Pages - Menu

الخميس، 30 مايو 2013

إشكاليات القراءة وآليات التأويل (نصر حامد أبو زيد)


نصيحة : لا تأخذ كل ما هو مكتوب على أنه حقيقة مطلقه، فأولاً وأخيراً الكتاب هو منتج أفكار الكاتب، كما أنه نقل الآراء والأفكار المختلفة حول موضوع الدراسة الذي يبحث فيه، وهذا لا يدعونا لأن نرفض كل شيء، أو أن نأخذ كل شيء بدون تفكر، كما أنه يتطلب منك أن تكون عارفاً ببعض فروع اللغة الأساسية.

نقاط تناولها الكتاب:-

• القراءة التي تعكف على مجال ما عكوفاً منغلقاً تعجز عن إكتشاف الدلالات الحقيقية لمنجزاته المعرفية.
• إن أي قراءة لا تبدأ من فراغ، بل هي قراءة تبدأ من طرح أسئلة تبحث لها عن إجابات.
• إن موقف "التساؤل المستمر" و "المراجعة الدائمة" قادر دائماً على تصحيح الأخطاء، والتقدم نحو مزيد من الإجتهاد.
• القضية الأساسية التي تتناولها "الهرمنيوطيقا" هي معضلة تفسير النص بشكل عام، وهي في تركيزها تكون على علاقة المفسر بالنص.
• إن صيغة "الحوار الجدلي" ليست صيغة تلفيقية تحاول أن تتوسط بين نقيضين، بل هي الأساس الفلسفي لأي معرفة.
• هناك في تراثنا القديم، وعلى مستوى تفسير النص الديني (القرآن) تلك التفرقة الحاسمة بين ما أطلق عليه "التفسير بالمأثور" وما أطلق عليه "التفسير بالرأي" أو "التأويل".
• النص الأدبي يتسع للعديد من التفسيرات التي تتنوع بتنوع إتجاهات النقاد ومذاهبهم.
• إن ما أضافته الرومانسية-من وجهة نظر التأويلية-أنها أفسحت مجالاً لذاتية الناقد في فهم النص.
• إن مهمة الناقد يجب أن تقوم على أساس موضوعي محايد وأن تستخدم وسائل محايدة، هي التحليل والمقارنة..
• إن الناقد البنيوي يتجاوز ثنائية الذات والموضوع بإخضاعهما معاً لفكرة النظام.
• تقوم تأويلية شليرماخر على أساس أن النص عبارة عن وسيط لغوي ينقل فكر المؤلف إلى القاريء.
• إن هذا الوجود الموضوعي - أي النص الذي أبدعه المؤلف - هو الذي يجعل عملية الفهم ممكنة.
• ما هي العلاقة بين فكر المؤلف (أو نفسيته) وبين الإطار اللغوي (الوسيط) الذي يتم فيه التعبير؟
• كلما تقدم النص في الزمن صار غامضاً بالنسبة لنا..
• إن مهمة الهرمنيوطيقا هي فهم النص كما فهمه المؤلف، بل حتى أحسن مما فهمه مبدعه.
• كل ما يطمح إليه المفسر أن يصل إلى أقصى طاقته في تفسير النص.
• يعد شليرماخر-بحق-أباً للهرمنيوطيقية الحديثة، وللمفكرين الذين جاءوا بعده، سواء بدأوا من الإتفاق أو الإختلاف معه.
• عملية فهم النص تقوم على نوع من الحوار بين تجربة المتلقي الذاتية والتجربة الموضوعية المتجلية في الأدب، من خلال الوسيط المشترك.
• يكون فهمنا للماضي أفضل كلما توافرت شروط موضعية في الحاضر شبيهة بما كان في الماضي.
• كيف تكشف الأشياء عن نفسها ؟
• تقول المدرسة الظاهراتية أن اللغة ليست وسيطاً بين العالم والإنسان، ولكنها ظهور العالم وإنكشافه بعد أن كان مستتراً، إن اللغة هي التجلي الوجودي للعالم.
