Pages - Menu

الأربعاء، 15 مايو 2013

الهرطقة في المسيحية (ج.ويتلر)



• إن هرطقات القرون الثلاثة الأولى يمكن أن تٌختصر بأربعة إتجاهات رئيسية تتشابك، فضلاً عن ذلك، أو تتراكب غالباً بسبب التوفيقية الدينية التي كانت رائجة آنذاك : 1-العرفان 2- الثنوية 3-الدوسيتية 4-الوحدوية .

====================================
◄ الوثيقة المعروفة بقانون إيمان نيقية، التي عقدت في مجمع نيقية عام 325م، وهاكم المقطع الرئيسي فيها : "نؤمن بإله واحد، آب ضابط الكل، خالق السماء والأرض، ما يُرى وما لا يُرى؛ وبربٍ واحد يسوع المسيح، ابن الله الوحيد، المولود من الآب، الذي هو من جوهر الآب، اله من إله، نور من نور، إله حق من إله حق ، مولود غير مخلوق، مساوٍ للآب في الجوهر، به كان كل شيء في السماء وعلى الأرض، الذي من اجلنا نحن البشر، ومن أجل خلاصنا نزل من السماء، وتجسد وصار إنساناً". صــ82

◄ أهم ما جاء في مجمع خلقيدونية الثاني، في العام 451م، أكثر من 520 أسقفاً، أقر بعد مناقشات طويلة وصعبة إعلان إيمان من بين ما جاء فيه : "إننا نعلَّم جميعنا أن هناك ابناً "واحداً" ووحيداً، سيدنا يسوع المسيح، الكامل من حيث الالوهة، والكامل من حيث الإنسانية، الإله الحق، والإنسان الحق، المؤلف من نفس عاقلة وجسد، والمساوي الآب في الجوهر، والمساوي لنا في الجوهر وفقاً للإنسانية، والشبيه بنا ما عدا الخطيئة، والمولود من الآب قبل كل الدهور وفقاً للألوهة، والمولد، وفق الإنسانية، لأجلنا ولأجل خلاصنا في آخر الدهر، من العذراء مريم أم الله؛ مسيحاً واحداً ووحيداً، إبناً سيداً، إبناً وحيداً بطبيعتين، من دون خلط، ومن دون تحول، ومن دون إنقسام، ومن دون إنفصال،؛ لأن الإتحاد لم يلغِ الفرق في الطبيعتين، فلقد احتفظت كل منهما بطريقتها لأن تكون خاصة، وتلاقت مع الطبيعية الأخرى في شخص واقنوم واحد".صــ96 
------------------------------------------------------

◄ إن التعريف الكاثوليكي للهرطقة هو التالي : رأي ديني مدان كنسياً على أنه مناقض للإيمان الكاثوليكي، أو أيضاً : خطأ إرادي ومتشبث به، متعارض مع مبدأ موحى به وتُعلمه الكنيسة بصفته هذه. ومن وجهة النظر التاريخية، ينبغي التوسع بالتعريف، لأن مفهوم الهرطقة موجود، وإن بطريقة أكثر غموضاً، في كنائس أخرى غير الكاثوليكية - الرومانية. هكذا يعتبر الروم الأرثوذوكس "اللاتينيين" هراطقة، لأنهم تبنوا المباديء الإيمانية التي لم تكن قد تحدثت عنها المجامع المسكونية السبعة الأولى (كمبدأ وجود المطهر) . أما الكنيسة البروتستانتية فكان لديها هراطقتها، على الأقل البدايات. فلقد أدان كالفن ميشال سيرفيه بهذه الصفة، وفعل لوثر الأمر نفسه مع القائلين بتجديد العماد. صــ17

◄ وفي ما يتعلق بالهرطقة، ينص القانون الكنسي الحالي على ما يلي : "إذا أنكر أحدهم، بعد أن يكون تلقى العماد في الوقت نفسه الذي يحتفظ فيه بصفة مسيحي. "(أي إذا لم يكن مرتداً)" إذا أنكر بإصرار إحدى الحقائق التي يجب إعتبار أنها تتعلق بالإيمان الإلهي والكاثوليكي، أو شك بها، يكون هرطوقياً..صــ23

◄ كل عقيدة تتعارض مع الإيمان الحقيقي تشكل في ذاتها ما يسميه اللاهوتيون كفراً، أي غياب فضيلة الإيمان الموحى بها، أو القضاء عليها. وهم يميزون بين ثلاثة أنواع من الكفر : الكفر السلبي الصرف وهو كفر الوثنيين الذين لم يظهر لهم المسيح، وهو ناجم عن الجهل، ولهذا السبب لا يجعلهم مذنبين؛ والكفر السالب المتصف بالرفض الواعي والإرادي للإلتحاق بالحقائق الموحى بها أو حتى البحث عنها، إما بإنكار إمكانية الوحي الإلهي (وهذه حالة الماديين، والوضعيين، والألهيين، والواحديين) ، أو برفض واقع الوحي المسيحي وقانونه (الوثنيون، الإسرائيليون، المحمديون)؛ وأخيراً، الكفر الإيجابي، وهو يختلف عن السابقين بكونه ليس سابقاً فضيلة الإيمان الموحى بها، بل يدمر الفضيلة .. إن الكفر الإيجابي خطير بوجه خاص، لأنه يستتبع من جانب المعمد ارتداداً كاملاً إلى هذا الحد أو ذاك. وهو ينطوي إما على الجحود، الإنكار الإرادي لأسباب تتعلق بالتصديقية (أو قابلية التصديق) [الإلحاد، الوحدانية ، المادية، العقلانية] ، أو الزندقة، أي رفض التسليم بسلطة الله...صــ24

◄ لكي تكون هناك هرطقة يجب توفر الشروط التالية : ينبغي أن يكون المرء معمداً، وأن يختار الخطأ بعمل من أعمال عقله، ويتشبث به بعناد؛ ينبغي، فضلاً عن ذلك، أن يكون هذا الخطأ متعارضاً مع وحي إلهي، تطرحه الكنيسة الكاثوليكية بواسطة أحد أعضائها المعصومين عن الخطأ..صـ25

