الأصولية والعلمانية (مُراد وهبه)

• إن للعقل خاصية متميزة في أنه محكوم بمواجهة مسائل ليس في الإمكان تجنبها. فهي مسائل مفروضة عليه بحكم طبيعته. بيد أن العقل عاجز عن الإجابة عنها. (كانط)
• إن بزوغ الأصوليات ليست مجرد رد فعل ضد الرؤى الكونية الجديدة التي تهدد تراثها "المقدس"، بل هي تهدف إلى تشكيل العالم استناداً إلى مقولات ثلاث: العنف والإرهاب والثورة، وإلى السيطرة على التعليم والإعلام وتأسيس مدارس ومعاهد أصولية.
• إن كلاً من الرأسمالية الطفيلية والأصولية الدينية مدمر لحاضرة العصر، وحيث أن كلاً منهما مناقش للآخر فيحق النا القول بأن ثمة علاقة جدلية بينهما، أي علاقة يمكن أن يقال عنها أنها تعبير عن وحدة وصراع الأضداد.
• إن الأصولية من حيث هي نظرية قد وُلِدت لسد الفراغ الأيديولوجي الذي نشأ عن الأبنية التقليدية، وعن سقوط النماذج المستوردة من الغرب.

=======================================
▬ في القرن الخامس قبل الميلاد أنكر أنكساغوراس الطبيعة الإلهية للأجرام السماوية. وذهب إلى القول بأن القمر أرض فيها جبال ووديان، وأن الشمس والكواكب أجرام ملتهبة، لا تختلف طبيعتها عن طبيعة الأجسام الأرضية. ولم يطق ملاك الحقيقة المطلقة مثل هذا القول الذي قاله أنكساغوراس لاعتقادهم أن كل ما هو سماوي فهو إلهي، وأن من يتنازل عن مثل هذه الأمور بأسلوب علمي هو مجرم في حق الدولة. واتهموه بالإلحاد  فاضطر إلى مغادرة أثينا حيث كان يقيم ويتفلسف. ثم قدم إلى أثينا بروتاغوراس حوالي عام 450 ق.م ونشر كتاباً أسماه "الحقيقة" وردت فيه العبارة: "الإنسان مقياس الأشياء جميعاً". ومعنى هذه العبارة أن الحقيقة نسبية بنسبية الإنسان. ثم رتب على هذه العبارة عبارة أخرى هي قوله: "لا أستطيع أن أعلم إن كان الآلهة موجودين أم غير موجودين. فإن أموراً كثيرة تحول بيني وبين هذا العلم أخصها غموش المسألة وقصر الحياة". فاتُهم بالإلحاد وأُحرقت كتبه، وحكم عليه بالإعدام، ولكنه فر هاربا. أما سقراط فكان يعتقد أن حكمته تقوم في علمه بجهله بينما غيره جاهل يدعي العلم. فمضى يحاور السياسيين في حلقات واسعة، فلا يلبث أن يبين لهم أنهم لا يعلمون شيئاً، وأن ما يعلمونه إما ظن، وإما عن إلهام إلهي، وكلاهما مباين للعلم، فاتهموه بأنه ينكر الآلهة، ويفسد الشباب، وحكم عليه بالإعدام، وقبل سقراط الحكم. وفي النصف الأخير من القرن الثاني للميلاد نشأت طائفة من الشكاك بزعامة سكستوس امبيريقوس، أي سكستوس التجريبي. جاء في أحد مؤلفاته أن المبدأ الأساسي للمذهب الشكي يدور على أنه: "لكل حجة حجة مضادة لها" ثم يستطرد قائلاً:"إننا نعتقد أن من لوازم هذا المبدأ الوصول إلى نقطة نمنع فيها عن أن نكون دوجماطيقيين". ومعنى ذلك على حد قوله أن "الشاكُ يرفض الدوجماطيقية" والغريب في أمر سكستوس وأصحابه أن ترجمة مؤلفاته قليلة ومن الصعب العثور عليها. وبسبب جهلنا بنصوص هذه المدرسة الشكية أُفرغ لفظ الشك من مضمونه. وأغلب الظن أن جهلنا بالنصوص مردود إلى سلطان ملاك الحقيقة المطلقة، أي الدوجماطيقيين..... صــ13 ، 14

▬ يمكن القول بأن الأصولية، أياً كانت سمتها الدينية، مسيحية أو إسلامية أو يهودية، أو أية ملة أخرى، تمزج المطلق بالنسبي، والحقيقة الأبدية بالحقيقة العابرة، وبذلك تدافع عن حقيقة لاهوتية ماضوية، وكأنها رسالة أبدية موجهة ضد حقيقة لاهوتية راهنة، فتعجز عن التعامل مع الوضع الراهن، ليس لأنها مجاوزة لهذا الوضع ولكن لأنها تتحدث عن وضع ماضوي فتمنح مصداقية أبدية لرؤية نسبية. وفي هذا السياق تصبح الأصولية ممهدة لما أسميه: (صراع المطلقات). وأقول الأصولية من غير ذكر للسمة الإسلامية: لأن هذه هي الأصولية أيا كانت سمتها الدينية. وصراع المطلقات لا تستقيم معه الدعوة إلى سلام العالم. فسلام العالم ليس ممكناً إلا بسلب الدوجما من الدين، أي نفي الدوجماطيقية. وهذا النفي ليس ممكناً إلا بنفي علوم العقائد بسبب أن مفهوم الحرب كامن في هذه العلوم. ومن هنا فإن حوار الأديان، إذا أقيم على أسس هذه العلوم، محكوم عليه بإفراز الأصولية الدينية. ذلك الحوار يفترض التسامح، أي يفترض مشروعية الرأي المخالف. فإذا ارتقى الرأي والرأي المخالف إلى مستوى المطلق، تحول الحوار إلى نقيضه، أي إلى صراع، لأن المطلق بحكم طبيعته، لا يقبل التعدد. والمفارقة هنا أن تعدد المطلقات مهدد للمطلقات. ومن شأن هذا التهديد أن يقضي مطلقٌ على باقي المطلقات - وهذا هو منطق حوار الأديان وهو أقوى من القصد الطيب في الحوار. صــ 40

▬ [...] بيد أن هذا الانتقال كان، في جوهره، تعبيراً عن نقلة فكرية يمكن تحديدها بعام 1543، وهو العام الذي صدر فيه كتاب من تأليف نيقولا كوبرنيك بعنوان "في دورات الأفلاك السماوية". وهذا التاريخ يمكن أن يُعتبر حداً فاصلاً بين نهاية العصر الوسيط وبداية العصر الحديث، إذ هو أعمق من حادثة استيلاء الأتراك على القسطنطينية أواكتشاف كولومبوس لأمريكا. ذلك لأنه يرمز إلى نهاية عالم ومولد عالم جديد. فبفضل كوبرنيك، لم يعد الإنسان مركزاً للكون، وتوقف الكون عن الدوران حول الإنسان. وقد عبير كوبرنيك عن ذلك حين قال إن بقاء أكبر الأجرام ثابتاً على حين تتحرك حوله الأجرام الصغرى أفضل من دوران الأجسام حول الأرض، لأننا إذا افترضنا الأرض متحركة وهي المكان الذي نشاهد منه الحركات السماوية حصلنا على صورة للعالم أبسط من الصورة المبنية على افتراض الأجرام السماوية هي المتحركة. وهكذا لم يعد الإنسان مركزاً للكون، ولم يعد الكون متصوراً على دروانه حول الإنسان. وهكذا (اجتث كوبرنيك الأرض من جذورها ورماها في السماء). صــ 46


▬ ومشكلة الأصوليين تدور على أنهم يريدون تحويل ما هو تاريخي إلى ما هو "منطقي" بمعنى أن لديهم اعتقاداً راسخاً هو أن الإسلام يقدم لنا أجوبة عن جميع الأسئلة الهامة الخاصة بالشئون الدنيوية بغض النظر عن الظروف التاريخية. ولهذا فإن موقف الأصوليين من العلمانية هو أنها مرفوضة ليس فقط من الزاوية الدينية بل أيضاً من الزاوية المعرفية. وفي عبارة أخرى يمكن القول بأن موقفهم يدور على أن "معرفة" كيفية تنظيم الشئون الدنيوية مشتقة من "المعرفة الدينية". وإذا أطلقنا على المعرفة أنها "معرفة علمية" فمعنى ذلك أن أساس معرفة الإنسان العلمية يكمن في المعرفة الدينية. صــ 73

  • Digg
  • Del.icio.us
  • StumbleUpon
  • Reddit
  • RSS

الإسلام والعلم .. الأصولية الدينية ومعركة العقلانية [برويز بيود - ترجمة (محمود خيال)]


• يرتبط التقدم العلمي ارتباطاً وثيقاً بالمعتقدات ولا يمكن الفصل بينهما.
• دفعت الحضارة الإسلامية ثمناً فادحاً على مر التاريخ، بسبب فشلها في الاستحواذ على مقاليد العلم، مما تسبب في تراجعها وتخلفها، مقارنة بتقدم الغرب وارتقائه.
• إن الاستعمار الجديد كان قد أخذ العزم في مخططه، على إدخال المدنية والحضارة إلى المجمعات البدائية، مدمراً في طريقه الحضارتهم التقليدية، ومحدثاً بذلك جراحاً عميقة لم تلتئم آثاراها حتى الآن.
• لمباشرة البحث في فهم للعملية العلمية وتطورها، يحتاج الإنسان إلى تفهم أساسي للبناء العلمي، وماهية الفلسفة العلمية، وآليات عمل العلم الحديث، ومدى اعتماده على طبيعة ونوعية النظام التعليمي، وماهية الأفكار والقيم التي ينتجها، حيث تعد هذه العوامل بدورها، مسألة حيوية، لا غنى عنها إذا قُدر للعلم أن يزدهر.
• يجوز تشبيه العلم، بمبنى دائم التطور، لا تنقطع فيه أعمال التجديد، فالبناء دائماً في اتساع، مضيقاً إلى نفسه أجزاء وملحقات كثيرة. ناقداً لنفسه، ومهدماً لنفسه أحياناً.
• أطاحت الثورة العلمية في طريقها لهدم نظام القرون الوسطى، بالتسلط المركزي وهيمنة الكنيسة. ليس هذا فقط، بل إنها غيرت أيضاً مفهوم الإله في العقيدة المسيحية بشكل جذري.
• طالما يؤمن المؤمنون باستحالة وجود أي خطأ في القرآن بأي طريقة كانت، فكل المحاولات الهادفة لإثبات طبيعته الإلهية فهي محاولة مغرضة من الأساس.
• من الخطورة بمكان تعليق الإيمان بالحقيقة الأزلية، بنظريات العلم المتغيرة، فمفهومنا للكون قد يتغير جذريا مع الوقت، كما أن العلم لا يستحي من هجر نظرياته القديمة واعتناق ما هو أحدث. أليس مثيراً للخراب، إرساء المسألة العقادئية على تلك الرمال المتحركة ؟
• وقعت في شوارع البصرة وبغداد، خلافات دموية بين أنصار القدرية من ناحية وأنصار الجبرية من ناحية أخرى، ظهرت المعتزلة من وسط تلك الخلافات كفرقة من العلماء العقلانيين التحليليين، كان تأثير هذه الحركة قوياً على الفكر والمجتمع الإسلامي، وترددت أصداؤها عبر القرون..
• يبدو واضحاً أن الفكر العقلاني والميول المدنية ذات الجذور اليونانية، التي أشعلت جذوة العلم والتعليم في المراحل الأولى للإسلام، قوبلا بالمعارضة والتحدي في نهاية الأمر. لم يمض وقت طويل، حتى ساوت الأصولية بين "علوم الأوائل" والزندقة، كما أدينت الفلسفة.
• بالرغم من أن العرب أدخلوا الورق إلى أوروبا، إلا أنهم تجنبوا استخدامه في طباعة الكتب لمدة حوالي ثلاثة قرون. حيث صورت لهم الوساوس أن نسخ لفظ الله بطريقة آلية، يشوبه الكثير من عدم الاحترام (أنظر مرجع 10  اللاحق لـ صــ 219 .. يشير طيباوي إلى..).
• يا فتى، كم سهرت الليالي، مردداً العلم، منكباً على الكتب، ناكراً للنوم على نفسك. لا أدري السبب في هذا كله، فإن كان لإدراك غايات دنيوية، وضمان زهوها، والحصول على شرفها وجلالها، أو للتفوق على زملائك وما ماثل ذلك، فالويل لك، الويل لك". (أبو حامد الغزلي - مرجع 25 اللاحق لــ صــ 226)
• من الحقائق المدهشة - مع استثناء بعض الحالات القليلة - أن معظم الأساتذة سواء في الدين أو في العلوم الثقافية، كانوا من غير العرب، فإذا تصادف أن كان منهم من له أصول عربية، فيلاحظ أنه غير عربي اللسان والنشأة وحتى معلميه كانوا من غير العرب. هذا بالرغم من أن الإسلام دين عربي ومؤسسه كان عربياً. (ابن خلدون)
• الحداثة في حد ذاتها هدف، يجب الكفاح من أجله، فهي جزء لا يتجزأ من طبيعة الإنسان العقلانية الفطرية، وليست من المستوردات الاستعمارية.

=======================================
[جزء من مقدمة المترجم]

• لماذا لم تحدث ثورة علمية في العالم الإسلامي ؟
• هناك علم واحد عالمي، ومشاكله وأشكاله عالمية، ولا يوجد ما يُسمى بالعلم الإسلامي، كما لا يوجد ما يُسمى علم هندي، ولا علم يهودي، ولا كونفوشيوسي، ولا مسيحي.
• لقد كان على العرب الخليجيين، الغارقين في الثراء الكبير، أن يأخذوا على عاتقهم استثمار تلك الثروات في دعم بناء العلم في كل العالم الإسلامي، وما زال بإمكانهم فعل ذلك لكنهم لم يفعلوا، ولا حتى مع أشقائهم المسلمين العرب.

▬ يأتي هذا الكتاب في وقت يعاني فيه العلم في مجتمعاتنا من أزمة طاحنة، فالمدارس محشوة بالتلاميذ، والجامعات والمراكز البحثية مكتظة بأصحاب ألقاب الدكترة والأستذة، وأما الإنتاج العلمي الفعلي فحدث ولا حرج. يلاحظ في ذات الوقت تصاعد أسهم التيارات الإسلامية الأصولية وتغلغلها في مختلف قطاعات المجتمع وسيادة خطابها على أجهزة الإعلام الرئيسية في كثير من الدول العربية. تخرج مناقشة هذا الموضوع وما يتعلق به على نطاق هذا الكتاب اللهم إلا فيما ترفعه تلك التيارات وأتباعها من مقولات عن أسلمة العلوم (وتعريبها) وكثر الحديث عن المعجزات العلمية في التراث وغير ذلك من عقد مؤتمرات لا تنتهي عما يسمونه بالإعجاز العلمي في القرآن والسنة والعلاج ببول الجمال..إلخ. وهو ما أصبحت كبرى الصحف وقنوات الإذاعة والتليفزيون تفرد له مساحات واسعة من صفحاتها ووقتها ولا تخصص في المقابل إلا أقل القليل لعرض الآراء العلمية السليمة الأخرى، التي لا ترى في هذه الفوضى إلا نوعاً من الدعوة للتخلف المدمر لحاضر ومستقبل أي مجتمع معاصر. صــ9
=======================================
الكتاب...

إن العلم الحديث، لم يسمح للكنيسة الكاثوليكية الرومانية، بنسيان فظائعها الماضية، ولعل أكثرها تعبيراً هي محاكمة جاليليو وإدانته، وإجباره على التنازل عن آرائه العلمية. ولقد كان حقاً حدثاً مشهوداً، ذلك الذي وقع في التاسع من مايو 1983، ففي احتفال خاص بالفاتيكان، أصدر البابا يوحنا الثاني، ما يفيد بالتأكيد، بأنه أول اعتذار رسمي: "إن تجربة الكنيسة، في أثناء، وبعد مسألة جاليليو، قد أدت إلى موقف أكثر رشداً...فقط من خلال الدراسة الدءوبة، المتواضعة، يتسنى لها (الكنيسة) أن تتعلم كيف تفصل ما بين لزوميات الإيمان، ومعطيات الأنظمة العلمية في وقت ما". جاء الاعتذار متأخراً 350 عاماً، كما أنه يغفل أكثر مما يُبدي ويقر. وعلى أية حال، فمن أجل إعلان نوايا قداسة البابا الطاهر، يمكننا جميعاً أن نقول بإخلاص عميق: آميــــن. صــ78

▬ عُقُد مؤتمر في الكويت في عام 1983 وحضره رؤساء 17 جامعة عربية. كان الهدف المزعوم للمؤتمر، تحديد وإزالة المعوقات التي تواجه تطوير العلم والتنكولوجيا في العالم العربي. لكن نقطة واحدة هيمنت على أعمال المؤتمر، وهي: هل العلم إسلامي؟. كانت وجهة نظر السعوديين أن العلم يتعارض مع المعتقد الإسلامي، حيث أن العلم يميل إلى إفراز نزعات مثل المعتزلة، كما أنه مخرب للعقيدة، وهو دنس لأنه مدني (علماني، Secular)! وبهذا في رأيهم، فإنه يتعارض مع المعتقدات الإسلامية. وعلى ذلك أوصى السعوديون بأنه، بالرغم من أهمية تنمية التكنولوجيا، لمنافعها الواضحة، إلا أن العلم الخالص، فيجب عدم الإلتفات إليه. صــ84

▬ يمتد النظام الفلكي البطليموسي، ليستلهم منه الشيخ عبد العزيز بن باز، من السعودية، وهو الرئيس المشهور بجامعة المدينة، الحاصل على جائزة الملك فيصل الدولية لخدمة الإسلام في عام 1982، وهو الذي ألف كتاباً بعنوان "جريان الشمس والقمر وسكون الأرض". يقول الشيخ الموقر: إن الأرض مركز الكون، وإن الشمس والقمر يدوران حولها. جدير بالذكر، أنه قام في كتاب سابق له، بتهديد المختلفين معه في الرأي، بفتاوى التكفير المفزعة، إلا أنه، في الحقيقة، لم يكرر دعاوى التكفير في كتابه الأحدث. والآن يعد الشيخ بن باز من الشخصيات المرموقة في المملكة العربية السعودية، حيث تؤخذ آرائه هناك بمنتهى الجدية. صــ116

▬ [...] كذلك ينقد مولانا أبو العلاء مودودي مؤسس الجماعة الإسلامية ومن أكثر المفكرين الإسلاميين تأثيراً في أيامنا هذه، حيث ينتقد العالم الغربي بمرارة فيقرر في محاضرة  له عن التعليم الإسلام أن الجغرافيا والفيزياء والكيمياء وعلم الأحياء وعلم الحيوان وعلم الجيولوجيا وعلم الاقتصاد، تُدَرس بدون مرجعية إلى الله ورسوله، وعليه فهي (تلك العلوم) مصدر الشطط والانحراف عن الحق: "بتأمل طبيعة التعليم الحديث وعاداته، يتضح على الفور تعارضه مع طبيعة التعليم الإسلامي وعاداته، فأنتم تُعلّمون العقول الشابة الفلسفة وتهدفون لشرح الكون بدون إرجاع الأمور إلى الله، تعلموهم العلم الخالي من المنطق والعابد للحواس. تعلموهم الاقتصاد والقانون وعلم الاجتماع وكلهم مختلفون عن تعالم الإسلام في الروح والمادة، ثم تتوقعون منهم بعد ذلك أن يكون لهم وجهة نظر إسلامية ؟" ولتجنب هذا الشر يقدم مولانا حلاً مثالياً بتحويل كل التعليم إلى التعليم الإسلامي فيكتب: "يقع اللوم - لهذه الحالة المؤسفة - على الفصل بين الديني والدنيوي في التعليم، وكما سبق وأشرت فهذا الفصل غير إسلامي برمته. وفي ظل النظام الجديد فليس مطلوباً إضافة منهج جديد عن الدين، وبدلاً من ذلك فإن جميع المقررات يجب أن تتحول إلى مقررات دينية". صــ 128

 ▬ [...] وبوحي من حكمة مولانا، قام معهد الدراسات السياسية في إسلام أباد - وهو بمثابة إشعاع ثقافي للجماعة الإسلامية - بمهمة إعادة تعريف العلم، ووضع خطوطاً إرشادية عامة لكتابة المراجع المناسبة للعلوم المؤسلمة. وفيما يلي عينة من توصيات المعهد: 1- لا تُذكر ظاهرة أو حقيقة دون إرجاعها إلى المشيئة الإلهية، فمثلاً في كتاب العلوم لتلاميذ الصف الثالث لا يجب سؤال الطفل عن: ماذا يمكن أن يحدث إذا لم يتناول الحيوان الطعام؟ وبدلاً عنه يكون السؤال: ماذا يمكن أن يحدث إذا لم يعطِ الله الطعام للحيوان؟ 2- يجب قصر تأليف مراجع العلوم على من يؤمن بقوة بأن الإسلام هو الشفرة الوحيدة للحياة وممن لهم دراية واسعة بالقرآن والسنة ولهذه لنقطة أن تحظى بكل الاهتمام. 3- لا يجب إرجاع "التأثير" إلى أي مسبب مادي؛ فهذا الطريق يقود إلى الإلحاد، فمثلاً تقول التوصيات: يكمن السم في بعض العنواين الفرعية في الكتب مثل "الطاقة تُحدث تغيرات" لأنها تُعطي الانطباع بأن الطاقة هي المصدر الحقيقي بدلاً من الله. كذلك فليس من الإسلام أن نقوم بتعليم أن الماء ينتج بطريقة أوتوماتيكية من خلط الأوكسجين والهدروجين. فالاسلوب الإسلامي يقول: يتولد الماء بمشيئة الله، عندما تقترب ذرات الهيدروجين من ذرات الأوكسجين. 4- الفصل الأول من أي كتاب وليكن كتاب الكيمياء، فلا بد وأن يكون عنوانه "القرآن الكريم والكيمياء" وكل فصل بعد ذلك يجب أن يبدأ بما يناسبه من آية قرآنية أو حديث. 5- لا يجب تسمية أية قوانين أو قواعد باسم أشخاص (علماء) فمثلاً يعتبر ذكر قوانين نيوتن أو بويل..إلخ، ممارسة غير إسلامية، لأن هذا مساو للشرك فتسمية القوانين بهذا الشكل يعني الإنطباع أن القوانين خُلقت بالعلماء بدلاً من مجرد اكتشافها. 6- يجب إدخال الله في حصص تعليم العلوم "يجب على مراجعنا العلمية أن تعرض مسألة الوجود الأزلي والآخرة، فدراسة هذه المواضيع يجب النظر إليها كدراسات علمية وليس على أنها من الإسلاميات". 7- يجب استعمال كتاب مولانا مودودي "تفهيم القرآن" في بداية مقرر علم الحيوان للاسترشاد به.. 8- يجب إسناد مولد كل العلوم إلى الحقبة الإسلامية، فالفيزياء النووية دين بجذورها إلى ابن سينا، وكيمياء جابر بن حيان إلخ وأما اليونانيون فلا يستحقون أي تقدير فهم لم يعرفوا شيئاً عن العلن التجريبي. صــ 129 - 130

▬ تؤدي الرغبة الشديدة في إرجاع كل نواحي العلم إلى مختلف النصوص الدينية، إلى الاضطرار للقيام ببعض التمارين العقلية الطريفة. فها هو ذا، ج.ف. نارليكار الفلكي الهندي المحترم يسجل ما حدث في الوقت الذي شاعت فيه نظرية خلق الكون في حالة ثابتة مع الزمن (Steady state theory of creation) حيث قام رجال الدين الهندوس بجمع أدلة نصية مقدسة عديدة لإظهار التوافق الكامل بين النظرية ونصوص الـ "فيدا" المقدسة. على أية حال لم تصمد النظرية طويلاً وتم الاستغناء عنها وحلت محلها نظرية الانفجار الكبير. وبلا أي شعور بالخجل أو الهزيمة، سرعان ما وجد رجال الدين الأصوليون عبارات أخرى من الفيدا تتماشى مع نظرية الخلق الجديدة ليعلنوها مرة أخرى بكل زهو واعتزاز باعتبارها انتصار آخر للحكمة القديمة. حاول بعض المفسرين والمؤليين للقرآن القيام بمحاولات مشابهة لما سبق ومن أبرز هؤلاء وأكثرهم شهرة نجد موريس بوكاي...صــ152

▬ بدأت التصفية المادية الجادة للمعتزلة، بالإضافة إلى الشيعة، بتولي المتوكل للخلافة، كان المتوكل من السنيين المحافظين، وكان كما وصفه أمير علي "كان سكيراً فظاً، متحالفاً مع القضاة والفقهاء". من ثم تم ابعادهم من جميع المناصب الحكومية كما تم اتهامهم بالهرطقة كما تعرضوا للتعذيب والإبادة الجماعية. فر الأساتذة والعلماء من بغداد نظراً لأن معظمهم كانوا من العقلانيين. وهكذا انتهت أكبر محاولة في الإسلام للتوفيق بين الوحي والمنطق. باستثناء بعض المحاولات الفردية في القرن التاسع عشر، على أيدي دعاة الإصلاح في الإسلام، فقد تم الفصل الكامل بين ما هو ديني، وما هو مدني (علماني) منذ ذلك الحين. صــ216

▬ عندما سُئل أبو الصلاح (المتوفى 1251) عن مدى السماح بدراسة أو تدريس الفلسفة والمنطق، أصدر الفتوى التي يصف فيها الفلسفة بأنها: "مؤسسة الحماقة، وسبب كل الخلط، وكل الأخطاء، وكل الهرطقة. فالشخص الذي يشغل نفسه بها - وهي مدعومة بالبراهين البراقة - يصبح كأعمى الألوان، فلا يرى جمال قانون العقيدة. أما فيما يتعلق بالمنطق، فهو وسيلة للوصول إلى الفلسفة. على ذلك، فإن الوسائل المؤدية إلى شيء فاسد، فهي أيضاً فاسدة... على كل من يحاول أن يبرهن على تتبع تعاليم الفلسفة، أن يواجه أحد الاحتمالين "فإما القتل بالسيف، أو التحويل إلى الإسلام، ذلك حتى يمكن حماية الأرض واستئصال آثار هؤلاء الناس وعلومهم". صــ 221

▬ أصيب ابن خلدون، المحافظ في بعض نواحي معتقداته، بالفزع من ميول المسلمين السلبية نحو التعليم، فكتب: ".. ولما فُتحت أرض فارس ووجدوا فيها كتباً كثيرة، كتب سعد بن أبي وقاص إلى عمر بن الخطاب ليستأذنه في شأنها وتلقينها للمسلمين. فكتب إليه عمر أن اطرحوها في الماء، فإن يكن فيها هدى فقد هدانا الله بأهدى منه، وإن يكن ضلالاً فقد كفانا الله، فطرحوها في الماء أو النار، وذهبت علوم الفرس..". صــ222

▬ رأى الغزالي عدم الاعتقاد بأن العالم يجري حسب قوانين الفيزياء، فإن الله يُفني العالم ثم يعيد خلقه في كل لحظة من الزمن. على ذلك فلا يمكن وجود تواصل بين أية لحظة وأخرى، بالتالي لا يمكن افتراض أن أي فعل سيؤدي بالتأكيد إلى إحداث أثر معين. على العكس أيضاً فمن الخطأ إرجاع أي ظاهرة إلى أسباب فيزيائية، ففي رأيه أن كل الظواهر والأحداث إنما تحدث كنتيجة مباشرة للتدخل الإلهي الدائم في العالم. يضرب الغزالي مثلاً فيقول خذ قطعة قطن تحترق بالنار، يستنتج الفلاسفة العقلانيين، المهرطقين أن النار هي التي تحرق القطن، ولكن: "نحن ننفي ذلك بقولنا: أن الفاعل في الاحتراق هو الله بخلقه السواد في القطن وفصله لأجزائه، كما أن الله هو الذي جعل القطن يحترق، وصنع ردماده، إما بواسطة ملائكته أو بدونهم. ذلك لأن النار في حد ذاتها جسم ميت وليس لها فعل، ثم ، أين الدليل على أنها السبب؟. حقاً، ليس للفلاسفة دليل سوى ملاحظة حدوث الاحتراق عند ملامسة القطن للنار. تثبت تلك الملاحظة فقط تزامن الأحداث، لا سببيتها، وفي الحقيقة فلا سبب إلا الله". صــ 223، صــ224

▬ فيما يتعلق بحكم الأساتذة والعلماء المسلمين، فلا تختلف فظاظة وخشونة الأصوليون في الأزمنة الغابرة، عنها في أيامنا هذه، حيث نشرت إحدى المجلات الصادرة في لندن بتمويل سعودي، مقالاً عاصفاً جاء فيه: "إن قصة مشاهير العلماء المسلمين من القرون الوسطى، كالكندي والفارابي، وابن الهيثم، وابن سينا، توضح أنه إذا وضعت مسألة كونهم من المسلمين جانباً، فلن يبقى فيهم ولا في أعمالهم شيء يمت للإسلام بصلة. على العكس، فقد كانت حياتهم - على وجه الخصوص - لا إسلامية. أما إنجازاتهم في الطب والكيمياء والفيزياء، والرياضيات والفلسفة، فما هي إلا امتداد طبيعي ومنطقي للتعاليم اليونانية. (مرجع9). كتب محمد كاليمار رحمن، وهو هندي مسلم في إحدى المجلات المتخصصة في العالم الإسلامي، شيئاً مماثلاً: "كان معظم الفلاسفة إما من المعتزلة أو من الملاحدة. كثير منهم مارس الموسيقى، والتنجيم والسحر، وكلها إما محرمة أو مكروهة في الإسلام.... الرازي لم يؤمن بالوحي، والفارابي اعتمد على المنطق وحده - لا الشريعة - للتفرقة بين الخير والشر. أما الكندي فلم يعترف بصفات الله، وأخيراً ابن سينا الذي لم يؤمن بالبعث... هكذا حدثت خسارة المجتمع تدريجياً للقيم الإسلامية. (مرجع 10). إن تواصل الخط الفكري بين الأصولية الحديثة والقديمة، واضح تماماً. إذ يُلاحظ أن مرور كل تلك القرون، لم يسفر عن العفو عن أي من فلاسفة الإسلام. كذلك يلاحظ أسلوب رفض إنجازاتهم باعتبارها كلها " امتداد طبيعي ومنطقي للتعاليم اليونانية"، وهو موقف في الحقيقة، مشابه إلى حد كبير لازدراء أبناء الغرب للإنجازات العلمية الإسلامية. على فرض أن أحداً من غير المسلمين، زعم بأن العلم ما هو إلا استرجاع للعلوم اليونانية، فكان يُتوقع أن يهاجمه المسلمون بغضب شديد، أما وأن الزعم قادم في الأساس من زعماء حماة العقيدة، فلا عجب إن حظيت إهاناتهم للعلم الإسلامي، بأقل قدر من الاهتمام. صــ 239

▬ من الأفضل، بدلاً من التخطيط لمجتمع وهمي فاضل، الاهتمام بحل جزئيات المشاكل المطروحة على الساحة، واحدة تلو الأخرى، بطريقة مرتبة وعقلانية، وواقعية. يتطلب الوعي باستحالة وجود حلول مثالية شاملة، درجة عالية من النضج على مستوى المجتمع وعلى مستوى الأفراد. حيث أن السماحة الفكرية والعقائدية، لا يمكن وجودها إلا في المجتمعات الناضجة، التي تستطيع أن تمنح مواطنيها القدر اللازم من الحريات... لا بد من محاربة الميول التي تخلط بين التحديث والتغريب (نسبة إلى الغرب) حيث كثر الاستخدام الخاطيء للفظين، باعتبارهما مترادفين يحملان نفس المعنى، فليس من الضروري أن يكون غربياً كل ما هو متمدين وحديث. كذلك ليس من الضروري الفصل بين الحداثة والتقاليد. صــ 277


▬ تقول الحقيقة التي لا خلاف عليها إن العلم الحديث، علم مدني (علماني) في طبيعته، سيان إذا قبل بعض الناس بذلك أو رفضوه، ثم إن التيقن من الحقائق العلمية لا يحتاج إلى اللجوء إلى السلطة المقدسة، فوجود هذه السلطة لا يتأكد ولا ينتفي. على أية حال، لا يمكن إنكار وجود بعض فرادى العلماء من المتدينين بشدة ممن تذهلهم أسباب الوجود، ودقة الكون ونظامه، ويكفي أن نذكر هنا، رجالاً، المفترض أنهم من مؤسسي العلم الحديث، مثل جاليليو ونيوتن الذين كانوا من المتدينين بشدة. وعلى الرغم من ذلك فقد ذهب كلاً من العلم، والدين في طريقه منذ بداية إعلان الفرقة على أيدي الثورة الكوبرنيكية في القرن السابع عشر. صــ 291


  • Digg
  • Del.icio.us
  • StumbleUpon
  • Reddit
  • RSS