• كيف يتجاوز النص الأدبي خاصة-والعمل الفني عامة-إطار الذاتية والموضوعية ؟
• مهمة الفهم هي السعي لكشف الغامض والمستتر من خلال الواضح والمكشوف، إكتشاف ما لم يقله النص من خلال ما يقوله بالفعل، وهذا الفهم للغامض والمستتر يتم من خلال الحوار الذي يُقيمه المُتلقي مع النص.
• ما هي خصوصية الحقيقية في الفن، وكيف تغاير مثيلتها في التاريخ والفلسفة؟
• إن عملية التفسير تقوم "على حل شفرة المعنى الباطن في المعنى الظاهر، وفي كشف مستويات  المعنى المتضمنة في المعنى الحرفي.
• إن الذات الثقافية لا تدرك نفسها عادة إلا في مواجهة الآخر وبالحوار معه.
• إن اللفظ لو دل بالذات لفَهِمَ كل واحد منهم كل اللغات، لعدم إختلاف الدلالات الذاتية. (عباد بن سليمان)
• إذا كان هذا الترابط بين العلامة الصوتية-الألفاظ-وبين مدلولها هو الذي يعطي للعلامة قيمتها، فإن إختلال هذا الترابط لسبب من الأسباب يهدر قيمة العلامة نهائياً بصرف النظر عن طبيعة العلامة.
•هذا الترابط الدلالي بين الألفاظ ومعانيها، أو بين العلامات الصوتية ومدلولاتها يقوم في ذهن عبد القاهرة على تصور لأسبقية المعاني الذهنية على الدلالات الصوتية، فالمعاني تُعرَف أولاً، أو تُدرَك أولاً، ثم يتواضع أهل اللغة على الأصولات للدلالة على تلك المعاني الذهنية.
• إن الألفاظ المفردة التي هي أوضاع اللغة لم توضع لتعرف معانيها في أنفسها ولكن لأن يُضم بعضُها إلى بعض فيعرف فيما بينها فوائد، وهذا علم شريف وأصل عظيم. (دلائل الإعجاز/عبد القاهر الجرناني/ص539)
• إذا نظرنا في مستويات الكلام أمكن لنا أن نميز بين مستويين: مستوى الكلام المجرد من قرينة لفظية تكشف عن تحوله الدلالي من الحقيقة إلى المجاز، ومستوى الكلام المتضمن لمثل هذه القرينة.
• حين رفض الظاهرية إصطلاحية اللغة كانوا يرفضون الإصطلاحية الإجتماعية لحساب التوقيف الإلهي.
• إذا كان خصوم المعتزلة قد قدموا النقل على العقل، فقد قدم المعتزلة العقل على النقل.
• يفرق عبد القاهر الجرجاني بين المجاز إذا وقع في الألفاظ المفردة، وإذا وقع في التركيب، ويرى أن الأول مجاز لغوي، والثاني مجاز عقلي.
• ألفاظ اللغة تشبه المادة الخام التي يصنع منها المتكلم أسلوبه طبقاً لقوانين النحو "المعيارية".
• اللفظ لا يكون لفظاً إلا إذا كان يدل على معنى.
• كل أثر لا بد له من مؤثر، وكل فعل لا بد له من فاعل، وكل معلول لا بد له من علة، وهذه قضايا بديهية في الثقافة الإسلامية.
• لقد اختلف النحاة الكوفيون مع النحاة البصريين حول مفهوم العامل في الجملة.
• إن ظاهرة "الشيوع والكثرة" في الإستخدام العربي - في الغالب - هو معيار الصحة والسلامة والإستحسان عند سيبويه.
• الإبداع في نظر أدونيس نفي لكل صيغة جاهزة، وتجاوز لكل شكل موروث.
------------------------------------------------------
نقاط أخرى خارجة عن الكتاب، وضعتها لهدف التوضيح:-