◄ يُشكل أول مجمع مسكوني انعقد في نيقية، في آسيا الصغرى، في العام 325، حدثاً في تاريخ البدع المسيحية. فللمرة الأولى، اجتمع ممثلون لكل طوائف المؤمنين بصورة رسمية لأجل تحديد ما يَحْسُن الإيمان به وإدانة العقائد الزائفة. لقد دخل اللاهوت بذلك إلى العالم المسيحي، وحتى إلى العالم عموماً. صــ45

◄ والحال أنه كان على الدين المسيحي - لكي يكون قادراً على التغلب على الوثنية المتحضرة وسط تكاثر مَرَضي لأيديولوجيات غريبة، ولكي يكون في وسعة، من جهة أخرى، أن ينافس تعاليم الرواقيين، أو الأبيقوريين، الفلسفية - كان عليه أن يتمكن من حيازة عقيدة واضحة ودقيقة. لا بل كان يلزم ذلك لأجل الحفاظ على إيمان اولئك المسيحين الأوائل الذين خيب آمالهم الإنتظار العبثي لملكوت الله الذي بشَّر به الإنجيل على أساس أنه وشيك جداً، والذي كان يُعرف بمجيء المسيح الثاني، أو رجعة المسيح. كان أولئك المتنصِّرون المتحمسون الجدد قد عاشوا على وعد الرسالة الخيرة، وطالما كان المسيح سيظهر بلحمه ودمه، هل كان يهمهم أن يفقهوا سر طبيعته المزدوجة أو سر علاقاته بكلمة الله ؟ صــ46

◄ يمكن إعتبار أن البدع الغنوصية أصلاً أقدم من أصل الهرطقات اليهو - مسيحية. فهي تعود إلى ينابيع مصرية، وكلدانية، وفارسية، وربما حتى هندوسية، ينابيع اختلطت في الإسكندرية، عاصمة تلك الهللينية المنحطة التي شهدت فيلون اليهودي يحجب بِسُحُبٍ متماوجة أنوار الفكر الأفلاطوني الواضح..صــ52

◄ إن تاريخ المانويين غامض بما فيه الكفاية، وبائس جداً، في كل حال، لأنهم تعرضوا في الوقت نفسه لإضطهاد المسيحيين والزرادشتيين، ثم المسلمين في ما بعد. فقد سُلخ رئيسهم حياً، عام 276، لأنه أراد إفساد الزرادشتية، وقد تم ذلك بأمر من ملك فارس، الذي جعل جلده المحشو بالقش يُعرض على أحد أبواب عاصمته. وقد بقيت عبارة "مانوي" تُستخدم زمناً طويلاً في الكنيسة الكاثوليكية للتنديد بالمنشقين الثنويين، ولا سيما البوغوميليين والكاتاريين..صــ60

◄ غالباً ما يجري تصنيف مارسيون، وهو أحد كبار مبتدعي الهرطقات في القرن الثاني، بين الغنوصيين. إلا أنهة لاهوتي أكثر مما هو فيلسوف؛ وهو يبقى في إطار تفسير النصوص التوراتية؛ ولقد أسس، في الواقع ، كنيسة قوية التنظيم بقيت في آسيا الوسطى حتى القرن الخامس..صــ64

◄ تطلق تسمية الإنكراتيين (أي العفة) على الهراطقة الذين كانوا يبالغون بهذا الزهد الذي لا تدينه الكنيسة من حيث المبدأ، لا بل تشجعه ولكنها لا تؤيد مبالغاته. والحال أن الانكراتية لم تكن تشجب فقط تناول اللحم والخمر، بل حتى الزواج..صــ72

◄ إن مفهوم الآريوسية يتمثل في القول أن الله، غير مخلوق، غير مولود، لا بداية له. وكان يقول آريوس انه، بعد طرح ذلك، لا يكون الإبن منبثقاً عن الآب، كما كان يريد فالنتينوس الغنوصي، وليس الابن والآب مختلطين وفقاً لنظرية سابليوس، لأن الإستدلال هكذا يعني أن يجعل من الآب كائناً مركباً، ومنقمساً ومتغيراً، أي جسداً. هذا وقد تأثر آريوس رغم كل شيء بلوغوس فيلون اليهودي حين أعلن :"حين أراد الله أن يخلقنا، صنع أولاً كائناً سماه الكلمة (لوغوس) وحكمة وإبناً، لكي يخلقنا بواسطته. هنالك إذا حكمتان : إحداهما هي حكمة الله الخالصة به وهي توجد معه؛ أما الإبن فقد صُنِعَ في هذه الحكمة، ولأنه من نوعها فهو يدعى حكمة وكلمة، ولكن بالإسم فقط" . وبالتالي فالإبن ليس مساوياً للآب ولا هو مشارك له في الجوهر. أما الثالوث فيتضمن، بحسب آريوس، ثلاثة أقانيم، ولكن هذه الاقانيم جواهر متمايزة ومنفصلة، واكثر مختلفة من حيث طبيعتها. صــ79

نظرية العقيدة النسطورية..

