الأشياء التي تستطيع ادراكها، دون تضييع في جهود غير نافعة، بل وهي تزيد في ما للنفس من علم بالتدريج.||
|| وكان ديكارت ينوي أن يجهل عنوان المقال هو : "مشروع علم شامل يستطيع أن يرقى بطبيعتنا إلى أعلى مرتبة لها من مراتب الكمال" ولكنه شم رائحة الغرور تنبعث من هذا العنوان فعدل عنه وآثر الذي ظهر به الكتاب.||
==================================================
• إن إختلاف آرائنا لا ينشأ من أن البعض أعقل من البعض الآخر، وإنما ينشأ من أننا نوجه أفكارنا في طرق مختلفة. ولا ينظر كل منا في نفس ما ينظر فيه الآخر، لأنه لا يكفي أن يكون للمرء عقل. بل من المهم أن يحسن إستخدامه.
• أما أنا فلم أدعِ قط أن نفسي أكمل من نفوس الغير، بل كثيراً ما تمنيت أن يكون لي من سرعة الفكر، أو من وضوح الخيال وتميزه، أو من سعة الذاكرة وحضورها، مثل ما لبعض الناس.
• لقد جنيت من ثمرات ذلك المنهج ما جعلني أحاول دائماً في الأحكام التي أكونها عن نفسي أن أميل إلى جهة الحذر، أكثر من ميلي إلى جهة الغرور.
• وإذن ليس غرضي أن أعلم المنهج الذي يجب على كل فرد اتباعه لكي يحكم قيادة عقله. ولكن غرضي هو أن أبين على أي جهة حاولت أن أقود عقلي.
• لم أكد أُنهي المرحلة الدراسية التي جرت العادة أن يُرفع الطالب في نهايتها إلى مرتبة عالم حتى غيرت رأيي تماماً لأني وجدت نفسي في ركام من الشكوك والأخطاء بدا لي معها أنني لم أفد من محاولتي التعلم إلا الكشف شيئاً فشيئاً عن جهالتي.
• الذين لهم الأخيلة الرائعة، ويعرفون كيف يعبرون عنها بأحسن المجازات وأحلى الأساليب، هم خيرة الشعراء، وإن كان فن الشعر مجهولاً لديهم.
• كانت تعجبني الرياضيات على الخصوص، وذلك لما في براهينها من الوثاقة والوضوح، ولكني لم أكن ألحظ فائدتها الحقيقية، إلا في الصناعات الميكانيكية، كنت أعجب أن تكون أسسها البالغة في متانتها وقوتها لم يشيد فوقها بناء أسمى..
• ولملاحظتي أنه مع أن موضوعاتها متباينة (الرياضيات) فإنها تتفق جميعاً، في أنها لا تبحث إلا عما في النسب المختلفة أو المقادير.
• إنني لم أقصر هذا المنهج على مادة معينة، فقد كان لي الأمل أن اطبقه تطبيقاً مفيداً أيضاً على معضلات العلوم الأخرى كما فعلت بمعضلات علم الجبر.
• إنه إذا لم يكن في استطاعتنا تمييز أصح الآراء، فإن الواجب علينا اتباع أكثرها رجحاناً.
• كانت حكمتي أن أجتهد دائماً في أن أغالب نفسي لا أن أغالب الحظ، وأن أغير رغباتي لا أن أغير نظام العالم..
• لقد شعرت بلذات بالغة جداً، منذ بدأت في أن آخذ نفسي بهذا المنهج، لذلك لا أعتقد أن المستطاع أن يجد المرء ما هو أعذب منها ولا أطهر ف هذه الحياة..
• يكفي أن يجيد المرء الحُكم لكي يجيد العمل، وأن يحكم أحسن ما يستطيع عملاً.
• إنني انتزعت من عقلي كل الأخطاء التي استطاعت أن تتسرب إليه من قبل وما كنت في ذلك مقلداً اللأدرية الذين لا يشكون إلا لكي يشكوا، ويتكلفون أن يظلوا دائماً حيارى، فإني على عكس ذلك، كان كل مقصدي لا يرمي إلا إلى اليقين.
• أنا أفكر، إذن فأنا موجود.
• حكمت بأنني أستطيع أن أتخذ قاعدة عامة، أن الأشياء التي نتصورها تصوراً قوي الوضوح والتميز، هي جميعاً حقيقة، غير أن هناك بعض الصعوبة في أن نبين ما هي الأشياء التي نتصورها متمايزة.
• انه سواء كنا في يقظة أو كنا في نوم، لا يلزمنا أن نقتنع بأمر ما إلا بيقين عقلنا. ويجدر بالملاحظة أنني أقول عقلنا، ولا أقول قط خيالنا أو حواسنا.
• [..] وعلى كل حال فلأنه من المستحيل أن تتفق مع كل الآراء المختلفة التي يقول بها غيري فإنني أتوقع أني سأحيد عنها كثيراً لما ستولده من معارضات. (يقصد التراجع عن نشر بحوثه في الطبيعيات، والتي كانت تعارضها الكنيسة وقتذاك).
• كثيراً ما شرحت بعض آرائي لأشخاص أولي عقول جيدة، وبينما كنت أتحدث إليهم كان يظهر لي أنهم يفهمونها فهما متميزاً، ومع هذا فإنهم عندما كانوا يعيدونها، كنت ألاحظ أنهم كانوا يكادون دائماً يغيرونها بحيث لم أكن لأستطيع أن أعترف بأنها آرائي.
• يسرني كثيراً أن أرجو أحفادنا ألا يصدقوا ما سيقال لهم أنه صادر عني، إذا لم أكن أنا قد أذعته بنفسي..
• لم أحاول مع ذلك أن أُخفي أعمالي كما تُخفى الجرائم، ولم أستعن بكثير من الحيطة كي أكون غير معروف، وذلك لأنني كنت أعتقد أنني بهذا أُسيء إلى نفسي كما أن ذلك يسبب لي نوعاً من الإضطراب يجافي أيضاً ما أنشده من الراحة الكاملة للنفس.
==================================================
▬ إن للشعر رقة وحلاوة رائعتين جداً وأن في الرياضيات اختراعات جد دقيقة. وتفيد في ارضاء النفوس المتطلعة وفي تسهيل كل الفنون، وتوفير جهد الناس، وأن الكتب الباحثة في الأخلاق تشتمل على كثير من التعاليم وعلى مواعظ كثيرة تدعو إلى الفضيلة وهي مفيدة جداً، وأن علم أصول الدين يهدي إلى طريق الجنة، وأن الفلسفة تعطينا وسيلة للقول في كل شيء بما هو أدنى للحق، ولكسب الإعجاب ممن أقل منا علماً (يقول ذلك متهكماً على فلسفة العصور الوسطى) وأن التشريع (القانون) والطب والعلوم الأخرى تأتي بالجاه والثروة للذين يتعلمونها، وأخيراً فمن الخير أن نخبرها جميعاً حتى أكثرها خرافة وبطلانا، لنعرف فيمتها بالعدل ونحذر الخديعة فيها. صــ168