• الموضوعية هي مقاربة الظاهـرة بحياد ونزاهة بعيدا عن الميول الذاتية و المواقف الإيديولوجية .
• إن الوعي هو العدو الخفي لعلوم الإنسان. (كلود ليفي ستروس)
• هل تداخل الذات مع الموضوع يمنع العلوم الإنسانية من تحقيق الموضوعية ؟
• إن الظاهرة الإنسانية تصدر عن كائن واعٍ و حر لا عن نظام سببي.
• تتميَّز قوانين العلوم الطبيعية بأنها دقيقة وعامة تتخطى الزمان والمكان، وهي حتميـة (ولكنها، بعد اهتزاز الحتمية، أصبحت احتمالية ترجيحية: ترجيحية تقارب اليقين وتظل صالحة للاستعمال حتى يثبت بطلانها).
• يكون النقد ذاتيا إذا كان يعتمد على ذوق الناقد وغريزته, وموضوعيا إذا كان يتناول أشياء خارجية يفصل فيها بالعقل والمنطق, لا بالغريزة والذوق.
• الكاتب لا يفصح عن إحساسه الخاص إلا إذا أتيحت له أدوات ملائمة , وما على الأسلوبي إلا البحث عن هذه الأدوات.
• يعرف الفرنسي شال بالي، الأسلوبية بأنها :"البحث عما يتميز به الكلام الفني عن بقية مستويات الخطاب أولاً، وعن سائر أصناف الفنون الإنسانية ثانياً"
• لما كان المفهوم هو ما يحصل من معنى اللفظ في العقل، فإن الدراسة المفهومية، بمعناها العام، هي مجموع المعاني المفهومة من الألفاظ مصنفة وموضوعة في نسق مفهومي معين.
• إن الخلاف الكلامي حول قضية خلق الأفعال-أفعال الإنسان-يجد صداه في نظرية النحو، ويُمكن القول من زاوية أخرى إن مواقف النحاة التأويلية لم تكن بمعزل عن القضايا الفكرية الدينية المثارة في الواقع الإجتماعي والثقافي.
-------------------------------------

▬ سواء أكانت هذه الأسئلة التي تتضمنها عملية القراءة صريحة أو مضمرة، فالمحصلة في الحالتين واحدة وهي أن طبيعة الأسئلة تحدد للقراة آلياتها. ويكون الفارق بين السؤال المعلن والسؤال المضمر أن آليات القراءة في الحالة الأولى تكون آليات واعية بذاتها وقادرة على إستنباط أسئلة جديدة تقوم بدورها بإعادة صياغة آليات القراءة، وبذلك تكون القراءة منتجة. أما آليات القراءة في حالة السؤال المضمر فتكون آليات مضمرة بدروها، تتظاهر غالباً بمظهر "الموضوعية" لإخفاء طابعها الأيدولوجي النفعي، وتقع من ثم في أسر ضيق النظرة والتحيز غير المشروع. وأحياناً ما تتعقد القراءة فتطرح بعض الأسئلة وتضمر بعض الأسئلة، وعلى ذلك تزدوج آلياتها وتتناقض، فتكون قراءة منتجة على المستوى الجزئي، ومتحيزة أيديولوجياً على المستوى الكلي العام. صــ7

▬ كيف يُمكن الوصول إلى المعنى "الموضوعي" للنص القرآني ؟ وهل في طاقة البشر بمحدوديتهم الوصول إلى "القصد" الإلهي في كماله وإطلاقه؟! لم يزعم أي من الفريقين إمكان هذا، غاية الأمر أن المؤولة كانوا أكثر حرية في الفهم وفتح باب الإجتهاد، بينما تمسك أهل السلف-وإن لم يقرروا ذلك صراحة-بإمكانية الفهم الموضوعي على التغليب. صــ15

▬ ما هي العلاقة بين المؤلف والنص؟ وهل يعد النص الأدبي مساوياً حقيقياً لقصد المؤلف العقلي؟ وإذا كان ذلك صحيحاً، فهل من الممكن أن يتمكن الناقد أو المفسر من النفاذ إلى العالم العقلي للمؤلف من خلال تحليل النص المبدع؟ وإذا أنكرنا التطابق بين قصد المؤلف والنص، فهل هما أمران متمايزان منفصلان تماماً؟ أم أن ثمة علاقة ما؟ وما هي طبيعة هذه العلاقة؟ وكيف نقيسها؟ وبالتالي ما هو نوع العلاقة بين النص والناقد أو المفسر؟ وما هي إمكانية الفهم "الموضوعي" المعنى النص الأدبي؟ ونقصد "بالفهم الموضوعي" الفهم العلمي الذي لا يُختلف عليه، أي فهم النص كما يفهمه مبدعه أو كما يريد أن يُفهم. وتزداد المعضلة إذا تساءلنا عن علاقة ثلاثية (المؤلف/النص/الناقد) بالواقع الذي تتم فيه عمليتا الإبداع والتفسير. وتزداد حد التعقيد إذا كان النص ينتمي إلى زمن مغاير وواقع مختلف لزمن التفسير وواقعه، أي إذا كان المؤلف والناقد ينتميان إلى عصرين مختلفين وواقعين متمايزين. صــ17

▬ هناك جانبان في أي نص : جانب موضوعي يشير إلى اللغة، وهو المشترك الذي يجعل عملية الفهم ممكنة، وجانب ذاتي يشير إلى فكر المؤلف ويتجلى في إستخدامه الخاص للغة. وهذان الجانبان يشيران إلى تجربة المؤلف التي يسعى القاريء إلى إعادة بنائها بغية فهم المؤلف أو فهم تجربته. والقاريء يمكن له أن يبدأ من أي الجانبين شاء، ما دام كل منهما يؤدي إلى فهم الآخر..صــ21

▬ لكي نفهم العناصر الجزئية في النص، لابد -أولاً- من فهم النص في كليته. وهذا الفهم للنص في كليته لا بد أن ينبع من فهم العناصر الجزئية المكونة له، ومعنى ذلك-فيما يرى شليرماخر-أننا ندور في دائرة لا نهاية لها هي ما يطلق عليه الدائرة الهرمنيوطيقية. ومعنى ذلك أن عملية تفسير النص-عل المستوى اللغوي الموضوعي-بجانبيه التاريخي والتنبؤي-تدور في دائرة، ولابد ان تستند إلى معرفة كاملة باللغة من جانب، وبخصائص النص من جانب آخر. ويمكن بنفس الدرجة تطبيق مفهوم الدائرة التأويلية على المستوى الذاتي النفسي بجانبيه التاريخي والتنبؤي. صــ22

▬ ومن ثم نغمة رومانسية تغلف كلاسيكية شليرماخر تتجلى في إعتباره النص تعبيراً عن "نفس" المؤلف، وفي مطالبته المفسر أن يكون ذا طاقة تنبؤية، إلى جانب معرفته باللغة، حتى يمكنه إكتشاف الجوانب المتعددة للنص. وبهذه الطاقة التنبؤية يسعى الإنسان لفهم الكاتب إلى درجة أن يحول نفسه تماماً إليه، أي يكون هو الكاتب. صــ23

▬ إن التجربة الذاتية هي أساس المعرفة، وهي الشرط الذي لا يمكن تجاوزه لأي معرفة. وطالما أن هناك مشتركاً بن الآحاد من البشر، فإن التجربة تصبح هي الأساس الصالح للإداراك الموضوعي القائم خارج الذات، إذ هذا الموضوعي - في العلوم الإنسانية، خاصة التاريخ- إنساني يحمل تشابهات من ملامح التجربة الأصلية عند الذات المدركة. وهذا ما يشير إليه ديلثي بإعادة إكتشاف "الأنا" في "الأنت"، أو إسقاط الذات في شخص أو عمل، أو بعبارة أخرى "نفاذ ذات المدرك إلى معطى معقد من التعبيرات" . وعلى أساس هذا الإسقاط أو النفاذ تنشأ أعلى أشكال الفهم في الحياة العقلية ونعني بها الحياة مرة أخرى في الموضوع أو الشخص. صــ25

▬ إن تجربة ما جزئية في حياتنا تكتسب معناها من خلال تجربتنا الكلية، وليست تجربتنا الكلية في حقيقتها إلا حصاد تجارب جزئية متراكمة، ولكن الجزء يؤثر في الكل ويغير من معنى التجربة الكلية، بنفس القدر الذي يؤثر فيه المعنى الكلي في فهمنا لتجربة جزئية. صــ29

▬ إن إنصهار الحقيقة أو الوجود الماثل في الشكل يكون كاملاً لدرجة أن الناتج يكون شيئاً جديداً. وهذا الإستقلال الواضح للعمل الفني ليس إستقلالاً معزولاً بلا هدف سوى المتعة الجمالية، ولكنه وسيط للمعرفة بالمعنى العميق. وتجربة المتلقي الفني تجعل هذه المعرفة ممكنة ويمكن المشاركة فيها. صـ39

▬ دور المبدع في العمل الفني كدور اللاعب في اللعب. إنه يبدأ بمحاولة تشكيل تجربته الوجودية. ولكن هذه التجربة تستقل-في تشكلها-عن ذاتية المبدع، لتتحول إلى وسيط له دينامياته وقوانينه الداخلية. هذا الوسيط الماثل في الوجود-الشكل الفني أو اللعبة-هو الذي يجعل عملية الفهم ممكنة. ولكن التلقي بدوره لا يبدأ من فراغ. بل يبدأ من تجربة العمل الفني، كما أن المتفرج لا بد أن يكون على وعي ما بقوانين اللعبة وأهدافها حتى يمكنه المشاركة فيها. إن العمل الفني-وكذلك اللعبة-يبدأ من المبدع (أو اللاعب) وينتهي إلى المتلقي (أو المتفرج) من خلال وسيط-هو الشكل-محايد إلى حد كبير. هذا الوسيط ثابت مما يجعل تلقيه عملية ممكنة ومتكررة في نفس الوقت من جيل إلى جيل. وبالتالي فالحقيقة التي يتضمنها العمل الفني-كمثيلتها في الفلسفة والتاريخ-حقيقة ليست ثابتة، ولكنها تتغير من جيل إلى جيل ومن عصر إلى عصر طبقاً لتغير أفق التلقي وتجارب المتلقين ولكن الوسيط أو الشكل الفني الثابت هو الذي يجعل عملية الفهم ممكنة. صــ41

▬ إن علاقتنا بالتاريخ-وفهمنا له-تقوم على الجدل والحوار، لا على الإنصات السلبي، تماماً كما أن تلقينا للعمل الفني عملية جدلية تقوم على ما يطرحه علينا من أسئلة هي التي شكلت وجوده. إن التاريخ مثله مثل الشكل في العمل الفني وسيط يمكن المشاركة في فهمه. صــ42

▬ إن جادامر يرفض-مثل هيدجر-الوظيفة الدلالية للغة، ويؤكد على العكس، أن اللغة لا تشير إلى الأشياء، بل الأشياء تفصح عن نفسها من خلال اللغة. وفهمنا لنص أدبي لا تعني فهم تجربة المؤلف، بل تعني فهم تجربة الوجود التي تفصح عن نفسها من خلال النص. النص الأدبي-والشكل الفني-وسيط ثابت بين المبدع والمتلقي، وعملية متغيرة طبقاً لتغيرالآفاق والتجارب. ولكن ثبات النص-كشكل-هو العامل الأساسي لجعل عملية الفهم ممكنة. صــ42

▬ ويقيم هيرش-من جانب آخر-تفرقة بين المعنى الذي أراده المؤلف (القصد) وبين المعنى الكامن في النص، ولا يهمنا-في النص الأدبي-ما يعنيه المؤلف، أو ما كان يقصده، أو ما اراد أن يعبر عنه وإنما الذي يعنينا بحق هو المعنى كما يعبر عنه النص. وهذا المعنى يمكن الوصول إليه من خلال فحص الإحتمالات العديدة التي يمكن أن يعنيها النص. ويجب على التفسير أو الهرمنيوطيقا أن تأخذ على عاتقها هذه المهمة، وأن تترك مجال مغزى النص بالنسبة للقاريء أو للعصر للنقد الأدبي. إن خطأ ديلثي وجادامر-عند هيرش-أنهما خلطا بين مجال الهرمنيوطيقا (نظرية التفسير) وبين مجال النقد الأدبي. صــ48

يمكن عرض نسبية الدلالة بهذا الشكل..

الرموز الكتابية (دال)            -   الصور السمعية للألفاظ (مدلول)
الصور السمعية للألفاظ (دال)  -   الصور الذهنية (مدلول)
الصور الذهنية (دال)            -   الأعيان المدركة (مدلول)

▬ إذا كان ابن عربي نظر لحروف اللغة من خلال ثنائية الظاهر والباطن ورأى أن حروف لغتنا البشرية-منطوقة ومكتوبة-ليست إلا أجساداً لأرواح الأسماء الإلهية، فمن الطبيعي كذلك أن ينظر للكلمات التي تكونها الحروف من خلال نفس الثنائية. وبما أن الكلمات تنتج عن تركيب الحروف للإفادة-كما يقول ابن عربي-فإن دلالة الكلمات اللغوية لها جانبان: جانب دلالتها الإلهية القديمة ، وجانب دلالتها البشرية الحادثة: الدلالة في الحالة الأولى-من حيث الباطن-دلالة ذاتية بمعنى أن الدال هو المدلول، أما الدلالة في الحالة الثانية-من حيث الظاهر-فهي دلالة عرفية وضعية إعتباطية. صــ84

▬ إن "أشعرية" عبد القاهر، وطبيعة المعضلات الدينية التي كان يواجهها حجبته عن الإنطلاق داخل التخوم التي وقف عند حدودها، لذلك كان حريصاً أن يعطي "للمعاني النفسية" مركز الصدارة على "النظم" المعبِّر عنها، وذلك إنصياعاً للمفاهيم التي رسخها أسلافه الأشاعرة-كما رأينا-خاصة توحيدهم بين "الكلام" و "المعاني النفسية" خروجاً من مأزق حدوث الكلام الإلهي. ولذلك أيضاً لم يستطع عبد القاهر رغم لفتاته الدالة-أن يعمق إمكانية تعدد المعنى في فهم النص الواحد. صــ97

▬ إن هذا الإنتقال في دلالة الألفاظ من المجاز إلى الحقيقة ومن الحقيقة إلى المجاز، إنتقال يتم "بالتعارف". وهذا التعارف هو الذي يؤدي إلى ثبيت الدلالة اللغوية، ويمنحها-في نظر القاضي عبد الجبار-مشروعيتها الدلالية، ولو قُلنا للقاضي عبد الجبار إن التحول من الحقيقة إلى المجاز إنما يبدأ في اللغة في نصوص لها طابع فردي-أولاً-ثم يشيع هذا الإستخدام وينتقل من المستوى الفردي إلى المستوى الجماعي فيصبح عرفاً نطلق عليه حينذاك "المجاز الميت" أو "الإستعارة الميتة"، لو قلنا مثل هذا الكلام فلا أظن أن القاضي عبد الجبار يمكن أن يتفق معنا. إن رد التحول المجازي في العلامات اللغوية إلى "التعبير الفردي" من شأنه أن يشوش على القاضي مفهومه للدلالة اللغوية. صــ103

▬ يُمكن التمييز فيما يرتبط بقضية المجاز بين ثلاثة إتجاهات أساسية: الإتجاه الأول هو إتجاه المعتزلة اتخذوا من المجاز سلاحا لتأويل النصوص التي لا تتفق مع أصولهم الفكرية. والإتجاه الثاني هو تجاه الظاهرية الذين وقفوا بشدة وحسم ضد أي فهم للنص يتجاوز ظاهره اللغوي، ورفضوا تأويل المبهمات في النص القرآني واعتبروها مما استأثر الله بعلمه. وقد ذهب هؤلاء إلى مدى بعيد في إنكار وجود المجاز لا في القرآن فحسب، بل في اللغة كلها. أما الإتجاه الثالث فهو إتجاه الأشاعرة الذين حاولوا أن يقفوا وسطاً بين المغالين في إستخدام المجاز لتأويل النص وبين الرافضين لوجود المجاز. ويرتد هذا الخلاف حول وجود المجاز، وبالتالي في حدود التأويل ومداه، إلى تصور كل فريق منهم لأصل اللغة ومصدرها فذهب المعتزلة إلى أن اللغة إصطلاح بشري محض. بينما ذهب الظاهرية إلى أن اللغة توقيف من الله علمها آدم وانتقلت إلى بنيه من بعده. وحاول الفريق الثالث أيضاً أن يتوسط بينهما ويحل التعارض بين التوقيف والإصطلاح. وقد ارتبطت قضية اللغة وأصلها عند كل فريق بتصوره لأصل المعرفة هل هي من الله أم من العقل؟ أم أن للعقل حدوده ومجاله وللوحي حدوده ومجاله؟ ومن المنطقي أن يذهب المعتزلة في المعرفة إلى أسبقية العقل على النقل، بينما يؤمن الظاهرية إن الوحي هو أساس المعرفة، ويحاول الأشاعرة التوفيق بين العقل والحي..صــ122 : 123

▬ يصل الأمر بابن القيم لإعتبار أن الأصل الذي اعتمد عليه المعتزلة: تقديمهم العقل على النقل يرجع لمعصية إبليس الأولى حين إستخدم عقله في إقامة قياس لتفضيل نفسه على آدم بسبب أنه مخلوق من نار وآم مخلوق من طين. وبذلك يعد الإستناد إلى العقل في معرفة الشريعة وفهمها خطيئة كبرى لأنه بمثابة استخدام أداة قاصرة، والواجب هو التسليم بما جاءت به الشريعة على مراد الله دون تأويل. صــ130

▬ لقد ذهب المعتزلة إلى أن الكلام صفة من صفات الفعل لا من صفات الذات. والفارق بين صفات الفعل وصفات الذات، أن صفات الفعل تتعلق بوجود العالم. ولا يمكن من وجهة نظرهم أن يكون الله متكلماً منذ الأزل، وإلا كان كلامه عبثاً ينزه الله عنه. وإذا كان الكلام الإلهي صفة من صفات الفعل، فلا بد أن تسبقه مواضعة بين البشر، أو بين الملائكة حتى يصح أن يخاطبهم بما يفهمون وبما تواضعوا عليه. وتعد فكرة الإصطلاح في اللغة-عند المعتزلة-ضرورية من جانب آخر لنفي مشابهة الله للبشر. فالمواضعة تستلزم الإشارة الحسية، بمعنى أن المواضعة بين شخصين مثلاً تستلزم أن يشير أحدهما للشيء وينطق الإسم عدة مرات، وذلك"على حسب ما نجد الطفل ينشأ عليه فيتعلم لغة والديه، إذا تكررت منهما الإشارات" هذه الإشارة المادية لا تجوز على الله لأنه ليس جسما. وهكذا ينتهي المعتزلة إلى أن المواضعة على اللغات لا بد ألا تسبق كلام الله حتى يقع مفيداً، ولا يجوز أن يكون الله هو الباديء بالمواضعة، وإن كان لا يمتنع عندهم أن يبدأ الله مواضعة تالية على المواضعة الأولى، لأن هذه المواضعة التالية لا تستلزم الإشارة الحسية، ويكفي فيها النقل دون الإشارة. صــ133

▬ إن إسناد الفعل-أي فعل كان-لغير العاقل القادر يعد إسناداً مجازياً من جهة العقل؛ لأن العقل هو الذي دل على عدم إمكانية وقوع الفعل إلا من قادر. وعلى العكس من ذلك المجاز اللغوي لأنه يعتمد على النقل عن المواضعة اللغوية إلى معنى غير المعنى المتواضع عليه لوجود علاقة بين المعنيين فهو مجاز يستند إلى المواضعة اللغوية، ولا يستند إلى العقل كما هو الأمر في إسناد الفعل إلى غير القادر. صــ144

▬ إن المقارنة التي يعقدها عبد القاهر بين "النظم" وإعادة تشكيل المادة الخام في الصناعات المختلفة لا ينبغي أن تشوش علينا فهم تصور عبد القاهر، فنسارع إلى القول بأنه ينظر إلى الشعر بوصفه صناعة مثل سائر الصناعات، ذلك أن عبد القاهر يستخدم عبارات مجازية، وتمثيلات شائعة ومستقرة في التراث السابق عليه، ولكنه يعي وعياً حاداً الفارق بين تشكيل المادة الخام في الصناعات المختلفة، و "نظم" المعنى في الشعر. إن المقارنة عند عبد القاهر تستهدف التوضيح والكشف، ولا يراد معناها الحرفي القائم على التطابق والمماثلة. صــ167

▬ لقد أجهد النحاة النصوص بالتأويل، لأنهم خلطوا بين امرين من الحق أن يُفرق بينهما: وهما "المعنى الشكلي" و "المعنى الفلسفي"، فقد جعلوا الأخير أساساً لما يجب أن تؤديه النصوص، فإذا لم تؤده استكملت بالفروض والظنون، فالحدث لا بد له من محدث في الواقع، فإذا وُجِد الفعل في اللفظ فلا بد أن يُستكمل بالفاعل، وهنا يأتي التقدير. والإسناد لا يكمل في الواقع إلا بوجود مسند ومسند إليه، فإذا غاب أحدهما من الجملة فلا بد من تقديره. صــ189

▬ إن " العامل" مفهوم ذهني لتفسير ظاهرة لغوية هي علاقة كلمة بكلمة داخل الجملة. في هذه العلاقة تم تصنيف الكلمات إلى عوامل ومعمولات، أو متأثرات. وعلى ذلك حين وجد سيبويه بعض الكلمات منصوبة أو مرفوعة دون وجود عامل في السياق. كان لا بد له من إفتراض عامل محذوف أو مضمر كما في أساليب النداء والقسم والإختصاص..إلخ..صــ195

▬ إن القياس في النحو مخالف للقياس في الفقه، فالنحوي لا ينقل حُكماً من نص، بل يستنبط-بالتأويل والمقارنة-أوجه التشابه وكذلك أوجه الإختلاف بين ظواهر اللغة. وهذه العملية-التأويلية في جوهرها-هي التي تمكنه من وضع القواعد، وبدونها لا يمكن اكتشاف النظام اللغوي في الكلام. صــ209

▬ إن تجديد النحو-أو بالأحرى تسهيل النحو (تسمية للأسماء بمسمياتها)-لا بد أن ينطلق من فهم لطبيعة بناء هذا العلم ومن تحديد دقيق للتصورات والمفاهيم التي قام عليها. وذلك كله لا يتحقق إلا بالفهم القائم على التعليل والتفسير قبل المسارعة بإلقاء الأحكام. وفي تقدير هذه الدراسة ان إنكار أهمية "التأويل" بوصفه أداة معرفية في بناء العلم-وفي بناء العلوم الإنسانية خاصة، إنكاراً لا يضر سوى منكره، ذلك أنه بمثابة إغماض العين عن الشمس التي تحرق حرارتها جلد المغمض عينيه. صــ223

▬ إن دراسة التراث مهمة تحوطها صعوبات عديدة، أخطر هذه الصعوبات عدم الوعي بأن موقفنا الراهن من واقعنا يحكم نظرتنا لهذا التراث، ويلون حكمنا عليه، ولقد انتهت-تقريباً-من أفق حياتنا الثقافية النظرة التقديسية للتراث، تلك النظرة التي تراه كمالاً كله، وتراه كتله واحدة لا تمايز بين إتجاهاته وعناصره. منذ ألقى "طه حسين" في أفق حياتنا الثقافية قنبلة "في الشعر الجاهلي". لم يكف وعي المثقف العربي عن التساؤل عن ماهية التراث وعن علاقته به. ولقد تأسس-منذ ذلك الحين-وعي جديد مؤداه أن الماضي شأنه شأن الحاضر-ليس خيراً كله، بل هو مزيج من الخير والشر، من الخطأ والصواب، من عناصر التقدم وقوى التخلف. وأنه-شأن مجتمعنا الراهن-يقوم على الصراع بين هذه العناصر. ومن ثم انتفت نظرتنا السكونية إلى التراث لتحل محلها نظرة ديناميكية. صــ227

▬ إن للماضي وجوده المستقل دون شك، بمعنى أن له وجوداً تاريخياً في الماضي (وجوداً بالمعنى الأنطولوجي)، أما بالمعنى المعرفي (الأبستمولوجي) فالماضي مستمر يشكل الحاضر، كما يعيد وعينا الراهن إعادة تشكيله. إن العلاقة بين الماضي والحاضر-بهذا الفهم-علاقة جدلية، وكذلك العلاقة بين التراث والباحث. صــ228

▬ تمثل الذاكرة على مستوى الإنسان الفرد جانباً أصيلاً من جوانب شخصيته. إنها لا تعني مجرد ذكريات الماضي بجانبيها الحلو والمر، بل تعني في الأساس جماع الخبرات والتجارب التي تشكل وعي الإنسان وتحدد قدرته على التعامل مع الحاضر والراهن، بل تمثل شروط التعامل مع هذا الحاضر، تلك الشروط التي تُعد أساس أية معرفة. وحين يفقد الإنسان ذاكرته، فإنه يفقد ذاته، لأنه يفقد الشروط الموضوعية التي تجعله يعيش الحاضر ويتعامل معه. وليست الذاكرة بالنسبة للجماعة إلا مجموع الخبرات والتجارب والتراث الذي نطلق عليه إسم "الثقافة". صــ254

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق