سيكولوجية المرأة (زكريا إبراهيم)



• مهما كان حظنا من الذكورة فإن من المؤكد أننا نحمل في ثنايا تكويننا الجسماني والنفسي قسطًا قل أو كبر من الأنوثة! ص13
• الغريزة الجنسية، مثلها في ذلك كمثل سائر الغرائز الأخرى، تقوم على "بناء تحتي" بيولوجي"، و "بناء فوقي" اجتماعي، وهي في هذا إنما تستجيب لتلك العملية المعقدة التي تدفعها إلى التسامي بميولها روحيًا واجتماعيًا. ص15
• حقًا إن الفتاة "المسترجلة" قد لا تتخلى عن أنوثتها، بل هي قد تعمد أحيانًا إلى اتخاذ "الإغراء" أداة عدوان، بحيث أن الفتاة لتبدو في هذه الحالة أقرب ما تكون إلى "غانية" صغيرة تتقاذقها نوازع الأنوثة بما فيها من إغراء وتبرج، ونوازع الرجولة بما فيها من عدوانٍ وتحدٍ. ص49
• إن الأنوثة لترتبط في ذهن الفتاة بتلك العادة الشهرية الأليمة، فنراها سرعان ما تنطوي في نظرها على معاني الألم والمرض والموت! وحينما تجد الفتاة نفسها أسيرة لعادة شهرية تعاني خلالها الكثير من الآلام، فإن فكرة الأنوثة قد تقترن في نظرها بفكرة "الجسم الدامي"، وفكرة "النزيف الباطني". ص74
• ليس من شكٍ في أن كثيرا من هواجس المراهِقة إنما ترتبط بفكرة البراءة والطُهر: إذ تشعر الفتاة بأن المجتمع يضطرها إلى الرياء والنفاق، ما دام يطلب إليها النقاء المطلق والعفاف التام، بينما هي تحس في قرارة نفسها بأن حوافز الجنس تعمل عملها في صميم وجودها باعتبارها فتاة.. ص90
• الواقع أن "العانس" لا زالت محتقرة في معظم المجتمعات، لأن (الزواج) هو في نظر الكثيرين طريقة المرأة الوحيدة في كسب عيشها، فضلًا عن أن "الإشباع الجنسي" يكاد يكون محرمًا على الفتاة في غير نطاق الزواج. ص96
• الجماع عند الرجل بداية ونهاية، بينما هو عند المرأة عملية نفسية ليس لها بداية محددة، وقلما تنتهي بشكلٍ حاسم واضع المعالم. ص103
• إننا لا ننكر أن "المازوشية" تلعب دورا كبيرًا في حياة المرأة الجنسية، ولكننا نعتقد أنه إذا لم ينجح الزوج في أن يمنح زوجته ما تحتاج إليه من حبٍ ورقة وحنان، فإنها لن تستجيب مطلقًا لسائر المهيجات الجنسية. ص104
• إن الأمومة تنطوي على عمليات صراعٍ مختلفة تتم في نفس المرأة بين مطالب الذات وخدمة النوع. ص148

===========================
▬ يمكننا أن نقول أنه لما كان من الضروري للمرأة أن تتحمل الألم وتتقبل التضحية، بحكم وظيفتها التناسلية، فقد تكفلت الطبيعة بتزويدها بسلاح قوي من "المازوشية" حتى تستطيع بذلك أن تتكيف مع الواقع. ولما كانت هناك أخطار كثيرة تتهدد حياة المرأة منذ البداية حتى النهاية، باعتبارها خادمة للنوع، فقد كان لابد لها من أن توحد بين مازوشيتها الأنثوية وقلقها الإنساني وتبعًا لذلك فقد وجدت المرأة نفسها مضطرة إلى أن توفق بشكل ما من الأشكال بين اهتمامها الفردي بالحصول على اللذة، واهتمام النوع من خلالها بتحقيق مآربه حتى ولو ترتب على ذلك القدر الكثير من الألم بالنسبة لها. ومثل هذا التوافق لا يمكن أن يتم إلا إذا اكتسب الألم المقترن بالعملية الجنسية والوظيفة التناسلية طابع اللذة. والواقع أن استعداد المرأة السيكولوجي للوظيفتين الجنسية والتناسلية لا بد من أن يقترن بالكثير من الأفكار المازوشية. ولعل هذا هو السبب في أن فكرة الجماع لا بد من أن تقترن في نظر المرأة بعملية فض البكارة؛ وهذه بدورها تقترن بفكرة الاعتداء عليها ونفاذ عضو الذكر إلى صميم جهازها التناسلي. صــ 19

▬ وربما كان الأصل في هذا الارتباط الوثيق بين الألم واللذة في حياة المرأة، براجعٍ إلى وظيفتها التناسلية. وليس من شك في أن عملية الحمل والولادة تقترن منذ البداية في حياة المرأة بالكثير من النوازع المازوشية. وقد تنحرف هذه المازوشية عن سبيلها السوي فتطغى آلام الحمل والولادة، ومتاعب الوضع والأمومة، على سرور الأم بوليدها نفسه. وهكذا تكتسب كل الوظيفة التناسلية لدى المرأة طابعًا مازوشيًا مَرَضيًا. ولكن مهما يكن من شيء، فإن المازوشية تلعب دورًا كبيرًا في حياة المرأة الجنسية والتناسلية معًا: لأنها من جهة تقترن منذ البداية بعقدة الخصاء، والخوف من الحيض، وعملية فض البكار، كما تقترن من جهةٍ أخرى بآلام الحمل والوضع والولادة والأمومة. وإذا كان من شأن هذه المازوشية أن تعين المرأة على التوافق مع الواقع بتقبل كل ما يجيء مع وظيفتها الأنثوية من آلام، فإنها إذا زادت عن الحد قد تثير لدى المرأة ضربًا من (الدفاع) فتعتمد المرأة إلى الفرار من أخطاء المازوشية الزائدة بأن تتهرب من وظيفتها وتتنكر لأنوثتها. وسنرى فيما بعد إلى أي حد يتوقف مصير المرأة كله على تحقيق ضرب من التوافق الانسجامي أو التكامل والتآزر بين نوازعها النرجسية ونوازعها المازوشية. صــ 20، 21

▬ الظاهر أن معظم تجارب الفتيات الصغيرات المتعلقة بالقضيب إنما ترتبط بوظيفته البولية، خصوصًا وأن البنات سرعان ما يدركن قلة مقدرتهن على ضبط أجهزتهن البولية، بعكس الولد الذي يستطيع إلى حدٍ كبير أن يتحكم في ضبط جهازه البولي. هذا إلى أن عضو التبول لدى الولد عضو خارجي يسهل عرضه، بينما يستحيل على البنت أن تستكشف عضوها البولي أو أن تقوم بعرضه! وكل هذه الاعتبارات قد تجعل للقضيب أهمية خاصة في نظر الطفلة، باعتباره أداة طيعة يتحكم فيها الولد كيفما شاء. ولكننا نعود فنقول أن الملابسات الخاصة هي التي تعمل على زيادة اهتمام الطفلة بعضو الذكر؛ وأما في الحالات العادية فإ، الامتياز الذي يتمتع به الولد من حيث طريقته في التبول قد يبقى أمرًا ثانويًا لا يتسبب عنه تولد أي شعور بالنقص لدى البنت. صـ 43

▬ وعلى الرغم من أن البنت قد تجد لذة كبرى في أن تشترك مع الأولاد في ألعابهم، نظرًا لما لديها من نزعة مازوشية قد تجعلها تستعذب ضرباتهم ومظاهر احتقارهم، فإن المربين مع ذلك كثيرًا ما يحولون بينها وبين إشباع هذه النزعة الأنثوية الطبيعية. وإذن فقد يكون من الخطأ أن ننكر على البنت كل نشاط "إيجابي"، ولكن ربما كان من الخطأ أيضًا أن نخلط بين "فاعلية" الولد" و "فاعلية" البنت. والحق أن الفتاة لا تميل إلى مشاركة الفتيان في ألعابهم، مع ما يستتبع ذلك من تحمل للكثير من الآلام والضربات ومظاهر العنف المختلفة، لمجرد رغبتها في القيام بنشاط إيجابي؛ وإنما الملاحظ أن ميلها إلى النشاط الإيجابي لا يكاد ينفصل عن نزعتها المازوشية. صــ 47

▬ وقد قام كاتب هذه السطور بإجراء "استخبار" على بعض تلميذات المدارس المصرية والسودانية البالغات من العمر ما بين الثامنة والثانية عشرة، وجه فيه إليهن السؤال التالي: "هل ترغبين في أن تصبحي ولدا؟ ولماذا؟"، فكانت نسبة عدد البنات اللائي يرغبن في تغيير جنسهن حوالي 78%. وقد تنوعت أسباب التفضيل لدى البنات، فكانت إجابة الصغيرات منهن منحصرة في القول بأن ألعاب الأولاد أكثر تشويقًا من ألعاب البنات، أو أن ملابس الأولاد أكثر ملاءمة للجسم من ملابس النساء، أو أن حرية الأولاد أكبر من حرية البنات. وأما الكبيرات منهن فقد أبدين أسبابًا أخرى للتفضيل، منها قولهن أن الرجال لا يتألمن كالنساء، أو أن مستقبل الرجل من مستقبل المرأة، أو أن الرجال أقدر من النساء على العمل...إلخ. وقد وردت بين الإجابات المختلفة أسبابًا أخرى متفرقة منها قول إحداهن "أنني أفضل أن أشابه والدي"، وقول أخرى: "أنني أريد أن أخيف البنات!"...إلخ. وهذا الاستخبار إن دل على شيء، فإنما يدل على أن عددًا كبيرًا من الفتيات - حتى في هذه السن المبكرة - يشعرن بسوء مركز "المرأة"، ويرغبن في التنازل عن "أنوثتهن". أما إذا قمنا بعمل استخبار عكسي، فسنرى بوضوح - كما يظهر من الإحصائيات التي قام بها هافلوك آليس - أن واحدًا فقط من بين مائة ولد، هو الذي يرغب في أن يصبح فتاة! صــ 53، 54

▬ وإذا كانت الفتاة كثيرًا ما تريد أن تثأر لنفسها من والدتها، فذلك لشعورها بأن أمها قد أخفت عنها الكثير من الحقائق إبان الطفولة، خصوصًا ما يتعلق بمسائل الحمل والوضع وولادة طفلٍ جديد. وهذه الحاجة إلى إخفاء الأسرار قد تتخذ صورة عجيبة، فنجد الفتاة تفضي بسرها إلى رفيقة طالبة منها كتمان الأمر عن باقي الزميلات مستحلفة إياها ألا تذيعه بين الأخريات، وهلم جرا! وقد تتولد عن هذه الحاجة نزعة منحرفة تميل معها الفتاة إلى خلق الأسرار واختراع الأنباء، حينما تعز الأحداث، أو حينما يقفهر الواقع؛ وتلك نزعة قد تبقى لدى كثير من البالغات، فتجد الواحدة منهم ولوعة بالأسرار، كلفة بالأقصايص، حتى لتكاد تخلط بين الواقع والخيال! ولعل هذا هو السر فيما اشتهر عن النساء من ميلٍ إلى الكذب، وولع باختلاق الأساطير! صــ 58

▬ لا يفوتنا أن نشير إلى أهمية الصداقة في هذا الدور، فإن علاقات "ما قبل البلوغ" حينما تتخذ صورة "علاقة سادية - مازوشية" فإنها قد تترك آثارًا سيئة في الحياة النفسية للفتاة "المازوشية" على وجه الخصوص. وقد لوحظ أن عجز بعض الفتيات عن مواصلة الدراسة، أو متابعة نشاطهن العادي، قد يرجع أحيانًا إلى انشغال الفتاة بعلاقة من هذا القبيل من فتاة "سادية". ومثل هذه العلاقات التي تجيء عادةً مع بوادر "البلوغ" هي التي ستحدد مصير الفتاة في مرحلة المراهقة. وحينما تنضج إحدى الصديقتين جنسيًا قبل أن يكون نمو الأخرى قد اكتمل، فإن الفتاة المتخلفة قد تنزع بحكم الغيرة أو التقمص الوجداني إلى مجاراة الأخرى في نشاطها الجنسي الغيري (Heterosexual)، دون أن يكون قد تهيأ لها النضج السيكولوجي اللازم. وعندئذ قد تتعرض شخصية الفتاة للاضطراب، فنراها تستسلم للضعف أو الانحراف أو الجريمة. وربما كانت معظم حالات الدعارة أو الجريمة لدى الفتيات الصغيرات براجعة إلى إصابتهن أثناء مرحلة ما قبل البلوغ بتوقف مفاجئ، مما يترتب عليه انصرافهن عن العلاقات الجنسية المثلية التي لا ضرر فيها، إلى علاقات جنسية غيرية هن لم يؤهلن لها بعد. صــ 60، 61

▬ قد يولد العشق الذاتي لدى الفتاة الكثير من أحلام اليقظة، فنراها تلتمس في تلك الأحلام سبيلًا إلى امتلاك ذاتها على نحوٍ شعريٍ خيالي! وحينما تجد الفتاة نفسها وحيدة في غرفتها، أو حينما تتاح لها الفرصة لأن توجد في مجتمعات الرجال والنساء، فإنها قلما تفصل بين رغبتها في الجنس الآخر وعشقها لذاتها. والظاهر أن الفتاة لا تسعى لتجميل نفسها حتى تأسر الرجل فحسب، وإنما هي تسعى أيضًا للظفر بإعجاب الرجل حتى تؤكد لنفسها أنها جميلة وفاتنة!.. ولهذا فقد تكون شخصية "المحبوب" خيالية محضة، بدليل أن الفتاة قد تكتبُ خطابات غرام ترسلها إلى نفسها، أو هي قد تنهمك في علاقة غرامية موهومة، فتتصور أنها عشيقة لشخصٍ لم تتح لها الفرصة يومًا لأن تتحدث إليه وجهًا لوجه!  صــ 83، 84

▬ حينما يشتد الصراع في نفس الفتاة بين أحلام اليقظة ومطالب الواقع، فإنها قد تستسلم لنوبات اليأس والحزن والبكاء. وإذا كانت "الدموع" شيئا مألوفا مستحبا لدى النساء، فذلك لأن البعض منهن قد يستبقى من دور المراهقة هذه الحاجة الطبيعية إلى المازوشية، وتلك الرغبة الملحة في الاستسلام لدواعي الألم والصراع والهبوط النفسي. وقد لا يخفف من حدة هذه الحالة سوى ظهور عامل "الجنسية المثلية" الذي يجيء فيضاف إلى عوامل "النرجسية" و "المازوشية" التي سبق أن لاحظناها لدى معظم المراهقات. وهكذا تظهر "الصداقة" بين الفتيات، فنرى الواحدة منهن تبادل صديقتها سرًا بسر، وتطلعها على خباياها الجنسية ودواخل حياتها العاطفية وقد تتخذ هذه "الصداقة" طابعًا جنسيًا صريحًا، فتكتشف بعض الفتيات عن عريهن أمام البعض الآخر، وتقارن الواحدة منهن بين صدرها وصدر زميلتها، وقد تنتشر فيما بينهن عادات الملاطفة الجنسية، ومظاهر الاتصال الموضعي أو الملامسة المنتشرة على سطح الجسم كله. وهنا يذهب بعض علماء النفس إلى أن الاتصالات الجنسية فيما بين الفتيات تكاد تكون ظاهرة عامة هي أكثر انتشارا مما قد تتوهم. ولكننا نميل إلى الاعتقاد - بناءً على بعض الإحصائيات والمراجعات التي لا تخلو من دقة علمية - بأن الصداقة التي تتم بين الكثير من المراهقات لا تتخذ بالضرورة طابعًا جنسيًا صريحًا. حقًا إن انتشار مثل هذه الصلات الجنسية بين الفتيات يختلف باختلاف البيئات والأجناس والعادات، ولكن ربما كان في استطاعتنا أن نقول بصفةٍ عامة أن الأصل في  معظم صلات "الجنسية المثلية" هو حافز الاتصال بالأم. فالفتاة التي تتعلق بصديقة لها إنما تعبر عن حاجاتها اللاشعورية إلى الحب الأنثوي، ذلك الحب الرقيق الذي عرفته الفتاة إبان عهد الطفولة. ولا يجب أن ننسى أن الميول الجنسية التي نجدها لدى الفتيات قد لا تنفصل عن ميولهن النرجسية: فإن إعجاب الفتاة بمفاتن جسم زميلتها إنما هو بمثابة انعكاس لإعجابها بنفسها، وتأكيد لعبادة الأنثى بصفةٍ عامة. صــ 86، 87

▬ وبينما تتخذ الرغبة الجنسية لدى الفتى صورة إيجابية عدوانية، نرى الفتاة لا تحلم قط بالاعتداء والاستيلاء، وإنما هي تحلم بالارتماء والاستسلام. وكثيرا ما يبدو "الجسم" للفتاة شيئًا هشًا ضعيفًا معرضًا للخطر في كل لحظة، فنراها تشعر بأنها مهددة في صميم كيانها، وأنها مجعولة للرجل يمتلكها ويسيطر عليها وينفذ إلى صميم وجودها! وإذ تحس الفتاة بأنها أنثى كاملة يمكن أن تصبح "امرأة"، فإنها قد تجزع لفكرة "الاتصال الجنسي" بشخصٍ من الجنس  الآخر. ولاشك أن معظم مخاوف الفتيات إنما ترتبط بفكرة "فض البكارة" و "نفاذ" عضو الرجل في صميم جهاز المرأة، وامتلاكه التام لجسدها باعتباره "موضوعًا يسيطر عليه ويتحكم فيه. وإذا كانت الفتاة تجزع لفكرة فض بكارتها، فما ذلك لأنها تعرف أن هذه العملية تقترن بجرحٍ وألم، ولكن لأنها تخشى هذا الجرح وذلك الألم باعتبارهما مفروضين عليها "من الخارج". وهذا ما عبرت عنه إحدى الفتيات بقولها "إنه لمن المفزع حقا أن تفكر الفتاة في أنه لا بد للرجل من أن "يخترقها" وإذن فإن ما تخشاه الفتاة ليس هو عضو الرجل في ذاته، بل فكرة "الاختراق" أو "النفاذ" باعتبارها منطوية على معاني الضعة والخضوع والانهيار! صــ 89

▬ بيد أن الفتاة سرعان ما تتقبل وضعها باعتبارها "أنثى" مجعولة للرجل، وبالتالي فإنها لن تلبث أن تفهم أن "الزواج" هو غايتها الوحيدة، وأنه لابد لها يومًا أن تلتقي بفتى أحلامها! حقًا إن الشاب هو الآخر كثيرا ما يفكر في "فتاة" أحلامه، ولكن الحب النسبة إلى الشاب ليس سوى مجرد رغبة جامحة تطوف به وتلح عليه، بينما هو بالنسبة إلى الفتاة صميم "وجودها" باعتبارها امرأة قد جعلت للزواج والأمومة. وهذا ما عبر عن نيتشه بقوله: "إن كل ما في المرأة لغز، وليس لهذا اللغز سوى الولادة... ليس الرجل للمرأة إلا وسيلة، أما الغاية فهي دائمًا: الولد... لقد خُلِقَ الرجلُ للحرب والقتال، وأما المرأة فإنه ليس ثمة لديها شيء سوى الحب والطفل... وتبعا لذلك فإن سعادة الرجل هي: "أنا أريد"، وأما سعادة المرأة فهي "هو يريد"." صــ 91

▬ لا زال كثير من علماء النفس يأخذون بالرأي القائل بأنه ليس ثمة أي فارق جنسي أصيل بين الرجل والمرأة من حيث شدة الحافز الجنسي. ولكن هذا لا يمنعنا من القول بأنه لما كان للفعل الجنسي بالنسبة إلى المرأة نتائج أخطر مما له بالنسبة إلى الرجل، فإن من الطبيعي للفتاة أن تكون أكثر ترددًا وأبطأ اختيارًا من الشاب، حينما يكون عليها أن تتخذ شريكا لها في الحياة.. صــ 97

▬ تربية الفتاة الدينية قد تصور لها الحياة الجنسية بصورة حيوانية، فتظل تعاني الكثير من المخاوف لشعورها بأن مجرد الاستمتاع بالعملية الجنسية هو اثم منكر، أمكننا أن نتصور لماذا كان "تكيف" المرأة مع الحياة الزوجية عملية عسيرة. وقد يحدث أحيانًا أن تظن الفتاة أن "الفعل الجنسي" هو من جانبها مجرد "خدمة" تؤديها للرجل، فسرعان ما يحول هذا الشعور بينها وبين "المتعة الجنسية"، خصوصًا إذا لم يوفق الزوج في أن يحقق لزوجه المتعة التي يحققها لنفسه. هذا إلى أن زواج الفتاة قد لا يكون وليد "حب" أو " علاقة عاطفية"، بل قد يكون مجرد "صفقة تجارية" أو لمجرد التخلص من "العزوبة" أو على سبيل كسب العيش بطريقة شريفة! صــ 100

▬ ربما كانت الصعوبة في دور الرجل براجعة إلى أنه في حاجةٍ إلى أن يمزج القوة باللطف، وأن يتغلب على مقاومة المرأة بالرفق، وأن يستعمل معها الأدب والذوق دون أن ينسيه الاحترام حرارة الحب! ونحن نعلم أن موقف المرأة في العادة خليط من المتناقضات: فهي تريد ولا تريد، وهي ترغب ولا ترغب، وهي تقاوم ولكنها لا تلبث أن تستسلم. وكل هذه العوامل النفسية المتناقضة تزيد من صعوبة مهمة الرجل، وتجعل "اللباقة" شرطًا أساسيا للزواج الناجح. صــ 103

▬ إن  فترة الحمل هي مرحلة العواطف المتناقضة، وهي الفترة التي تكثر فيها المخاوف النفسية، سواءً أكان مصدرها هو الشعور بالإثم، أم وجود بعض اضطرابات مازوشية في نفس المرأة تحول بينها وبين ترقب الطفل بسرور، أم تأثير بعض الرغبات القديمة المرتبطة بالمحارم Incest. ولما كان الرجل هو الشريك الطبيعي للمرأة في عملية إنجاب النسل، فإن كل ما يرتبط بالزواج من حب أو كراهية سرعان ما يمتد إلى شخصية الطفل، فتستنزل المرأة اللعنات على ذلك الوليد المسكين (مثلا) لمجرد أنه نتاج اتصال جنسي تم في ظروف أليمة، أو لمجرد أنها لم تستطع أن تتخلص منه حتى تمحو آثار صلة غير مشروعة...إلخ. صــ 138

▬ وهنا، في مرحلة سن اليأس، قد يتغير سلوك المرأة، فنراها تحاول أن تثبت في عنادٍ أنها لازالت شابه، وأن كل ما طرأ عليها من تغيرٍ لم يستطع أن ينفذ إلى صميم حياتها الجنسية! وإذا كان البعض قد سمى سن اليأس باسم "العهد الخطير"، فذلك لأن المرأة فيه قد تصبح مدعاة للسخرية، خاصًا حينما تأبى أن تعترف بالأمر الواقع، فتحاول أن تقلد الفتيات في سن المراهقة، كما يبدو بوضوح من سلوك هذا النوع من "النساء" المسنات اللائي دأب أصحاب "الفن الهزلي" على السخرية منهن بقسوة على خشبة المسرح. صــ 153

▬ هناك نساء أخريات لا يجدن في سن اليأس أي عزاء اللهم إلا بالالتجاء إلى حصن "الدين". وهنا قد تظهر المرأة اهتمامًا كبيرًا بمشاكل المصير والخلود وما بعد الموت، فتعود إلى قراءة الكتب المقدسة، وتهتم بممارسة الفروض والعبادات، وتلتجئ إلى رجال الدين تلتمس عندهم المعونة والنصح والقيادة الروحية. وقد لا تجد المرأة لديها من "الروح النقدية" ما تستطيع معه التمييز بين الغث والسمين، أو بين رجال الدين وأهل الشعوذة والمحتالين، فنراها تقع فريسة سهلة في يد بعض الأفاكين، خصوصًا وأنها لا تريد المنطق والحجة والدليل، بل هي تريد الإلهام والمعجزة والرؤى الخاصة! وليس من النادر أن تتحول المرأة المستهترة في سن الشيخوخة إلى عابدة زاهدة، فلا يعود لسانها يكف عن التمتمة بالأدعية ولصلوات، ولا تصدر في مختلف تصرفاتها إلا عن دوافع التضحية وبذل الذات. وهكذا يكون "سن اليأس" في هذه الحالة بمثابة حد فاصل بين فترتين هامتين من حياة المرأة: فترة التبرج والاستهتار، وفترة التعبد والاستغفار! صــ 155

▬ والواقع أن "سن اليأس" كثيرا ما يكون مصحوبًا ببعض أعراض التهيج الجنسي، خصوصًا لدى النساء المتزوجات، حيث قد يزيد من خطورة الموقف فتور النشاط الجنسي لدى الرجل، مما قد يترتب عليه عجزه عن إشباع تلك الحمية الجنسية التي تظهر فجأةً لدى زوجته. وحينما تجد المرأة نفسها بإزاء زوج فاتر خامد العاطفة، فقد تشتعل "الغيرة" في نفسها، إذ يخيل إليها أن زوجها قد انصرف عنها، أو أنه قد اتجه بعاطفته نحو امرأةٍ أخرى! صــ 157

▬ وهناك حصنٌ آخر قد تلتجئ إليه المرأة للاحتماء من صدمات "سن اليأس"، ألا هو "النشاط الاسترجالي". والحق أن "الذكورة" تقوم دائمًا في حياة المرأة بدور "صخرة الخلاص"، لأن التسامي العقلي الذي تقوم به المرأة حينما تلتجئ إلى احتراف مهنة هو الذي يحميها في هذه السن من تأثير كل صدمة بيولوجية. ولعل هذا السبب في أن سن اليأس قد يكون في حياة الكثيرات بمثابة لعهد ذهبي مليء بالنشاط والإنتاج. وهنا قد تكتسب المرأة بعض الصفات الرجلية، فنجدها تظهر الكثير من الوضوح، والموضوعية، والاعتدال في أساليب تفكيرها، كما قد تقترب في سلوكها من "رجال الأعمال" فتصبح عاملة حازمة لبقة ذات روح اجتماعية...إلخ، وليس أدل على تزايد النشاط العقلي للمرأة في هذه السن، من أن نساء كثيرات لم ينبغن في مجال تخصصهن إلا بعد بلوغهن لسن الستين. ولا شك أن تفرغ المرأة للكثيرة من ضروب النشاط الاجتماعي في هذه السن هو وليد انصرافها عن مشاغل الجنس وهموم البيت، بعد أن زالت عنها تبعات النوع! صــ 160

  • Digg
  • Del.icio.us
  • StumbleUpon
  • Reddit
  • RSS

العقل واللغة والمجتمع (جون سيرل - ترجمة: سعيد الغانمي)


• نحن نبتكر الكلمات لوصف الوقائع وتسمية الأشياء، لكن هذا لا يعني أننا نبتكر الوقائع أو الأشياء. ص43
• الشعور تسببه عمليات دماغية وهو سمة من مستوى أعلى للمنظومة الدماغية. ص87
• بالرغم أن الشعور هو ظاهرة بيولوجية كأية ظاهرة أخرى، فإن أنطولوجيته الذاتية، الحضورية، تجعل من المستحيل اختزاله إلى ظواهر غيابية موضوعية بالطريقة نفسها التي تُختزَل بها الظواهر الغيابية الأخرى كالهضم والصلابة.. ص9

===============================
▬ يكمن إغراء المثالية في أنها تزيل الفجوة بين الواقع والمظهر، وهي الفجوة التي تجعل من الشكية ممكنة. فالواقع يتكون من مظاهر نسقية. ولكن يجب أن أعترف بأنني أعتقد أن هناك سببًا أعمق يدعو إلى استمرار الاحتكام للنزعة المضادة للواقعية، وقد اتضح ذلك في القرن العشرين: فهي ترضي الدافع الأساسي للقوة. إذ يبدو من المقرف جدًا، نوعًا ما، أن نضطر إلى أن نكون تحت رحمة "العالم الواقعي". ويبدو من القبيح جدًا أن تُضطر تمثيلاتنا إلى الخضوع لمساءلة أي شيء سوانا. وهذا هو السبب في أن الناس الذين يصرون على الصورة المعاصرة من النزعة المضادة للواقعية ويرفضون نظرية المطابقة مع الحقيقة يسخرون في العادة من النظرة المقابلة لها. على سبيل المثال، يشير ريتشارد رورتي باستهزاء إلى "الواقع كما هو في ذاته". صــ 35

▬ يبدو لي أنه لا الثنائية، سواءً أكانت ثنائية الجوهر أو الخاصية، ولا المادية في أي شكل من أشكالها المتعددة تمتلك فرصة أن تكون صحيحة. وكوننا نستمر في طرح هذه الأسئلة ومحاولة الإجابة عنها بالألفاظ القديمة والمهجورة عن "العقلي" و "الفيزيائي" و "العقل" و "الجسم" ينبغي أن يكون مؤشرًا على أننا نرتكب بعض الأخطاء المفهومية الجسيمة حول كيفية صياغة الأسئلة وأجوبتها. فمن ناحية، تجعل الثنائية في كلا شكليها من وضع الشعور ووجوده أمرًا مُلغزًا بحق. على سبيل المثال، كيف ينبغي أن نفكر بأي نوع من التفاعل السببي بين الشعور والعالم الفيزيائي؟ إذا بمجرد أن يفترض الثنائي وجود عالم عقلي منفصل، فإنه لا يستطيع أن يفسر كيف يرتبط بالعالم المادي الذي نعيش فيه جميعًا. ومن ناحية أخرى، تبدو المادية واضحة الزيف: فهي تنتهي بنكران وجود الشعور وبالتالي بنكران وجود الظاهرة التي تتسبب بوجود السؤال في المحل الأول. هل هناك من مخرج؟ هل هناك من بديل عن هجير الثنائية ورمضاء المادية؟ أعتقد أن هناك بديلًا. صـ 76، 77

▬ لا أعتقد أننا مضطرون إما إلى ركوب الثنائية أو المادية. والنقطة التي يجب تذكرها هي أن الشعور هو ظاهرة بيولوجية شأنها شأن أية ظاهرة أخرى. صحيح أنه يتميز ببعض السمات الخاصة، ولا سيما سمة الذاتية، كما رأينا، غير أن ذلك لا يمنع الشعور من أن يكون سمة على مستوى أعلى للدماغ، تمامًا كما أن الهضم سمة على مستوى أعلى للمعدة، أو أن السيولة سمة على مستوى أعلى لمنظومة الجزئيات التي تشكل الدم. بوجيز العبارة، تتمثل الطريقة في الرد على المادية في الإشارة إلى أنها تتجاهل الوجود الفعلي للشعور. وتتمثل الطريقة في دحض الثنائية بمجرد رفض القبول بمنظومة المقولات التي تجعل من الشعور شيئًا لا بيولوجيًا، وليس جزءًا من العالم الطبيعي. صــ 83

▬ يتطلب نموذج الرؤية تمييزًا بين فعل الإدراك والشيء والمُدرَك. إذا رأيت هذا الكرسي، إذًا ففي الإدراك هناك تمييزًا بين الكرسي وتجربة الإدراك التي أدرك بها الكرسي... لكن حين أحسُّ بالألم، فلا أستطيع أن أميز الألم عن إحساسي بالألم. بعبارة أخرى، لا أستطيع أن أجري التمييز الذي يبيح لنموذج الرؤية أن يعمل، وهو التمييز بين تجربة الإدراك والشيء المدرك. لهذا السبب يبدو لي من الخطأ أن نفترض أن الطريقة الصحيحة لفهم حلاتنا الشعورية وكيفية معرفتنا تعتمد على نموذج الرؤية عن طريق ملكة خاصة بالإدراك الداخلي نسميها بـ "الاستبطان". صـ 111

▬ تركز الجزء الأكبر في نقاشنا للعقل، حتى الآن، على الشعور، وقد يوحي هذا التركيز بالانطباع أن العقل في جوهره ميدان للذاتية مغلق على ذاته. ولكن الدور التطوري الأساسي للعقل، على العكس من ذلك، يتمثل في ربطنا بطرق معينة بالبيئة، وبالناس الآخرين على وجه الخصوص. تربطني حالاتي الذاتية ببقية العالم، والاسم الذي يطلق على تلك العلاقة هو "القصدية". وتشمل هذه الحالات الشعورية الاعتقادات والرغبات، والقاصد والإدراكات، وكذلك ضروب الحب والمكاره، والمخاوف والآمال. فـ"القصدية"، إذا شئنا التكرار، هي المصطلح العام لجميع الأشكال المختلفة التي يمكن أن يتوجه بها العقل، أو يتعلق، نحور الأشياء أو الحالات الفعلية في العالم. صــ 128

▬ هناك واقع موضوعي يوجد بمعزلٍ عنا بالكامل، توجد فيه الأشياء على نحوٍ مستقل عن الملاحِظ، وتكون أحكامنا على ذلك الواقع حقيقية أو زائفة استنادًا إلى الطريقة التي نمثل بها كيف توجد الأشياء بدقة. ويتألف ذلك الواقع من دقائق فيزياوية في حقول القوة. وتنتظم الدقائق في العادة في منظومات أكبر. وإحدى تلك المنظومات هي منظومتنا الشمسية الصغرى، بما فيها كوكبنا الأرضي بوصفه نظامًا فرعيًا. وعلى سطح الكوكب الذي نعيش فيه، فإن الأنظمة التي تتكون في الغالب من نويات قائمة على الكاربون هي الأنظمة الحية التي تشكل أعضاءً للأنواع التي تطورت وارتقت عبر حقب زمنية طويلة. بعض هذه الأنظمة الحية هي الحيوانات، وبعض الحيوانات لديها أجهزة عصبية، وبعض الأجهزة العصبية يمكن أن تتسبب في الشعور وتغذيته. وفي العادة فإن الحيوانات الشعورية الواعية تمتلك القصدية.. وبمجرد أن يكون نوع معين قادرًا على الشعور والقصدية، فإن القصدية الجمعية ليست بالخطوة البعيدة. وإني ليذهب بي التخمين إلى أن جميع الأنواع الحيوانية الواعية القصدوية تمتلك صورة من صور القصدية الجمعية، غير أني لا أعرف ما يكفي عن الإثنولوجيا والبيولوجيا الحيوانية، لكي أجعل ذلك أكثر من مجرد تخمين. ومع القصدية الجمعية يمتلك النوع تلقائيًا وقائع اجتماعية وواقعًا اجتماعيًا. فالشعور والقصدية جزءان واقعيان مستقلان عن الملاحظ من العالم الواقعي، لكنهما يعطيان القدرة على خلق ظواهر تعتمد على الملاحظ. وتكمن الوظائف بين هذه الظواهر التي تعتمد على الملاحظ. ويمتلك كثير من الأنواع القدرة على إسناد الوظائف للأشياء. لكن القدرة التي يتفرد بها الإنسان هي القدرة على فرض وظائف الوضع، وبالتالي على خلق الوقائع المؤسساتية. وتتطلب وظائف الوضع وجود اللغة أو في الأقل وجود قدرة على الترميز شبيه باللغة. صــ 198، 199

  • Digg
  • Del.icio.us
  • StumbleUpon
  • Reddit
  • RSS