▬ كنت أجلُّ علومنا الدينية، وأطمع كغيري في الجنة، ولكن لما علمت مؤكداً أن الطريق إليها ليس ممهداً لأجهل الجهلاء أقل مما هو ممهد لأعلم العلماء. وأن الحقائق الموحى بها، والتي تهدي إلى الجنة هي فوق فهمنا، لم يكن لي أن أجرؤ على أن أسلمها لضعف استدلالاتي ورأيت أن محاولة امتحانها امتحاناً موفقاً تحتاج لأن يمد الإنسان من السماء بمدد غير عادي وأن يكون فوق مرتبة البشر. صــ172

▬ وكما أن كثرة القوانين كثيراً ما تُهيىء المعاذير للنقائص، بحيث تكون الدولة خيراً حكما ونظاماً، عندما لا يكون لديها من القوانين إلا قليل جداً، فتصبح هذه القوانين مراعاة بدقة كثيرة، كذلك اعتقدت أنه بدلاً من هذا العدد الكبير من المباديء التي يتألف منها المنطق، فالأربعة التالية حسبي بشرط أن يكون عزمي على ألا أخل مرة واحدة بمراعاتها صادقاً ودائماً. الأول ألا أقبل شيئاً ما على أنه حق، مالم أعرف يقينا أنه كذلك: بمعنى أن أتجنب بعناية التهور، والسبق إلى الحكم قبل النظر، وألا أدخل في أحكامي إلا ما يتمثل أمام عقلي في جلاء وتميز، بحيث لا يكون لدي أي مجال لوضعه موضع الشك. الثاني: أن أقسم كل واحدة من المعضلات التي سأختبرها، إلى أجزاء قدر المستطاع، على قدر ما تدعو الحاجة إلى حلها على خير الوجوه. الثالث: أُسيّر أفكاري بنظام، بادئاً بأبسط الأمور وأسهلها معرفة كي أتدرج قليلاً قليلاً حتى أصل إلى معرفة أكثرها ترتيباً، بل وأن أفرض ترتيباً بين الأمور التي لا يبق بعضها الآخر بالطبع. والأخير، أن أعمل في كل الأحوال من الإحصاءات الكاملة والمرجعات الشاملة ما يجعلني على ثقة من أنني لم اغفل شيئاً. صــ190 : 192

▬ ولملاحظتي أنه مع أن موضوعاتها متباينة (الرياضيات) فإنها تتفق جميعاً، في أنها لا تبحث إلا عما في النسب المختلفة أو المقادير [...] ، فكرت أنه لكي يَحسُن النظر في كل واحدة منها (أي المقادير) على حدة وجب عليّ أن أفرضها خطوطاً (مستقيمة)، لأنني لم أجد شيئاً أبسط منها ولم أقدر أن أعرض لخيالي وحواسي ما هو أكثر تميزاً منها، ولكن لأجل تذكرها، أو لجمع الكثير منها (في وقت واحد)، وجب عليّ أن أفسرها برموز أكثر ما تكون إيجازاً، وبهذه الوسيلة، أستعير خير ما في التحليل الهندسي والجبر، وأصحح كل عيوب أحدهما بالآخر. صــ194

▬ [...] وكذلك لما كانت حواسنا تخدعنا أحياناً، أردت أن أفرض أنه ليس من شيء هو في الواقع كما تجعلنا الحواس نتخيله. ولأن من الناس من يخطئون في التفكير، حتى في أبسط أمور الهندسة، ويأتون فيها بالمغالطات، فإنني لما حكمت بأنني كنت عرضة للزلل مثل غيري، نبذت في ضمن الباطلات كل الحجج التي كنت أعتبرها من قبل في البرهان، ثم لما رأيت أن نفس الأفكار، التي تكون لنا في اليقظة، قد ترد علينا أيضاً ونحن نيام، ودون أن تكون واحدة منها إذ ذاك حقيقة أعتزمت أن أري أن كل الأمور لتي دخلت إلى عقلي، لم تكن أقرب إلى الحقيقة من خيالات. ولكن سرعان ما لاحظت أنه، بينما كنت أريد أن أعتقد أن كل شيء باطل فقد كان حتماً بالضرورة أن أكون أنا صاحب هذا التفكير، شيئاً من الأشياء، ولما انتبهت إلى أن هذه الحقيقة: "أنا أفكر إذن فأنا موجود"، كانت من الثبات والوثاقة (واليقين) بحيث لا يستطيع اللاأدريون زعزعتها، بكل ما في فروضهم من شطط بالغ، حكمت أني أستطيع مطمئناً أن آخذها مبدأ أول للفلسفة التي أتحراها. صــ213 : 214

▬ ثم لما اختبرت بإنتباه ما كنت عليه، ورأيت أنني قادر على أن أفرض أنه لم يكن لي أي جسم، وأنه لم يكن هناك أي عالم، ولا أي حيز أشغله، ولكنني لست بقادر من أجل هذا، على أن أفرض، أنني لم أكن موجوداً، بل على نقيض ذلك، فإن نفسي كوني أفكر في الشك في حقيقة الأشياء الأخرى، يستتبع استتباعاً جد واضح وجد يقيني أنني كنت موجوداً، في حين أنه لو كففت عن التفكير وحده، وكان كل ما بقي مما فرضته حقاً، لم يكن لي مسوغ للإعتقاد بأنني كنت موجوداً: ولقد عرفت من ذلك أنني كنت جوهراً، كل ما هيته أو طبيعته ليست إلا أن يفكر، ولأجل أن يكون موجوداً، فإنه ليس في حاجة إلى أي مكان ولا يعتمد على أي شيء مادي، بحيث أن الأنية، أي (النفس التي أنا بها) هي متمايزة تمام التمايز عن الجسم، بل وهي أيسر أن تُعرف وأيضاً لو لم يكن الجسم موجوداً البتة لكانت النفس موجودة كما هي بتمامها. صــ214 : 218

▬ وبعد ذلك، فإنني لما فكرت في شكوكي، وأن مؤدى هذا أن ذاتي لم تكن تامة الكمال، لأنني تبينت أن المعرفة كمال أكبر من الشك، رأيت أن أبحث أني تعلمت أن أفكر في شيء أكمل مني، وعرفت يقيناً أن ذلك يجب أن يكون ذا طبيعة هي في الواقع أكمل [..] وأن هذه الأشياء (الكمالية) إن لم تكن كذلك، فإنني أكون استمددتها من العدم، ولكن الأمر لا يمكن أن يكون على هذا النحو فيما يختص بفكرة وجود أكمل من وجودي [..] اذن فأنا لا أقدر أيضاً على أن أستمد هذه الفكرة من نفسي. وعلى ذلك بقي أن تكون هذه الفكرة قد القيت من طبيعة هي في الحقيقة أكثر مني كمالاً، بل ولها من نفسها كل الكمالات، التي أستطيع أن أتصورها، وإذا أردت التعبير بكلمة واحدة، عن تلك الطبيعة فإن المراد بها الله.. صــ219 : 220


▬ لما كان من غرضي أن أنفق كل حياتي في البحث عن علم ضروري جداً، ولما ألفيت طريقاً يظهر لي أنه بإتباعه يجب حتماً أن يوجد هذا العلم، مالم يعق دونه اما قصر الحياة، أو نقص في التجارب، حكمت أنه ليس من دواء لهذين العائقين، خير من أن أبلغ الجمهور بأمانة كل القدر القليل الذي أُتيح لي الإهتداء إليه، وأن أدعو أهل العقول الجيدة لمحاولة التقدم، بإشتراكهم في التجارب التي ينبغي القيام بها ، كُلٌ وفق ميله وعلى وقدر استطاعته، وأن يبلغوا الجمهور أيضاً كل الأشياء التي تعلموها حتى يبدأ اللاحقون من حيث انتهى السابقون، وبذلك نصل أعمار الكثيرين وأعمالهم، فنتقدم جميعاً أكثر مما يستطيع كل فرد مستقلاً. صــ269

هناك 4 تعليقات: