كبرياء التاريخ في مأزق (عبد الله القصيمي)


• إن البشر لا يرفضون أي شيء، ولكن الأشياء تتعاقب عليهم لأن الذين يفرضونها عليهم يتعاقبون. إن شيئاً ما لم يتغير لأن الناس رفضوه، بل لأن نقيضه فرض عليهم.
• أقسى العذاب أن توهب عقلاً محتجاً في مجتمع غير محتج، أوأن يسقط على حياتك وثن إنسان كريه لا تستطيع تحمل وثنيته ولا تستطيع التخلص من مواجهته.
• إن الطاغية هو أشهر مبصوق عليه في التاريخ: يبصق عليه الضعفاء والمتملقون عفوناتهم النفسية والأخلاقية بأسلوب الامتداح له!
• ما أبشع قوماً لا بد أن تكون لهم لعب ثم لا بد أن تكون هذه اللعب هي الشعوب والأرباب والمذاهب والعداوات والحروب والمؤامرات والآلام ــ ما أبشع إذن القادة والزعماء والثوار والمعلمين والكتاب لأنهم هم هؤلاء القوم؟
• ما أصعب موقفك حينما تكون محتاجاً إلى أن تكون غبياً جداً لكي تستطيع أن تفهم إلهك وتتناسق معه وتغفر له ما لا يمكن أن تعقل من تصرفاته، وحينما يكون مستواك الأخلاقي متفوقاً على مستوى إلهك الأخلاقي.
• إن المذهبية الشاملة القوية هي أحد الأجهزة التاريخية التي ظلت تحت كبرياء الإنسان وذكاءه، والتي ظلت حليفاً ممتازاً للطغاة والطامحين واللصوص والأغبياء ليتكبروا ويسرقوا ويخدعوا ويجهلوا بحماس وضجيج وتأله.
• ما أكثر الذين انتصروا بالحركات القوية الطائشة، ولكن هل انتصر أحد بالتفكير الصائب العميق ؟
• المغامرون لا يحتاجون إلى تلقي النصيحة من أحد لكي يتقدموا، إن النصيحة هي عملية تعويق وتخويف، وإنه لا يقبل النصيحة إلا الجاهل أو العاجز، ولا يسديها إلا الموظف والمتعب والعارض لذاته.
• القادة لا يحتاجون إلى الأفكار بل إلى الجنون والأكاذيب والأمراض والآلام والطموح العدواني. إن الجنون في القائد أبلغ وأفضل من كل تفكير وعقل ووقار، فالعقل يقتلان في القائد موهبة الإقدام والإنتصار.
• حماقات القادة تتحول إلى أفكار، ولكن أفكار المفكرين لا تتحول إلى قادة.
• عجباً! إن قائداً واحداً مصاب بالجنون أو بالتوتر أو بالحماقة يستطيع أن يحول عشرات الملايين بل مئات الملايين إلى مجانين أوحمقى أو متوترين، يموتون باستبسال في معارك الجنون والحماقات بلا إيمان ولا فضيلة، بل بخضوع للمجانين الحمقى المتوترين، بل بخضوع للمجنون الواحد الأحمق المتوتر!
• إن الحضارة تتحدى اليوم ضميرها، إنها بانتهازية وغواية دولية تتنافس كتلها المذهبية المتعادية على صناعة الصراصير، وتحولهم إلى زعماء مذلين لشعوبهم الناشئة.
• المنهزمون المتخلفون لا يكفيهم أن يكونوا مهزومين متخلفين، بل لا بد أن يحولوا هزيمتهم وتخلفهم إلى مزايا وانتصارات لهم، ثم لا يكفيهم بأن يثنوا على أنفسهم مرة واحدة بل لا بد أن يثنوا عليها مرة أخرى بأن يحولوا انتصارات الآخرين وتفوقهم إلى رذائل..
• لقد أصبح النفط العربي مجداً عربياً هائلاً وتعويضاً عظيماً عن تخلف الموهبة العربية.
• إن جميع مدرسي الأخلاق وجميع الوعاظ والمادحين في كل العصور في جميع ما قالوه وكتبوه وفي جميع مدائحهم وأوصافهم لم يكونوا يسجلون موضوعات أخلاقية، بل يعبرون عن ظواهر نفسية. فالظاهرة الأخلاقية هي تحويل الحالة النفسية الأنانية إلى سلوك.
• أغلب الناس يعيشون كل حياتهم في رضاعة عقلية ونفسية وأخلاقية لا يريدون الفطام منها ــ وإنهم ليفضلون الرضاعة من الأثداء الميتة!
• لقد خدعت الإنسان الكلمة ــ ولا تزال تفعل بأساليب أقوى وأشمل ــ وقاتلته وكذبت عليه وظلمته أكثر مما قاتلت دونه أو صدقته أو أرشدته أو انتصرت له.
• إن الإنسان قد يستطيع أن يعيش بلا حرية ولا تفكير ولا نقد، كما يستطيع أن يعيش بلا عدالة أو صحة أو ذكاء أو تعليم أوحضارة، ولكن كم في ذلك من القبح والبشاعة.
• إن الذي يفرض على الناس فضيلة جاهزة بلا شهوة أو رغبة فيها هو أقوى عميل للرذيلة، كما أن الذي يفرض على العقول الإيمان أو بمذهب نهائي مطلق يقيني هو أفضل معلم للخطأ والغباوة.

====================================
▬ أيتها النجوم تحولي إلى رجوم. أيتها الشموس تحولي إلى حرائق. أيتها الحقول تحولي إلى أشواك من الجحيم. أيتها الجبال تحولي إلى سياط. أيها الرجال تحلوا إلى نمال. أيتها النساء تحولن إلى صحارى لا تنبت. أيتها البراكين الخامدة تفجري. أيها الكون لتتساقط غضباً واشمئزازاً، أو رثاء وحزناً، لتتساقط أيها الكون على مجتمع قد غزاه ذباب بذيء كئيب متوحش فتحولت كل الجباه والهامات فيه، وكل الذكاء والكلمات، وكل الرجال والشموخ إلى هزائم وعار وصلوات وعبيد ونشيد لمجد الذباب، وإلى تفاسير لما في طنينه من عبقريات ومذاهب ثورية، ومن تحدٍ وهزائم لكل موسيقى رجعية! أيها الغضب أريد أن ارى غضباً، أريد أن أرى قبر الغضب، حتى قبره أخشى أنه قد مات! أيتها الآلهة مارسي كل غضبك أو كل حبك، مارسي كل صفاتك وإلا فهبيني كل قوتك! أيتها البحار. أيتها الأنهار تحولي إلى دموع تذرفها عيون السماء حزناً على كبرياء الأرض، وتذرفها عيون الأرض حزناً على شرف السماء. أيتها البحار. أيتها الأنهار تحولي إلى دموع. أيها الكون تساقط غضباً واشمئزازاً، أو رثاءً أوحزناً. أيتها الآلهة مارسي كل غضبك وكل حبك، مارسي كل صفاتك وإلا فهبيني كل قدرتك! ليتحول كل شيء إلى غضب ودموع وعقاب، فلقد انتصر ذباب على تاريخ الإنسان، ليتحول كل شيء إلى هجاء للبشر! صــ13 : 14

▬ أيتها الآلهة، أيتها النجوم، أيتها الكرامة الإنسانية، أيتها الشجاعة الإنسانية، أيتها المذاهب والحضارات ــ إنسان واحد يحول كل آلامه وهمومه ونقائصه وتفاهاته، وتاريخيه الكئيب ومشاعره المغيظة ــ إنسان واحد يحول كل ذلك إلى آلهة ومذاهب ونظم مخابرات ومباحث ودعايات ضاجة، وإلى جيوش وحروب وتهديد وتآمر، وإلى حكم لا مثيل له في القسوة والشمول والغباء، تخضع له عشرات الملايين أومئات الملايين من البشر، ويحول كل هذه العشرات أوالمئات من الملايين البشرية، وكل تلك الآلهة والمذاهب والنظم والمباحث والمخابرات والدعايات والجيوش والحروب والتهديد والتآمر والحكم ـــ يحول كل ذلك إلى قصائد هاتفة لجنونه وهمومه ونقائصه وتفاهاته وتاريخه الكئيب ومشاعره الجريحة المغيظة..صــ85

▬ أيها التاريخ، إنك تستحق كل ما في الكون من رثاء، فحكم تحتوي في جوفك من صعاليك، فيهم كل بذاءات السلوك والأفكار والمشاعر، سلبوك كل وقارك وشجاعتك وغاصوا بشرفك وذكائك إلى حضيض بذاءتهم وفسقوا بكل ما فيك من عفة ورصانة ونظافة وسمت ــ إنهم ألئك الصعاليك المنتصرون عليك، الذين وضعوا أنفسهم في سجل مواليدك باسم الثوار، أولئك الثوار الذين أرادوا أن يهربوا من آلامهم الطبقية أو الإجتماعية أو النفسية أو التاريخية أو الجسمية بالعدوان عليك ــ لقد أرادوا أن ينتقموا من عذابهم فانتقموا منك، وأن يصعدوا فوق أنفسهم وفوقك وفوق كل الذكاء الإنساني فاقترفوا الثورات والمذاهب والنظم التي تنادي بمحبة قوم، ولكن لم يكن قصدها إلا كراهة قوم آخرين، لم يكن قصدهم أن يحولوا الأرض إلى سماء بل أن يحولوا السماء إلى أرض، بل أن يكونوا هم سماء ويكون كل شيء أرضاً لهم! صــ89

▬ إن غير المفكرين مفتوحة حدودهم لكل الدعايات والأكاذيب الكبيرة، تغزوها بلا حراسة ولا أبراج مراقبة. نعم، وأحياناً كثيرة يصبح المفكرون أكثر إنفتاحاً أمام غزو الدعايات ــ إنهم قد يحولون أفكارهم إلى أجهزة استقبال وفرق ترحيب بالغزاة القادمين ــ بالأكاذيب والدعايات الزائفة، بل قد يكون المفكر خالق اكاذيب ودعايات سخيفة وليس مروجاً لها فقط. إن أنبياء الطغيان والظلام هم في كثير الأحيان مفكرون، وقد يكونون مفكرين كباراً. [..] المجتمع القوي يستطيع أن يتحمل الصدمات الفكرية المناقضة لأنه قادر على التكيف والأخذ والهضم والمقاومة، أو هو أقدر على ذلك. وليس كذلك المجتمع الضعيف. صــ109

▬ إن الحشرات هي أسعد الكائنات في المجتمعات المتخلفة، وأسعد هذه الكائنات السعيدة هو الذباب، إن الذباب في كثير من المجتمعات لأفضل حظاً من الإنسان وأعلى مستوى منه. إن الذباب هو سيد الإنسان في هذه المجتمعات، إنه  قيصر، حاكم مطلق، إنه أسعد وأقوى مواطن، له أضخم الحقوق والإمتيازات والحريات، له كل البيوت والحدائق والموائد والوجوه الجميلة والأنوف الشامخة، ينتقل بينها ويستقر فوقها بلا حظر أو خوف أو زجر . كم هو خليق بأن يُحسد الذباب ويحقد عليه ويتمنى أن يكون مكانه في المجتمعات المتخلفة كل الجائعين والمحرومين والمطاردين حينما يرونه متربعاً ومتنقلاً بين وفوق أشهى الأطعمة وأجمل الوجوه كدكتاتور ساحق متربع فوق كل العقول والكرامات بعد أن قتل في مجتمعه كل غضب واحتجاج، وبعد أن فقأ كل بصر فيه، حتى لا يستطيع أن يرى أو يكره أية دمامة أو بذاءة. صــ255

▬ إن وظيفة العلم غير وظيفة الفلسفة والتفكير، لهذا فقد يكون العالم الكبير جداً ضعيف جداً في تفكيره ومنطقه، وقد يؤمن بأتفه وأصغر الخرافات. وليس لنا أن ننتظر من العالم الكبير أن يكون مفكراً كبيراً أو أن يرتفع في عقائده ومنطقه وتفاهاته الذهنية فوق مستوى الجماهير كثيراً. وقد يكون التخصص العلمي عائقاً عن كل المستويات الفكرية، بل قد يكون المتخصص في أحد الفروع العلمية مغفلاً جداً لا يستطيع أن يتكون فكرياً أي تكوُّن. وقد يكون العالم مفكراً كما قد يكون غير مفكراً، وكون العالم مفكراً لا صلة له بأن يكون عالماً. صــ287

▬ إن جميع الناس يخطئون ويكذبون ويحتاجون إلى الأكاذيب والأخطاء ولكنهم يختلفون في أساليب التعبير، إنهم جميعاً يحتاجون إلى الخطأ لأنهم أحياء بل لأنهم موجودون، فكل حي، بل كل موجود يحتاج إلى أن يُخطيء كما يحتاج النهر والحجر والنبات إلى الخطأ والظلم والتصادم مع الأشياء والرغبات الأخرى. فإذا كنت في مجتمع يمنعك من أن تفكر وتحتج وتخطيء، وتعلن عن تفكيرك واحتاجحك وخطئك بأسلوب حر لا خوف فيه فهل هذا المجتمع يستطيع أن يمنعك من أن تحتج وتخطيء عن ذلك بأسلوب آخر من أساليب التعبير على نحو من الأنحاء؟ في مثل هذا المجتمع هل تعجز عن التفكير أم عن الخطأ في التفكير مع التفكير، أم تعجز عن التعبير؟ إن كان العجز عن التفكير فما أبشع هذا، وإن كان الخطأ في التفكير مع التفكير فما أعظم استحالة هذا، وإن كان العجز عن التعبير فما أسخف هذا، أي ما أسخف أن يكون الخطأ موجوداً في تفكيرك ثم تُمنع من التعبير عنه! صــ309

▬ عجباً! كيف لا تموت الآذان في عهد الثوار والطغاة؟ إن الأذن هي أشهر جهاز في التاريخ لاستقبال الفحش والتحقير والسباب والادعاء والأكاذيب، إنها أكبر وأشهر وعاء ومصب يلقى إليه كل ما في الحياة والكون والإنسان من تفاهات وضعف وكذب، متحولاً إلى كلمات، إنه ليست للأذن أية وظيفة أخلاقية أو دينية أو إنسانية. ماذا نجد لو أن جميع ما أُلقي في أذني إنسان واحد كل حياته من فُحش وسوء قد تجمع وتحول إلى وجود مرئي؟ إنه لتصور بشع مخيف. لعل أسوأ أعضاء الإنسان حظاً أذناه، إنهما أسوأ حظاً من عينه وقدميه ويديه وكل أعضائه، إن الأذنين هما الممر الكريه الذي تمر منه كل التفاهات والوقاحات والآلام إلى الإنسان لتصب فيه بكل وحشية، إن حاسة السمع هي أفظع مستنقع في العالم تتساقط فيه جيف الكلام والأخلاق، ويتزاحم عليه أضعف ما في البشر من خبث وقذارة وغباء، وإن الإنسان لهو أكبر جهاز مرور في الكون ــ إن جميع الأشياء الكونية والإنسانية بل والأشياء التي ليست كونية ولا إنسانية تمر بقسوة وتعذيب من خلال ذاته في صور أفكار وعواطف..صــ315

▬ للشعوب دائماً في كل تاريخها ثلاثة أعداء : قوة التقاليد وقوة العقائد وقوة الحكم، وهؤلاء الأعداء أوالخصوم الثلاثة يؤلفون دائماً معسكراً واحداً متحالفاً يواجه الإنسان ليحطم قوته وذكاءه ومقاومته، ولكي ينتصر ويتفوق عليه، وحياة الإنسان محكوم عليها أن تخوض معارك نضالية دائمة ضد عقائده و آلهته وتقاليده لتضعفها وتكبح من طغيانها أو لتنتصر عليها، ولكنها قد تكون معارك غير منظورة. ومهما بدا الإنسان محترماً جداً لآلهته وتقاليده وحكامه وعقائده ومطيعاً لها جداً فإنه في الحقيقة يخوض ضدها المعارك المختلفة المستويات في عنفها، إن الإنسان أبداً يخوض هذه المعارك مهما جهل ذلك، ومعارك البشر التي يجهلونها أكثر وأدوم من معاركهم التي يعرفونها أو يشعرون بها. صــ322

▬ الناس لا يصرون على الإيمان احتراماً لإيمانهم بل عجزاً عن الإنتقال أوتهيباً، ففقد حرية التفكير في ذنوب الآلهة والعقائد والمذاهب وحرية التخطي لها هو حالة من حالات العجز، والعجز قد يكون رهبة أو خمولاً أو كسلاً. إن رفض الحرية نوع من الرفض للحركة والإنتقال، والرفض للحركة والإنتقال عجز، أوعجز عن دفع ثمن الحركة والإنتقال، أو رهبة، والرهبة عجز. إن المؤمن لا يؤمن لأنه يحب أويحترم الأرباب والمعتقدات، أو لأنه يقدرها أويعرفها أو مزاياها الإنسانية أو الأخلاقية أو الكونية، بل يؤمن لأنه لا يستطيع ــ ولو نفسياً أوفكرياً ــ أن ينكر ويقاوم ويصنع لنفسه أرباباً وعقائد أخرى، ولهذا فإن العاجز مثل هذا العجز بهذا المعنى من العجز وبأسبابه لا بد أن يؤمن بأي رب وبأية عقيدة تلقيان عليه، أو يجدهما في قبور آبائه وفي ملابسهم البالية، غير مشترط  فيهما ــ أي في الرب والعقيدة ــ أي شروط من أي نوع وعلى أي مستوى. وإذا تخطى الإنسان العجز عن اختيار الأرباب والعقائد وعن إبداعها فلن يهاب تحطيم أي إله وأية عقيدة مهما علم فضائلها وخلودها، ومهما ورثها عن أمجاد التاريخ وأمجاد الآباء المحترمين أو المخيفين. صــ332

▬ كم هي الأهوال والآلام التي أوقعها بالإنسانية في كل العصور والمجتمعات أبطال متألهون غاضبون لكرامتهم التي وضعوا حدودها وحساباتها هم، مستسلمون لمشاعرهم الغلامية التي لا ترى أن شيئاً في الكون يساوي أكثر من رضاهم وغضبهم؟ إن البشر مستعدون في أكثر أوقاتهم لأن يموتوا ويدمروا أوطانهم ويخربوا كل شيء ليكونوا وقوداً لشهوات البطل ولإنفعالاته التي أرهقها التوتر والحساسية وإدمان النظر إلى الذات بتدليل وعشق، ولكي يتحولوا إلى إعلان ضخم أليم عن جنون البطل..صــ357


▬ إن كتب التعاليم والأوامر والنواهي التي تطلب من الناس ان يكونوا أو لا يكونوا، والتي تحاول أن تصنع للإنسان سلوكاً وأخلاقاً وشهوات لم تكن إلا لغواً يفعله الكبار جداً ويتناقلونه بعضهم عن بعض دون أن يسأل بعضهم بعضاً عن جدوى ما يفعلون. لقد كانوا يفعلون اللغو وهم عابسون متجهمون كأنما يصنعون للكون ثوباً أوخلقاً جديداً وللبشر طبيعة مبتكرة تخيلوها وأرادوها لهم بمحبة وعناية ورشاقة وذكاء. إنه لغو عجيب، لغو عظيم الحظ، لهذا كان يقرؤه ويسمعه كل الناس في كل العصور دون أن تقرأ أو تسمع أوتفهم منه أهواؤهم او أخلاقهم أو مصالحهم أو أعضاؤهم حرفاً واحداً..صــ376

  • Digg
  • Del.icio.us
  • StumbleUpon
  • Reddit
  • RSS

عاشق لعار التاريخ (عبد الله القصيمي)


• لقد سقط عصر الآلهة التي لا تملك إلا التعاليم المتوحشة، ليجيء عصر الحاكم والمذهبية، والزعامة والدولة الشاملة التي تملك كل أسباب القتل والإذلال والإغواء والحشد.
• إني لا ألعن الإنسان لسقوطه... اني أرثى له... اني أرثى له مخطئاً وملوثاً، كما ارثى له متألماً، ومشوهاً، كما ارثى له حزيناً.
• انه ليس الواقف في صف الثوار، إلا إنساناً لم يجد مكانه الملائم في الصف المقاوم للثورة... ان الثائر ليس إلا إنساناً منفياً إلى الثورة.
• إن من يهجو طاغية وهو راكع تحت أقدام طاغية آخر أعتى، لهو مادح للطغيان بأسلوبين، بلغتين.
• إن المجد الباذج يقتل الرؤية، انه يقتل كل وسائل الإتصال بالأشياء...بالآخرين.
• إني أشعر بعطف شديد على الكلمة، ان جميع الناس يظلمون الكلمة...انهم جميعاً يشوهونها. انهم جميعاً يصنعون منها أجمل النعوش لأقبح الجثث، انهم يضعون كل أكاذيبهم وتشوهاتهم، في توابيت مزخرفة من الكلمات، من الشعارات.
• ان الذي يقول بإسم الإله أفعل، لا يعني إلا ما يعنيه من قال بإسم الشيطان أفعل...إن كليهما يفعل بإسم ذاته، لحساب ذاته، لا بإسم الإله أو الشيطان...ولا لحسابهما...إن كليهما يفعل بلا اله تحت اسم أي إله.
• اني انقد لاني ابكي واتعذب، لا لإني اكره واعادي. انقد الإنسان لاني اريده أفضل، وانقد الكون لانه لايحترم منطق الإنسان, وانقد الحياة لاني اعيشها بمعاناة - بتفاهة, بلاشروط, بلا اقتناع, بلا نظرية.  
• إن كل دموع البشر تنصب في عيوني...ان كل أحزانهم تتجمع في قلبي...إن كل آلامهم تأكل أعضائي..ليس لإني قديس، بل لأني مصاب بمرض الحساسية...بمرض الإنتقال إلى الآخرين...إلى أحزانهم...إلى آلامهم...إلى آهاتهم المكتومة والمنطوقة...إلى عاهاتهم المكشوفة والمستترة.
• ما أفظع أن تكون مبصراً وقارئاً، ثم لا تكون حزيناً ولا ناقداً...
• إن الإنسان إذا عجز عن أن يكون كما يريد، راح يفعل ما لا يريد. انه اذا عجز عن الإنتصار ذهب يصنع الهزيمة.
• إن الحرب في كل صورها وظروفها، ليست إلا تفسيراً لانتصار الطبيعة على البشر. وان السلام هو التفسير المقابل لإنتصار البشر على الطبيعة.
• إن النصوص لا تفسر النصوص، ان الإنسان هو الذي يفسر النصوص...يفسرها بشهواته، وظروفه، ومصالحه، وقدرته..
• ما أوقحك وأكثر ذنوبك أيتها الشعارات...
• إن الحرب لا تعالج شيئاً، ولكنها تدمر أشياء...وهكذا الثورة، فهما أي الحرب والثورة في عصور التأخر لا يجلبان غير الآلام، أما في عصور الحضارات الكبيرة فإنهما تعرضان نفسيهما عرضاً خادعاً، مزوراً بأزياء وأسلحة وعضلات، ليست بأزياءهما ولا عضلاتهما ولا اسلحتهما. إنهما حينئذ تركبان جياداً ليست جيادهما، وتلبسان حللاً ليست من صنعهما.
• إن مزية روسيا ليست في نظامها الإجتماعي، ولا في إسقاط  قياصرتها الطغاة...ان روسيا ليست عظيمة لأنها شيوعية. ولكن لأنها مبدعة.
• إن الثوار قوم كارهون لأنفسهم وظروفهم ومجتمعهم يعبرون عن هذه الكراهة بأسلوب يدعونه ثورة، ولهذا فإن أكثر الثوار ثورية لا بد أن يكونوا أكثر الناس كراهة وتنافراً مع أنفسهم ومع الآخرين.
• ان أشد الناس خوفاً من الحرية والتطور هم الذين انتصروا بالمؤامرات...هم الذين ارتفعوا فوق اكتاف التاريخ بالقفز عليه في الظلام.
• ما أقبحك يا عهد الثورات... ان النفاق يصبح فيك هو أسهل أساليب المقاومة...يصبح هو العزاء في شرف الإنسان.
• إن الناس في زمن الثورات، محتوم عليهم أن يؤمنوا، ومحرم عليهم أن يفهموا.
• إن الثائر يحاول أن يغير وضعه بحجة المحاولة لتغيير أوضاع الآخرين...إنه يغار لنفسه وينتقم لها، ثم يزعم أنه إنما يغار وينتقم للإنسان المظلوم، أو للإله المهجور في سمائه.
• لقد مات الإنسان...مات قبل أن يولد. وانه لا يزال يموت...انه يموت دائماً لأن الطغاة والثوار والمعلمين، يجربون عليه أنفسهم دائماً. انه لا يرفض أن يتعلم، وأنهم لا يملون أو يتعبون مهما استمرت التجارب.
• إني أخاف الثورات، لأني أخاف على مستويات الحرية والذكاء والكرامة...لأني أخاف على المعارضة الشجاعة والتمرد الخلاق...لأني أخاف أن يموتا...أن يقتلهما الثوار.
• إن آفة كل دكتاتور مهما كان صغيرا أنه يريد أن يكون الطبيب العالمي للتاريخ...انه لا يستطيع أن يكون في حسابه لنفسه عظيماً إلا إذا كان كل من كان قبله حقيراً. ان مجده يعني حقارة من سواه...ان حقارة من سواه تعني مجده، تعني تفرده بالمجد.
• الخائفون جداً لا يستطيعون أن يكونوا أذكياء ولا رافضين لأي أسلوب من أساليب الغباء. إن الخائف وعاء مفتوح لإستقبال كل الحماقات والغباوات...لإستقبال كل المجانين والطغاة والأنبياء الكذبة. لعل أكثر مخاوف البشر التاريخية، انما صنعها هؤلاء الذين ابتكروا الخوف من الجحيم والشيطان والآلهة.
• إن الحاكم الذي ينقد نفسه، ثم يعاقب من ينقدونه، لهو مثل من يتعرى في الطريق العام، ويعلن تعريه، ثم يفقأ من ينظرون اليه، أو يفقأ عيون كل الناس لئلا ينظروا اليه.
• إن الدكتاتور لا يعني حينما يتحدث عن أخطائه، إلا ان يتحدث عن اخطاء مجتمعه، عن أخطاء التاريخ، عن أخطاء الكون. فهو إنما يمجد نفسه ــ بأسلوب المتواضع ــ حينما يتهمها بذنوب غيرها..
• إن الدكتاتور يحاول أن يحول الكون كله إلى طبول تدق وتدق...في كل مكان باسمه وبمجده...تدق فوق النجوم وتحت الأرض، وعلى كل اتجاه...تدق في مسامع كل الحاضر وفي مسامع الآتي.
• الحاكم الفاسد يعادي من يعارضون، أما الحاكم الاله فانه يصلب من يفكرون...
• ان الإنتخابات في عهد الدكتاتور ليست سوى عملية بالإكراه للإعتراف بشرعية بقائه...
• إنه لا يوجد في التاريخ محتكر أبشع من الدكتاتور. ان الدكتاتور لا يحتكر الأشياء وحدها، انه يحتكر الأفكار والعقائد، وخلجات النفس، وحرية النقد والرؤية، انه يحتكر البذاءة والجنون.
• أيها المجد، أيها الخلود. كم أنتما قاتلان... كم أنتما لصان. يا مجد الأصنام، يا خلود الأصنام متى يصلبكما الإنسان... متى يحاكمكما على كل ذنوبكما...؟
• أيتها اللغة، يا لغة العرب يا لغة الإعجاز والتحدي، يا لغة الكتاب المتحدي...كم أنتِ مذنبة...كم أنت معجزة...كم أنت معجزة مذنبة يا لغة العرب...يا لغة الإعجاز، يا لغة التحدي.

=======================================
▬ إن قراءة التاريخ لا تجدي في اتقاء الأخطار والآلام، انها لا تجدي في معرفة الأخطاء والآلام. ان أخطاء وآلام من لم يقرأ التاريخ، ليست أعظم من أخطاء من قرأه. ان القراءة ليست وسيلة من وسائل اتقاء الأخطاء والألم. انه لا يمكن أن يرى الإنسان نفسه من خلال التاريخ، أو من خلال الآخرين، انه يرى العكس، انه ليس للتاريخ قوة أخلاقية أو وعظية أو عقلية. ان التاريخ يعيش فينا ولكننا لا نتعلم منه. اننا لو كنا نستطيع ان نتعلم من التاريخ لتحولنا في تفكيرنا وسلوكنا وعواطفنا إلى أجهزة معصومة من الخطأ والألم والفساد. ولكن التاريخ مع ذلك ليس أسلوباً واحداً أو صيغة واحدة، فإذا عرفنا اسلوباً واحداً من أساليبه، أو صيغة واحدة من صيغه المتناهية، فهل يجعلنا ذلك عارفين لكل اساليبه وصيغه؟ صــ45

▬ قد تتحول كل عبقرية العرب ومحاولاتهم للاصلاح والتغيير وآمالهم فيهما، إلى ثورات عسكرية. قد يظلون يرون أن السيف أصدق أنباء من الكتب والعلم، ومن كل المزايا الإنسانية الأخرى...قد يظلون يرونه العلاج الدائم، من كل تخلف وفساد، وظلم وجهل...قد يظلون يرون أنهم كلما عجزوا عن التغيير العظيم، وعن التلاؤم مع الإحتياجات الكبرى الجديدة، فالحل أن يقوموا بثورة عسكرية لكي يهربوا من عجزهم، ليغطوا بالسلاح والضجيج، والمحاكمات والإتهامات الكبرى، ولكي يظلوا زمناً طويلاً ينتظرون أن يتحول السيف إلى حضارة وعبقرية، وانتصار على الجهل والتخلف، ولكي يتحدثوا كل الوقت عن أمجاد ثورتهم، وعن بركتها...صــ53

▬ إنه لا يمكن أن تكون ثورة بدون أصوات عالية. ان الأصوات العالية تستهلك حماس الإنسان وطاقته...انها تفسد قدرته على الرؤية والتفكير والسلوك الجيد. ان الأصوات العالية هي الثمن السخي الذي تهبه الثورات للمجتمعات التي تصاب بها. ان الأصوات العالية هي العقاب الغوغائي الذي تعاقب به كل ثورة اعصاب ووقار مجتمعها، وأحياناً أعصاب ووقار المجتمع العالمي. وان الأصوات العالية هي هدية كل ثورة للمشاكل الصعبة. صــ104

▬ الثوار دائماً يتحدثون عن نقيض ما يعطون. انهم يتحدثون عن الحرية والإستقامة وهم أقوى أعدائها...وعن الصدق وليس في البشر من يعاقبون الصادق، ومن يمارسون الكذب ويجزون بالكاذبين مثلهم...وعن حقارة النفاق وهم أحسن من يزرعونه، ويستثمرونه ويتعاملون عليه...وعن الرخاء، مع أنهم أذكى من يبتدعون جميع أسباب الافقار والأزمات والحرمان... وعن التقدمية وهم أعتق البشر رجعية، انه لا مثيل لهم في الخوف من التغيير الذي لا يهبهم تسلطاً وطغياناً... ويتحدثون عن العدل والحب وهم يعنون بها تخويف كل الطبقات وتسخيرها وقهرها وسوقها لمصلحة كبريائهم وأحلامهم...صــ107

▬ إنني كلما رأيت زياً عسكرياً، أشعر اني لا أرى إلا إعلاناً بذيئاً مربوطاً بإنسان أسمعه ينادي: أنا وحش...أنا  قاتل...أنا مخرب...أنا صانع الأيتام...صانع الأرامل...صانع الدموع...أنا حشرة باهظة التكاليف...أنا حشرة عالمية...أنا كل ذلك...أنا أكثر من ذلك، وأوقح من ذلك...أنا الجميل الدميم...أنا المحترم المحتقر...أنا القوي الضعيف، المنتصر المهزوم...أنا القاتل الذي يمشي متبختراً فوق المجتمع، حاملاً زي القتل، حاملاً أدوات القتل وشعاراته...أنا القاتل الذي تعده كل المجتمعات، وتفاخر به كل المجتمعات...أنا صانع الإنتصارات، التي هي هزائم للإنسان...أنا صانع الهزائم دائماً...أنا صانع الهزائم حينما أنتصر، وصانع الهزائم حينما أنهزم...أنا دائماً الموت، والخراب والخوف، والبذاءة...صــ125

▬ إن المجتمعات في الغالب تؤمن بالذين يعلمونها الكذب والغواية والبغض والحماقات لا بمن يعلمونها الحب والحقيقة والصداقة والعقل: ان الأكاذيب أقوى سحراً من الحقائق...ان المهرجين الصارخين، يعطون الجماعات الفرصة لكي تريح آلامها واعصابها، أوحرمانها اعظم مما يعطيها العقلاء والمتوقرون. ما اسخف العقل حيث يطلب الجنون...ما أسخف الإتزان في مخاطبة الجماهير، في قيادتها. ان الإعتدال والصدق والوقار ، قيود لا تطيقها الجماهير. ان الجماهير تجد في الأكاذيب والمبالغات والتحويمات، تعويضاً لها عن فقدها وعجزها وحاجتها. كل الناس يحتاجون إلى تعويض ولو بالكذب، ولو بالإحتلام، ولو بالشتائم والحقد. صــ132

▬ إن الدكتاتور يلقي بثقل دعايته كله على مخاوف جماهيره وأحقادها، فيملؤها بالأعداء المتربصين، ويملؤها بمؤامراتهم وخياناتهم التي لا تنتهي...إنه يضيق عليها الجو بالأشباح والأبالسة...انه يظل يحدثها بأعلى الضجيج عن أخطار هذه الأشباح والأبالسة...يحدثها عن الخطط الكبيرة التي توضع في الظلام لإغتصاب الحياة والسعادة من الجماهير، وللقضاء على منقذها العظيم...يحدثها عن الإستعدادات المضادة، التي يحكم وضعها لتحقيق الإنتصارات التي لا ريب فيها. صــ140

▬ إن الدكتاتور يعشق التاريخ الذليل المهزوم الملوث. انه يكره التاريخ النظيف العزيز الكريم...ان ذلك تحقير له، ورفض لتفرده...انه لهذا لا بد أن يزور ما كان...انه قد يود أن يحرق جميع الوثائق التي تناقض هذه الغاية، اذا لم يجد وسيلة أخرى...انه يبدأ به التاريخ، ان يبدأ به الإنسان، ان تبدأ به كل عبقرية...انه يريد أن يكون البدء. ان الدكتاتور انسان عاشق لعار التاريخ...انه يريد أن يكون كل شيء، فضائح وهوانا، وخيانه وعفونة...انه يريد أن يكون وحده المعالج المقوم، المدعي لأبوته وأمومته ونسبه. ان آفة كل دكتاتور مهما كان صغيراً وضئيلاً أنه يريد أن يكون الطبيب العالمي للتاريخ...صــ150

▬ لقد كان المفروض أن يكون دعاء المؤمنين: "اللهم لا تنصرنا ولا تنصر علينا...اللهم لا تنصر أحد على أحد...اللهم لا تجعل لنا أعداء لنطلب منك النصر عليهم...اللهم لا تجعلنا أعداء لأحد ليطلب اليك ان تنصره علينا... انه لظلم لا يليق بك... انها الحقارة، تترفع عنها صفات الأرباب أن تخلق الناس لتجعل منهمم منتصرين وتجعل منهم منهزمين... انها هرطقة ووحشية منا أن نتصور ذلك في أخلاقك...انها لهرطقة ووحشية، أن ندخلك في معاركنا الصغيرة الظالمة الوقحة، ذات الأهداف والحوافز السخيفة".إن على البشر جميعاً أن يغيروا من صلواتهم التي يوجهونها إلى الله. لقد تحضروا فعليهم أن يتحضروا في تصورهم للإله، وفي مطالبتهم له، وضراعاتهم اليه. انه لذنب كبير أن يظلوا يدعونه باللغة التي كانوا يدعونه بها أيام بدواتهم.صــ184


▬ لقد كان للعرب إله، لقد كان لهم إله تحول إلى كلام، إلى كلام تنزل على نبي، نبي حوله إلى كتاب. لقد أصبح إله العرب كتاباً، لقد أصبح كلاما... حتى الإله لقد أصبح كلاما... أصبحت قدرته وتعامله معهم كلاماً. ان مجد العرب كلام...ان معجزات نبيهم كلام...ان صفات الههم كلام...ان تقديرهم اذن للكلام تقدير فيه كل معاني التدين، وشطحات الصوفية المتنازلة عن كل حقوقها في المنطق، وفي احترام السلوك، وضبط الذات بأي مستوى من مستويات الضبط.  [...] كأن الكلام عندهم إنما هو مقدرة على الكلام.. صــ209

  • Digg
  • Del.icio.us
  • StumbleUpon
  • Reddit
  • RSS

لئلا يعود هارون الرشيد (عبد الله القصيمي)


• لو أن العرب يملكون موهبة، لصنع طغاتهم من موهبتهم قوة وانتصارات وابداعا، كما صنع آخرون من مواهب شعوبهم.
• الإنسان العربي لا يتغير. عار ان يتغير. ذنب أن يتغير. عقوق للأرباب والآباء والأوطان أن يتغير. لهذا لم يتغير.
• هل يستطيع شيء، هل يستطيع أي شيء، مهما عظم، أن يكون كفارة أو اعتذاراً عنك أيتها المواجهة العربية الإسرائيلية، أيتها الوحش المبتلع لكبرياء الإنسان العربي، المذل لقبور آبائه.
• يا دولة العرب الواحدة الكبرى، إني أخاف مجيئك لأني أخاف مجيء هارون الرشيد الجديد.
• ماذا يمكن أن يربح العرب لو كانت إسرائيل غير موجودة إن كانوا سوف يظلون باعدادهم البشرية وبمواردهم الطبيعية خمولاً وخموداً وعجزاً رائعاً، رائعاً ؟
• انتم أيها الزعماء والخطباء المتحدثون عن أخطار إسرائيل على مستقبل أمتكم، أنتم تزعمون أنه محكوم على احتمالات تطور امتكم وتحضرها بالإعدام. فهل تعون ذلك أيها الزعماء الخطباء البلغاء؟
=======================================
▬ إني أخاف مجيء هارون الرشيد الجديد لأني قرأت عن هارون الرشيد القديم. كان يقاتل بآبائي ويقاتلهم بالسيوف والرماح والسهام والنبال. كان ينفق قوت آبائي على الجواري والشعراء والمغنين. كان يعرض ذاته وهيبته ووحشيته وكبرياءه فوق المنبر وفي المسجد وفي مواكبه البدوية المنطلقة من القصر إلى المصلّى، ومن المصلى إلى القصر، ومن هذا القصر إلى ذلك القصر، ومن مخدع هذه الجارية إلى مخدع الجارية المنافسة الآخرى. كان يحارب ذكاء آبائي وحرياتهم بالمشايخ وبالآيات والأحاديث، وبالأنبياء، وبالسلف، وبالقبور..صــ27

▬ الطغاة يجدون شهوة في أن يكونوا فوق إمبراطوريات ودول كبرى كما يجد صاحب المال شهوة في ان يكون ماله كثيراً، وصاحب القطعان شهوة في أن تكون قطعانه كثيرة، وصاحب العبيد والجواري والمحظيات شهوة في أن يتعاظم عدد عبيده وجواريه ومحظياته. وكما يجد الطفل المدلل شهوة في أن يكون له أكبر العدد من اللُعب وأن يتفوق على كل انداده واصحابه في عدد لعبه. صــ30


▬ إن كان ممكنا أن يتحضر العرب ويتطورا وأن يحولوا الإحتمالات الكبيرة إلى واقع كبير فإن وجود اسرائيل قد يكون أو لا بد أن يكون تحريضاً ممتازاً على الإسراع في هذا التحضر والتطور والتحويل والتحول من إحتمال إلى كينونة. قد تكون إسرائيل هي أنفع هدية من الجحيم يهديها الشيطان ويهديها الظلم الدولي إلى العرب لكي تصفع جمودهم وركودهم وخمولهم المستلقي على تاريخهم، على تاريخهم المستلقي على أربابهم وعلى قبورهم وعلى بدواتهم وعلى قصائدهم وعلى رواياتهم عن أنفسهم المصابة بكل كبرياء البدواة وبكل اتضاع الحضارة... بكل ضخامة القول وبلاغته وحماسته، وبكل ضآلة الفعل وعجزه وخموده. صــ57

  • Digg
  • Del.icio.us
  • StumbleUpon
  • Reddit
  • RSS

أيها العقل من رآك (عبد الله القصيمي)


• لو كان نبي مصاباً بالبَرَص، بُعث إلى قوم من البُرص، لكانت الإصابة بهذا الداء شرطاً من شروط الإيمان بالله!
• إن المؤمنين بالله وبالأديان يصنعون ما قاله نهرو عن الهنود: "إنهم يعبدون البقر ولا يفعلون له ما يجب. ولوأنهم أعطوا البقر ما يريد ولم يعبدوها لكان احترامهم لها أفضل."
• إنهم يتصورن الله قيصراً أو زعيماً ضالاً، ينشرح صدره للنفاق وقصائد الإمتداح، ويفقد بذلك وقاره.
• إن الشيخ الذي يملاً لسانه بالله وتسبيحاته، ويملأ تصوراته بالخوف منه ومن جحيمه، ثم يملأ أعضائه وشهواته بالكذب والخيانة والصغائر وعبادة الأقوياء، لهو أكفر من أي زنديق في هذا العالم.
• لقد وُجِدنا، فأردنا وجودنا، ثم وضعنا له تفسيراً عقلياً وأدبياً.
• إننا نحب حياتنا وأنفسنا بقدر ما نستطيع، لا بقدر ما نعرف. إننا لم نعرف شيئاً.
• إن جميع ما يفعله البشر ليس إلا علاجاً لغلطة وجودهم.
• إن الإنسان هو وحده الذي تحدث عن الآلهة ودعا إلى الإيمان بها.
• إن اسوأ ما في المتدينين أنهم يتسامحون مع الفاسدين ولا يتسامحون مع المفكرين.
• الإنسان، قبل تدينه، وجد أن من الصعب عليه أن يكون ملتزماً بضوابط الحياة المثلى، فتدين لأنه وجد أن من السهل أن يكون معتقداً.
• أكثر الناس خروجاً على التعاليم هم أقوى من وضعوا التعاليم. إن أفسق الحكام والمعلمين هم أقوى الناس دعوة إلى الأديان والأخلاق.
• إن الناس لا يؤمنون بالأفضل والأخلاق، بل بالأكثر صخباً وتجاوباً مع الأعصاب المتعبة.
• الناس لا يتحدثون عن الأشياء كما هي، بل كما يريدونها.
• إن اللغة تعني دائماً الفرار من معنى اللغة.
• إن آلهة الإنسان وعقائده ومُثله وأخلاقه هي مجموعة أخطائه اللغوية.
• إن الفرق بين الشيء ونقيضه يساوي الفرق بين رغبتنا فيه ورغبتنا عنه.
• قتلي لعدوي عدل، وقتل عدوي لي ظلم. رأي وديني صواب، ورأي المخالفين ودينهم خطأ. هذا منطق كل الأذكياء ــ وكل الأغبياء.
• لقد كانت عبقرية الإنسان أن يخلق الأشياء على نموذج نقائصه، لا أن يخلق نفسه على نموذج نظرية مثالية ليصبح بلا نقائص، ليصبح شيئاً فوق نفسه.
• إن البشر لا يصنعون انفعالاتهم؛ إذن هم لا يصنعون أخلاقهم، لأن الأخلاق ليست سوى انفعالات قد حولناها إلى تعبيرات أخلاقية.
• إن الأخلاق، في كل العصور، هي فن إتقان التكلف والكذب والتزوير. حتى الإحسان للآخرين والإشفاق عليهم هو عطف على الذات، لا عليهم.
• الفضيلة قدرة، لا فكرة.
• أهل الأديان يريدون تحويل التاريخ كله إلى مبكى بعد أن حولوه إلى معبد. لقد ابتكروا خصاء الرجال ليفقدوهم كل طموح إلى الحرية والتمرد والإستقلال والمقاومة، ليفقدوا حوافز المجد والغضب للكرامة عند فقدانهم الرغبة الجنسية.
• الأخلاق معركة ينتصر فيه أقوى الاسلحة الضاربة. والمعارك إنما تصنعها وتفصل فيها الشهوات. فالأخلاق شهوات تلاءمت مع ظروفها.
• ما أكثر المؤمنين الذين يرتكبون جميع ما يستطيعون من معاصٍ، معتمدين على التوبة في آخر المطاف، أو معتمدين على سعة المغفرة.
• إن أية عقيدة لها تأثير على سلوكنا بقدر ما تسجيب لشهواتنا.
• يا شعوباً أنكهكها البحث عن الفضيلة! جربي البحث عن الرذيلة ــ فقد تجدين بها ما تفقدين من فضائل.
• إن الله لا يريد أن نكون وحدنا مؤمنين، ويكون غيرنا كافرين ــ يفعلون هم الشهوات والعبقرية المحرمة والإبداع والحياة، ونفعل نحن الفضائل للموت والطاعة والخوف؛ ويفعلون هم الحضارة، ونفعل نحن المواعظ والأنبياء.
• الشعوب العظيمة تبدع أفكاراً عظيمة، لكن الأفكار العظيمة لا تبدع شعوباً عظيمة.
• إن الأنبياء لم يُبعثوا إلى الناس والوحي لم ينزل عليم لأنهم أفضل من الكائنات الأخرى، بل لأنهم أجرأ وأقدر على الإدعاء والكذب بإسم الكائنات البعيدة الصامتة.
• إن المنطق في جميع حالاته، هو الإنسان.
• المنطق يُعرف بالحقيقة، لكن الحقيقة لا تُعرف بالمنطق.
• منطق الإنسان هو منطق الإرادة كما ينبغي. أما منطق الكون فهو منطق الشيء كما هو.
• نحن نفاخر أهل الأرض في أننا وحدنا الموحدون الذين يعبدون إلهاً واحداً، كبيراً جداً، لا نشرك به أحداً. ولكن ما أكثر الأصنام التي نعبد، ما أكثر اصنامنا!
• إن الذي يعرف الله ووجوده بعقله يجب أن يعرف بعقله كل شيء.
• الناس يجدون أديانهم كما يجدون أوطانهم وأرضهم وبيوتهم وآباءهم، يجدونها فقط ولا يبحثون عنها أو يؤمنون بها أو يفهمونها أو يختارونها.
• الأديان لا تنتصر إلا في المعارك التي تتجنبها. فهي لا تحارب بالعقل ولا تحارب العقل، أي لا تدخل مع العقل في معارك حرة ــ ولهذا ظلت منتصرة.
• إن السماء، لو أرسلت لنا كل أنبيائها ينهوننا عن الإيمان ويحرمون علينا كل عبادة، لعصينا كل الأنبياء وبقينا نؤمن ونصلي ونتعبد. فالعبادة استفراغ روحي، وعملية جنسية تؤديها الروح لحسابها، لا لحساب الآلهة.
• إن العقل الذي لا يتناقض هو العقل الذي قد مات. ولا يحتمل أن يثبت أي إنسان حياته كلها على حكم واحد.
• الخرافة تدعو إلى الدوام؛ والخرافة أكثر دواماً من الحقيقة.
• الذين لا يخضعون للمنطق هم الذين يصنعون المنطق. أما الذين يخضعون للمنطق فسيظلون بلا منطق، لأن المنطق الذي يخضعون له سيحرم عليهم كل منطق.
• أليس الملحدون الذين يعيشون على عبقريتهم المؤمنون أعظم فضيلة وتديناً من المؤمنين الذين يعيشون دائماً على ذكاء غيرهم وقوتهم.
• العقائد القوية هي دائماً جند مخلصون للطغاة والمستغلين. والجماهير هي، كما تُحكم بالجيش القوي، تُحكم أيضاً بالخرافة القوية.
• إنه لصعب جداً أن تفعل دائماً ما يُرضي الناس. ولكن ما أسهل ان تعتقد او تقول ما يرضيهم!
• إن أي داعية أو حاكم أو زعيم عرفه العالم بأنه اعظم من رفع راية الدعوة إلى الدين والفضيلة، لو حوكم بنصوص ذلك الدين وبتلك الفضيلة أو بروحها، لكان الإعدام جزاءه المتواضع.
• الإنسان الذي يموت دفاعاً عن مبدأ، أو في سبيل شيء، ليس إلا إنساناً يعشق ذاته إلى حد القتل لها.
• أنت مؤمن بإعجازه، إذن هو معجز. هو معجز لأنك مؤمن بإعجازه، ولست مؤمناً بإعجازه لأنه معجز. ليس معجزاً لأنه معجز، بل لأنك مؤمن بذلك.
• التدين عند العرب قبل الإسلام يشبه تدين اليابانيين اليوم ـــ حيث إن تدينهم نوع من الشعر والجمال والفروسية، وليس نوعاً من الآلهة الحاقدة المتقاتلة.
• هل يصدق خيال المؤمن أن الله يتنزل من عليائه ليكلف جبريل بالنزول إلى الأرض ليوحي إلى محمد بالأكل من ذلك الطعام، أو بلبس ذلك الثوب، أو بحب فلان وكره فلان، أوالأكل على الأرض، والنوم على الجانب الأيمن، وشرب الماء أربع جرعات، أو بوضع الخاتم في اليمنى، أو بركوب الحمار ؟!
• إذا كان ممكناً أن يخاطبنا الله بواسطة ملاك فكيف لا يكون ممكناً أن يخاطبنا بواسطة ذواتنا؟! كيف نسمع الله بواسطة الآخرين ولا نسمعه بواسطة أنفسنا؟!
• الجماهير هي دائماً الأوعية الهائلة لأضخم الخرافات والأكاذيب العالمية.
• إن أكذب الناس هم الصادقون، لأنهم، حينما يصدقون، لا يريدون أن يقولوا الصدق، بل أن يقولوا شيئاً آخر. إنه الصدق الذي يراد به غير الصدق ــ وهذا أشنع أساليب الكذب!
• التاريخ هو ذلك الكائن الضخم الوقح الملوث الذي يقبض علينا بقسوة وإحاطة دون أن يحتاج إلى أن نراه أو نؤمن به.
• لو كان البشر لا يتحدثون إلا حين يكون الحديث يعني شيئاً أو وسيلة إلى شيء لظلوا أكثر أوقاتهم صامتين، ولما وُجد كل هذا التراث الهائل من الكتب والتعاليم والأديان.
• إن أي نبي يريد أن يغتسل فوق الذين يدعوهم إلى الإيمان؛ وإن أي مؤمن إنما يريد أن يغتسل فوق النبي الذي يؤمن به.
• إن إلهك العنيف المتوتر هو إرادتك العنيفة المتوترة؛ وإن إلهك المتسامح هو إرادتك المتسامحة.
• حذار ِ أن تُصدِّق أن الشيطان يقبل أن يذهب إلى النار لو آمن بها.
• لقذ وُجِدت كلمة الله في لغة الإنسان كما وُجدت لفظة آه...
• العقيدة غير المتغيرة ميتة لأن الحياة تغير دائم، والذي لا يغير عقيدته هو إنسان يحيا بلا عقيدة.
• الزنديق هو الذي يخالف في أمور لا دليل على اليقين فيها.
• الغباء مثل الخبز : عذا يومي للجماعات، لا تستطيع أن تعيش بدونه. والذكاء لا يعيش إلا في ضجيج الغباء.
• لقد تحدث الناس عن الخالق كثيراً كثيراً، لكنهم لم يؤمنوا به خالقاً. لهذا ظلوا يملكون بعض العقل وحسب، ظلوا يمارسون حياتهم بكل وحشية، لأنهم لم يؤمنوا به خالقاً، مهما تحدثوا عنه خالقاً.

• من يرفع صوته متغنياً بأية اغنية لّيّجد الراحة التي يجدها من يُصلي بحرارة، لأن الغناء تعبير مثل الصلاة والدعاء.

  • Digg
  • Del.icio.us
  • StumbleUpon
  • Reddit
  • RSS

يكذبون كي يَروا الإله جميلاً (عبد الله القصيمي)


• لولا أفراد عباقرة قليلون يجيئون كولادة الشيء من غير أبويه أو كولادة الشيء بلا أبوين أو كولادة الشيء نقيضاً لأبويه ليهبوا الحياة جميع قفزاتها الجديدة المتتابعة لما كان الإنسان فقط أردأ الكائنات حظاً بل ولكان أكثر الكائنات بلادة وتعاسة وهوانا..
• ما أفظع أخلاق التراب حينما يتحول إلى تيجان، حينما يتحول، أي التراب، إلى قادة وابطال وأنبياء. أيها التراب، إني لا أرهب شيئاً مثلما أرهبك حينما تتحول إلى قادة وأبطال وأنبياء لتتحدث بلغة السماء من فوق هامات النجوم.
• إن أكثر الناس إذلالاً واحتقاراً للطبقات المغلوبة هم أبناؤها إذا ارتفعوا فوقها وانفصلوا بانتصارهم وقوتهم عنها.
• إنه إذا كانت الآلهة هي دائماً طاغية ومعادية للإنسان فإن أكثرها طغياناً ومعاداة للإنسان هي الآلهة التي ولدت في الأرض، وليست التي ولدت في السماء. إن الولادة في السماء تعلم التواضع والتسامح والرفق والإحساس بالامان أكثر مما تعلم ذلك الولادة في الأرض. إن الأرض لتصنع الآلهة المتوحشة الحاقدة أكثر مما تصنعهم السماء.
• هل توجد مناشدة منتظرة مثابرة كمناشدة المؤمنين، وهل يوجد رفض مثابر مقنط كرفض الإله ؟
• أليس الملائكة هم وحدهم القائمين على أجهزة المباحث والمخابرات والجاسوسية لهذا الطغيان الذي هو أبشع وأشهر طغيان في الكون ؟
• لقد علمتمونا ايها المبلغون المفكرون عن السماء أن الله قد وهب الشيطان الخلود ووهبه كل إحتمالات ومزايا القدرة على جعل الناس جميعاً، في كل أجيالهم زنادقة وفساقاً وطغاة ولصوصاً وملوثين.
• إني لست نبياً أو معلماً يضع أمام كل سؤال جواباً يكون الموت والإتهام بالزندقة أو الخيانة هما بعض جزاء من يشك فيه أو من لا يجن للإقتناع به والدعوة إليه.
• ان الاقتناع بالأجوبة المصنوعة اسلوب تاريخي عالمي من اساليب البحث عن السلامة والامان .
• ما أقبح وأنذل كل الأشياء لولاك أيها الكذب...أيها المناضل لتستر عار الآلهة ودماماتها، ولتستر عار الطبيعة ودماماتها، ولتستر عار الإنسان وضآلاته وفضائحه وآلامه.
• إن أضخم الأكاذيب وأكثرها بشاعة وافتضاحاً قد تكون هي أقوى الأكاذيب في كل أسواق التاريخ. لأن أضخمها هي أكثرها إغراء للسوق واستجابة لإحتياجاتها وتوافقاً مع أخلاقها وشهواتها.
• إن الصدق هو واقع الطبيعة، وإن الكذب هو واقع الإنسان ــ إنه واقعه النفسي والفكري والمثالي والنموذجي والديني والمذهبي والأخلاقي..
• إن الكذب مغازلة للأشياء البعيدة أو غير الموجودة بالأماني والتحديق وبالحب المتلهف المصدوم.
• إن قوة التلقين ليست إلا تعبيراً عن قوة الحاجة إلى التلاؤم والتوحد مع الجماعة في تفاهتها.

======================================
▬ ... إن إنتصار النبي هزيمة لنبوته. إن نبوته حينئذ لا بد أن تتحول من نبوة مسالمة إلى نبوة محاربة، ومن نبوة واعظة ومتسامحة وغافرة إلى نبوة باطشة لاعنة معاقبة. إن النبي إذا انتصر فلا بد أن ينتقل من نبي حزين باكٍ مصل من أجل الخطايا والآلام والصغائر والتفاهات التي يعيشها جميع الناس وجميع الأشياء إلى نبي زعيم أو إلى نبي حاكم باطش غاضب فظ معير بالخطايا والأخطاء والآلام والصغائر بل وبالجوع والعجز. إن المهزوم المهان المولود في الهزيمة والهوان لا بد أن يصبح أقسى الجبارين إذا انتصر ... إن الحيوان الضعيف المقهور الخائف لا بد أن يتحول إلى أقسى الوحوش وحشية لو إنه تحول إلى حيوان قوي غالب، لو أن أظفاراً وانياباً قوية نبتت في جسمه... إن تغير الذات والوضع تغير في المذهب والتدين والأخلاق والفكر. صــ5

▬ لقد كان جميع الأنبياء والقديسين والقادة الإنسانيين وجميع المؤمنين الأتقياء ــ لقد كانوا جميعاً من المحرومين أو المعذبين أو المشوهين أوالمحزونين أو المظلومين أو المقهورين أو المعتدى عليهم أو الضعفاء، أو من الذين لا يملكون أي تفوق عقلي أو فني أو ذاتي. إن التفوق العقلي والذاتي قد ظل في كل التاريخ يحسب ذنباً أو زندقة. لقد ظل هذا التفوق يحسب كفراً بالأرباب وبالأنبياء وبالزعماء وبالمعلمين وبالمذاهب والأديان. صــ7

▬ إني لست نبياً أو واعظاً أو معلماً او زعيماً مذهبياً يسكت أو يرهب أو يقتل كل شجاعات كل العقول وكل تساؤلاتها بسطوة الآلهة، أو بسطوة المذاهب، أو بسطوة التعالم والتاريخ، أو بسطوة الجيش. ما أوقح وأقبح سطوة الجيوش... ما أوقح وأقبح الجيوش حينما تذهب تعلم العقول ذكاءها وإيمانها... حينما تذهب تعلم العقول الإقتناع بالإله أو المذاهب أو بالنظام أو بالزعيم أو بالمعلم... وحينما تذهب تفسر مزايا الإله أو المذهب أوالنظام أو المعلم أوالزعيم، وتدلل على صدقه. وهل يوجد جيش لا يعلم ذلك؟ وهل وجد أويوجد جيش لا يتحول إلى معلم ومفسر للآلهة وللأديان وللمذاهب وللعقول وللنبوات وللانبياء ؟ صــ29

▬ [..] لهذا فإن جميع الآلهة والطغاة والأنبياء والمعلمين يحرمون عليك أن تكون سائلاً أو متسائلاً ... إنك إذا تسائلت عن شيء أو عن أحد، أو سائلته فلا بد أنك قد حدقت فيه، أو انكرته، أوفكرت او شعرت ضده، أو تناقضت معه، أوكرهته، أو عجزت عن فهمه وعن تسويغه، أو اشمأززت منه، أو حسدته، أو نافسته. إنك إذن قد اعتديت عليه بأسلوب ما من أساليب العدوان. إنك حينما تحدق بنظراتك إنما أنت محدث بنفسك، والتحديق النفسي هو أشمل أساليب العدوان. إن إطلاق السلاح ليس إلا بعض التعبير عن التحديق النفسي. إن السلاح بعض ممارسة النفس لتحديقها. صــ84

▬ إن الأذكياء والأغبياء يتساوون أو يشتركون في تصديق الأكاذيب، بل قد يتفوق الأذكياء في هذا التصديق، لأن سلوكهم الذهني قد يكون أكثر وأقوى حماساً واستقبالاً وتلمساً، وأكثر حركة، وأقدر على الحركة. وتصديق الأكاذيب المعروفة قد يكون تعبيراً عن قوة الحماس والإستقبال والتلمس، وعن سرعة الإستجابة والحركة، وعن قوتهما، وعن القدرة على ممارستهما. إن الأذكى قد يكون هو الأسرع إلى الوقوع في الغباء وفي الأكاذيب الغبية. إنه قد يكون هو الأجرأ على ذلك والأكثر وقوعاً في طريقه. صــ103

▬ إن الزعيم أو القائد أو النبي أو المعلم الذي يريد أن يكون صادقاً ويستطيع أن يكون صادقاً ويصدق ــ إن مثل هذا الزعيم أو القائد  أو النبي أو المعلم ـــ لو وجد، لوكان ممكناً أن يوجد ـ لا بد أن يخسر كل صدقه وإغرائه وكل قدرته على الإقناع. إنه يصبح كائناً كريهاً وثقيلاً ودميماً وذميماً وجلفاً وقحاً مرفوضاً. إنه لا بد أن يحرض على نفسه كره الجماهير ورفضها ومشاعرها الجبانة الأنانية بلا ذكاء أو وقار. إنه لا بد أن يحرض ضد نفسه احتياجات الجماهير وتفاؤلها البليد الكسول ـــ هذه الجماهير التي لا تستطيع ان تعرف الصدق او تحترمه أوتريده أو تبحث عنه، أويكون شوقاً أو أملاً من أشواقها أو آمالها...صــ107

▬ إن الكاذب هو إنسان يتحدث عما يريد ويتمنى ويحب وعما يشترط للأشياء وعلى الأشياء ولنفسه وعلى نفسه...إنه لا يتحدث عما يجد أو يرى أو يعلم أو يكون. إن الكاذب يتحدث عما في نفسه أي عن واقع في نفسه أو عن واقع نفسه. إنه حينما يقول: هذا الشيء موجود، وهو غير موجود، أو يقول: هذا الشيء جميل، وهو دميم، فإنه يريد في الحالتين أن يقول: أتمني يكون ذلك الشيء كذلك، أو أشتهي أوأريد أن أتحدث عنه بانه كذلك. إنه حتماً يتحدث عن نفسه لا عن الواقع الذي يراه أو يعلمه أو يجده...صــ119

▬ إن توحد مذهب المجتمع أو توحد دينه أو إلهه أو زعامته أو تعاليمه وتقاليده لا يؤكد حقيقة فكرية، بل يؤكد سلوكاً جماعياً محتوماً مفروضاً. إن هذا التوحد المثير يؤكد أننا لا بد أن نكون ادوات مخلوقة مسحوقة في الجهاز الكبير الرهيب، أي أن نكون بلا حرية مهما كانت الحريات موجودة ومشروعة ومنادى بها وممارسة ومباحة، ومعروضة في جميع الأسواق والمعابد، وفي جميع القوانين، ومن فوق جميع الأجهزة والمنابر، بلا أي ممنع أو محاسبة. إننا لا نعيش الحرية بقدر ما تكون موجودة أو مبذولة أو مطلوبة بل بقدر ما نستطيعها أونريدها أو نستعد بها، إن الحرية ليست دائماً ربحاً أوشهوة.صــ129


▬ إن الزعيم المحول لأمجاده وانتصاراته الصادقة أو الكاذبة إلى اناشيد وإلى دعايات ضاجة ليس اقل وقاحة او بذاءة أو إثارة للغثيان والإشمئزاز والغضب من الذباب المحول لأمجاده وإنتصاراته ولمعاركه ضد الإنسان وضد الحياة والنظافة إلى طنين وإلى سقوط على وجوه الناس وعلى طعامهم وافكارهم واخلاقهم وكبريائهم. [..] وهل يوجد مثل الزعماء سقوطاً ببداءاتهم ووقاحتهم على وجوه الناس وعلى أخلاقهم وذكاءهم وشرفهم بل وعلى طعامهم؟ [..]  إن التحدث عن النفس بإعجاب وإنشاد فن لا يجرؤ عليه أو يرضاه أو يستمع إليه أو يطالب به إلا الإله أو الزعيم أو الذباب أو من كان في مستوى الإله أو الزعيم أو الذباب. صــ143

  • Digg
  • Del.icio.us
  • StumbleUpon
  • Reddit
  • RSS

العالَم ليس عقلاً (عبد الله القصيمي)


|| سيجد القاريء في هذا الكتاب أمثال كلمات : إله ، آلهة، دين ، أديان، نبي ، أنبياء. وقد يشعر أحياناً أنها كلمات لا تحمل الإحترام الواجب لهذه الأسماء، أو أن فيها شيئاً من التهوين والمساس. لهذا ظننت أني ملزم بوضع تصحيح صغير لهذا الذي قد يعد لدى فريق من القراء التباساً. اني لا يمكن أن أعني بالإله أو الآلهة إله الكون وخالقه وواهبنا الحياة  والعقل والنور والخيرات الجمة. وإنما أعنى بذلك الطغاة أو الأصنام أو الأوهام أو النظم الإجتماعية المتأخرة الظالمة المنسوبة إلى الإله. وكذلك أعني بالأنبياء والأديان حيثما جاءت في كلامي غير أديان الله وأنبيائه. هذا تصحيح أسجله على نفسي كاحتياط مبالغ فيه جداً. صــ6 ||
=========================================
• الثوار والدعاة والقادة والفنانون والمفكرون، قوم من المرضى والمتعبين، يعالجون آلامهم بتطبيب الآخرين.
• الذين يخافون على إيمانهم من الكلام، قوم لا يثقون بإيمانهم.
• إن دموع البشر تنصب في عيوني وأحزانهم تتجمع في قلبي وآلالمهم تأكل أعضائي. ليس لأني قديس بل لأني مصاب بمرض الحساسية.
• إني أنقد لأني أبكي وأتعذب، لا لأني أكره أو أعادي. أنقد الإنسان لأني أريده أفضل، وأنقد الكون لأنه لا يحترم منطق الإنسان؛ وأنقد الحياة لأني أعيشها بمعاناه ـــ بتفاهة، بلا شروط، بلا اقتناع، بلا نظرية.
• إن عبقرية الإنسان كلها لا تعني أكثر من تسديد احتياجات وجوده، ووجوده لا يُعني شيئاً. فماذا تعني عبقريته إذن ؟
• إن رغباتنا هي التي تصنع أخلاقنا وأفكارنا، ولكن أخلاقنا وافكارنا لا تصنع رغباتنا. اننا بلا رغبات لا يمكن أن نعمل شيئاً، ومع الرغبات لا يمكن أن نكون أخلاقيين فيما نعمل أو نريد.
• لكي نسلك سلوك الفضلاء لابد أن نكون غير فضلاء. فالفضيلة لا تنتج عن فضيلة! الفضيلة الخالصة ليست شيئاً بل لا توجد فضيلة وإنما توجد تعبيرات فاضلة وأبعد الناس عن الإحساس بالفضائل واحترامها هم أكثرهم اعطاءً لها!
• الذين يرون الكون معقولاً وعظيماً هم يرونه كذلك في جميع احتمالاته. اذن هم في الحقيقة لا يرون شيئاً. انهم كالذين يرون أي بناء عملاً هندسياً عظيماً كيفا كان.
• العقل والأخلاق ليسا غير الإنسان. فإذا قيل العالم أو الكون ليس عقلاً ولا اخلاقاً كان المعنى أنه ليس انساناً. وهو حتماً ليس شيئاً آخر غير الإنسان أنه هو نفسه. انه القصة التي ليس لها مؤلف ولا نموذج ولا مقاييس نقدية، والتي لم يقصد أن يكون لها قراء.
• إن الناقدين لغباء الكون والحياة هم أكثر الناس رؤية لهما واحساساً بهما وتطلعاً اليهما.
• إن عصر الثورات هو عصر الشخصيات المشوهة الخانعة والأخلاق الشاحبة والنفسيات الكئيبة المذعورة العدوانية.
• إن أي تغير أو تقدم في هذا العالم لم تصنعه أو تشارك في صنعه الثورات. فالتقدم كائن سلمي، وهو لا يمكن أن يكون غير سلمي.
• الثائر يحاول أن يغير وضعه بحجة المحاولة لتغيير أوضاع الآخرين. انه يغار لنفسه وينتقم لها ثم يزعم أنه إنما يغار وينتقم للإنسان المظلوم.
• إن قيام ثورة عسكرية في أي مكان يُعني أن يصدم العالم كله بالنبأ الكبير المذهل وهو أن حشرات وذئاباً مدربة على القتال قد استولت على بلد ما لتحكمه نيابة عن الانبياء والعلماء والفلاسفة، أي بأخلاق الأنبياء وعبقرية العلماء وحكمة الفلاسفة!
• الكتَّاب العرب لم يستطيعوا أن يخلقوا مولوداً فكرياً أو أدبياً عربياً، لقد ظلوا مظاهر ولادة ولم يتطورا إلى ولادة!
• إن فرارنا من الفكر المخالف يعني الفرار من مواجهة أنفسنا ومن التعامل بذواتنا ومن النظر إلى عقولنا.
• إن الكاتب يكتب للناس ويتحدث اليهم كما يعاديهم ويسبهم، لا يفعل هذا أو هذا بحثناً عما يريدون أوعما ينفعهم بل استجابة لذاته. وكل انسان يتحرك من ذاته إلى المجتمع لا من المجتمع إلى ذاته!
• إن أية نظرية تجيء من خارج الكون فلا بد أن تكون باطلة في رأينا نحن سكان هذا الكون وفي سلوك الكون نفسه مهما كانت عبقرية، مع أن هذا مستحيل اذ لا يمكن أن نفكر خارج الكون ولا أن توجد أفكار خارجه.
• إن التدين عملية قذف ذاتي، والذين يؤدون أعمالاً دينية يشعرون بالراحة والإرتواء ويظفرون بنوع من الطمأنينة السعيدة، وهم يفسرون هذه الطمأنينة بأنها راحة الضميرالمستقيم ولذة العبادة، مع أن ذلك ليس سوى الإسترخاء الذي يعقب كل عملية إفرازية!
• تغير الطبيعة نفسها دون أن تستطيع نقدها، والإنسان وحده هو الذي ينقد نفسه لأنه ارقى، فنقد الذات هو أعلى مراحل الوجود ــ هو الوجود الإنساني ــ ولعله اسمى فضائله. وتغيير الطبيعة لنفسها نوع من النقد الذاتي، ولكنه نقد عملي. انها تفعل ما لا تستطيع أن تقول!
• كم هم تافهون اولئك الذين لا يجدون من ينقدونهم ولا من يصوبون اليهم الحملات القاسية الغاضبة!
• اللغة مثل الغناء والبكاء، ليست تعبيراً عن الواقع، ولكنها تعبير عن الإنسان، عن أسلوب الإنسان لا عن واقعه. وأية لغة أو توكيدات لغوية لا يمكن أن تكون وسيلة تعارف او ذات دلالة مباشرة على نية القائل وأهدافه. فاللغة أداة توصيل كاذبة دائما!
• لقد ظل البشر دائماً محتاجين إلى آلهة وشياطين وقديسين وفسقة ليكونوا شيئاً يعلقون عليه مشاعرهم المتناقضة المتوترة.
• إنه لولا الحكام والزعماء والمعلمون الخالدون لفقدت الخصومات بين الشعوب أعظم أسبابها.
• إن السعادة هي مقدار التوافق مع الظروف ومع النفس !
• إن الناس لا يقتنعون بالفكرة لأنها صحيحة بل لأنها قد وجدت ظروف الإقتناع، وهم لا يحولون الفكرة التي يقتنعون بها إلى سلوك لانهم اقتنعوا بها بل لأنهم ارادوا ذلك واستطاعوه.
• إن المنطق يُعرف بالحقيقة ولكن الحقيقة لا تُعرف بالمنطق ـــ أي ان الوجود هو الذي يضع  قوانين المنطق وليس المنطق هو الذي صنع قوانين الوجود.
• من الكلام الشائع أن الناس يعتقدون ثم يفكرون، وهذا غير صحيح حتماً، والصحيح أن الناس يعتقدون ثم لا يفكرون، أو يفكرون فيما يجعلهم لا يفكرون، لأنهم بعد الإعتقاد لا يعرضون عقائدهم على الفكر للنقد والإختبار والدراسة.
• الرواية ليست مصدراً من مصادر المعرفة عند المتحضرين. والذين يشيدون معارفهم من الروايات (رواية الحديث مثلاً) المحفوظة لن يشاركوا في بناء الحضارة.
• إن تاريخ الإنسان وحياته في جميع مراحل وجوده تدلل على أن روايات الآحاد وآراءهم  أصدق من روايات الجماهير وآرائها.
• التفكير العربي تفكير لاهوتي ـــ يفسر كل شيء سواء أكان ساراً أم فاجعاً تفسيراً لاهوتياً ثم يحاول أن يعالجه علاجاً لاهوتياً أيضاً !
• المفروض أن يكون الغرض من التعليم أن يُعطي فكراً مناضلاً، يستطيع أن يفهم وينقد ويوازن ويخلق ـــ المفروض أن نقرأ لنفكر وننقد، لا لنؤمن ونختزن، ليست القراءة تسليماً ولكنها مفاوضة، لقد ظلت رسالة التعليم أن تقدم قارئين لا مفكرين ولا ناقدين أومثقفين!
• إن الذين يدافعون عن تخلفهم وهوانهم ومساوئهم الكثيرة بالأعداء الأجانب وبالمؤامرات والغزوات الخارجية هم مخطئون، وما يزعمونه ليس إلا عملية تبرير سخيفة!

========================================
▬ لو ان الإنسان جاء في أحقر حشرة ثم استطاع أن يؤلف لنفسه منطقاً لرأى أنه في صورته هذه قد جاء موهوباً كل ما في الآلهة من قدرة ومن احتمالات عقلية وأخلاقية، وأن القدر قد أشرف بكل خبرته وعبقريته وتجاربه على اخراج هذا الكائن المحظوظ المدلل ليجيء في احسن تقويم. لقد خلقه في ليلة عرس، بعد أن اكتملت فيه كل أدوات الخلق! بل لو أن الإله نفسه جاء نقيض ما هو في تصورنا لما اختلف رأينا فيه. انه اذا ً وهب الموت او الحياة، الفقر أو الترف، الصحة أوالمرض، أنزل علينا المطر أو الصواعق، عاقب المظلوم وحابى الظالم، فعل الشيء ونقيضه. فهو في الحالتين بالغ أوج الكمال والعدل والحب والرحمة. اذن مهما اختلفت صورة الإله في أذهاننا أوسلوكه معنا أو في الكون فحكمنا عليه لن يتغير. اذن فالله نفسه ليس عقلاً ولا أخلاقاً في تصورنا. انه وجود بلا مستوى. صــ22

▬ الكلمات ليست لها في ذاتها دلالة وإنما دلالتها هو ما يعنيه البشر بها. ولهذا فإن الناس قد يعنون بالكلمة الواحدة الشيء ونقيضه. فالحرية قد يعنى بها أضرى صور الاستبداد،والعدل قد يُعنى به أعلى درجات الظلم، والله والدين قد يعنيان في سلوك المتحدثين عنهما وفي تصورهم الخروج على تعاليمهما وارتكاب جميع ما ينهيان عنه باسمهما، والنظام الجمهوري قد يجمع كل ما في النظم الملكية وغير الملكية من كبرياء وفسوق وبلادة ورجعية. ورب رئيس ملكاً هو أكثر من ملكية من جميع الملوك في جميع العصور. صــ31

▬ الثوار دائماً يتحدثون عن نقيض ما يعطون. فهم يتحدثون عن الحرية والإستقامة وهم أقوى أعدائها، وعن الصدق وليس في البشر من يعاقبون الصادق ومن يمارسون الكذب ويجزون الكاذبين مثلهم، وعن مساويء النفاق وهم أحسن من يزرعونه ويستثمرونه ويتعاملون عليه، وعن الرخاء مع أنهم يبتدعون جميع أسباب الأفقار والأزمات والحرمان. ويتحدثون عن العدل والحب وهم يعنون بها تخويف كل الطبقات وتسيخرها وقهرها وسوقها لمصلحة كبريائهم واحلامهم، ويعنون بها كذلك أن يخضعوا جميع تصرفاتهم لإنفعالات الرضا والغضب ولأغراض الطموع والخوف! صــ50

▬ الثورة - أية ثورة - قد تزيل قيوداً لتصنع مكانها قيوداً اخرى جديدة، قد تهدم أصناماً متداعية لتشيد أصناماً فيها قوة واغراء وبريق - تسقط رجالاً قد شاخوا ووهنوا وفقدوا القدرة على الإفتراس والرغبة فيه ليأتي رجال هم أعظم جبروتاً وفتوة وقدرة على الإفتراس ورغبة فيه ـــ رجال فيهم كل معاني الجوع التاريخي الباحث عن الطعام بأقوى شهية وأخبث وأشره معدة! ان كل ثائر يتحول إلى أقسى خصم للثورة والحرية بمجرد انتصاره. فالثورة في ما قبل الثورة فقط. صــ51

▬ إن العقل في ذاته فراغ ليس امراً أو نهياً او قانوناً اوخروجاً على القانون، ليس ذكاء او غباء أو مستوى انسانياً، وهو لا يعرف ما هوالخطأ والشر او الخير والصواب. العقل لا يوجد في ذاته ولا لها ولا يعمل من اجلها ولا يتحدد بها، فحدوده دائماً ليست فيه، وهو لا يفسر اعماله ولا يقومها ولا يوجهها ولا يستهلكها بل، لا يستطيع تصحيحها! وليس الخير والشر أو الحق والباطل هوما نفعله أوما نعلقه، ولكن هو ما نجده ونفعله ونريده او ما لا نجده ولا نفعله ولا نريده. من الممكن دائماً ان يصبح ما هو معقول غير معقول وما هو غير معقول معقول...صــ117

▬ لقد جرب البشر آلهتهم منذ أقدم العصور، وجربوا عقائدهم. وبعد تجاربهم الطويلة وجدوها لا تستجيب لهم ولا تفهمهم ولا تغير من حالهم شيئاً، ولكن مع هذا ظلوا يؤمنون بها ويجربونها ويصلون لها. فلماذا ؟ السبب أنهم لا يجربونها أو يصلون لها لأنهم ينتظرون منها أن تفعل لهم، لقد علموا أنها لا تفعل شيئاً، ولعلها لو كانت تفعل، لكان هربهم منها ومصيبتهم بها أعظم. فمزايا الآلهة في أنها لا تفعل. وهذا هو سبب إيمان المؤمنين بها ورضاهم عنها وتنزيههم لها! صــ174

▬ أنا لا أحب الحقيقة ولا أكرهها، وإنما أحب ما يلائمنى واكره ما سواه. لست أحترم شيئاً أو أدافع عن شيء لأنه عدل أو حق، ولكن لأني أهواه أواستفيد منه أو اعيش فيه أو أدافع عن نفسي وأثني عليها بالدفاع عنه والثناء عليه، أولأني عاجز نفسياً أو اجتماعياً عن الخروج عليه وعن التلائم مع نقيضه! ولهذا فإني لن أعاني اية صراعات نفسية وأخلاقية لكي اختار موقفي حينما تكون نظرياتي وعقائدي وتعاليمي في طريق غير طريق مصالحي وأهوائي! ان افضل انسان لن يجد اية معاناة لكي يطيع ذاته ويعصي مثله! اذا اتبعت الحق أو احترمته فليس لاني فاضل، وإذا اتبعت الباطل أو أحببته فليس لاني شرير، ولكن لأني في الحالتين انسان. أنا أفعل الخطأ بالإصرار والحماس اللذين أفعل بهما الصواب، ولست في الحقيقة افعل هذا ولا هذا، بل أفعل دائماً ذاتي لأني أناني. ومجموع أنانيات البشر الفردية يساوي مجموع فضائلهم الإجتماعية! الحقيقة لا تكون هدفاً، ولكنها قد تكون الطريق إلى الهدف! صــ183

▬ إن الذين يفعلون الصواب لا يفعلونه لأنهم يحترمون المنطق، وان الذين يفعلون الخطأ لا يفعلونه لأنهم يحتقرون المنطق.وليست الحضارة والأخلاق أو فقدهما منطقاً او فقداً للمنطق، ولكنها قدرة وفقد للقدرة! وليس اعظم الناس ابداعاً للحضارة وأخلاقاً هم دائماً اعظمهم منطقاً! ولم يزل الناس مختلفين ويزدادون خلافاً مع انهم يتناقشون ويحتكمون في نقاشهم إلى العقل وإلى الأخلاق في جميع ما يختلفون فيه، ولم يستطع الإحتكام إلى المنطق والأخلاق ان يحسم أو يضعف الخلاف بينهم، بل مظنون جداً ان لم يكن محتوماً حتماً ان هذا الخلاف قد يقل أو يضعف لولا احتكامهم إلى المنطق وتراشقهم به ! وقد كان محالاً دائماً أن يؤدي الصراع الحر بين الأفكار إلى خير أو إلى اية نتيجة طيبة، لا يمكن ان يؤيدي إلى تقارب أو اتفاق أو محبة أو إلى معرفة أو جلاء للحقيقة. ولو أن الناس عقدوا هدنة دائمة بين مذاهبهم وعقائدهم فلم يدخلوها في أية صراعات فكرية او مذهبية، لكانت الإحتمالات أكبر لرؤية الحق واحترامه والإلتقاء عنده، ولكي تهدأ وتتوازن خصوماتهم وتعصبهم لحماقاتهم وأوهامهم، وتشفى نفوسهم من جراحاتها! ان المنطق لا يمكن ان يُعطي حقيقة ولا سلاماً. وكل أنواع السلام والحقائق التي نعيشها ونملكها اليوم لم يصنعها الصراع بين الآراء، وإنما صنعتها الحاجة والعجز والآلية والقانون والتكيف والتجربة! صــ 201 : 202

▬ [..] أما الضعفاء والمتخلفون فلا يريدون أن يسمعوا غير المديح والتدليل، لأنهم يخافون النقد ـــ يخافون النقد لأنهم يخافون التغيير لأنه تعب ومعاناة وخطر. فالذي يقول: أنا كامل ومنزه كأنما يقول: أنا لا أريد أن أتغير لأن التغير ارهاق وخوف، والذي يقول: أنا ناقص كالذي يعترف بأنه في حاجة إلى مزايا أكبر، وأنه شجاع وقوي لا يهاب ولا يحاول ويجرب أن يكون! [..] إرادة النقد مرتبطة بإرادة التغيير، والخوف من التغيير ليس فكرة بل عجز . فالذين يرفضون أن ينقدوا انفسهم اويتغيروا ليسوا فضلاء وإنما هم عاجزون. صــ215 : 216

▬ إني أطلب من المؤمن ألا يرضى عن نفسه كثيراً أو يحتقر من يخالفونه بكبرياء، وأطلب اليه أيضاً أن يعرف أنه لا فرق بينه وبين الزنديق، فكلاهما لا يفعل إلا إرادته. فليس المؤمن فاضلاً أو عاقلاً أو مخلصاً أوخادماً للإله أكثر من الملحد، بل ان الذين ينكرون الآلهة يفهمونها ويحترمونها دون الذين يؤمنون بها! إذ الذين يؤمنون بها لا ينزهونها عن شيء، ويتهمونها بكل اخطائهم ونقصائهم وبما في الكون من أخطاء ونقائص ويلقون عليها بمتاعبهم وعجزهم، فهم يؤمنون بها ليلوثوها لا ليتطهروا بها، وليستخدموها لا ليكونوا لها عبيداً. صــ220

▬ أكثر الناس بعداً عن الصدق اللغوي هم أصحاب المُثل والدعوات، فالمعلمون والدعاة  والكتاب لا يريدون بدعوتهم أن يقولوا الحق أو ينصروه، وإنما يريدون ان يقولوا ما يلائمهم ويريحهم، أو ما يعتقدون أنه يؤثر في الآخرين. وليس في قصدهم ما يلائمهم ويريحهم، أو ما يعتقدون أنه يؤثر في الآخرين. وليس في قصدهم أن يتحروا الصدق، فإذا صدقوا، فلن يكون الصدق هدفهم، ولكنه وسيلتهم إلى هدفهم. فالصدق ضرورة لا رسالة، والكلام بحث عما نحن، لا عما هو واجب أو عما هو أخلاقي. اذا نطق أي قاضٍ في أي محكمة بكلمات الحق أو ما يراه حقاً، فلا ينبغي أن يختلط علينا الأمر، فهذا القاضي حينما حكم، لم يحكم  إلى الحق ولا إلى من يستحقونه، ولم يخطر ذلك على باله، وإنما نظر إلى نفسه، لقد كان يعبر عن ذاته ووضعه، لا عن القانون أو الأخلاق، وكان هذا هو شعوره. ويقول في أسباب حكمه: هذا هو العدل. ولو قال الحقيقة بلغتها لقال: هذا هو أنا أو هذا هو ما لا بد منه بالنسبة لمن هو في مكاني، فالإنسان لا يمكن أن يكون معبراً إلا عن نفسه فقط. صــ237

▬ الذين يقولون لنا أحبوا الناس أواحبوا اعداءكم واخوانكم كما تحبون أنفسكم أو احبوا العدل والحق والصدق ــ هم خطباء ومغنون فقط، إلا إذا كانوا يريدون ان يقولوا لنا كونوا منافقين وتكلفوا الفضيلة تكلفاً وتظاهروا بغير ما في أنفسكم. فالاخلاق في كل العصور، هي اتقان فن التكلف، هي مجموعة أساليبنا المختلفة المتكلفة للتعبير عن أشياء لا نعنيها. حتى الإحسان إلى الآخرين أو الإشفاق عليهم، هو عطف على الذات، لا على الآخرين.! صــ246

▬ لقد احتاج البشر في كل عهودهم إلى ان يؤمنوا بأشياء غائبة، بأشياء فكرية لأنهم محتاجون إلى الإيمان، والإيمان لا يكون إلا بأشياء كاملة منزهة، والاشياء الموجودة لا يمكن أن تكون منزهة ولا كاملة. فعجز الموجود هو الذي أوحى الينا بالإيمان بغير الموجود! ومن اجل هذا فسوف يظل الإنسان دائماً محتاجاً إلى صور شعرية غيبية تهيج خياله وامانيه وتملؤها بالأشباح! صــ297

▬ لو كانت الأديان خاضعة لحكم العقل لضاقت الخلافات بينها وتناقضت أو لتداخلت وتوحدت كلها في دين واحد كالذي حدث في الشئون العلمية والصناعية التي ابتكرها العقل. فالحضارة تتقارب وتتوحد عند سائر الشعوب مهما تباعدت واختلفت في بدايتها. هل اختلف البشر في الرياضيات وفي الكشوف العلمية أو في حجم الشمس أو القمر مثل اختلافهم في اديانهم ومذاهبهم ؟ وكذلك لو كانت الأديان تؤخذ بالعقل والمنطق لوجدنا المؤمنين يخرجون من دين إلى دين بالسرعة والسهولة التي ينتقل بها الناس من فكر إلى فكر ومن فلسفة إلى فلسفة، بل الناس يخشون على أديانهم وعقائدهم من تعريضها للمنطق. وهم يرون الذين يخضعون المعتقدات للتفكير الحر زنادقة، يحاربون ويكرهرون وتجب البراءة منهم! انه توجد معركة واحدة تنتصر فيها الأديان، تلك هي الا تدخل معركة ضد أي خصم من خصومها! صــ330

▬ إن البشر يضعون في اذهانهم صورة للإله لو انها تجسدت كائناً حياً خارجياً مرئياً يعمل في الكون والحياة والمجتمع الذي يعيشون فيه على المكشوف والرؤية، ويعاملهم بالصفات التي تخيلوها وتمنوها له لاصبح لديهم أبشع وأفظع كائن لا يمكن أن يقبلوا التعامل معه ولا ان يكون لهم صديقاً وعليهم حاكماً، ولا أن يكون مجرد مواطن لهم، بل لكان محتوماً ان يحكموا عليه بالإعدام. ولا يوجد بين المؤمنين بهذا الإله على النحو الذي تصوروه من يرضى لنفسه بأن يعيش بالصفات التي اختاروها وألفوها له، أو يرضى بأن يكون إلهاً هذا الإله. صــ366

▬ كل الناس يعبرون عن عقائدهم ومذاهبهم ويفسرونها بإستعداداتهم ورغباتهم لا بنصوص ولا بروح تلك العقائد والمذاهب ـــ بل لا يوجد من يعبر عن دينه أو مذهبه حين يعمل او يفكر وإنما يعبر عن وجوده، فصفات المجتمع هي التي تفسر دينه وتعبر عنه لا روح ذلك الدين ولا نصوصه، كما أنها هي التي تصوغه، اذن فالأديان والمذاهب ليست مذمومة ولا ممدوحة اذا هان اهلها أو عظموا، وكذا اذا انحرفوا أو استقاموا..صــ383

▬ ليس في قوانين الحياة حلال وحرام، جائز وممنوع، وإنما فيها ممكن وغير ممكن، قاتل وواهب للحياة! والفضيلة هي ان يتوافق الإنسان مع الطبيعة لا أن يتجنبها اويخافها أو يعجز عنها أو يحرّمها أو يعبدها! ليست الطبيعة إلها يكون حلالاً وحراماً أو معبوداً، وتقاس فضائلنا وراذائلنا وأخلاقنا بنوع معاملتنا له، ولكنها عمل نتناوله بالقدرة والعجز والرغبة والكره والذكاء والغباء. تحليل الطبيعة وتحريمها واتخاذ نوع التعامل معها مقياساً للإستقامة والضلال ضرب من التأليه لها. فالذين يحللون الأشياء ويحرمونها هم في الواقع مؤلهون لها! وجميع التشريعات التي شرعها الإنسان لنفسه وقسم فيها الحياة إلى محللات ومحرمات وإلى أوامر ونواهٍ بأسلوب الأخلاقية ـــ جميع هذه التشريعات تعبير عن احساس التأليه والعبادة للأشياء! والتحليل اولتحريم ليسا تعبيراً عن فضائلنا ورذائلنا، بل عن خوفنا وعجزنا! واحتياجنا إلى التحريم هو الذ صنع لنا الآلهة والأنبياء والشرائع والكتب المقدسة، لقد أوجدنا الآلهة المحرمة لأننا نريد أن نحرم، ولم نحرم لوجود هذه الآلهة التي تريد أن تحرم. صــ391

▬ ومن المحاكاة التي لا يمكن أن توصف بالذكاء ولا بعمق الدين، ذلك الهوس الإسنادي الذي جعل الكثيرين من عبيد الرواية يحاولون أن يمجدوا أنفسهم بوصلها بأصحاب كتب الحديث المشهورة، فيروي أحد هؤلاء عن شيخه، وشيخه يروي عن شيخه، وهكذا إلى أن تصل مثلاً بالبخاري، والبخاري يروي عن آخر، إلى أن يقول الرواي سمعت أو رأيت الرسول، ويظنون انهم بهذا أخذوا عن الرسول الذي اخذ عن جبريل الذي أخذ عن الله. وهذا نوع من التقليد الذي قد تطير له ألباب الأطفال فرحاً، والطفل يرسل بالونه المملوء بالهواء، فيرتفع فوق راسه، فينفجر بالسرور ويظن أن مجده قد صعد، وأنه قد اتصل بالشمس وبالكائنات العلوية. صــ437

▬ يقول الرواة أنه يوجد حديث متواتر، وأن هذا النوع من الحديث مقطوع بثبوته، ولا يمكن أن يشك فيه، لا على احتمال الخطأ أو الكذب! ولما سُئلوا ما هو الحديث المتواتر قالوا هو الذي يرويه قوم يستحيل أن يكذبوا أو يخطئوا، عن قوم آخرين مثلهم، وهكذا من بداية السند إلى نهايته. وكم ينبغي أو يشترط أن يكون عدد هؤلاء القوم! هذا شيء لا يستطاع تحديده ولا يشترط. أيشترط أن يكونوا عدولا! كلا، بل ولا أن يكونوا مسلمين، اذ لا يشترط غير العدد الذي لم يُفهم ولم يحدد. نعم، وكيف يشترط شرط يشترط الا يكون معلوماً ؟ ان كان الأمر يرجع إلى العدد، فهو غير معروف، وان كان يرجع إلى اطمئنان النفس، فهذا يختلف بإختلاف الناس وإختلاف حالاتهم وتقديراتهم! ان كلمة "يستحيل" ان يكذبوا أو يخطئوا، ليست قانوناً من قوانين الطبيعة، وإنما هي كلمة بشرية تقال وتعتقد تحت ظروف وتصورات بشرية أيضاً...صــ465

▬ [.....] إن تواتر الشيء دليل على أنه خرافة، فالخرافات هي التي تتواتر في الغالب، وهي أكثر تواتراً من الحقائق، لأن الخرافات احتياج للجماهير وهي لا تكلف شيئاً ولا تحتاج إلى عبقرية أو تعب، ثم هي مُرضية لأنها تعبير عن الأماني التي لم تحقق، اذن فالسوق محتاجة إلى الخرافة ومحتاجة إلى تحويل الخرافة إلى تواتر. أما الحقيقة فهي لا تملك هذه المزايا، لهذا لا تَلقى الترحيب الذي تلقاه عدوتها. إن التواتر هو المعنى الكبير للخرافة! انه إحتلام جماعي! والحضارة كلها مناقضة بمتواترات! [..] وإذا رأى أنصار الرواية المتواترة أنه لا بد من الإيمان بها لأنها هي الوسيلة التي عرفنا بها التاريخ وأحداثه وعرفنا بها الأمم والرجال والمدن والمواقع ـــ اذ لا وسيلة أخرى لمعرفة شيء من ذلك غير التواتر ـــ إذا رأى أنصار الرواية المتواترة ذلك: قيل لهم إذا كانت أحداث الحياة والتاريخ لم تُعرف إلا بروايات يرويها قوم بالأسانيد والعنعنات فما الذي يمنع حينئذ من الشك في كل هذ الأحداث أوإنكارها ؟ إذا انكرها منكر فهل نثبتها له بالرواية أو بشيء آخر ؟ إذا كانت الرواية هي الوسيلة الوحيدة لإثباتها فإن الذي ينكرها لن يجد ما يجعله منكراً لحقيقة محتومة، وإذا أمكن إنكار شيء كان الإيمان به جنوناً أو غباء ً. والذي يمكن إنكاره ليس حقيقة، والذين يؤمنون بما يستطيعون أن ينكروه ليسوا عقلاء!. [..] إن التواتر الذي هو موضوع كلامنا هنا يتعلق بأمور غير مرئية ولا موجودة أو حاضرة بل ماضية لا تخضع للتجربة المادية ولا للإمتحان.. [..] والتاريخ ليس كذلك، وإذا كان كذلك فلا آسف على جحوده أو إحتقاره! صــ471

▬ التفكير العربي ينزع إلى التوحيد ـــ توحيد القوى في قوة والتبعات كلها في واحد، وينكر التعدد ويراه ضد الطبيعة والفضيلة. إنه كما وحد الإله وحد كذلك السلطان وجمع لها الحقوق المفرقة وجعله مصدر كل الرغبات والمخاوف، ولم يدع لنفسه شيئاً غير أن يدعو ويرجو، انه يشعر بحاجته إلى أن يظل عبداً أوطفلاً يؤمر وُينهى ويُرعى ويُبسط على ظهره السوط فيبكي ويتألم ـــ هو دائماً في حالة فرار من نفسه. إنه لا يريد ولا يستطيع أن يكون حراً، الحرية صورة أخرى من صور العبودية والعذاب!صــ487

▬ وسوق الفكر العربي أعجب سوق، يوجد فيها كل الناس يروجون ويجيئون ويصرخون ويتساومون ويتعاملون ويبدون كأي قوم في أية سوق، ولكن جميع البضائع التي يتعاملون عليها زائفة! اساطير وأوهام ومبالغات وغرور وتعصب وسباب وحرارة بلا حب، ثم لا شيء يفيد أو يقبض! أحاديث الزعماء والحكام وتعليقات المعلقين من كتاب ومفكرين في الإذاعة والصحافة والكتب، وكل ما يُقال ويُسمع صراخ وأصوات بلا كلام، لا تفسير الموقف، ولا وعي لقضية، ولا احترام لحقيقة، ولا تواضع مع تسامح! نحن، نحن! أما الأعداء، أما الآخرون ! نحن افضل وأقوى وأشرف وأعلم ــــ هكذا نحن دائماً، هكذا كنا، وهكذا كان جدنا وحدنا ــــ جدنا العظيم آدم عليه السلام! أما الأعداء ــــ أما الأخرون فهم تراب في تراب! لم يتغير الطريق ولا السائرون فيه..صــ523

▬ التفكير العربي تفكير اتكالي، هارب من نفسه، وقد كان دائماً يعبر عن هربه بشوقه الأصيل وحماسه المتوتر في بحثه عن الأرباب والخرافات والأكاذيب والعقائد الجاهزة والقياصرة المتألهين ليحكموه ويذلوه ويرهبوه، دون أن يتسامحوا معه أو يحترموا عقله وكرامته، انه يريد أن يؤمن لا أن يفكر ! وهو يهاب الحقيقة، لا يبحث عنها إذا بعدت عنه، ولا يرحب بها إذا واجهته، وأشنع أعدائه هم الذين يبحثون عن الحقيقة أو يحترمونها أو يحاولون أن يدلوه عليها، انهم هادمون خصوم زنادقة! والعرب يرحبون دائماً بمن يبرر لهم أنفسهم وجميع ما لديهم من عقائد وأفكار وأشياء، والخصم البغيض هو الذي ينقدهم أوينقد شيئاً مما يفعلون أو يعتقدون أويملكون.! صــ531

▬ إدراكنا لعبث الوجود أو الحياة لن يقلل من اصرارنا على البقاء، فنحن لا  نبقى ولا نريد البقاء لأننا نعلم شرعية الوجود، بل نبقى بالضرورة كما تبقى النجوم والكوارث، ونحيا بلا حكمة ولا منطق كما نموت كذلك، "لماذا نحيا" يساوي "لماذا نموت" ! نحن نحيا حيث لا نستطيع أن نموت، ونموت حيث لا نستطيع أن نحيا ــــ إننا نحيا بالجاذبية كما نموت بالجاذبية ــــ هكذا قلنا، وهكذا نعيد ما قلناه.! صــ572

محدثاً عن نفسه..


▬ لا تسيئوا فهمه، لا تنكروا عليه أن ينقد أو يتهم أو يعارض أو يتمرد أو يُبالغ أو يقسو. انه ليس شريراً ولا عنيفاً ولا عدواً ولا ملحداً ولكنه متألم حزين، يبذل الحزن والالم بلا تدبير أو تخطيط كما تبذل الزهرة أريجها أو الشمعة نورها! لقد تناهى في حزنه وضعفه حتى بدا عنيفاً. ان كل ما كتبه نوع من الصلاة والبكاء بلغة حزينة صادقة، إنه يصلي ولكن بأسلوب الإنسان المدفون في أعماق نفسه، انه بتمرده وتحديه ليصلي لله صلاة هي أصدق من صلاة جميع المشرعين، وإنه بقسوته على الإنسان ليحترمه ويتعذب له أكثر مما يفعل جميع الشعراء المادحين! انه يصلي لله وللكون وللإنسان ولكن بلغة هي أقوى من كل لغات المعابد، فلا تخطئوا في فهمه، ولا تحقدوا عليه، لا تظلموه، انه باك ٍ وليس لاعناً، انه من ضعفه أمام حبه ليرثي لكل الأشياء، حتى ليرثي للآلهة، انه ليرثي للآلهة ويخجل لها من نفسها! وهذا قمة الضعف أوالحب أو الإيمان، بل قمة العذاب! ليس نقده إلا رثاء للعالم ورثاء لنفسه، بل ليس نقده إلا تمزقاً ذاتياً..صــ578

  • Digg
  • Del.icio.us
  • StumbleUpon
  • Reddit
  • RSS

العلاماتية وعلم النص (منذر عياشي)


• إن شيئاً ما لا يكون علامة إلا لأنه يؤول بوصفه علامة لشيء ما بواسطة مؤول ما. (تشارلز موريس)
• ليست العلامة علامة إلا إذا كانت تستطيع أن تترجم نفسها إلى علامة أخرى تكون من خلالها كاملة التطور.
• إن اللغة نسق من العلامات التي تعبر عن الأفكار. (فرديناند دي سوسير)
• يعد علم العلامات الحديث طفلاً لأبوين. الأول، هو شارلز سانديرس بيرس (1839-1914). والآخر، هو فرديناند دي سوسير (1857-1913) ولم يعرف الواحد منهما الآخر.
• العلامات تسمح لنا أن نفكر وأن نتواصل مع الآخر، وأن نعطي معنى لما يقترحه الكون علينا. (فان زويست)
• إنه لمن الممكن نعت التواصل المكتوب بلغة إصطناعية بمسمى النص، ومن ذلك مثلاً الرياضيات، والمنطق، أو لغة الإنسان الآلي (الحواسيب). [تون آ.فان ديك]

==========================================
[جان ماري سشايفر]

▬ لقد أصبحت العلاماتية علماً مستقلاً فعلاً، مع عمل الفيلسوف الأمريكي شارلز ساندرز بيرس (1839 - 1914). فهي تمثل بالنسبة إليه إطار مرجعياً يتضمن أي دراسة أخرى: "إنه لم يكن بإمكاني على الإطلاق أن أدرس أي شيء - الرياضيات، الأخلاق، الميتافيزيقا، الجاذبية، الديناميكا الحرارية، البصر، الكيمياء، التشريح المقارن، الفلك، علم النفس الصوتيات، الإقتصاد، تاريخ العلوم، الهويست (ضرب من لعب الورق)، الرجال والنساء، النبيذ، علم المقاييس والموازيين - إلا بوصفه دراسة علاماتية". صــ15

▬ لقد ذهب رولان بارت إلى حد قلب العلاقة التي اقترحها سوسير بين العلاماتية واللسانيات: لم تعد العلاماتية وجهاً من وجوه اللسانيات، وذلك لأن كل العلامات غير اللسانية (كما يرى بارت) هي علامات يحددها اللسان مسبقاً، ويطابقها مع الفكر بوصفها هكذا (ولعلنا نستطيع أن نرى في هذا تأثيراً للمتصور اللغوي عن اللاوعي الفرويدي الذي اقترحه لاكان). وإن كان كل ممثلي البنيوية لا يقبلون هذا القبل، فإن معظمهم يعالج اللسان، ظاهراً أو باطناً، بوصفه إستدلالاً للبنية العلاماتية كما هي..صــ25

[اآرت فان زويست]

▬ العلاماتية هي دراسة العلامات وكل ما يحيل عليها: عملها، وعلاقتها مع العلامات الأخرى، وإنتاجها، وتلقي المستعملين لها. وعندما تتمحور دراسة العلامات على تصنيفها، وعلى علاقتها مع العلامات الأخرى، وعلى الطريقة التي تتعاون بها في عملها، فإنها تمثل بهذا عملاً "للنحو" العلاماتي. وأما عندما تتمحور الدراسة على علاقة العلامة مع مراجعها ومع التأويل الناتج عنها، فإنها تمثل عملاً "دلالياً" علاماتياً. وعندما تهتم دراسة العلامة بعلاقة العلامات مع المرسِلين أو مع المستقبلين، فإنها تمثل عملاً "تداولياً" علاماتياً. صــ38

▬ [..] فلنركز، مع ذلك، الإنتباه على علاقة العلامة مع مرجعها، وسنرى، من حيث المبدأ، أنه توجد ثلاث علاقات ممكنة. وتستطيع العلاقة بين العلامة ومرجعها أن تكون علاقة مشابهة. فإذا كان ذلك كذلك، فإن العلامة تعد حينئذ "أيقونة". ويمكن أن تكون العلاقة علاقة تجاور وجودي. فإذا كان هذا هكذا، فإن العلامة تعد قرينة. ويمكن، أخيراً، للعلاقة أن تكون علاقة مؤسسة، وتواضعية. فإذا كان الحال كذلك، فإن العلامة تكون "رمزاً". ولذا، فإن الخريطة الجغرافية واللوحة التشخيصية تعدان أيقونتين. بينما تعد علامة الإرشاد ودوارة الهواء قرينتين. وأما حركة الرأس التي تعني "نعم" والعلامة اللسانية فتعدان رمزين. صــ42

[بول ريكور]

▬ إن النظام العلاماتي، المنظور إليه وحده، ليس سوى مجموع من شروط التمفصل والتي من غيرها لا يستطيع اللسان أن يكون. ولكن المتمفصل بوصفه هكذا ليس هو اللسان بعد في قدرته على التمعني. إنه فقط نسق الأنساق، والذي يمكن أن نسميه اللغة، والتي وجودها، الإفتراضي فقط، يجعل ممكناً شيئاً ما مثل الخطاب، والذي لا يوجد في كل مرة إلا في مقام الخطاب. وهنا يتواشج الافتراض والآنية، والتمفصل والعملية، والبنية والوظيفة، أو كما نقول في مكان آخر ، النسق والحدث. صــ86

[تزيفتان تودوروف]

▬ تستند دراسة الوجه النحوي للنص إلى "تحليل القضايا"، والذي نختزل من خلاله الخطاب إلى "قضايا بسيطة منطقياً"، ومكونة من عامل (مسند إليه) ومسند، أو من عدد من العاملين (مثل المسند إليه والموضوع) ومن مسند، وذلك تبعاً لنموذج القضية التي نعطيها لأنفسنا. وبفضل حضور المسندين – اللذين  يمكن ان يكونا نعتين أويكونا فعلين - إلى حضور القضيتين. وهكذا، فإن جملة "الولد يبكي" ليست سوى شكل لساني، وخليط، من وجهة نظر منطقية، منقضيتين متتابعتين: "س ولد " و " س يبكي". وتتناسب القضية مع ما يسميه جان ريبوا الجملة في حدها الأدنى. وإننا لنستطيع، انطلاقاً مما سبق، أن ندرس العلاقات التي تقوم بين القضايا. صــ112

[تون آ.فان ديك]

▬ يعد التحليل نصاً أو أيضاً ما نسميه "النص - الواصف" والذي يجب أن يوجد في النتيجة وان يفهم في لسان معين وسياق تواصلي معين. وهذا يعني أنه يجب على التحليل إذن أن يلبي الضوابط التواضعية للجماعة التواصلية المعنية بهذا الأمر. وهكذا يستوجب على التحليل العلمي ان يُلبي ضوابط "التواصل العلمي" ومعاييره. وإن أمراً كهذا يستلزم، من ابين أشياء أخرى، أن يكون التحليل قابلاً للفهم، وأن يكون في مقدوره أن يعيد إنتاج نفسه، وأن يكون واضحاً ونسقياً قدر الإمكان، وأن يكون مؤسساً نظرياً، وأن يكون أخيراً متجهاً نحو قضايا وأهداف مطروحة بشكل مسبق. صــ142


▬ إن النص، بالإضافة إلى كونه مكوناً ثقافياً متغيراً للتفاعل الإجتماعي، فهو- في ذاته - ظاهرة ثقافية يمكن للمرء ان يستخلص انطلاقاً منها بعض الاستنتاجات حول البنية الإجتماعية للجماعات الثقافية. ويمكن استخلاص دور الأعضاء الإجتماعيين، وحقوقهم، وواجباتهم، والضوابط، والمواصفات، التي تهمين من النصوص ومن المحادثات المستعملة في المقام الأول. ألا وإن الأمر نفسه يحدث بالنسبة إلى المعارف، والآراء، والأفكار والمعايير، والقيم الجارية للمجموعة اللسانية التي رأينا من قبل أنها تمارس تأثيراً هاماً على الإنتاج والفهم النصوصي. وبإختصار، فإن التحليل النصي يُعد منهجاً ذا قدرة كبيرة في إطار تحليل عام للثقافة. صــ188

  • Digg
  • Del.icio.us
  • StumbleUpon
  • Reddit
  • RSS