◄ اليس القول ان الكلمة الله، الأقنوم الثاني في الثالوث، أمّاً، تبريراً لجنود الوثنيين الذين يعطون أمهاتٍ لآلهتهم؟! لا يمكن الجسد أن ينجب إلا الجسد، والله، وهو روح خالصة، لا يمكن أن يكون وُلد من إمرأة : لم يتمكن المخلوق من إنجاب الخالق، ومريم لم تلد إلا الإنسان الذي تجسد فيه كلمة الله. لقد تجسد كلمة الله في إنسان فانٍ، ولكنه هو نفسه لم يمت، وهو بعث حياً ذلك الذي تجسد فيه. أنا اعبد الإناء بسبب محتواه، واللباس لأجل ما يغطيه، ما يظهر لي في الخارج بسبب الله المختبيء الذي لا أفصله عنه. صــ93

◄ كانت التحليلات الدقيقة التي انصرف لها أبوليناريوس تبشر بالمونوفيزية، العقيدة التي لا تعترف بأنه يوجد في يسوع المسيح أكثر من طبيعية واحدة ووحيدة، والتي اثار دحضها خلافاتٍ لا تُحصى في القرن الخامس. صــ95

[البدع الهرطوقية في القرون الوسطى]

◄ إن البوغوميلية، التي أبصرت النور في بلغاريا، اكتسبت فيها طابع ديانة وطنية، حاظية حتى بحماية بعض ملوك ذلك البلد، لكن مجمعين للكنيسة البلغارية انعقدا في عامي 1350 و 1353، أدانا هذه الهرطقة والبدع التي كانت ترتبط بها. ويمكن أن نشير، من بين هذه البدع، إلى واحدة كانت تنادي بعري أجدادنا الاولين وبالخصاء، وإلى أخرى كانت تكافح عبادة الأيقونات، وإلى ثالثة كانت تشجع أتباعها على إرتكاب الخطايا لأجل الإستمتاع بالنعمة الممنوحة للتائبين. في غضون ذلك، إجتاح الأتراك بلغاريا وباتت الديانة اليونانية الأرثوذكسية الحصن الوحيد للشعور الوطني. ولم تبق البوغوميلية حية إلا في الاساطير التي تناقلتها إلى اليوم أجيال من الفلاحين. صــ113

◄ لقد كانت الكنيسة الكاتارية منظمة بقوة. فبالإضافة إلى "الكاملين" كان هنالك الاساقفة، الذين يبدو أنه لم تكن لهم غير وظائف إدارية؛ وكان يساعدهم عدد من الشمامسة. لا بل تتحدث وثائق من تلك الفترة عن بابا كاتاري يقيم في بلغاريا، ولكن يبدو أن هنالك خلط مع كلمة pope التي تعني الكهاهن بالبلغارية، تماماً كما بالروسية. وكانت الجماعة الكاتارية تدعي أنها وحدها كنيسة يسوع المسيح، بينما كنيسة روما هي "أما أعمال الفسق" و "بابل الكبرى" ، و "كاتدرائية الشيطان". صــ123

◄ كان المحقق (في محاكم التفتيش) ، بعد أن يتسلم من البابا "رسائل تكليف" ،يختار مقره، ثم يصدر "مرسوم إيمان" يجبر المؤمنين على كشف الهراطقة، و "مرسوم عفو" يمنح مهلة 15 إلى 30 يوماً للمذنبين كي يتراجعوا (عن هرطقتهم) . وفي حال الرفض، هنالك السجن، والحرمان من الطعام، التعذيب إذا اقتضى الأمر. بعد الإستحصال على الإعترافات بهذه الطريقة، كان المحقق، الذي يستعين بكُتّاب وحقوقيين زمنيين، يصدر الحكم الذي كان يتم إعلانه خلال جمعية عامة تسمي "الموعظة العامة". وكان التائبون، الراكعون، يجحدون قناعتهم (الهرطوقية) ويدهم على الإنجيل، ويستمعون إلى قراءة العقوبات التي يتوجب عليهم تنفيذها: صلوات، صيام، هبات للكنائس، حج إلى روما، وسان جاك دور كوموستيل، وسان توما دو كانتربري. وتضاف إلى هذه الأعمال الصالحة العقوبات المساه penitentiae confusibiles : بعد أن يسمع الجاني القداس، حافياً وبالقميص، يجلده الكاهن؛ أو يكون عليه، لمدة من الزمن قد تطول أو تقصر، أو يحمل صليباً أحمر أو أصفر على ردائه، الأمر الذي يعرضه لكل شتائم العامة من الناس. فلنشر أيضاً، من بين العقوبات إلى ما يلي : النفي، مصادرة الأملاك، الإحتجاز الجسدي، أو الحبس مدى الحياة في زنزانة. صــ131

------------------------------------------------------

◄ إن القطيعة بين الكنيستين الشرقية والغربية، التي تحددها كتب التاريخ في العام 1054، كانت قد بدأت قبل هذا التاريخ بكثير، وامتدت ما بعده بزمن طويل، والأمر لا يتعلق بإنشقاق مفاجيء، بحدث معزول، بل بسيرورة تمايز غير محسوسة ولا مفر منها. ويمكن تقريباً إرجاع اصل الإنشقاق إلى العام 330، حين اعطى قسطنطين الكبير اسمه لبلدة بيرنطة المتواضعة، التي جعل منها عاصمة إمبراطورية الشرق الفتية. وقد كانت تلك شهرة سياسية سرعان ما باتت دينية. فمنذ العام 451، كان مجمع خلقيدونية المسكوني يضع أسقف القسطنطينية مباشرة بعد الحبر الاعظم الروماني ويمنحه سلطة على أسقفيات تراقية، وآسية البون. وفي ما بعد، استحصل مطران القسطنطينية على رتبة بطريرك، ثم بطريرك مسكوني. وفي العام 733، فرض سلطته على جنوبي إيطاليا وصقلية، اللتين احتلتهما القوات البيزنطية. وقد كان النزاع محتوماً بين مركزين دينيين يمتلك احدهما قوة مادية لم يكن في وسع الآخر أن يواجهها إلا بسلطة خليفة القديس بطرس، المتنازع فيها. صــ151

◄ لقد استمر تلامذة ابيلار في نشر عقائده، في النصف الثاني من القرن الثاني عشر الذي كان، على الصعيد الفكري، ما يشبه عصر "ما قبل النهضة". وقد كتب الإيطالي بيار لومبار، على غرار sic et non ، اربعة كتب حِكم sentences استعملها تلامذة جبل القديسة جنييف كوجيز زمناً طويلاً . فثمة كانت موجودة، بحسب كلام إينوسان الثالث، "قلعة النظام المقدس المشهورة" ، ومشتل اللهوتيين الذي سوف يتخذ لاحقاً اسم جامعة. وقد استقر هناك فرنسيسكانيون ودومينيكانيون، وازاحوا نهائياً خطر عقلانية ابيلار، عبر إعادة أرسطو، شيئاً فشيئاً، إلى الفكر المسيحي . صــ161

◄ وإذا كان هنالك من شيء مشترك بين الألبيجيين والفوديين، فقد كان حقدهم على التسلط الإكليروسي والبابوي. وكان هذا الحقد يتلازم لدى الفوديين مع حلم المساواة الإجتماعية، ولا ريب أن هذا العنصر الثوري هو الذي أدى إلى اضطهادهم بالقدر نفسه من القساوة التي مورست ضد الاولين. صــ166

◄ مع أن المصلحين الدينيين الكبار في القرن السادس عشر والبروتستانت الاوائل وًُصفوا بالهراطقة وعاملهم الكاثوليك كهراطقة، ومع ان الكنيسة الرومانية لا تزال تطلق هذا التعبير على البروتستانت، لا يسعنا أن نعتبر الطوائف البروتستانتية الكبرى بدعاً. انها كنائس حقيقية تمثل بهذه الصفة سلطة إذا كان البعض يجادل فيها، فالكثيرون يقبلون بها. ولكن بسبب أنها ولدت من مبدأ حرية التفكير، فهي تصطدم، أكثر بكثير من الكنيسة الرومانية، بهجمات غير الإمتثاليين؛ لذا فقد ولَّدت إنشقاقات لا تُحصى، أكانت عقيدية أو طقسية..صــ187

◄ كانت الحرب الرهيبة التي دمرت ألمانيا قد وضعت لوثر في موقف حساس. فبعد أن علق، في العام 1517، أطروحاته الخمس والتسعين، بخصوص صكوك الغفران، على باب مصلَّى قصر ويتنبرغ، شعر المجدد الجسور، المنتشي بنجاح إحتجاجه غير المتوقع، بأنه مدعو لإطاحه "المسيح الدجال الحقيقي الذي يحكم في الإدارة البابوية في روما" . وقد انصرف إلى هذه المهمة بكل حدة مزاجه وكل فظاظة لغته : فالرهبان خنازير، والكهنة حمير والكنيسة بيت دعارة. أكثر من ذلك، لقد دعا إلى العمل العنيف : "إذا كان السارقون يعاقبون بالسيف، والقتلة بحبل المشنقة، والهراطقة بالنار، فلماذا لا تمضون ممتشقين السلاح للقبض على كل اسياد الهلاك الأبدي الأشرار هؤلاء، على البابوات، والاساقفة، والكردالة، وكل عصابة سدوم الرومانية؟". صــ194

◄ لقد ولدت بدعة المورمونيين من إحدى حالات الضلال الأشد غرابة التي أحدثت إنشقاقات مسيحية. ففي العام 1870، صدر في بالماير، في ولاية نيويورك، مجلد بعنوان كتاب مورمون جاء فيه أن قبائل إسرائيل العشر التي لم تعد إلى اليهودية بعد اسر بابل كانت قد هاجرت إلى أمريكا الشمالية وانقمست هناك إلى شعبتين، الزنادقة اللّمنيين، أو الهنود الحمر الأمريكيين، والنيفيين الأتقياء، وقد أبناد اللمنيون هؤلاء، في القرن الرابع بعد الميلاد، ولكن آخر من بقي منهم على قيد الحياة، النبي مورموند، نقش على لوحات ذهبية احتفالات الماضي الباذخة والأحداث القادمة. وقد آمن بهذا الكلام الفارغ قاريء له يُدعى جوزيف سميث ووجد حوله الكثير من الناس الذين آمنوا به بحيث أمكنه أن يجمعهم في جمعية دينية اتخذت في العام 1834 اسم قديسي الأيام الأخيرة...صــ231

◄ كان القرن التاسع عشر، عصر العقلانية، والليبرالية، والإشتراكية، يشكل تهديداً للكنيسة الرومانية أكثر خطورة من الهرطقات القديمة. فالإلحاد كان أسوأ من الإنشقاق، لأن هذا الأخير لم يكن يتخلى عن أكثر من قسم فقط من الإيمان. صــ276

◄ إن البدعة الأشد غرابة، وشهرة و "راهنية" بين البدع هي تلك الخاصة بالـ Skoptsy، أو " اليمامات البيض" ، المتميزة بممارسة الخصاء المنتظمة والدائمة .. لقد قال يسوع : "هنالك الخصيان بالولادة، من أحشاء أمهاتهم؛ وثمة أيضاً خصيان صاروا كذلك بفعل البشر؛ وثمة أيضاً من خصوا أنفسهم بانفسهم بسبب ملكوت السماوات؛ فليفهم من في وسعه الفهم". ولقد فهم الـ Skoptsy ("المخصيون") النص بمعناه الحرفي كما فهموا بالطريقة نفسها الأمر الذي أصدره يسوع من قبل ذلك بقليل، بحسب ما جاء في إنجيل متى : "إذا كانت يدك أو قدمك سبباً لسقوطك، اقطعها وارمِ بهما بعيداً عنك"..صــ319

◄ أياً يكن، فالهرطقة التي استفادت من بقائها زمناً طويلا بدون عقاب، بسبب علاقات زعيمها مع الأوساط العليا، عرفت انتشاراً كبيراً. كانت هنالك كنائس في موسكو، وفي مقاطعات الوسط، والشرق والجنوب، وفي سيبيريا والقوقاز، وفي تامبوف، قطعت نساء أثداءهن، كمثال أول على الخصاء الأنثوي. واستمرت البدعة في كسب الأتباع من كل الطبقات الإجتماعية : فثمة فلاحون، وتجار، ونبلاء، والعديد من ضباط الحرس الإمبراطوري جرى خصاؤهم بطلب منهم. صــ322

◄ كان بعض الـ prygouny، المدعوِّين "أولاد صهيون" يجلدون أنفسهم لتسريع نزول الروح القدس. وكانوا يبشرون بنهاية العالم الوشيكة وبقيام مملكة صهيون، التي تدوم ألف سنة؛ أما رئيس تلك المملكة فكان ينبغي أن يكون يسوع المسيح، الحاظي بمساعدة مؤسس البدعة، الفلاح رودوميوتكين. وكان يحق لكل مؤمن زوجتان فيما كان للرئيس عدة زوجات. ولقد كان يمضي بصحبة اثني عشر رسولاً واعظاً من قرية لاخرى في جنوبي روسيا. وقد تُوَّج ذات يوم "ملكاً على المسيحين" بواسطة جمع هائج. صــ338

◄ كان "شاربو الحليب" يتسموُّن بـ "المسيحيين الروحيين" ، وتشبه عقيدتهم تقريباً عقيدة "مصارعي الروح"، الذين يبدون منبثقين منها. بيد أنهم أقرب إلى المسيحية، لكونهم يولون أهمية أكبر للكتاب المقدس واقل للوحي الداخلي. وهم يقرأون بإنتباه العهدين القديم والجديد، ولكنهم يرفضون كل ما اضافه إليهما آباء الكنيسة، فضلاً عن كل نوع من الطقوسية. لقد كان أحدهم يقول : "إن الـ raskoliniki (المنشقين) يذهبون إلى المحرقة لأجل إشارة الصليب بإصبعين؛ أما نحن فلا نرسم إشارة الصليب بإصبعين ولا نرسمها بثلاثة أصابع، بل نسعى لمعرفة الله بشكل أفضل" . بإختصار ، إن شاربي الحليب بروتستانت الأورثوذكسية الروسية. ألا يقولون بالفعل : "ليس هنالك من حبرٍ غير المسيح، ونحن كلنا كهنة" ؟ صــ348

◄ أياً يكن من العدمية المسيحية، والأناركية الإنجيلية لدى تولستوي، فلقد كان لعقيدته، همها بقيت غامضة - وربما لأنها غامضة جداً - دويِّ كبير في روسيا. لم يكن في وسعها أن تشكل أساساً لبدعة، لأنها على غرار عقيدة سوتاييف، لم تكن تنظم شيئاً، بل كانت تكتفي بالنصح، والوعظ الاخلاقي. لذا وجدت إصغاء أكبر لدى طبقات الأمة المثقفة مما لدى الجماهير الشعبية، المدفوعة دوماً إلى التطبيق العلمي لفكرة ما. لقد كان أنصار تولستوي، في الفترة التي كان رد الفعل البوليسي من جانب اسكندر الثالث قد سحق فيها الإندفاعية الثورية، أفضل ممثلي المثالية الإجتماعية : على الرغم من المغالاة التي كانوا يبلغونها احياناً في "تبسيط" حياتهم، باللبس من دون تصنع، وإحتقار المجاملات، والإمتناع عن اللحم والكحول، عملوا بحماس لنشر عقيدة المحبة الخاصة بمعلمهم، وعلى الصعيد العلمي لمكافحة البؤس والجهل وغياب الأخلاص لدى الطبقات الشعبية. صــ355

◄ لم يكن "الناكرون" يسلِّمون بغير السلطة الذاتية لكل شخص في القضايا الدينية، وكانوا يرفضون، فضلاً عن ذلك، كل شكل من التنظيم الإجتماعي.
. ولكن ثمة سمة نموذجية لديهم هي أن عاداتهم طاهرة : لم يكونوا يشربون الخمر، أو يدخنون، ومن كان يعيش منهم مع إمراة كان يعتبرها كائناً مستقلاً، مساوياً له، وكان يسميها "صديقتي" . هكذا حين أُحضر "ناكر"، مع زوجته وطفلة صغيرة أمام القاضي، ساله هذا : - هل هذه إمرأتك؟ - كلا، ليس هذه امراتي. - ولكنك تعيش معها؟ - أجل ولكنها ليست لي، إنها لنفسها؟ .. عندئذ سأل القاضي المرأة : - هل هذا زوجك؟ - كلا ليس زوجي. - ولكن من يكون إذاً؟ - أنا بحاجة إليه، وهو بحاجة إلي، وهذا كل شيء. ولكن كل منا هو ملك نفسه". - وهل هذه الصغيرة لكما؟ - كلا ، هي من دمنا، ولكنها ليست لنا، هي لنفسها. - أنتما مجنونا، وجلد الخروف هذا الذي ترتدينه هل هو لك؟ - كلا، ليس لي. - لماذا ترتدينه إذا؟ - ارتديه طالما لم تنتزعه مني، كان على ظهر خروف، وهو الآن على ظهري؛ وربما غداً يصبح على ظهرك. كيف تريدني أن اعرف لمن هو؟ أنا لا أملك شيئاً سوى فكري وعقلي. صــ360

◄ إن انعدام التسامح يقوم في أغلب الأحيان على الكبرياء. وهو يدمج في هذه الحالة الغرور والرغبة في السيطرة. وهذان الشعوران أكثر وضوحاً لدى رؤساء الكنيسة أو الجماعة مما لدى المؤمنين البسطاء، الذين تعلمهم الحياة الرحمة، وهما يصلان إلى الذروة لدى مبتدعي الهرطقات، لدى أولئك الذين "ابتدعوا" حقيقة جديدة، والذين تخدع ثقتهم بانفسهم الأعضاء الجدد. ولكنهما متواترات أيضاً وسط أعضاء بدعة..صــ371

◄ لقد أعطانا هراطقة القرون الأولى، بوجه خاص، وأعضاء البدع البروتستانت، المشهد المتنوع لكل ما يمكننا أن ناخذه من الكتب المقدسة ولكل ما يمكننا أن نضيفه إليها. ويا له من إنجيل مسكين، في الحقيقة، يتم الطلب منه بإلحاح، وتشريحه، وهرسه لجعله يوضح ما تركه غامضاً أو لجعله يقول ما لم يقله على الإطلاق ! كم من الموقت المضاع، كم من الرق أو الورق المسوَّد، كم من الشتائم المتبادلة، كم من الدم المراق لإثبات أن يسوع إنسان أكثر مما هو إله أو إله أكثر مما هو إنسان ! فالمجامع تلعن، والرسائل البابوية تعرض، والقرارات البابوية تدين، والمفتشون يعذبون، والمحارق تشوي. وعلى الرغم من التحديدات، على الرغم من القوانين الكنسية، على الرغم من التحريمات، لا تنفك الحقيقة، المنادى بها بتلك الدرجة من الأبهة والإحتفال، تناقش ويعاد نقاشها بإستمرار. صــ374

◄ لقد ظن الفاتيكان أن اصل الإلحاد الحديث يكمن في الليبرالية. وهذه العقيدة الأخيرة (أو بالأحرى النزعة الفكرية) ، التي هاجمها بيوس التاسع، وداراها ليون الثالث عشر، ثم ادانها من جديد بيوس العاشر وبيوس الحادي عشر، هل تتحمل المسؤولية عنه؟ ألم تعترف على العكس للجميع بحق اعتناق المباديء التي يعتبرونها الافضل ؟ والم يسمِّ الكاثوليك الفرنسيون بالذات انفسهم ليبراليين زمناً طويلاً، بالتعارض مع تشدد المعادين للإكليروس؟ وبوجه خاص، ألا نشهد اليوم بالذات تقارباً ضرورياً بين الليبرالية والكاثوليكية؟ ولكن، من وجهة أخرى، ألم تكن الليبرالية خطأ القرن التاسع عشر، وهو خطأ سام ِ ونبيل بلا ريب، ولكنه خطا اياً يكن؟ فهل الإنسان عاقل بما فيه الكفاية بحيث يحترم كل الآراء، حتى تلك التي لا يوافق عليها، ويمتنع عن السعي لفرض الحقائق الوحيدة التي يُجلها على الغير؟ وبإختصار، هل يمكن أن تعيش البشرية من دون مباديء إيمان؟..صــ379 

[فقرات خارجة عن الكتاب .. ذكرها الكتاب لكن بأسلوب آخر ممل]

عن عصور التخلف والظلام..

▬ كان أغلب الغربيين من الأميين السذج، وكانت نسبة الضحالة الفكرية عالية جداً بين سكان أوروبا، وكان اهل أوروبا - في الغالب - قبائل همجية تعيش أسوأ مراحل التاريخ الأوربي كله، وكان مناخ الجهل الفاحش والبدائية يوفر مناخ الطغيان الكنسي، فالكنيسة نشأت لها سلطة كهنوتية في غاية التنظيم، وشملت دول أوروبا، ولذلك فكان لها سطوة وقهر شديدين على الناس، ومن ضمن الأشياء التي إحتكرتها الكنيسة لنفسها هو منع أي شخص من تفسير كتابهم المقدس، بحيث كان حكراً فقط على رجال الإكريلوس والقساوسة أو الباباوات، فأدى ذلك الى ان تحولت الكنيسة عن طريق هذا التسلط إلى ماردٍ جبارٍ طاغٍ ظالمٍ يملك مقومات البقاء ومقومات الإستبداد وعبر المجامع المقدسة تحولت الكنيسة نفسها الى (إله) تحل للناس وتحرم ما تشاء، تنسخ وتضيف إلى الشريعة...إلخ

▬ كانت الكنيسة تملك حق غفران الذنوب، أي أن القسيس هو من يتوسط بينك وبين الله كي يعفو عنك، وتطور هذا الحق بعد ذلك إلى ما يسمى صكوك الغفران، أي أن الجنة توزع وتعرض للبيع في مزادٍ علني، وبجانب هذا الحق كانت تملك حق آخر يسمى أخر الحرمان (أي الحرمان من دخول الجنة).

▬ وما حدث أيضاً في تلك العصور المظلمة شيء بشع وشبح مرعب، وهو ما يسمى بمحاكم التفتيش..كانت تقوم بإنتزاع الناس من بيوتهم في جوف الليل..كانوا الناس يعتلقون لمدار سنين طويلة بلا أدني تهمة او محكامة، وإذا ثبتت الإدانة على أحدٍ كانت تلك المحاكم يصل بها الحد ان تقطعه أشلاء ثم تحرقه بعد ذلك..

▬ كان أول ضحايا محكام التفتيش هم مسلمو الأندلس، بعد ذلك إنتقلت إلى باقي اقاليم في أوروبا، لكن بقيت المحكمة الأمة (كانت تسمى المحكمة المقدسة) في روما ، وكانت مليئة بالسجون المظلمة تحت الأرض، وبغرف التعذيب وآلات لتكسير العظام وسحق الجسم البشري بحيث يدخل الجسم البشري من جهة ويخرج من الجهة الأخرى كتلة من العظام المسحوقة والدماء الممزوجة باللحم المفروم. كانت هناك آلة تسمى التابوت ذات سكاكين حادة تُطبق على الضحية فتمزقه إرباً إرباً، وكانت آلة تعذيب اخرى تسمى الكلاليب، تُغرز في لسان المعذب، ثم تُشد، ثم تُقطعه قطعة ً قطعة، ويفعلون نفس الشيء في أجساد النساء..

▬ نأتي إلى قرارات الحرمان - والتي كانت تُذل الملوك نفسها - بحيث إذا لم يّنقَد الملك للكنيسة، فالويل كل الويل له .. ومن أمثال هؤلاء فريديك، وهنري الرابع الالماني، وهنري الثاني الإنجليزي، ذلوا كل الذٌل حينما تمردوا على الكنيسة، فبالتالي أصدرت ضدهم قرارات حرمان، فراحوا كاشفين عن رؤوسهم وأجسادهم حفاة في الثلج يقف أمام البابا في ساحة المقر الباباوي يبكي ويُبدي الندم والرجوع والتوبة إلى أن يعفو عنه البابا.. وهذا نموذج مختصر من قرارات الحرمان يقول : "بقرار من الملائكة وحكم القديسيين نحرم ونلعن ونصب دُعاءنا على (فلان)، نصب عليه اللعنة وجميع اللعنات المدونة في سفر الشريعة وليكن مغضوباً وملعوناً ليلاً نهاراً ، وفي نومه وصبحه، ملعوناً في ذهابه وإيابه، وخروجه ودخوله، وألا يُتحدث معه بكلمة، أو يُتصل به كتابة ً..، وألا يُقدم له أحداً مساعدة ً ـو معروفاً، والا يعيش معه أحداً تحت سقفٍ واحد، والا يقترب أحد منه على مسافة اربعة اذرع، وألا يقرأ أحدٌ شيء ان جرى به قلمه أو أملاه لسانه.."

▬ عاقبت الكنيسة ثلاث مائة ألف من الناس، أُحرق منهم وهم أحياء 32 ألف..ثم نأتي إلى نماذج أخرى، وهي إضطهاد الكنيسة للعلم، بحيث كان يصل الأمر إلى إحراق العلماء، مثال العالم الفلكي الذي اُحرقت كُتبه العلمية والجغرافية وسُجن حتى الموت " .. أيضاً مارتن لوثر الذي إنتقد صكوك الغفران وسلطان الكنيسة، وعاقبته، لكنه إستطاع أن يُفلت من عقابها (وهو مؤسس المذهب البروتستانتي) .. كذلك أيضاً كان من الذين عوقبوا هو العالم (إسحق نيوتن) على كلامه حول قوانين الطبيعة .. أيضاً (جوردانو برونو) خالف آراء الكنيسة، فأُحرق بسبب نظريته الفلكية .. عالم الفلك (جاليليو جاليلي) هُدد بالقتل بسبب نظريته الفلكية التي دافع فيها بقوة عن نظرية كوبرنيكوس، وقال بدوران الارض حول الشمس، فحكم عليه بالسجن لإرضاء خصومه الثائرين. وفي اليوم التالي خف الحكم إلى الإقامة الجبرية. وتم منعه من مناقشة تلك الموضوعات، وأعلنت المحكمة بأن كتاباته ممنوعة. .. وهذا خلاف آخر حصل بين البابا والملك يوحنا (ملك الإنجليز) بحيث حرمه البابا، وشمل الحرمان الأمة الإنجليزية كلها ! فعُطلت جميع الكنائس عن الصلاة في إنجلترا، ومُنعت عقود الزواج، وكانت تُدفن الجثث بلا صلاة، إلى أن ذُل (يوحنا) أشد الذُل وأقر بخطيئته، وتذلل للبابا فعفى عنه .. كذلك (هنري الرابع) ملك إنجلترا عوقب بقرار حرمان، فركع أمام الفاتيكان في زمهرير الشتاء وقتاً طويلاً إلى أن عفا عنه البابا.

[مقتطفات منوعة]

▬ هناك نظرة مسيحية صوفية تقول بأن تعذيب الجسم وإشقاءه طريق الوصول إلى الله، حيث هجرة الحياة وتعذيب النفس وتحرى المشقة .. كان هناك راهباً يُدعى (مكاريوس) نام ستة أشهر في مستنقع ليقرص جسمه العاري ذُباب سام وكان يحمل دائماً نحو قنطارٍ من الحديد، وصاحب هذا الراهب اسمه (يوسبياس) كان يحمل وزناً ثقيلاً جداً من الحديد، واقام ثلاثة اعوام في بئر نُزح ماءه، تعبداً وتقرباً إلى الله .. الراهب (يوحنا) تَعَبَدَ ثلاث سنين قائماً على رجلٍ واحدة، بحيث كان يتقرب إلى الله بهذا التعذيب، ولم ينم ولم يقعد طوال هذه المدة، فإن تعب جداً اسند ظهره إلى صخرة .. كان بعض الرهبان لا يكتسون دائماً، وإنما يتسترون بشعرهم، ويمشون على أديهم وارجلهم، وكان اكثرهم يسكنون في مغارات السباع والآبار النازحة والمقابر، وياكل كثيراً من الكلأ والحشيش .. كانوا يعدون طهارة الجسم منافية لطهارة الروح، ويتأثمون عن غسل الأعضاء، وازهد الناس عندهم واتقاهم ابعدهم عن الطهارة وأوغلهم في النجاسات والدنس.

▬ يقول الراهب (أتهينس) حاكياً عن سلفه :"إن الراهب (أنتوني) لم يقترف إثم غسل الرجلين طول عمره" .. وكان الراهب (إبراهام) لم يمس وجهه ولا رجله الماء خمسين سنة .. وقال الراهب (الإسكندري) متلهفاً على هذا الماضي : "واسفاه ..لقد كنا في زمنٍ نعد غسل الوجه حراما، فإذا بنا الآن ندخل الحمامات".

▬ كان الرهبان يتجولون في البلاد ويختطفون الأطفال، ويهربونهم في الصحراء والأديرة، وينتزعون الصبيان من جحور امهاتهم ويربونهم تربية رهبانية، وعُرف كبار الرهبان ومشاهير التاريخ النصراني بالمهارة في التهريب، حتى رُوي أن الامهات كن يسترن أولادهن في البيوت إذا رأينا الراهب (أمبروز) .. وكانوا يفرون من ظل النساء، ويتأثمون من قربهن والإجتماع بهن، وكانوا يعتبرون مصادفة المرأة في الطريق او التحدث اليها (حتى لو كانت امه أو زوجته او اخته) تحبط أعمالهم وجهودهم الروحية.

▬ عندهم الزواج دنس يجب الإبتعاد عنه، والعزب اقرب عند الله من المتزوج، وقالوا أن المرأة هي باب الشيطان، وان العلاقة مع المرأة رجس في ذاتها، وأن السمو لا يتحقق إلا بالبعد عن الزواج .. يقول ترتوليان ، ويلقب بالقديس :"ان المراة هي مدخل الشيطان إلى نفس الإنسان ناقضة لنواميس الله مشوهة للرجل" .. يقول (سوستان) وهو يلقب بالقديس : "إنها شرٌ لابد منه - أي المرأة -وآفة مرغوب فيها وخطرٌ على الاسرة والبيت، ومحبوبة فتاكة ومصيبة مطلية مموهة.

▬ في القرن الخامس الميلادي، إجتمع بعض اللاهوتيين يبحثون ويستاءلون في مجتمع (ماكون) : هل المرأة جُثمان بحت أم أنها جسدٌ ذو روح يناط به الخلاص والهلاك ؟ ، فغلب على آرائهم أنها خلوٌ من الروح الناجية، وليس هناك إستثناء من جميع بنات حواء من هذه الوصمة إلا مريم. .. وعقد الفرنسيون في سنة 586 مؤتمراً للبحث هل تعد المرأة إنساناً أم غير إنسان ؟ وهل لها روح أم ليس لها روح ؟ وإذا كانت لها روح، فهل هذه الروح حيوانية أم إنسانية ؟ وإذا كانت روح إنسانية فهل هي على مستوى روح الرجل أم أدنى منها ؟ ، واخيراً قرروا أنها إنسان ولكنها خُلقت لخدمة الرجل فحسب.

▬ وعند بعض النصارى يرى ان المراة ينبوع المعاصي، وأصل السيئة و الفجور، ويرى ان المراة للرجل باب من ابواب جهنم، تحركه وتحمله على الآثام، ومنها انبجست عيون المصائب على الإنسانية جمعاء ، ولما كانت المرأة - حسب راوية سفر التكوين - هي التي اغرت الرجل بالأكل من الشجرة، فإن النصرانية ناصبت للمرأة العداء بإعتبارها أصل الشر ومنبع الخطيئة في العالم، لذلك فإن عملية الخلاص من الخطيئة لا تتم إلا بإنكار الذات وقتل كل الميول الفطرية والرغبات الطبيعية، والإحتقار البالغ للجسد وشهواته.   

▬ يقول (بونا فنتور) الملقب بالقديس : "إذا رأيتم إمرأة فلا تحسبوا انكم ترون كائناً بشرياً، بل ولا كائناً وحشياً، وإنما الذي ترون هو الشيطان بذاته، والذي تسمعون به هو صفير الثعبان ."

▬ البرلمان الإنجليزي في عهد (هنري الثامن) ملك إنجلترا ، أصدر قراراً يحذر على المرأة أن تقرأ كتاب العهد الجديد (الإنجيل)؛ لأنها تعتبر نجسة.

▬ القانون الإنجليزي حتى سنة 1805 كان يُبيح للرجل أن يبيع زوجته وقد حُدد ثمن الزوجة بستة بنسات.

هناك عوامل أخرى، وهي تحول الكنيسة إلى مؤسسة إقطاعية مادية جشعة، أفرط ثراء فاحشاً، وكانت دائماً تطمع إلى الفوز بالأموال، وشاع الفقر نتيجة ذلك، وكان من جراء ذلك أن انقسم الشعب إلى طبقة السادة وطبقة العبيد .
====================================
▬ في القرن الخامس الميلادي : كان التفاف جمهور المثقفين حول الفيلسوفة هيباتيا يسبب حرجا بالغا للكنيسة المسيحية وراعيها الأسقف كيرلس الذي كان يدرك خطورة هيباتيا على جماعة المسيحيين في المدينة، خاصة وأن أعداد جمهورها كان يزداد بصورة لافتة للأنظار، بالإضافة إلى أن صداقتها للوالي (أوريستوس) الذي كانت بينه وبين أسقف الاسكندرية (كيرلس) صراع سياسي في النفوذ والسيطرة على المدينة. كان أوريستوس مقربا إلى هيباتيا ويكن لها تقديرا كبيرا. كما يقال انه كان أحد تلاميذها، وهو ما يفسر لما كان كيرلس مستاء مما قد يمثله وجود هيباتيا.

وزاد الأمر سوءا أن الأسقف دخل في صراع مع اليهود الموجودين بالمدينة، وسعي جاهداً لإخراجهم منها، ونجح في ذلك إلى حد كبير وذلك بمساعدة أعداد كبيرة من الرهبان، الذين شكلوا ما يمكن تسميته بجيش الكنيسة، ولم يكن باستطاعة الوالي التصدي لهذه الفوضى، بل وتعرض بدوره للإهانة من جانب بعض الرهبان الذين قاموا بقذفه بالحجارة، بعد أن علموا بالتقرير الذي أرسله للإمبراطور متضمناً الفوضى التي جرت بالإسكندرية جراء اشتباكاتهم مع اليهود، ومن ثم تأزمت العلاقة بين المسيحيين وبين الوالي أوريستوس رغم أنه كان مسيحياً أيضا، وسرت الشائعات في المدينة أن سبب هذا العداء بين رجلي الإسكندرية يعود إلى هيباتيا وتأثيرها على حاكم المدينة وهذا لم يكن يعني أن المدينة لن تعرف الهدوء إلا بالخلاص منها.

وكان موتها مأساويا على يد جموع من الغوغاء المسيحيين التي تتبعتها عقب رجوعها لبيتها بعد إحدى ندواتها حيث قاموا بجرها من شعرها، ثم قاموا بنزع ملابسها وجرها عارية تماما بحبل ملفوف على يدها في شوارع الإسكندرية حتى تسلخ جلدها، ثم إمعانا في تعذيبها، قاموا بسلخ الباقي من جلدها بالأصداف إلى أن صارت جثة هامدة، ثم ألقوها فوق كومة من الأخشاب وأشعلوا فيها النيران.
====================================

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق