خطاب إلى العقل العربي (فؤاد زكريا)


• إن المثقف الحقيقي لا يعرف الشبع ولا يتوقف عند لحظة معينة لكي قول: لقد أخذت كفايتي!
• إن الإنسان الذي يعرف معنى وجوده هو ذلك الذي يهتف في اللحظات الحاسمة من حياته : أنا متمرد - إذاً - فأنا موجود.
• في استطاعتنا أن نعرف الكثير عن حضارة شعب من الشعوب، إذا تأملنا طريقة ممارسته للفنون. بل إن هذه الممارسات الفنية تعد - في نظر الكثيرين - أقوى تعبير عن الجوهر الحقيقي للشعوب.
========================================
▬ اننا لو تأملنا وضعنا الحضاري الراهن على أنه سعي إلى حل إشكالية الاتباع أو الإبداع، لكان ذلك أجدى وأنفع وأدق بكثير من تأمل هذا الوضع في ضوء تلك الإشكالية العقيمة الغامضة، المليئة بالمتناقضات... إشكالية الأصالة والمعاصرة. فالتحدي الحقيقي الذي نواجهه ليس اختياراً بين الرجوع إلى الأصالة أو مسايرة العصر، وإنما هو إثبات استقلالنا إزاء الآخرين، سواء أكان هؤلاء الأخرون معاصرين أم قدماء، وابتداع حلول من صنعنا نحن، تعمل حساباً لتاريخنا وواقعنا، وتكفل مكاناً في عالم لا يعترف إلا بالمبدعين. صــ32

▬ فلنذكر دائماً أن الثقافة الحقيقية ليست أماناً واطمئناناً، وليست دعة وهدوءاً، وإنما هي - كما أكد الكثيرون - العيش والخطر، وهي قلق وتوثب وترقب دائم، إن الكتاب العظيم والقصيدة العظيمة والفيلم العظيم يعكر صفو حياتك، ويقضي على استقرارك، ويجلب لك القلق والانشغال، ويثير فيك من الأفكار ما لم يخطر ببالك من قبل. إن العمل الثقافي العظيم ينقلك من حالة الرتابة والسكينة، ويبعث فيك قلقاً وتمراداً، ويقلب مسار القيم التي اعتدت عليها وسكت إليها ورتبت حياتك على أساسها. إن الثقافة الحقة - في كلمة واحدة - تقضي على كل ما كنت تحس به من "أمن". ولو كان الأمر بيدي لحذفت من قاموسنا على نحو نهائي قاطع ذلك التعبير المستحدث المتسلل، "الأمن الثقافي" ولدعوت بدلاً منه إلى "القلق الثقافي"... فبهذا وحده يحقق ذلك الجهد العقلي والروحي الرائع الذي هو أخص ما يميز الإنسان، رسالته ومعناه. صــ45

▬ ما يزال التعليم العربي عندنا نصياً، يحتل فيه "الكتاب المقرر" مكانة قدسية، ولا يقوم المعلم فيه إلا بدور الكاهن الذي يحض سامعيه على الإلتزام بكل حرف في "الكتاب". وتعمل المؤسسة التعليمية ذاتها على توطين فيروس "الطاعة" في خلايا الأدمغة الفتية الغضة، فإذا بمعاييرها لتقييم أداء التلاميذ ترتكز كلها على الترديد الحرفي للمعلومات المحفوظة، وتعطي أعلى درجات التفوق "للتلاميذ المجتهدين". وهي في قاموسها التعليمي لا تُعني إلا "الحافظين" وتُعاقب كل من يُبدي رأياً ناقداً أو مخالفاً فتنزله أسفل سافلين..صــ80

▬ إن الطاعة وباء لا يفلت منه أحد، وإذا أطلقت لها العنان أصابت عدواها الجميع. ذلك لأن كل من يفرض الطاعة على من هم دونه، يجد نفسه مضطراً إلى طاعة من يعلونه، فالأب الذي يمارس سلطات دكتاتورية على أبنائه وزوجته، يجد نفسه خاضعاً في عمله، ومقهوراً مكبوت الحرية على يد حاكمه. وفي جميع الأحوال يظل التسلسل مستمراً، فلا أحد يفلت من ذل الطاعة، ولا أحد يتنازل عن أية فرصة تسنح له كيما يمارس متعة فرض أوامره على غيره. حتى الحاكم المطلق يظل حبيس جبروته، لا ينام مطمئناً، ولا يسافر أو يتحرك إلا تحت أعين حراسه، ولا يملك في لحظة واحدة أن يعصي أمراً لمن يتحكمون في شئون أمنه وسلامته. صــ83


▬ الفن نشاط تلقائي حر. وعندما يُترك الإنسان حراً في ممارسة نشاط ما، فإنه يعبر في هذا النشاط عن أعمق سماته الباطنة. أما أنواع النشاط الأخرى، كالعمل مثلاً، فلا تتسم بنفس القدرة من الحرية: إذ إن هناك ضرورات كثيرة تفرض على الإنسان طريقة ممارسته لعمله، كضرورات المعيشة اليومية، ومدى قدرة البيئة والموارد الطبيعية على تلبية احتياجاته، ونوع العلاقات الاجتماعية التي يمارس الإنسان عمله في ظلها، وغير ذلك من العوامل التي تجعل العمل نشاطاً لا يتسم بالحرية التامة، ومن ثم فإنه لا يعبر تعبيراً كاملاً عن الجوهر الكامن للإنسان. وإذاً، ففي ميدان الفن وحده يُترك الإنسان حراً، لكي يعبر عما في أعماقه، ومن خلال تحليلنا للممارسات الفنية السائدة في الحضارات المختلفة، نستطيع أن نصل إلى الجوهر المميز لهذه الحضارات. صــ196

  • Digg
  • Del.icio.us
  • StumbleUpon
  • Reddit
  • RSS

مهزلة العقل البشري (علي الوردي)


|| أُهدي هذا الكتاب إلى القراء الذين يفهمون ما يقرأون. أما أُولئك الذين يقرأون في الكتاب ما هو مسطور في أدمغتهم فالعياذ بالله منهم. إني أخشى أن يفعلوا بهذا الكتاب ما فعلوا بأخيه "وعَّاظ السلاطين" من قبل، إذ اقتطفوا منه فقرات معينة وفسروها حسب أهوائهم ثم ساروا بها في الأسواق صارخين.... لقد آن لهم أن يعلموا أن زمن الصراخ قد ولَّى، وحل محله زمان التروي والبحث الدقيق.||

• إننا لا ننكر ما للسفور من مساويء ولكن هذا لا يمنعنا من الاعتراف بمساويء الحجاب أيضا. فليس في هذه الدنيا ظاهرة اجتماعية تخلو محاسن أو مساويء. ولعل هذا القول لا يريد أن يفهمه أرباب المنطق القديم.
• إن الإتفاق يبعث التماسك في المجتمع، ولكنه يبعث فيه الجمود أيضاً.
• إن التجديد في الأفكار هو الذي يخشاه مشايخ الدين لا الأفكار ذاتها. فهم لا يخشون كروية الأرض بقدر ما يخشون الجدل الذي تثيره هذه الفكرة في عقول الناشئين.
• إن الذين يمارسون المنطق القديم في هذا العصر يشبهون أولئك الأبطال، من طراز عنترة العبسي، الذين يهجمون بالسيف على جندي حديث يحمل بيده رشاشاً سريع الطلقات. فهم مهما تفننوا في إبداء ضروب البسالة والشجاعة فإن الرشاش يحصدهم في أرجح الظن، حيث لا ينفعهم آنذاك بسالة ولا حماسة.
• المتدين المؤمن بعقيدة من العقائد لا يستطيع، مهما حاول، أن يتجرد من عاطفته المذهبية وقد يظن المؤمن أنه متجرد من العاطفة، ولكن ذلك من قبيل الأوهام التي لا أساس لها من الحقيقة.
• يذهب بعض المفكرين إلى القول بوجوب حجر المرأة في البيت وتشديد الحجاب عليها وذلك بحجة أنها ذات عقل ناقص لا تستطيع به أن تحمي نفسها من نزوات العاطفة، نسوا أن عقلها لم ينقص إلا من جراء الحجاب. فهم سببوا ضيق عقلها بالحجاب، ثم أرادوا حجابها بدعوى ضيق عقلها. خلقوا السبب بالأمس ويريدون اليوم أن يتخذوا نتيجة هذا السبب حجة له.
• لا يكفي في الفكرة أن تكون رائعة وجميلة بحد ذاتها. إنها يجب أن تكون عملية قبل كل شيء.
• يعتقد إبن رشد أن الفلاسفة إذا إختلفوا في شيء ردوه حالاً إلى دليل العقل وحجة المنطق فتفاهموا وخضعوا للرأي الذي يرونه معقولاً. على زعم إبن رشد، يستنيرون بنور العقل والمنطق. وليس هنا سخافة أبشع من هذه التي يقول بها إبن رشد وأمثاله من المفكرين الطوبائيين.
• عيب إخواننا الطوبائيين أنهم يصعدون بمثلهم العليا فوق السحاب، ولا ينزلون بها قريباً من الأرض التي يعيشون عليها. ولذا فمثلهم العليا لا تُجدي في تحفيز المجتمع نحو الحركة.
• لقد أخطأ أرسطوطاليس عندما قال: "الإنسان مدني بالطبع". والصحيح أن الإنسان وحشي بالطبع ومدني بالتطبع.
• من مهازل القدر أن نرى الحقيقة النسبية الآن مسيطرة على البحوث الطبيعية، هذا بينما أصحابنا لا يزالون يؤمنون بالحقيقة المطلقة حتى في بحوثهم الإجتماعية والفكرية الخالصة.
• لقد فطنت الشعوب في القرون الحديثة إلى خطأ هذه النظرية الأفلاطونية في مفهوم العدل، وأخذت تميل قليلاً أوكثيراً نحو النظرية السوفسطائية فيه. وبهذا صار مفهوم العدل هو ما ترتأيه أكثرية الناس. فالناس أعرف بحاجاتهم ومشكلاتهم من ذلك المتحذلق الأفلاطوني الذي يتأمل في أمر العدل وهو قابع في برجه العاجي.
• الواقع أن السفسطة كانت فلسفة ذات أهمية إجتماعية لا يُستهان بها. ومن سوء حظها وحظ البشرية، أنها غُلبت أو قُتلت في مهدها، فأصبحت محتقرة. والمغلوب محتقر دائماً. ولذا أخذ المفكرون ينسبون إليها كل نقيصة، ويجردونها من المحاسن.
• يبدو أن أفلاطون كان فيثاغورثياً أكثر مما كان سقراطياً. وهو إنما حرف مباديء سقراط لكي يجعلها ملائمة للمباديء التي كان المذهب الفيثاغورثي يدعو إليها.
• حاول الأفلاطونيون أن يقيسوا البشر بمقياس الأرقام. ونسوا أن المجتمع البشري بحر مواج تتلاطم فيه شتى النزعات والميول، وأن دراسته تستلزم منهجاً خاصاً به يختلف عن منهج الحساب والجمع والطرح إختلافاً أساسياً.
• من مهازل العقل البشري أن وجدنا العامة في بلاد الإغريق يكرهون منطق السفسطة كما كرهها أفلاطون. ومشلكة العامة في معظم الأحيان أنهم يندفعون مع المترفين فيما يناقض مصلحتهم. وهم كما وصفهم الإمام علي: "ينعقون مع كل ناعق ويميلون مع كل ريح".
• كان التنازع في عهد عثمان يدور حول مباديء العدالة والمساواة. ولكن معاوية قلبه بعد ذلك  فجعله يدور حول علي وعمر: أيهما أفضل؟ وبهذا نسي الناس كفاح علي ضد معاوية وانشغلوا بالفضائل الشخصية، وكل فريق يأتي لصاحبه من الفضائل ما يكسف بها فضيلة زميله.

===========================================
▬ يحاول بعض المتحذلقين من رجال الدين إدعاء التجديد فيما يكتبون ويخطبون. وتراهم لذلك يحفظون بعض الألفاظ والمصطلحات الحديثة يتلقفونها من المجلات والجرائد المحلية، ثم يكررونها في كلامهم اذ يحسبون أنهم بهذا قد صاروا "مجددين". ويحلو للبعض أن يقال عنه أنه جمع بين القديم والحديث، ثم يرفع أنفه مغروراً بهذا العلم العجيب الذي وعاه في صدره. ومثله في هذا كمثل ذلك القروي الساذج الذي أراد أن "يتمدن" في كلامه، فضيع المشيتين مع الأسف الشديد. ينبغي أن يفهم هؤلاء أن التجديد في الفكر لا يُعني التمشدق بالمصطلحات الحديثة. انه بالأحرى تغيير عام في المقاييس الذهنية التي يجري عليها المرء في تفكيره. صــ9

▬ عندما احتك المسلمون بالحضارة الغربية إنجرفوا بتيارها، وصاروا مجبرين على اقتباس ما جاءت به حسناً كان أم سيئاً. ومن غرائب ما ارتآه الواعظين في هذا الأمر أن قالوا: خذوا من الغرب محاسنه واتركوا مساوئه. كأن المسألة أصبحت انتقاءً طوع الارادة كمن يشتري البطيخ. إن الحضارة جهاز مترابط لا يمكن تجزئته أو فصل أعضائه بعضها عن بعض. فالحضارة حين ترد تأتي بحسناتها وسيئاتها. وليس في الإمكان وضع رقيب على الحدود يختار لنا منها الحسن ويطرد السيء. ومعنى هذا أنها تيار جارف لا يمكن الوقوف في وجهه. صــ16

▬ لقد جاءت المدنية للإنسان بخير عظيم ولكنها جاءت له أيضاً بشر أعظم منه، فهي قد أطلقت الفكر من حبسه فأخذ يجوب الفضاء ويستفهم عن كل شيء وهي مع ذلك قد سارت بالفكر في طريق القلق والإلتياث والعصيان. إنها قد أطمعت البشر من معرفة الخير والشر، على حد تعبير التوراة. وهي بذلك قد أذاقتهم من ويلات الخير والشر قسطاً كبيراً. لقد كان البشر قبل المدنية لا يفكرون وكانوا أيضاً لا يقلقون، وقد يصح أن نقول: أن التفكير والقلق صنوان لا يفترقان. صــ30

▬ كنت ذات يوم في مجلس ضم جماعة من رجال الدين. وقد أجمع هؤلاء الرجال أثناء الحديث على أن سكان الأرض كلهم ملزمون بأن يبحثوا عن الدين الصحيح، فإذا وجدوه اعتنقوه حالاً. فكل إنسان في نظر هؤلاء مجبور أن يترك أعماله ويذهب سائحاً في الأرض ليبحث عن دين الحق. قلت لهم: "لماذا لم تسيحوا أنتم في الأرض للسعي وراء الحق؟". قالوا وهم مندهشون لهذا السؤال السخيف: "إننا لا نحتاج إلى السعي وراء الحق لأن الحق عندنا!". صــ45

▬ كتب ابن طفيل، الفيلسوف الأندلسي المعروف، قصية فلسفية بعنوان "حي ابن يقظان". وكان يقصد من كتابة هذه القصة أن يشرح للقاري طبيعة العقل البشري كما يفهمها هو. وقد تخيل ابن طفيل فيها انساناً وُلد وترعرع في جزيرة منعزلة، حيث أرضعته ظبية، وظل ينمو في تلك الجزيرة وحيداً حتى بلغ مبلغ الرجال. يقول ابن طفيل: ان عقل هذا الإنسان أخذ ينمو بنمو بدنه حتى تم نضوجه في تلك الجزيرة. واستطاع أن يفكر ويستنتج حتى توصل بتفكيره المجرد إلى كثير من الحقائق الكونية التي توصل إليها الفلاسفة العظام من قبل. يريد ابن طفيل بهذا أن يبين للقاريء أن العقل البشري جهاز فطري وأنه ينمو من تلقاء ذاته، فلا حاجة به إلى التدريس والتلقين. ويبدو أن ابن طفيل يرى بأن العقل البشري حين ينمو بعيداً عن سخافات المجتمع وأباطيله يصبح أسلم تفكيراً وأصح إستنتاجاً. وهو بذلك يحبذ للمفكرين أن يبتعدوا في تأملاتهم عن الناس ويتسامون عن عنجهياتهم. إنه بعبارة أخرى، يدعو المفكرين إلى الصعود إلى البرج العاجي. ولا ريب أن هذا الرأي هو رأي الفلاسفة القدماء جميعاً، فابن طفل إذن لم يأت بشيء جديد. وليس له من الفضل في هذا إلا ابتداعه لقصه شيقة حيث عرض فيها ذلك الرأي القديم في قالب جديد. وقد لاقت قصة "حي ابن يقظان" هذه رواجاً عظيماً بين المفكرين وتُرجمت إلى كثير من اللغات، وحاول تقليدها والإقتباس منها فلاسفة وكتاب من مذاهب شتى. والغريب أن كثيراً من كتابنا ومفكرينا لا يزالون حتى يومنا هذا متأثرين بهذه القصة ويعتبرونها الكلمة الأخيرة في قضية العقل البشري. إنهم لا يزالون يؤمنون بأن العقل موهبة طبيعية تنمو من تلقاء ذاتها سواء أعاش الإنسان في مجتمع أم عاش منذ ولادته وحيداً منعزلاً. أما الأبحاث العلمية الحديثة فهي تكاد تجمع على خطأ هذا الرأي. حيث ثبت اليوم أن العقل البشري صنيعة من صنائع المجتمع، وهو لا ينمو أو ينضج إلا في زحمة الاتصال الاجتماعي. فإذا ولد الإنسان وترعرع بين الحيوانات فإنه يمسى حيواناً مثلهم. وما قصة "حي ابن يقظان" التي إبتدعها خيال فيلسوفنا الرائع إلا وهم أو خرافة لا وجود لها في عالمنا الذي نعيش فيه. صــ132 : 133


▬ كنت أتحدث مع أحد الأمريكيين حول هذا النزاع الرقيع. فسألني الأمريكي عن علي وعمر: "هل هما يتنافسان الآن على رئاسة الحكومة عندكم كما تنافس ترومن وديوي عندنا" فقلت له: "إن عليا وعمر كانا يعيشان في الحجاز قبل ألف وثلاث مئة سنة. وهذا النزاع الحالي يدور حول أيهما أحق بالخلافة!". فضحك الأمريكي من هذا الجواب حتى كاد يستلقي على قفاه. وضحكت معه ضحكاً فيه معنى البكاء. وشر البلية ما يضحك!. والغريب أني نقلت هذه القصة إلى أحد رجال الدين عندنا فقال لائماً: "ولماذا تفضحنا أمام الأجانب؟!". إنه يرتكب الفضيحة ولا يُبالي ثم يتألم حين يسمع بها الأجانب. والأغرب من هذا أن يُعلق الرجل على هذه القصة فيقول: "إن الأجانب عندهم من الفضائح أكثر مما عندنا". وعذره هذا أبشع من ذنبه. صــ247

  • Digg
  • Del.icio.us
  • StumbleUpon
  • Reddit
  • RSS

وُعّاظ السلاطين (علي الوردي)


• إن الطبيعة البشرية لا يمكن اصلاحها بالوعظ المجرد وحده. فهي كغيرها من ظواهر الكون تجري حسب نواميس معينة. ولا يمكن التأثير في شيء قبل دراسة ما جُبل عليه ذلك الشيء من صفات أصيلة.
• الغريب أن الواعظين أنفسهم لا يتبعون النصائح التي ينادون بها. فهم يقولون للناس : نظفوا قلوبكم من أدران الحسد والشهوة والأنانية، بينما نجدهم أحياناً من أكثر الناس حسداً وشهوة وأنانية.
• دأب وعاظنا على تحبيذ الحجاب وحجر المرأة، فنشأ من ذلك عادة الانحراف الجنسي في الرجل والمرأة معاً. فالإنسان ميال بطبيعته نحو المرأة، والمرأة كذلك ميالة نحو الرجل. فإذا منعنا هذه الطبيعة من الوصول إلى هدفها بالطريق المستقيم لجأت اضطراراً إلى السعي نحوه في طريق منحرف.
• إنهم يتركون الطغاة والمترفين يفعلون ما يشاؤن. ويصبون جل اهتمامهم على الفقراء من الناس فيبحثون عن زلاتهم وينغصون عليهم عيشهم وينذرونهم بالويل والثبور في الدنيا والآخرة.
• إن الطبيعة البدوية هي طبيعة الحرب. فالبدوي لا يفهم من دنياه غير التفاخر بالقوة والشجاعة والغلبة، وهذه تؤدي عادة إلى حب التعالي والرئاسة والكبرياء.
• إن الواعظ يجعل الناس شديدين في نقد غيرهم، فالمقاييس الأخلاقية التي يسمعونها من أفواه الوعاظ عالية جداً. وهم لا يستطيعون تطبيقها على أنفسهم فيلجأون إلى تطبيقها على غيرهم، وبذا يكون نقدهم شديداً.
• إن الإنسان بوجه عام يحب مصلحته قبل أن يحب مصلحة الغير. فهو إذا رأى المصلحتين متناقضتين آثر طبعاً مصلحته الخاصة، وأهمل المصلحة الاخرى، فالإنسان الفاسد هو كالصالح في ذلك. الفرق بينهما آت من كون أحدهما قد أتاحت له الظروف أن تكون مصلحته مطابقة للمصلحة العامة، فسعى في سبيلها وظن الناس أنه يسعى في سبيلهم فقدروه وكافاوه فانتفعوا به بمثل ما انتفع هو بهم.
• مشكلة الوعاظ عندنا أنهم يحاولون تقويم السلوك بمجرد قولهم للإنسان : كن .. ولا تكن .. كأنهم يحسبون السلوك طيناً يكيفونه بأيديهم كما يشاؤون.
• إن من مفارقات الإسلام أن قد ظهر فيه رجلان متناقضان في كل وجه : أحدهما أسس فيه مُلكاً عظيماً والآخر أسس ثورة طاحنة - هما معاوية وعلي.
• إذا تكاتف السيف والقلم على أمر، فلابد أن يتم ذلك الأمر عاجلاً أو آجلاً.
• لقد افتتح المتوكل عهداً جديداً في تاريخ الإسلام حيث صار الدين والدولة نظاماً واحداً. وأخذ الدين يؤيد الدولة بقلمه، بينما أخذت الدولة تؤيده بسيفها. ورفع الناس أيديهم بالدعاء هاتفين: "اللهم انصر الدين والدولة".
• لعلنا لا نبعد عن الصواب إذا قُلنا بأن النزاع بين الشيعة وأهل السنة اتخذ شكل التعصب لآل النبي من جهة ولأصحاب النبي من الجهة الأخرى. فاهل السنة تعصبوا للأصحاب. بينما تعصب الشيعة للآل. وأخذ كل فريق يُغالي في تمجيد من تعصب لهم.
• كان سلاطين الصفويين لا يختلفون اختلافاً أساسياً عن سلاطين العثمانيين - كلهم كانوا يعبدون الله وينهبون عباد الله. ولم يكن الفرق بينهم إلا ظاهرياً. إذ كان جل همهم منصباً على تشييد المساجد وعلى زخرفة جدرانها وتذهيب منابرها...
• إن الصفويين خدّروا مذهب التشيع وروّضوه كما يُروض السبع الضاري. فأصبح التشيع بهذا الاعتبار كأنه "ثورة خامدة". ولعلنا لا نبعد عن الصواب إذا شبهمنا التشيع في وضعه الحاضر بالبركان الخامد-يخرج منه دخان ضئيل إشارة إلى ما كان عليه في العهود الغابرة من انفجار هدام.
• لقد ذهب علماء الإجتماع الذين بحثوا تاريخ الثورات إلى أن الطبقات المضطهدة كثيراً ما تلجأ إلى اعتناق بعض الخرافات لتحارب بها الحكام الظالمين. ويُطلق على هذه الخرافات اسم الأساطير الإجتماعية Social myths.
• إن الخطر كل الخطر من الخرافة التي يؤمن بها المجتمع ويبذل جهده في سبيل تحقيقها.
• كل حاكم محاط بحاشية تحجب الناس عنه. وهو قد يُخادع نفسه فيخرج إلى الناس يستمع إلى شكواهم. ولكنه لا يستطيع رغم ذلك أن يفهم عن حقائق المجتمع أكثر مما يستسيغه إطاره الفكري الذي صنعه له حاشيته والحافون به.
• ويعم البلاء حين يحف بالحاكم مرتزقة من رجال الدين. فهؤلاء يجعلونه ظل الله في أرضه، ويأتون بالملائكة والأنبياء ليؤيدوه في حكمه الخبيث. وبهذا يُمسي الحاكم ذنباً في صورة حمل وديع.
• إن نظام التصويت الذي تقوم عليه الديمقراطية الحديثة ليس هو في معناه الإجتماعي إلا ثورة مُقنّعة. والانتخاب هو في الواقع ثورة هادئه. حيث يذهب الناس اليوم إلى صناديق الانتخاب، كما كان أسلافهم يذهبون إلى ساحات الثورة، فيخلعون حكامهم ويستبدلون بهم حكاماً آخرين.
• كان السلطان المسلم يأتي إلى العرش عن طريق المرحوم أبيه. فهو لا يعرف من أمور الدولة سوى أن يتمتع بميراث أبيه، ويداري الجلاوزة والجلادين الذين يؤديونه في تدعيم هذا الميراث.
• لقد آن الأوان لكي نحدث انقلاباً في أسلوب تفكيرنا. فقد ذهب زمان السلاطين وحل محله زمان الشعوب. وليس من الجدير بنا، ونحن نعيش في القرن العشرين، أن نفكر على نمط ما كان يفكر به أسلافنا من وعاظ السلاطين.

=========================================
▬ لقد ابتلينا في هذا البلد بطائفة من المفكرين الأفلاطونيين الذين لا يجيدون إلا إعلان الويل والثبور على الانسان لانحرافه عما يتخيلون من مثل عليا، دون أن يقفوا لحظة ليتبنوا المقدار الذي لائم الطبيعة البشرية من تلك المُثل. فقد اعتاد هؤلاء المفكرون أن يعزوا علة ما نعاني من تفسخ إجتماعي إلى سوء أخلاقنا. وهم بذلك يعتبرون الاصلاح أمراً ميسوراً. فبمجرد أن نصلح أخلاقنا، ونغسل من قلوبنا أدران الحسد والأنانية والشهوة، نصبح على زعمهم سعداء مرفهين ونعيد مجد الأجداد. إنهم يحسبون النفس البشرية كالثوب الذي يُغسل بالماء والصابون فيزول عنه ما اعتراه من وسخ طاريء. وتراهم لذلك يهتفون بملء أفواههم : هذبوا أخلاقكم أيها الناس ونظفوا قلوبكم! فإذا وجدوا الناس لا يتأثرون بمنطقهم هذا انهالوا عليهم بوابل من الخطب الشعواء وصبوا على رؤوسهم الويل والثبور. وإني لأعتقد بأن هذا أسخف رأي وأخبثه من ناحية الإصلاح الاجتماعي..صــ5

▬ لقد صار الوعظ مهنة تدر على صاحبها الأموال، وتمنحه مركزاً اجتماعياً لا بأس به. وأخذ يحترف معنة الوعظ كل من فشل في الحصول على مهنة أخرى. إنها مهنة سهلة على أي حال. فهي لا تحتاج إلا إلى حفظ بعض الآيات والأحاديث ثم ارتداء الألبسة الفضفاضة التي تملأ النظر وتخلبه. ويستحسن في الواعظ أن يكون ذا لحية كبيرة كثة وعمامة قوراء. ثم يأخذ بعد ذلك بإعلان الويل والثبور على الناس، فيبكي ويستبكي - ويخرج الناس من عنده وهم واثقون بأن الله قد رضي عنهم وبنى لهم القصور الباذخة في جنة الفردوس. ويأتي المترفون والأغنياء، والحكام فيغدقون على هذا الواعظ المؤمن ما يجعله مثلهم مترفاً سعيداً.. صــ47

▬ إن الواعظين ينظرون في الأمور بمنظار المنطق القديم - منطق الثبات والتصنيف الثنائي. فالحسن حسن على الدوام والقبيح يبقى قبيحاً إلى يوم القيامة. والمنطق الاجتماعي الحديث يستخف هذا الرأي ويعتبره منطق السلاطين والمعتوهين. فالحسن في نظر المنطق الحديث لا يبقى حسناً إلى الأبد. إنه حركة وتغير مستمر. فما كان حسناً بالأمس قد يصبح اليوم قبيحاً. إن المنطق الحديث يدعى "منطق التناقض". فكل شيء يحمل نقيضه في صميم تكوينه. وهولا يكاد ينمو حتى ينمو نقيضه معه. وبذا يصير الشر خيراً بمجرد نموه وتحركه. صــ72

▬ يزعجني بعض رجال الدين حين أراهم يكتبون ويخطبون معلنين للناس أنهم يطلبون الحقيقة المجردة - غير دارين بأنهم يطلبون الحقيقة كما يشتهونها. والإنسان لا يفهم من الحقيقة إلا ذلك الوجه الذي يُلائم عقده النفسية وقيمه الاجتماعية ومصالحة الاقتصادية. أما الوجوه الاخرى من الحقيقة فهو يُهملها باعتبارها أنها مكذوبة أو من بنات أفكار الزنادقة - لعنة الله عليهم.. لا يستطيع أن يدنو من الحقيقة الكاملة إلا ذلك المشكك الذي ينظر في كل رأي نظرة الحياد. إن الشك هو طريق البحث العلمي. ولم يستطع العلماء المحدثون أن يبزوا أسلافهم في البحث إلا بعد أن اتبعوا طريق الشك. أما أولئك المتحذلقون الذين آمنوا بتقاليد آبائهم ثم جاؤونا يتفيقهون بطلب الحقيقة المجردة فهم لا يستحقون في نظر العلم الحديث غير البصاق. إننا لا نلوم رجال الدين على إيمانهم الذي يتمسكون به. ولكننا نلومهم على التطفل في البحث العلمي وهم غير جديرين به. إن الإيمان والبحث على طرفي نقيض. ولا يستطيع المؤمن أن يكون باحثاً. ومن يريد أن يخلط بينهما فهو لاشك سيضِّيع المشيتين. صــ231

▬ إن رجال الدين من الشيعة وأهل السنة يتنازعون على أساس قبلي كما يتنازع البدو في الصحراء. فكل فريق ينظر إلى مساويء خصمه، وكل حزب بما لديهم فرحون. قد يستغرب القاريء إذا علم بأن كلتا الطائفتين كانتا في أول الأمر من حزب واحد، وإن الذين فرقوا بينهما هم السلاطين ووعاظ السلاطين. ففي عهد الدولة الأموية كان الشيعة وأهل السنة يؤلفون حزب الثورة. إذ كان الشيعة يثورون على الدولة بسيوفهم، بينما كان أهل السنة يثورون عليهم بأحاديثهم النبوية - هؤلاء كانوا ينهون عن المنكر بألسنتهم، وأولئك كانوا ينهون عنه بأديهم [...] إن الثورة، بوجه عام، تحتاج إلى نوعين من السلاح، هما سلاح السيف وسلاح القلم. ولم تنجح ثورة في التاريخ من غير أقلام قوية، أو ألسنة، تدعو إليها وتنشر مبادئها بين الناس. فالسيف وحده لا يكفي لتدعي مبدأ من المباديء الثورية. فإذا لم تتبدل القيم الفكرية ويخلع الناس عن عقولهم طابع الخضوع والجمود، عجز السيف عن القيام بثورة ناجحة [...] قلنا في فصل سابق  أن العباسيين لم يكونوا يختلفون عن أسلافهم الأمويين من حيث الترف والطغيان أو من حيث السفك والنهب. إنما اختلفوا عنهم بالمظهر فقط. أولئك كانوا ينفرون من أهل الحديث ويضطهدونهم، وهؤلاء يبجلون ويذرفون الدموع الغزيرة عند حضورهم.  صــ231 : 233

▬ يقول البرفسور ادواردس : "إن الثوار دائماً يعتقدون بأن فساد المجتمع ناشيء عن فساد حكامه. ولهذا فهم يظنون بأن الصلاح الإجتماعي لا يتم إلا بتولي أناس صالحين مكانهم". يبدو أن نظرية ادواردس هذه تنطبق على ما كان قدماء الشيعة يؤمنون به من عصمة الإمام. إذ كانوا يرون فساد الأوضاع الإجتماعية ناتجاً من تحكم الملوك الفاسدين فيها. يروي الشيعة عن أحد أئمتهم أن الله قال: "لأعذبن كل رعية في الإسلام دانت بولاية إمام جائر ليس من الله، وإن كانت الرعية في أعمالها برة تقية. ولأعفون عن كل رعية في الإسلام دانت بولاية إمام عادل من الله، وإن كانت الرعية في أنفسها ظالمة مُسيئة". صــ251

▬ يزور الشيعة قبر الحسين بمئات الألوف كل عام. ثم يرجعون من الزيارة كما ذهبوا-لم يفعلوا شيئاً غير النواح واللطم. إنهم اليوم ثوار خامدون..فقد خدّرهم السلاطين، وحولوا السيوف التي كان يقاتلون بها الحكام قديماً إلى سلاسل يضربون بها ظهورهم وحراب يجرحون بها رؤوسهم. ومن يدري فقد يأتي عليهم يوم تتحول فيه هذه السلاسل والحراب إلى سيوف صارمة من جديد. إنهم لا يحتاجون في ذلك إلا إلى فرد مشاعب من طراز اللعين ابن سبأ (هذا إن لم يكن شخصية وهمية). صــ255


▬ إن العدالة الإجتماعية لا يمكن تحقيقها بمجرد أن تعظ الحاكم أو تخوفه من عذاب الله. فالحاكم قد يخاف الله أكثر منك وهوقد يعظك كما تعظه ويتضرع بين يدي ربه مثلما تتضرع. وأنت لو وعظته ألف مرة لبقي كما كان - يظلم الناس ويقول ساعدني يارب! العدالة ظاهرة إجتماعية لا تتأتى في مجتمع إلا بعد تنازع الحاكم والمحكوم عليه. إن الحاكم لا يستطيع أن يكون عادلاً من تلقاء نفسه، إذ هو قبل كل شيء إنسان، فيه من نقائص الطبيعة البشرية ما في غيره. وهو مهما كان تقياً في أعماق نفسه فإنه لا يفهم العدل كما يفهمه رعاياه القابعون في الأكواخ البعيدة [..] الإنسان هو الإنسان في كل زمان ومكان. وصديقك الذي تستعذب حديثه وتستطيب مظهره وأدبه، قد يكون من أظلم الناس إذا تولى زمام الحكم. هو الآن طيب لأنه بعيد من مباهج الحكم. وأنت لا تدري ماذا سوف يفعل إذا جلس على الكرسي وحف به الجلاوزة والجلادون من كل جانب. يقول المثل الإنكليزي: "إذا أردت أن تعرف حقيقة إنسان فاعطه مالاً أو سلطة". صــ262

  • Digg
  • Del.icio.us
  • StumbleUpon
  • Reddit
  • RSS

دلالة الألفاظ (إبراهيم أنيس)


• لقد تجنب بعض الباحثين الاعتماد على ألفاظ اللغة في علاجهم للنظام المنطقي في اللغة، واصطنعوا من أجل هذا رموزاً وإشارات أشبه برموز الرياضياتيين ومصطلحاتهم، حتى لا تكون آراؤهم متأثرة بما في دلالة الألفاظ من قصور، وما يكتنفها في كثير من الأحيان من ظلال المعاني التي تختلف باختلاف الناس.
• حين قورنت النصوص القديمة بالنصوص الحديثة تبين للباحثين أن التطور الصوتي في اللغات يميل في غالب الأحيان نحو تيسير النطق بها، والاقتصاد في الجهد العضلي أثناء صدورها.
• مهما يكن من اختلاف وجهات النظر بين المحدثين في تحديد الكلمات أو تعريفها، فإنهم يشيرون في كتبهم إلى اختبار دقيق يمكن أن نتبين منه معالم الكلمة أوحدودها، وذلك بأن يمكن إفرادها بالنطق (أي إمكانية إستقلالها) وحذفها من الكلام أو إقحامها فيه، أو الاستعاضة عنها بأخرى.
• يغالي بعض اللغويين فيتصورون أن هناك ربطاً طبيعياً بين الألفاظ ودلالتها، ولا يخطر ببالهم أن القدرة على استيحاء الدلالات مرجعها إلى ما يكتسبه المرء من ألفاظ معينة، ومن ربطه بين تلك الألفاظ ودلالتها ربطاً وثيقاً.
• بينما تجمع الدلالة المركزية بين الناس، تفرق بينهم الدالة الهامشية، وبينما تساعد الأولى على تكوين المجتمع وتعاونه وقضاء مصالحه، قد تعمل الثانية على خلق الشقاق والنزاع بين أفراده. ولكن الناس في حياتهم العامة يعتمدون على الدلالات المركزية ويكتفون بها عادةً..
• يجمع الباحثون في نشأة الدلالة على أنها بدأت بالمحسوسات، ثم تطورت إلى الدلالات المجردة بتطور العقل الإنساني ورقيه.
• إن الرجوع إلى المعاجم القديمة لا يُجدي كثيراً في البحث عن دلالة الألفاظ وتطور الدلالة. ولذلك من الواجب على الباحث في دلالة اللفظ العربي الرجوع إلى النصوص القديمة في الأدب العربي، والاهتداء بهديها، ودراسة الدلالة على ضوئها.

===========================================
▬ يبدو أن تشابك الكلمات أو تداخلها في الكلام المتصل هو الذي يجعل الطفل في المراحل الأولى يلتقط الكلام ممن حوله في صورة كتل لا انفصام بين أجزائها ويظل الطفل يستعمل تلك الكتل اللغوية زمناً ما، دون تحليل إلى أجزائها أو عناصرها، كلما أراد التعبير عن رغبة له من رغبات الطفولة الأولى. فقد سمعها للمرة الأولى ككتلة متماسكة الأجزاء، فتعلمها هكذا دون تدقيق في تفاصيلها أو تمييز بين عناصرها. ويظل على هذا الحال حتى تتكرر التجارب اللغوية على سمعه في مناسبات متعددة متباينة. قبل أن يقوم بعملية تحليل الكلام إلى أجزائه، ليتبين استقلال الكلمات بعضها عن بعض. وقد كان مما لاحظناه في أطفالنا أنهم تعودوا سماع ذلك السؤال التقليدي حين يقابلون شخصاً ما للمرة الأولى فيسألهم :"اسمك إيه شاطر ؟" وتعلم كل منهم أن يجيب عن اسمه قائلاً : محمد أو علي أو زينب ... إلخ ويتكرر نفس السؤال، ويتكرر معه نفس الجواب. ويحتفظ الطفل في باديء الأمر بصورة تقريبية لهذا السؤال التقليدي دون تمييز بين أجزائه وعناصره. فإذا نطق أمامه أحد الناس بما يشبه هذا السؤال في مجموعه كان يقول مثلاً "سمك ليه ياشافط ؟"، فقد يسارع الطفل إلى الإجابة التقليدية وينطق باسمه. [...] بل لقد أدى الربط الوثيق بين الكلمات إلى خلط بين نهايتها وبدئها في بعض الأحيان، مما ترتب عليه في آخر الأمر ظهور كلمات جديدة في اللغة، مثل الفعل العامي "جاب" الذي قد نشأ عن التعبير القديم "جاء بكذا"، وأن الباء قد اعتبرت نهاية للفعل السابق عليه، وكذلك الكلمة "عقبال" التي يرجح أنها تكونت من الاستعمال القديم عُقبى لكم أو لها أولنا...إلخ اقتربت اللام إلى الكلمة السابقة عليها، وأصبحت تكون جزءاً منها. صــ 40 : 41

▬ ما يمكن أن يتألف من حروفنا الهجائية يتجاوز 12 مليوناً من الكلمات، قرر هذا الخليل من قبل، وتقر صنعه الآن العمليات الحسابية الحديثة. ولكن المستعمل من الألفاظ لا يكاد يجاوز ثمانين ألفاً، فيها يشيع حرف أكثر من حرف، بل قد تختلف فيها نسبة شيوع الحروف على حسب موضعها من الكلمة. فلو أن اللغة كانت تسمح باستعمال كل تلك الملايين من الألفاظ لاشتبهت الحروف بعضها بعضاً في شيوعها، ولا يتكون للغة حينئذ نسيج خاص تتميز به. ولكن اللغة قد تخيرت مجموعات صوتية معينة هي التي اختصتها بالدلالة، وأهملت الكثرة الغالبة. صــ77

▬ هناك أمور ثلاثة يجب التمييز بينها وهي : اللفظ، الشيء، الصورة الذهنية. فكلمة "التفاح" لفظة تتكون من عدة أصوات يعرف دارس الأصوات كيف تصدر من الفم، وصفات كل صوت منها، وما تحدثه من اهتزازات وذبذبات حين النطق بها. و "الشيء" بالنسبة لكلمة التفاح هو تلك الفاكهة اللذيذة المعروفة، أما الصورة الذهنية فهي ما يتصوره كل منا حين يسمع تلك الكلمة. والربط الحقيقي لا يكون إلا بين الشيء وصورته الذهنية، أي أن اللفظ شيء أجنبي عنهما اُتخذ دليلا عليهما أو رمز لهما، ولكنه اكتسب مع الزمن صفة سَمَتْ به فوق اعتباره مجرد رمز من الرموز. صــ102

▬ من الواجب ألا يفوتنا أن الدلالة الحقيقية قد تتعدد، أي أن اللفظ ينحرف من مجاله الحقيقي إلى مجاله المجازي ثم يشيع ذلك المجاز حتى يصبح مألوفاً، ويعد حينئذ حقيقة، وتظل تلك الدلالة القديمة ملازمة للفظ في حدود ضيقة، ويكون للفظ دلالتان أو استعمالان وكلاهما من الحقيقة، غير أن إحدى الدلالتين تكون أكثر شيوعاً من الأخرى، بل قد يصل الأمر إلى أن تصبح الدلالة القديمة من الندرة وقلة الاستعمال بحيث تسترعي الانتباه، وتكاد تعد بمثابة المجاز حين تُقارن بالدلالة الجديدة الشائعة المألوفة.ومثلها حينئذ كمثل الشيخ والشاب كلاهما معروف موجود في بيئته غير أن أحدهما في طريقه إلى الزوال والآخر في عنفوانه. ومن النادر أن يكون للفظ الواحد دلالتان مشهورتان بنفس النسبة في وسط من الأوساط. صــ132 : 133


▬ يبدو أن جو الأمية في شبه الجزيرة العربية، والاعتماد على السمع وحده، قد ربط بين الألفاظ في الكلام المتصل ربطاً وثيقاً، أدى في آخر الأمر إلى ظهور تلك الحركات التي وصلت بين الكلمات، وسُميت فيما بعد بحركات الإعراب. ذلك لأن وحدة اللغة عند الأمي هي الجملة المفيدة، أو العبارة المرتبطة الأجزاء، ولو استطاع الأمي ألا يقف عن الكلام إلا حيث ينتهي غرضه لفعل. صــ206

  • Digg
  • Del.icio.us
  • StumbleUpon
  • Reddit
  • RSS

دور الكلمة في اللغة (ستيفين أولمان) - ترجمه وعلق عليه (كمال بِشر)


|| ملحوظة : يعرض المترجم أمثلة عربية عوضاً عن الأمثلة الإنجليزية (أحياناً) لتقريب المعنى لذهن القاريء العربي ||

• اللغة نظام من رموزصوتية مخزونة في أذهان أفراد الجماعة اللغوية، بينما الكلام نشاط مترجم لهذه الرموز الموجودة بالقوة إلى رموز فعلية حقيقة.
• إن الذاتية الصوتية للكلمة متحققة وثابتة بصورة قوية إذا نظرنا إلى الموضوع من ناحية اللغة، ولكن الذاتية غالباً ما تذوب وتختفي في الكلام المتصل، وإن كان ذلك بدرجات متفاوتة.
• المعنى : علاقة تبادلية بين اللفظ والمدلول، علاقة تمكن كل واحد منهما من استدعاء الآخر.
• المعنى المتعدد يتحقق في صورتين اثنتين: فقد يرتبط عدد من الألفاظ بمدلول واحد أو العكس، أي قد يكون الارتباط بين مدلولات عدة ولفظ واحد.
• إن معظم المترادفات ليست إلا أنصاف أو أشباه مترادفات، ولا يمكن استعمالها في السياق الواحد، أو الأسلوب الواحد دون تمييز بينها.
• قد يلحق بالمعنى عدة تغييرات لأسباب لغوية أو تاريخية أو إجتماعية...
• لقد كانت العادة في الايام الأولى لعلم المعنى - عندما كان لنظرية التطور لداروين تأثيرها البالغ في كثير من الميادين - أن يتحدث الدارسون عن الكلمات بل عن اللغات بأسرها، كما لوكانت حية ذات مراحل حيوية محددة، من ميلاد، فنمو ، فنضج ، فشيخوخة، فممات.
============================================

▬ ما السر في أن كلمة Apple قد ارتطبت ارتباطاً وثيقاً في أذهان كل المتكلمين بالإنجليزية بتلك الفاكهة بالذات، حتى صارت رمزاً لها ؟ إن الإجابة عن هذا السؤال تقتضي النظر في العلامات والرموزبوجه عام، حيث أنه من المعروف أن هناك علامات ورموزاً كثيرة غير لغوية، ومن ذلك أن كلمة اللغة إنما تحمل مكاناً واحداً فقط في الإطار العام للعمليات الرمزية. إننا حين نرى سحاباً كثيفاً في السماء نفسر ذلك على أنه دليل على مطر وشيك الوقوع. وإذا أراد الكلب مثلاً مغادرة حجرة مغلقة فإنه يرشدنا إلى ذلك بإعمال أظافره في الباب. ففي الحالة الأولى فُسرت ظاهرة طبيعية على أنها دليل على ظاهرة أخرى، وفي الحالة الثانية وجدت إشارة مقصودة نبهت السامع أو العاملين والأهم من ذلك كله على أية حال، هو عملية التحليل والتفسير نفسها. وقد القت التجارب المشهورة التي قام بها العالم النفسي الروسي Pavlov ضوءاً جديداً على هذه العملية. فقد اعتاد بافلوف أن يحدث صفيراً ذا نغمة خاصة وقت تقديمه الطعام لكلبه. ومن ثم حدث ترابط وثيق بين منظر الطعام ورائحته وطعمه وبين الصوت الذي يصاحب تقديم الطعام بانتظام. كل هذه الإنطباعات الحسية كونت جزءاً من خبرة عامة متكررة. وبعد أن اطمأن بافلوف إلى اسقرار هذه القرائن الحسية عمد ذات يوم إلى احداث الصفير ولكن دون إحضار الطعام. فوجد أن الكلب قد أظهر كل علامات توقع الطعام، وكان اللعاب الذي يثيره احداث الطعام عادة ً إحدى هذه العلامات، كل الذي حدث هو أن جزءاً من الخبرة قد انفصل عن بقية الأجزاء، وكان هذا الجزء وحده كافياً لاستدعاء بقية القرائن. وقد صاغ لنا الدكتور ريتشاردز عبارة معبرة - وإن كانت فجة إلى حد ما - يوضح بها الخاصة البارزة للعلامات، تلك العبارة هي "فاعلية نائبة" معناها أن عنصراً واحداً من خبرة مركبة قد انفرد بأداء دور المجموع "عن طريق النيابة" .. إذا صح هذا التعبير. ولنا حينئذ أن نعرف العلامة بأنها ذلك الجزء من الخبرة الذي في استطاعته أن يستدعي بقية الخبرة. صــ26

▬ في فجر التاريخ ظهرت الكتابة في أطوارها الأولى في ثلاثة مراكز كبرى من مراكز الحضارة، وهي الصين والعراق القديم ومصر. ويرجع نظام الكتابة في اللغة الإنجليزية إلى الهيروغليفية المصرية التي كانت في أساسها كتابة تصويرية..فكانت الرموز تدل على الأشياء لا على الكلمات. وعندما أخذ الساميون هذا النظام في النصف الأول من الألف الثانية قبل الميلاد أدخلوا عليه إبتكاراً مهماً، فأصبحت الرموز المصرية تستغل في الدلالة على الصوت الأول من الكلمة السامية.. من ذلك مثلاً أن الكلمة السامية التي تدل على "منزل" هي بيت beth. ومن ثم فقد أ ُخذ الرمز المصري الذي يمثل "المنزل" ليدل على صوت الباء في السامية، وكلمة ألف السامية معناها الثور.. وعلى هذا فالكلمة الإنجليزية Alphabet المشتقة من كلمة إغريقية مناظرة مأخوذة بدورها من الإسمين الساميين للحرفين الأولين من الأبجدية السامية - تعني "ثور - بيت" لو نظرنا إليها من ناحية أصلها واشتقاقها التاريخيين. كمال لا يزال الشبه واضحاً بين الحرف الإنجليزي O وبين الرمز المصري الذي يدل على "العين". وهذا النظام الكتابي الذي أخذه الإغريق عن الساميين والذي إنتقل إلى الرومان عن طريق الإغريق صار فيما بعد أساساً لا للأبجدية الإنجليزية فحسب، بل ولأبجدية القبائل الألمانية القديمة، ولأبجدية "السيريلية" التي كان يستعملها السلافيون المنتمون إلى الكنيسة الشرقية، والتي لا تزال حتى الآن تستعمل في روسيا وفي غيرها من العالم السلافي. صــ37

▬ لقد تعرض نظام الكتابة في كثير من بلاد العالم لنوع من الإصلاح والتحسين. أما في اللغة الإنجليزية فإن عدم وجود نظام ثابت في الكتابة قد وصل إلى درجة تستدعي إصلاحاً مناسباً معقولاً، بل إن هذا الإصلاح أصبح - في الواقع - أمراً لا مفر منه على مر الأيام. وقد جرت مناسبات كثيرة حول الآراء المؤيدة والمعارضة لإحداث ثورة شاملة في نظام كتابة اللغة الإنجليزية. وقد كان التحمس الشديد الذي أبداه برنارد شو إزاء ضرورة القيام بتغييرات جوهرية في نظام كتابة هذه اللغة، الفضل الكبير في مناقشة هذه القضية بالبرلمان حديثاً ،وفي أن للإقتراح الذي ينادي بالإصلاح كاد يحظى بالموافقة، لولا وقوف عدد قليل جداً من الأصوات في طريقه. وبالرغم من هذا كله، فإن المنشغلين بالدراسات اللغوية لا ترتاح نفوسهم إلى مثل هذه الخطط "الإصلاحية"، وذلك لاعتبارات عدة يدركونها جيداً... صــ40 : 41

▬ [..] وقد يصبح الاستعمال المجازي قديماً بالياً بالتكرار المستمر بحيث لا تحس بأنه مجاز. وفي هذا المعنى جاء القول التقليدي بأن اللغة "قاموس من الجازات التي فقدت مجازيتها بالتدريج" فالمتكلم الحديث مثلاً لا يدرك وجود أية علاقة بين "خلق" بالمعنى المعروف، كما في نحو "خلق الله الخلق" وبين "خلق" في نحو "خلق الخراز الأديم والخياط الثوب : قدره قبل القطع" وإنما يدرك هذه العلاقة أولئك اللغويون المهتمون بالبحث في تاريخ الكلمات وأصولها. الذين يعرفون أن "خلق" الأولى كانت في الأصل استعمالاً مجازياً (لخلق) الثانية. صــ76

▬ يقول ابن جني في خصائصه (ص 162 - 163 ، جـ 2) : إنهم "قد يضيقون إلى اختيار الحروف وتشبيه أصواتها بالأحداث المعبر عنها ترتيبياً وتقديم ما يضاهي أول الحديث، وتأخير ما يضاهي آخره، وتوسيط ما يضاهي أوسطه سوقاً للحروف على سمت المعنى المقصود والغرض المطلوب، وذلك كقولهم : بحيث، فالباء لغلظها تشبه بصوتها خفقة الكف على الأرض والحاء لصلحها تشبه مخالب الأسد وبراش الذئب ونحوها إذا غارت في الأرض، والثاء للنفث والبث في التراب". غير أن ابن جني - كما هو ملحوظ - قد ركز عنايته على الكلمات المفردة، لا على الجمل والعبارات، كما أنه بالغ إلى حد ما في التماس العلاقة بين الصوتية والأحداث المعبر عنها بهذه الأصوات. صــ80

▬ إن غموض المدلول وعدم وجود حدود دقيقة ثابتة لهذا المدلول قد تناولها نقاد اللغة بالمدح تارة وبالذم تارة أخرى. يتساءل القديس "أوجستين" :"ما الزمن ؟ إذا لم يسألني أحد فإنني أعرف، ولو سُئلت وحاولت أن أجيب فإنني لا أعرف". فالحكم إذن بأن اللفظ يدل على معناه دلالة دقيقة إنما هو حكم اضطراري مؤقت، وليس حكما يمثل الحقيقة في شيء. وقد بات من المقرر أن من الأهداف الكبرى لعلم العنى العام general semantics توجيه حملة لا هوادة فيها ضد كل الأمور العنوية والأفكار المجردة التي تؤدي إلى الزيف والتضليل. صــ91

▬ هناك طريقتان رئيسيتان تتبعها الكلمات في اكتساب معانيها المتعددة. الطريقة الأولى منها يمكن توضيحها بالكلمة الإنجليزية "operation" خير توضيح. هذه الطريقة تبدأ بمجرد حدوث التغير في تطبيق الكلمات واستعمالها، ثم يعقب ذلك شعور المتكلمين بالحاجة إلى الاختصار في تطبيق الكلمات واستعمالها، ثم يعقب ذلك شعور المتكلمين بالحاجة إلى الاختصار في المواقف والسياقات التي يكثر فيها تكرار الكلمة تكراراً ملحوظاً، ومن ثم يكتفون باستعمالها وحدها للدلالة على ما يريدون التعبير عنه. إنه ليس من الضروري مثلاً - بل لعله مما يوجب التندر أن تنص وأنت في مستشفى على أن العملية المشار إليها في الحديث هي عملية جراحية، وأنها ليست عملية استراتيجية أو صفقة تجارية في سوق الأوراق المالية. فإذا ما تبلورت الكلمة وتحدد معناها الجديد في البيئة الفنية الخاصة. كان لا بد لها في الوقت المناسب من ان توسع في حدود دائرتها الاجتماعية الخاصة، حتى تصبح مقررة ثابتة في الاستعمال اللغوي العام. صــ115

▬ المعروف أن كثيراً من اللواحق (suffixes) الإنجليزية كانت في الأصل كلمات مستقلة. فحين تكرر ظهور هذه الكلمات في المواقع الثانية في كلمات مركبة كثيرة، أخذت تفقد ذاتيتها بالتدرج، حتى آلت إلى مجرد عناصر صرفية قابلة للدخول في أي أمثلة جديدة بالطريقة ذاتها. هذه العملية تعرف "باللصق" أو "الوصل والضم"، وهي عملية لها كذلك دور مهم في تصريف الكلمات فاللاحقة dom - في نحو wisdom ، حكمة ، و Christendom المسيحية، هي هي الكلمة doom وكلاهما مشتق من الفعل to do ، واللاحقتان head في نحو Godhead الألوهية و hood في maidenhood عذرية. كان لهما في يوم من الايام معنى kind ، نوع ، الذي لا يزال ملحوظاً في الكلمة المركبة : mankind، النوع الإنساني، ولقد استنفدت بعض هذه اللواحق القديمة طاقتها وفاعليتها، بينما لا يزال البعض الآخر خصباً كما كان من قبل. فلا يزال في استطاعتنا أن نصوغ من الصفات ظروفاً جديدة لا حصر لها بإضافة اللاحقة ly التي ترجع - مع صاحبتها like - في نحو godlike "رباني" - إلى الكلمة الإنجليزية القديمة lic [...] وتستطيع بعض اللغات أن تكون كلمات ضخمة شنيعة بوساطة تكديس اللواحق والنهايات الصرفية بعضها فوق بعض. من هذه اللغات - وهي ما تعرف باللغات اللصقية "agglutinative languages" - اللغة الهنغارية التي تحتوي على كلمات لا يكاد يستطيع اللسان النطق بها، كتلك الكلمة التي تتكون من ثلاثة عشر مقطعاً : legeslegmegvesztegethcterlenebbaknek. صــ 139 : 140


▬ إن كل تعريف من التعريفات إنما يعني محاولة ربط معنى غير معروف بمعنى مألوف، وهو بهذه الصفة ليس إلا صورة من صور استبدال الكلمات word - substitution ومثل هذا الاستبدال يمكن أن يتم بسهولة ونجاح، إذا كانت أنواع العلاقات التي تربط بين الجهتين بعضهما محددة تحديداً واضحاً. والحق أن هذه العملية يمكن السيطرة عليها دون عناء كبير، حيث إن عدد هذه العلاقات أو طرق الربط  محدود للغاية، ولا يختلف الأمر هنا عن عملية إرشاد شخص ما إلى مكان غير معروف له بطريق اختيار مكان معروف معرفة جيدة، وجعله نقطة البداية، ثم وصف الطريق الذي يتلوه. فللإجابة على السؤال: "كيف أصل إلى ميدان كمبرج" (بلندن) ؟ يذكر لنا أوجد وريتشاردز الرد قد يكون هكذا. "أنت تعرف المتحف البريطاني، وتعرف الطريق إلى شارع شافتزبرى أفينيو. إذا دخلت الشارع وواصلت السير فيه فسوف يقابلك في الطريق ميدان كمبردج". صــ218

  • Digg
  • Del.icio.us
  • StumbleUpon
  • Reddit
  • RSS

علم الدلالة (أحمد مختار)


• يعرفه بعضهم بأنه "دراسة المعنى" أو "العلم الذي يدرس المعنى" أو "ذلك الفرع من علم اللغة الذي يتناول المعنى" أو "ذلك الفرع الذي يدرس الشروط الواجب توافرها في الرمز حتى يكون قادراً على حمل المعنى".
• لقد عرف بعضهم الرمز بأنه "مثير بديل يستدعي لنفسه نفس الاستجابة التي قد يستدعيها شيء آخر عند حضوره". ومن أجل هذا قيل إن الكلمات رموز لأنها تمثل شيئاً غير نفسها وعرفت اللغة بأنها "نظام من الرموز الصوتية الُعرفية".
• إن علم المعنى لا يقف فقط عند معاني الكلمات المفردة لأن الكلمات ما هي إلا وحدات يبني منها المتكلمون كلامهم، ولا يمكن اعتبار كل منها حدثاً كلامياً مستقلاً بذاته.
• يُعرف المورفيم بأنه أصغر وحدة ذات معنى. ويُقسم إلى : مورفيم حر وهو الذي يمكن استعماله بمفرده، ومورفيم متصل وهو الذي لا يُستعمل منفرداً، بل متصلاً بمورفيم آخر. ومثالها كلمة "رجلان" المكونة من مورفيم حر (رجل) ومورفيم متصل (ان) علامة التثنية. و re كما في remark بخلاف re في recover التي لا تملك معنى مستقلاً.
• بعض الناس قد يظن أنه يكفي لبيان معرفة معنى الكلمة الرجوع إلى المعجم ومعرفة المعنى أو المعاني المدونة فيه. وإذا كان هذا كافياً بالنسبة لبعض الكلمات، فهو غير كافٍ بالنسبة لكثير غيرها.
• لا يُعتبر شرطا ً بالنسبة للمتكلمين بلغة معينة أن يتفقوا في المعنى أوالمعاني الإضافية. كما أن المعني الإضافي مفتوح وغير نهائي، بخلاف المعنى الأساسي. ومن الممكن أن يتغير المعنى الإضافي ويتعدل مع ثبات المعنى الأساسي.
• نادرا ما تجد كلمتين تتطابقان في معناهما الأساسي تتطابقان كذلك في المعنى الأسلوبي مما حدا ببعض اللغويين إلى أن يقول "إن الترادف الحقيقي غير موجود".
• المعنى النفسي يشير إلى ما يتضمنه اللفظ من دلالات عند الفرد. فهو بذلك معنى فردي ذاتي. وبالتالي معنى مقيدا بالنسبة لمتحدث واحد فقط، ولا يتميز بالعمومية، ولا التداول بين الأفراد جميعا.
• وبالتالي يمكن حصر أنواع المعنى في خمسة أنواع وهي: المعنى الأساسي أو التصوري أو المفهومي - المعنى الإضافي أو العرضي أو الثانوي اوالتضمني - المعنى الأسلوبي - المعنى النفسي - المعنى الإيحائي.
• هناك عدة معايير لقياس المعنى، منها : التدرج بناء على الكلمات المتضادة - المعيار النفسي - المعيار الفسيولوجي - معيار النَظْم.
• يمكن حصر النظريات التي تناولت المعنى في : النظرية الإشارية - النظرية التصورية - النظرية السلوكية - نظرية السياق - نظرية الحقول الدلالية - النظرية التحليلية.
• يرى بعض الباحثين أن اللغة الإنجليزية بميلها إلى تقصير الكلمات الطويلة تخلق الكثير من كلمات المشترك اللفظي. ويمكن أن يمثل ذلك بكلمة fan بمعنى مروحة وكلمة fan في مثل قولهم : football fan التي هي اختصار لكلمة fantastic.
• من تعاريف المعنى : الصورة الذهنية للشيء أو العلاقة بين الرمز والصورة - الشيء المشار إليه أو العلاقة بين الرمز والشيء الخارجي - الموقف والإستجابة لمثير كلامي معين - استعمال الكلمة في اللغة ودورها الذي تؤديه في صحبة غيرها - محصلة علاقات الكلمة بالكلمات الأخرى داخل الحقل الدلالي - تجمع من عناصر دلالية تمييزية ذات علاقات متبادلة.
• يقول اللغويون المحدثون إنه لا يوجد مترادف كامل في اللغة. فإذا اختلف لفظان صوتياً فلا بد أن يختلفا دلالياً. فاللفظان buy و purchase متقاربان دلالياً ولكنهما ليسا متطابقين. ولذا لا يمكن تبادلهما بصورة كاملة.
• توجد في بعض اللغات حساسية نحو ألفاظ معينة ربما اتبطت ببعض المعاني التي لا يحسن التعبير عنها بصراحة. ولذا تتجنبها وتستعمل بدلها ألفاظاً أخرى أقل صراحة. ويوسف اللفظ المتروك أو المقيد الاستتخدام بأنه من ألفاظ "اللمساس" taboo.

==============================================
▬ لقد نتج عن اختلاف المنهج اختلاف النظرة إلى المعنى، واختلاف تعريفه. وهذا هو السر في أن كتاب أوجدن ورتشاردز (معنى المعنى) مثلاً يحوي ما يزيد على عشرين تعريفاً تعكس اتجاهات مختلفة من فلسفية ومنطقية وأخلاقية ونفسية وأدبية وغيرها. ومعظم التعارض بين هذه التعريفات ناتج عن حرص كل متخصص على أن يُلبي التعريف احتياجاته ومتطلبات حقله الدراسي. صــ53

▬ الحقل الدلالي Semantic field أو الحقل المعجمي Lexical field هو مجموعة من الكلمات ترتبط دلالاتها، وتوضع عادة تحت لفظ عام يجمعها. مثال ذلك كلمات الألوان في اللغة العربية. فهي تقع تحت المصطلح العام "لون" وتضم ألفاظاً مثل : أحمر - أزرق - أصفر - أخضر أبيض .. إلخ وعرفه Ullmann بقوله : "هو قطاع متكامل من المادة اللغوية يعبر عن مجال معين من الخبرة" ، و Lyons بقوله : "مجموعة جزئية لمفرادات اللغة". وتقول هذه النظرية (نظرية الحقول الدلالية) إنه لكي تفهم معنى كلمة يجب أن تفهم كذلك مجموعة الكلمات المتصلة بها دلالياً، أوكما يقول Lyons : يجب دراسة العلاقات بين المفرادات داخل الحقل أو الموضوع الفرعي. ولهذا يعرف Lyons معنى الكلمة بأنه "محصلة علاقاتها بالكلمات الأخرى في داخل الحقل المعجمي". وهذا التحليل للحقول الدلالية هو جمع الكلمات التي تخص حقلاً معيناً، والكشف عن صلاتها الواحد منها بالآخر، وصلاتها بالمصطلح العام. ويتفق أصحاب هذه النظرية - إلى جانب ذلك - على مباديء منها: 1- لا وحدة معجمية Lexeme عضو في أكثر من حقل. 2- لا وحدة معجمية لا تنتمي إلى حقل معين. 3- لا يصلح إغفال السياق الذي ترد فيه الكلمة. 4- استحالة دراسة المفردات مستقلة عن تركيبها النحوي. وقد وسع بعضهم مفهوم الحقل الدلالي ليشمل الأنواع الآتية : 1- الكلمات المترادفة والكلمات المتضادة. وقد كان A.Jolles أول من اعتبر ألفاظ الترادف والتضاد من الحقول الدلالية. 2- الأزوان الاشتقاقية، وأطلق عليها اسم الحقول الدلالية الصرفية. Morpho-Semantic fields. 3- أجزاء الكلام وتصنيفاتها النحوية. 4- الحقول السنتجماتية Syntagmatic fields ، وتشمل مجموعات الكلمات التي تترابط عن طريق الإستعمال، ولكنها لا تقع أبداً في نفس الموقع النحوي. ويقسم بعضهم العلاقات بين كلمات الحقل السنتجماتي إلى نوعين : أ- الوقوع المشترك. ب- التنافر. ويمثل للأول بإمكانية القول: Travel by foot, Wander by foot, Go by foot. وعدم إمكانية القول: Walk by foot, Run by foot. رغم أن Walk و Run تحتويان على نفس العناصر الدلالية للحركة القدمية. صــ 79 : 81

▬ المشترك اللفظي نوعان : 1- نوع حدث نتيجة تطور الجانب الدلالي أي نتيجة اكتساب الكلمة معنى جديداً أو معاني جديدة مثل كلمة operation التي تستعمل للدلالة على الخطة العسكرية وعلى العملية الجراحية وعلى الصفقة المالية .... ومثل كلمة "بشرة" التي تعني جلد الإنسان، وتطلق كذلك على النبات. ويسمى هذا النوع : بوليزيمي (كلمة واحدة - معنى متعدد). 2- نوع حدث نتيجة تطور في جانب النطق، ويحدث هذا حين توجد كلمتان تدل كل منهما على معنى ثم يحدث عن طريق التطور الصوتي أن تتحد أصوات الكلمتين وتصبحا في النطق كلمة واحدة. مثال ذلك كلمة sea بمعنى يحر و see بمعنى يرى (لا يهم الهجاء). ويُسمى هذا النوع هومونيمي homonymy (كلمات متعددة - معان متعددة). صــ137

▬ على الرغم من وجود ظاهرة استخدام اللفظ الواحد في معنيين متضادين في كل اللغات فإن الإهتمام الذي لاقته هذه الظاهرة من اللغويين المحدثين كان ضئيلاً، وربما لم تشغل من اهتمامهم إلا قدراً يسيراً، ولم تستغرق مناقشتهم لها إلا بضعة أسطر. ومن ذلك ما ذكره أولمان في كتابه المترجم "دور الكلمة في اللغة" أثناء حديثه عن تعدد المعنى : "من المعروف أن المعاني المتضادة للكلمة الواحدة قد تعيش جنباً إلى جنب لقرون طويلة بدون إحداث أي إزعاج أو مضايقة. فالكلمة اللاتينية altus مثلاً قد يكون معناها "مرتفع" أو "منخفض". وهذا مرجعه إلى الإدراك النسبي للمدى. وهو إدارك تتحكم فيه وجهة نظر المتكلم. والكلمة sacer هي الأخرى قد يكون معناها "مقدس" أو "ملعون". وكذلك الشأن في الكلمة الفرنسية sacré ، والكلمة الإنجليزية blessed (مقدس أو ملعون). صــ191

▬ [..] وقد ألف أبو هلال العسكري كتابه "الفروق في اللغة" للإبطال الترادف وإثبات الفروق بين الألفاظ التي يدعى ترادفها. وقد بدأ كتابه بعنوان : "باب في الإبانة عن كون اختلاف العبارات والأسماء موجباً لاختلاف المعاني في كل لغة" قال فيه: "الشاهد أن اختلاف العبارات والأسماء يوجب اختلاف المعاني أن الاسم كلمة تدل على معنى دلالة الإشارة. وإذا أشير إلى الشيء مرة واحدة فعرف، فالإشارة إليه ثانية وثالثة غير مفيدة. وواضع اللغة حكيم لا يأتي فيها بما لا يفيد. فهذا يدل على أن كل اسمين يجريان على معنى من المعاني وعين من الأعيان في لغة واحدة فإن كل واحد منها يقتضي خلاف ما يقتضيه الآخر، وإلا لكان الثاني فضلاً لا يحتاج إليه ... وكما لا يجوز أن يدل اللفظ الواحد على معنيين فكذلك لا يجوز أن يكون اللفظان يدلان على معنى واحد. لأن في ذلك تكثير للغة بما لا فائدة فيه." وهؤلاء الذين أنكروا الترادف أخذوا يلتمسون فروقاً بين الألفاظ التي تبدو مترادفة. ومن ذلك تفريق أبي هلال العسكري بين المدح والثناء بقوله : إن الثاني المدح المتكرر . وبين المدح والإطراء بقوله : إن الثاني هو المدح في الوجه. وكذلك تفريقه بين القديم والعتيق، وبين الخلود والبقاء، وبين الحب والود، وبين الإرادة والمشيئة، وبين الغضب والغيظ، وبين الغضب والسخط، وبين السخاء والجود، وبين الجود والكرم..صــ218 : 219

