• إن حرية الكلام قد نراها اليوم مسألة واقعية مألوفة في المجتمعات
التي أخذت بنصيب موفور من الحضارة، ولقد نرى أننا تعودناها إلى الحد الذي نراها
فيه حقاً طبيعياً، ولكن هذا الحق لم تدركه البشرية إلا بعد أن خاضت إليه أنهاراً
من الدماء.
• إن غريزة المحافظة على الذات وما ينتج عنها من مذهب محافظ يجدان عوناً كبيراً في الخرافاتّ!
• لقد كان سلاح العقل الأوحد هو الإقناع، أما "النقل" فكان يعتمد
على القوة المادية والقوة الأدبية والتشريعات المانعة وإثارة السخط الإجتماعي على
المفكرين الأحرار.
• إن من الناس من يستنكر أن نرفض مبدأ دينياً إلا إذا استطعنا أن نثبت
تهافته وبطلانه. وهذه مغالطة واضحة فإن عبء البرهان على صحة ذلك المبدأ لا تقع
علينا وإنما تقع على عاتق أصحابه ومعتنقيه.
• لقد كانوا يرون قصائد هوميروس (الإغريق) بمنظار دنيوي لا بمنظار ديني،
كانوا يرونها بمنظار دنيوي مع أنها أشد مراعاة للأخلاق والإنسانية من بعض الكتب
المقدسة.
• كان أبيقور يقرر أن الخوف هو الدافع الرئيسي للتدين وكان من أهم أغراضه
أن يحرر عقول الناس من ذلك الخوف. لقد كان أبيقور مادياً يفسر الكون بنظرية
"ديمقريطس" الذرية، ولا يعترف أن هذا العالم تديره قدرة إلهية.
• لقد كان أبيقور يقرر أن هناك آلهة ولكن آلهته كان وجودهم كالعدم بالنسبة
للإنسان، كانوا آلهة يعيشون في خلوة بعيدة وينعمون "بهدوء خالد مقدس".
لقد كان وجودهم مجرد قدرة لتحقيق الحياة الأبيقورية المثالية الهانئة.
• إن الفلسفة الرواقية كانت خير معوان لقضية الحرية، ولم يكن مقدراً لها
الإنتشار والإزدهار لو لم تنبُت في جو أُطلِقت فيه حرية البحث والمناقشة.
• لقد ظل الرومان دهراً وهم لا يعلمون عن المسيحيين الذين وصلت أخبارهم إلى
روما إلا أنهم طائفة من اليهود. وكان الدين اليهودي هو الدين الوحيد الذي يبغضه
الوثنيون المتسامحون ويسيئون به الظن نظراً لغطرسته وتعصبه وإنطوائه على نفسه.
• إن طبيعة الكتاب المقدس فضلاً عن تعاليمه مسئولة إلى حد ما عن قسوة
المباديء التي اتبعتها الكنيسة المسيحية.
• الواقع أن الكتب المقدسة ما هي إلا موانع وعقبات في سبيل الرقي العقلي
والأخلاقي لأنها تمجد آراء عصر معين وعاداته وأخلاقه وتسبغ عليها تقديساً إلهياً.
• كانت الكيمياء توصف بأنها صناعة الشياطين وإنتهى بها الأمر إلى أن حرم
البابا الإشتغال بها تحريماً باتاً..
• لقد حاول ابن رشد أن يتجنب التصادم مع السلطات الإسلامية المحافظة فابتكر
نظرية (الحق المزدوج) والمقصود بها أن في هذا الوجود حقيقتين مستقلتين متناقضتين.
حقيقة دينية وحقيقية فلسفية. ولكن هذه النظرية لم تحل دون نفيه وإبعاده عن بلاد
الخليفة الأندلسي.
• إنها لمن حقائق التاريخ العظمى التي لم تكد تنال من التعظيم، أن الحرية
الدينية التامة المطلقة قد تحققت للمرة الأولى في حياة الدول الأوروبية الحديثة
على يد حاكم مفكر حر هو صديق (الملحد الأكبر) "فولتير".
• ومن العجيب أن البابوية قد عاشت قوية محترمة رغم التناقض الحاد بين
مباديء الكنيسة وبين تيار الحضارة الحديثة. عاشت في عالم سادت فيه المباديء التي
لعنتها وطالما حملت عليها.
• كان العقل خلال الثلثمائة سنة الماضية يُهشِّم ببطء وإطراد ما جاءت به
المسيحية من أساطير ويكشف المزاعم التي قيلت عن الوحي المساوي.
• جاء النقد التارخي فقوض الأساس الذي بُنيت عليه الكتب المقدسة، تلك الكتب
التي كانت حتى ذلك الحين معرضة لنقدات الذوق السليم وحده، تلك النقدات التي إن تكن
حاذقة فهي غير متسقة.
• إن الخوف الموهوم من الكائنات الغيبية المحجوبة هو خوف يسببه الجهل هو
نواة ذلك الشعور الذي يجده المرء في نفسه فيسميه ديناً ويجده عند غيره من الناس
بصورة أخرى فيسميه خرافة. (توماس هوبز)
• لابد لنا أن نُلاحظ ها هنا أن صفة "الإلحاد" كانت تطلق جزافاً
في القرن السابع عشر والثامن عشر للنيل من المفكرين الأحرار.
• إذا نزعت العقل لتفسح مكاناً للوحي فإنك تُطفيء نورهما معاً، ويكون مثلك
كمثل من يُغري إنساناً بأن يفقأ عينيه ويستعيض عنهما بنور خافت يأتيه من نجم سحيق
خلال التلِسكوب. (جون لوك)
• إن مثل هذا الإنسان الذي يعتنق دينه (كما يفعل أكثر الناس) دون أن يحققه
كمثل الثور الذي قبل أن توضع في عنقه "عدة المحراث". (فولتير)
• إن الأمر الوحيد الذي يبرر إدعاءنا صدق أية فكرة وصلاحيتها للتنفيذ هو
الحرية التامة في مناقضتها وتخطئتها وبغير ذلك لا يستطيع كائن ذو مواهب إنسانية أن
يتثبت تثبتاً عقلياً من صواب آرائه.
================================================
▬ لقد كانت في القرون الوسطي "مناطق" واسعة محرمة على العقل
ومملؤة بالمعتقدات التي فرض "النقل" والرواية صحتها على الناس فرضاً.
ولكن العقل لم يكن ليحترم نفسه لو رضي بتلك النواهي التحكيمية، وهو لا يعترف بوجود
"مناطق" ممنوعة عليه؛ لأن ميدانه الواسع وهو التجربة ميدان متشابك
متداخل يكاد يشمل كل شيء، والعقل لا يستطيع أن يتنازل عن حقوقه لأي سلطان "
منقول" إلا بعد أن يفحص ويدقق أوراق اعتماده ويوافق عليها. صــ25
▬ لقد كانت أرض "أيونيا" في آسيا الصغرى مهد التفكير الحر، ولا
ريب في أن تاريخ العلوم الأوروبية والفلسفة الأوروبية يبدأ من "أيونيا"
فهناك (في القرنين السادس والخامس قبل الميلاد) حاول الفلاسفة الأوائل أن ينفذوا
بعقولهم إلى أصل هذا العالم وتكوينه. ولا شك في أنهم لا يستطيعون التخلص تخلصاً
تاماً من الآراء القديمة، ولكنهم هم الذين بدأوا مهمة تحطيم الآراء السائدة
والعقائد الدينية. صــ30
▬ إن الظروف التي حوكم فيها سقراط الفيسلوف لتبين لنا تسامح الأثينيين
وتعصبهم في آن واحد، فإن عدم إعتراض أحد على تعاليمه خلال تلك الأعوام الطويلة،
وكون إتهامه صادراً بعد ذلك عن دوافع سياسية وربما كان صادراً عن دوافع شخصية،
وتلك النسبة الكبيرة من الشعب التي توافق على إدانته، كل هذا يدل على أن الفكر كان
حراً بوجه عام وأن الكتلة المتعصبة التي رأيناها قد كانت نتيجة تدبير محكم ربما
قصدت به أغراض أخرى غير إضطهاد الحرية. صــ38
▬ إن الفلسفة الرواقية كانت خير معوان لقضية الحرية، ولم يكن مقدراً لها
الإنتشار والإزدهار لو لم تنبُت في جو أُطلِقت فيه حرية البحث والمناقشة. وقد كانت
تلك الفلسفة تناصر حقوق الأفراد ضد السلطة العامة. وكان سقراط قد أكد من قبل أن
القوانين قد تكون ظالمة وأن الجماعات الإنسانية قد تسير إلى الضلال ولكنه لم يرسم
مذهباً واضحاً لهداية المجتمع. فجاء الرواقيون وكشفوا عن ذلك المذهب في صورة
"قانون الطبيعة" الذي أعتبروه أسبق وأسمى من العرف والعادات والقوانين
الوضعية، ذلك المذهب الذي تخطى حدود الجماعات الرواقية وتحكم في العالم الروماني
وتأثرت به التشريعات الرومانية. صــ40
▬ كان الملحدون القدماء يعتقدون أن الدين الزائف لا بد منه وجوده لحفظ نظام
المجتمع، وهذا رأي نشهده اليوم عند أكثر الناس بصور مختلفة، فهم يدافعون دائماً عن
الأديان بإعتبارها شيئاً مفيداً لا بإعتبارها حقاً وصواباً. وهذا الدفاع يرجع إلى
السياسة الميكيافلية التي تقدر أن الدين ضروري لقيام الحكومة، وأنه قد يكون من
واجب الحاكم أن يناصر ديناً يؤمن بزيفه وبطلانه. صــ41
▬ إن إضطهاد المسيحيين لم يكن يستطيع الدفاع عنه وثني مخلص محافظ، لأنه كان
إراقة للدماء بغير نتيجة، كان بعبارة أخرى غلطة كبرى لأنه لم يكن ليكتب له النجاح.
ولما كان الإضطهاد ما هو إلا إختيار أحد شرَّين فقد كانت النتيجة لا تخرج عن أحد
أمرين: العنف (وهو أمر لا يمكن أن ينكر أنصار الإضطهاد أن شر في ذاته) وإنتشار المعتقدات
الضارة: وقد اختير الأول لتجنب الثاني ليس إلا ، بإعتبار أن الثاني هو أعظم
الشرين. ولكن الإضطهاد لا بد له أن يُنسق تنسيقاً يؤدي إلى الغاية وإلا أصبحنا
أمام شرين بدلاً من شر واحد، وهذا لا يقول به أحد. صــ46
▬ حينما كان المسيحيون طائفة منبوذة مدى قرنين من الزمان كانوا يطالبون
بالتسامح محتجين بأن الإيمان الديني أمر إختياري لا يمكن فرضه على الناس. وحينما
أصبح دينهم هو الدين الغالب على أمره وصار مدعماً بسلطان الدولة هجروا مبدأ
التسامح هجراناً وجعلوا يمنون أنفسهم بجمع الناس وتوحيد آرائهم توحيداً تاماً إزاء
مشاكل الكون المبهمة الخفية وبدأوا من فورهم سياسة تتفاوق في الدقة والوضوح وتهدف
إلى تقييد التفكير..صــ49
▬ في عام 1689م أصدر "جون لوك" رسالة عن التسامح، كتبها باللغة
اللاتينية ثم أردفها بثلاث رسائل أخرى لكي يتمم بحثه ويوضحه. وكان جوهر فكرته أن
مهمة الحكومة المدنية تختلف إختلافاً بيناً عن مهمة الدين. وأن الدولة ما هي إلا
هيئة تكونت لغرض واحد هو إنماء مصالح أفرادها المدنية، وهذه المصالح المدنية هي
الحياة والحرية والصحة وإمتلاك المتاع، أما العناية بعالم الروح فلا تدخل في
إختصاص الحكام، وإ،ما شأن الحكام في ذلك كشأن كافة الناس. إذ أن الحاكم لا يملك
سوى القوة المنظورة أما الدين الحقيقي فإنه لا يلجأ إلى غير إقناع العقل إقناعاً
"داخلياً" وقد أطلق العقل بحيث لا تستطيع القوة الخارجية إجباره على
الإيمان. فإن القانون يفقد نفوذه بغير عقاب، والعقاب ها هنا سفاهة لعجزه عن
الإقناع. صــ83
▬ يقول (جون لوك) : "إن هؤلاء الذين لا يؤمنون بالله لا يستحقون أن
يعاملوا بالتسامح، فإن الكافر لا يقيم وزناً لعهد ولا قسم ولا ميثاق، وتلك الروابط
التي يتماسك بها المجتمع الإنساني. إن إستبعاد الله ولو في الفكر ينقض هذه الروابط
نقضاً، هذا فضلاً عن أن هؤلاء الذين يقوضون بإلحادهم الأديان كلها لا يمكن أن
يزعموا أن لهم ديناً يطالبون بمقتضاه بحق التسامح". وهكذا نرى
"لوك" متأثراً بأوهام عصره وتفرضاته. فإن هذين الإستثنائين يتناقضان مع
مبدئه الذي يقرر أنه "من السخف أن تفرض أمور لا يستسغها الناس بقوة القانون
وإ، الإيمان بصحة هذا الشيء أو ذاك لا دخل فيه لإرادتنا". صــ84
▬ يقول فولتير: "إن الإنسان الأعمى هو الذي يُفضل عقيدة دموية سخيفة،
يؤيدها الجلادون ويحوطها الوصوليون الشرسون، عقبة لا يُقبِل عليها إلا من يستفيدون
منها سطوة وثروة، عقيدة غريبة لا يعرفها سوى جزء ضئيل من الدنيا، إنه الأعمى ذلك
الذي يفضلها على دين (طبيعي) بسيط يشمل الدنيا بأكملها". وفي نقده للأخطاء
الجغرافية التي وردت في التوراة يقول : "من الواضح أن الله لم يكن قوياً في
الجغرافياً". وأنظر إليه حينما يشير إلى "الجريمة الشنيعة" التي
إرتكبتها زوجة سيدنا "لوط" حينما تلفتت إلى الوراء وكيف أنها مُسخت
فصارت عاموداً من الملح، ويتمنى لو كانت أقاصيص الكتاب المقدس مدعاة لتهذيبنا
مادامت لا تستطيع أن تثير عقولنا. وكان من أقرب الأساليب إلى قلم فولتير أن يتناول
المباديء المسيحية كما لو كان إنساناً يسمع عن المسيحيين أو اليهود لأول مرة في
حياته. صــ117
▬ كانت أبحاث "كوبرنيكس" بشيراً بمولد العلم الحديث في القرن
السابع عشر ذلك القرن الذي شهد ثبوت النظرية الكوبرنيكية، واكتشاف قانون الجاذبية
واكتشاف الدورة الدموية، ونشأة علم الطبيعة وعلم الكيمياء. ولقد تأكد العلماء
حينئذ من معرفة المذنبات ولم يعد الناس يعتبرونها علامات لغضب الله، ولكن بعضه
أجيال كانت لابد أن تمر قبل أن يصبح العلم - عن غير قصد - عدواً للدين في الأمم
البروتستنتينية. ولما جاء القرن التاسع عشر لم يكن هنالك سوى نقط محدودة تتصادم
فيها الحقائق العلمية الثابتة مع نص الكتاب المقدس كحركة الأرض ودورانها، وكان من
الهين اليسير تسوية ذلك التناقض بتأيل جديد للنصوص المقدسة..صــ133
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق