عن الحرية (جون ستيوارت مِل)


• إن الصراع بين حرية الفرد وسلطة الدولة هو أوضح المعالم المأثورة عن التاريخ، لا سيما تاريخ اليونان وروما وانجلترا.
• حينما توجد طبقة بارزة في المجتمع نجد أن جزءاً كبيراً من أخلاق البلاد ينبثق من مصالحها الطبقية الخاصة، ومستمداً من شعورها بسموها وسيادتها.
• الإنسان غير مسئول أمام المجتمع عن شيء من تصرفاته إلا ما كان منها ذا مساس بالغير.
• إن الإستبداد وسيلة مشروعة لحكم الأمم الهمجية، طالما كان الإصلاح هو الغاية المقصودة من ذلك.
• إنني أعتبر المنفعة الهدف النهائي وراء جميع المسائل الأخلاقية، غير أنه يجب أن تكون هذه المنفعة في أوسع معانيها قائمة على المصالح الباقية للإنسان بإعتباره كائناً متطوراً.
• لو أن الناس جميعاً اجتمعوا على رأي واحد، وخالفهم في ذلك فرد بعينه في تأييد رأي مخالف، فليس هناك ما يبرر اسكات الناس لهذا الفرد، كما أنه ليس هناك ما يبرر قيام الفرد بإسكاتهم إذا أُتيح له ذلك.
• من المؤكد أن كثيراً من الآراء السائدة الآن سوف تنبذها العصور المُقبلة كما ننبذ نحن كثيراً من الآراء التي كانت سائدة في العصور الماضية.
• لقد مُنِح الإنسان العقل لكي يستخدمه، فهل يمكن ان نقول للناس : ان عليهم الا يستخدموا العقل إطلاقاً لأنهم قد يخطئون في إستخدامه؟
• الإنسان قادر على تصحيح أخطائه بالمناقشة والتجربة لا بالتجربة وحدها.
• ليس من الظلم أن نطلب من الجمهور الذي يضم خليطاً مختلفاً يتألف من قليل من العقلاء وكثير من الحمقى إنتهاج السبيل الذي يراه أفضل الحكماء بين الناس، وهم هؤلاء الذين يجوز لهم الثقة برأيهم، ولديهم ما يبرر إعتمادهم على هذا الرأي.
• إن خيار الناس - لا أشرارهم - قد أجمعوا على أن العقائد التي تتناقض مع الصدق لا يُمكن بأي حال أن تكون ذات منفعة حقيقية.
• لقد كان الإضطهاد يُصادف النجاح دائماً إلا في البلاد التي كان أصحاب الدعوة فيها من القوة بحيث لم يؤثر فيهم الإضطهاد ولم يوهن من عزائمهم.
• لقد أُعدِم سقراط ولكن ذلك لم يمنع فلسفته من أن ترتفع كالشمس في عنان السماء، حتى أنارت بضيائها العقول والاذهان.
• إن الإنسان لا يستطيع أن يصير مُفكراً عظيماً إلا إذا كانت آراؤه نابعة من نفسه.
• إن بعض الناس يكيفه منك أن توافق على رأيه من غير ارتياب..
• إذا لم يتمكن المرء من الإحاطة بدقائق قضية ما فإن معرفته بها تكون ناقصة.
• إن العقائد التي ليس لها سيطرة على معتنقيها، لا يكون لها سلطان على عقولهم.
• الإختلاف في الآراء هو السبيل الوحيد لتوضيح الحقيقة مادام العقل البشري على حالته الراهنة.
• إنه نظام همجي من وجوه كثيرة (التوراة) ولم يكن يُقصد تطبيقه إلا على قومٍ همجيين.
• الطاعة العمياء هي قوام الآداب المسيحية، حقيقة أنها لا توصي أتباعها بتنفيذ أوامر السلطان إذا كانت مخالفة لنصوص الدين، ولكنها تأمرهم بالإذعان وعدم العصيان، مهما أصابهم من الأذى.
• إن تعاليم المسيح لا تحتوي غير جزء من الحقيقة..
• إذا طُلب من الملحدين أن ينظروا بعين الإنصاف إلى ديانة المتدينين وجب على هؤلاء أن ينظروا بنفس تلك النظرة إلى الحاد الملحدين.
• إن إصلاح شئون الناس من الوجهة العقلية - الذي يترتب عليه صلاح شئونهم في النواحي الأخرى - يقتضي إطلاق حرية الآراء وحرية التعبير عنها.
• إن الإبتكار هو الشيء الوحيد الذي يعجز أصحاب العقول غير المبتكرة عن إدارك منفعته.
• مقدار الشذوذ (يقصد الأفكار أو الأفعال أو الأقوال... الغير مألوفة) في أي مجتمع مقياساً لما يحتويه من العبقرية والشجاعة الأدبية.
• إن الأمة قد تضطر الى سبيل التقدم زمناً معيناً، ثم تتوقف، ويكون ذلك متى استحكم فيها استبداد العادة وضاع منها استقلال الشخصية.
• كلما كان هناك ضرر معين إما لأحد الأفراد أو للجمهور، فإن الحالة تخرج من دائرة الحرية، وتدخل في نطاق الآداب أو القانون.
• أكثر ما يضر بالوسائل الصالحة لتقويم السلوك هو الإلتجاء إلى الوسائل السيئة.
----------------------------------------
▬ إن الفرد من عامة الناس يرى أن هواه إذا عززته أهواء الآخرين كان سبباً كافياً مقبولاً، بل كان السبب الوحيد لتبرير آرائه في مسائل الأخلاق والذوق واللياقة بوجه عام ما لم يرد عنها نص صريح في عقيدته الدينية، بل إن هواه قد يصبح دليله الأكبر في تأويل نصوص عقيدته. صــ14

▬ في حياة الفرد منطقة ليس للمجتمع بها إلا مصلحة غير مباشرة - إن كانت له أية مصلحة على الإطلاق - وهي تشمل هذا الجزء في حياة الفرد بل وجميع تصرفاته التي لا تؤثر في غير الفرد، أو التي إذا أثرت في غيره أيضاً فذلك بمحض رغبتهم وإختيارهم ورضاهم واشتراكهم، وعندما نقول : لا تؤثر في غيره، نعني أنها تؤثر فيه مباشرةً ولأول وهلة، لأن كل ما يؤثر في نفس الفرد قد يؤثر في الآخرين عن طريقه... صــ26

▬ إن على الناس والحكومات أن يتصرفوا على قدر طاقتهم، وأن يبذلوا أقصى جهدهم، فليس هناك شيء يُسمى اليقين المُطلق، وإنما هناك ثقة كافية لتحقيق غايات الحياة البشرية، ويجوز لنا أو يجب علينا أن نفترض صحة آرائنا لكي نسترشد بها في تصرفاتنا، ونحن لا نغلوا بعيداً في إفتراضنا حينما نمنع الأشرار من إفساد المجتمع بنشر الآراء التي نعتبرها زائفة ضارة. صــ38

▬ ولا يمكن أن يُخالج شخص عاقل أدنى شك في أنه كان من الممكن إنهاء المسيحية في عهد الإمبراطورية الرومانية إلى غير رجعة، بل إنها اتسعت وسادت تعاليمها، لأن الإضطهاد الذي كابدته في عهد هذه الدولة كان يأتي على فترات متقطعة، لا تمكث الفترة منها إلا مدة وجيزة ثم تتلوها فترات أخرى طويل هادئة تجد الديانة فيها متسعاً لبسط سلطانها، ونشر تعاليمها. صــ57

▬ إذا كان الكفر بالحياة الأخرى يقتضى اتصاف صاحبه بالكذب، فيستنتج من ذلك أن المؤمنين بتلك الحياة لا يمتنعون عن الكذب - إن صح أنهم يمتنعون - إلا لإعتقادهم في الحياة الأخرى وخوفهم من نار جهنم، ونحن نشفق على أصحاب هذه القاعدة ومقرريها من إتهامهم بأن هذه الفكرة التي كونوها عن الفضيلة المسيحية ليس مأخوذة من أصل الدين، بل مستمدة من ذات أنفسهم، ومقتبسة من وحي ضمائرهم. صــ61

▬ بينما نجد آداب الأمم الوثنية الراقية تضع الواجبات الإجتماعية في أرفع منزلة من الإعتبار حتى تضمن في سبيل ذلك الحقوق الشخصية والحرية الفردية، نرى الآداب المسيحية البحتة لا تكاد تشعر أو تعترف بتلك الواجبات المقدسة. وهانحن نقرأ في آداب الإسلام هذه الكلمة الجامعة: "كل والٍ يستكفي عاملاً عملاً وفي ولايته من هو أكفأ له، فقد خان عهد الله وخليفته". وإذا كانت الآداب الحديثة تهتم بالواجبات الإجتماعية فالفضل في ذلك يرجع إلى التعاليم الرومانية واليونانية، لا إلى التعاليم المسيحية، كما أن الفضل في كل ما تحتوي عليه آدابنا الشخصية من عواطف الشهامة والنبل والشرف يرجع إلى التربية الأدبية دون التربية الدينية. صــ93

▬ وهذه الملكات (يقصد الإدراك والفطنة والتمييز والنشاط العقلي والعاطفة الأدبية...) لا تنمو إلا بالتمرين، ولا سبيل لهذا التمرين إذا كان الإنسان يفعل الشيء فقط لأن الغير يفعلونه كما لو كان يعتقد الرأي لا لسبب سوى أن الغير يعتنقونه، وقد رأينها إذا كان صاحب الرأي يعتقده وهو غير مقتنع بأسبابه، كان هذا الإعتقاد سبباً في ضعف ذهنه وليس تقويته، وكذلك إذا كان صاحب الفعل يأتيه بإرادته الخاصة، كان ذلك عاملاً على تبلد وجمود عواطفه وملكاته. صــ102

▬ إن إطلاق الحرية الكاملة للأفراد متعذر مادام الناس في حاجة إلى التعايش، وأنه لابد من تقييدهم بالقدر للازم لمنع الأقوياء من التعدي على الضعفاء. وقد يتبادر إلى الذهن أن هذا التقييد الذي توجبه الرعاية لمصالح الغير يعود على طبائع الأفراد بالخسران بأن يسد في وجوههم بعض أبواب النمو. ولكن الحقيقة خلاف ذلك، فالأفراد يستفيدون في مقابل هذا التقييد تعويضاً كافياً حتى من جهة النمو الذاتي. صــ107

▬ العبقرية كما نعلم، لا تستطيع التنفس إلا في جو من الحرية، كما أن العباقرة هم أقوى الناس شخصية وبالتالي كانوا أقل الناس إحتمالاً لتكييف أنفسهم وفقاً للأوضاع المألوفة. ولن يستطيع العبقري - إلا بالضغط الشديد - أن يضع نفسه في القوالب المحدودة التي يصوغها المجتمع ليكفي أفراده عبء تكوين أخلاقهم. فإذا هو استسلم لإكراه المجتمع عن جبن، ورضي بالخضوع لبعض هذه القوالب، وأن يعطل من نفسه تلك الناحية التي أصبحت عاجزة عن النمو لوضوع الضغط عليها، فلن يستفيد من عبقريته شيئاً. أما إذا كان من ذوي النفوس الأبية، فثار في وجه المجتمع وحطم قوالبه، أصبح أعظم شهرة في نظره، لأنه أبي النزول على حكمه، وصار عبرة للناس ينعتونه بصفات التوحش والشذوذ وما شاكلها. صــ110


▬ وإني لاتساءل كيف يحق للمجتمع تأديب البالغين ولو من باب الرعاية لمصلحتهم الشخصية، ألم يجد وسيلة أخرى يحمل بها الضعاف من أعضائه على إنتهاج المسلك القويم سوى الإنتظار حتى يرتكبون بعض الأفعال الشائنة، وعندئذ يعاقبهم على ما فعلوا عقاباً أدبياً أو قانونياً ؟ لقد كان بوسع المجتمع أن يحسن تأديبهم في الشطر الأول من حياتهم، إذا كانوا تحت نفوذه التام، وكان أولى به أن يجد في عهد الطفولة فرصة كافية لإختبار طبائعهم، ومحاولة هدايتهم إلى الصراط المستقيم. إن الجيل الحاضر، يملك في يده مستقبل الجيل القادم، فهو الي يتولى تعليمه، ويهيء له جميع ظروفه. صــ137

  • Digg
  • Del.icio.us
  • StumbleUpon
  • Reddit
  • RSS

الأدلة النقلية والحسية على إمكان الصعود إلى الكواكب وعلى جريان الشمس وسكون الأرض (عبد العزيز بن باز)


//معكم فضيلة الشيخ العلامة : عبد العزيز بن عبد الله بن باز : رئيس لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.//

بعض النقاط التي ركز عليها الكتاب:-
-------------------------------------------
• الشمس جارية، والأرض ثابتة. (كان هذا عنوان مقال له في جريدة)
• لا يجوز أن يُصدَّق من قال إنه وصل إلى سطح القمر أو غيره من الكواكب إلا بأدلة علمية تدل على صدقه.
• ولقد جعلنا في السماء بروجاً وزيناها للناظرين وحفظناها من كل شيطان رجيم إلا من استرق السمع فأتبعه شهاب مبين.
• هناك آيات في الكتاب العزيز مشتملة على ذكر الشمس والقمر والكواكب، فلم نجد فيها ما يدل دلالة صريحة على عدم إمكان الوصول إلى القمر أو غيره من الكواكب.
• وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر كلٌ في فلك يسبحون. وهذا دليل على جريان الشمس والقمر.
• إن الشمس جارية، وأنها إذا غربت تذهب وتسجد بين يدي ربها تحت العرش.
• كل من كذب الله والرسول وقال بثبوت الشمس ، فهو كافر مضل يستتاب فإن تاب وإلا قُتل كافراً مرتداً ويكون ماله فيئاً لبيت مال المسلمين.
• لم يزل الناس مسلمهم وكافرهم يشاهدون الشمس جارية طالعة وغاربة، ويشاهدون الأرض قارة ثابتة.
• إن القائلين بدوران الأرض قد أوردوا شبهات توجب التوقف عن كفر من قال بذلك، وأما إنكار جريان الشمس فلا ريب في كفر قائله للأدلة الصريحة القطعية في ذلك.
• لم أكفر من قال بدوران الأرض ، ولا من قال إن الشمس تجري حول نفسها، وإنما صرحت بتكفير من قال إن الشمس ثابتة لا جارية.
• لا يجوز لعلماء المسلمين ولا غيرهم أن يقلدوا علماء الفلك بل يجب عليهم ان يتمسكوا بما دل عليه الشرع وأن ينكروا ما خالف ذلك.
• لا يجوز أن نصدق علماء الفلك في كل ما يقولون.
• لقد اوضحت أيضاً ببطلان القول بدوران الأرض، وحركتها وأنه خلاف المنقول، والمحسوس، ووسيلة إلى القول بوقوف الشمس وعدم جريها، وتوقفت في تكفير قائله.
• لدينا أدلة غير حسية لا تُحصى، وكلها تختص بالعلوم الرياضياتية، ولا يدرك مكانها من القوة إلا الراسخون في الرياضيات، ولذلك ضربنا عنها صفحاً.
• لم يقم الدليل للآن على صحة دوران الأرض كما يزعم جاليليه (هو ناشر تعاليم كوبرنيك) ولا على أنها مركز العالم الشمسي.
• وأكثرهم يُدرِّسون لهم (يقصد العلاقة بين العلماء وتلاميذتهم) العلوم المشكوك فيها، والفروض الطبيعية الظنية بصفة حقائق ثابتة فيتذرع بها أولئك التلامذة الأغرار متى كبروا إلى الإلحاد، ونفي الروح، والخلود، ولا يدرون أنهم يتمسكون بالظنون، وأن الظن لا يُغني عن الحق شيئاً.
• فلنذر هؤلاء الفلكيين يرد بعضهم قول بعض ولنقرأ آيات القرآن الكريم مؤمنين بأنها الحق لا ريب فيه، وأن الله تعالى لا يخبر بخلاف الحقيقة.
• إن ما ادعاه بعض الكُتَّاب المتأخرين من إجماع علماء الهيئة على أن للأرض دورتين إحداهما يومية، والثانية سنوية ليس بصحيح بل إن المسألة لا تزال مسألة خلاف، ونزاع بين علماء الهيئة أنفسهم لا مسألة جماع، ووفاق.
• إن الأرض إذا تحركت بقدرة الله في حركتها اليومية أو السنوية فإنما يتحرك معها كل شيء فيها.
• لو كانت الأرض تدور كما يزعمون لكانت البلدان التي في المشرق ليس لها قرار في المشرق بل هي دائرة بدوران الأرض..ولكانت الكعبة لا قرار لها بالنسبة إلى جميع سكان الأرض.
• ويتضح لك أيها القاري بعد قراءتك لهذا الكتاب بطلان دوران الأرض، وصحة القول بسكونها واستقرارها.
• ومما يؤيد ذلك أن الأرض إذا عرض لها هزة يسيرة ترتب على ذلك من الخراب والدمار الشيء العظيم.
• لم أكفر من قال بدوران الأرض، ولكني قلت بأن في كفره نظر.
-------------------------------------------
▬ لقد تكرر السؤال وهو ما يدعيه بعض رواد الفضاء من الوصول إلى سطح القمر وعما يحاولونه من الوصول إلى غيره من الكواكب، ولكثرة التساؤل والخوض في ذلك رأيت أن أكتب كلمة في هذا الموضوع تُنير السبيل، وترشد إلى الحق في هذا الباب - إن شاء الله - فأقول : إن الله سبحانه وتعالى حرم على عباده القول بغير علم وحذرهم من ذلك في كتابه المبين، فقال عز وجل : (قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها ومابطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطاناً وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون) وقال تعالى : (ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا) .. وقال لا تتبعوا خطوات الشيطان .. اذا جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا .. نعم! يجب التثبت فيما يقوله الكفار، والفساق وغيرهم عن الكواكب وخواصها، وإمكان الوصول إليها وما يلتحق بها، فالواجب على المسلمين في هذا الباب كغيره من الأبواب التثبت وعدم المبادرة بالتصديق أو التكذيب إلا بعد حصول المعلومات الكافية التي يستطيع المسلم أن يعتمد عليها ويطمئن إليها...لقد أنكر الله سبحانه على الكفار تكذيبهم بالقرآن : (بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتيهم تأويله كذلك كذب الذين من قبلهم فأنظر كيف كان عاقبة الظالمين). صــ5 : 6

▬ يقول الحافظ - رحمه الله - هنا على إختلاف بينهم..الخ يدل على أن علماء الفلك غير متفقين على ما نقله عنهم آنفاً من كون القمر في السماء الدنيا، وعطارد في الثانية، والزهرة في الثالثة، والشمس في الرابعة..إلخ..لكن الإجماع المعصوم هو إجماع علماء الإسلام الذين قد توفرت فيهم شروط الإجتهاد. صــ12

▬ ومما يدل على إمكان الصعود إلى الكواكب قوله سبحانه في سورة الجن فيما أخبر به عنهم: (وأنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرساً شديداً وشهباً، وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهاباً رصداً) فإذا كان الجن قد أمكنهم الصعود إلى السماء حتى لمسوها، وقعدوا منها مقاعد فكيف يستحيل ذلك على الإنس في هذا العصر الذي تطور فيه العلم، والإختراع حتى وصل حد لا يخطر ببال أحد من الناس حتى مخترعيه قبل أن يخترعوه، أما السموات المبنية فهي محفوظة بأبوابها وحراسها فلن يدخلها شياطين الإنس والجن كما قال الله تعالى : (وجعلنا السماء سقفاً محفوظاً وهم عن آيتنا معروضن) وقال تعالى : (وحفظناها من كل شيطان رجيم). صــ13

▬ لما شاع بين الكثير من الكُتَّاب، والمدرسين، والطلاب القول بأن الشمس ثابتة، والأرض دائرة كتبت في ذلك مقالاً يتضمن إنكار هذا القول، وبيان بشاعته، وذكر بعض الأدلة النقلية، والحسية على بطلانه، وغلط قائله، وأوضحت فيه القول بثبوت الشمس، وعدم جريانها كفر، وضلال، ونُشر هذا المقال في الصحف المحلية عام 1385هـ [...] فالنضطلع إذاً على بعض الأدلة النقلية ، والحسية الدالة على جريان الشمس جرياناً مطلقاً، وسكون الأرض واستقرارها، وبطلان قول من قال بخلاف ذلك. صــ17 : 18

▬ الواقع المشاهد أن الشمس جارية في فلكها كما سخرها الله سبحانه وتعالى، وأن الأرض ثابتة قارة قد بسطها الله لعبادة وجعلها لهم فرشاً ومهداً وأرساها بالجبال لئلا تميد بهم، قال تعالى : (أو لم ير الذين كفروا أن السموات والأرض كانتا رتقاً ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي افلا تؤمنون، وجعلنا الأرض رواسي أن تميد بهم وجعلنا فيها فجاجاً سبلاً لعلهم يهتدون وجعلنا السماء سقفاً محفوظاً وهم عن آيتنا معرضون وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل في فلك يسبحون ) . وقال أيضاً : (الله الذي رفع السموات بغير عمد ترونها ثم استوى على العرش وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى يدبر الأمر يفصل الآيات لعلكم بلقاء ربكم توقنون وهو الذي مد الأرض وجعل فيها رواسي وأنهاراً) .. آيات أخرى شبيه بهذه الآيات الكريمات فيها دلائل قاطعة ، وبراهين ساطعة على أن الشمس جارية لا ثابتة وأن الأرض قارة ساكنة كما قد أرساها الله بالجبال الرواسي ومدها لعباده وبسطها لهم وجعلها فراشاً ومهداً ليستقروا عليها. [...] وقد نص علماء التفسير - رحمة الله عليهم - كإبن جرير ، والبغوي ، وابن كثير ، والقرطبي، وغيرهم على ما دلت عليه الآيات المحكمات التي سبق ذكرها من جريان الشمس، وسيرها في فلكها طالعة، وغاربة، وسكون الأرض وإستقرارها،. صــ21 : 22

▬ لم يزل الناس مسلمهم، وكافرهم يشاهدون الشمس جارية طالعة وغاربة، ويشاهدون الأرض قارة ثابتة، ويشاهدون كل بلد وكل جبل في جهته لم يتغير من ذلك شيء، ولو كانت الأرض تدور كما يزعمون لكانت البلدان ، والجبال ، والأشجار ، والأنهار ، والبحار لا قرار لها، ولشاهد الناس البلدان المغربية في المشرق، والمشرقية في المغرب، ولتغيرت القبلة على الناس حتى لا يقر لها قرار، وبالجملة فهذا القول فاسد من وجوه كثيرة يطول تعدادها. صــ23

▬ كان الفلكيون القدامى قائلين بثبات الأرض واستقرارها، وجريان الشمس حولها ثم طلع بعض الفلكيين بنظرية دوران الأرض، وثبات الشمس، وقد راجت هذه الفكرة رواجاً عظيماً، واعتقدها كثير من الناس حقيقة لا ريب فيها، ثم تسرب الشك فيها إلى بعض العقول بل تجددت فكرة الرجوع إلى القول الأول قطعاً عند بعض الفلكيين الجدد. صــ62

▬ أما مسألة كروية الارض فقد ذكر أبو العباس ابن تيمية - رحمه الله - عن أبي الحسين أحمد بن جعفر بن المنادي أنه حكى إجماع علماء الإسلام على كروية الأرض، وسبق فيما نقلته عن العلامة ابن القيم - رحمه الله - ما يدل على ذلك، وكونها كروية لا يُنافي تسطيح وجهها المسكون للعالم وجعلها فراشاً، ومهاداً كما قال عز وجل (الذي جعل لكم الأرض فراشاً) وقال تعالى: (ألم نجعل الأرض مهاداًً والجبال أوتاداً) وقال عز وجل: (أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت وإلى السماء كيف رفعت وإلى الجبال كيف نصبت وإلى الأرض كيف سطحت) فهي كروية الشكل مسطوحة الوجه بارز للعالم ليتم قرارهم عليها وانتفاعهم بما فيها. ولا نعلم في الأدلة النقلية، والحسية ما يخالف ذلك..صــ67

▬ وأما من قال إن الأرض تدور، والشمس جارية فقوله أسهل من قول من قال بثبوت الشمس فقد أوضح الله في الآيات المذكورات آنفاً أنه ألقى الجبال في الأرض لئلا تميد بهم، والميد هو الحركة والإضطراب، والدوران كما نص على ذلك علماء التفسير، وأئمة اللغة، وفي تكفير قائله نظر..إلخ. إنتهي المقصود. فهذه العبارة صريحة في توقفي عن تكفير من قال بدوران الأرض للسبب الذي أوضحته في المقال السابق، والله ولي الهداية. صــ73

يبدو أن ابن عثيمين له رأي أيضاً في المسألة (فتوى ابن عثيمين - اضغط هنا)

  • Digg
  • Del.icio.us
  • StumbleUpon
  • Reddit
  • RSS

الأورجانون الجديد (فرنسيس بيكون)



//في الكتاب بعض الأخطاء العلمية (الفيزيائية) والأفكار الغريبة التي كانت سائدة في عصره لم أذكرها، ولكن كما هو معلوم أن العلم في تطور دائم ، ومعظم ما هو موجود في كتابه تطبيق منهجه التجريبي على الكثير من الظواهر الطبيعية خصوصاً ظاهرة الحركة والسكون وحالات المادة ودراسات الكميات المتناهية في الصغر والكميات المفرطة في الكبر.//

• إن الناس لتُستدرّج بسهولة إلى الخلط بين الإستدلال الصحيح وبين الصدق أو الحقيقة؛ ومن ثم تتدعَّم أخطاؤهم بفعل ذكائِهم نفسِه، وتترسخ أوهامهم بقدر مهاراتهم المنطقية ذاتها!!
• إنه لمن الخَطَل والتناقض الذاتي أن نتوقع أن الأشياء التي لم تُنجَز الآن على الإطلاق يمكن أن تُنجز؛ ما لم يكن ذلك بوسائل لم تُجرَّب حتى الآن قط.
• نسق المنطق الحالي يفيد في تثبيت وترسيخ الأخطاء (القائمة على الأفكار السائدة) أكثر مما يفيد في البحث عن الحقيقة. ومن ثم فإن ضررة أكبر من نفعه.
• أريد لفلسفتي أن تنفذ بهدوء إلى العقول الممهدة لتلقيها. فلا محل للدحوضات مادمنا نختلف في المباديء الأولى، وفي الأفكار ذاتها، بل وحتى في صور البرهان.
• ليس أمامنا سوى طريقة واحدة بسيطة لطرح قضيتنا: هي أن نضع الناس وجهاً لوجه أمام الجزئيات نفسها وأمام تسلسلها ونظامها المطرد.
• ثمة أربعة انواع من "الأوهام" تُحدِق بالعقل البشري. وقد قيضت لكل منها اسماً بغرض التمييز بينهما. فأطلقت على النوع الأول "أوهام القبيلة" وعلى النوع الثاني "أوهام الكهف" ، وعلى النوع الثالث "أوهام السوق" وعلى الرابع "أوهام المسرح. (للتوضيح اضغط هنا).
• أني لأعتبر أن كل الفلسفات التي تعلمها الناس وأبتكروها حتى الآن هي أشبه بمسرحيات عديدة جداً تُقدَّم وتؤدَّى على المسرح، خالقة عوالم من عندها زائفة وهمية.
• إن أكبر عائق للفهم البشري على الإطلاق وأكبر زيغ إنما يأتي من بلادة الحواس وقصورها وخداعها..
• لقد أخضع الفلسفة الطبيعية تماماً لمنطقه - يقصد أرسطو - فجعل منها شيئاً خلافياً ولا خير فيه.
• تأتي العلوم التي لدينا، في معظمها، من اليونان، إذ إن ما أضافه الرومان والعرب أو الكتَّاب الأحدث هو شيء قليل ومحدود الأهمية، ومبني كيفما كان على أساس من كشوف اليونان.
• الهدف الحقيقي والمشروع للعلوم هو ان تزود الحياة الإنسانية بإكتشافات وموارد جديدة.
• إن الإستقراء الذي ينطلق من التعداد البسيط هو شيء طفولي، استنتاجاته قَلِقة وعُرضة للخطر من أي شاهد مضاد، وهو بصفة عامة يحكم بناء على عدد صغير جداً من الوقائع.
• فليدرك الناس إذن الفرق الهائل بين أوهام العقل البشري وأفكار العقل الإلهي. فما الأولى إلا تجريدات اعتباطية، أما الأخرى فهي طابع الخالق نفسه على مخلوقاته، وقد انبطع على المادة وتحدد فيها بخطوط حقيقية رائعة.
• القضايا الجزئية تكون ذات قيمة عندما توازَن وتُقارَن بالقضايا الكلية.
• كلما كانت تمثلات الحواس نفسها أكمل وأدق سار كل شيء على نحوٍ أيسر وأنجح.
• غير أن هذا العلاج (المنطق) يأتي متأخراً جداً بعد أن استفحل الداء وضاع كل شيء. وأصبح العقل من خلال عادات الحياة اليومية ومداولاتها محشواً بمذاهب فاسدة أوهام فارغة. هنالك يُسهم فن المنطق في تثبيت الأخطاء لا في كشف الحقيقة.
----------------------------------
◙ إن منهجي، على الرغم من صعوبته في التطبيق، سهل في الشرح، منهجي هو أن نُرسي درجات متزايدة من اليقين..أن نستمر في الأخذ بشهادة الحواس، ونساعدها ونحصنها بنوع من التصويب، ولكن نرفض، بصفة عامة، العملية العقلية التي تتلو الإحساس؛ بل نفتح مساراً جديداً للعقل أكثر وثوقاً يبدأ مباشرة ً من الإدراكات الحقيقية الأولى للحواس نفسها. كانت هذه بدون شك وجهة أولئك الذين اولوا المنطق دوراً كبيراً. فمن الواضح أنهم كانوا يبحثون عن نوع من الدعم للعقل، ولا يأمنون لعملياته الطبيعية التلقائية. غير أن هذا العلاج يأتي متأخراً جداً بعد ان استفحل الداء وضاع كل شيء، وأصبح العقل من خلال عادات الحياة اليومية ومداولاتها محشواً بمذاهب فاسدة وأوهام فارغة. هنالك يسهم فن المنطق، الذي وصل للإنقاذ متأخراً وسُقِط في يده، يسهم في تثبيت الأخطاء لا في كشف الحقيقة. صــ9

◙  الإنسان هو الموَكِّل بالطبيعة والمفسر لها. وهو بهذه الصفة لا يملك أن يفعل أو يفهم إلا بالقدر الذي تتيحه له ملاحظته التي قام بها لنظام الطبيعة سواء كان ذلك في الواقع أو في الفكر وليس بوسعه أن يعرف أو يعمل أكثر من ذلك...المعرفة البشرية والقدرة البشرية صنوان، لأن الجهل بالعلة يمنع المعلول. ذلك أن الطبيعة لا يمكن قهرها إلا بإطاعتها، وما يعد علة في مجال الفكرة النظري يعد قاعدة في مجال التطبيق. صــ16

◙ لا شيء صحيح في أفكارنا سواء في المنطق أو في الفزياء. فلا "الجوهر" ولا "الكيف" ولا "الفعل" ولا "العاطفة" ولا "الوجود" نفسه أفكاراً واضحة. وأقل منها وضوحاً بكثير فكرة "ثقيل" ، "خفيف" ، "كثيف" ، " رقيق" ، "رطب" ، "يابس" ، "كون" ، " فساد" ، " جذب" ، "طرد" ، " عنصر" ، "مادة" ، "صورة" ، وما إلى ذلك . كلها أفكار وهمية وغير موجودة. صــ20

◙ ليس هناك، ولا يمكن أن يكون، سوى طريقتين اثنتين للبحث عن الحقيقة وكشفها : الأولى تقفز من الحواس والجزئيات إلى أكثر المباديء عمومية، ثم تنطلق من هذه المباديء، وقد سلمت تسليماً بصدقها، لكي تقرر المباديء الوسطى وتكشفها. وهذه هي الطريقة الراهنة. أما الثانية فتستمد المباديء من الحواس والجزئيات ثم ترتقي في صعود تدريجي غير منقطع حتى تصل في النهاية إلى أكثر المبادي عمومية. وهذه هي الطريقة الصحيحة وإن لم يجربها أحد حتى الآن. صــ22

◙ يتفق منهجنا في بداية الطريق بعض الشيء مع منهج أولئك الذين أنكروا إمكان الوصول إلى اليقين. غير أنهما يفترقان في النهاية غاية الإختلاف ويتعارضان كل التعارض. فهم يذهبون ببساطة إلى أننا لا يمكننا أن نعرف شيئاً، وأنا أيضاً أذهب إلى أننا لا يمكننا أن نعرف شيئاً يُذكر في الطبيعة بواسطة المنهج المستخدم الآن. إلا أنهم يمضون إذاك لكي يدمروا سلطة الحس والفهم، بينما نمضي نحن لكي نبتكر لهما مساعداتٍ ونزودهما بدعائم. صــ27

◙ الفهم الإنساني ليس مجبولاً من ضياء صرف، وإنما هو مُشرَب بالإرادة والعواطف. من هنا تأتي المعرفة التي يمكن أن تُسمى "معرفة حسب الطلب"؛ فالإنسان أميَلُ دائماً إلى تصديق ما يُفضله. ولذا فهو ينبذ الأمور الصعبة لأنها تُجشمه الصبر في البحث، وينبذ الإعتدال لأنه يضيق حدود أمله، ويبنذ التعمق في الطبيعة لأنه - أي الإنسان - مرتهن للخرافة، ويرفض التجربة لأنه متغرطس مكابر يظن أن العقل لا يليق به أن يهدر وقته في أشياء مبذولة متغيرة، ويرفض كل ما هو غير تقليدي خوفاً من رأي العامة. صفوة القول أن العاطفة تدمغ العقل وتصبغه بطرائق لا حصر لها، وطرائق خفية تند عن الإدراك بعض الأحيان. صــ36

◙ الفهم البشري يميل بطبيعته الخاصة إلى التجريد، ويفترض جوهراً (ثابتاً) وواقعاً فيما هو عابر ومتغير. غير أنه أفضل لنا أن نُشَرِّح الطبيعة إلى أجزاء من أن نجردها. وهذا ما فعلته مدرسة ديمُقريطس التي حققت تقدماً أكبر من غيرها في إختراق الطبيعة. إن المادة، وليست الصور، هي ما ينبغي الإلتفاف إليه : المادة، وبنيتها، وتغيرات هذه البنية، والفعل المحض وقانون هذا الفعل؛ أما الصور فما هي إلا وهم العقل البشري، إلا إذا أطلقنا اسم "الصور" على قوانين الفعل. صــ37

◙ إن "أوهام السوق" هي أكثر الأوهام إزعاجاً، تلك الأوهام التي انسربت إلى الذهن من خلال تداعيات الألفاظ والأسماء. ذلك أن الناس يظنون أن عقلهم يتحكم في الألفاظ، بينما الحقيقة أيضاً أن الألفاظ تعود وتشن هجوماً مضاداً على الفهم. وهذا ما جعل الفلسفة والعلوم مغالِطة وعقيمة. لأن الألفاظ تكونت في معظمها لكي تلائم قدرة العامة من الناس، وهي تحدد الأشياء بخطوط تقسيم تَسهُل على الذهن العامي. وحالماً أراد الذهن أكثر حدة أو ملاحظة أكثر تدقيقاً أن تغير هذه الخطوط لتلائم التقسيمات الأصوب للطبيعة فإن الألفاظ تعترض الطريق وتقاوم التغيير. ومن ثم تنتهي الحوارات الرفيعة والجليلة، في كثير من الأحيان، إلى خلافات حول  ألفاظ وأسماء. ولذا فمن الأسلم (اقتداء بحذر علماء الرياضيات) أن نبدأ منها ونُضفي عليها النظام بإستخدام التعريفات. إلا أن مثل هذه التعريفات لا يمكنها أن تُعالج هذا الخلل إذا كان موضوع الدراسة هو الطبيعة والمادة، لأن التعريفات نفسها تتكون من ألفاظ والألفاظ تولِّد ألفاظاً. ولذا فإن علينا أن نلجأ إلى شواهد محددة وإلى تسلسلها المطرد ونظامها..صــ42

◙ وهناك بعد صنف ثالث من الفلاسفة يحملهم ايمانهم ووقارهم على أن يخلطوا فلسفتهم باللاهوت والتعاليم. من هؤلاء من بلغ بهم الغرور مبلغاً جعلهم يحاولون اشتقاق العلوم من الأرواح والعفاريت. ثمة إذن ثلاثة مصادر للخطأ وثلاثة أنواع من الفلسفة الزائفة : السوفسطائية، والتجريبية العشوائية، والخرافية. وأوضح مثل على الصنف الأول من الفلاسفة هو أرسطو، الذي أفسد الفلسفة الطبيعية بمنطقه، وشيد العالَم بمقولاته. صــ47

◙ وهناك مثال لافت على هذا بين اليونان نجده في فيثاغورث وإن كانت الخرافة لديه فظة ثقيلة. ومثال آخر في أفلاطون ومدرسته حيث الخرافة أخطر وأرقى. وهذا الإثم نجده أيضاً في جوانب من الفلسفات الأخرى، متمثلاً في القول بالصور المجردة والعلل الغائية والأولى، مع إغفال كثير للعل الوسطى وما إليها. إن علينا أن نتخذ أشد الحذر هنا، فليس ثمة ما هو أسوأ من تمجيد الخطأ، فحين تُؤلَّه فذلكم بلاء يحيق بالفكر. وفي هذه الحماقة انغمس بعض المحدثين، وبغفلة متناهية حاولوا أن يؤسسوا فلسفة طبيعية على الفصل الأول من سفر التكوين، وسفر أيوب، وأجزاء أخرى من الكتاب المقدس، باحثين - هكذا - عن الموتى بين الأحياء. ومثل هذه الحماقة يجب أن توقف وتُقمع بكل قوة فمن هذا المزج غير الصحي بين البشري والإلهي لا تنبثق فقط فلسفة وهمية، بل دين هرطقي. ومن ثم فإن رأس الحكمة والإتزان أن نُعطي للإيمان ما هو للإيمان ولا نَتَزَيَّد. صــ51

◙ وحتى هؤلاء الاقدمون لم يبرأوا تماماً من عيوب قومهم : فقد كانوا مأخوذين بغرور وطموح لتأسيس مذهب وانتزاع إعجاب عام الناس. ولا تؤَمِّل خيراً في البحث عن الحقيقة إذا تدنى إلى مثل هذه التفاهات. ولا ننسَ في هذا المقام ذلك الحكم بل النبوءة، التي تفوه بها أحد الكهنة المصريين عن اليونانيين بأنهم "دائماً أطفال، يعوزهم قِدَمُ المعرفة ومعرفة القِدَم". فهم بالتأكيد يشتركون مع الأطفال في الميل إلى الكلام والعجز عن الإنجاب. فحكمتهم لفظية لا تُثمر نتائج. وعليه فإن العلامات التي نتلقاها من منبع الفلسفة السائدة ومسقط رأسها هي علامات غير مبشرة. صــ63

◙ صحيح أن صناعة الخيميائيين قد أثمرت بضع نتائج، ولكن ذلك حدث بالمصادفة وبشكل عابر، أو من خلال تنوع تجاربهم (كما يفعل الميكانيكيون أيضاً) وليس على أساس فن مقرر أو نظرية، فالنظريات التي تخيلوها تربك التجارب أكثر مما تُعنيها. كذلك حال أولئك الذين انشغلوا بالسحر الطبيعي، كما يسمونه؛ فلم يقدموا إلا نتاجاً هزيلاً وأقرب إلى الدجل، لذا، فمثلما نتعلم في الدين أن نظهر إيماننا في أعمالنا، فإن المبدأ نفسه ينسحب على الفلسفة، فنحكم عليها من خلال ثمارها، فإذا كانت الفلسفة عقيمة بلا نتاج فهي عبث لا نفع فيه، وهي، بعد، أكثر عبثاً إذا كانت بدلاً من ثمار العنب والزيتون تُثمر قتاداً وأشواكاً من الجدل والمماحكة. صــ65

◙ المنطق لا يكتشف المباديء والقضايا الرئيسية التي تتألف منها الفنون، بل يكتشف فحسب تلك القضايا التي تبدو متسقة معها. فإذا ما أخذك الفضول وألححت عليه في السؤال عن براهينه على المباديء أو القضايا الأولى فلن تجد من المنطق سوى رد واحدٍ معروف جيداً : وهو أن يُحيلك ثانية إلى الإيمان وقَسَم الولاء الذي ينبغي أن يؤدَّى لمباديء كل فن على حدة. صــ75

◙ ولا يفوتنا أن نلاحظ أن الفلسفة الطبيعية كان لها خصم مزعج وعنيد في كل عصر - ألا وهو الخرافة، والحماس الأعمى والمتطرف للدين، فنحن نرى بين اليونان أن أولئك الذين كشفوا العلل الطبيعية للرعد والعواصف لأول مرة الأُناس لم يسمعوا قثط عن هذا الشيء قد أُدينوا بالكفر. كما أن معاملة بعض آباء الكنيسة الأوائل لم تكن افضل حالاً من أولئك الذين أثبتو بأوثق البراهين (بحيث لا يعترض عاقل عليها الآن) أن الأرض كروية وبالتالي أكدوا وجود النقاط المتقابلة. صــ87

◙ علينا ألا نسمح للفهم بأن يقفز ويطير من الجزئيات إلى المباديء القصية والشديدة العمومية (كتلك التي تُسمى "المبادي الأولى" للفنون والأشياء)، ثم ينطلق منها - مسلماً بيقينها الذي لا يتزعزع - ليبرهن بها على المباديء الوسطى وُيفصِّلها، وهو المتبع حتى الآن، إذ ان العقل ميال بطبعه لأن يفعل ذلك، بل هو مدرب عليه ومعتاد، من خلال نموذج البرهان "القياسي". ولكننا لا نأمل خيراً من العلوم إلا عندما ننتقل على سُلَّم أصيل صاعدٍ بدرجات متتالية بلا ثُغرات أو كسور، من الجزئيات إلى المبادي الصغرى، ثم إلى المباديء الوسطى، الواحد تلو الآخر، انتهاءً بالمباديء الأعم. صــ101

◙ قد يسأل البعض (من باب التشكك لا من باب الإعتراض) عما إذا كان منهجي معنياً بإنهاض العلم الطبيعي وحده أم يهدف أيضاً إلى إنهاض العلوم الأخرى كالمنطق والأخلاق والسياسة. إنني بالتأكيد أهدف في منهجي أن ينحسب على العلوم جميعاً. ومثلما أن المنطق الشائع الذي ينظم الأمور بواسطة القياس لا يقتصر على العلم الطبيعي بل يمتد ليشمل كل العلوم، فإن منهجي الإستقرائي هو أيضاً يشملها جميعاً. فأنا أضع تاريخاً وقوائم كشف للغضب والخوف والخجل وما شابهها، وللأمور السياسية، وكذلك للعمليات العقلية للذاكرة والتركيب والتقسيم والحكم وما شاكلها، تماماً كما اضع للحرارة والبرودة أو للضوء أو النمو النباتي...إلخ. ولكن لما كان منهجي التفسيري بعد إعداد التاريخ واستيفائه لا يقتصر على عمل العقل وخطابه فحسب (كما يفعل المنطق الشائع) بل يشمل أيضاً طبائع الأشياء - فقد زودت العقل بقواعد وتنظيم بحيث يُعمِل نفسه في كل شأن على نحو ملائم لذلك الشأن. ولهذا قدمت قواعد كثيرة ومتنوعة في مذهبي التفسيري بحيث تُكيف منهج الكشف، بدرجة ما، وفقاً لنوعية موضوع البحث وحالته. صــ126 : 127

◙ وليس لأحدٍ أن يتشكك في موقفي من الفلسفة والفنون والعلوم القائمة ويظن أني راغب في تدميرها. فأنا أبعد ما أكون عن ذلك، بل يسرني أن أراها تُستخدم وتُنمَّى وتُقدَّر. فأنا لا أتدخل بأي حال لتثبيط هذه الفنون الرائجة عن أن تُستخدم لإثراء المناقشة وتجميل الخطاب، وأن تكون في خدمة الأساتذة ورجال الأعمال، وأن تحظى بالقبول العام كنوع من العملة المتداولة. بل إني أعلن بوضوح أن ما أقدمه الآن لا يصلح لهذه الأغراض، إذ هو غير مهيأ لكي تفهمه العامة إلا من خلال نتائجه وآثاره. أما عن تعاطفي الصادق ونيتي الحسنة تجاه العلوم السائدة فهو شيء تشهد به كتاباتي المنشورة (وبخاصة "في النهوض بالعلم")، شهادة تُغنيني عن الكلام. وأكتفي بأن أنبه علانية وبغير انقطاع: أن المناهج المستخدمة حالياً لا يمكن ان تؤدي إلى تقدم كبير في الجانب النظري والتأملي من العلم، ولا إلى آثار (عملية) واسعة النطاق. صــ127

◙ إن مسائل الخرافة والسحر (بالمعنى الشائع للكلمة) ينبغي ألا نغفلها كلياً. فمثل هذه الأشياء مطمورة عميقاً تحت ركام هائل من الزيف والخرافات، ولكن يظل على المرء أن ينظر فيها قليلاً ليرى هل ثمة عملية طبيعية ما تقبع كامنة في أي منها، مثلما هو الحال في الرُّقي ، وفي تقوية الخيال، وتوافق الأشياء عن بُعد، وإنتقال الإنطباعات من روحٍ لروح مثلما تنتقل من جسم لجسم، وما إلى ذلك. صــ223

//بعد شرحه لتطبيق منهجهه الإستقرائي التجريبي على بعض الظواهر الطبيعية...//

◙ أكتفي بذلك عن "شواهد الإمتياز" أو "شواهد الطبقة الأولى". ولكن ينبغي أن أذكِّر بأنني في "أورجانوني" هذا إنما أتناول المنطق لا الفلسفة. ولكن لما كان منطقي يوجِّه ويُرشِد الفهم، حتى لا يَقبِض بكلابات العقل الصغيرة، على تجريدات محضة ويتشبث بها، بل يخترق الطبيعة بالفعل ويكتشف خواص الأجسام وقُواها، وقوانينها المنقوشة في المادة. ومن ثم فإن العلم لا ينبع من طبيعة العقل فقط بل من طبيعة الأشياء. فلا عجب ان يمتليء بإيضاحات وملاحظات مبثوثة في تضاعيفه وتجارب في الطبيعة، كأمثلة على الفن الذي أُعلِّمه. من الواضح إذن مما أسلفت قوله أن هُناك سبعة وعشرين نوعاً من "شواهد الإمتياز" هي: الشواهد الإنفرادية، وشواهد الإنتقال، والشواهد الكاشفة،  والشواهد المتوارية، والشواهد المقومة، وشواهد التشابه، والشواهد الفردية (الفذة)، وشواهد الإنحراف، والشواهد الحدية، وشواهد القوة، وشواهد الصحبة والعداء، والشواهد الإضافية، وشواهد التحالف، والشواهد الفاصلة، وشواهد التباعد، وشواهد الباب أو البوابة، وشواهد الإستدعاء، وشواهد الطريق، وشواهد التكملة، والشواهد الباضعة، وشواهد القصبة أو المسطرة، وشواهد العدو، وجرعات الطبيعة، وشواعد الصراع، والشواهد المشيرة، والشواهد المتعددة الغرض، والشواهد السحرية، تتميز هذه الشواهد عن الشواهد العادية بأن استخدامها يتعلق تحديداً إما بالنظرية أو بالتطبيق، أو بكليهما معاً. فيما يخص النظرية فإنها تُساعد إما الحواس أو الفهم: الحواس، كما في "شواهد المصباح الخمسة؛ والفهم، إما بتسريع الطريقة الإستبعادية للوصول إلى الصورة، كما في "الشواهد الإنفرادية"؛ وإما بحصر ما هو مثبِت (إيجابي) للصورة وتعيينه بدقة، كما تفعل "شواهد الإنتقال" و "الشواهد الكاشفة" و "شواهد الصحبة" وكذلك " الشواهد الإضافية"؛ وإما بالإرتفاع بالفهم وإرشاده إلى الطبائع العامة والشائعة: والذي تعمله إما مباشرةً كما تفعل "الشواهد المتوارية" و "الشواهد الفريدة" و "شواهد التحالف"، أو بدرجة عالية، كما تفعل "الشواهد المقوِّمة"؛ أو بدرجة ضئيلة فحسب، كما تفعل "شواهد التشابه"؛ أو بإرشاده إلى الصورة العظيمة أو بنية الكل، كما تفعل "الشواهد الحدية"؛ أو بالتحذير من الصور والعلل الزائفة، كما تفعل "الشواهد الفاصلة" و "شواهد التباعد". وأما فيما يخص الجانب العملي فإن "شواهد الإمتياز" إما أن تُعَيِّنه أو تقيسه أو تُسَهِّله. - تُعَينه بأن تبين من أين نبدأ حتى لا نكرر ما قد عمله غيرنا، كما تفعل "شواهد القوة" ، أو تبين ما يجب أن نرمي إليه إذا واتتنا الفرصة، كما تفعل "الشواهد المشيرة" - وتقيسه بــ "الشواهد الرياضياتية" الأربعة. - وتُسَهِّله بــ "الشواهد المتعددة الغرض" و "شواهد السحر". صــ341 : 343

  • Digg
  • Del.icio.us
  • StumbleUpon
  • Reddit
  • RSS

مُلّاك الحقيقة المُطلقة (مُراد وهبة)


• ما هي العلاقة الجدلية بين الحقيقة المطلقة والحقيقة النسبية ؟
• يُمكننا القول بأن العلم من ناحية ما ليس وصفاً للواقع، وإنما هو تأويل للواقع.
• إن الفكرة المحورية في فلسفتي هي النضال ضد الروح الدوجماطيقية.
• كن جريئاً في إعمال عقلك. (عمانوئيل كانط)
• إن الثورة قد تُسقِط طاغية، ولكنها لا تستطيع أن تغير أسلوب التفكير، بل على الضد من ذلك، فإن الثورة قد تولِّد سوء طوية تكبل الدهماء. (عمانوئيل كانط)
• إن التنوير ليس في حاجة إلا إلى الحرية..وأفضل الحريات خلواً من الضرر هي تلك التي تسمح بالإستخدام العام لعقل الإنسان في جميع القضايا. (عمانوئيل كانط)
• وإذا كانت العلمانية تُعني على حد تعريفي لها أنها التفكير في النسبي بما هو نسبي وليس بما هو مطلق، فالحاكمية التي يدعو إليها العقاد تقف ضد العلمانية فتعني التفكير في النسبي بما هو مطلق فيتساوى النسبي مع المطلق، أي يتمطلق النسبي فيمتنع تطوره.
• لقد مارس كل من علم اللاهوت وعلم الكلام وظيفة التكفير . فكفر جليليو وقُتل جيوردانو برونو، وكفر ابن رشد، وقُتل الحلاج. بل إن المذاهب في المسيحية كفرت بعضها البعض، وكذلك فعلت الفرق الإسلامية.
• في الحضارة الإسلامية انقسمت المعتزلة إلى عشرين فرقة، وكل فرقة كفرت الأخرى. وكفر الغزالي كلاً من الفرابي وابن سينا، واتُهم ابن رشد بالإلحاد وأُحرقت كتبه لأنه دعا إلى تأويل النص الديني.
• يٌعرف يوسف مراد الفلسفة بأنها "تفكير منظم يحاول التأليف بين جميع العلوم، وتوحيد جميع المعلومات، مهما اختلفت وتعددت، في نظرة شاملة".
• يرى الدكتور زي نجيب محمود أن رجل الشارع جاهل ومتعصب، وأنه مُهيأ لذبح الفلاسفة إذا توهم أنهم خارجون على الدين.
• إن الأصولية الإسلامية تأخذ بحرفية النص الديني فتنفي التأويل عن العقل. وهي لهذا تقف ضد ابن رشد صاحب مقولة "التأويل" في إطار سلطان العقل.
• إنتقد كانط الميتافزيقا التي تدلل على قدرة الإنسان على اقتناص المطلق، بدعوى أنها ميتافزيقا دوجماطيقية تتجاوز الطبيعة إلى ما فوق الطبيعة.
• إن الطبيعة سر مفتوح، ومعناه أن الطبيعة ذاتها غامضة، ولكنها مع ذلك قابلة للفهم. (جوته)
• إن عصر الآلة يُنشد تحويل الإنسان إلى آلة، أما أنا فأنشد إعادة الإنسان الذي تحول إلى آلة إلى حالته الاصلية. (المهاتما غاندي)
• ليس في إمكان أية ثقافة أن تعيش إذا حاولت حذف الثقافات الأخرى. (غاندي)
• وقد عبر كانط عن روح التنوير في مقال له بعنوان "جواب عن سؤال: ما التنوير؟". جاء فيه أن شعار التنوير "كن جريئاً في إعمال عقلك". وفي عبارة أخرى يمكن القول بأن التنوير يُعني ألا سلطان على العقل إلا العقل ذاته.
• الوحدة العضوية بين الفلسفة والنقد هي التي دفعت التنوير إلى إثارة الشكوك في مشروعية الميتافيزيقا، أو بالأدق، في مشروعية المطلق.
• وإذا جاز لنا الإستعانة بمصطلحات داروين يمكن القول بأن المطلقات، في حالة تعددها، تدخل في صراع من أجل الوجود والبقاء للأصلح في نهاية المطاف.
• الجهل عند سيد قطب محصور في عصر النهضة، والإصلاح الديني، والتنوير. وواجب المسلمين المناضلين القضاء على هذه الظواهر الثلاث!.
• والجدير بالتنويه أن نظرية العقد الإجتماعي التي تبناها الشيخ على عبد الرازق وأفضت به إلى إنكار "الخلافة" كانت السبب في مصادرة كتابه "الإسلام وأصول الحكم"، ومحاكمته وفصله من وظيفته.
• إن حكومة أبي بكر والخلفاء الراشدين كانت لا دينية. (على عبد الرزاق)
• ثقافة الذاكرة تركز على التراث كما هو من غير مجاوزة. أما ثقافة الإبداع فتدورعلى مجاوزة التراث، وهذه المجاوزة تستلزم نقد التراث.
• الشك أمر لازم، وإلا لما تطورت الحضارات الإنسانية.
• إذا لم يكن في الإمكان إقتناص المطلق بالحس فهل يمكن اقتناصه بالعقل ؟
• إن مشكلة الحرية تكمن في مبدأ العلية كما هو الحال عند كانط.
• يقرر ابن تيمية بأن التأويل تحريف الكلم عن مواضعه، ومخالف للغة، ومتناقض في المعنى، ومخالف لإجماع السلف.
• واضح من عرضنا لتاريخ كل من مفهومي الكهف والدوجما أن ثمة علاقة عضوية بينهما. وإذا كان ذلك كذلك فهل يمكن الفكاك من هذه العلاقة العضوية، أو بالأدق هل يمكن مجاوزة هذه العلاقة؟
• في عام 1689 نشر جون لوك "رسالة في التسامح" وهو يقصد التسامح الديني بمعنى "أن ليس من حق أحد أن يقتحم، بإسم الدين، الحقوق المدنية والأمور الدنيوية". ومعنى ذلك أن التسامح الديني يستلزم ألا يكون للدولة دين.
• لقد وضع كانط الفلسفة النقدية في مقابل الدوجماطيقية. وكان يقصد بالفلسفة النقدية قدرة العقل على كشف جذور الوهم القائم في تصور إمكان اقتناص المطلق.
• إن تعددية المُطلّقات هي تعددية زائفة، لأن المطلق بحكم تعريفه واحد لا يتعدد، وإذا تعدد، فصراع المطلقات حتمي.
• يقول أرسطو في كتابه "الميتافيزيقا" إنه بسبب الدهشة يبدأ الناس في التفلسف. التفلسف إذن وليد الدهشة. وإذا كانت الدهشة تُعني الشك فالتفلسف إذن وليد الشك.
• "لم أكد أُنهي المرحلة الدراسية التي جرت العادة أن يُرفع الطالب في نهايتها إلى مرتبة عالم حتى غيرت رأيي تماماً لأني وجدت نفسي في ركام من الشكوك والأخطاء بدا لي معها أنني لم أفد من محاولتي التعلم إلا الكشف شيئاً فشيئاً عن جهالتي" (رينيه ديكارت).
• إن العلاقة التقليدية بين المعلم والطالب تدور على تلقين الحقيقة من جانب المعلم، وتذكر الحقيقة من جانب الطالب.
• اتهم بروتاجوراس بالكفر (411 ق.م) لأنه قال بأن "الإنسان مقياس كل شيء" فأُمر الذين اشتروا كتبه بجلبها إلى السوق لكي تُحرق. وقد قيل إنه أُقصي عن أثينا، ولكن قيل أيضاً إنه حُكِم عليه بالموت ولكنه تمكن من الهرب.
• لقد تعطل الإبداع بفعل المحرمات الثقافية وما لازمها من مؤسسات إجتماعية وسياسية فأصبح الإبداع يُعني الخروج على المالوف، وترادف الخروج على المألوف مع ما هو شاذ ومنحرف ومريض، أي مع الجنون.
• إن الإبداع هو أساس نشأة الحضارة الإنسانية.
• يقين كل علم وصحته يرجع إلى معرفة الله الحق بحيث أنني ما لم أعرف الله لا أعرف شيئاً آخر. (رينيه ديكارت)
• الخرافة تتحكم في العقل فتفسده..
-------------------------------------
◙ إن الإنسان بطبيعته حيوان مبدع. ولهذا فأن نفهم معنى كوننا بشراً يُعني أن الإبداع هو المركز. ومع ذلك فإن المنطق الصوري، حتى الآن، عاجز عن إلقاء الضوء على العملية الإبداعية وذلك لسببين: السبب الأول: أن المنطق الصوري أدى دوراً هاماً في القضاء على الوظيفة الإبداعية للعقل إستناداً إلى مبدأ عدم التناقض الذي أصبح معياراً مطلقاً للحقيقة. ومن هذه الزاوية فإن القول بأن نظرية علمية ما هي على صواب يُعني أن التفكير في نقيضها ممتنع. والسبب الثاني: أن ذلك المنطق قد حصر العقل في مجال الحجة، والحجة تفترض أننا على علم بما نريد من الآخر أن يقتنع به. ومن ثم فإن الحجة تحصر العقل في العلاقة القائمة بين الإنسان والآخر وليس بين الإنسان والطبيعية. صــ7

◙ إن اليقين هو السمة السائدة في كتابات العقاد، وهو لا يعرف غيره. فمن أقواله على سبيل المثال : "أعلم علم اليقين أنني أمقت الغطرسة على خلق الله" . و "أعلم علم اليقين أنني اجازف بحياتي ولا أصبر على منظر مؤلم أو على شكاية ضعيف". " والذي أجزم به أن الزمن لا يغير عناصر النفس الأصلية، ولا يزيد عليها ولا ينقص منها". ويقول معلقاً على كتاب "فلسفة الثورة" لعبد الناصر : صواب ولا أشك أن الحركة المصرية لا توصف بأنها تمرد عسكري. وصواب ولا أشك أن الحاضر يعيش ببقية من مساويء العهود الماضية. وصواب كذلك أن الشك آفة معطلة للجهود، معطلة للأفكار والآراء". والعقاد في هذه العبارة، لا يستخدم لفظ "شك" في معناه الإيجابي الذي يعني أنه حافز على إعادة النظر، وحافز على منع الوقوع في براثن الدوجماطيقية، وإنما يستخدمه في معناه السلبي الذي الذي يُعني أنه نقيصه عقلية، وهو لذلك يزعم أنه كان يعلم علم اليقين أنه كان على قرار واضح في كل قضية من القضايا المثارة في عصره حين بلغ سن السادسة عشرة، وهذه القضايا يوجزها في ثلاث : الجامعة الإسلامية، والدولة العثمانية، والحكم الدستوري. وهو مدافع عنها منذ شبابه حتى وفاته. وهو في دفاعه عنها لا ينصت إلى صوت العقل وإنما إلى صوت الشعور. وفي "خلاصة اليومية" يشك العقاد في قدرة العقل على إثبات وجود الله، إذ هذا الإثبات مردود إلى الشعور وليس إلى الفكر. صــ78

◙ وهكذا يمكن القول بأن إعلان سلطان العقل مقولة متعثرة منذ ابن رشد. ولهذا فقد ظل ابن رشد مغترباً عن العالم الإسلامي. فإبن كثير يقول إن علوم الأوائل وهي الفلسفة اليونانية لم يوافق عليها العقل الإسلامي. ومنطق أرسطو توقفت دراسته عند نهاية "التحليلات الأولى"، وأهل السنة قاوموا مدرسة الفارابي. ويذهب على سامي النشار إلى القول بأن الرشدية ترف عقلي لم يؤثر في مجتمع المسلمين. صــ110

◙ وفي بداية القرن السادس عشر أعلن لوثر أحقية الإنسان في "الفحص الحر للإنجيل"، أي الحق في إعمال العقل في النص الديني من غير معونة من السلطة الدينية. يقول: "يرغب الرومانيون في أن يكونوا هم وحدهم المتحكمين في الكتاب المقدس مع أنهم لم يتعلموا شيئاً من الإنجيل في حياتهم العامرة. وهم يفترضون أنهم وحدهم اصحاب السلطان. ويتلاعبون أمامنا بالالفاظ في غير ما خجل أو وجل، وفي محاولة لإقناعنا بأن البابا معصوم من الخطأ في أمور الدين..وإذا كان ما يدعونه حقاً فما الحاجة إلى كتاب مقدس؟ وما نفعه؟ ولهذا فإن دعواهم بأن البابا وحده هو الذي يفهم الإنجيل خرافة مثيرة للغضب". صــ112

◙ لقد تناول الفيلسوف الإلماني العظيم "إيمانويل كانط" هذا السلطان - أي سلطان العقل الإنساني - وأوضحه في مقال له بعنوان: "جواب عن سؤال: ما التنوير؟" نشره عام 1784 في مجلة شهرية في برلين. وفي المقال يعرف كانط التنوير بأنه: "هجرة الإنسان من اللارشد، والإنسان هو علة هذه الهجرة. واللارشد هو عجز الإنسان عن الإفادة من عقلة من غير معونة من الآخرين. وهذا اللارشد هو من صنع الإنسان، عندما لا تكون علته مردودة إلى نقص في الفهم، وإنما إلى نقص في العزيمة والجرأة في إعمال العقل من غير معونة من الآخرين. "كن جريئاً في إعمال عقلك" هو شعار التنوير. ومن هذه الزاوية يُقال عن العقل إنه مستقل وإستقلال العقل يعني أنه عقل ناقد. وهذا هو السبب في تعريف التنوير للفلسفة بأنها العادة المنظمة للنقد. وهذا التعريف لا يساير التعريف التقليدي للفلسفة. صــ123

◙ وكانط يميز بين حالتين : حالة البحث عن إقتناص المطلق، وحالة اقتناص المطلق. الأمر الحاصل أن ثمة محاولات عديدة في البحث عن المطلق. ولكن تصور اقتناص المطلق بطريقة مطلقة يوقع الإنسان في الدوجماطيقية. وهذا هو مغزى قول كانط "لقد أيقظني هيوم من سباتي الدوجماطيقي". ذلك أن الإنسان بمجرد أن يقتنص المطلق فإن هذا المطلق يصبح نسبياً، ويتوقف عن أن يكون مطلقاً. ولهذا فإن عبارة "بروتاجوراس" : "الإنسان هو مقياس الأشياء" مازالت مقبولة حتى الآن. ومع تغيير طفيف يمكن القول "الإنسان هو مقياس المطلق". صــ124

◙ وإذا لم يتحقق الإبداع الجماهيري فمعنى ذلك أن ثمة عائقاً. وهذا العائق لابد أن يكون مضاداً للتنوير. فما هو هذا العائق؟ إنه ما أسميته "المحرمات الثقافية". وقد حاول فلاسفة اليونان مواجهة هذه المحرمات. وكان على قمة هؤلاء سقراط. كان يحاور الجماهير في الأسواق من أجل الكشف عن هذه المحرمات فاتُهم بإفساد عقول الشباب وحُكِم عليه بالإعدام. وإثر هذا الحكم هرب تلميذه أفلاطون من أثينا حيث تم تنفيذ حكم الإعدام. لما عاد إليها بعد عدة سنوات امتنع عن الحوار مع الجماهير، وشيد "أكاديمية" ووضع على مدخلها لافتة مكتوب عليها "لا يدخل هنا إلا كل عالم بالهندسة". ومن يومها والفلسفة معزولة عن رجل الشارع. صــ140

◙ دعت الوضعية المنطقية إلى نظرية فحواها أن الفلسفة لا معنى لها، أي أن الفلسفة، بحكم طبيعتها ليس لها تأثير عملي، ومن ثم فهي عاجزة عن التأثير في الجماهير. وقد نشأت هذه النظرية عند فتجنشتين حين أنكر المشكلات الفلسفية بدعوى أنها ليست علمية وأنها زائفة ووهمية. وقد كانت هذه الفكرة هل الملهم لمدرسة التحليل اللغوي التي تذهب إلى القول بأن الفلسفة مهمتها محصورة في نزع القناع عن الألغاز اللغوية الكامنة في القضايا الفلسفية الكلاسيكية. صــ142

◙ يسخر نيتشه من لفظ "الحقيقة". يقول "نفترض أن الحقيقة إمرأة. فماذا بعد؟ إن الفلاسفة من حيث هم دوجماطيقيون عاجزون عن فهم المرأة. ذلك أن الصلابة التي يتناولون بها الحقيقة سلبتهم القدرة على إقتناص المرأة.والمرأة لم تسمح لنفسها بأن تُقتنص". ولهذا فإن الدوجما تشعر بالحزن واليأس ومن ثم فهي تكاد تلفظ النفس الأخير. وأخطر خطأ دوجماطيقي كان في إختراع أفلاطون لمثال الخير. ومن هنا ينقد نيتشه "جدول القيم" السائد الذي يعبر عن أخلاق المستضعفين، ويؤسس جدولاً جديداً للقيم يستند إلى إرادة القوة، وهذه الإرادة هي الإسم الحقيقي لإرادة الحياة، لأن الحياة لا تزدهر إلا بإخصاء ما حولها. ومتى وضعنا هذا المبدأ انقلبت القيم السائدة رأساً على عقب، فقلب القيم يلزم منه ضرورة. ومع ذلك فإن نيشته يكشف لنا عن صعوبة نقد جدول القيم السائد وقلبه رأساً على عقب لأن السلطة تحافظ على هذا الجدول ولا تسمح أن يكون موضع نقد. فأمام السلطة كأمام الأخلاق يجب ألا نفكر ويجب أن نتكلم قليلاً. ولهذا يقول نيتشه إن كتاباتي لا تتحدث إلا عن غزواتي. صــ151

◙ يقول نيتشه "لقد حررنا أنفسنا من الخوف من العقل، من الشبح الذي هيمن على القرن الثامن عشر: نحن الآن لدينا الجرأة من جديد أن نكون عبثيين وأطفالاً وشعراء. وفي كلمة واحدة نكون موسيقيين". ومعنى هذه العبارة أن ثمة ثنائية حادة بين العقل والإرادة عند نيتشه بينما هي أقل حدة عند وليم جيمس. يقول: "من المشروع لطبيعتنا الإنفعالية بل من اللازم أن تتدخل في حسم الإختيار بين القضايا إذا اقتضى الأمر أن يكون هذا الإختيار أصيلاً إلى الدرجة التي لا يمكن بحكم طبيعته أن يستند إلى أسس عقلية". ولهذا يستعين جيمس بعبارة بسكال المشهور "للقلب حجج لا يعرفها العقل". صــ152

◙ في القرن الثامن عشر ربط كانط ربطاً واضحاً بين المطلق ونظرية المعرفة في كتابه "نقد العقل الخالص". يقول في مفتتحه: "إن العقل محكوم عليه، في جزء من معرفته، بمواجهة مسائل ليس في إمكانه تجنبها. وهذه المسائل مفروضة عليه بحكم طبيعته، ولكنه عاجز عن الإجابة عنها. وهذه المسائل المطروحة بلا جواب تدور على مفهوم المطلق سواء أطلقنا عليه لفظ الله أو الدولة. وقصة الفلسفة، في رأي كانط، هي قصة هذا العجز. ومهما يكن الأمر فإن كانط يميز بين حالتين: حالة البحث عن إقتناص المطلق، وحالة إقتناص المطلق. وثمة محاولات عديدة في تاريخ البشرية لإقتناص المطلق، ولكن تصور إقتناص المطلق بطريقة مطلقة وهم لأن المطلق، بمجرد إقتناصه، يصبح نسبياً ويتوقف عن أن يكون مستوعباً للواقع برمته. صــ167

◙ يقول كانط إن العلة الطبيعية ليست العلة الوحيدة التي تُرد إليها جميع ظواهر العالم، بل من الضروري التسليم أيضاً بعلة حرة لتفسير هذه الظواهر، لأن كل ما يحدث موجب العلة الطبيعية يحدث بعد حادث سابق بعينه، وهكذا إلى غير نهاية. فإذا لم يكن هناك سوى هذه العلة لزم القول بسلسلة لا متناهية من العلل لتعيين كل ظاهرة، ومن ثم يجب التسليم بعلة حرة قادرة على ان تبدأ سلسلة ظواهر تجري حسب القوانين الطبيعية. صــ171

◙ إن المطلع على تاريخ الفلسفة يلحظ أن كانط هو اول من فطن إلى أن العقل ديالكتيكي، بمعنى أنه محكوم بالتفكير في المتناقضات دون القدرة على مجاوزتها على نحو ما أشرنا في مقدمة هذا المقال. وإذا امتنعت المجاوزة امتنع العقل عن الوقوع في براثن الدوجماطيقية، أي في توهم إمتلاك الحقيقة المطلقة. والفضل في ذلك مردود إلى هيوم في تشككه في مبدأ العلية إذ يقول كانط: "لقد أيقظني هيوم من سباتي الدوجماطيقي". كان ذلك في القرن الثامن عشر، أما في القرن العشرين فقد رفض هيزنبرج مبدا العلية بفضل "مبدأ اللاتعيين" الذي ينص على استحالة الدقة في تحديد موقع الجسيم وسرعته في وقت واحد، وعلى أن حاصل ضرب درجة عدم اليقين الخاصة بالموقع في درجة عدم اليقين الخاصة بالسرعة تساوي رقماً ثابتاً. ومن ثم قال هيزنبرج عندما اكتشف هذا المبدأ : "أعتقد أنني قد رفضت مبدأ العلية". صــ175

◙ الأصول الدينية، في جوهرها، تأخذ بحرفية النص الديني ولا تقبل تأويله لأنه، في رأيها، يرقى إلى مستوى الحقيقة المطلقة. ومن هنا نشأت ظاهرة مأساوية جماهيرية اطلقت عليها اسم "مُلاك الحقيقة المطلقة" وهو اسم بديل عن الأصوليين الذين هم بحكم هذه الملكية يطالبون بفرض سلطانهم على جميع مجالات الحياة الإنسانية، ومن يرفض فقتله واجب ووجوبه مردود إلى وجوب الدفاع عن الحقيقة المطلقة خشية إهتزازها كحد أدنى وإنكار كحد أقصى. ديالكتيك الحرية إذن مهدد بالتوقف في هذا الزمان. صــ176

◙ يميز ابن رشد بين تأويل صحيح وتأويل فاسد. والتأويل الفاسد هو الذي لا يتأسس على البرهان. وإذا صرح به نشأ الكفر. وهذا ما حدث عندما أولت المعتزلة والأشعرية الآيات والأحاديث، وصرحوا بتأويلاتهم للجمهور. هذا الإضافة إلى أن تأويلاتهم ليسوا فيها لا مع الجمهور ولا مع الخواص لكونها إذا تؤملت وجدت ناقصة من شرائط البرهان بل إن كثيراً من الأصول التي بنت عليها الأشعرية معارفها هي سفسطائية. أما التأويل الصحيح فهو الذي يستند إلى أهل البرهان، وهم "الراسخون في العلم" ومن ثم فإن ابن رشد يقسم الناس قسمين " الجمهور والراسخون في العلم. وهذه القسمة الثنائية، وإن كانت تقليدية في الفكر الإسلامي، إلا أن القضية الأساسية في منطق ابن رشد. فالمنطق عنده منطقان : منطق الإستقراء ومنطق القياس. منطق الإستقراء هو منطق الجمهور. أما منطق الراسخين في العلم فهو منطق القياس، يقول : "الإستقراء أظهر إقناعاً من القياس إذ كان يستند إلى المحسوس ولذلك كان إستعماله أنفع مع الجمهور، وهو اسهل معاندة. والقياس بعكس ذلك اقل نفعاً وبخاصة عند الجمهور، وأصعب معاندة، ولذلك فإن استعماله أنفع مع المرتاضين في هذه الصناعة". ويقصد بالمرتاضين الراسخين في العلم. صــ180

◙ خلاصة القول أن الفصل بين الفكر الإسلامي والفكر الغربي وهم، وأن ثمة حضارتين : حضارة إسلامية وحضارة غربية وهمٌ كذلك، بل ثمة حضارة إنسانية تخصبها ثقافات متباينة على قدر ما لدى كل منها من عقلانية لا تقع في براثن الدوجماطيقية فتسهم في دفع مسار الحضار الإنسانية نحو التقدم والسلام. أما ما يبدو اليوم أنه قطيعة بين الإسلام والغرب فمردود إلى تيارات فكرية ترفض التأويل، أي ترفض إعمال العقل في النص الديني، كما  ترفض تطور العلم، ولا ترى في التكنولوجيا سوى السلبيات. وهذه التيارات الفكرية هي على وجه التحديد أصوليات دينية دخلت في صراع مع حضارة العصر فتوقف التقدم وتعثر السلام. صــ182

◙ يقول أرسطو في كتابه "الميتافزيقا" إنه بسبب الدهشة يبدأ الناس في التفلسف؛ فهم يندهشون أصلاً من المشكلات اليومية ثم يتقدمون رويداً رويداً فيواجهون مشكلات المسائل الكبرى مثل ظواهر القمر والشمس والنجوم ونشأة الكون. والذي يندهش يعرف أنه جاهل. وحيث أنهم يندهشون هروباً من الجهل فإنهم يطلبون العلم للعلم وليس لأية غاية نفعية. صــ189

◙ تأسيساً على نظرية المعرفة هذه يمتنع تأسيس المجتمع على مطلق معين، أي على دوجما. ومن ثم تصبح الديمقراطية هي البديل عن الدوجماطيقية. وهذا هو مغزى العلاقة بين الديمقراطية والليبرالية، ولكنها علاقة جدلية، أي علاقة تقوم على وحدة صراع الأضداد. فالليبرالية تعني تحرر الفرد من كل سلطان ماعدا سلطان الفرد على حد قول مِل. أما الديمقراطية فتُعني المساواة بين الأفراد. وهذه المساواة تُعني أن سلطان الفرد محكوم بسلطان الآخر. وبالتالي فالديمقراطية تبدو مناقضة لليبرالية. بيد أن هذا التناقض يمكن رده إلى تصور معين عن المجتمع وهو أنه عبارة عن جملة أفراد، وليس عبارة عن كل عضوي مجاوز لجملة أفراده. صــ196

◙ في العصر اليوناني القديم اتخذ السوفسطائيون من تباين المذاهب والعادات ذريعة للشك. ثم نشأت "المدرسة الشكية" ورائدها سكستوس امبيريقوس وفكرته المحورية أن لكل حجة حجة مضادة لها ومساوية لها في القوة. والنتيجة إمتناع الإنسان عن أن يكون دوجماطيقياً. ثم يستطرد سكستوس قائلاً :"إذا كانت الدوجما تُعني إقرار ما هو غير واضح فليس ثمة مذهب"، لأن المذهب - في رأيه - يعني الإلتزام بمجموعة من الدوجمات المتسقة فيما بينها، وفيما بينها وبين الظواهر. وإذا كانت الغاية من الشك سكينة النفس على حد تعبير سكستوس فإن الدوجما، في هذه الحالة، تقف ضد هذه السكينة. وهذا على غير القول الشائع بأن سكينة النفس ملازمة للدوجما. الدوجما إذن، في معناها الأول، ضد الشك ومع الإلتزام بمذهب، ثم تبلو معنى الدوجما فيما يسمى "علم العقيدة" وهو في المسيحية هلم اللاهوت، وفي الإسلام علم الكلام، فأصبحت للدوجما سلطة تحكم على من يعارضها بالهرطقة والكفرة. وفي العصر الحديث عانت الدوجما من الشك مرة أخرى إبتداء من بيكون وديكارت. أسس بيكون منطقاً جديداً يدور، في جانبه السلبي، على الكشف عن أوهام العقل وهي أربع أوهام : "أوهام المسرح" التي هاجرت من الدوجمات الفلسفية المتنوعة إلى عقول البشر. أما ديكارت فإنه يقول: "لم أكد أُنهي المرحلة الدراسية التي جرت العادة أن يُرفع الطالب في نهايتها إلى مرتبة عالم حتى غيرت رأيي تماماً لأني وجدت نفسي في ركام من الشكوك والأخطاء بدا لي معها أنني لم أفد من محاولتي التعلم إلا الكشف شيئاً فشيئاً عن جهالتي".وبهذا الشك أسس ديكارت منهجاً جديداً يناقض منطق أرسطو. ثم جاء هيوم وتابع كلاً من بيكون وديكارت في ممارسة الشك، ولكنه انصرف في شكه إلى سمة الضرورة في مبدأ العلية. وتأثر كانط بهيوم في هذه المسألة فقال: "لقد أيقظني هيوم من سُباتي الدوجماطيقي". وكانط يُعني بالدوجماطيقية الكف عن كشف جذور الوهم في المفاهيم المتوارثة. وفي القرن العشرين إزداد الشك في الدوجما بفضل نظرية "الكوانتم" التي نشأ عنها مبدأ اللاتعين لهيزنبرج. واللاتعيين يعني عدم اليقين، وبالتالي عدم مشروعية ملكية الحقيقة المطلقة. والنتيجة بزوغ اللادوجماطيقية في مواجهة الدوجماطيقية. صــ203

◙ إن الإنسان، منذ نشأته، ينشد الحقيقة المطلقة بحكم ان العقل الإنساني ينزع بطبيعته نحو توحيد المعرفة الإنسانية. وهو من أجل ذلك يتجول في كل مجال من مجالات هذه المعرفة، ثم هو يضمها جميعاً، ويربط فيما بينها في وحدة عضوية، بحيث لا يتيسر معه فصل عضو عن الكائن إلا بالقضاء عليه كله. ونزوع العقل نحو التوحيد هو، في الوقت ذاته، نزوع نحو المطلق. والإنسان ينشد الحقيقة المطلقة كذلك بحكم إحساسه بعدم السكينة في هذا الكون المجهول. صــ225

◙ في القرن السابع عشر أعلن جليليو إنحيازه لنظرية كوبرنيكوس التي تدور على أن بقاء أكبر الأجرام ثابتاً (الشمس)، على حين تتحرك من حوله الأجرام الصغرى، أكثر تحقيقاً لمبدأ البساطة من دوران الأجرام جمبعاً حول الأرض. فاتُهم جليلو بالخروج على الدين لإنحيازه لنظرية منافية للكتاب المقدس. وحوكم من قبل محاكم التفتيش، أو بالأدق من قبل ملاك الحقيقة المطلقة. صــ227

◙ إن الواقع القادم هو رؤية مستقبلية، أي ايديولوجياً. وإذا تحققت الأيديولوجيا في الواقع غيرت الواقع القائم، بمعنى أنها تُحل محله فتصبح واقعاً قائماً، أي ثقافة. ثم تنزلق الثقافة إلى الماضي فتصبح تراثاً. والتراث قد يتمطلق فيمتنع تغييره، ومن ثم يمتنع تكوين رؤية مستقبلية جديدة فينتفي المستقبل ولا يبقى سوى الماضي من غير فاعلية. وقد لا يتمطلق فيمكن تغييره، وتغييره ممكن بإبتداع رؤية جديدة مستقبلية، أي أيديولوجيا جديدة تتغذى في تكوينها بتأويل التراث. صــ232

◙ إن حادثة إغتيال فرج فودة تنطوي على شيء من هذا الذي كان يفعله سقراط. فقد أسس حزباً أسماه حزب المستقبل. وأغلب الظن أنه قد أسماه هكذا لمواجهة حزب الماضي الذي يرفض التنوير الذي يُعلي من شأن العقل. وكان أثناء ذلك يجوب الشوارع، ويتحدث إلى الجماهير، ويحاورهم، من أجل بث الإستنارة في عقولهم فكان أن صدر حُكم سري بإعدامه، وتم تنفيذه علانية. صـ236

◙ وفي القرن الثاني عشر ألف أبو حامد الغزَّالي كتاباً عنوانه "تهافت الفلاسفة" وضع في نهايته سؤالاً محصوباً بجواب. جاء على هذا النحو: فإن قال قائل : قد فصلتم القول بتكفيرهم ووجوب القتل لمن يعتقد اعتقادهم (يقصد الفلاسفة) أفتقطعون القول بتكفيرهم ووجوب القتل لمن يعتقد اعتقادهم؟! قُلنا : تكفيرهم لابد منه. ثم سكن أبو حامد الغزالي عن إبداء الرأي في وجوب قتلهم. وفي النصف الثاني من القرن العشرين وبعد إنتهاء مسلسل "أولاد حارتنا" لنجيب محفوظ كفره ثلاثة : الشيخ محمد الغزالي والشيخ عبد الحميد كشك والشيخ عمر عبد الرحمن، وتولي ثالثهم الجواب عن الشق الثاني من السؤال المطروح على أبي حامد الغزالي فقال : قتله واجب. وقد كان إلا أنه أُنقِذ. وكان ذلك في الخامسة والنصف من بعد ظهر يوم الجمعة الموافق 14 أكتوبر 1994. صــ238

◙ وبفضل مبدأ عدم التناقض - وهو أساس منطق ارسطو - لم يجرؤ أحد على التفكير في نقيض هندس اقليدس، على الرغم من أن المصادرة الخامسة المعروفة بمصادرة التوازي تنطوي على تناقض لم يستطع علماء الرياضيات رفعه. ومع نشأة الفلسفة الحديثة ظهر منهجان أحدهما من تأسيس بيكون، والآخر من تأسيس ديكارت. أصدر بيكون كتاباً بعنوان "الأورجانون الجديد..العلاقات الصادقة لتأويل الطبيعة" (1620) وهو منطق جديد يضع أصول الإستكشاف العلمي. القسم السلبي منه يدور على مصدر الأوهام الطبيعية في العقل وهي أربع : "أوهام القبيلة" وهي ناشئة من طبيعة الإنسان حيث العقل مرآة كاذبة لأنه يشوه طبيعة الأشياء وذلك بالخلط بين طبيعته وطبيعتها. و "أوهام الكهف"، وتُعني أن لكل فرد كهفاًً يشوه نور الطبيعة بسبب التربية، وبسبب سلطة أولئك الذين يزهو الفرد بهم. و "أوهام السوق" وهي ناشئة من سوء اختيار الألفاظ الذي يُفضي إلى مناقشات بيزنطية. و "أوهام المسرح" تتسرب إلى عقول البشر من قبل معتقدات الفلاسفة. هذا عن القسم السلبي من المنطق الجديد. أما عن القسم الإيجابي منه فهو المنهج الإستقرائي الذي يُنشد التحكم في الطبيعة وإستخدامها في منافعنا. أما ديكارت فقد أصدر كتاباً بعنوان "مقال في المنهج لإجادة قيادة العقل والبحث عن الحقيقة في العلوم يليه البصريات والآثار العلوية والهندسية، وهي التطبيقات لهذا المنهج"،  (1637). ولهذا المنهج أربع قواعد أهمها القاعدة الأولى "ألا أسلم بشيء إلا أن أعلم أنه حق" ، وقد قيل عن هذه القاعدة إنها قاعدة ثورية لأنها عبارة عن إعلان حرية الفكر، وإسقاط كل سلطة. صــ252

◙ يقول أرسطو في كتاب (المشكلات) ، جــ3 : "كثيراً ما كان مشاهير الرجال في الشعر والفنون مصابين بالجنون أو المرض السوداوي، نافرين من مصاحبة الآخرين غير واثقين بهم. وقد شوهدت مثل هذه الصفات لدى سقراط وأفلاطون وغيرهم وعلى الأخص الشعراء"..ومما دعا أرسطو إلى هذا القول نظرته إلى وظيفة الدماغ، فكان يعتقد أن عضو الفكر هو القلب لا الدماغ، وأن الدماغ لا يعدو أن يكون عنده وظيفة تبريد الحرارة الصادرة من القلب. وعندما يقصر الدماغ عن تأدية هذه الوظيفة يحدث الإحتقان وما يتبعه من هيجان وهذيان. وقد ظلت هذه النظرية الأرسطية تتردد أصداؤها في العصر الوسيط حتى العصر الحديث. ففي عام 1859 نشر "مورو دي تور" كتاباً بعنون: "علم النفس المرضي وعلاقته بالفلسفة والتاريخ" ،جاء فيه أن ما ذهب إليه أرسطو حقيقة واقعية. فالعبقرية ذات منشأ مرض عصبي. يقول: "إن العوامل العضوية الأكثر ملاءمة لنمو الملكات العقلية هي بعينها التي تولد الهذيان. وقد يؤدي التكتل غير العادي للقوى الحيوية في عضو ما إلى نتيجتين متساويتين من حيث إحتمال حدوثهما : زيادة الطاقة في وظائف هذا العضو، وكذلك احتمال أكبر لإصابة هذه الوظائف بالإختلال والإنحراف. ثم يستطرد قائلاً : "العبقرية، أعلى واسمى ما يعبر عن النشاط العقلي، ليست إلا مرضاً عصابياً". 262

◙ إن العقل لا يدرك الوقائع من حيث هي كذلك لأنه إدراكه يحدث تأثيراً في الواقع بحيث يمكن القول بأنه لا يدركها وإنما يؤولها. بيد أن هذا التأويل ليس محصوراً في المجال النظري بل يمتد إلى الممارسة العملية استناداً إلى تعريفنا للإبداع من حيث هو "قدرة العقل على تكوين علاقات جديدة من أجل تغيير الواقع". وهكذا يمكن القول بان العقل، في ضوء التأويل والإبداع، هو "ملكة التأويل العملي المجاوز للواقع". والعقل، هنا ، إيجابي أي له دور فعال في تأسيس المعرفة. وهذا على الضد من سلبية العقل عند كل من ديكارت ولوك وهيوم. فالأفكار الصادقة، عند ديكارت، هي الأفكار الفطرية التي ليست مستفادة من الأشياء ولا مركبة من الإرادة، وإنما هي في العقل على نحو ما نقول إن مرضاً ما فطري في أسرة ما، وهي في عقل الطفل على نحو ما هي في عقل الراشد. والعقل، عند لوك، لوح مصقول لم يُنقش فيه شيء، وأن التجربة هي التي تنقش فيه المعاني والمباديء جميعاً. وكذلك العقل عند هيوم. إنه سلبي لأنه لا يحضر فيه سوى انطباعات حسية. يقول في مفتتح "كتاب الطبيعة الإنسانية" :إن إدراكاتنا برمتها على ضربين متمايزين : إنطباعات وأفكار ، ولا تباين بينهما إلا في الحيوية" ، بمعنى أن الأفكار ليست إلا إنطباعات حسية باهتة. صــ271

◙ صحيح أن فلاسفة اليونان تتلمذوا لكهنة مصر. فقد جاء إلى مصر طاليس وفيثاغورث وأفلاطون. وأفادوا من العلوم العلمية، ولكنهم ابتدعوا ما لم يبتدعه المصريون وهو فكرة "البرهان" التي على أساسها ابتدع أرسطو علم المنطق الذي على أساسه ابتدع اقليدس الهندسة النظرية. وأغلب الظن أن هذا التأسيس النظري مردود إلى عدم اعتقاد اليونانيين الكائنات الفائقة للطبيعة. ولهذا فإن الطبيعيين الأوائل في اليونان لم يتجاوزا الطبيعة إلى ما فوق الطبيعة. فأصل الأشياء الماء عند طاليس، والمادة غير المتناهية عند انكسمندريس، والهواء عند انكسيمانس، والنار عند هراقليطس. وإذا كانت العلمانية هي انتزاع ما هو مقدس مما هو مدني، فالعلمانية كامنة في الحكمة اليونانية وذلك على الضد من الحكمة المصرية التي لم تستطع قبول العلمانية إلا قسراً أثناء حكم إخناتون. صــ301


◙ خلاصة القول اذن أن الأصولية، أياً كانت سمتها الدينية، تمزج المطلق بالنسبي، والحقيقة الأبدية بالحقيقة العابرة، وبذلك تدافع عن حقيقة لاهوتية ماضوية فتعجز عن التعامل مع الوضع الراهن ليس لأنها مجاوزة لهذا الوضع ولكن لأنها تتحدث عن وضع ماضوي فتمنح مصداقية أبدية لرؤية نسبية. وفي هذا السياق تصبح الأصوليات ممهدة لما أسميه "صراع المطلقات". صــ353

  • Digg
  • Del.icio.us
  • StumbleUpon
  • Reddit
  • RSS

المونادولوجيا (جوتفريد ليبنتز & عبد الغفار مكاوي)



أولاً نقاط للمترجم والمعلق على الكتاب:-
-----------------------------------
• لما كانت هناك جواهر مركبة فلابد في رأيه أن تكون هناك جواهر بسيطة. هذه الجواهر البسيطة هي التي يسميها "المونادات" ، وهي "الذات الحقيقية التي تتكون منها الطبيعة".
• لقد قيل بحق ان ليبنتز هو اعظم من قال بفكرة التفرد.
• ليس للمونادات نوافذ يمكن من خلالها أن ينفذ إليها شيء أو يخرج منها. (جوتفريد ليبنتز)
• إذا كانت كل موناداة تعتمد على نفسها في تكوين الصورة التي لديها عن العالم، فكيف نعرف أن هذه الصورة تتفق مع واقع العالم؟ وإذا تغير العالم فكيف نعرف أن صورته قد تغيرت كذلك بما يتفق معه؟
• لقد استعار ليبينز تشبيهاً طريفاً سبقه اليه غيره عندما صور الله في صورة صانع الساعات الذي أنشأ عدة ساعات تدور في وقت واحد بغير أن تؤثر إحداها على الأخرى..
• يستحيل - في نظر ليبنتز - أن تقوم علاقة علية بين جواهر لا مادية.
• الذي يميز موناداة العقل الإنساني عن سائر المونادات هو طبيعة إدراكاتها.
• لقد فسر المادة - أي ليبنتز - من خلال المباديء اللامادية الكامنة فيها وأتاح له هذا التفسير أن يصور العلاقة بين النفس والجسم أو بين العقل والمادة في صورة الحاكم والمحكوم لا في صورة السجان والمسجون! كما تصور بذلك أفلاطون.
• الرياضياتي يستخدم في حساباته رموزاً وعلامات معينة تختصر عمليات رياضياتية طويلة، وإستدلالات عقلية معقدة.
• إن التفكير الرياضياتي ، في رأي ليبنتز ، هو النموذج الأسمى للتفكير البشري عامة.
• وإذا كانت اللغة - بوصفها نسقاً من العلامات - هي أداة الفكر البشري فمن واجبنا أن نختبر مدى كفاءة هذا النسق وفاعليته. ويشك ليبنتز في صلاحية اللغة اليومية للتفكير العلمي وقد قضى حياته في البحث عن نسق من العلامات يفيد العلم ويحقق له التقدم.
• لم يكن ليبنتز بطبيعة الحال معصوب العينين عما يجتاح العالم من شر وبؤس وعذاب وموت، ولكنه كان يعتقد أننا لن نستطيع أن نقدم سبباً كافياً يبرر وجود هذا العالم إلا إذا كان هو افضل عالم ممكن.
• اعتبر ليبنتز أن العقل ما هو إلا "إله مصغر".
• في رسالة ليبنتز لـ دي لوسبيتال يقول له فيها : "إن الميتافيزيقا عندي رياضياتية خالصة". بل إنه يعبر عن إقتناعه بأن تطبيق المنهج الرياضياتي على العلوم الفلسفية سيضع حداً للخلافات فتختفي تماماً من على مسرح الفلسفة!
• ليست الحقيقة التي يملكها إنسان أو يتصور أنه يملكها هي التي تجعل له قيمة، بل الجهد الصادق الذي بذله في التماسها والسعي وراءها. (ليسنج)
• ربما جاز لنا أن نقول مع مؤرخ الفلسفة المعروف يوحنا اردمان إن المونادولوجيا موسوعة صغيرة تضم كل فلسفة ليبنتز.
• الله - عند ليبنتز - هو مصدر الكمال الموجود في كل مونادة.
-----------------------------------
ثانياً: نقاط لصاحب الكتاب الأساسي (جوتفريد ليبنتز):-

• الذي يقبل القسمة لابد ان يكون مركباً. ولكن الجواهر المركبة مكونة من جواهر بسيطة.
• إننا لا نستطيع أن ندرك المونادة عن طريق الحواس. فالحواس لا تقدم لنا الجوهر نفسه، بل مجرد "ظاهرة مدعمة".
• إن النفوس لا تنفصل أبداً تمام الإنفصال عن أجسامها؛ ولا تنتقل من جسم إلى جسم آخر جديد عليها كل الجدة. وإذاً فلاوجود لتناسخ الأرواح، بل هناك تعول أو انسلاخ.
• الله وحده يملك المعرفة الواضحة بكل شيء، لأنه هو مصدر كل شيء. وقد قيل بحق إن مركزه يقع في كل مكان، أما محيط دائرته فليس موجوداً في أي مكان، إذ أن كل شيء بالنسبة إليه حاضر حضوراً مباشراً، دون أدنى بعد عن هذا المركز.
• هناك اتساق مقدر منذ الأزل بين مملكة الطبيعة ومملكة الفضل الإلهي، بين الله بوصفه المهندس والله بوصفه الحاكم.
• ليست المونادة التي نتحدث عنها هنا سوى جوهر بسيط يدخل في تكوين المركب، والبسيط معناه ما لا أجزاء له، وحيث لا توجد أجزاء، لا يمكن أن يكون ثمة إمتداد ولا شكل ولا إنقسام. وهذه المونادات هي الذرات الحقة.
• إن كل تغيير يلحق بالأجسام إنما يرجع إلى تغير الأجزاء. كما يرجع في النهاية إلى التغير في كمية الحركة وإتجاهها.
• لو كانت الجواهر البسيطة لا شيء، لردت المركبات أيضاً إلى اللاشيء.
• يتحتم أن تكون كل مونادة مختلفة عن الأخرى. إذ يستحيل أن يوجد في الطبيعة كائنان متشابهان تشابهاً كاملاً، بحيث يتعذر ألا نعثر على خلاف قائم على خاصية باطنة.
• إن من الممكن التمييز بين قطرتي الماء أو اللبن إذا ما نظرنا إليهما من خلال الميكروسكوب (المجهر). ولو افترضنا وجود شيئين يمكن التمييز بينهما لكان معنى هذا أننا نفترض نفس الشيء تحت اسمين مختلفين..ولابد أن تختلف جميع الأشياء بالضرورة عن بعضها البعض.
• الأشياء في تغير مستمر..
• إن المونادات وحدها آلات ذاتية الحركة، أما الآلات الجسمية فلا يُمكن أن توصف بهذا الإستقلال والإكتفاء الذاتي.
• إن الأفكار العقلية أو افكار التأمل مستمدة من عقلنا، وأنه ليشوقني جداً أن أعرف كيف كان يتسنى لنا أن نحصل على فكرة الوجود لو لم نكن نحن موجودات وبذلك نلمس الوجود في أنفسنا.
• هناك نوعان من الحقائق: حقائق العقل وحقائق الواقع. حقائق العقل ضرورية، وعكسها مستحيل، وحقائق الواقع عرضية، وعكسها ممكن.
• يوجد السبب الكافي للحقائق العقلية في الحقائق البديهية أو الحقائق الذاتية التي يمكن أن ترد إليها بالتحليل. أما حقائق الواقع فيوجد سببها الكافي في الله وحده.
• هكذا ينبغي ان توجد العلة الأخيرة للأشياء في جوهر ضروري، يحتوي على تفاصيل التغيرات على نحو سام أشبه بان يكون مصدراً لها: وهذا الجوهر هو الذي ندعوه الله.
• ولما كان هذا الجوهر - يقصد الجوهر الضروري - هو العلة الكافية لكل هذه التفاصيل الخاصة، المترابطة من ناحيتها أوثق ارتباط، فليس هناك غير إله واحد وهذا الإله كافٍ.
• إن أصغر جزء من المادة يجب أن يُنظر إليه بإعتباره عالماً مليئاً بمالانهاية له من الكائنات المختلفة.
• لا يُمكن أن تنفصل المونادة عن الجسم، إلأ إذا كنا نتحدث عن مونادة المونادات (أي الذات الإلهية)
• ولهذا السبب لا يوجد ابداً تولد كامل ولا موت كامل بالمعنى الدقيق، بمعنى انفصال النفس عن الجسد. وما نسميه بالتوالد ما هو إلا نوع من التطور والنمو، أما ما نسميه بالموت فهو إنكماش وتناقص.
• إن النفس تتبع قوانينها الخاصة، كما ان الجسم يخضع لقوانينه الخاصة؛ وهما يتلاقيان بفضل الإتساق المقدر بين جميع الجواهر، لأنها جميعاً تمثلات عالم واحد بعينه.
-----------------------------------
أولاً: شذرات للمترجم والمعلق على الكتاب:-

◙ ترجع فكرة "الجوهر" إلى أرسطو الذي نُدين له بعدد ضخم من أفكارنا ومصطلحاتنا الفلسفية. والجوهر عنده هو الماهية التي يقوم عليها وجود كائن فردي معين. هذه الماهية تظل ثابتة وإن تغيرت كل الخصائص الخارجية التي تميز هذا الكائن من حجم وكيفيات وعلاقات...إلخ- وقد دارت مناقشات عديدة حول فكرة الجوهر الأرسطية في القرنين السابع عشر والثامن عشر، ووقف منها الفلاسفة بين مؤيد ومعارض. أصر التجريبيون على رفضها وحاولوا أن يلغوها من الفلسفة إلغاء (فهيوم مثلاً يقول إنها وهم، وأن الجوهر ليس إلا مجموع صفاته). ودافع عنها المدرسيون لأنها كانت تمثل نقطة أساسية في مذهبهم الفلسفي. وعارضها العقليون مثل ديكارت واسبينوزا، ولكنهم تمثلوها في صورة أخرى معدلة (فبينما يقول ديكارت بجوهرين مخلوقين هما الفكر والإمتداد، إلى جانب الجوهر المٌطلُق أو الله، يقول اسبينوزا بجوهر واحد لا متناه يمكن أن نسميه الله أو الطبيعة). صــ26

◙  كل الأجسام في نظره تقبل القسمة مهما كانت صغيرة، وعملية القسمة هذه يمكن أن تمضي إلى مالانهاية. ولن تؤدي مناهج الفزياء الحديثة إلى اكتشاف الموناداة التي يتصورها، لأن الموناداة لا يمكن تصورها إلا عن طريق الفكر. ولهذا فهي كما يدل اسمها بسيطة، ومعنى هذا في رأيه أنها لا تقبل القسمة، وليست مادية ولا شكل لها، وهي كذلك لا تتكون ولا تفنى. ومثل هذا الجوهر لا يمكن أن يكون موضوعاً من موضوعات العلم الطبيعي الحديث. وإذا كانت مناهج العلم عاجزة عن الوصول إلى فكرة الموناداة، فهل يمكن أن تطبق عليها مناهج الرياضيات؟ يحتمل أن تكون بحوث ليبنتز عن الكميات المتناهية في الصغر داخل حساب اللامتناهي الذي اكتشفه قد أثرت على آرائه الميتافيزيقية. ولكن لا ينبغي أن نبالغ في تقدير هذا الأثر فالحقيقة أن الموناداة ليست كميات متناهية في الصغر، بل ليس كميات على الإطلاق. وفكرة الموانادة ليست فكرة رياضياتية، لأن ليبنتز يعترض صراحة على وصف الموناداة بأنها نقط رياضياتية. لقد درس الفلسفة الفيثاغورثية بغير شك، ولكنه لم يذهب إلى ما ذهب إليه فيثاغورث واتباعه في تفسير ماهية الواقع تفسيراً رياضياتياً. فالحقائق الرياضياتية في رأيه تفتقر إلى كل الخصائص الدينامية. انها أفكار وليست قوى أو طاقات. والمونادات في حقيقتها مراكز حية للقوة أو الطاقة. وقد عبر عن هذه الفكرة الأساسية في تعريفه المشهور للجوهر، وهو الذي نطالعه في أول عبارة استهل بها كتابه في مبادي الطبيعة والفضل الإلهي : "إن الجوهر كائن قادر على الفعل". المونادات إذاً مباديء دينامية تدخل في الأجسام الواقعية (أو التجريبية) كما تنتج عنها هذه الأجسام. ويعتقد ليبنتز أن فكرة المونادة تقدم لنا المفتاح الذي نفسر به وضع النباتات والحيوانات والكائنات البشرية ومكانها من العلم الجسمي في مجموعه. ففي كل كائن حي فرد توجد مونادة رئيسية تتحكم في سائر المونادات التي يتألف منها. ويُطلق ليبنتز على هذه المونادة الرئيسية اسماً استعاره من المصطلح الارسطي وهو "الأنتيلخيا". فالمونادات "أنتيليخيات". ولكل نبات "انتيليخياه". والأنتيليخيا الموجودة في الحيوان تسمى "النفس" ، والتي توجد في الإنسان تُدعى "العقل". صــ27 : 28

◙ يوضح ليبنتز التمييز بين "مملكتين" مملكة الجواهر المركبة أو الأجسام، ومملكة الجواهر البسيطة أي المونادات. والعلية الآلية تحكم مملكة الأجسام، أما مملكة المونادات فتحكمها الغائية وهاتان المملكتان ليستا مستقلتين عن بعضهما البعض، ولا توجدان جنباً إلى جنب، بل يكونان وحدة واحدة، وإحداهما هي الصورة التي تظهر بها الأخرى. صــ34

◙ ليست كل الحقائق ضرورية ولا أبدية. فلابد في رأي ليبنتز من التمييز بين حقائق العقل الضرورية الخالدة وحقائق الواقع العرضية الحادثة. فالأولى هي التي لا يمكن تصور ضدها، وإلا كانت متناقضة مع نفسها، ومنها مبادي الرياضيات والمنطق. أما  الثانية فيمكن تصور ضدها، ومنها الحقائق التاريخية وقوانين الفزياء (مثل قانون الحركة) والقدرة على تصور نقيض الحقيقة او عدم تصوره هو المعيار المنطقي الذي إعتمد عليه ليبنتز في التمييز بين حقائق العقل وحقائق الواقع. صــ41

◙ لقد تابع ليبنتز خطى أفلاطون في بحثه عن الوحدة التي تجمع الكثرة، ولكنه سلك منهجاً يختلف عن منهج أفلاطون. فهو يتحدث مثله عن أفكار أبدية خالدة، أي عن مثل أو نماذج أولى لكل المخلوقات وهذه المثل والمناذج كائنة في عقل الله. إن جميع الأشياء المتناهية على علاقة ببعضها البعض، وهذه العلاقة تؤلف بينهما في وحدة حقيقية. ولهذه العلاقة نفسها وجهان، فهي تعبر من ناحية عن أن جميع الأشياء المتناهية إنما هي في نهاية الأمر مونادات، أي كائنات واحدة أو "أحادات" ، كما تعتبر من ناحية أخرى عن أن كل مونادة منها تعكس العالم كله، أي تعكس جميع المونادات الأخرى على صفحة مرآتها. وهكذا لا يرى ليبنتز أننا يمكن أن نتكلم عن وحدة العالم دون أن نضطر في نفس الوقت للكلام عن مبدأ لهذه الوحدة من خارج العالم، وسواء أكان هذا المبدأ هو الله أم الأفكار. ولكنه يرى من ناحية أخرى أنه لا يمكن تفسير هذه الوحدة القائمة داخل العالم إلا بالرجوع إلى الله. لأن الله هو أصل جميع المونادات المخلوقة أو المتناهية، وعلة تجانسها وإتساقها مع بعضها البعض. صــ58

◙ كان ليبنتز مقتنعاً بأن جميع العلوم يُمكن أن تطبق مناهج الرياضيات بدرجات متفاوتة. ولعل هذا الإقتناع أن يكون دليلاً على النزعة العامة التي تطبع تفكيره كله، ألا وهي نزعة التفاؤل التي سخر منها فولتير. وتظهر النزعة المتفائلة أيضاً في نظرته إلى العالم والمصير، فهذا العالم هو افضل عالم ممكن. والظلام الذي يُخيم عليه ليس إلا الوجه الشاحب للنور. والشر والبؤس والتعاسة التي نلقاها فيه ليست شيئاً بجانب الخير والرحمة والعدل الذي اضافته عناية الله علينا. صــ65

◙ لم يوضح ليبنتز كيفية الإنتقال من الإدارك غير الواعي إلى الإدارك الواعي، وكل ما يحرص على تأكيده في هذا الصدد هو أن إدراكات المونادات الواعية أقل غموضاً وتشوشاً وإختلاطاً من إداراكات المونادات غير الواعية، كما أن أعضاءها مختلفة في تكوينها وترتيبها من أعضاء المونادات الاخيرة. ويجب ألا ننسى أن تأثير المونادات على بعضها البعض تأثير مثالي خالص، وأنه ليس في العالم شيء غير المونادات. صــ105

-----------------------------------
ثانياً: شذرات لصاحب الرسالة أو الكتاب:-

◙ من الخير التمييز بين الإدارك، أو الحالة الداخلية للمونادة التي تتمثل بها الأشياء الخارجية، وبين الوعي، وهو الشعور الذاتي أو المتأمل لهذه الحالة الداخلية، وهو ما لا يُتاح لجميع النفوس، ولا لنفس واحدة في كل الأوقات، وقد كان إغفال هذه التفرقة هو الخطأ الذي وقع فيه الديكارتيون الذين تجاهلوا وجود الإداراكات التي لا تكون مصحوبة بالشعور، على نحو ما يفعل عامة الناس عندما يسقطون من حسابهم الأجسام التي لا يدركونها إدراكاً حسياً. وهذا هو الذي حمل الديكارتيين أيضاً على الإعتقاد بأن العقول وحدها مونادات، وأن النفوس الحيوانية، ناهيك عن المبادي الأخرى للحياة لا وجود لها على الإطلاق. صــ106

◙ إنه ما من شيء يتم وقوعه بغير أن يكون في إمكان من يعرف الأشياء معرفة كافية أن يقدم سبباً يكفي لتحديد علة وقوعه على هذا النحو لا على نحو آخر. فإذا وضع هذا المبدأ كان أول سؤال يحق لنا أن نطرحه هو هذا السؤال: لم كان وجود (شيء ما) ولم يكن بالأحرى عدم. ذلك لأن العدم أبسط وأيسر من أي شيء. وإذا افترضنا ضرورة وجود أشياء، فقد لزمنا أن نكون قادرين على تقديم سبب يبين لماذا يتحتم أن توجد على هذه الصورة لا على صورة أخرى. صــ111

ينبغي لهذا الجوهر البسيط أن يحتوي على اقصى قدر ممكن من كل الكمالات المتضمنة في الجواهر المشتقة الناتجة عنه. ولهذا فيكون كامل القدرة والمعرفة والإرادة، أي سيكون مطلق القدرة، شامل العلم، واسع الرحمة. ولما كانت العدالة بأعم معانيها لا تخرج عن ان تكون هي الخيرية المطابقة للحكمة، فلا بد أيضاً من أن يوصف الله بالعدالة في أسمى صورها. صــ112

◙ إن الموسيقى لتسحر أفئدتنا، وإن كان جمالها لا يقوم إلا على تناسب الأعداد والعد الذي لا تشعر به شعوراً واعياً، ومع ذلك فإن النفس تقدره على أساس الضربات والذبذبات المنبعثة من الأجسام الرنانة التي تتلاقى في فواصل زمنية معينة. والبهجة التي تجدها العين في النسب هي من نفس هذا النوع، كما أن مباهج الحواس الأخرى ترجع إلى أمور مشابهة، وإن كنا لا نملك أن نفسرها تفسيراً واضحاً. صــ119

◙ ولكن لا جوز أن يتوهم أحد - كما يفعل البعض نتيجة إساءة فهم مذهبي - أن كل نفس لها كتلة أو قطعة معينة من المادة، مخصصة لها إلى الأبد، وأنها تبعاً لذلك تملك كائنات حية أخرى أدنى درجة، مجعولة لخدمتها على الدوام. لأن الأجسام كلها في سيرورة دائمة، كالأنهار، وتدخل فيها وتخرج منها أجزاء بإستمرار. صــ166 //يعلق المترجم بأن عبارته هذه شبيه بما قاله من قبل هيراقليطس، وشذراته المعروفة ومنها : من المستحيل النزول في نفس النهر مرتين، كل شيء يسيل على الدوام ، الكل يسيل (أو يتدفق) كما يسير النهر.//

◙ وهكذا فإن النفس لا تغير جسمها إلا ببطء وبالتدريج، بحيث لا تجرد أبداً من جميع أعضائها دفعة واحدة، وكثيراً ما يتم التحول بين الحيوانات، ولكن تقمص الأرواح أو تناسخها لا مكان له على الإطلاق: كذلك لا توجد نفوس قائمة بنفسها أو مستقلة تمام الإستقلال (عن الأجسام) ولا أرواح بغير أجسام. إن الله وحده منزه عن الجسمية كل التنزيه. صــ167

  • Digg
  • Del.icio.us
  • StumbleUpon
  • Reddit
  • RSS