▬ يختلف مفهوم الترادف الكامل من لغوي إلى آخر حسب المنهج الذي اتبعه في تعريف المعنى. ونوع المعنى الذي يتحدث عنه. ومن التعريفات الكثيرة للترادف نقتبس ما يأتي : 1- التعبيران يكونان مترادفين في لغة ما إذا كان يمكن تبادلهما في أي جملة في هذه اللغة دون تغيير القيمة الحقيقية لهذه الجملة. 2- الكلمات المترادفة هي الكلمات التي تنتمي إلى نفس النوع الكلامي (أسماء - أفعال) ويمكن أن تتبادل في الموقع دون تغيير المعنى أو التركيب النحوي للجملة. 3- يتحقق الترادف عند أصحاب النظرية التصورية إذا كان التعبيران يدلان على نفس الفكرة العقلية أو الصورة. 4- يتحقق الترادف عن أصحاب النظرية الإشارية إذا كان التعبيران يستعملان مع نفس الشيء بنفس الكيفية. 5- يتحقق الترادف عند أصحاب النظرية السلوكية إذا كان التعبيران متماثلين عن طريق اتصال كل منهما بنفس المثير والإستجابة. 6- يتحقق الترادف عند أصحاب النظرية التحليلية إذا كانت الشجرة التفريعية لإحدى الكلمتين تملك نفس التركيب التفريعي للأخرى، أو إذا اشترك اللفظان في مجموع الصفات الأساسية التمييزية. 7- الترادف من جانبين. (أ) و (ب) يكونان مترادفين إذا كان (أ) يتضمن (ب) ، و (ب) يتضمن (أ). صــ223

▬ يشترط (إبراهيم أنيس) لتحقق الترادف : أ- اتحاد العصر. ب- اتحاد البيئة اللغوية، أي أن تكون الكلمتان تنتميان إلى لهجة واحدة أو مجموعة منسجمة من اللهجات. ولا يصح أن نلتمس الترادف - كما فعل الأقدمون - من لهجات العرب المتباينة حين عدوا الجزيرة العربية كلها بيئة واحدة. جـ -الإتفاق في المعنى بين الكلمتين اتفاقاً تاماً، على الأقل في ذهن الكثرة الغالبة لأفراد البيئة الواحدة. وليس الحكم في ذلك الأدباء وذوي الخيال الخصب، وإنما جمهور الناس متوسطهم. د- اختلاف الصورة اللفظية للكلمتين بحيث لا تكون إحداهما نتيجة تطور صوتي عن الأخرى. فليس من الترادف أزّ وهزّ، ولا أصر وهصر، ولا كمح وكبح. ومن أمثلة الترادف التي حققت الشروط عنده : آخر وفضل - حشر وجاء - بعث وأرسل.. صــ227

▬ كلمة poison الإنجليزية كانت تعني "الجرعة من أي سائل" ولكن الذي حدث هو أن الجرعات السامة دون غيرها هي التي استرعت الانتباه واستأثرت به لسبب أو لآخر. وبهذا تحدد مدلول الكلمة وأصبح مقصوراً على أشياء تقل في عددها عما كانت تدل عليه الكلمة في الأصل إلى حد ملحوظ. وكلمة "حرامي" هي في الحقيقة نسبة إلى الحرام. ثم تخصصت دلالتها واستعملت بمعنى اللص في القرن السابع الهجري في بعض النصوص المروية. وفي لهجات الخطاب تخصصت كلمة "الطهارة" وأصبحت تعني الختان، وتخصصت كلمة "الحريم" فبعد أن كانت تطلق على كل محرم لا يمس أصبحت الآن تطلق على النساء. وكذلك كلمة العيش تخصصت في مصر بالخبز. وفي بعض البلاد العربية بالأرز. ويمكن تفسير التخصيص أو التضييق بعكس ما فسر به توسيع المعنى. فقد كان توسيع المعنى نتيجة إسقاط لبعض الملامح التمييزية للفظ، أما التخصيص فنتيجة إضافة بعض الملامح التمييزية للفلظ، فكلما زادت الملامح لشيء ما قل عدد أفراده. صــ246

▬ المشكلة الأساسية في عملية الترجمة بين لغتين هي محاولة إيجاد لفظ في لغة ما مطابق للفظ آخر في لغة أخرى، وهذا يفترض من البداية تطابق اللغتين في التصنيف، وفي الخلفيات الثقافية والاجتماعية، وفي مجازاتها واستخداماتها اللغوية، وفي أخيلتها وتصوراتها .. وهو مالا يتحقق ولا يمكن أن يتحقق مطلقاً. ويختلف اللغويون المحدثون في هذا مع أرسطو الذي كان يرى أن المعاني تتقابل تماماً من لغة إلى لغة، بمعنى أن أي كلمة في لغة يمكن أن نجد لها مرادفاً مطابقاً في اللغة الأخرى. فإذا كان الاختلاف موجوداً بين الفرد والفرد من أبناء اللغة، بل بين الفرد ونفسه من موقف إلى موقف، ومن حالة إلى حالة، فإنه موجود - ولا شك - بين اللهجة واللهجة، وبين اللغة واللغة. صــ251


▬ كثيراً من التعبيرات المجازية تعكس خبرة اجتماعية أو ثقافة معينة، ولذا لا تكاد تُفهم إذا تُرجمت في اللغة الأخرى. ومن أمثلة ذلك التعبير الإنجليزي : a red letter day للدلالة على اليوم المليء بالبهجة والسرور. فقد نشأن التعبير أولاً من عادة التقويم الإنجليزي كتابة أيام الأعياد الرسمية والإجازات الدينية بحروف حمراء. ومن ذلك أيضاً التعبير العربي: الملازم الصفراء الذي يعني الكتب التراثية حتى لو طُبعت على ورق أبيض، وجلدت في شكل كتاب. وهو يشير بخاصة إلى كتب الأزهريين في القديم التي كانت تطبع في شكل ملازم، وعلى ورق أصفر رخيص الثمن. صــ258

  • Digg
  • Del.icio.us
  • StumbleUpon
  • Reddit
  • RSS

علم الأصوات (كمال بشر)


• الوحدات الصوتية أو الفونيمات تأخذ في الكلام المتصل صوراً مختلفة بحسب السياق الصوتي الذي تقع فيه. وهذه الصور أو الظواهر ترتبط ارتباطاً تاماً بما يجاور هذه الفونيمات في الكلام وتعتمد عليه.
• الفوناتيك يجمع المادة الخام والفنولوجيا يطبخها أي يحيلها إلى شيء نافع ذي قيمة، شأن الطبخ الذي يجعل من المواد الغذائية طعاماً يتمتع به الآكلون.
• الفنولوجيا التوليدية أريد بها أن تكون نظرية عالمية، لا يختص تطبيقها على لغة دون أخرى، في حين أن "الفنولوجيا" في مفهومها العام مقصور تطبيقها على لغة معينة، لأن لكل لغة نظامها الفنولوجي الخاص، وإن اتفقت اللغات أحياناً في بعض الأحداث المنطوقة الفعلية.
• إذا كانت اللغة عبارة عن ضوضاء تتسم بالتنظيم فإن الفوناتيك يدرس الضوضاء، وعلم اللغة يبحث في هذا التنظيم وقواعده.
• ..أما إذا وَضَعَ الزامرُ أنامله على خروق الناي أو أعمل أصابعه في نقاط معينة من وتر العود، خرجت أصداء مختلفة وتشكلت أصوات لا يُشبه بعضها البعض الآخر، نتيجة الحصر والضغط الحادثين من الصنعة، وإعمال الأنامل والأصابع. وهذا ما يحدث تماماً في الحلق والفهم.. (الفرابي - الموسيقى الكبر)
• تنقسم الأصوات الصامتة إلى ثلاث تقسيمات أو فئات وهي بحسب :1- وضع الأوتار الصوتية. 2- المخارج والأحياز. 3- كيفية مرور الهواء عند النطق.
• الصوت المهموس voiceless هو الصوت الذي لا تتذبذب الاوتار الصوتية حال النطق به، وهي كما ينطقها مجيدو القراءات اليوم او كما ينطقها المختصون في اللغة العربية اليوم هي : ت ث ج ح س ش ص ط ف ق ك هـ.
• الأصوات الصامتة المجهورة في اللغة العربية كما ننطقها اليوم هي : ب ج د ذ ر ز ض ظ ع غ ل م ن والواو في نحو (ولد، وحوض) والياء في نحو (يترك، بيت).
• للحركات Vowels في كل اللغات مشكلاتها الخاصة. فهي تختلف فيما بينها اختلافاً واضحاً من حيث عددها وطبيعتها وصفاتها المميزة لها. وهي بالإضافة إلى ذلك أكثر الأصوات قابلية للتطور والتغير من جيل إلى جيل ومن فرد إلى آخر.
• إن الفتحة والكسرة والضمة "زوائد" فالفتحة من الألف والكسرة من الياء والضمة من الواو. (الخليل بن أحمد)
• .الحركات في اللغة العربية (الفُصحى) من حيث النطق تسع قصار وتسع طوال فهي إذن ثماني عشر، ولكنها من ناحية الوظيفة ست حركات فقط [ملحوظة : المقصود بالصوت الوظيفي أو الفونيم، أصغر وحدة صوتية تساهم في تعيين المعنى]
• إن الفونيم فكرة لغوية، وليست فكرة نفسية. (تروبتسكوي)
• الفونيمات هي أصغر وحدات صوتية مُمَيِزة، إنها أصغر وحدات تقوم بعملية التفريق بين معاني الكلمات..إنها ليست أصواتاً ولكنها مجرد صفات صوتية يستطيع المتكلم بالتدريب والخبرة اللغوية أن يُنتجها وأن يتعرفها في سياق الأصوات الكلامية الحقيقية. (بلومفيلد)
• يرى العالم الأمريكي (ترادل" أن الفونيم لا وجود له من الناحية العضوية ولا من الناحية العقلية، وإنما هو وحدة تجريدية يقوم الباحث باستخلاصها من الأحداث النطقية بعد تجريدها والوصول منها إلى "كلِّ" أو وحدة مستقلة.
• الفونيم وسيلة مهمة في تسهيل عملية تعليم اللغات الأجنبية؛ فالأصوات الفعلية المنطوقة في أية لغة كثيرة كثرة فائقة، في حين أن فونيمات كل لغة تقل في عددها عن عدد هذه الأصوات المنطوقة بالفعل بصورة ملحوظة.
• يرى فيرث أنه من الأولى والأدق أن نشير إلى الفونيمات الثانوية بإسم آخر يرعى قيمتها ووظائفها، هو "الظواهر التطريزية" Prosodic features.
• المقطع والنبر متلازمان في الدرس والتحليل. ذلك أن المقطع حامل للنبر، والنبر أمارة من أمارات تَعَرُّفه.
• لا يزال تعريف المقطع تعريفاً علمياً عاماً يمثل صعوبة ظاهرة أمام الدارسين.. فمنهم من نحا الجانب الصوتي المحض، وآخرون اعتمدوا الجانب الفونولوجي معياراً للحكم، أي : الجانب الوظيفي للمقطع ودوره في بناء الكلمة في اللغة المعينة.
• هذه اللغات التي يعتمد التفريق فيها بين معاني الكلمة، أوالتمييز بين الأجناس الصرفية للكلمة على درجة النغمة تُسمى اللغات النغمية tone languages.
• التنغيم عنصر مكمل للمنطوق لا ينفك عنه وأمارة صحته ووفائه بالمعنى المقصود، وفقا لنوعيات التراكيب ونوعيات مقامات الكلام.
• لا تتحقق الوقفة  [.] إلا بتمام الكلام في مبناه ومعناه..
• إن المنطوق لا يكتمل معناه ولا يتم تحديده وتوضيحه إلا إذا جاء مسكوا بكسائه المعين من الظواهر الصوتية الأدائية التي تناسب بناءه ومقامه. كالنبر والتنغيم والفواصل الصوتية، أو ما يُمكن نعتها جميعا بالتلوين الموسيقي للكلام.

▬ إن الأصوات هي اللبنات الأولى في البناء اللغوي وأساسه الذي يقوم عليه. ولا خير في بناء تهالكت لبناته، واهتز قوامه مادة ً وصَنعة. المادة هنا هي الأصوات المقررة لكل لغة وصنعتها الإتيان بها أدءاً ونطقاً على وجهها الصحيح. لو وجّه الناس - متخصصين وغير متخصصين - اهتمامهم إلى تعرف أصوات لغتهم واستيعابها مادة وصنعة، لساروا في الطريق الصحيح إلى إجادة لغتهم والتمكن منها، الأمر الذي الذي يقودهم في النهاية إلى الفوزبلغة تعكس شخصيتهم وتحكي أنماط  أفكارهم وسلوكهم في اتساق وتكامل، اتساق ما بين أفراد المجتمع وتكاملهم. صــ26
▬ [...] فالتنغيم عامل جد مهم في تنميط الجمل إلى إثباتية واستفهامية وتعجبية...إلخ. والفواصل الصوتية ممثلة في السكتة - تنبيء بوضوح عن اتصال طرفي الجملة بعضها ببعض، كما هو الحال في الجملة الشرطية. وقد منحتنا اللغة العربية أدوات معينة تشير إلى هذا الربط. ومن أمثلتها الفاء الواقعة في جواب الشرط في حالات معينة، وكاللام الواقعة في جواب "لو ولولا". صــ28

▬ [...] فالفوناتيك هو علم أصوات الكلام والفنولوجيا علم أصوات اللغة (لغة بعينها) ، والأول أقرب إلى علوم الطبيعة منه إلى علم اللغة، إنه عندهم ليس فرعاً من علم اللغة، إنه شيء ثانوي، ليس هدفاً في ذاته، وإن كان وسيلة من وسائل دراسة الأصوات على مستوى الفنولوجيا. ولكن هذا الأخير جزء لا يتجزأ من علم اللغة. الفوناتيك إذن - عند هذه المدرسة (يقصد مدرسة براج) - وظيفته دراسة الأصوات المنطوقة بالفعل في الكلام فينظر في حركات أعضاء النطق وأوضاعها، كما يلاحظ الذبذبات الهوائية الناتجة مباشرة عن هذه الحركات والأوضاع. أما الفنولوجيا فلا يهتم بالأصوات بهذا الوصف، وإنما عليه أن يدرس الفونيمات. وهي العناصر المكونة للمعنى اللغوي. وهي عناصر غير مادية، إنها عناصر عقلية. ويكون تحقيقها المادي بوساطة الصوت الفعلي أو النطق. صــ76

▬ الحلق، الفم ، التجويف الأنفي، التجويف الشفوي، هذه المناطق الأربع هي الأجهزة الأساسية في إحداث الوضوح السمعي للكلام، وبها يتم تشكيل الأصوات بصور مختلفة، ومنحها صفات تميز بعضها البعض. بعض هذه التجاويف ثابت، كالتجويف الحلقي والأنفي، في حين أن التجويف الفموي متغير بلا نهاية في شكله وحجمه وفي كل الحالات غالباً، بسبب حركات اللسان الذي يملأ الفم ويشكل الجزء الأسفل منه، وكذلك الشفاه قابلة للحركة في شكلها وحجمها بصورة كبيرة، ومن شأنها أن تُعدل في تأثير التجويف الفموي. صــ142

▬ قد ينطبق الوتران الصوتيان انطباقاً تاماً فلا يسمح بمرور الهواء إلى الحلق مدة هذا الإنطباق، ومن ثم ينقطع النفس، ثم يحدث أن ينفرج هذان الوتران، فيخرج صوت انفجاري نتيجة لاندفاع الهواء الذي كان محبوساً حال الانطباق التام. هذا الصوت هو همزة القطع. فهمزة القطع في العربية إذن صوت صامت لا هو بالمهموس لا بالمجهور. وقد عد بعضهم الهمزة العربية صوتاً مهموساً على حين قرر علماء العربية القدامى أنها صوت مجهور، ولكنا نأخذ الرأي الذي تبنيناه وهو كونها صوتاً لا بالمجهور ولا بالمهموس [..] ينبغي أن يدرك القاريء أن المصطلحين "جهر وهمس" لا يعنيان بحال ما يُفهم من دلالاتهما المعجمية، وهي أن "الجهر" يُعني "رفع الصوت أو إعلان القول"، وأن "الهمس" في الكلام هوخفاؤه، فلا يكاد يُسمع، وإنما المعني بهما في دراسة الأصوات أو في الإصطلاح الصوتي الدقيق هو "مجرد ذبذبه الأوتار في حال الجهر أو انفراجها بحيث يُسمح بمرور الهواء دون اعتراض في حالة الهمس". ولا يعنينا بعدُ أن يكون الصوت في أي من الحالتين أعلى أو اظهر أو أخفى أو أقل تاثيراً في السمع. فالشين في العربية صوت مهموس في عرفنا، وإن كان أبين في النطق وأقرب منالا للسمع من صوت مجهور كالدال مثلاً. فالمصطلحان (وما تفرع منهما) إذن منقولان من المعنى العام إلى المعنى الخاص، من باب التخصيص أو المجاز - قُل ما شئت. صــ175

▬ تختلف الحركات في عددها من لغة إلى أخرى اختلافاً كبيراً. وتستطيع أن تتأكد من ذلك حين تحاول المقارنة بين حركات اللغة العربية مثلاً وحركات اللغة الإنجليزية. سوف يتبين لك حينئذ أن الحركات الأساسية في اللغة العربية ثلاث أو ست حركات إذا أُخذت القصر والطول في الحسبان، في حين أن الحركات الرئيسية في اللغة الإنجليزية إحدى وعشرون حركة بين ثنتان وعشرون إذا ضممنا إليها ما يُعرف بالحركة المركزية. ولا نعدو الحقيقة إذا قررنا أن حركات اللغة الواحدة تختلف فيما بينها من بيئة إلى أخرى. قارن مثلاً بين العربية حين يتكلم بها عراقي بحركات هذه اللغة ذاتها حين ينطق بها مصري. سوف تجد أن هناك فروقاً دقيقة بين هذه الحركات في الحالتين، وسر هذا الخلاف يرجع إلى تأثر كل منهما بعادات النطق المحلية، أي تأثره بحركات لهجته الخاصة [..] الحركات أصعب من الأصوات الصامتة في النطق إلى حد  ملحوظ. يظهر ذلك بخاصة عند الإنتقال من اللغة القومية إلى اللغات الأجنبية. ولنا - نحن المصريين - خبرة في ذلك. فكل منا واجه يوماً ما بعض الصعوبات في نطق حركات اللغة الإنجليزية أو بضعها. وليس من الخطأ في شيء أن نقول إن بعض المثقفين - بل بعض المتخصصين في اللغة الإنجليزية هنا - لا يزالون عاجزين عن نطق حركات هذه اللغة نُطقاً سليماً وبالطريقة التي تألفها آذان الإنجليز. صــ222

▬ هناك إشارات متناثرة في أعمال السابقين والخالفين تشير، بل تكاد تؤكد أن صوت الظاء (لا الضاد) هو الخاص بالعربية. جاء في "لسان العرب" :"روى الليث أن الخليل قال: الظاء حرف عربي خص به لسان العرب لا يشركهم فيه أحد من سائر الأمم. والظاء من الحروف المجهورة. والظاء والذال والثاء في حيزواحد". ويأتي صاحب "تاج العروس" ويسجل هذه الراوية بنصها (تقريبا)، ويزيد عليها قوله: قال شيخنا وصرح بمثله أبو حيان وشيخه ابن أبي الأحوص وغير واحد. فلا يعتد بمن قال إنما الخاص (بالعربية) الضاد". صــ272

▬ [..] وقد أدرك سيبويه ٍ هذه العلاقة بين الحركات الثلاث (الفتحة والكسرة والضمة) وحروف المد، وعبر عن ذلك بعبارات لا تخرج في مضمونها عما قرره الخليل.ويأتي بعد فترة من الزمن ابن جني فيلسوف العربية الذي تُعد أعماله بمثابة "المذكرات التفسيرية" لقوانين العربية وضابطها، ويعبر عن هذه العلاقة (علاقة الجزئية بين الحركات وحروف المد) بعبارات أوضح وأقرب منا للإستيعاب، فيقول : (سر صناعة الإعراب ج1 ص19): "أعلم أن الحركات ابعاض حروف المد واللين. وهي الألف والياء والواو، فكما أن هذه الحروف ثلاثة فكذلك الحركات ثلاث، وهي الفتحة والكسرة والضمة. الفتحة بعض الألف والكسرة بعض الياء والضمة بعض الواو. وقد كان متقدمو النحويين يسمون الفتحة بالألف الصغيرة والكسرة الياء الصغيرة والضمة الواو الصغيرة، وقد كانوا في ذلك على طريق مستقيمة". صــ422

▬ ألم يأن لعلماء العربية أن يدركوا أن الحركات القصار لها دور حاسم في ضبط أهم خاصة من خواص العربية، ونُعني بها الإعراب ؟ الإعراب هو دليل صحة الكلام أو خطئه. والعنصر الفاعل لهذا الضبط هو الحركات بوصفها أصواتاً (لا علامات) اُختصت بهذه الوظيفة البالغة الأهمية، دون الأصوات الصامتة. أما كان ذلك كله دافعا إلى الوقوف مع الحركات القصار وقفة متأنية تعدل أهميتها ووظائفها في اللغة؟ [..] وهكذا بقيت المشكلة على حالها، وهكذا سلم لنا زعمنا من أن قُدامى اللغويين لم يوجهوا إلى الحركات القصار الإهتمام الُمناسب لموقعها في النظام الصوتي للغة، ولوظائفها البالغة الأهمية في تشكيل النظام. صــ429 : 430

[مدخل إلى الفونولوجيا]

▬ الكلام الإنساني عند الأداء النُطقي مكون من سلسلة من الأحداث النُطقية (الأصوات المنطوقة) المتداخلة المتشابكة التي يصعب التفريق بينهما، أووضع حدود تفصل بينهما فصلاً حاسماً كما في الكلام المتصل. وهذه الأحداث المنطوقة - بالإضافة إلى ذلك - كثيرة كثرة السياقات الصوتية التي تقع فيها. وهذا التداخل والتشابك له صور كثيرة، يظهر أثرها في تعدد أمثلة الصوت الواحد التي تتفق في شيء وتختلف في شيء آخر. فالتاء مثلاً بوصفها صوتاً مهموساً مرققاً قد يُصيبها الإجهار في نحو "انعتْ داود" لمجاورتها الدال المجهورة، وقد يمسها شيء من التفخيم في مثل "جرتْ طوال الوقت" لاتصالها بالطاء وهي مفخمة. والباء الساكنة في "اركبْ معنا"، وهي في الأصل وقفة انفجارية، أصابها "التأنيف" متأثرة بالميم التالية لها وهي صوت أنفي خالص. والنون - وهي صوت أسناني لثوي - تصير صوتاً شفوياً في "انبهر" لمجاورتها الباء الشفوية. والنون بالذات لها صور نُطقية أخرى كثيرة، يظهر فيها التعدد بصورة أجلى وأوضح. تدبر ذلك في نطق النون الساكنة في "إن ثاب" - إن شاء - إن قال - من يكن، إلخ، تجد أن كل صورة من هذه النونات تختلف عن أختها في موضع النطق، ولكنها جميعها - على الرغم من ذلك - ما تزال تكون حزمة واحدة تمثل كلاً أو وحدة صوتية واحدة اصطلح على تسميتها "صوت النون". وهذه الظاهرة ليست مقصورة على الصوامت، بل إن الحركات أيضاً لها نصيب ملحوظ من تعدد الصور بحسب السياق فالسكون في "إنْ" يُنطق بالكسر في نحو "إن ارتبتم"، للتخلص من التقاء الساكنين، وكذلك الحال في سكون الواو في مثل "اخشوْا" حيث يحرك بالضمة في "اخشوُا الله" ونحوه. وتخضع الحركات أيضاً للتغير والتعدد في الكم من حيث القصر والطول في الكلام المتصل. فالكسرة في الحرف "في" كسرة طويلة ولكن يصيبها القصر في نحو "في البيت". ولو انتقلنا من إطار الكلام المتصل إلى الكلمات المفردة، لوجدنا هذا التعدد لأمثلة الصوت الواحد يظهر بصورة أوضح وأجلى. فقد يُهمس المجهور ويُجهر  المهموس، أو تختلف صور النطق تبعاً للسياق، كما في حال القاف والخار والغين. فهي أصوات مرققة إذا أُتبعت بكسر في حين أنها تخضع لشيء من التفخيم إذا كانت متلوّة بفتح أو ضم [..] وتعدد الصور النطقية للحركات ملحوظ أيضاً على مستوى الكلمة المفردة. فالفتحة الطويلة مثلاً مفخمة في "طاب" ومرققة في "تاب" ولكنها بين بين في نحو "قال"، وهكذا الحال في سائر الحركات. صــ 477 : 478

▬ وهنا يبرز سؤال مهم: متى يمكن لنا أن نعد "النون" مثلاً صوتاً واحداً؟ ومتى يجوز لنا أن نحسبها عدة أصوات؟ الإجابة على هذا السؤال تختلف باختلاف وجهة نظر الدارس إلى الموضوع. النون صوت واحد إذا نظرت إليها من الناحية الوظيفية، أي إذا نظرت إليها من حيث كونها قادرة على تغيير معاني الكلمات أوعدم قدرتها على ذلك. ولكنها عدة أصوات (الوفونات) إذا نظرت إليها من الناحية النطقية الصرفة فقط، أي: من حيث واقعها في النطق الفعلي في الكلام ومن حيث تأثيرها على السمع.. ولتفسر ذلك بصورة أوضح نقول: إن النون صوت واحد بوصفها ليست باء أو تاء أو ... إلخ: بوصفها ذات وظيفة لغوية، أي قدرتها على تغيير معاني الكلمات. فالفرق في المعنى  بين "ناب وثاب" مثلاً يرجع إلى وجود النون في الكلمة الأولى والثاء في الثانية. ومن ثم كان كل منهما - بهذه النظرة - صوتاً واحداً لا عدة أصوات. أما أفراد النون أو صورها المختلفة فلها قيمة نطقية فقط، أي أنه يمكن تمييز كل منها في النطق والسماع، ولكنها ليست ذات وظيفة لغوية، إذ لا تتغير معاني الكلمات بإحلال إحداها مكان الأخرى. وذلك لسبب بسيط وهو أن النون في "إن ثاب" مثلاً لا تحل محل النون في "إن شاء" في الأسلوب اللغوية الواحد، في حين أن النون - بوصفها "وحدة" أو صوتاً مستقلاً، بقطع النظر عن أفرادها وأمثلتها المنوعة - هي التي تتبادل المواقع مع غيرها من الواحدات، كما مر في "ناب وثاب". صــ480

▬ [..] ويرى أصحاب الرأي الرابع بأن الفونيم حزمة من الخواص الصوتية الأساسية التي يعتمد عليها في التفريق بين الوحدات الصوتية للغة ما. فالميم في العربية مثلاً يُنظر إليها على أنها مجموعة من السمات التالية: الأنفية والجهر والشفوية. وهذه الخواص الثلاث الأساسية الفارقة بين الميم وغيرها من الوحدات، وتُسمى حينئذ فونيم الميم. ويقرر هؤلاء أن بعض هذه الصفات يرجع إلى مخرج الصوت وبضعها إلى سمات النطق. ويُسمى هذا الرأي أو تلك النظرية بنظرية "السمات الفارقة" التي ترى أنه من الضروري أن تتميز الواحدات الصوتية أو الفونيمات في لغة ما بعضها من بعض بوجود صفة فارقة واحدة في الأقل. وهكذا الحال في النظر إلى اللغات المختلفة، إذ من الطبيعي أن تختلف السمات الفارقة في هذه اللغات. فالتفخيم في العربية مثلاً صفة فارقة، ولكنه ليس كذلك في لغات أخرى كالإنجليزية مثلاً. والهمس والإنفجارية والشفوية حزمة في الفونيم الإنجليزي [p] التي تختلف عن فونيم الباء [b] في العربية بصفة فارقة مهمة، هي الهمس في الإنجليزية والجهر في العربية. وهذه النظرية - وإن كانت تشبه رأي بلومفيلد في الأخذ بمبدأ السمات الفارقة عند تعيين الفونيم - يُفهم منها صراحة ً أنها تدخل النطق الفعلي وسماته في الحسبان عند النظر في الفونيمات وتعيينها. ومن هنا كان الحكم على هذه النظرية بأنها تقرب الشقة بين "الفوناتيك" phonetics و"الفنونولوجيا" phonology، أو لعلها لا تفرق بينهما أصلاً. صــ490

▬ الفونيم وحدة صوتية تميز كلمة عن أخرى، أي تقوم بالتفريق بين الكلمات من النواحي الصوتية (وهذا طبيعي) والصرفية والنحوية والدلالية. فكلمة "نام" مثلاً تختلف عن "قام" في المعنى بالإضافة إلى إختلافهما في التركيب الصوتي، بفضل وجود فونيم النون في الكلمة الأولى والقاف في الثانية. والفرق بين "من" (بكسر الميم) و"من" (بفتحها) فرق في الصرف والنحو والمعنى جميعا. فالأولى حرف جر يفيد الإبتداء والثانية تصح أن تكون اسم استفهام أو اسم موصول، ولكل منهما موقعه في البناء اللغوي ووظيفته. وترجع هذه الفروق كلها إلى وجود فونيم الكسرة في الكلمة الأولى وفونيم الفتحة في الثانية. صــ491

▬ انتشرت فكرة الفونيم واتسعت دوائرها، حتى اختطفها الأمريكان (كعادتهم في كل العلوم والفنون) وأشبعوها بحثاً ودراسة، وتعميقاً وتفصيلاً إلى أن انتهى الأمر بهم إلى تشكيل فرع خاص من الدراسات اللغوية سموه "علم الفونيمات" The phonemics. وهو علم أو فرع يناظر الفونولوجيا Phonology (علم وظائف الأصوات) عند الأوروبيين، أو هو ما يزال تحت مظلة الفونولوجيا بالمعنى الواسع عند بعضهم: خلاف بين الأمريكان وبعض الأوربيين الآن [..] وقد نهج الأمريكان في دراسة الفونيم منهج "التقطيع" أي: تقطيع السلسلة الكلامية إلى قطع، أو وحدات أو عناصر، لكل منها موقعه واسمه الخاص به. وقد أثر هذا النهج في المستويات اللغوية الأخرى، صرفية أو نحوية، على خلاف ما يسير عليه غيرهم كالإنجليز مثلاً الذين يأخذون السلسلة الكلامية وحدة متصلة متكاملة، لا انفصام بين مكوناتها، شأنها في ذلك شأن "الخيط" [..] ومن الجدير بالذكر أن هؤلاء الإنجليز لا ينحازون إلى فكرة الفونيم هذه، ولا يأخذونها في الحسبان، كما لا يستخدمون مصطلحاتها إلا قليلاً وبطريق عابرة، ويرون أن "الفونولوجيا" بمعناها الواسع جديرة أن تقدم المباديء والأسس العلمية الدقيقة لدراسة أصوات اللغة. واختلف الإنجليز والأمريكان (وغيرهم من الدارسين) حول نقطة أخرى مهمة تتعلق بفكرة الفونيم. هذه الفكرة تتمثل في الإجابة عن سؤال هل للفونيم معنى؟ يرى كثير من الأمريكان وغيرهم أن الفونيم لا معنى له. ولعلهم بذلك يقصدون المعنى العقلي أوالُمعجمي، وما إلى ذلك، ولكن فيرث (حين يشير إلى الفونيم) يؤكد أن للفونيم معنى، أي: أن له قيمة ووظيفة مهمة، تتلخص في قيامه بالتفريق بين معاني الكلمات، وهو رأي وجيه مقبول عندنا. صــ494 : 495

▬ جرى العرف عند بعض الدارسين على تصنيف الفونيم إلى صنفين. الأول سموه "الفونيم الرئيسي Primary phoneme ,الثاني نعتوه بالفونيم الثانوي Secondary phoneme وهذا التصنيف الثنائي هوالنهج السائد في الأوساط الأمريكية، وبخاصة مدرسة بلومفيلد وأتباعه. وقد أخذ بهذا التصنيف كثير من اللغويين في العالم.. والمقصود بالفونيم الرئيسي عند هؤلاء تلك الوحدة الصوتية Unit التي تكون جزءاً من اصغر صيغة لغوية ذات معنى منعزلة عن السياق. أو قل، الفونيم الرئيسي عندهم هو ذلك العنصر الذي يكون جزءاً أساسياً من بنية الكلمة المفردة، وذلك كالباء والتاء إلخ بوصفها وحدات، لا أمثلة نطقية فعلية، وكذلك الفتحة والكسرة والضمة بهذا الوصف أيضا. أما الفونيم الثانوي عند هؤلاء جميعاً فيطلق على  كل ظاهرة أو صفة صوتية ذات مغزى أو قيمة في الكلام المتصل. ومعناه أن الفونيم الثانوي - على العكس من الفونيم الرئيسي - لا يكون جزءاً من بنية الكلمة، وإنما يظهر ويُلاحظ فقط في الكلام المتصل، أي: حين تُضم كلمة إلى أخرى، أو حين توظف الكلمة المفردة بصورة معينة، كأن تُستخدم جملة بذاتها. ومن أمثلة الفونيم الثانوي درجة الصوت - النغمة، النبر - التنغيم (موسيقى الكلام) - قصر الحركات وطولها إلخ. ومعنى هذا بإختصار أن الفونيمات الثانوية تكسو المنطوق كله وتُكسبه صفات أو سمات مميزة، ولكنها في كل الحالات لا تكّون أية عناصر من بنية هذا النطوق أو مفرداته. ومراعاة لهذه الفروق بين الصنفين وموقعهما في الكلام الإنساني. رأي بعضهم تسمية فونيمات النوع الأول "الرئيسي" بالفونيمات التركيبية أو القطعية، والثانية بالفونيمات فوق التركيبية أو غير القطعية. صــ496

▬ النبر (stress) في اللغة معناه البروز والظهور، ومنه "المنبر في المساجد ونحوها. وهذا المعنى العام ملحوظ في دلالته الإسطلاحية؛ إذ هو في الدرس الصوتي يُعني نُطق مقطع من مقاطع الكلمة بصورة أوضح وأجلى نسبياً من بقية المقاطع التي تجاوره. ومعلوم أن الكلمة تتكون من سلسلة من الأصوات المترابطة المتتابعة التي يسلم بعضها إلى بعض، ولكن هذه الأصوات تختلف فيما بينها قوة وضعفا، بحسب طبيعتها ومواقعها. فالصوت أو المقطع الذي يٌنطق بصورة أقوى مما يجاوره يسمى صوتاً أومقطعاً منبوراً، stressed. ويتطلب النبر عادة بذل طاقة في النطق أكبر نسبياً، كما يتطلب من أعضاء النطق مجهوداً أشد. لاحظ مثلاً الفرق في قوة النطق وضعه بين المقطع الأول (القصير) والمقطعين الآخري (القصيريين) في "ضَرَبَ" ['da/ra/ba]، تجد أن [da] المقطع الأول ينطق بارتكاز أكبر من زميليه في الكلمة نفسها. وهذا ما نلاحظه أيضا في المقطع [kaa] من "كاتب" ['kaa/tib] وفي المقطع [ruub] من "مضروب" [mad/'ruub]. صــ512

▬ [..] في هذه اللغات ونحوها يرشدنا النبر بطريق ضمنية إلى بداية الكلمات ونهايتها. ولكن الاعتماد على النبر ومواقعه في تحديد الكلمات المتصل لا يمكن تطبيقه على اللغة الإنجليزية، إذ ليس بها نظام ثابت للنبر. إنها لغة من ذوات النبر الحر free ، حيث ينتقل النبر فيها من مكان إلى آخر في الكلمة الواحدة كما في الكلمة record مثلاً. فهي اسم إذا كان النبر على المقطع الأول، ولكنها فعل إذا وقع النبرعلى المقطع الثاني والأخير. فالنبر هنا - وإن كان صالحاً لتعيين الجنس الصرفي للكلمة - لا يمكن اعتماده مرشداً إلى بدايات الكلمة ونهايتها في الكلام المتصل. صــ515

▬ [..] وتوظيف العربية للنبر على مستوى الجملة لا يُعني أنها لغة نبرية بالمعنى الدقيق. ذلك أن المعنى في اللغات النبرية يخضع للتغير (وبخاصة على مستوى الكلمة) بتغيير مواقع النبر ودرجاته وكيفيات توزيعه.. فالنبر في العربية على المستويين جميعاً ذو قوانين ثابتة مقررة، بحيث  يقع في مواقعه المعينة بحسب التركيب المنطقي للبنية اللغوية، سواء أكانت هذه البنية كلمة أم جملة. كل الذي حدث ويحدث أحياناً هو أن النبر قد يأتي على درجات مختلفة من حيث القوة أو التوسط أو الضعف في بعض الجمل ومكوناتها لأغراض تعبيرية خاصة. ومعناه أن مواقع النبر لم تتغير، وإن أصاب النبر شيء من التنوع في الدرجة بتنوع الأغراض والمقاصد. وفي كل الحالات ما يزال المعنى العام للجملة ثاتباً، وإن اشتُمتْ منه (بسبب تغير درجات النبر) ملامح دلالية إضافية، ثانوية أو هامشية، قد تُفيد أغراضاً مقصودة كالتأكيد أو شدة الإهتمام أو المفارقة...صــ523 : 524

▬ التنغيم في الإصطلاح هو موسيقى الكلام، فالكلام عن إلقائه تسكوه ألوان موسيقية لا تختلف عن "الموسيقى" إلا في درجة التواؤم والتوافق بين النغمات الداخلية التي تصنع كلاً متناغم الوحدات والجنبات. وتظهر موسيقى الكلام في صورة ارتفاعات وانخفاضات أو تنويعات صوتية، أو ما نسميها نغمات الكلام، إذ الكلام - مهما كان نوعه - لا يُلقى على مستوى واحد، بحال من الأحوال. صــ533

▬ يؤدي الإنسان في القديم والحديث كلامه المنطوق بتلوينات موسيقية مختلفة، وهو لا يدري كنهها أو أنماطها أو حتى وظائفها،  وإنما يأتي به كذلك جريا على عاداته اللغوية المكتسبة من الجو اللغوي العام في البيئة المعينة. قد يُخطيء بعضهم في التلوينات المناسبة، فيرشده أهل الخبرة والذوق اللغوي الخاص، كما حدث من أبي الأسود مع ابنته؛ فأبو الأسود لم يتلق دروسا في التنغيم، ولم يقم هو نفسه بدراسته نظرياً، وإنما استوعب أبعاده ووظائفه بسليقته الجارية على سنن الناطقين الأسوياء. صــ548

▬ الفواصل الصوتية مصطلح نطلقه نحن على مجموعة من الظواهر الصوتية التي تشكل ظواهر أخرى - كالنبر والتنغيم - تلوينا موسيقيا خاصا بالمنطوق، يحدد طبيعة التركيب وماهيته ودلالته. هذه الفواصل هي : الوقفة stop والسكتة pause والاستراحة أو أخذ  النفس. وكلها ذات خطر وبال في صحة الأداء الصوتي وتجويده، وفي التحليل النحوي والدلالي للتراكيب. صــ553

▬ السكتة في اصطلاحنا أخف من الوقفة وأدنى منها زمنا. وهي في حقيقة الأمرلا تُعني إلا مجرد تغيير مسيرة النطق بتغيير نغماته، إشعارا بأن ما يسبقها من الكلام مرتبط أشد ارتباطا بما يلحقها ومتعلق به ومن ثم يسميها بعضهم "وقفة أو سكتة مُعلقة" والقاعدة أنها تكون مصحوبة بنغمة صاعدة rising tone ، دليلاً على عدم تمام الكلام. وعلامتها في الكتابة الفاصلة [،]. وهذه الفاصلة - كما قررنا سابقا - فاصلة واصلة: هي فاصلة نطقا واصلة للسابق باللاحق بناء ومعنى. والسكتة (بخلاف الوقفة) يُمكن إعمالها، كما يجوز إهمالها، ولكن إعمالها أولى. صــ557

▬ الأصوات اللغوية معقدة إلى أقصى حد، فهي ليست مجرد ضوضاء يحدثها المتكلم في الهواء ، وإنما هي أصوات ذات جوانب متعددة وخصائص متباينة. ودراستها دراسة لغوية دقيقة تقتضينا أن نبحثها على مستويات مختلفة، بادئين - كما هي العادة - بدراسة خصائصها أوجانبها الصوتي، أي: ذلك الجانب الذي يتمثل في آثار تلك الجهود العضلية التي يقوم بها جهاز النطق، فتحدث ذبذبة في الهواء منتقلة بعد ذلك إلى أذن السامع. ولهذه الأصوات - بالإضافة إلى ذلك - جوانب وخواص أخرى تتمثل في مميزاتها الصرفية والنحوية...إلخ. صــ576


▬ إن دراسة على أي مستوى من مستويات البحث اللغوي تعتمد في كل خطواتها على نتائج الدراسات الصوتية. وذلك أمر يمكن إدراكه إذا عرفنا أن الأصوات هي اللبنات الأولى للأحداث اللغوية، وهي التي يتكون منها البناء الكبير. ولقد صح بهذا المعنى أحد رواد الدراسات الصوتية في إنجلترا منذ زمن بعيد. يقول هنري سويت H. Sweet في خطاب له إلى مدير جامعة أُكسفورد سنة 1902 :  "إن موضوع تخصصي - أي علم الأصوات - موضوع قد يبدو غير ذي جدوى بذاته. ولكنه في الوقت نفسه أساس كل دراسة لغوية سواء أكانت هذه الدراسة دراسة نظرية أو علمية ". ويؤكد أستاذنا فيرث هذا الاتجاه، مشيراً إلى مدى اعتماد المستويات اللغوية المختلفة على دراسة الأصوات. بيقول فيرث: "لا يمكن أن تتم دراسة جادة لعلم المعنى الوصفي descriptive semantics لأية لغة منطوقة؛ ما لم تعتمد هذه الدراسة على قواعد صوتية وأنماط تنغيمية intonation norms موثوق بها. وإنه لمن المستحيل أن تبدأ دراسة الصرف بدون تحديد صوتي لعناصره أو بدون تعرف هذه العناصر بوساطة التلوين الصوتي كما يحدث أحياناً. أما النحو بالذات فلا تكتمل دراسته بحال بدون دراسة الأنماط التنغيمية أو النماذج الموسيقية للكلام. صــ605

  • Digg
  • Del.icio.us
  • StumbleUpon
  • Reddit
  • RSS