جرثومة التخلف (مُراد وهبه)

• إن العقل العربي هو عقل ديني في مجال التقدم .. ولكنه عقل علماني في مجال التخلف!
• غياب الرؤية المستقبلية - في اعتقادي - هو السبب الأساسي لأزمة العقل العربي، فأهمية هذه الرؤية تأتي من أن حركة التاريخ تبدأ من المستقبل وليس من الماضي، فالمستقبل هو المحرك الأساسي للحركة مهما يكن نوعها، ثقافية أو سياسية أو اقتصادية.
• التيارات الفاشية والجماعات الإرهابية هي الوريث الشرعي للدولة العثمانية. ولم يتصد أحد لجوهر هذه التيارات خوفاً منها.
• الإبداع في مجال التعليم معناه رفض الإجابة النموذجية الواحدة التي إذا انحرف عنها الطالب رسب أو قلت الدرجات التي يحصل عليها .. أي أن الإبداع يعني الاجتهاد وقبول تعدد الأجوبة .. أي تعدد الحقائق، وبذلك نربي جيلاً لا يزعم أنه مالك للحقيقة المطلقة.
• أرى أن الهيمنة الآن للأصولية الدينية لأنه لا يوجد تيار مضاد لها. كل ماهو حادث الآن هو مقاومة الأصولية الدينية بوزارة الداخلية وليس بوزارتي الثقافة والتعليم.
• إن الأحزاب تنشأ بفلاسفة. وأحزاب بدون فلاسفة هي أحزاب من ورق..وتعمل في الوقت الضائع.
• إن الأيديولوجيا الوحيدة الموجودة في العالم العربي الآن..هي الأصولية الإسلامية.. أما ماعدا ذلك فأفراد يتجولون بأفكارهم!
• إن المشكلة الأساسية ليست في صدام المثقف مع السلطة وإنما في صدام المثقف مع المجتمع لأن المجتمع متخلف وبالتالي فإن وظيفة المثقف هي الكشف عن جذور هذا التخلف.
• يقول كانط في مقاله الشهير الذي نشره عام 1784 وعنوانه "جواب عن سؤال: ما التنوير؟" يقول: كن جريئاً في إعمال عقلك من غير معونة الآخرين.

========================================
▬ محنة الجامعة تتمثل فيما أسميه بوهم تصور وجود أُستاذ. قد أكون قاسياً في هذا الحكم ولكن كما قلت أنا اطرح هذه القضية في شكلها القاسي حتى أحث أستاذ الجامعة لكي يبحث عن جذور هذا الوهم. يوجد استثناء في هذه القاعدة ولكن الاستثناء لا يحرك التغيير الاجتماعي. هو يعطي نوعاً من الكرامة والاحترام لهذا الأستاذ المستثنى ولكن لا يُعطي الكرامة للمجتمع الذي يمثله. توليد الوعي الاجتماعي ليست مسألة ميسورة بل يستلزم نوعاً من المغامرة. وعلى الأفراد التحمل. وطالما أن الأستاذ التزم فكراً معيناً فعليه أن يتحمل نتائج التزامه بهذا الفكر. صــ15

▬ مشكلة الأحزاب العربية أنها خالية من الفلاسفة، أي من المنظرين بتعبير أبسط. لأن العالم العربي يخلو من العقل الناقد فهو يخلو من الفلاسفة وبالتالي الأحزاب. وأنا اعتقد أن هناك فجوة بين الأحزاب والجماهير، لأن مهمة الحزب تنوير الجماهير، وتنوير الجماهير يستلزم جسراً بين فلاسفة الحزب والجماهير، وهذا الجسر هو جمهور المثقفين، لأن هؤلاء لديهم قدرة تبسيط الأفكار، أي إحالة الفكرة الفلسفية إلى فكرة شعبية بوسائل مختلفة، منها الصحافة ووسائل الإعلام الأخرى، وبالتالي فمهمة الحزب هي تغيير العادات اليومية في تفكير الجماهير بشأن القضايا اليومية، وببساطة أن تعلم الجماهير كيف تطور حياتهم بواسطة العقل. صــ41

▬ أن يعجز عقل ما عن تأسيس "العقلانية" فهذا يعني أنه عاجز عن نقده لذاته في إطار تطوره الاجتماعي أو الحضاري. والعقل العربي بالفعل عاجز عن تأسيس عقلانية، ولكنه ليس عجزا خلقياً، وإنما عجز تاريخي، فثمة عوامل موضوعية وذاتية أدت إلى إصابة العقل العربي بالعجز. العوامل الموضوعية تتمثل في الاستعمار والغزو الخارجي، والعوامل الذاتية تتمثل في همينة القوى الاجتماعية المتخلفة، والتي لم تخرج بعد عن حيز القبلية والعشائرية، وهي قوى قابضة على السلطة السياسية والعسكرية، الأمر الذي أدى إلى إجهاض بزوغ أي عقل ناقد. صــ67

▬ الشائع عن ابن رشد أنه شارح. وأنا أعتقد أن ثمة مؤامرة في هذا المصطلح. إن القول بأن ابن رشد شارح لأرسطو يعني أنه لم يقدم جديداً إلى البشرية، وإنما هو مجرد مردد لأرسطو. ولكن حقيقة الأمر أن ابن رشد ليس شارحاً لأرسطو، وإنما هو فيلسوف استثمر فلسفة أرسطو لتدعيم مقولة جديدة أتى بها ليست واردة في فلسفة أرسطو برمتها، وهي مقولة تأويل النص الديني، أو العلاقة بين النص الديني والعقل البشري. الغزالي رفض رفضاً باتاً إعمال العقل في النص الديني، وطالب بالإلتزام بالمعنى الحرفي، والنتيجة النهائية التي انتهينا إليها من مقولة الغزالي هي تدمير الفلسفة في المشرق العربي. وحاول ابن رشد في المغرب أن يدمر مقولة الغزالي وذلك بتأليفه كتاب "تهافت التهافت" ولكنه لم ينجح. فقد اضطهد وأُحرقت مؤلفاته وانتهت عملية التأويل التي كان ابن رشد يريد أن يروج لها. ولكن هذه المقولة انتقلت إلى أوروبا، وبدأ الصراع في أوروبا حول ابن رشد في داخل الكليات المسيحية. وهناك فلاسفة حرموا من السلطة الكنسية بسبب مؤازرتهم لأراء ابن رشد. وبعد ذلك انحصر ابن رشد في أنه مجرد شارح وهذا وهم. صــ97

▬ إذا حصرنا التراث في علم الكلام والفلسفة الإسلامية، فأنا أعتقد الانحياز ينبغي أن يكون للفلسفة الاسلامية، وليس لعلم الكلام، لأن علم الكلام نشأن في مواجهة قضية واحدة، وهي قضية الشرك في مقابل التوحيد، وبدأ علم الكلام ينفذ إلى جميع القضايا الإنسانية في إطار التوحيد المعارض للشرك، فكبل العقل الإنساني؛ بمعنى أن علم الكلام يرفض اللامتناهي في الرياضيات، وأن اللامتناهي في الرياضيات يعني الشرك، لأن الله لا متناه، فكيف يمكن أن نسمح بلامتناه آخر أياً كان هذا اللامتناهي؟ اذن علينا إما أن نحذف اللامتناهي من الرياضيات أو نعدم الرياضيات. مقولة أخرى في علم الكلام هي مقولة العلة. علم الكلام يحذف كقولة العلة. لماذا؟ لأن الله هو العلة الأولى والوحيدة. فإذن عندما نبحث في العلل الطبيعية فإن علم الكلام يعترض بدعوى أن هذا شرك بالله، أي إضافة علة إلى علة الله. صــ99

▬ تجريم الفكر أياً كان، هو في حد ذاته، جريمة، لأنه ليس من حق أي إنسان أن يتخذ من نفسه حاكماً على أفكار البشر. فالأفكار ذات طابع نسبي، فما كان خاطئاً في فترة، قد يكون صائباً في فترة أخرى. والقيم مثلها في ذلك مثل الأفكار إذ هي من صنع البشر. فالبشر أنفسهم مسئولون عن انتقاء وغربلة الغث من الثمين بالنسبة لهذه القيم إستناداً إلى المعيار العقلاني الذي ينبغي أن يكون معياراً في حكمنا على القيم وعلى غيرها. وتجريم الفكر مردود إلى ما يمكن تسميته بالمحرمات الثقافية وهذه المحرمات من شأنها أن تقتل العقل الناقد الذي هو أساس العقل المبدع. والعلاقة بين المحرمات الثقافية والعقل الناقد المبدع علاقة عكسية، فكلما ازدادت المحرمات قل النقد والإبداع وسيطر التخلف. صــ101

▬ علينا أن نبحث لماذا الإبداع نادر. الإبداع نادر ليس بسبب عوامل ذاتية عند الإنسان، ولكن بسبب عوامل موضوعية وعلى الأخص ما يمكن تسميته بالمحرمات الثقافية. فالمحرمات الثقافية تشل العقل الناقد، وبالتالي تشل عملية الابداع. علينا أن نقتحم هذه المحرمات الثقافية حتى يمكن أن نسمح للإنسان بممارسة الإبداع. وهذا ما حدث في أوروبا. كانت فيها محرمات ثقافية ومع ذلك اقتحمت هذه المحرمات ونشأ ما هو معروف بعصر النهضة، وعصر الإصلاح بالذات إذ معناه إعمال العقل في كل النصوص الدينية بلا استثناء. وعندما انشغل العقل بفهم كل نص أمكنه أن يقتحم مجالات عديدة بدون حساسية، الأمر الذي أدى إلى ما يسمى بعصر التنوير في القرن الثامن عشر. وبفضل عصر التنوير الذي يعني أن لا سلطان على العقل إلا العقل نفسه بزغت الثورة العلمية والتكنولوجية التي أدت الآن إلى غزو الفضاء. صــ143


▬ الحاصل في التأليف الحالي للكتاب المدرسي أنه يطرح نظرية هندسية، على سبيل المثال، بمعزل عن كيفية ابداعها، وأنا أطالب المؤلف في عملية التأليف أن يبين لنا من خلال العرض التاريخي كيفية ابتداع العالم لعلاقات جديدة بناء على نقده لعلاقات قائمة بحيث يُنشيء نظرية جديدة تحدث تأثيراً في الواقع. وفي هذا الإطار يمكن أن يتذوق الطالب عملية الإبداع. وعندما نقدم له أسئلة فيجب أن تنصب على التذكر بنسبة ضئيلة، وتنصب في الأغلب على العملية الإبداعية بمعنى أن نأتي له بسؤال مثلاً يستلزم الإجابة عنه الاستعانة بفصول من بداية الكتاب المدرسي إلى فصول من نهاية الكتاب بحيث يعطينا علاقة جديدة لم تكن واضحة في مسار الكتاب، وبالتالي لن يكون لدينا نموذج للإجابة كما هو الحاصل في المسار التقليدي للتعليم، وهو أن الأسئلة تأتي في إطار التذكر. وهذا يعني أن ثمة جواباً واحداً صحيحاً، الأمر الذي يؤدي، شئنا أم لم نشأ، إلى إفراز التعصب، والتعصب معناه تصور الإنسان أنه يملك حقيقة مطلقة لا بديل عنها. ولكن في إطار الإبداع يمكن أن تتعدد الأجوبة، أي تتعدد الحقائق وبالتالي ينشأ الطفل في جو من التسامح العقلي. ومن هنايمكن القول بأن الإبداع هو ضد ما يسمى بالدوجماطيقية .. صــ146

  • Digg
  • Del.icio.us
  • StumbleUpon
  • Reddit
  • RSS

العمدة في فلسفة القيم (عادل العوّا)


• ينطلق نشاط الفاعلية القيمية، أول ما ينطلق، من بناء الاختيار الحر على فصم لامبالاة، ودفع لااكتراث.
• إن العالِم لا يكون عالماً إلا إذا عني بقيمة العلم.
• إن الأشياء لا تزال تتراىء مختلفة في أعيننا، ولكن فوارقها لا تتحلى بأية دلالة في حال اللامبالاة.
• لقد ذهب (سارتر) إلى أن القيمة هي العوز الدائم، وهي تُعرِبُ عن جهد الشخص الذي هو دائماً على مبعدة من ذاته، وذلك لكي يحقق ذاته بصورة تامة في ذات.
• قد تفر القيمة أو تتبدد حينما نبلغ الغرض المتوخى، ولكنها لا تزول من جهة حتى تظهر من جهة أخرى في شكل مطلب جديد.
• إن العلم يجيب على سؤالنا (كيف) والقيمة تجيب على سؤال (لماذا). بل إن القيمة هي سؤال (لماذا) عن كل الأشياء لأنها تقحم الغاية، وان لم يكن هي ذاتها غائية.
• إن الأفكار السائدة في عصر ليست سوى أفكار الطبقة المسيطرة  فيه (كارل ماركس)

======================================
▬ إن معنى الحياة، أو مغزى الوجود، هو المشكلة الأساسية التي تطرحها التجربة القيمية وتضعها في طليعة المشكلات التي يتناولها فكر المرء منذ أن يبلغ قسطاً من الوعي، كما يطرحها التاريخ الإنساني عندما تعصف به الكوارث وتوقظه المصائب فيجد أن العلم نفسه، والإيمان بالعلم، أعجز عن أن يحدد واجب السلوك إلى جانب تحديده الحقيقة الموضوعية في الآفاق. وتنفرد فلسفة القيم والتفكير القيمي بإتاحة الفرصة أمام العقل الإنساني كيما يُضفي على الحياة معنى يكفل، من ثم، اختياراً به يحدد الإنسان مصيره ومصير العالم بأسره. صــ49

▬ تساءل (نيتشه) عن الحياة قائلاً :"تريدون أن تحيوا بحسب الطبيعة ؟ أيها الرواقيون النبلاء! أي ضلال ضلالكم! تخيلوا منظمة مثل الطبيعة. إنها إسراف بدون اعتدال، بدون نية، بدون احترام، بدون رحمة، بدون عدالة. إنها خصب وعقم معاً. إنها تردد وحيرة. تخيلوا اللامبالاة التي تتحول في الطبيعة إلى قوة وبأس، كيف يمكن أن تعيشوا بحسب هذه اللامبالاة ؟ أليست الحياة - على وجه الدقة - هي إرادة التقويم، والترجيح، والظلم، وان يكون المرء متقيداً على نحو آخر ؟". ان الطبيعة لامبالاة بالدرجة الأولى، والحياة هي أن تقول (لا) حيال الطبيعة. الحياة تقويم. ولكن التقويم هو بالضرورة تقويم متعالٍ. الحياة تطرح القيمة. والقيمة خصومة وصراع. والحياة - جوهرها - قدرة نفي لانهائية...صــ122

▬ لعل من الجائز أن نُطلق على فلسفة (هوسرل) اسم نظرية الذوات وهي تعارض، أول ما تعارض، المذهب الاختباري الذي يبني قيمة كل معرفة على أساس ما يبدو في الإدراك، وقد أدى ذلك إلى ريبة (هيوم). أما (هوسرل) فإنه يوضح أن من يسمع لحناً من الألحان يدرك في الحقيقة شيئاً آخر غير تعاقب الأصوات: فنحن لا ندرك لدى استماعنا هذا التعاقب أو ذاك من أصوات جائزة بل ندرك ماهية اللحن. وكذلك فإن من يجري عملية حسابية يشعر بقسر لاشخصي يلازم تعاقب الكائنات والأشكال الرياضياتية، بحسب ارتباطها الموضوعي. ولذا فإن أصالة الفنومنولوجيا تتجلى في القول بأن كل معرفة هي رؤية ذات، رؤية شكل مطلق، بدون المُضي إلى ما ذهب إليه أفلاطون، حين قرر وجود عالم خاص بالذوات أو المثل. وترجع هذه الأصاله إلى تعريف (برناتو) الشعور من حيث أنه شعور قصدي. صــ148

▬ إن كلمة القيمة لا تتحلى بمعنى إلا إذا دلت على علاقة، ولا علاقة إلا عندما يربط شيء بشيء آخر. ولذا فإن القيمة ليست موضوعية خالصة، ولا ذاتية محضة، بل هي حلقة تصل الشخص بموضوع، وتشير إلى اهتمام فرد أو أكثر من الناس بموضوع. إن القيمة تشير إلى تلك الناحية من الحياة الإنسانية التي تعودنا أن نستعمل لها الكلمات المباركة. وهي تشير أيضاً إلى دلالات أخرى، وتستعير المعنى البراق لصفات مثل :"الخير" و "الأحسن" و "الحق" و " الوجوب" و "جدير" و "جميل" و "مقدس" و "عادل" وأسماء مثل "السعادة" و "الرفاة" و "الحضارة". وهي تشير إلى اسم مشترك لما تسميه هذه الكلمات، أو إلى محاولة إيجاد اسم مشترك. وهي من بين الكلمات التي لها مثل هذا المعنى البراق، والتي تصلح، من ثم، علامات متميزة. وتعتبر كلمة قيمة أحسن كلمة تشير إلى المعنى بتوسيع ومرونة. صــ178

▬ هب أن هناكَ هاوياً شغوفاً بجمع قطع النقود القديمة، وأنه يبحث عما يتمم مجموعته. ان القطعة النادرة التي مازال لا يملكها تتحلى بقيمة لديه، أي أن القيمة ترتبط بآن واحد بالموضوع وتنفصل عنه. فهي تتمثل، من ناحية أولى، في الموضوع، وتلتصق به، لأن أي تغير قد يطرأ عليه يفقده قيمته. وعلى هذا فإن القيمة تتوحد بالموضوع وتزول بزواله. وإذا لم يبق الموضوع على ما هو عليه كفّ تحليه بقيمة. ولكن القيمة، من ناحية أخرى، تتميز عن الموضوع بالضرورة، لأن جامع النقود إذا تخلى عن هواية الجمع، أو تحول عن جمع النقود إلى جمع الطوابع، فقدت قطعة النقد كل قيمتها في نظره. لنتصور ثلاثة أشخاص يعتبرون أن لقطعة النقود قيمة. أولهم جامع النقود الذي تنقصه تلك القطعة. والثاني الشخص الذي تمثل تلك القطعة لديه ذكرى عائلية عزيزة. والثالث سارق محتمل. فلتلك القطعة إذن قيم ثلاث متمايزة. ويزداد تنوع القيم بازدياد عدد الأشخاص المعنيين بالموضوع...صــ297 : 298

▬ إن معنى الفاعلية القيمية، وغائية نشاطها، يتضمنان الحرية والتعالي. وهذه الحرية تضاد السير الآلي، ولكنها ليست حرية عفوية محضة، ولا حرية اختيار مطلق، حرية أن يفعل الإنسان ما يشاء بدون أن يتوافر موضوع للاختيار. "ان الفاعلية التي لا تتجه أيه جهة كانت ليست بفاعلية صحيحة، بل هي حركة انفجارية. والمرء لا يفعل ما يشاء إلا إذا ترتب عليه أن يفعل شيئاً بخضوعه بالتعريف لقواعد هذا "الفعل" الخاص. إن الفاعلية القيمية حرة لأنها ليست نتيجة أسباب تدفعها، بل لأنها تتجه نحو هدف نصب أمامها. وكما أن الحركة التي لا تجد محوراً تعتمده ليست بحركة، فكذلك الحرية التي لا هدف لها ليست شيئاً. وإن الإطار الذي يرجع العمل الحر إليه هو مجموعة القيم المنشودة مع الوضع". إن الفاعلية القيمية تخترع وسائل تحقيق القيمة... صــ317

▬ إن القيم الفنية والجمالية لقوس بيضوي مثلاً تتألف من حوادث بصرية مادامت حواسنا الجمالية هي بالدرجة الأولى النظر وكذلك السمع. ومن البين أن الخواص الهندسية أو الفيزيائية للمنحنيات المتقاطعة بزوايا حادة أومنفرجة إنما هي حوادث حيادية لا تتحلى بقيمة جمالية بذاتها، وغاية ما في الأمر أنها موائمة أو منافية. ولكننا لا نستطيع أن نقول عنها أنها جميلة أو قبيحة، إلا بعد حدوث تركيب يضم عدداً كبيراً يؤدي خلال التطور الإنساني إلى حدوث لحظة القوس المكسور. ومن المستبعد أن يكون هذا القوس جميلاً في نظر الناس جميعاً، وفي جميع العصور وجميع الاصقاع. صــ384

▬ إن وحدة القيمة ليست وحدة مفارقة، وإن تعددها لا يعني نفي القيمة، بل انه يمثل تجليها او تجسدها. وبذا يكون تعدد القيم أشبه بأشكال شتى، أو جوانب معينة، أوطرازاً من طرز القيمة، وان كان كل شكل من هذه الأشكال ينمّ عن سمة وحيدة، عن بعد واحد، من سمات القيمة أوأبعادها، وتكون كل قيمة خاصة مطلقة في نوعها، وتكون القيم أو أشكال القيمة مشاركة في مطلق القيمة الواحدة [..] ومن الخطل أن نقول بقدرة اي انسان على أن يختار قيمة خاصة به من لائحة قيم معينة وينفي سائر القيم، وذلك لأنه لا يستطيع ان يكتشف قيمة ويريدها إلا حيثما تبدو له متكافلة مع سائر القيم. صــ402

▬ لا يخفى أن أحداً لا يستطيع تحقيق (الخير الأسمى) وحده، بل لابد له من عون الضمائر، كل الضمائر. وهذا التطلع إلى تخلق كلي يمنح الفعل دلالته الأخلاقية التامة، ويجعله، من ثم، قيمة من القيم الأخلاقية، لأن اسهامه في الخير الأسمى إنما يعني أن يتحقق هذا الخير الأسمى في نهاية تداخل فاعليات الضمائر كلها، على اعتبار أنها تؤلف فيما بينها فاعليات آخذة تارة، ومبدعة تارة أخرى. إن الفاعل الأخلاقي يتطلع إلى تغيير ضمير الآخر وتحويله إلى فاعل أخلاقي، ويتطلع، عبر ذلك، إلى تحقيق (الخير الأسمى)، القصدية القيمية المُثلى. صــ526

▬ لقد أعتُبر الفن من أفضل ما يعين على إبداع القيم المثالية، لأننا ندرك في الآثار الفنية، أحسن ما ندرك، كيف تبدو القيم الجمالية وكأنها بذاتها. أجل، ان جميع القيم تتطلع إلى أن تكون بذاتها غاية تستقطب الرغبة الإنسانية وتسخّر سائر الغايات لها. إن الذهب يمضي شطر أن يصبح في نظر الناس مطلباً لذاته. والحقيقة العلمية، شأنها شأن الفضائل الأخلاقية، تحظى بنوع من الإجلال يسمو على قصر فيمتها على النفع الإجتماعي. غير أن النفس الإنسانية تستغرق بيسر أعظم في الآثار الفنية فترفض، وهي غارقة في الإنفعال الجمالي، أن تتساءل مثلاً عن فائدة الجمال، وعما يبرهن عليه الحٌسن. فالجمال هو نمط القيمة التي تكفي ذاتها بذاتها. ولذا فإن كل غائية أخرى هي أمر غيب عن الجمال. ذلك أن الهدف المنشود في الجمال ليس بهذا خارجي عن موضوعه. وأن خاصة الموقف الجمالي هي احتواؤه على الحد الأقصى من التجرد. إن جمال، كمال قال (كانت)، غائية لا غاية لها. صــ664


▬ يقول (برجسون) : "إن كل واحد منا ينتسب إلى المجتمع وينتسب إلى نفسه أيضاً. فإذا تعمق المرء نفسه كشف له شعور عن شخصية أصيلة ماتزال تزداد أصالة كلما أوغل في التعمق. وهذه الشخصية لا يمكن أن تقاس بغيرها، ولا يمكن التعبير عنها... ولكن لئن كان هذا صحيحاً، فصحيح أيضاً أننا على السطح من ذواتنا متصلون بالناس. ونحن هاهنا نشبههم، ونتحد بهم، بنظام يوحد فيما بيننا وبينهم ارتباطاً متبادلاً... فالمجتمع هو الذي يرسم للفرد منهاج حياته اليومية [...] فترانا نختار بصورة طبيعية ماهو موافق للقاعدة المرسومة، ولانكاد نشعر بما نفعل، ولا نبذل في ذلك شيئاً من الجهد. فالواجب، بهذا المعنى، يتحقق تحققاً آلياً [...] نعم، إن الواجب يجثم على إرادة الأفراد جثوم العادة. وكل واجب يجر وراءه كتلة الواجبات متجمعة متراكمة...".صــ703

  • Digg
  • Del.icio.us
  • StumbleUpon
  • Reddit
  • RSS

الدين والعلم (برتراند رسل) - ترجمه (رمسيس عوض)

• إن العلمَ يُشجعُ التخلي عن البحث عن الحقيقة المطلقة ويستبدل بها ما يمكن تسميته بالحقيقة التقنية المنتمية إلى أية نظرية يمكن استخدامها بنجاح في الاختراعات أو التنبؤات بالمستقبل.
• إن الكفرة يقولون أن المذنبات ترجع إلى أسباب طبيعية. ولكن الله لا يخلق شيئاً لا يكون سلفا نذيرا بحدوث كارثة مؤكدة. (مارتن لوثر)
• لقد سدد مذهب داروين إلى علم اللاهوت ضربة قاسية تماما كما فعل كوبر نيكوس في علم الفلك.
• إن الضرر الذي ألحقه اللاهوت لا يتلخص فقط في خلق نوازع القسوة بل أيضا في إضفاء الشرعية على التظاهر بالأخلاق السامية وإضفاء ما يبدو أنه قداسة على ممارسات ترجع إلى عصور أكثر جهلاً وبربرية.
• إن العلم يعتمد على الإدراك والاستدلال وترجع مصداقية العلم إلى حقيقة مفاداه أن مدركاته من النوع الذي يمكن لأي مراقب أن يضعها موضع الاختبار.
• قد يبدو غريباً أن تكون الحياة قد حدثت بالصدفة ولكن يمكن للمصادفات أن تحدث في كون في مثل هذا الاتساع.
• إن المزاج العقلي العلمي يتسم بالحرص والحذر فهو لا يقطع بشيء ويخطو إلى الأمام  خطوة بخطوة. وهو لا يزعم أنه يعرف الحقيقة بأكملها أو حتى يتخيل أن أفضل ما يتوصل إليه من معرفة صائب صواباً كاملاً.

===========================================
▬ العقائد هي المصدر الفكري للصراع المحتدم بين الدين والعلم. ولكن الحدة التي اسمت بها معارضة الدين للعلم ترجع إلى الصلة التي تربط العقيدة بالكنيسة كما تربطها بنظام الأخلاق. فالذين يعبرون عن شكوكهم في العقيدة يُضعفون سلطة رجال الكنيسة وقد يقللون دخلهم. أضف إلى ذلك الاعتقاد بأنهم يدمرون الأخلاق لأن رجال الكنيسة درجوا على استخلاص الواجبات الأخلاقية من العقائد. ومن ثم فإن الحكام الزمنيين ورجال الكنيسة يشعرون بأن هناك من الأسباب ما يجعلهم يخشون التعاليم الثورية التي يقدمها رجال العلم. صــ6

▬ إن العقيدة الدينية تختلف عن النظرية العلمية في أنها تزعم أنها تجسد الحقيقة الخالدة واليقينية بصورة مطلقة في حين أن العلم غير نهائي على الدوام ويتوقع ضرورة إدخال التعديلات على النظريات الحالية إن عاجلاً أم أجلاً. فضلاً عن أنه يدرك أن طريقته من الناحية المنطقية غير قادرة على الوصول إلى براهين كاملة ونهائية. غير أننا نجد في العالم المتقدم أن التغييرات المطلوبة هي في العادة تلك التي توفر له بصوره طفيفة درجة أكبر من الدقة. والنظريات القديمة تظل صالحة للوصول إلى نتائج تقريبية. ولكنها تبقى عاجزة عندما تطرأ بعض مناحي التدقيق على الملاحظة. أضف إلى ذلك أن الاختراعات التقنية التي توفرها النظريات القديمة تبقى دليلاً على تمتعها إلى حد ما بنوع من الحقيقة العملية. صــ10

▬ لقد كان اكتشاف التخدير مناسبة أخرى تدخل فيها اللاهوتيون للحيلولة دون التخفيف من المعاناة الإنسانية. ففي عام 1847 اقترح سيمسون استخدام التخدير في حالات الولادة. ولكن رجال الدين اعترضوا على ذلك وذكروه على الفور بأن الله قال لحواء في الإصحاح الثالث أية 16 من سفر التكوين :"بالوجع تلدين أولادك." فكيف إذن يتحقق ذلك إذا كانت المرأة تحت تأثير مخدر الكلورفورم ؟ غير أن سيمسون نجح في إثبات أنه ليس هناك ثمة ضرر في تخدير الرجال نظراً لأن الله وضع آدم في نوم عميق عندما نزع ضلعه. ولكن رجال الاكليروس - وهم ذكور - رفضوا الإقتناع بتخفيف ألام المرأة وهي في حالة الولادة على أقل تقدير. صــ102

▬ إن الإنسان - وهو صدفة غريبة حدثت في مكان مهمل - واضح ومفهوم فالخليط من الخير والشر الذي يتكون منه الإنسان يجعلنا نتوقع أن يكون قد نشأ بمحض الصدفة، ولا يوجد سوى الرضا المروع عن الذات الذي يرى في خلق الإنسان سببا يعتبره العليم بكل شيء باعثا قويا يدفع الخالق إلى خلق هذا الإنسان. إن ثورة كوبرنيكوس لن تؤت ثمارها حتى يتلقى الإنسان درساً أكبر في التواضع عما نراه في الذين يظنون أن الإنسان دليل كافٍ على وجود غاية في الكون. صــ222

▬ إن الحرب بين العلم واللاهوت كادت أن تنتهي. ولكن هذا لم يمنع دون اندلاع المناوشات بين حين وآخر في المناطق الواقعة على الأطراف، ويعترف المسيحيون أن دينهم أصبح أحسن حالاً بعد انتهاء هذه الحروب تقريباً. وتطهرت المسيحية من عناصرها غير الجوهرية الموروثة من عصر البربرية كما أنها تطهرت من الرغبة في اضهاد المخالفين لها. ويتبقى لدى المسيحين الأكثر ليبرالية مذهب أخلاقي له قيمته يتلخص في قبول تعاليم المسيح المنادية بضرورة حب الجار والإيمان بأنه يوجد في كل فرد شيء يستحق الاحترام حتى وإن لم يعد هذا الشيء يُسمى بالروح. صــ247


▬ قد يصر البعض على أن الاضهاد في زماننا يختلف عن الاضطهاد في الماضي في أنه اضطهاد سياسي واقتصادي أكثر من كونه اضطهادا لاهوتياً ولكن مثل هذا الدفاع يجانبه الصواب من الناحية التاريخية. فهجوم مارتن لوثر على صكوك الغفران سبب للبابا خسارة مالية ضخمة، وثورة هنري الثامن ضده حرمته من الدخل الكبير الذي كان يتمتع به منذ أيام هنري الثالث. وقد اضطهدت الملكة اليزابيث الكاثوليك الرومان لأنهم أرادوا استبدالها بماري ملكة اسكتلندا أو بفيليب الثاني. لقد أضعف العلم من قبضة الكنيسة على عقول الناس، الأمر الذي أدى في النهاية إلى مصادرة كثير من أملاك الإكليروس في بلاد كثيرة. صــ250

  • Digg
  • Del.icio.us
  • StumbleUpon
  • Reddit
  • RSS